Telegram Web Link
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
خــــيركــم خــــيركـــم لأهــــله
للشيخ/ إبراهيم بن صالح العجلان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أهداف الخطبة :
1/ احتدام التوتر في الأسر المسلمة 2/ النبي -عليه السلام- المثل الأعلى في العلاقة الزوجية 3/ هديه -عليه السلام- مع زوجاته 4/ أم المؤمنين عائشة تصف رسول الله 5/ مشاهد من بيت النبوة 6/ نصائح لإصلاح ذات بين الأزواج


الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، وأن عليه النشأة الأخرى.

أحمده سبحانه وأشكره على ما أعطى وهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي النهى، ومن سار على دربهم واقتفى.

أما بعد: فإن خير ما يوصي المرء أخاه أن يتقي ربه ومولاه، ويعتصم بحبله وهداه، فهو العصمة من الفتن إذا تزاحمت، وهو النور في الإحنِ إذا تراكمت: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29]، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) [البقرة: 282].

معاشر المسلمين: حينما يكون الحديث عن سيرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- فإن الحديث يطيب، والقلوب تهفو، والآذان تصغي، كيف لا يطيب الحديث عن رجل أحيا الله به البشرية، وأخرجها من الظلمات إلى النور، كيف لا يحلو الكلام عمن أحبه الله واصطفاه، وأكرمه واجتباه وجعله نورًا يهدي إلى صراط مستقيم، غير أن حديثنا عن حبيبنا لن يكون عن النبي القائد ولا عن الرسول الداعية المربي، وإنما سيكون الحديث عن محمد -صلى الله عليه وسلم- زوجًا وبعلاً.

فتعالوا -إخوة الإيمان- نفتح نوافذ عن سيرته الأسرية ونتفيأ شيئًا من مشكاته مع شريكات عمره.

ما أحوجنا أن نروي أنفسنا ومجتمعنا من هذا الهدي الصافي والخلق الوافي، وبالأخص في هذا العصر الذي تطالعنا فيه الدراسات باستمرار عن ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع.

أما أخبار النزاع الزوجي، والعنف الأسري فقد طفح كيلها وعلا زبدها.

إخوة الإيمان: لقد تمثل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- صورة المعاشرة مع أهله في أبهى حللها، فكان -عليه الصلاة والسلام- خير زوج لخير أهل، كيف لا وهو القائل: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

حبا الله تعالى نبيه أكمل الأخلاق وأنبل الصفات، فكان -عليه الصلاة والسلام- لزوجاته الزوج الحبيب، والموجه الناصح، والجليس المؤانس.

كان -عليه الصلاة والسلام- يمازح نساءه في السراء، ويواسيهن في الضراء، كان يسمع شكواهن، ويكفكف دموعهن، لا يؤذيهن بلسانه، ولا يجرح مشاعرهن بعباراته، يتحمل منهن الأذى وسلاطة القول، وما ضرب بيده امرأة قط، لا يتصيد الأخطاء، ولا يتتبع العثرات، ولا يضخم الزلات ولا يديم العتاب، يتحمل الهفوة، ويتغاضى عن الكبوة، قليل الملامة، كثير الشكر والعرفان.

ينظر إلى أحسن طباع المرأة، ويظهر حبه بهذا، ولا غرو في ذلك، فهو القائل: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر".

عباد الله: ولعلنا نقترب من بيوت النبوة لنرى بعض المشاهد التي دونتها كتب السنة، وحفظت لنا شيئًا من عشرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أهل بيته، ليتضح لنا بعد ذلك عظمة الخُلُق وبساطة الحياة، ومثالية القوامة.

وأول إطلالة نقترب منها هي مع ذلك البيت الصغير الذي ملئ إيمانًا وحكمة، وأذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرًا، نطل إلى ذلك المنزل المتواضع من كوة فتحتها لنا أمنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حينما تواردت عليها سؤالات الناس: ماذا كان يصنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته عندك، فأجابت -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألين الناس وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضحاكًا بسامًا، كان يكون في مهنة أهله يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".

تأمل معي -يا عبد الله- هذه الكلمات المعدودات، وهذا الوصف الوجيز البليغ: "كان ألين الناس، وأكرم الناس".

لم يكن نبينا تشغله قيادة الأمة، وهمُّ دعوة الناس وإصلاح المجتمع، عن إعطاء أخص قراباته بره وكريم خلقه.

لقد رأى الناس لين المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسماحة تعامله حتى شهد له ربه بذلك فقال عنه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران: 186]. وكذا بلغ هذا اللين نهايته في تعامله مع أهل بيته.

لقد رأى الصحابة كرم النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يعجم البيان عن وصفه، فكان لأهل بيته بعد ذلك القدح المعلى من هذا الكرم المحمدي.

"كان ضحّاكًا بسامًا"، ما أحوجنا -عباد الله- أن نتمثل هذا الخلق مع أهلنا في منازلنا، يطول عجبك من حال البعض، يجود بالكلام الحسن والثغر المبتسم مع أصحابه ورفاقه، حتى إذا أغلق منزله وخلا بأهله، تغيرت شخصيته، فلا ترى إلا قتامة التجهم، وملالة التضجر، ولغة التأفف، م
ع أن أهل بيته ومَنْ جعل الله بينه وبينهم مودة ورحمة هم أولى الناس بالبشاشة، وأسعد العباد بهذا الخلق.

ثم تأمل معي قول أم المؤمنين: "كان يكون في مهنة أهله".

سل نفسك -يا عبد الله-: كم كان حجم بيت المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حتى يكون هو في خدمة أهله؟! ثم هل شكت إليه عائشة -رضي الله عنها- كثرة العمل ومشقته حتى قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بخدمتها ومعونتها.

لقد عاش نبينا -صلى الله عليه وسلم- مع زوجته عائشة -رضي الله عنها- في حجرة لا تتجاوز مساحتها خطوات معدودات، وكان يأتي عليهما شهران وما أوقد في بيته نار.

فهل ثمة جهد تحتاج معه عائشة إلى معونة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟!!

كلا وربي، وإنما هو لمعنى أعمق وهو أن هذه الأعمال وإن كانت يسيرة وحقيرة في نظر البعض إلا أنها تحمل رسالة إلى قلب الزوجة تصنع فيها وشائج المودة، ما لا تطيقه آلاف الكلمات ومعسول العبارات.

هذه الأعمال اليسيرة كأنما تنطق فتقول: إن المشاركة مع المرأة في بيتها هي التي تبني المودة وتزرع الألفة وتديم الحياة الزوجية حية دفاقة؛ لأن المرأة تنظر إلى زوجها بأنه قريب منها يحمل عنها شيئًا من عبئها، فيكبر في عينها بقدر تواضعه، ويعظم في نفسها بقدر بساطته.

ومشهد آخر من بيت النبوة المبارك، يجلس النبي -صلى الله عيه وسلم- في بيت عائشة يتبادلان الحديث في جوٍّ هادئ مفعم بالمودة، فلم يفجأهم إلا طرقات الباب، وإذا هو خادم أم المؤمنين زينب بنت جحش يحمل بين يديه طعامًا صنعته زينب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فتحركت في قلب عائشة غيرتها، واضطرب في كوامنها ما تجده كل امرأة بفطرتها وغريزتها تجاه ضرتها، فأخذت الصحفة من يد الخادم فضربتها بحجر ففلقتها نصفين، وتناثر الطعام يمينًا وشمالاً.

فماذا صنع نبينا وقدوتنا -صلى الله عليه وسلم- أمام هذا المنظر؟! هل اعتبر هذا التصرف قضية تقلل من هيبته وتخلخل قوامته؟! أم تراه أسمع زوجته سلسلة من كلمات العقاب وعبارات التوبيخ؟! أم تراه توعدها بالهجران؟!

كلا، كلا، لم يقل حينها شيئًا من ذلك، إنما تعامل مع هذا الخطأ بالأسلوب الأمثل الذي ليس فوقه علاج.

راعى في المرأة نفسيتها وسبب خطئها، جعل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يجمع بيده الكريمة الطعام من هنا وهنا وهو يقول: "غارت أمكم، غارت أمكم".

ثم وضع الطعام في صحفة عائشة السليمة وأهداها للخادم وأبقى الصفحة المكسورة عند عائشة –رضي الله عنها-، وهكذا انتهت المشكلة وعولج الخطأ بكل هدوء.

ومشهد آخر في بيت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ينشب خلاف بينهما وبين المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لم تنقل لنا كتب السيرة ومدونات السنة سبب الخلاف، ولكنها نقلت لنا أن عائشة -رضي الله عنها- قد علا صوتها صوتَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وراجعته في بعض الأمور، ووافقت هذه اللحظات مرور الصديق -رضي الله عنه- بباب ابنته عائشة، فذلف سمعه صوت ابنته عاليًا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاستأذن الصديق، ودخل بيت عائشة وقد امتلأ غيظًا وهو يقول: يا ابنة أم رومان -لم ينسبها لنفسه من شدة حنقه عليها-، قال: لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله، وإذا بعائشة التي كانت تراجع النبي -صلى الله عليه وسلم- تلوذ بالذي كانت تراجعه وتحتمي خلف ظهره، ورسولنا -صلى الله عيه وسلم- يمنع أبا بكر من ابنته، ويهدي غضبه ويسكن نفسه، حتى خرج أبو بكر -رضي الله عنه- من عندهم مغضبًا، فالتفت أكرم الخلق، ومن أسر القلوب بخلقه إلى عائشة وقال لها ممازحًا ومخففًا: "يا عائشة: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل!!". فما كان من عائشة إلا أن استحيت وذهب ما كان من مراجعتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ويشاء الله ويمر الصديق من بيت عائشة فيسمع رنين الضحكات، فيستأذن عليهما ويقول: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، قال النبي -صلى الله وسلم-: "قد فعلنا قد فعلنا".

ولعله يزداد عجبك -يا عبد الله- وتطول دهشتك إذا علمت أن خير الخلق -صلى الله عليه وسلم- كانت تهجره إحدى زوجاته يومًا كاملاً فلا تكلمه.

يحكى لنا عمر بن الخطاب خبر هذا الهجران فيقول: "كنا -معشر قريش- نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار"، قال عمر: "فصخبتُ على امرأتي، فراجعتني فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟! فوالله إن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل".

ففزع عمر وقال: "لقد خاب من فعل ذلك منهن"، ثم انطلق إلى ابنته حفصة أم المؤمنين ليستثبت الخبر منها، قال: "يا حفصة: أتغاضب إحداكن رسول الله؟! قالت: نعم، قال: وتحجره حتى الليل؟! قالت: نعم؟! قال لها: قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتهلكي؟!".

أما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فما زاده هذا الهجران إلا حلمًا، ولا هذه الإساءة إلا صبرًا.

فسبحان من خلق الخُـلُق ثم أعطاه لنبيه -صلى الله عليه وسلم-!!

ومشهد آخر تبرز فيه براعة المصط
فى -صلى الله عليه وسلم- في حل مشاكل الأسرة.

يدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- بيته ذات يوم فيجد أم المؤمنين صفية بنت حيي تبكي وتمسح الدموع من مآقيها، سألها عن سبب بكائها، فأخبرته أن حفصة بنت عمر جرحت مشاعرها، وقالت لها: أنت ابنة يهودي.

فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- بضع كلمات ضمدت جرحها وجبرت خاطرها، قال: "قولي لها: زوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى"، والتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حفصة وقال لها: "اتقي الله يا حفصة".

وهكذا عالج النبي -صلى الله عليه وسلم- الموقف بكلمات معدودات رأب فيه الصدع، وهدَّأ النفس، وذكَّر المخطئ.

عباد الله: ومن صور عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أهله أنه كان كثيرًا ما يشاورهم ويبث همومه لهم، فلم يكن نبينا -صلى الله عليه وسلم- ينظر أن دعوته وقضيته أكبر من شأن المرأة.

يُصد النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البيت، ويصالح المشركين بالحديبية، فيأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه -وقد أحرموا- بأن ينحروا ويحلقوا، فثقل هذا الأمر على نفوس الأصحاب -رضي الله عنهم-، فما خرجوا من ديارهم إلا لأجل العمرة، فلم يمتثلوا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- خيمته وقد عرف في وجهه الأسى والغضب، فتسأله أم المؤمنين أم سلمة فيقول: "ما لي آمر بالأمر فلا يُتَّبع؟!"، وأخبرها الخبر، فأشارت عليه -رضي الله عنها- بمشورة طابت لقلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالت: "اخرج ولا تكلم أحدًا، ثم انحر هديك واحلق رأسك، فإنهم سيفعلون كما تفعل".

فأخذ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بمشورة زوجته وصنع كما أشارت، فثار الصحابة -رضي الله عنهم- يحلق بعضهم بعضًا حتى كاد يقتل بعضهم بعضًا من الغم.

تلك -عباد الله- حال نبيكم -صلى الله عليه وسلم- مع أهله، وشيء من أخباره داخل بيته، علها تكون لنا قدوة ومثلاً: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون...


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له العاقبة في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نبيه المرتضى ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى.

أمـــا بعـــد:
فيا إخوة الإيمان: هذا الخلق النبوي والعشرة المحمدية تحمل في طياتها رسالة إلى كل من أساء فهم القوامة واختصرها في التعالي الأجوف، والأوامر الفظة والقسوة الحادة.

اعلم -أيها الزوج المبارك- أن بيت المودة لا يبنى على أعمدة الفظاظة وسقف الجفاء، وإنما يشيد بالكلمة الطيبة، والخلق الحسن، والإعذار الدائم.

تذكر -أيها الزوج المبارك- أن امرأتك أمانة في عنقك، أخذتها من أهلها بأمانة الله، واستحللت فرجها بكلمة الله، فاتق الله في ضعفها وأحسن عشرتها، واستكمل حقوقها ولا تكلفها العمل فوق وسعها.

وتذكر أن إكرام المرأة عنوان مروءة الرجل، وأصل وفائه، وأن إهانتها وظلمها برهان على خسة الخلق، وسفالة الرجولة.

أيها الزوج المبارك: اجعل هدي نبيك مع أهله نبراسًا لك في حياتك إذا كرهت من أهلك خلقًا، فتذكر الصفات الإيجابية فيها، ولا تنس أن كل مخلوق طبع على النقص، وأن الكمال محال، تعامل مع أخطائها بسماحة ويسر، وعالج الأمور بهدوء واتزان، واجعل أمام عينيك دائمًا وصية نبيك وحبيبك -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا".

اللهم صل على محمد ..
وعلى آله وصحبـــه وســـلم.
=========================
🎤خطبة الاستسقاء🎤





الحمدُ لله الذي خلَق كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا، سبحانه له مقاليدُ السّموات والأرض وإليه يُرجع الأمر كلُّه
، وكان بعباده سميعاً بصيراً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له وهو أحقُ أن يُذكر بكرةً وأصيلاً،
وأشهد أنَّ سيّدنا ونبيّنا محمَّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

إن تقوى الله سبحانه حمت أولياءَ الله محارمَه، وألزمت قلوبهم مخافتَه، استقربوا الأجل فبادروا العمل.

أيها الناس قال سبحانه {وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} وإلاّ فإنّ فشوَّ المنكراتِ وإعلانَها مؤذنٌ بسيلِ عذابٍ قد انعقَد غَمامُه ومُؤذنٌ بليلِ بلاءٍ قد ادلهمَّ ظلامه،
أيّها المؤمِنون، ولأجلِ ذلك فإنَّ الله تعالى يذكِّر عبادَه إذا غفلوا، وينذرهم إذا عصَوا، ويخبرهم سبحانَه أنّ ما يحلُّ بالبشر إنما هو من عند أنفسهم، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}
فاتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وتوبوا إليه واستغفروه.

ونحن لا نريد أن نتبادل التهم،
كل يلقي اللؤم على الاخر
ولكن جئنا تائبين جميعاً
كل واحد يلوم نفسه
فهوالسبب في منع القطر من السماء
فذنوبنا كثيرة يجب علينا ان نتحلل منها فمن كانت لديه مظلمة لاخيه فليتحللهامن الان قبل ان لاتكون دينارا ولادرهماً
ومن كانت لديه حقوق اخرى كاالزكاة او اموال المساجد اعطاها فان لم يستطيع الان اداأها فليعترف بها امام الله وامام الاخرين
ويقسم على الله انه سوف يؤديها في بداية البزغة وليس في اخرها
فهذا شرط رئيسي من شروط التوبة
وهو الاعتراف بالذنب
وعدم العودة
الى ماكنا عليه من الذنوب والمعاصي

نعم هذه معاصي عظيمة .. هي سبب في منع القطر من السماء، وسبب لعدم إجابة الدعاء...
ولكن من لم يقع في شيء منها ..
فربما وقع في معصية أخرى..
ومن المعاصي التي ربما لا يسلم منها أحد – إلا من رحم ربي – عدم إنكار تلك المعاصي!!
وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
وهذه معصية عظيمة أيضاً قال صلى الله عليه وسلم :
[والذي نفسي بيده، لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر أو ليوشِكَنّ الله أن يبعَث عليكم عذابًا مِنه ثم تدعونَه فلا يستجيب لكم] وقال سبحانه {ولْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أكد سبحانه الأمر بفعل المضارع المسبوق باللام والواو فقال { ولْتَكُن}
وقال صلى الله عليه وسلم [من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن يستطع فبلسان...]
وأكد الحبيب الأمر ب بفعل المضارع المسبوق باللام والفاء [فليغيره] وقد عد بعضُ العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس من أركان الإسلام . وأقل ما قيل فيه أنه فرض كفاية؛ إذا قام به من يكفي سقط الأثم عن الباقين....
ويبقى السؤال ... الآن هل قام به من يكفي؟ والجواب : لو كان القائمين به كافين،
لمَ رأينا منكرات في وسائل الإعلام، وفي الأسواق، الشوارع ، وفي البيوت. !!!

ألا وإنَّ شؤم المعاصي وبيل، وقد قال الله تعالى في محكم التنزيل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قال مجاهد: "إنَّ البهائم لتلعَن عصاةَ بَني آدم إذا اشتدَّت السَّنة وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤمِ معصيةِ ابن آدم" وعَن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّه قال: (إنَّ الحبارَى لتموت في وكرِها من ظلمِ الظالم)
قال تعالى {واتقوا مصيبة لا تُصيبن الذين ظلموا منكم خاصة* واتقوا الله إن الله شديد العقاب}
وقد استعاذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالله أن يدركَ أصحابُه زمانَ ظهور الفاحشةِ والإعلان بها ونقصِ المكيال والموازين ومنعِ الزكاة، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أقبَل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا معشرَ المهاجرين، خمسٌ إذا ابتُليتم بهنّ وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحِشة في قومٍ قطّ حتى يعلِنوا بها إلاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضَت في أسلافهم الذين مضَوا، ولم ينقُصوا المكيالَ والميزان إلاّ أخِذوا بالسِّنين وشدَّة المؤونةِ وجَور السلطان عليهم، ولم يمنَعوا زكاة أموالهم إلاّ منِعوا القطرَ من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقُضوا عهدَ الله وعهد رسولِه إلاّ سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكُم أئمّتهم بكتابِ الله ويتخيَّروا ممّا أنزل الله إلا جعَل بأسَهم بينهم)) رواه ابن ماجه وصححه الحاكم
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا

مدراراً.
{ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}

إنَّ الله لا يبدِّل أمنَ الأمم قلَقًا ولا رخاءَها شِدّةً ولا عافيتَها سَقامًا لأنه راغبٌ أن يذيقَ الناسَ المتاعبَ ويرميهم بالآلام. كلا، إنّه بَرٌّ بعبادِه، يغدِق عليهم فضلَه وسِتره، ويحيطهم بحفظِه، ويصبِّحهم ويُمَسّيهم برزقه، ولكنّ الناسَ يأخذون ولا يحسِنون الشكرَ، ويمرحون من النِّعَم ولا يقدِّرون ولِيَّها ومُسديها سبحانه. وعندما يبلغ هذا الجحودُ مداه وعندما ينعقِد الإصرارُ عليه فلا ينحلّ بندمٍ، عندئذٍ تدقُّ قوارعُ الغضبِ أبوابَ الأمم، وتسودّ الوجوهُ بمصائبِ الدنيا قبل نكالِ الآخرة،
وما المصائب التي أحاطَت بالأمّة إلاّ سياطٌ تسوقها إلى العودةِ لباريها والبراءةِ من الذنوب ومخازيها والتنادي بالرجوعِ إلى الله بالتزامِ أمره واجتناب نهيِه وإقامِ الصلاة وإيتاءِ الزكاةِ وحربِ الربا ونبذِ الظّلم وإيقافِ وسائلِ الرّذيلة ودُعاتها والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر؛ لتسلَمَ سفينةُ المجتمَع وتُرَمَّم خروقُها وتسَدَّ ثقوبها، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}

ولذا فنحن جميعاً مطالبون بالتوبة النصوح ، فتوبوا إلى الله جميعا لعلكم ترحمون، قال تعالى {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} فبادِروا بتوبةٍ نصوح ما دام في العُمر فسحة والباب مفتوح، وأكثِروا من الاستغفار فبِه تُستَجلَب رحمة الله، فقال سبحانه: {ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} قرأها الفاروق رضي الله عنه من على المنبر يستسقي ثم قال: (لقد طلبتُ الغيثَ بمجاديح السماء التي يُستنزَل بها المطر).
وقال تعالى {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

(ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون)

🌳🌳🌳🌳🌳🌳🌳🌳

______________________
الحمد لله مقسم الأرزاق ومقدر الآجآل الذي خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى لا رب سواه ولا معبود بحق غيره والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :

عباد الله اتقوا الله فإن تقواه خير مكتسب وأطيعوه فإن طاعته أفضل نسب
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء


أيها الناس :
هاهي مواسم الأمطار تمر بنا وترتحل عنا وها نحن نصلي وندعو ثم لا نسقى فتعالوا لنبحث في أنفسنا عن أسباب ذلك فإننا نعلم أن الله هو الرحمن الرحيم وأنه أرحم بنا من أنفسنا وقد وعدنا بالاستجابة للدعاء فقال (( وقال ربكم ادعوني استجب لكم)) وهذا وعد عام خصه الله بقوله (( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء))
وكلنا يعلم جزما أن كل فعل لله فهو صادر عن حكمته .
أيها الناس : لو طلبنا من أصغرنا وقلنا لماذا بعد كل هذا لا نسقى لقال إنه بسبب المعاصي
ولو سألنا أي واحد فينا ما علاج المعاصي لقال التوبة
عباد الله هذا هو السبب معروف والعلاج مكشوف فلماذا التأخر لا تلتفت يمينا ولا يسارا أنت المخاطب نعم معاصيك أنت هي سبب منع القطر فهل من تائب وهل من معاهد لربه في هذا المكان
أين من يكذب أين من يغش أين من يعمل الذنوب والمعاصي أين من يستمع الغناء
اين من يترك الجمع والجماعات اين من يغتابون اين من يسفكون الدماء ويقطعون السبيل اين من يأكلون الحرام ويأخذون اموال الناس ظلماًبغير حق اين من يأكلون اموال المساجد والارحام ويمطلون في الزكاة
اين من يلقي اللؤم على الاخرين وينسى نفسه اين من يتابعون القنوات ويأكلون القات ويهجرون بيوت الله وكتاب الله
اين اين اين
اين من يترك واجبه طالبا كان أو معلما
او اباً اوإبنا
ذكراكان اوانثى
ما لكم لاترجون لله وقاراً

فكل من يعمل معصية فهو السبب السبب في منع الأمطار وفي تسليط العدو وفي كل فساد ظهر في البر أو البحر
أيها المسلمون إذا كنتم خرجتم كما تخرجون كل يوم دون توبة ولا استغفار ولا ندم ولا اعتذار ولا عزم على الإقلاع وعدم الرجوع إلى الآصار فسوف تحصلون نفس النتائج
وأنتم ترون لو أن طالبا لم يذاكر هل سينجح؟ طبعا لا ولو عاد إلى الاختبار ألف مره
ولكن الحل بأيديكم ودلكم عليه خالقكم
فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا
اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا الغيث ولا

تجعلنا من القان
طين اللهم أغث العباد والبلاد اللهم إنا نشكوا إليك انقطاع المطر فافتح علينا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض
أيها الناس يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (( يقول الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث ذكرني ))
فما ظنكم برب العالمين إننا والله لنظن أن الرحمن الرحيم سوف يغيثنا لا لأننا نستحق ذلك
بل لأنه هو الغفور الشكور الرءوف الرحيم العليم بضعفنا وقلت حيلتنا وكل شئ قيده الله في القرآن إلا الشكر فإنه قال فيه (( لئن شكرتم لأزيدنكم))
ولم يقل إن شئت ولا مكره لله ولكنه فضل الله فزيدوا في شكر النعم الحاضرة تأتيكم النعم المفقودة
واذكروا ربكم فقد سمعتم أنه مع من ذكره ومن كان الله معه نصره

عبادَ الله، أما وقد خَرجتُم تستغيثونَ وتستَسقون فأظهِروا الحاجةَ والافتقارَ، واعقِدوا العزم والإصرار على اجتنابِ المآثِم والأوزارِ، وقد روَى أهل السنَن وأحمد عن ابن عباسٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج للاستسقاءِ متذلِّلاً متواضِعًا متخشِّعًا متضرِّعًا ، والله تعالى أمر بالدعاءِ ووعَد بالإجابة وهو غنيٌّ كريم سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فاستغفِروا وادعوا، وأبشِروا وأمِّلوا، وارفعوا أكفَّ الضّراعة إلى الله مبتهلين.

اللّهمّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهمّ أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغثنا، غثيًا هنيئًا مَريئًا غَدَقًا طبَقًا مجلِّلاً سحًّا عامًّا دائمًا نافعًا غيرَ ضار عاجلاً غير آجل، اللّهمّ تحيي به البلادَ وتسقِي به العبادَ وتجعله بلاغًا للحاضِر والباد، اللهم اسقِ عبادك وبهائمَك وأحيِ بلدَك الميت، اللهمّ سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، اللهمّ سقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللّهمّ إنَّ بالعباد والبلادِ مِنَ اللواء والجَهد والضّنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبِت لنا الزرع وأدِرَّ لنا الضّرع وأنزِل علينا من بركاتك، اللّهمّ ارفَع عنا الجهدَ والجوعَ والعُري، واكشِف عنا من البلاءِ ما لا يكشفه غيرك.
اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا. اللّهمّ إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنّا بذنوبِنا فضلك. اللهم أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوّةً لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين. اللّهمّ أسقِنا الغيثَ وآمِنّا من الخوف ولا تجعلنا آيسين ولا تهلِكنا بالسنين واغفِر لنا أجمعين واكشِف ما بالمسلمين من بلايا يا أرحم الراحمين.
ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.

ألا فاعلموا ـ عباد الله ـ أنه يسنّ في مثل هذا الموطن أن تقلبوا أرديتكم اقتداءً بفعل نبيكم صلى الله عليه وسلم ، فقد حوَّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه.
تفاؤلاً بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث،
وادعوا ربكم وأنتم موقنون بالإجابة.
وصلوا وسلموا على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
حـســـــن خـــلـــــــق الــنـــبـي
صــــلى الــلــــه علــــيه وســـلـــم
للشيــــخ/ مــحــمــــد حــــســــــــان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمد لله رب العالمين ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .

أما بعد: فحياكم الله -جميعاً-
أيها الإخوة الفضلاء الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم -جميعاً- من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! حسن الخلق يُحَب لذاته، فكيف لو اجتمع مع حسن الخلق حُسنُ الخَلق؟! ذلكم هو المصطفى صلى الله عليه وسلم.

إسلام ثمامة بن أثال وبيان جميل خلقه صلى الله عليه وسلم معه
روى البخاري ومسلم رضوان الله ورحمته عليهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربط الصحابة ثمامة بن أثال في سارية -أي: في عمود من أعمدة المسجد النبوي- فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد ثمامة مربوطاً في سارية من سواري المسجد فعرفه -لأن ثمامة كان سيداً في قومه- فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال: عندي خير يا محمد! إن تقتل تقل ذا دم! -يعني: إن قتلتني قتلت رجلاً له مكانته في قبيلته، ولن تفرط قبيلتي في دمي وفي الأخذ بثأري -إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنْعِم تنعم على شاكر- يعني: فإن أطلقتني سأعترف لك بهذا الجميل وسأشكره لك ما حييت- وإن كنت تريد مالاً فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثاني دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال له: ماذا عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك يا محمد! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثالث دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال: ماذا عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك يا محمد! إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت .

فقال المصطفى: أطلقوا ثمامة .. أطلقوا ثمامة لا نريد فدية ولا مالاً، بل ولا نلزمه بالإسلام، ولا نكرهه على الإيمان أطلقوا ثمامة فانطلق ثمامة، بعد أن فكوا قيده وانطلق إلى أقرب نخل إلى جوار المسجد النبوي فاغتسل، ثم عاد مرة أخرى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله).

أخي الحبيب! تدبر معي قول ثمامة : يا رسول الله! والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينُك أحبَّ الدين كله إلي، والله ما كان على الأرض بلدٌ أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إلي! ثم قال: يا رسول! الله لقد أخذتني خيلك وأنا أريد العمرة، وقد كانوا يعتمرون ويحجون إلى البيت وهم على الكفر والشرك. كان أحدهم يلبي فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، فإذا سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلمات يقول: قط قط. يعني: قد اكتفيتم قفوا عند هذا القدر ولا تزيدوا، ثم يزيدون قائلين لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك! ولو تدبر أحدهم في الإضافة بتعقل لوجد أن هذا الإله المعبود من دون الله لا يملك لنفسه شيئاً. ولو تدبر أحدهم بتعقل لعلم أن هذه الآلهة لا تضر ولا تنفع، ورحم الله من رأى يوماً على صنمه بولاً فنظر حواليه فوجد ثعلباً يلعب بالقرب من معبوده، فعلم أن الذي فعل هذه الفعلة الشنعاء هو هذا الثعلب، فنظر إلى إلهه والنجاسة تنساح عليه، وتفكر وتدبر في الأمر وقال بعقل راجح راشد: رب يبول الثُعلبان أو الثَعلبان -واللغتان صحيحتان كما قال ابن منظور في لسان العرب- ربٌ يبول الثُعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب فلو كان رباً كان يمنع نفسه فلا خير في رب نأته المطالب برئت من الأصنام في الأرض كلها وآمنت بالله الذي هو غالب يقول ثمامة : (لقد أخذتني خيلك يا رسول الله! وأنا أريد العمرة فماذا ترى أن أصنع؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر). قال الحافظ ابن حجر : فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: بالجنة أو بخيري الدنيا والآخرة، أو بمحو سيئاته. يا
له من فضل (وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمر، فأقبل ثمامة إلى مكة ملبياً، فكان ثمامة هو أول من جهر بالتلبية في مكة، فأخذته قريش وقالوا: من هذا الذي اجترأ علينا -أي: جهر بالتلبية بين أظهرنا- من هذا الذي يردد الكلمات التي يعلمها محمد -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه؟! فأخذوه وضربوه ضرباً شديداً حتى قال قائلهم: دعوه إنه فلان فأنتم تحتاجون الميرة من اليمامة فجلس ثمامة وهو يقول: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله) هذا لفظ مسلم والحديث في الصحيحين.

وفي رواية ابن إسحاق بسند صحيح: (لما جهر ثمامة بالتلبية وأقبل عليه المشركون فضربوه، وقال أبو سفيان : ألا تعرفون الرجل؟ إنه ثمامة سيد أهل اليمامة، دعوه فأنتم تحتاجون إلى الحنطة -أي: القمح- والميرة من اليمامة، فلما جلس ثمامة قال: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله).

أقول: من أول لحظة دخل فيها ثمامة الإسلام جعل ووضع كل طاقاته ووجاهته ومكانته وقدراته وإمكانياته في خدمة الدين، عرف الإسلام فوضع كل ما يملك من قدرات وطاقات في خدمة دينه الذي اعتنقه، وأنار الله قلبه به، وبالفعل أدى العمرة.

التسليم لأقدار الله
وهنا أقف مع جزئية أخرى فريدة ألا وهي: أن أسر ثمامة كان سبب نجاته من النار، وسبب سعادته في الدنيا والآخرة! ولو علم أن أسره سيكون سبباً لسعادته في الدنيا والآخرة؛ لرحب به، فلقد خرج ليؤدي العمرة على الشرك فأبى الله إلا أن يؤدي العمرة على التوحيد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. إذاً: لابد أن نسلم لكل أقدار الله، ولابد أن تعلم يقيناً أن قدر الله دائماً هو الخير، فقد ينظر أحدنا إلى قدر الله من وجهة نظره، فيراه شراً عليه، لكن الله جل وعلا يقول: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].

كن عن همومك معرضاً ودع الأمور إلى القضا وانعم بطول سلامة تُسليك عما قد مضى فلربما اتسع المضيقُ وربما ضاق الفضا الله يفعل ما يريد فلا تكن متعرضا قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17].

الولاء والبراء في الله
انطلق ثمامة إلى اليمامة فمنع الميرة عن قريش، وقال: (والله لا تصل إليهم حبة حنطة بعد اليوم إلا أن يأذن رسول الله) إنه الولاء لله ورسوله والمؤمنين! إنه البراء المعلن من الشرك والمشركين. فلابد من هذه المفاصلة، ولابد من هذا الفرقان، فإنك إن عشت طوال حياتك حالة الغبش التي يحياها كثير من المسلمين اليوم، فلن تنصر ديناً ولن تنشر سنة. لا تكن مذبذباً بين هؤلاء وهؤلاء، فهناك صنف من الناس الآن كالشاة العائرة بين الغنمين تيعر إلى هذه مرة، وهي لا تسير مع هذه الأغنام، ثم تأتي في المنتصف لتيعر إلى هذه مرة، وهي لا تسير أيضاً مع هذه الأغنام، وهذا شأن النفاق وأهله، فهم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

ترى أحدهم إن جلس مع عامة المسلمين مع بداية انتخابات مقبلة لمجلس شعب أو لمجلس شورى، إن جلس مع أهل الالتزام والسنة قال: قال الله جل وعلا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا والله أحب اللحية وأحب الحجاب، بل وأنا ألزم بناتي بذلك! فإن جلس مع غير هذا الصنف الكريم، وجلس مع العلمانيين المجرمين ممن يعزفون على وتر التحرر والمدنية والبعد عن الرجعية! ومحاربة التزمت والتخلف والرجعية... إلى آخر هذه التهم المعلبة! إن جلس معهم قال: أعوذ بالله، عقول جامدة.. متخلفون.. متأخرون.. رجعيون.. متنطعون.. أصوليون.. وصوليون.. فوضويون! وحاله كما وصف الله فقال: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15]. إن قلت قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتغالي أو قلت قال الصحابة والأولو تبعٌ لهم في الفضل والأعمال أو قلت قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والإمام الغالي صدوك عن وحي الإله ودينه واحتالوا على حرام الله بالإحلال يا أمة لعبت بدين نبيها كتلاعب الصبيان في الأوحال حاشى رسول الله يحكم بالهوى والجهل تلك حكومة الضلال وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205].

أعلن ثمامة المفاصلة الحاسمة بصدق، فلنقتد به، ولنخرج من حالة الغبش والتذبذب بين الإيمان والنفاق.. بين أهل الإيمان تارة وأهل النفاق تارة، بين أهل الطاعة تارة وأهل المعصية تارة، بين أهل السنة تارة وأهل البد
ع تارة، فبهذا لا تصح لك حياة، وبهذه الشاكلة وبهذا الغبش يحيا الآن كثير من الناس! لابد من أن تعلن المفاصلة، ولابد أن تستبين سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين، ولابد من إقامة الفرقان الإسلامي الآن؛ لأن كثيراً ممن ينتمون إلى الإسلام، بل من الكتاب والمفكرين والأدباء يغنون للحاكم بالإشتراكية إن كان الحاكمُ إشتراكياً، ويرقصون ويعزفون على الديمقراطية المزعومة إذا كان الحاكم ديمقراطياً، فهم يركبون كل موجة ويعيشون في كل بيئة، ويتلونون بلون كل أرض، فهم يعيشون حالة غبش وتذبذب لا ينبغي لمسلم صادق يحترم نفسه أن يحيا هذه الحياة أبداً.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الممتحنة:1]نداء لأهل إيمان: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1] وقال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]. وقال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له؟! إن حبيب حبيبي حبيبي، وعدو حبيبي عدوي، هذا هو الولاء، وهذه قاعدة الولاء والبراء: حبيب حبيبي حبيبي وعدو حبيبي عدوي، من أحب الله ورسوله فهو حبيبي في أي أرض وتحت أي سماء، ومن عادى الله ورسوله فهو عدوي فوق أي أرض وتحت أي سماء!! أتحب أعداءَ الحبيب وتَدَّعي حباً له ما ذاك في الإمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصان فإن ادعيت له المحبة مع خلافك ما يحبُ فأنت ذو بهتان وقال آخر: لو صدقت الله فيما زعمته لعاديت من بالله ويحك يكفر وواليت أهلَ الحقِ سراً وجهرة ولما تعاديهم وللكفر تنصر فما كل من قد قال ما قلت مسلمٌ ولكن بأشراطِ هُنالك تُذكر مباينة الكفار في كل موطن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً لذاك وتجهر هذا هو الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم لو كنت تشعر إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:68]. فنحن أولى الناس بإبراهيم عليه السلام. أعلن ثمامة الفرقان، أعلن ثمامة المفاصلة: (والله لا تصل إليكم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله)

قصة رأس النفاق مع ولده
روى الطبري بسند حسن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله! هل سمعت ما قال أبوك؟! فقال عبد الله : وماذا قال بأبي أنت وأمي يا سول الله؟! فقال المصطفى: قال أبوك: لئن رجعنا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل -يذكر رأس النفاق أنه سيخرج من المدينة رسول الله، وهو الذي قال قولته الخبيثة: سمن كلبك يأكلك- فقال عبد الله : بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فوالله لأنت الأعز وهو الأذل)! انظروا إلى المفاصلة! وقفوا على الفرقان: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22].

قال عبد الله رضي الله عنه: (بأبي أنت وأمي يا رسول! فوالله لأنت الأعز وهو الأذل! ثم قال: يا رسول الله! والله لقد قدمت يثرب ولا يعلم أحد من أهل يثرب أن هناك من هو أبر بأبيه مني، أما وقد قال ما قال، لتسمعن ما تقر به عينك يا رسول الله! وأخذ عبد الله السيف وانطلق إلى ناصية المدينة، فلما أقبل أبوه وقف له ولده ورفع السيف في وجهه وقال: إلى أين؟! قال: إلى بيتي .. إلى المدينة، فقال عبد الله : والله لا يأويك ظلها -يعني: المدينة- ولن تبيت الليلة في دارك إلا بإذن من رسول الله؛ لتعلم من الأعز ومن الأذل! إنه الفرقان .. إنها المفاصلة.. فصرخ رأس النفاق: يا للخزرج! يا للخزرج! ابني يمنعني داري! وأبى عبد الله أن يأذن لوالده فانطلقت الرسل إلى خير رسل الله في الأرض إلى المصطفى: يا رسول الله! قد حدث كيت وكيت وكذا وكذا، فأرسل صاحب الخُلق الرفيع إلى عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وقال له: يقول لك رسول الله: ائذن لأبيك، فقال عبد الله : أما وقد جاءك الإذن من رسول الله فلتدخل الآن لتعلم من الأعز ومن الأذل) إنه الفرقان!

أهمية تحقيق الولاء ..
والبراء لا سيما في زماننا
إننا في أمس الحاجة الآن إلى هذا الفرقان، فلا تكن مذبذباً وكن على سنة ولا تحد عن الطري
ق، ولا تطلق اللحية مرة فإذا وقفت أمام المرآة شعرت أنك تحتاج إلى حلقها بالمرة، لا تجلس في مجالس العلم مرة فإذا تعرضت لفتنة تركت مجالس العلم بالمرة. لا تجلس أمام كتاب الله مرة، ثم تتخلى عن كتاب الله بالمرة، لا ترتدي النقاب، ثم إذا تعرضتي لمحنة تجردتي من ثوب العزة والشرف. أخي! لا تكن مذبذباً، بل كن مستقيماً، كما قال المصطفى: (قل آمنت بالله ثم استقم) وكما قال عمر رضوان الله عليه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] قال: ثم استقاموا على دين الله فلم يروغوا روغان الثعالب، فلا تكن كل يوم على حال، إن جلست مع المتبعين فأنت متبع، وإن جلست مع العلمانيين فأنت كذلك. قال ثمامة : (والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة حتى يأذن رسول الله ومنع الميرة حتى أكلت قريش العلهز، -أي: وبر الإبل مع الدم يضعونه على النار ويشوونه ليأكلوه في وقت المجاعة- فأرسل أبو سفيان إلى صاحب الخلق صلى الله عليه وسلم، يقول له: إنك تصل الرحم ونحن رحمك -مع أنهم على الكفر والشرك- إنك تصل الرحم ونحن رحمك، ولقد منع ثمامة عنا الميرة فاكتب إليه، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي بين قريش وبين الميرة، التي كانت تصل إليهم من اليمامة). أيها الإخوة! أعترف منذ البداية أنني عاجز عن أن استخراج الدروس والعظات والعبر من هذا الحديث الجليل المبارك، لكنني أود أن أقف وقفات متأنية مع هذا الحديث العظيم الغالي؛ لأبين لحضراتكم أن الرفق والحلم والخلق حوّل البغض في قلب ثمامة إلى حب فياض. تدبر معي كلمات ثمامة: (والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إليّ). لماذا؟ إنه الرفق.. إنه الحلم.. إنه الخلق.. إنه الأدب، ولقد تعمد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يظل ثمامة مربوطاً في المسجد، وهذا دليل آخر على جواز دخول المشرك إلى المسجد، إن دخل في حاجة أو لغاية بشرط أن لا يدخل للإفساد أو للنجاسة أو لامتهان مقدسات المسلمين. ظل ثمامة في المسجد ثلاثة أيام، وقد تعمد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ثمامة في داخل المسجد؛ ليسمع القرآن غضاً طرياً بأذنه من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليرى الصحابة بين يدي رسول الله كيف يعاملونه؟ وكيف يتأدبون في حضرته؟ وكيف إذا أمرهم ابتدروا أمره؟ وكيف يسمعون له؟ وكيف وكيف؟ رأى ثمامة في هذه الأيام الإسلام يتحول إلى واقع عملي وإلى منهج حياة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فتعلق قلبه بهذا الدين والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم. إنه الخلق، والحديث عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم أحوج ما تكون الأمة إليه الآن. الكل ينادي بالعودة إلى خلق النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من منا الليلة سيتخلق بخلق النبي؟! كلنا يعلم حلمه.. كلنا يعرف كرمه.. كلنا يعرف رقته.. كلنا يعرف أدبه.. كلنا يعرف تواضعه.. كلنا يعرف فضله.. كلنا يعرف رفقه.. كلنا يعرف جماله.. كلنا يعرف حسن خلقه وخلقه.. لكن من منا سيشهد الليلة أو من الليلة لدين النبي شهادة عملية على أرض الواقع، ليحول شيئاً من خلق النبي صلى الله عليه وسلم في حياته إلى واقع عملي ومنهج حياة؟!

تعظيم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم
قال ربنا جل في علاه لسيدنا رسول الله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] ، بل وقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] قال ابن عباس : فرسول الله رحمة للبار والفاجر، فمن آمن به تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر به أجلت له العقوبة إلى الآخرة مصداقاً لقول الله جل وعلا: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33]قال ابن عباس : (والله ما ذرأ الله وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم).

وروى مسلم في صحيحه من حديث أنس والحديث في البخاري أيضاً قال: (لما أوتي بالبراق -واللفظ لـمسلم- للنبي صلى الله عليه وسلم ليركبه ليلة المعراج فانتقض البراق، فقال جبريل للبراق: أبمحمد تفعل هذا؟! فوالله ما ركبك قط رجل هو أفضل عند الله من محمد فارفض البراق عرقاً، وقال المصطفى: فارفض البراق عرقاً)، ما من نبي ولا رسول إلا وله مكانة عند الله، لكن تتجلى مكانة سيد رسل الله في الأرض حينما نقف مع آيات القرآن، فنرى ربنا جل وعلا يخاطب كل الأنبياء والرسل بأسمائهم مجردة إلا المصطفى، فيقول الله: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35].. قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود:48].. (يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:104-105].. يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ [القصص:30].. يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55].. قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود:81].. يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ [مريم:7].. يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12].. يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ [ص:26]. ولما خاطب ا
لمصطفى صلى الله عليه وسلم قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46].. يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41]. وناداه بصفته: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1-2].. يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2].

وجوب الاقتداء العملي بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم
هذه مكانة النبي عند الله وهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند الرب العلي جل في علاه، فمن منا سيشهد من الليلة عملياً للنبي صلى الله عليه وسلم ودينه؟ ما أيسر التنظير لمن يدعى حب النبي صلى الله عليه وسلم هو بعيد عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم. ما أيسر أن نتكلم كلاماً نظرياً جميلاً! لكن من منا سيتحلى في مظهره بشكل النبي عليه الصلاة والسلام؟! من منا سيتحلى في مخبره بالنبي عليه الصلاة والسلام؟! من منا سيسير على منهج النبي صلى الله عليه وسلم فيمتثل أمره ويجتنب نهيه؟! ومن منا سيتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أيها الأحبة! ما أحوج الأمة الآن بحكامها وعلمائها ودعاتها ورجالها ونسائها وأطفالها إلى أن ترجع من جديد إلى أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

حلمه صلى الله عليه وسلم
أيها الأحبة! روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أعرابياً قام في طائفة المسجد النبوي - يعني: في جانب من جوانب المسجد النبوي- يتبول في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه! فقام الصحابة وقالوا: مه مه! ماذا تصنع أيها الأعرابي الجلف؟! لم تجد مكاناً لتتبول فيه إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب الخلق يقول: لا تزرموه) ووالله لو سكت لكان فعلاً كريماً، ولكان هذا الفعل خلقاً كريماً، لكنه يقول: (لاتزرموه) يعني: دعوه يكمل بوله! والآن ماذا لو تبول طفل من أطفالنا في المسجد؟! ماذا لو دخل سفيه إلى مسجدنا في جميع كبير كهذا الجمع وتبول، أو وقف أمام الشيخ وتبول؟! ماذا لو دخل سفيه الآن فسبني وأنا أتكلم؟! ولكن صاحب الخلق يقول: (لا تزرموه) يعني: لا تقطعوا عليه بوله، وأكمل الأعرابي تبوله تماماً بطمأنينة كاملة وكأنه في خلاء بيت: (ثم نادى عليه رسول الله وقال له: إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا، وإنما جُعلت للصلاة ولذكر الله ولقراءة القرآن، يا فلان! ائتني بدلو من الماء، فأفاضوا عليه دلواً من الماء فطهر المكان) وهكذا أنهى الإشكال كله، فانفعل الأعرابي بهذا الحلم وهذا الخلق والرفق، فدخل في الصلاة -والحديث في صحيح البخاري في كتاب الأدب- فدخل الصلاة وقال بصوت مرتفع: (اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال له صاحب الخلق بخلق: لقد حجرت واسعاً!). يعني: لماذا تضيق ما وسع الله عز وجل وهو القائل سبحانه: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]؟!

رفقه في تعليم المخطئين صلى الله عليه وسلم
وروى مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (دخلت الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله. يقول معاوية : فرماني القوم بأبصارهم، -يعني: نظروا إليه- فقلت: وا ثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! يقول: فضربوا بأيديهم على أفخاذهم يصمتونني فسكت، فلما قضى النبي صلاته بأبي هو وأمي والله لم أر معلماً قبله ولا بعده أحسن منه، والله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني إنما قال لي: إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتهليل وقراءة القرآن). وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

حكمته صلى الله عليه وسلم
وأختم هذا الدرس بهذا الحديث الغالي جداً، والحديث في البخاري ومسلم ومسند أحمد وعند أصحاب السنن وغيرهم، من حديث أبي سيعد وعلي وعبد الله بن عمرو وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنائم يوم حنين أعطى المؤلفة قلوبهم وترك الأنصار، ووكل الأنصار إلى إيمانهم بالعزيز الغفار وحبهم للنبي المختار، وأعطى المال للمؤلفة قلوبهم ليتألفهم، وليحببهم في الإسلام، فوجد الأنصار في أنفسهم، وقالوا كلمات شديدة، منها: (غفر الله لرسول الله، غفر الله لرسول الله يعطي قريشاً ولا يعطينا ولا زالت سيوفنا تقطر من دمائهم؟!). وقالوا أيضاً: (والله لقد لقي رسول الله قومه) يعني: من لقي أحبابه نسي أصحابه؟! لما رأى النبي قومه من قريش نسينا فأعطاهم ولم يعطنا، فسمع سعد بن عبادة هذه الكلمات وهو سيد الأنصار فأسرع إلى النبي المختار وأخبره بما قال الأنصار، فقال المصطفى: اجمع لي الأنصار يا سعد فإذا اجتمعوا فأعلمني، فانطلق سعد بن عبادة فجمع الأنصار جميعاً، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! قد جمعت لك الأنصار حيث أمرتني فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم. أخي الحبيب! أعرني قلبك وسمعك وانتبه! قام النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار خطيباً، وهو
أفصح الخطباء الذي كانت تهتز بين يديه لكلماته أعواد المنابر، فهو أفصح من نطق بالضاد وأصدق الناس لهجة: (قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً في الأنصار فقال: يا معشر الأنصار! ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟! عالة -أي: فقراء- فأغناكم الله؟! أعداءً فألف الله بين قلوبكم؟! فقالوا: المن لله ولرسوله، المن لله ولرسوله، فقال المصطفى: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم: جئتنا طريداً فآويناك.. عائلاً فواسيناك.. مخذولاً فنصرناك، فقالوا: المن لله ولرسوله، فقال: يا معشر الأنصار! أوجدتم في أنفسكم في لعاعة -أي: في أمر تافه من أمر الدنيا- أتألف به أقوماً ووكلتكم إلى إيمانكم بالله جل وعلا؟! يا معشر الأنصار! والله لولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، فاللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، فبكى الأنصار جميعاً حتى اخضلت لحاهم، ثم قال: يا معشر الأنصار! أما ترضون أن يرجع الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير وترجعون أنتم إلى رحالكم برسول الله؟! فقال الأنصار جميعاً على قلب ولسان رجل واحد: رضينا بالله ورسوله قسماً ومغنماً).

أيها الأحبة! إنه الخلق، فوالله ثم والله لو ظللت أتحدث طوال الليل عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم -على رغم جهلي وقلة بضاعتي- ما مللتم.

أيها الإخوة! ما أحوج الأمة الآن أن تحول خلق النبي صلى الله عليه وسلم في حياتها إلى منهج حياة.. إلى واقع يتألق سمواً وعظمة وروعة وجلالاً، ما أيسر أن تحتفل الأمة وتحتفي بالمولد تارة وبالهجرة تارة، وبليلة النصف من شعبان تارة.. إلى آخره من هذه الاحتفالات والأعياد التي كثرت في أمتنا، أسأل الله أن يكثر أعيادها على السنة. ما أحوج الأمة التي تجيد الكلام والخطابات والاحتفالات والقصائد والأشعار إلى أن تحول خلق النبي المختار إلى واقع عملي ومنهج حياة.

أيها الأحبة! لو ظللنا الدهر كله نتغنى بخلق النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لم نمتثل أمره ولم نجتنب نهيه ولم نقف عند حده، ولم نذب وندافع عن سنته ولم نحمل هم دعوته، فوالله لن نغير من الواقع شيئاً، فما أحوج الأمة في هذا الشهر الذي تحتفل فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحول خلقه إلى واقع عملي ومنهج حياة. وقبل أن أنهي الحديث أريد أن أشير وأنبه إلى ما حدث في أثناء المحاضرة: أقول: أنا قلت للأخ السائل أثناء المحاضرة: اجلس ولم أجبه لسؤاله، وهذا من السنة، والدليل على ذلك: ما رواه البخاري ومسلم : (أن رجلاً دخل المسجد فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس فقال: يا رسول الله! متى الساعة فمضى النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه ولم يجب السائل، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم حديثه قال: أين السائل؟ قال: هأنذا يا رسول الله! قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال السائل -الفقيه-: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟! قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، فمن السنة أن يقول الخطيب أو المتكلم للسائل: اجلس حتى ينهي حديثه، فإن أراد أن يسأل عن السائل فعل وإلا فلا حرج ولا عيب. أسأل الله جل وعلا أن يرد الأمة إلى القرآن والسنة رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
======================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
خــلـــــق الــعــفــو والــصــفــــح
للشيخ/ سعود بن إبراهيم الشريم
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملخص الخطبة :
1- فضل سلامة الصدر. 2- مصدر العزة والرفعة. 3- فضل العفو. 4- حضّ الشريعة على العفو. 5- العفو شجاعة وقوة. 6- ذم التشفّي والانتقام. 7- بين العفو والصفح. 8- فضل الصفح.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أمّا بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدَى هديُ محمّد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة.

ألا فاتَّقوا الله عبادَ الله، واعلموا أنَّما هذه الحياة الدنيا متاع، وأنَّ الآخرة هي دار القرار، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100].

أيّها الناس، سلامة صدرِ المرء من الغشَش وخُلوّ نفسِه من نزعةِ الانتصار للنَّفس والتشَفِّي لحظوظِها لهي سِمَة المؤمن الصالح الهيّن اللَّيِّن الذي لا غلَّ فيه ولا حسَد، يؤثر حقَّ الآخرين على حقِّه، ويعلم أنَّ الحياةَ دارُ ممرٍّ وليسَت دار مَقرٍّ؛ إذ ما حاجةُ الدنيا في مفهومه إن لم تكُن موصِلَةً إلى الآخرة؛ بل ما قيمةُ عيشِ المرء على هذه البسيطة وهو يَكنِزُ في قلبه حبَّ الذات والغِلظة والفَظاظَة و يُفرِزُ بين الحين والآخر ما يؤكِّد من خلالِه قَسوَةَ قلبِه وضيق عَطَنه؟!
ما أكثَرَ الذين يبحَثون عن مصادرِ العزِّة وسبُلها والتنقيب عنها يمنةً ويَسرةً والتطلُّع إلى الاصطباغِ بها أو بشيءٍ منها مهما بلَغ الجَهدُ في تحصيلها، مع كثرَتِها وتنوُّع ضُروبها، غيرَ أنَّ ثمَّةَ مصدرًا عظيمًا من مصادرِ العزَّة يغفل عنه جلُّ النّاس مع سهولَتِه وقلَّة المؤونةِ في تحصيله دون إجلابٍ عليه بخيلٍ ولا رَجلٍ؛ إنما مفتاحُه شيءٌ من قوَّةِ الإرادة وزمِّ النفسِ عن استِتمامِ حظوظها واستيفاءِ كلِّ حقوقِها، يتمثَّل هذا المفتاحُ في تصفِيَة القلب من شواغلِ حظوظ الذّات وحبِّ الأخذ دون الإعطاءِ.

هذه العزّةُ برمَّتها يمكِن تحصيلُها في ولوجِ المرء بابَ العفو والصَّفح والتسامح والمغفرة، فطِيبُ النفس وحسنُ الظنّ بالآخرين وقَبول الاعتذار وإقالةُ العثرة وكَظم الغيظ والعفوُ عن الناس كلُّ ذلك يعَدّ من أهمِّ ما حضَّ عليه الإسلام في تعامُل المسلمين مع بعضِهم البعض. ومَن كانت هذه صفَته فهو خليقٌ بأن يكونَ من أهل العزَّة والرفعة؛ لأنَّ النبيَّ قال: ((ما نقَصَت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلاَّ عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه)) رواه مسلم[1]، وفي لفظٍ لأحمد: ((ما مِن عبدٍ ظُلِمَ بمظلمةٍ فيُغضِي عنها لله إلاَّ أعزَّه الله تعالى بها ونصَره))[2].
فهذِه هي العِزَّة يا باغيَ العزة، وهذه هي الرِّفعة يا من تنشُدُها.

إنها رِفعة وعِزّة في الدنيا والآخرة، كيف لا وقد وعد الله المتَّصفِين بها بقولِه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ[آل عمران:133، 134]؟!

والكاظِمونَ الغيظَ ـ عباد الله ـ
هم الذين لا يُعْمِلون غضَبَهم في الناس، بل يكفّون عنهم شرَّهم، ويحتسِبون ذلك عند الله عز وجل، أمّا العافون عن الناس فهم الذين يعفونَ عمَّن ظلمَهم في أنفسهم، فلا يبقَى في أنفِسهم موجِدَة على أحدٍ.

ومن كانت هذه سجيَّته فليبشِر بمحبَّةِ الله له حيث بلَغَ مقامًا من مقاماتِ الإحسان، وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ [آل عمران:134]. ألا إنَّ مَن أحسن فقد أحبَّه الله، ومن أحبَّه الله غفَر له ورحمه، إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ [الأعراف:56].

العفو ـ عبادَ الله ـ شِعار الصالحين الأنقِيَاء ذوِي الحِلم والأناة والنّفس الرضيّة؛ لأنَّ التنازلَ عن الحقِّ نوعُ إيثارٍ للآجلِ على العاجل وبسطٍ لخُلُقٍ نقيٍّ تقيٍّ ينفُذ بقوّةٍ إلى شِغاف قلوب الآخرين، فلا يملِكون أمامه إلا إبداءَ نظرةِ إجلالٍ وإكبار لمن هذه صفتُه وهذا ديدَنُه.

إنَّ العفو عن الآخرين ليس بالأمرِ الهيِّن؛ إذ له في النّفسِ ثِقلٌ لا يتِمّ التغلُّب عليه إلاّ بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقامِ للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياءِ الذين استعصَوا على حظوظ النّفس ورغباتها وإن كانت حقًّا لهم يجوزُ لهم إمضاؤُه لقوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ [الشورى:41]

غيرَ أنَّ التنازل عن الحقّ وملكةَ النفس عن إنفاذِه لهو دليلٌ على تجاوزِ المألوفِ وخَرق العادات. ومِن هنا يأتي التميُّز والبراز عن العُموم، وهذا هو الشَّديد الممدوحُ الذي يملِك نفسه عند الغضب كما في الصحيحَين وغيرهما عن النبي [3]، وقد أخرج الإمام أحمَد في مسنده قولَ النبيِّ : ((من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفِذَه دعاه الله على رؤوسِ الخلائق حتى يخيِّرَهُ من أيِّ الحور شاء))[4].

أيّها المسلمون، إنَّ شريع
تَنا الغرّاء يوم حضَّت المسلمِين على التخلُّق بخلقِ العفو والتجاوُز لم تقصِر هذا الحضّ في نطاقٍ ضيق أو دائرة مغلَقَة، بل جعلتِ الأمرَ فيه موسَّعًا ليشمَلَ جوانبَ كثيرةً من شؤونِ التّعامُل العَامّ والخاصّ، فلقد جاء الحضُّ من الشارع الحكيم للقيادة الكُبرى وأهلِ الولاية العظمى بذلك؛ لأنَّ تمثُّل القيادَةِ بسيما العفوِ والتسامُح أمارةٌ من أمارات القائدِ الناجحِ كما أمرَ الله نبيَّه في قولِه: خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، والعفو هنا هو التجاوُز على أحدِ التفسيرَين، وكما في قوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:195].

ولقد تعدَّى الحضُّ أيضًا إلى أبوابِ الدِّماء والقِصاص كما في قولِه تعالى: فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ [المائدة:54]، كما تعدى الحضّ أيضًا إلى الزَّوجين في مسألةِ الصداق في الطلاق قبلَ الدخول حيث قال سبحانه: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]

بل إنَّ الحضَّ على العفوِ قد تعدَّى إلى ما يخصّ تبايُع الناس وشراءَهم ومدايناتهم، فقد قال النبي : ((من أقال مسلمًا بيعتَه أقال الله عثرتَه)) رواه أبو داود وابن ماجه[5]، وقال : ((كان تاجرٌ يدايِن الناس، فإذا رأَى معسِرًا قال لفتيانه: تجاوَزوا عنه لعلَّ الله أن يتجاوز عنّا، فتجاوَز الله عنه)) رواه البخاري ومسلم[6].

وثمّة تأكيدٌ على عموم الحضِّ
على العفوِ في التعاملِ مع الآخرين بسؤالِ الرجل الذي جاء إلى النبيِّ فقال: يا رسول الله، كم نعفو عن الخادم؟ فصمَت، ثم أعادَ عليه الكلام فصمَت، فلمّا كان في الثالثة قال: ((اعفوا عنه في كلِّ يومٍ سبعين مرة)) رواه أبو داود والترمذي[7].

وبعدُ يا رعاكم الله: فإنّ العفو والتجاوز لا يقتضِي الذّلَّةَ والضعف، بل إنه قمَّة الشجاعة والامتنانِ وغلَبَة الهوى، لا سيَّما إذا كان العفوُ عند المقدِرَة على الانتصار، فقد بوَّب البخاريّ رحمه الله في صحيحه بابًا عن الانتصارِ من الظالم لقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ [الشورى:39]
وذكَرَ عن إبراهيم النخعيّ قوله: "كانوا يكرَهون أن يُستَذَلّوا، فإذا قدروا عفَوا"[8]، قال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما: (لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى لقبِلتُ عذرَه)[9]
وقال جعفرُ الصادِق رحمه الله:
"لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة"[10]
وقال الفضيل بنُ عياض رحمه الله: "إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلاً فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمِل قلبي العفوَ ولكن أنتصر كما أمرَني الله عزّ وجلّ فقل له: إن كنتَ تحسِن أن تنتَصِر، وإلاّ فارجع إلى بابِ العفو؛ فإنّه باب واسع، فإنه من عفَا وأصلحَ فأجره على الله، وصاحِبُ العفو ينام علَى فراشه باللّيل، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور؛ لأنّ الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان".

ثم إنَّ بعض الناس ـ عباد الله ـ قد بلغ من القسوةِ ما لا يمكن معها أن يعفوَ لأحد أو يتجاوَز عنه، لا ترونَ في حياته إلاّ الانتقام والتشفِّي، ليس إلا. ترونَه وترونَ أمثالَه كمثَل سماءٍ إذا تغيَّم لم يُرجَ صَحوُه، وإذا قَدر لا يُنتَظَر عفوه، يغضِبُه الجرمُ الخفيّ، ولا يرضيه العذرُ الجليّ، حتى إنّه ليرَى الذنبَ وهو أضيقُ من ظلِّ الرمح، ويعمَى عن العذرِ وهو أبيَنُ من وضَح النهار. ترونَه ذا أُذنين يسمَع بإحداهما القولَ فيشتطّ ويضطرب، ويحجبُ عن الأخرَى العذرَ ولو كان له حجّةٌ وبرهان.

ومَن هذه حالُه فهو عدوُّ عقلِه، وقد استولى عليه سلطان الهوَى فصرفَه عن الحسنِ بالعفوِ إلى القبيح بالتَّشفِّي، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: ما ضرب رسول الله شيئًا قطّ بيده، ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهِدَ في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتَقِم من صاحبه إلاّ أن يُنتَهَك شيء من محارِم الله فينتَقِم لله عز وجل. رواه مسلم[11].

ألا إنَّ الانتصارَ للنفس من الظلمِ لحقّ، ولكنَّ العفوَ هو الكمالُ والتّقوى، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40].

باركَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنّه كان غفّارًا.


[1] صحيح مسلم: كتاب البر (2588) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] مسند أحمد (2/436) عن أبي
هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أيضا القضاعي في مسند الشهاب (820)، وفي إسناده محمد بن عجلان اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وقد خولف في إسناد هذا الحديث، فرواه الليث بن سعد مرسلا، ورجح الإرسال البخاري في التاريخ (2/102)، والدارقطني في العلل (8/153)، والحديث في السلسلة الصحيحة (2231).
[3] صحيح البخاري: كتاب الأدب (6114)، صحيح مسلم: كتاب البر (2609) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] مسند أحمد (3/440) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أبو داود في الأدب (4777)، والترمذي في صفة القيامة (2493)، وابن ماجه في الزهد (4186)، وأبو يعلى (1497)، والطبراني في الكبير (20/188)، والبيهقي في الشعب (6/313)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2753).
[5] سنن أبي داود: كتاب البيوع، باب: في فضل الإقالة (3460)، سنن ابن ماجه: كتاب التجارات، باب: الإقالة (2199) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وليس فيه قوله: ((بيعته))، وأخرجه أيضًا أحمد (2/152)، وصححه ابن حبان (5030)، والحاكم (2/45)، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حزم في المحلى (9/3)، وابن دقيق العيد كما في الفيض (6/79)، وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه (3/18): "إسناد صحيح على شرط مسلم"، ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه أيضًا الألباني في إرواء الغليل (1334).
[6] صحيح البخاري: كتاب البيوع (2078)، صحيح مسلم: كتاب المساقاة (1562) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] سنن أبي داود: كتاب الأدب (5164)، سنن الترمذي: كتاب البر (1949) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه أيضا أحمد (2/90، 111)، وعبد بن حميد (821)، وأبو يعلى (5760)، والطبراني في الأوسط (1765)، والبيهقي في الكبرى (8/10)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وجود المنذري في الترغيب رواية أبي يعلى (3/152)، وقال الهيثمي في المجمع (4/238): "رواه أبو يعلى ورجاله ثقات"، وهو في السلسلة الصحيحة (488).
[8] صحيح البخاري: كتاب المظالم، باب: الانتصار من المظالم، قال ابن حجر في الفتح (5/100): "هذا الأثر وصله عبد بن حميد وابن عيينة في تفسيرهما في تفسير قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى:39]".
[9] انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (1/319 ـ مؤسسة الرسالة ـ)
[10] انظر: أدب المجالسة لابن عبد البر (ص116).
[11] صحيح مسلم: كتاب الفضائل (2328).


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام
على من لا نبيَّ بعــــده .

وبعد: فاتَّّقوا الله أيها المسلمون، واعلَموا أنَّ تحضيضَ الشريعة على العفوِ والتجاوُز لم يكن مقتصِرًا على العفو في الظاهرِ دون الباطن، بل إنَّ التحضيضَ عمَّ الظاهر والباطنَ معًا، فأطلق على الظاهر لفظَ العفو، وأطلق على الباطنِ لفظ الصَّفح، والعفوُ والصفح بينهما تقارُبٌ في الجملة، إلاَّ أنَّ الصفحَ أبلغ من العفو؛ لأنَّ الصفح تجاوزٌ عن الذنبِ بالكلية واعتباره كأن لم يكن، أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاطَ اللوم الظاهر دونَ الباطن، ولذا أمَر الله نبيَّه به في قولِه: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85]، وهو الذي لا عتاب معه.

وقد جاءتِ الآيات متضَافِرةً في ذكرِ الصفح والجمعِ بينه وبين العفو كما في قولِه تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ [المائدة:13]،

وقوله: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [البقرة:109]، وقوله سبحانه: وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التوبة:22]، وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًا لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التغابن:14].

العفو والصّفح ـ عباد الله ـ هما خلُقُ النبيّ ، فأين المشمِّرون المقتَدون؟! أين من يغالِبهم حبُّ الانتصار والانتقام؟! أين هم من خلُق سيِّد المرسَلين ؟! سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلُق رسولِ الله فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين[1].

وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:36، 37].

هذا وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على خير البريّة وأزكى البشريّة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحبِ الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبِّحة بقدسه، وأيّه بكم أيها المؤمنون، فقال جل وعلا: يَا أ
َيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرًا)).

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم...

[1] مسند أحمد (6/174، 236، 246)، سنن الترمذي: كتاب البر (2016)، وأخرجه أيضا الطيالسي (1520)، وابن راهويه في مسنده (1612)، والبيهقي في الكبرى (7/45) وفي الشعب (6/312)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (6443)، والحاكم (4224)، وهو في صحيح سنن الترمذي (1640).
=========================
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
الإسراء والمعراج بين الألم والأمل
للشيـخ/ عـــــادل عبــداللـــه هنـــدي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

المقـــدمـــة
الحمد لله ربّ العالمين، الحمد الله الذي أنعم علينا بالإسلام، وجعلنا من أمّة خير الأنام، الحمد لله الذي أكرمنا فأحسن الإكرام، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، لا شريك له في ملكه، لا شريك له في قدرته، لا شريك له في حكمه، سبحانه سبحانه؛ هو عزُّ كل ذليل، وهو قوّة كل ضعيف، وهو غوث كل ملهوف، وهو ناصر كل مظلوم، قال في كتابه الحكيم ممتنًّا على عبده محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]، وأشهدُ أنَّ خيرَ البرية، وأشرف الخلق، وسيد النّاس، محمد بن عبدالله الصادق الأمين، هو مَن هُو؟ أسلم النّاس صدرًا، وأزكاهم نفسًا، وأحسنهم سيرة وسلُوكًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه وسيرته إلى يوم الدين...

أمّا بعد:
فلقد أكرم الله تعالى هذه الدعوة الإسلامية المباركة، وتلك الأمة العظيمة بخير نبي وبخير كتاب وبخير دعوة، أكرم الله أُمّتنا بدولة وفكرة وصحبة عظيمة، وما قامت الدولة، ولا رسخت الفكرة، ولا عظمت الصحبة، إلا بعد تنقية وغربلة لصف المؤمنين.

ولقد تنوّعت مراحل التنقية في تاريخ الأمة ودعوتها، ومن بين مراحل التنقية والتصفية: رحلةٌ بل رحلتان عظيمتان امتنّ الله بهما على خير أنبيائه ومرسليه، وشرّفه ربّه بأفضل مقام، وأعلى منزلة، إنّها رحلة الإسراء ورحلة المعراج، التي أعلن ربُّنا فيها قيمة نبيه ومصطفاه محمد، وأعلن كذلك قيمة هذه الأمّة وعظمتها آمَنَ بذلك من آمن، وكفر مَن كفَر.

ها هو الداعية الأول صلى الله عليه وسلم في مكة، يدعو قومه إلى الله تعالى.. سنواتٌ مأساوية، مليئة بالعواصف العاتية من التعذيبِ والإيذاء، والبغضاء والافتراء.. مُزّق شمل أتباعه، وسامهم أهل مكة سوء العذاب، ثم كان العام العاشر من البعثة العام الحزن الذي فقد فيه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب الذي كان ينافح عنه ويدفع عنه أذى قريش، وبعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام أو شهرين يفجع النبي صلى الله عليه وسلم بموت رفيقة دربه السيدة خديجة رضي الله عنها، وهي من في مؤازرتها له وقوفها إلى جانبه في أشد المواقف على مدى خمسة وعشرين عاماً.

يتلفت عليه الصلاة والسلام في مكة فلا يجد من ينصره ليبلغ رسالة ربه، فيخرج إلى الطائف، ويعرض دعوته على ثقيف، فيردون عليه بأقبحِ رد، وآذوه ونالوا منه ما لم ينل منه قومه. وأغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان.

وينصرف صلى الله عليه وسلم من الطائف محزوناً مهموماً، يمشي ولا يشعر بنفسه، حتى استفاق في قرن الثعالب فأخذ يناجي ربه بالدعاء المشهور: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك. ثم يعود صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فلم يستطع دخولها إلا تحت جوار المطعم بن عدي وهو رجل مشرك.

في ظل هذه الأجواء الكالحة، والظروف الحرجة، وبعد مضي ثنتي عشرة سنة من البعثة، يشاء الله، اللطيف بعباده أن يسلي رسوله، ويثبته على الحق، فيمن عليه برحلة تاريخية لم ينل شرفها قبله نبي مرسل ولا ملك مقرب.

رحلة مباركة طيبة، بدأت بأقدس بقاع الأرض، وانتهت بأعلى طبقات السماء. قال سبحانه: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]. انتقل النبي من مكة إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماء، ورأى ما رأى من آيات الله تعالى ومشاهد القدرة والقوّة...
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكهُ
والرسل في المسجد الأقصى على قدم
كنت الإمام لهم والجمع محتفلٌ
أعظم بمثلك من هاد ومؤتمم
لما خطرت به التفوا بسيدهم
كالشهب بالبدر، أو كالجند بالعلم
حتى بلغت مكاناً لا يطار له
على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل: كل نبي عند رتبته
ويا محمد هذا العرش فاستلم

إنّها معجزة الدهر:
• أحْرج الله بها قلوب الجاحدين، وأقرّ الله بها أعين المؤمنين الصادقين، وصفّى الله بها أفئدة المنتسبين إلى الدين.

• معجزة أُعلن فيها كثير من القرارات والقناعات، لهذه الأمّة ولنبيها الكريم.

• معجزة تأتي بعد محن وشدائد يمرّ بها نبينا صلى الله عليه وسلم، فبعد وفاة عمه وزوجه، ومقاطعة اقتصادية واجتماعية في شِعب أبي طالب، وبعد
اعتداء أهل الطائف عليه، ورفض دعوته عليه الصلاة والسلام.

هكذا بدأت ملامح هذه الرحلة، وأسبابها معروفة ومعلومة:
• فهموم وأحزان لحقت بالنبي الكريم، وهو مَن هو؟
• وحصار وإيذاء.
• وموت للسند الداخلي والخارجي.
• وإعلان القيمة والقدر النبوي عند ربّ البريّة.
• ثم إعلان قيمة هذه الأمّة الخيرية، فهديتها في السماء، ومعراجها العرش.
• وإظهار هوية بيت المقدس ونسبته إلى المسلمين في كلّ مكان.
• وإظهار إعجاز العقول البشرية عن الإدراك لرحلة، فكيف بإدراك الربّ العليّ؟

ودعونا حتى لا نطيل في أمر قصة الرحلة، وندخل على دروسها سريعًا؛ لنتعلّم ماذا نستفيد منها، وماذا يجب علينا أن نعمل؟
••••

من دروس الإسراء والمعراج
أولا: قدر النبي صلى الله عليه وسلّم وقيمته عند ربّه:
لقد كان لهذه الرحلة عبرة حقيقية في إثباتِ قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وعلو قيمته؛ فها هو ربه عزّ وجلّ، يبعث إليه جبريل وملك الجبال بعد اعتداء أهل الطائف عليه، ويدعوه لمقابلته، ويريه آيات من آياته، يأمر بغسل قلبه، وجعله إمامًا للأنبياء في الصلاة، وفتح له أبواب السماء، ويرفع قدره على كل الأنبياء؛ ليعلنها مدوية أنّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أشرف الناس وأعلاهم قيمة ومكانة. فما وصل إلى ما وصل إليه الرسول أحد، لا نبي ولا ملك... وفي ذلك درس آخر في أنّ الله عزّ وجلّ لا يخذل أولياءه وأحبابه ولا يفضحهم؛ بل يؤديهم وينصرهم على من عاداهم وإن طالت الفترة.

ثانيًا: إسلامنا دين الفطرة ... من شذّ عن الفطرة شذّ عن الإسلام (إنها أُمّة الفطرة):
لقد خلق الله البشر جميعًا على الفطْرة النّقية، قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]. وها هو نبينا صلى الله عليه وسلّم يقول: «فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ». [صحيح مسلم: حديث رقم (162، ج1، ص145]. وهذا من جميل شرف المسلمين، فإسلامنا دين الفطرة النقيّة، فمن شذّ عن تلك الفطرة، فقد شذّ عن الإسلام، كأن يقوم بأخلاق لا تتناسب مع الفطرة، يرتدي ملبسًا ليس من الفطرة..... كل هذا ليس من الإسلام.

ثالثًا: عظيم ملك الله وقدرته التي لا تعادلها قدرة:
وقد أظهرت لنا هذه الرحلة عظيم ملك الله وقدرته؛ ففي الحديث أيضًا عند مسلم: «فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ"، قَالَ: "فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا،....». وكأنها رسالة تحدٍّ لمن يدعي امتلاك القوة في الأرض؛ فالله العلي القادر، هو القوي، ولا تعجزه قوة ولا قدرة، يعلم كل شيء، ويقدر على أي شيء، فليتعظ كل إنسان، ولا يظلم أو يبطش، أو يستخدم قوّته في التسلّط على خلق الله.

رابعًا: تبادل الخبرات ... وتلاقح الأفكار:
ونستفيد أيضًا من قصة المعراج: عظيم تبادل الخبرات، وتلاقح الأفكار، ففي القصة أن نبي الله موسى عليه السلام، عند فرض الصلاة خمسين صلاة، فعاد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى نبي الله موسى -عليه السلام-، فيقول له: «ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ». فقد ازدادَ خبرةً تستدعي أن ينقلها لغيره. وهذا دور كل متخصص أن يورث خبرته لغيره؛ ولا يكتنزها، فكاتم العِلْم يلجم بلجام من نار يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلّم: «منْ كَتَمَ عِلْماً ألْجَمَهُ الله بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

خامسًا: القيادة تنتقل من كل الأمم إلى أمّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهل هي على قدر المسؤولية؟
ها هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم يؤمّ إخوانه من الأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى، ويقدّمه جبريل وإبراهيم عليهما السلام؛ ليُعْلَنَ للدنيا كلها أنّ القيادة والإمامة قد انتقلت من كل الأمم السابقة إلى أمّة الإسلام (أمّة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم ) لتكون شاهدة على كل الأمم، وقائدة لها في الدنيا قبل الآخرة، تحمّلت مسؤولية التبليغ والنشر للإسلام، تحمّلت مسؤولية إنقاذ المظلومين، تحمّلت مسؤولية تحرير بيت المقدس، تحمّلت نجدة الملهوف..... فهل هذه الأمة على قدر المسؤولية، أم ستتخلى عن الشرف والمكانة
، وتترك مسألة نصرة المظلوم، وتحرير بيت المقدس بلا جهد أو عمل؟ فتكون النتيجة كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

سادسًا: الله لا يخذل أتباعه ولا يفضحهم:
وهكذا ترينا الرحلة آيات الله في أوليائه؛ فلا يخلهم، ولا يضيعهم، يفتح أبواب سمائه لنبيه ووليه محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رفضه كثير من أهل الأرض، بعد أن تقطعت به الأسباب، وكأنه يقول له: يا محمد ... لا تحزن، فربّك يفتح لك أبواب سمائه، فإن كان أهل الأرض قد لفظوا دعوتك، فهنيئًا لك المسرى والمعراج؛ فأهل السماء يرحبون بك وينتظرونك.

ولم يخذله وقت أن عاد إلى قومه يبلغهم بما حدث، فاستهزؤوا به وكذبوه، وظهر خبث أبي جهل عندما دعاه ليخبر القوم بما رأى وشاهد، لا ليؤمنوا، بل ليستهزئ به ومن معه، «فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ» ولمّا بدأ وصف النبي للأقصى، كاد أن يتلعثم فأنقذه الله، وإذ به صلى الله عليه وسلّم يقول: «ذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ»، قَالَ: «فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ»، قَالَ: «وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ» قَالَ: "فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَاب».

سابعًا: الابتلاء ضروري لغربلة الصف المؤمن وفضح المنافقين (إنه اختبار الإيمان):
قد يتعجّب البعض من شدة الابتلاء في يوم من الأيام، ويتساءل: لماذا يحدث كل هذا البلاء بالمسلمين؟ أليس الله بقادر؟ هل من نصر لعباد الله المصلحين؟ وتكثر التساؤلات، لكن يأتي الرد: فمع البلاء وشدته، يتمّ غربلة الصف، ويتم فضح المنافقين، فلا يثبت إلا أهل الإيمان الحقيقي الذين يثبتون في وجه الشدائد، فلا تقام الدول، ولا تبنى الأمم إلا على أكتاف الثابتين الصادقين في إيمانهم ويقينهم بربهم؛ فالأيدي المرتعشة، والقلوب المهزوزة لا تقوى على البناء، كما أنّ الله تعالى قادر على أن ينصر أهل الإيمان، لكن له في ذلك حكم، منها كما يقول تعالى:﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]، ومنها كمتا قال عزّ وجلّ: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140: 142]. فلمّا عاد الرسول وحكى للناس في مكّة، ثبت من ثبت، واهتزّ إيمانُ من اهتزّ؛ «فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ»؛ لأنّ الهجرة قادمة، ومعارك طاحنة ستأتي فلن يثبت لها إلا الصادقون في الإيمان واليقين. وتلك حكمة الله من البلاء، ودورنا أن ندعو الله تعالى أن يثبتنا بقولنا: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» [سنن الترمذي: حديث رقم (2140)، ج4، ص448، وقال عنه الشيخ شاكر والألباني: صحيح].

ثامنًا: من المحنة تولد المنحة، ومن باطن الألم يتولّد الأمل:
إنّ سنة الله في الحياة الابتلاء، وقد سبق بيان الحكمة في وجود الابتلاءات، إلا أنّ المؤمن الصادق، يريى من وراء الشدة فرجًا، ومع العسر يسْرًا، ومن باطن المحنة تولد المنحة، اشتدت برسول الله الشدائد، لكنه لم ييأس، ولم ينس أنَّ له ربًّا قادرًا يقدّر المقادير، ويأذن بفرجه في الوقت الذي يريد في الوقت الذي نريد.

كانت الإسراء والمعراج منحة في ثنايا المحنة، بعد آلام الاضطهاد والتعذيب والحصار، يأتي الفرج بنداء النبي صلى الله عليه وسلم لرؤية مظاهر قدرة الله تعالى، وكانت بمثابة تربية ربانية رفيعة المستوى لنبينا صلى الله عليه وسلّم.

وحتى يعود الأمل إلى القلوب من جديد علينا بالآتي:
1-الإيمان اليقيني بقدرة الله، وانتظار فرجه فانتظار الفرج عبادة.

2-الدعاء واللجوء إليه واليقين بالاستجابة. ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾ [النمل: 62].

3-الهُرُوع إلى الصلاة والسكن إلى المولى.

4-التركيز على الإيجابيات لا السلبيات من المحن.

5-صُحبة أهل الأمل والتفاؤل لا أهل اليأس والتشاؤم.

6-القراءة في سِيَر التاريخ، والنظر في نهاية الابتلاءات.

تاسعًا: معراج المؤمن ... هدية السماء إلى الأرض... الصلاة:
إنّها الصلاة: غرّة الطاعات، ورأس القربات، وعماد الدين، وعصام اليقين، لقد أراد الله تعالى أن يكرّم هذه الأمة بمعراج إليه سبحا
نه، بالصلاة...

الصلاة التي بها يرتفع قدر العبد عند ربه، النبي يأسى ويتعب وتمتلأ حياته بالتعب والنصب، حتى بلغ السماء ليأتيك بهدية عظيمة من الله (الصلاة). ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].

عاشرًا: مكانة المسجد الأقصى وواجبنا نحوه:
سيظلّ المسجد الأقصى -بحول الله وقوته- هو الشوكة التي تقف في حلوق الظالمين والمغتصبين، وسيظل علامة بارزة على قيادة هذه الأمة لكل الأمم، وأنه حق للمسلمين لا يشترى ولا يباع، ولا يتم المساومة عليه.

إنه منذ أعلنت الصلاة فيه لجميع الأنبياء، أعلن معه أن الصراع بين المسلمين والصهاينة واليهود صراع عقيدة: وها هو نبينا يلخص المشهد؛ ففي الحديث الصحيح: [لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فينطق الله الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! ورائي يهودي تعال فاقتله! قال المصطفى: إلا الغرقد فإنه من شجر يهود].

ووجب على كل مسلم أن ينتبه؛ فاليهود اليوم أشد قسوة وغلظة من يهود الأمس، فاليوم حفريات واضطهادات، واعتقالات للمسلمين والمرابطين في بيت المقدس، وانتهاكات للمتطرفين، بمساندة جيش الصهاينة المعتدين.

يلزم علينا نشر القضية، وإيقاظها في نفوس أبنائنا وبناتنا، وإخبارهم بأنّ بيت المقدس هو بيت كل المسلمين، وليس خاصا بالفلسطينيين، وألا يستمعوا إلى كلام المرجفين، الذين يتحدثون عن أن الفلسطينيين هم من ضيعوه؛ لأنه مسؤولية كل مسلم وإن ضيعها أحد.

ومقاطعة العدو اقتصاديا واجتماعيًّا وإعلاميًّا ضرورة وفريضة، كما أنه يلزم الدعاء واللجوء إلى الله في كل حين بأن ينصر وأن يحرر بيت المقدس، ولربما دعوة في جوف الليل بين قلب مخلص، وبين الربّ العليّ، ترد كيد دبابة أو طائرة أو تمنع معتد من الاعتداء على عرض أو شرف.
• • • •

ولقد شاهد النبي صلى الله عليه وسلم مشاهد عظيمة تعالج قضايا اجتماعية وأخلاقية في صميم المجتمع؛ فهي أمراض تهدد كيان الحياة، ومنها: [عقوبة جريمة الغيبة والنميمة، عقوبة أكلة أموال اليتامى، عقوبة خطباء الفتنة وعلماء السوء، عقوبة أكلة الربا، ومانعي الزكاة، وخطباء الفتنة، والتهاون في الأمانة،....]. ولأن هناك دولة ستُبْنَى، فلا بد من الحذر من هذه الأخلاقيات؛ فمثلها لا تبني ولكن تهدم..
• • • •

نسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد الإسلام والمسلمين، وأن يجنبنا ومصرنا وأمتنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. وأن يأذن بتحرير المسجد الأقصى .

======================
2024/09/29 11:22:25
Back to Top
HTML Embed Code: