Telegram Web Link
َلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ" [والحديث متفق عليه].

 وفي تشجيعهم لأهل العلم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضًا بما يصنع" [رواه الترمذي وصححه].

 وهم أيضًا يثبتون العبد على العمل الصالح في سبيل الله، وخاصة الجهاد في سبيل الله -تعالى-؛ كما قال الله -عز وجل-: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال: 12]. 

ومن أعمالهم التي أخبرنا عنها رب العالمين مما له أثر عظيم في تقويم حياة العباد، وحفظهم من المعصية والشر: ما وكل إليهم من مراقبة أعمال العباد، وكتابتها بعد إحصائها، فقال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 16- 18]، وقال أيضًا: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف: 80]. ثم صلوا وسلموا على معلم الناس الخير، ومربي البشرية على منهج الله القويم سيدنا ونبينا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله كما أمركم الله -جل وعلا- بذلك، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، أخص منهم الخلفاء الراشدين المهديين من بعده؛ أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين. اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 
================
🖊خَرَّجَ الألباني :رَحُمٌُه الُلُُه

🖐🏻 *ٌخمٌسِةِ أوَقًاتْ تْفَتْحُ فَيَُها ابّوَابّ الُسِمٌاء*

❶ الوقت الأول :
☜ *قبل الظهر*
☆ قال رسول الله ﷺ :
(( إنَّ أبوابَ السماءِ تُفْتحُ إلى زوالِ الشمسِ ، فلا تُرْتَجُ حتى يُصلَّى الظهرُ ، فأحبُّ أن يُصعدَ لي فيها خيرٌ ))
📚صححه الألباني في
📚صحيح الجامع - رقم: (1532)


❷الوقت الثاني :
☜ *عند كل أذان* :
☆ قال رسول الله ﷺ :
(( إذا نُودي بالصلاةِ فُتِّحتْ أبوابُ السماءِ ، و اسْتُجيبَ الدعاءُ ))
📚الألباني في
📚صحيح الترغيب - رقم: (260)
📚صحيح الجامع - رقم: (818)

❸ الوقت الثالث :
☜ *عند الرباط بين صلاتين* :
☆ قال رسول الله ﷺ :
(( أَبْشِروا ، هذا ربُّكم قد فتح بابًا من أبوابِ السماءِ ، يُباهي بكم الملائكةَ ؛ يقول : انظُروا إلى عبادي ، قد قضَوا فريضةً ، و هم ينتظِرون أخرى ))
📚صححه الألباني في
📚صحيح الترغيب - رقم: (445)
📚صحيح الجامع - رقم: (36)

❹ الوقت الرابع :
☜ *عند منتصف الليل* :
☆ قال رسول الله ﷺ :
(( تُفتحُ أبوابُ السماءِ نصفَ الليلِ ، فيُنادي منادٍ : هل من داعٍ فيُستجابَ له ؟
هل من سائلٍ فيُعطى ؟
هل من مكروبٍ فيُفَرَّجَ عنه ؟
فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلا استجابَ اللهُ تعالى له ؛ إلا زانيةً تسعى بفرجِها ،
أو عشَّارًا ))
تسعى بفرجها:اي تكتسب بالزنى.

عشارا: هو صاحب المكس ..(جمعه مكوس) الذي يأخذ من التجار اذا مروا مكسا باسم العشر ... ( ضريبة )
📚صححه الألباني في
📚صحيح الترغيب - رقم: (786)
📚صحيح الجامع - رقم: (2971)

❺ الوقت الخامس :
☜عند الاستفتاح الصلاة بـ[ *اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ لله كثيرًا وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلاً*] .
بينما نحن نصلي مع رسولِ اللهِ ﷺ إذ قال رجلٌ مَن القومُ : اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ لله كثيرًا وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلاً .
فقال رسولُ اللهِ ﷺ : (من القائلُ كلمةَ كذا وكذا) ؟
قال رجلٌ من القومِ : أنا يا رسولَ الله ِ!
قال ﷺ : (عجِبتُ لها فُتِحَتْ لها أبوابُ السماءِ) .
قال ابنُ عمر : فما تركتُهنَّ منذُ سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول ذلك .
📚صحيح مسلم (601).

*أُنشرُوهَا فنشَرُ العِلمِ من أَعْظَمِ القُرُبَات*
☜ قال ابن المبارك رحمه الله :
*⇦ « لا أعلم بعد النُّبوَّة درجة أفضل من بثِّ العِلم ».*
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

✵ الاربعاء ✵
١٥/ رجــ⑦ــــــب/ ١٤٣٨هـ
12/ إبــريــ④ـــل/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
‌‌‏
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏﴿وحملناه على ذات ألواح ودسر﴾
"ألواح ودسر"!!
ماذا عساها تغني في أمواج كالجبال !
لوﻻ أن الحامل الله..
فاعرف بمن تعلّق قلبك ينجيك بأقل
واضعف اﻷسباب.

صبــــاح التعلق بالله...@
‏﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء ﴾

‏من لُطف الله بك :
أنه سبحانه يُلهمك الدعاء ، والمناجاة وقت همك وحزنك ؛
فيُجبر قلبك ، وتهدأ نفسك ..

فإذا أراد أمرًا قيَّض له أسبابًا ، وقدَّرهُ ، ويسّره ..!
‏"إنّ الأمر الذي تظن أنه فوق طاقتك، تأكد أنَّ الله لن يضعه أمامك إلا وجعل بيديك القُدرة على تجاوزه"
ثق بربك ... 🕊
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❁ الخميس ❁
١٦/ رجــ⑦ــــــب/ ١٤٣٨هـ
13/ إبــريــ④ـــل/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
‌‌‏
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏بعض الدعوات الجميلة لا تُستجاب
في لحظتها ولكن الله لا ينساها
فيعطيك إيّاها في الوقت الأجمل
﴿ ومَا كَانَ رَبُكَ نَسِيًّا ﴾

صبــــاح الثقة باجابة الدعاء...@
- اللهُ أكبر 🍁
🎤
خطبــة.جمعـــة.بعنـــوان.cc
حــكــم الاحــتفال بعيــد رجــب
للشيخ/ حسين بن شعيب بن محفوظ
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملخص الخطبة :
1- وجبوب اتباع الرسول . 2- التحذير من البدع. 3- بدعة صيام أول جمعة من رجب وبدعة صلاة الرغائب. 4- بدعة صلاة أم داود. 5- أعياد المسلمين الشرعية. 6- بطلان قول من قال إن اسلام أهل اليمن كان في أول جمعة من رجب.

الخطبــــة.الأولــــى.cc
فإن الله سبحانه وتعالى أمر عباده المؤمنين بالمحافظة على السنة والدعوة إليها، وحث على اتباع رسوله ، وأمر به وأوجبه فقال تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر:7]. وجعل الله سبحانه وتعالى الفوز بمحبته عز وجل إنما ينال باتباع رسوله قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [آل عمران:31-32].

قال الحسن البصري – رحمه الله تعالى -: (ادعى أقوام محبة الله فابتلاهم أو قال فامتحنهم بهذه الآية: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني.. الآية.

ونفى الله الإيمان عن من لم يحكم رسول الله ولم يرض بحكمه فقال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً [النساء:65]. وجعل الله سبحانه وتعالى الاحتكام إليه وإلى رسوله عند التنازع والاختلاف فقال تعالى: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً [النساء:59]. قال العلماء: معناه الرد على الكتاب والسنة.

وحذر الله من مخالفة سنته وتوعد المخالف بالفتنة في الدنيا والعذاب الأليم الموجع في الآخرة فقال تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].

وفي هذا الزمان الذي قل فيه العلم وكثير فيه الجهل وتحكم فيه الرويبضة، ترى انتشار البدع وشيوعها، وتعلق الناس بها حتى ظنوا أنها من دين رسول الله ، وقد حذرنا رسول الله من شر البدع والأحداث في الدين فعن أبي نجيح العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظة بليغة وجلت منها القلوب – أي خافت – وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة))[1].

وقد أحدث الناس بدعاً كثيرة من الأزمنة والأمكنة، ومما أحدثه الناس في زماننا هذا بدعة جمعة رجب فإنه (يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً، ولم يكن له ذكر في وقت السلف، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه مثل أول خميس من رجب، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة).

وروي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء، مضمونه فضيلة صيام ذلك اليوم وفعل هذه الصلاة السماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم. والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم: النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم وعن هذه الصلاة المحدثة، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة، وإظهار الزينة ونحو ذلك، حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من بقية الأيام، وحتى لا يكون له مزية أصلاً. وكذلك يوم آخر في وسط رجب تصلي فيه صلاة تسمى صلاة أم داود فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلاً) [أنظر اقتضاء الصراط المستقيم – شيخ الإسلام ابن تيمية ص292-293].

ويتخذ كثير من الناس أول جمعة في رجب عيداَ زاعمين أنه يوم دخل الإسلام إلى اليمن، ومنهم من يشد الرحل إلى مسجد معاذ بن جبل بالجند معتقدين فضيلة ذلك، وهذه الأمور كلها من البدع المحدثات في الدين التي ليس عليها دليل صحيح صريح يصلح الاحتجاج به، بل إنها من ادّعاءات المدعين ومقالات الأفاكين المبتدعين، وعلى فرض صحة ثبوت أن إسلام أهل اليمن كانت في أول جمعة من رجب – مع أنه لم يثبت ذلك ولم يصح – لا يجوز اتخاذه عيداً، فإننا معشر المسلمين لا عيد لنا إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وكل عيد سوى هذين العيدين فمن أعياد الجاهليين، فقد أخرج الشيخان في صحيحهما عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: دخل عليّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتن، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله ؟ وذلك يوم عيد. فقال رسول الله : ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)) وفي رواية: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم)) وفي الصحيحين أيضاً أنه قال: ((دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى)). وهذا الحديث يدل على أمور[2]: أحدهما: قوله : ((إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)) يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم.

فكما أن للمشركين أعيادهم التي يختصون بها فلا نشركهم
فيها فكذلك نحن لنا أعيادنا الخاصة التي يشاركوننا فيها، فاللام تقتضي الاختصاص.

الثاني: وهذا عيدنا يفيد حصر أعيادنا في يومين (عيد الفطر وعيد الأضحى) فليس لنا عيد سواهما.

الثالث: إن قوله : ((وإن عيدنا هذا اليوم)) تقتضي أن يكون جنس عيدنا منحصراً في جنس يومي عيد الفطر والأضحى، فإن التعريف بالألف واللام والإضافة يفيد الإستغراق.

الرابع: قوله : ((وإن هذا اليوم)) أي جنس هذا اليوم إشارة إلى جنس الشروع من الأعياد لا حصر العيد في ذلك اليوم الذي كان في عهده .

وعليه فإن القول بأن إسلام أهل اليمن كان في أول جمعة من رجب زعم باطل لا دليل عليه، ولو ثبتت فليس فيه حجة لاتخاذه عيداً، وأما تخصيص مسجد معاذ بن جبل شد الرحل فبدعة أخرى يضاف إلى بدعية اتخاذ ذلك اليوم عيداً واجتماعاً، فإن شد الرحل لا يجوز شرعاً إلا إلى المساجد الثلاثة كما جاء في الحديث الصحيح أنه قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)).

فشد الرحل إلى مسجد معاذ بن جبل في أول جمعة من شهر رجب بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم إن الادعاء بأن هذا المسجد المذكور بناه معاذ بن جبل يحتاج إلى دليل صحيح ولم يصل إلينا من طريق صحيحة بأسانيد صحيحة أن معاذاً بنى ذلك المسجد، وعلى فرض ثبوته فليس فيه دليل على جواز شد الرحال إليه فإن كثيراً من الصحابة هاجروا إلى سائر البلدان والأمصار وبنوا فيها مساجد ولم يكن ذلك مدعاة لشد الرحال إليها.

فالواجب على المسلمين العمل في السنة واجتناب البدعة تحقيقاً للمتابعة وتجريداً للتوحيد.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوفاناعلى التوحيد والإيمان ويجنبنا طرق أهل الأهواء والبدع إنه على ما يشاء قدير، ادعوا الله واستغفروه.


[1] رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[2] انظر الاقتضاء لشيخ الإسلام ص294.


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
فإن البدعة والإحداث في الدين أصل كل شر وبلية في الدين، وكلما بعد العهد وتقادم الزمان كلما ظهرت البدع وانتشرت على مدار الدهور والأزمان. فالواجب على المسلم أن يتبع السنة ولا يبتدع في دينه، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والبدعة شر لا تأتي بخير أبداً.

واعلموا عباد الله: أن من طاعة رسول الله ومحبته وتعظيمه وتوقيره اتباع سنته، فمن اتبع سنته كان مطيعاً له، ومن أطاعه كان مطيعاً لله قال تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً [النساء].

فمن لم يتبع سنة رسول الله كانت عاصياً لله، وهو من أهل الوعيد المستوجبين للنار، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))[1].

فالامتناع والإباء عن دخول الجنة المراد به الامتناع عن اتباع سنته.

فعليكم بالسنة ودعوا البدعة فإنها تؤدي إلى الفرقة والاختلاف في الدين، فعن ابن مسعود قال: (اتبعوا، ولا تبتدعوا فقد كفيتم).

واعلموا يا عباد الله: أنه ليس رجب فضيلة تذكر سوى أنه من الأشهر الحرم، وأما يفعله بعض الجهلة ممن يعتقد لشهر رجب فضيلة من تخصيص أيامه بصيام أو لياليه بقيام دون سائر شهور السنة فقد ابتدع في الدين، ومن اعتقد أن لأول جمعة منه فضيلة فقد فعل ما لم يثبت عن السلف تعظيمه، ومن اعتقد أول خميس من رجب أو أول ليلة جمعة منه فضيلة خاصة توجب تعظيمه أو تخصيصه بقيام أو صيام أو عيد فقد ابتدع في الدين ما ليس منه كما جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[2]. ولفظ مسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).

فهذه الأمور التي يفعلها الناس كلها من البدع المحدثة في الدين والواجب على العلماء والدعاة إنكارها وبيانها للناس أنها بدعة وليست بشرع، وأن الواجب على الناس، أن يسألوا عن دينهم وأن يستفتوا أهل العلم من أهل السنة والجماعة ويقتدوا بهم لا بغيرهم، فرب عالم هو رأس في البدعة والضلالة والأحداث في الدين لا يجوز سؤاله ولا استفتاؤه، فإن المبتدع مخرج من زمرة العلماء، فالعلماء العاملون بعلمهم هم الذين يرجع إليهم في العلم والافتاء عملاً بقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [النمل].

وامتثلوا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم [الحجرات:1].

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في الدين ويعلمنا التأويل وأن ينفعنا بما علمنا وفقهنا ويحبب إلينا الكتاب والسنة والعمل بهما، ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان والأهواء والبدع آمين، آمين.


[1] رواه البخاري.
[2] متفق عليه.
============================ ================
  🎤  
خطبــة.جمعـــة.بعنـــوان.cc
أسد الله وسيد الشهداء
حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه
للشيخ /إبراهيم بن محمد الحقيل
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌


الخطبة الأولى


الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ ﴾الأحزاب: 70 - 71]. 

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:في زمن الإخفاقات المتكرِّرة، والهزائم المتتابعة، والإحباط المتوالي، واليأس الذي يلفُ قلوب كثير من أهل الإسلام، وكل ذلك سببه الوهن الذي أصاب المسلمين؛ حتى جعلهم يقدِّمون مصالحهم على مصالح أمَّتهم، ويهتمُّون بذواتهم أكثر من اهتمامهم بالدين.
 نعم! الوهنُ سبب ذلك: حبُ الدنيا وكراهية الموت، وضعفُ اليقين بالآخِرة، وعدم التفريق بين النَّصر والهزيمة، وعدم المبالاة بالغزو والمسخ والتَّزوير الذي يُمارس على تعاليم الإسلام وشرائعه.في هذه الأجواء المعتمة، والأحوال المتردِّية؛ نحتاج إلى مطالعة تاريخ الصَّدر الأوَّل، والنَّظر في سِيَر الصحابة المجاهدين، والشهداء والمهاجرين، الذين بذلوا النفس والنفيس لإعلاء كلمة الدين، ونشر الإسلام في أرجاء المعمورة.

 وهذه سِيرَة بطلٍ من أبطال الإسلام، وأسدٍ من أُسْدِ الله تعالى، كان قويًّا في إسلامه، بطلاً في جهاده، عظيمًا في استشهاده، لقَّبه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أسدُ الله، وسمَّاه: سيِّد الشُّهداء، رضع هو والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من ثديٍ واحدٍ؛ فكان أخاه من الرضاعة[1].

 إنه ابن عبدالمطلب، حمزةُ، عمُّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.كان من خبر إسلامه: "أنَّ أبا جهل مرَّ برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره من العيب لدِينه، والتَّضعيف له؛ فلم يكلِّمه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومولاةٌ لعبدالله بن جُدْعان في مسكنٍ لها فوق الصَّفا تسمع ذلك.

 ثم انصرف عنه؛ فعَمِد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزةُ أن أقبل متوشِّحًا قوسَه، راجعًا من قَنَصٍ له - وكان صاحب قَنَصٍ - وكان إذا رجع من قَنَصه بدأ بالطَّواف بالكعبة، وكان أعزَّ فتًى في قريش، وأشدَّه شكيمةً، فلما مرَّ بالموالاة قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقيَ ابنُ أخيك آنفًا من أبي الحكم، وجده هاهنا جالسًا، فآذاه وسبَّه وبَلَغ منه، ولم يكلِّمه محمدٌ.فاحتمل حمزة الغضب، لما أراد الله به من كرامته؛ فخرج يسعى مُغذًّا لأبي جهل، فلما رآه جالسًا في القوم أقبل نحوه؛ حتى إذا قام على رأسه رفع القوسَ فضربه بها، فشجَّه شجَّةً منكرةً، ثم قال: أتشتمه؟ فأنا على دِينه، أقول ما يقول؛ فرُدَّ عليَّ ذلك إن استطعتَ. فقامت رجالٌ من بني مخزومَ إلى حمزة لينصروا أبا جهلٍ؛ فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فوالله لقد سببتُ ابنَ أخيه سبًّا قبيحًا. وتمَّ حمزةُ على إسلامه، فلمَّا أسلم؛ عرفت قريش أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة رضيَ الله عنه سيمنعه؛ فكفُّوا بعض الشيء"؛ أخرجه البَيْهِقِيُّ والحاكم[2].

ولمَّا كانت الهجرة؛ هاجر إلى المدينة، وشهد بَدْرًا، وأبلى فيها بلاءً عظيمًا مشهورًا، بارز أبطال قريش فصرعهم، وأتى على صفوفهم فهدَّها، حتى قال أحد أسرى المشركين: "من الرَّجل المُعلَّم بريشة نعامة؟".
قالوا: "حمزة - رضيَ الله عنه". قال: "ذاك فعل بنا الأفاعيل"[3].

 ثمَّ في شوَّال من السنة الثَّالثة حضر أُحدًا وقاتل قتالاً عظيمًا؛ قال سعد بن أبي وقَّاصٍ رضيَ الله عنه: "كان حمزة يقاتل يوم أُحدٍ بين يَدَي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسيفَيْن، ويقول: أنا أسدُ الله"[4].

كان يُسيِّر فرسه بركبتيه، وفي يمينه سيفٌ، وفي يساره سيفٌ يقاتل بهما". الله أكبر، ما هذه الجرأة! وكيف كانت تلك المهارة؟!كانت شَهادَته رضيَ الله عنه في أُحُدٍ، يروي قصَّتها قاتِلُه؛

فقد أخرج البخاريُّ في "صحيحه" من حديث جعفر بن عمرو، أن وحشيًّا قال: "إن حمزة قتل طُعَيْمَة بن عَدِيٍّ بن الخِيار ببدرٍ؛ فقال لي مولاي جُبَيْر بن مُطْعِم: إن قتلتَ حمزة بعمِّي؛ فأنت حرٌّ. قال: فلما أن خرج الناس عام عَيْنَين - وعَيْنَين جبلٌ بحيال أحدٍ، بينه
وبينه وادٍ - خرجتُ مع النَّاس إلى القتال، فلما اصطفُّوا للقتال، خرج سِباعٌ فقال: هل من مبارزٍ؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب؛ فقال: يا سِباعُ، يا ابنَ أمِّ أنمارٍ مقطِّعة البظور، أتحادُّ الله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؟!

قال: ثم شدَّ عليه، فكان كأمس الذَّاهب! قال: وكَمَنْتُ لحمزة تحت صخرةٍ، فلما دنا مني رميتُه بحربتي، فأضعها في ثُنَّته، حتى خرجت من بين وِرْكَيْه، فكان ذلك العهد به"[5]، وفي روايةٍ: "فجعل حمزة يهدُّ النَّاس بسيفه"[6]، وفي أخرى: "فرأيتُ رجلاً إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا؛ فقلتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: حمزة. قلتُ: هذا حاجتي"[7]، ثم ذكر بقيَّة الحديث. قُتل حمزة رضيَ الله عنه ومَثَّلَ به المشركون؛ انتقامًا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد تأثَّر لذلك كثيرًا، فوقف على حمزة، فرآه قد شُقَّ بطنُه، وقد مُثِّلَ به، فكره أن ينظر إليه، ثم وقف بين ظهراني القتلى فقال: ((أنا شهيدٌ على هؤلاء، لُفُّوهم في دمائهم؛ فإنه ليس من جريحٍ يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يَدْمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المِسْك، قدِّموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللَّحْد))[8].

وروى أبو هُرَيْرَة رضيَ الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقف على حمزة حيث استُشْهِدَ، فنظر إلى منظرٍ لم ينظر إلى شيءٍ قطُّ كان أوجع لقلبه منه، ونظر إليه وقد مُثِّل به فقال: ((رحمة الله عليكَ، فإنَّك كنتَ - ما علمتُ - وَصُولاً للرِّحِم، فعولاً للخيرات، ولولا حزنُ مَنْ بعدكَ عليكَ؛ لسرَّني أن أترككَ حتى يحشركَ الله من أرواحٍ شتَّى، أما والله عليَّ ذلك لأمثِّلَنَّ بسبعين منهم مكانكَ))؛ فنزل جبريل - عليه السَّلام - بخواتيم النَّحل: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]؛ فكفَّر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد، وصبر[9]. 

وعن ابن عباس رضيَ الله عنهما قال: لما قُتل حمزة أقبلت صفيَّة أخته، فلقيتْ عليًّا والزُّبير، فأرياها أنهما لا يدريان، فجاءت النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((فإني أخاف على عقلها)). فوضع يده على صدرها، ودعا لها، فاسترجعتْ وبكتْ. ثم جاء فقام عليه وقد مُثِّلَ به؛ فقال: ((لولا جَزَعُ النِّساء لتركته حتى يُحْشَر من حواصل الطَّير وبطون السِّباع)). وفي رواية الزُّبير: أن صفيَّة رضيَ الله عنها جاءت بثَوْبين لتكفين حمزة، وكان إلى جنب حمزة قتيلٌ منَ الأنصار؛ فكرهوا أن يتخيَّروا لحمزة؛ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أسهموا بينهما، فأيهما طار له أجودُ الثَّوْبَيْن؛ فهو له)).

فأسهموا بينهما؛ فكفِّن حمزة في ثوبٍ، والأنصاريُّ في ثوبٍ[10]؛ ولكنَّ ثوب حمزة كان قصيرًا، فجعلوا يجرُّونه على وجهه فتنكشفُ قدماه، ويجرُّونه على قدميه فينكشفُ وجهه، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اجعلوه على وجهه، واجعلوا على قدميه من هذا الشَّجر)).

ورفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأسه فإذا أصحابه يبكون، فقال: ((ما يبكيكم؟)). قيل: يا رسول الله، لا نجد لعمِّك اليوم ثوبًا واحدًا يَسُعُه! فقال: ((إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف؛ فيصيبون فيها مطعمًا وملبسًا ومركبًا))[11]؛ أي: من كثرة الخيرات وانفتاح الدنيا. 

كان حمزةُ رضيَ الله عنه من شهداء أُحد؛ بل هو سيِّد الشُّهداء كما قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسلام: ((سيِّد الشهداء حمزة، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ، فأمره ونهاه؛ فقتله))؛ أخرجه الحاكم وصحَّحه[12].

 وشهد عليه الصَّلاة والسَّلام لشهداء أُحُدٍ بالجنَّة؛ فقال: ((لمَّا أصيب إخوانكم بأُحُدٍ؛ جعل الله أرواحهم في أجواف طير خُضْرٍ، تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديلَ من ذهبٍ، معلقةٍ في ظلِّ العرش، فلما وجدوا طِيبَ مأكلهم ومشربهم ومَقِيلِهم قالوا: مَنْ يُبْلِغُ إخواننا عنَّا؛ أننا أحياءٌ في الجنة نرزق؛ لئلاَّ ينكلوا عند الحرب، ولا يزهدوا في الجهاد. قال الله: أنا أبلغهم عنكم؛ فأُنزلت: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا ﴾ [آل عمران: 169]))؛ أخرجه أبو داود[13].

وحَرَّم الله أجسادهم على الأرض أن تُبلِيها؛ فبعد أربعين عامًا من وقعة أُحد، أراد معاوية رضيَ الله عنه أن يجري عينه التي بأُحد؛ فكتبوا إليه: إنَّا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء؛ فكتب إليهم: انبشوهم.

قال جابر: فرأيتُهم يُحملَون على أعناق الرجال؛ كأنَّهم قومٌ نيامٌ، وأصابت المَسْحَاةُ طرف رجل حمزة بن عبدالمطلب؛ فانبعث دمًا[14].

 كان عُمْر حمزة لمَّا استُشهد سبعًا وخمسين سنة[15]، فرضيَ الله عنه وأرضاه، ورضيَ عنِ الصحابة أجمعين.

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23].
 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.



الخطبة الثَّانية


الحمد لله، حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنِ اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.

أما بعد:فيا عباد الله؛ اتقوا الله تعالى بفعل ما أمر، واجتنبوا الفواحش ما بَطَن منها وما ظهر، واعلموا أن الله مع المتقين. أيها الإخوة المؤمنون:تُظهر سِيرةُ حمزة رضيَ الله عنه المعانيَ العظيمة للإسلام، حينما فعل المشركون في أُحُد الأفاعيل بشهداء المسلمين؛ من جَدْع أنوفهم، وبَقْر بطونهم، وشَرْط أجسادهم؛ حتى استخرجوا كَبِدَ حمزةَ من بطنه، ويحلف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليمثِّلن بهم إذا ظهر عليهم؛ لكنْ ينزل عليه الوحي في موقفه ذاك؛ لِيُبيِّن أنَّ العقاب لابدَّ أن يكون على قدر الجريمة، وأن المُثْلَة بالمُثْلَة، وأن الصبر خيرٌ من ذلك كلِّه،

وما كان من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا أن صبر وكفَّر عن يمينه.فأيُّ تزويرٍ يُمارس في حقِّ الإسلام والمسلمين وتاريخهم، على أيدي أعداء الله من الملاحدة واليهود والنصارى والمنافقين، حينما يَصِمُون المسلمين بالعنف والأصوليَّة، ومحبة الدِّماء، والتلذُّذ بتعذيب الضّحايا؛

وبالرغم من أن تاريخهم يحكي شرفهم في القتال، ويُثبت نزاهتهم في حروبهم، وما أكثر ما عفوا وصفحوا في حال ظهورهم وانتصارهم. فالمرأة والوليد والشيخ الكبير لا يُقتلون، ومَنْ لم يشارك في الحرب لا يُقتل، والأسير يُكرَم حتى يُقضى في أمره، والجريح لا يُجْهَز عليه، والثَّمر لا يُقطع، والزَّرْع لا يُحرَق، والآمِن لا يروَّع.

والمسلمون ينفِّذون تلك الوصايا؛ لأنَّهم لا ينطلقون في جهادهم من تحقيق مصالحٍ ذاتيَّةٍ، وليس يدفعهم للقتال أحقادٌ دفينةٌ، أو أضغانٌ قديمةٌ.

 ومع ذلك تُخفى الحقائق، ويمارَس التَّزوير في حقِّ المسلمين في كل وسيلةٍ تُسمع أو تُقرأ أو تُرى، بينما يصور غيرهم بأنهم رحماء، ومن العفو أقرب، وعن الانتقام أبعد. 

ماذا فعل الصليبيُّون في بيت المقدس لما اغتصبوه، وبقي في أيديهم ما يزيد على تسعين سنة؟!

إن التاريخ يذكر أن الدِّماء في الأقصى بلغت الرُّكَب، وأن الصليبيين لم يفرِّقوا بين طفل رضيع، أو امرأة ضعيفة، أو شيخ طاعن في السِّن؛ بل كانت سيوفهم تُعْمِل القتلَ في الرِّقاب كلِّها، ولست محتاجًا لأن أرجعكم إلى ذاكرة التاريخ؛ لأن ممارسات الصليبيين الصِّرب الدَّموية قريبة العهد؛ ولأن أفعال اليهود بمسلمي الأقصى تُنقل إلى الأسماع والأبصار كلَّ صباحٍ ومساء.وما من فِرْيَة تُلْصَق بالإسلام إلا ويتولى كِبْرَها منافقو العرب ممَّن نزع الله منهم الإيمان؛ فامتلأت قلوبهم أحقادًا زُرْقًا على الإسلام وأهله؛ ولكنهم يَضُرُّون أنفسهم، ولن يضرُّوا الله تعالى شيئًا، ولن يضرُّوا المسلمين ما بقي المسلمون مستمسكين بشريعتهم، عاضِّين عليها بالنَّواجذ، وإن كيدهم ومكرهم عائدٌ عليهم بأمر الله عزَّ وجلَّ ولا تزال الأيام تفضحهم، وتُظهر عوراتهم ونفاقهم: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 54]، ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾ [الطًّارق: 15 - 17]. 

ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله، كما أمركم بذلك ربُّ العزَّة والجلال. 

==================
🎤  
خطبــة.جمعـــة.بعنـــوان.cc
سيرة الإمام علي بن أبي طالب
للشيخ /عدنان القطان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبة الأولى


ملخص الخطبة1- فضل جيل الصحابة. 2- مولد علي ونشأته وإسلامه. 3- من فضائل علي. 4- أخلاق علي. 5- زهد علي. 6- شجاعة علي وقوته. 7- موقف علي من خلافة من سبقه. 8- خلافة علي. 9- ذكاء علي وفطنته. 10- حب علي لأبي بكر وعمر وعثمان. 11- إنصاف علي لخصومه.الخطبة الأولىأما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

معاشر المسلمين، إن جيل الصحابة رضوان الله عليهم خير جيل ظهر على وجه الأرض، هم الذين وضعوا أنفسهم بين يدي رسول الله  لكي يعلمهم ويوجههم ويصوغهم، فتلقوا تلكم التربية النبوية الكريمة، حتى خلت نفوسُهم من حظ نفوسِهم.

ومن بين الصحب الكرام صحابي جليل أحبه الله، وأحبه رسول الله ، هو الإمام إذا عُد الأئمة، وهو البطل إذا عُدّ الأبطال، هو الشجاع المِقدام والبطل الهُمام، هو الشهيد الذي قُتِل غدرًا، ولو أراد قاتله قتله مواجهة ما استطاع، ولكن عادة الجبناء الطعن في الظهر. فمن هو -يا ترى- صاحب هذه الصفات؟

إنه أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عمّ رسول الله ، وأخوه بالمؤاخاة، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم.

ولد الإمام علي قبل البعثة بعشر سنين، وتربى في حجر النبيّ  وفي بيته، أول من أسلم بعد خديجة وهو صغير. كان الإمام علي يلقب حيدرة، وكنّاه النبيّ  أبا تراب. أحد العشرة المبشرين بالجنة، زوجه النبي  ابنته فاطمة الزهراء، وهو أبو السبطين الحسن والحسين سيدَي شباب أهل الجنة. وهو من الخلفاء الراشدين المهديين. اجتمع لعلي من الفضائل الجمّة ما لم يجتمع لغيره، فمن ذلك ما روي عنه رضي الله عنه قوله عن نفسه:

محمـــــد النبي أخـــي وصهـــري      وحمزة سيد الشهداء عمـــي

وجعفر الذي يمسي ويضحى     يطير مع الملائكـــة ابن أمـــي

وبنت محمد سكني وعرســـي      مشوب لحمها بدمي ولحمي

وسبطـــــــا أحمد ولداي منهـــا      فأيكم له سهم كسهمي؟!

فرضي الله عنه وأرضاه وعن آله الطيبين الطاهرين.

ولمّا هاجر النبيّ  من مكة إلى المدينة أمر الإمام عليًّا أن يبيت على فراشه، وأجله ثلاثة أيام ليؤدي الأمانات التي كانت عند النبيّ  إلى أصحابها ثم يلحق به إلى المدينة، فهاجر الإمام علي من مكة إلى المدينة المنورة ماشيًا.

شهد الإمام علي المشاهد كلها مع النبيّ  إلا غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول  في أهله وقال له: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟)) وأعطاه النبي اللواء يوم خيبر ففتحها، واقتلع باب الحصن.

فضائله جمّة لا تُحصى، ومناقبه كثيرة لا تعد، كان الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه غزير العلم، زاهدًا ورعًا شجاعًا، وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: "لم ينقل لأحد من الصحابة من الفضائل ما نقل لعلي رضي الله عنه".

جمع إلى جانب مهارته في القضاء والفتوى العلم بكتاب الله والفهم لمعانيه ومقاصده، فكان من أعلم الصحابة رضي الله عنهم بأسباب نزول القرآن ومعرفة تأويله؛ يشهد لهذا ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (ما أخذتُ من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب). فإذا كان هذا شأن ابن عباس رضي الله عنه وهو ترجمان القرآن فكيف والحال كذلك بمن أخذ عنه؟!

روى الإمام مسلم في فضائل علي رضي الله عنه قوله رضي الله عنه: (والذي فلق الحبة وبرأ النَّسَمَة، إنه لعهد النبي الأمي  إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق). وقال عنه : ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه)).

دعاه الرسول  وزوجته فاطمة وابنيه الحسن والحسين وجلَّلهم بكساء وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرْهُم تطهيرًا)) وذلك عندما نزلت الآية الكريمة:إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ.

ولقد كانت أخلاقه رضي الله عنه قبسًا من نور خلق النبي  الذي تربى في حجره وعاش على مائدة مكارم النبوة، حتى شب عن الطوق، واكتملت رجولته، وزاد من ذلك مصاهرته للنبي ، حيث كان يتولاه وفاطمة الزهراء بالمواعظ والآداب العظيمة، فتنامت أخلاقه شموخًا، وسجاياه علوًا ورفعة، وظلت فضائله وأخلاقه ومكارمه حية متألقة في روحه حتى فارق الدنيا، ولقد أجاد ضرار بن ضمرة الكناني في وصف تلك الأخلاق الباهرة والمكارم النادرة، وأبان عن جوهرها ومكنوناتها عندما سأله معاوية أن يصف عليًا رضي الله عنهما، فقال ضرار: (كان –والله- بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ويتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان –والله- غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان –والله- كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويج
يبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل في محرابه، قابضًا على لحيته، يضطرب ويتقلب تقلب الملسوع، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه ثم يقول للدنيا: إلي تعرضت؟! إلي تشوفت؟! هيهات هيهات غُرّي غَيري، قد طلقتك ثلاثًا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آهٍ آهٍ من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق)، فوكفت دموع معاوية رضي الله عنه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء وهو يقول: هكذا والله كان أبو الحسن.

أيها المسلمون، اشتهر الإمام عليّ رضي الله عنه بالفروسية والشجاعة والإقدام، وكان اللواء بيد علي رضي الله عنه في أكثر المشاهد، في غزوة خيبر قال الرسول : ((لأُعْطينّ الرايةَ غدًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويُحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه أو على يديه))، فكان رضي الله عنه هو المُعْطَى وفُتِحَت على يديه.

بارز عليٌّ رضي الله عنه شيبة بن ربيعة فقتله عليّ رضي الله عنه، وذلك يوم بدر. وكان أبو ذر رضي الله عنه يُقسم قسمًا إن هذه الآية: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة.

وفي اُحد قام طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين فقال: يا معشر أصحاب محمد، إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار؟! فقام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار، أو يعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه عليّ فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال: أنشدك الله والرحم يا ابن عمّ، فكبر رسول الله ، وكبر المسلمون بتكبيره، وقال أصحاب عليّ لعلي: ما منعك أن تُجهز عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه.

وبارز مَرْحَبًا اليهودي يوم خيبر، فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال:

قد علمت خيبر أني مرحب      شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة       كليث غابات كريه المنظرة

أوفيهم بالصاع كيل السندرة

ففلق رأس مرحب بالسيف، وكان الفتح على يديه.

ومما يدلّ على شجاعته رضي الله عنه أنه نام مكان النبي  لما أراد رسول الله الهجرة. ومع شجاعته هذه فهو القائل: (كُنا إذا احمرّ البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله ، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه). فما أحد أشجع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

عباد الله، لما توفي رسول الله  بايع علي أبا بكر الصديق رضي الله عنهما، فكان أحد وزرائه ومستشاريه، وظل طيلة حياة أبي بكر نعم العون والوزير، يساهم في إدارة الدولة وتصريف الشؤون بصدق وإخلاص، وكذلك كان مع عمر، فقد كان له وزير صدق، حتى زوجه بنته أم كلثوم. وكثيرا ما كان عمر يستخلفه على المدينة إذا غاب عنها, وكان في عهد عمر من كبار رجال الدولة الذين تعقد عليهم الآمال، حتى جعله عمر من الستة الذين يختار منهم الخليفة من بعده, ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (لولا علي لهلك عمر)، ويروى عنه كذلك أنه قال: (أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن).

ولما استخلف عثمان بايعه فيمن بايع من جمهور الصحابة، والتزم نصحه ومؤازرته، وكان موقفه منه حين ثارت الفتنة موقف الناصح والمدافع عنه. ولما أطبق الثوار على قصر الخليفة الشهيد أرسل ولديه الحسن والحسين بسيفيهما، حتى نفذ قضاء الله.

بويع بالخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وكانت أيامه فيها فتن ومعارك دامية، ومع هذه الفتن التي أحاطت بخلافته فقد كان رضي الله عنه شديدا في الحق، مقيما للعدل، خاشعا لله، مجتهدا في نصح الأمة، يولي الأخيار، ويحاسب المقصرين، ولا يجامل في الحق أبدا، ولا يخاف في الله لومة لائم، زاهدا في الدنيا، بعيدا عن الترف، وكما كانت حياته جهادا فقد كان موته استشهادا رضي الله عنه، حيث طعنه الشقي عبد الرحمن بن ملجم الخارجي وهو يصلي الفجر في مسجد الكوفة، فكان استشهاده في شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة.

فرضي الله عن أمير المؤمنين الإمام الشهيد علي بن أبي طالب وأرضاه، وارض اللهم عن جميع الآل والأصحاب، وجمعنا الله بهم في دار كرامته وبحبوحة جنته، إنه على كل شيء قدير.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانيةالحمد لله رفع قدر أولي الأقدار، أحمده سبحانه وأشكره على فضله المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القه
عين

=================
ار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار، من المهاجرين والأنصار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله رحمكم الله، واقتدوا بالعظماء والصالحين من عباد الله، وخذوا الدروس والعبر من سيرهم، واجعلوهم لكم نبراسًا ينير لكم الطريق في حياتكم وينفعكم في آخرتكم. لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

أيها المسلمون، وإن شئتم مزيدًا من سيرة هذا الإمام المبارك القدوة الحسنة، فلتعلموا أنه كان رضي الله عنه ذا ذكاءٍ لمّاح، وعبقرية فذة، وبديهةٍ حاضرة، ينظرُ في وجه المرءِ فيقرأ فيه مخبوء نفسه، ويسمع الكلام فيشم منه رائحة صدقِه أو كذبِه، ويأتيه السائل المتعنت، فلا يجد من علي إلا الحجة الدامغة والجواب الشافي.

جاءه رجلٌ يومًا وكان يكره عليًا فأطراه ومدحه، فقال له عليٌ رضي الله عنه: (إني لستُ كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك). وقال له رجلٌ آخر وكان يبغضه أيضًا: ثبتك الله، فقال عليٌ: (على صدرك). وقال له قائل: ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية وخلافتك أنت وعثمان متكدرة؟! فقال: (إنّ أبا بكر وعمر كنتُ أنا وعثمان من أعوانهما، وكنت أنت وأمثالك من أعواني وأعوان عثمان). وجاءه رجلٌ من يهود فقال له: ما أتى عليكم بعد نبيكم إلا نيّفٌ وعشرون سنة حتى ضرب بعضكم بعضًا بالسيف، فقال رضي الله عنه: (فأنتم ما جفّت أقدامُكم من البحر حتى قلتُم: يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة).

أيها المؤمنون، إن الباحث المنصف المحقق في كتب ومراجع الطوائف الإسلامية يجد أن الإمام عليًا رضي الله عنه كان مع سابقيه من الخلفاء الراشدين على الأخلاق التي رباهم عليها رسولُ الله ، يحبهم ويبجِلهم، ويسمي أبناءه بأسمائهم، ويعترف بفضلهم على رؤوس الأشهاد، وكان لهم ردءًا يصدقهم بما يقولون، ويصْدُقُهم بما يقول، ويبذل لهم رأيه ومشورته الناصحة، ويقف معهم صفًا واحدًا أمام الملمات والمواقف العصيبة، لا يُسلِمهم لمكروه، بل يفديهم بنفسه وولده.

ولقد فُجِع الإمام عليٌ بموت رجل الإسلام الكبير أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فوقف يرثيه متوجعًا، وقال: (رحمك الله يا أبا بكر، كنت –والله- أول القوم إسلامًا، وأخلصهم إيمانًا، وأشدَهم يقينًا، صدّقتَ رسول الله  حين كذبه الناس، وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، كنت والله للإسلام حصنًا، وللكافرين ناكبًا، لم تَهِن حُجَتُك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك). بل إن عمر الخليفة العظيم كان يأتي إلى عليٍ يطلب منه الموعظة والتذكير، فقال له ذات مرة: عظني يا أبا الحسن، قال: يا أمير المؤمنين، لا تجعل يقينك شكًا، ولا علمك جهلًا، ولا ظنك حقًا، واعلم أنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، وقسمت فسويت، ولبست فأبليت، قال عمر: صدقت يا أبا الحسن. ولما قتل عمر رضي الله عنه وغسل وكفن وسجي بثوبه نظر إليه علي رضي الله عنه وقال: (ما أحد أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى).

ولما قُتل عثمانُ وجاء الخبرُ عليًا قال: (تبًّا لهم آخر الدهر). ودخل على عثمانَ فوقع عليه، وجعل يبكي حتى ظنّ منْ هناك أنه سيلحقُ به. وتبرأ إلى الله من دمِه في مواقفَ ومناسبات كثيرة، ثبت عنه ذلك من طرقٍ تفيد القطع، وعندما بلغه أن القتلة قد ندموا على فعلتهم تلا قوله تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

وكان علي رضي الله عنه من أكثر الناس إنصافًا لخصومه، فقد رأى عليٌّ رضي الله عنه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في واد مُلقى أي: مقتولًا، فنزل فمسح التراب عن وجهه وقال: عزيزٌ عليّ -أبا محمدٍ- بأن أراك مجدلًا في الأودية تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عجري وبجري، يعني: سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي. وقال طلحة بن مصرف: انتهى علي رضي الله عنه إلى طلحة رضي الله عنه وقد مات، فنزل عن دابته وأجلسه، ومسح الغبار عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه، وقال: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. وكان يقول: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله عز وجل فيهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ. ولما سُئل عن أهل النهروان من الخوارج: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فرُّوا، قيل: أمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، فقيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: إخواننا بَغَوا علينا، فقاتلناهم ببغيهم علينا.

فسلام الله عليك يا أبا الحسن، يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيًا، ورضي الله عنك وأرضاك، وطاب ذكرك حيًا وميتًا، ورضي الله تعالى عن الآل الطيبين الطاهرين، وعن أصحاب رسول الله الغر الميامين، والتاب
خطبة جمعة بعنوان ( والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس)
اعداد الدكتور/ محمود أبوهدعش
الخطبة الاولى :
الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ كلِّ ضائقةٍ وشدَّةٍ فَرَجاً، ويسَّرَ لِمَنِ اعتصمَ به مِنْ كلِّ نازلةٍ مَخْرجاً، وجعلَ قلوبَ أوليائِهِ مُتنقِّلةً في منازِلِ عُبوديَّتِهِ حُبّاً وخوفاً ورَجا، وجعل الصادقين من عباده هم الثابتون في البأساء والضراءً. والشدة والرخاء أحمدُ ربِّي حمداً كثيراً طيِّباً مُبارَكاً فيه……

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ؛ لا يخيب من رجاه ولا يرد من دعاه، من توكل عليه كفاه ومن اعتصم به كان هو مولاه، وأشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ النَّبيُّ الكريمُ، الذي قام لله بالصبر حتى بلغه مناه، وتحمل مالم يتحمله بشر سواه، وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين من ربه، فما كل،ّ ولاملّ ولا ضعف ولا استكان صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلَى آلِه وأزواجِه وأصحابِه أجمعين.

أما بعد:
ايها الاحبة الافاضل:
فقد جعل الله تعالى الدنيا دار تعب ونصب ، وبلاء وعناء ، وجهاد وكفاح وصبر ومصابرة .
وحياة الإنسان فيها تتقلب بين العسر واليسر ، والضيق والسعة ، والشدة والفرج ، والغنى والفقر ، والتمكين والإبتلاء ، والنصر والهزيمة وذلك لتتم قضية ابتلاء وامتحان أهل الإيمان والصدق والثبات…

قال الله تعالى :" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" وهذه سنة الله في عباده واحبابه أن يبتليهم ويختبرهم(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) وبين سبحانه أن أهل الجهاد والقائمين بواجب الأمر بالمعروف سيبتلون اكثر من غيرهم ليعرف صدقهم وصبرهم وثباتهم( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) نعم حتى يعلم الذين ثبتوا و جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)

واعلموا معشرَ المسلمينَ:

أنَّ الشِّدَّةَ لا تزالُ تتعاقَبُ علَى المؤمنِ علَى ممرِّ الأيامِ والسِّنينَ، وهذه سنة الله في عباده،
لكنَّ فرجَ اللهِ قريبٌ مِنَ المؤمنينَ، وخيرُ شاهدٍ علَى ذلك ما جاءَ في مُحكمِ الكتابِ المبينِ.

فهذا خليلُ اللهِ إبراهيمُ، عليه أفضلُ الصلاةِ والتسليمِ، بعدَ أنْ أحْكَمَتِ الشِّدَّةُ عليهِ قبضَتَها إِحكاماً، أمرَ اللهُ تعالَى النَّارَ أنْ تكونَ عليه بَرْداً وسلاماً (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ )،

وهذا يعقوبُ وابنُه يوسفُ الصِّديقُ، قَدْ تجلَّتْ في قصَّتِهما حقائِقُ الفَرَجِ بعدَ الشدةِ في اكثر من موقف.
وهذا نبيُّ اللهِ أيّوبُ عليه السلام، قَدْ كشفَ اللهُ عَنْه الأضرارَ والكُروبَ بعد البلاء الطويل والشديد(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ )
وهذا يونسُ صاحِبُ الحوتِ الذي كانَ مِنَ المُسبِّحينَ، اجتباه ربُّه وجعلَه مِنَ الصَّالحينَ (ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )،
وما تكرَّرَتْ قِصَّةُ موسى في جُلِّ السُّوَرِ، إلاّ لتُجَسِّدَ معانِيَ اليُسْرِ بعدَ العُسْرِ بأبهَى الصُّوَرِ، فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهم أجمعينَ.
ودونَكم سِيرةَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه فما هِيَ عَنْكمْ ببعيدٍ، وكيفَ فرَّجَ اللهُ تعالىَ عَنْهمُ الخَطْبَ الشَّديدَ، فبينَما هُمْ قليلٌ مُستضْعَفونَ في الأرضِ يخافونَ أنْ يتخطَّفَهمُ النَّاسُ، إذْ جاءَهم نصرُ اللهِ وفتحُهُ فتدثَّروا مِنَ العزَّةِ والتَّمْكِينِ بأَزْهَى اللِّباسِ، بعد الجهاد الطويل والكفاح المرير.
وهلْ أتاكُمْ نَبَأُ الإفْكِ والزُّورِ، الذي رُمِيَتْ بهِ المُتدثِّرَةُ بثوبِ العِفَّةِ والطَّهُورِ؟ السيدة عائشة رضي الله عنها وكيف فرج الله كربها وطهرها ، فإنَّ فَرَجَ شِدَّتِها مُسَطَّرٌ في سُورةِ النُّورِ.
وغيرُ خافٍ عليكُمْ فَرَجُ شِدَّةِ الثَّلاثةِ الذين خُلِّفُوا في غزوة تبوك ، وقدْ ضاقَتْ عليهمُ الأرضُ بما رَحُبَتْ وضاقَتْ عليهم أنفُسُهم ففرج الله عنهم عندما علم صدقهم.
وقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن البلاء قرين الإيمان ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "أشد الناس بلاء الأنبياء
ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء " ( حديث صحيح )
المؤمن الحق الصادق والمجاهد المخلص يرضى بقضاء الله ، ويصبر على ما يحل به من عسر وضيق وشدة ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال المؤمن في السراء والضراء فقال : "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "( رواه مسلم ) فالمؤمن يتلقى النعمة بالشكر ، ويتلقى البلاء بالصبر ، فهو على خير في كل حال .

ايها المؤمنون : إنُ بعد الجوع شبعٌ ، وبعْدَ الظَّمأ ريٌّ ، وبعْدَ السَّهرِ نوْمٌ ، وبعْدَ المرض عافيةٌ ، سوف يصلُ الغائبُ ، ويهتدي الضالُّ ، ويُفكُّ العاني ، وينقشعُ الظلامُ ﴿ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ﴾..
.
بشَّر الليل بصبح صادق يطاردُهُ على رؤِوسِ الجبال ، ومسارب الأوديةِ ، بشِّر المهمومَ بِفرجٍ مفاجئ يصِلُ في سرعةِ الضَّوْءِ ، ولمُحِ البصرِ ، بشِّرِ المنكوب بلطف خفيٍّ ، وكفٍ حانيةٍ وادعةٍ ..

إذا رأيت الصحراء تمتدُّ وتمتدُّ ، فاعلم أنَّ وراءها رياضاً خضراء وارفةّ الظِّلالِ...

إذا رأيت الحِبْل يشتدُّ ويشتدُّ ، فاعلمْ أنه سوف يَنْقطُعِ .
مع الدمعةِ بسمةٌ ، ومع الخوفِ أمْنٌ ، ومع الفَزَعِ سكينةٌ .
النارُ لا تحرقُ إبراهيم الخليلِ ، لأنَّ الرعايةَ الربانيَّة فَتَحتْ نَافِذَةَ ﴿ بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ .
البحرُ لا يُغْرِقُ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ ، لأنَّ الصَّوْتَ القويَّ الصادق نَطَقَ بـ ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
المعصومُ في الغارِ بشَّرَ صاحِبهُ بأنه وحْدَهْ جلَّ في عُلاهُ معنا ؛ فنزل الأمْنُ والفتُح والسكينة .
إن عبيد ساعاتِهم الراهنةِ ، وأرِقّاءَ ظروفِهِمُ القاتمةِ لا يرَوْنَ إلاَّ النَّكَدَ والضِّيقَ والتَّعاسةَ ، لأنهم لا ينظرون إلاَّ إلى جدار الغرفةِ وباب الدَّارِ فَحَسْبُ.

ألا فلْيَمُدُّوا أبصارَهُمْ وراء الحُجُبِ وليُطْلِقُوا أعنة أفكارِهِمْ إلى ما وراء الأسوارِ.
إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المُحالِ دوامُ الحالِ ، وأفضلُ العبادِة انتظارُ الفرجِ ، الأيامُ دُولٌ ، والدهرُ قُلّبٌ ، والليالي حُبَالى ، والغيبُ مستورٌ ، والحكيمُ كلَّ يوم هو في شأنٍ ، ولعلَّ الله يُحْدِثُ بعد ذلك أمراً ، وإن مع العُسْرِ يُسْراً ، إن مع العُسْرِ يُسْراً ...

أيها المسلمون :

إذا نزل بكم ضيق أو عسر ، فلا تكثروا الشكوى ، وتظهروا الضيق والضجر ،حتى لايشمت بكم عدو أو حاقد،
ولا تري للأعادي قط ذلا *** فإن شماتة الأعداء بلاء
وعليكم بدواء الأزمات والملمات الذي وصفه الله في كتابه الكريم حيث قال سبحانه ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " اطرحوا أموركم وعوزكم وحاجتكم على ربكم فوالله لو اجتمع من في السموات ومن في الأرض ليؤخروا عنكم رزقا كتب الله تقديمه لن يستطيعوا ، ولوا اجتمع من في السموات ومن في الأرض على أن ينفعوكم بشيء لن ينفعوكم الا بشيء قد كتبه الله لكم فلما الضيق والضجر والقلق والتوتر (ورزقكم في السماء وما توعدون )
والتزام المؤمن بالصبر يجلب له معية الله بنصره وتأييده يقول تعالى " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين "
وكان هدف النبي صلى الله عليه وسلم في النوازل والأزمات أن يقف بين يدي ا لله يستمد منه العون والصبر وكشف ما نزل به وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى " ( رواه أحمد وأبو داود )
وإذا سلك المؤمن ذلك السبيل حال عسره أفاض الله تعالى عليه من خزائنه رحمة ولطفاً وبركة تهون عليه ما هو فيه من عسر وضيق

أيها المسلمون :
لا ينسى المؤمن أن يكثر من ذكر الله تعالى حال عسره لا سيما الاستغفار والتوبة فهما من اعظم الأسباب لسعة الرزق وكثرة الأبناء ومغفرة رب الأرض والسماء قال تعالى حكاية عن النبي نوح عليه السلام : " فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً " وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار دواء لتفريج الكربات وزوال الهموم وضيق الرزق فقال صلى الله عليه وسلم : (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب " ( سنن ابي داود وابن ماجه )

مَعْشرَ المؤمنينَ:
مَنْ رامَ الفرَجَ بعدَ الشِّدَّةِ، فلا بُدَّ أنْ يُعِدَّ له عُدَّةً، فمِنْ ذلِكَ: الاسِتْرجاعُ عِنْدَ المُصيبة كما جاءَ في مُحْكَمِ الكتابِ: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْم
َةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }
ومِصْداقُ ذلكَ الوعْدِ المُنيفِ، ما جاءَ في الحديثِ الشريفِ، الذي أخرجَه مسلمٌ في صحيحِهِ مِنْ حديثِ أُمِّ المؤمنينَ أمِّ سلَمَةَ رضِيَ اللهُ عَنْها قالَتْ: سمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ:"ما مِنْ مسلمٍ تُصيبُهُ مُصيبةٌ فيقولُ ما أمَرَهُ اللهُ: { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } { البقرة:156 } ، اللهمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خيراً مِنْها، إلاّ أَخْلَفَ اللهُ له خيراً مِنْها".قالَتْ: فلمَّا ماتَ أبوسَلَمَةَ قُلْتُ: أيُّ المسلمينَ خيرٌ مِنْ أبي سَلَمَةَ؟ أوَّلُ بيتٍ هاجرَ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ إنِّي قلْتُها، فأخلَفَ اللهُ لي رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم

فيا مَنِ ابتلاكَ اللهُ بشدائِدِ الأمورِ، اصبرْ واصْطَبِرْ فنِعْمَ العبدُ الصَّبورُ، واعلمْ أنَّ بَعْدَ العُسْرِ يُسراً وأنَّ تفريجَ الشدَّةِ وَعْدٌ وليَلْهَجْ لسانُكَ بدعَوَاتِ المكْروبِ، فإنَّها بإذنِ اللهِ تعالىَ سببٌ في تفريجِ الكروبِ، كما أخرجَ أحمدُ وأبو داودَ مِنْ حديثِ أبي بَكْرَةَ الثقَفِيِّ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعَواتُ المكروبِ: اللهمَّ رحمتَكَ أَرْجو، فلا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأَصْلِحْ لي شَأْنِي كُلَّه، لا إلهَ إلاّ أنْتَ".

أقول ما سمعتم واستغفر الله
.
#الخطبة_الثانية

الحمد لله رب العالمين ، واشهد ان لا اله الا الله ولي الصالحين ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله الصادق الامين ، وسلم تسليما كثيرا ،،،

ايها الاحبة الافاضل. :

اعلموا أنه إذا نزل العسر بأحدكم فإن اليسر يرافقه فإن الله تعالى قال مؤكداً ذلك : " فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً " قال الحسن رضي الله عنه : " كانوا يقولون لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين " قال عبدالله ابن مسعود ) لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه )

ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
والى ابطالنا الصامدون في الجبهات والميادين، رغم الظروف والأنين نقول لهم:
كم انتم عظماء ايها الثابتون في جبهات النضال والواجب

كم أنتم عظماء وانتم كجبال اليمن الشماء تواجهون الانقلاب وانتم دون رواتب او مستحقات، بينما يتقاضى خصمكم مقابلاً على باطلهم...
عظماء ايها الشامخون واسركم تعاني الحاجة واولادكم يحتاجون احياناً الى العلاج فلا يجدوه
عظماء ايها الكبار بهممكم واصراركم وانتم تفسدون مؤامرات من يريدونكم ان تتركوا الجبهات،وتنفضوا عنها،
لقد تحديتم المستحيل، وصبرتم يوم ان هرول الضعفاء،
ووقفتم يوم قعد الخوالف،
وثبتم يوم تساقط الكثيرون،..
اشمخوا، وارفعوا، رؤسكم عالياً، وطاولوا السماء بأعناقكم
فالرجولة هي الثبات على القضية والمبدأ والاصرار على الحق،..
لقد اثبتم للعالم انكم أقوياء ومستعدون من اجل وطنكم لكل الاحتمالات، دون مقابل يقي عوائلكم الحاجة، رغم حاجتكم لذلك ،لكن إن راودوكم على ذلك فقد اخترتم الثبات،...
ايها الثابتون الشامخون، في ميدي، وحرض، وتعز، والبيضاء ،وصرواح ،وجبال نهم، ولحج ،والضالع ،وشبوة، وفي جميع المواقع، وكل الجبهات سيخلدكم التأريخ بأحرفٍ من نور ، وسيذكر المثبطين، والمتآمرين، والخوالف، بما يستحقون حتى تلعنهم الاجيال القادمة، ...
والله لو اذن الله للجبال لانحنت تحت اقدامكم، لأنها لم تعرف مثلكم رجالاً عظماء، ...
فلنواصل ثباتنا حتى تَهْزِم إرادتنا كيدهم
والله معنا ولا مولى لهم
والوطن ملكنا
والارض ارضنا
والمستقبل لنا
والنصر موعودنا ان شاء الله...

فعلى المجاهد الحق أن يكون عظيم الثقة بربه ، مستبشراً بالفرج بعد الشدة ، وباليسر بعد العسر
، متفائلاً حَسَنَ الظن بالله تعالى ، حتى يكون الله تعالى عند ظنه كما قال الله تعالى في الحديث القدسي : " أنا عند ظن عبدي بي " .
وليكن المؤمن عظيم الأمل والرجاء في ربه أن يزيل عنه ما نزل به من ضيق وعسر ، ولا يكن من القانطين ، فان القنوط ليس من أخلاق المؤمنين ، قال تعالى : " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "
دعِ المقاديرَ تجرِي في أَعِنَّتِها… ولا تَبِيتنَّ إلاّ خالِيَ البالِ
ما بيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وانتباهَتِها … يُبَدِّلُ اللهُ مِنْ حالٍ إلى حال
ِ
هذا وصلواوسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❁ الجمــ☼ــعــة ❁
١٧/ رجــ⑦ــــــب/ ١٤٣٨هـ
14/ إبــريــ④ـــل/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
‌‌‏
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏استسلم إبراهيم لأمر الله بذبح
ولده الوحيد
فكان الاستسلام استمرار لذريته
ونسله...
﴿ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا
في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه
أجره في الدنيا ... ﴾

صبــــاح الاستسلام لامر الله...@
2024/09/29 19:18:46
Back to Top
HTML Embed Code: