Telegram Web Link
وَلَا نَفْعًا، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِنَّ لَكِ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ". والمعنى أن لكم رحما وسأصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئا .  فأين هذا مما يدعيه الحوثيون والشيعة الضالون!!
ويعمد الروافض إلى التضليل حتى في تسمية أئمتهم فيسمونهم بالأسماء الدينية وينسبونهم إلى الله وإلى الدين وهم أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء دينه كالهادي إلى الحق والمهدي لدين الله والمتوكل على الله والمستنصر بالله ونصر الله وآية الله والمعز لدين الله وسيف الإسلام وهلم جرا كلها تزكيات لرؤوس الشر والضلال والله يقول (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) ، وتميز وترفع على الناس وليس هذا من الدين في شيء فالدين جاء بالمساواة وفي الحديث عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ»، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ) مسند أحمد، وإسناده صحيح .
إخوة الإسلام إنه لا وجود لهذه العنصرية والسلالية إلا عند إبليس وجنده من اليهود والنصارى الذين قال الله عنهم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ، وادعائهم بأنهم شعب الله المختار ، وزعمهم بأنهم أولياء الله ، وعن قولهم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) ، هذا التلبس بالدين والمغالطة تحت لافتة الدين من أقبح أنواع السلوك والمعاصي ولذلك استحقوا به لعنة الله وغضبه قال تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) ومثلهم الروافض عموما والحوثيون على وجه الخصوص .
وها نحن اليوم أيها الكرام أمام نموذج من نماذج التضليل والمغالطة يرتكبه الروافض والحوثيون في تعاملهم مع المولد النبوي الشريف حيث استغلوه دينيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا فهم يحولون البلاد كلها إلى احتفالات ينسجون فيها الخرافات والضلالات باسم النبي وباسم الإسلام ، والنبي والإسلام بريء من ذلك فليست هذه الطقوس من الدين في شيء ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعون وهم خير القرون الذين قال عنهم سيد البشر (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ، ألا وإن أول من أظهر هذه الخرافات وهذه المراسيم والرايات الخضراء وتوزيع الحلوى في ذكرى المولد النبوي هي الدولة الفاطمية العبيدية الاسماعيلية الشيعية المتعصبة والتي نشأت في مصر من بداية القرن الرابع الهجري وما بعده وادعت أنها من أصحاب النسب الشريف ، والصحيح أنهم من نسل عبد الله بن ميمون القداح اليهودي الذي ادعى الإسلام وباطنه الكفر البواح كما قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله .
ولنا أن نتساءل من أين أخذ هؤلاء هذه الضلالات ؟ سنجد الجواب واضحا بأنه تقليد للنصارى الذين يحتفلون بالمسيح وهم أبعد الناس عن هديه ودينه فقد ضيعوا دينه وطريقته وحرفوا ما نزل عليه من الوحي ، وهكذا هؤلاء الحوثيين يحتفلون بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد ضيعوا سنته وهديه بل يحتفلون به ويتهمون زوجته الطاهرة بالزنى ويسبون أصحابه ويحاربون القرآن والسنة وينزلون أشد العقوبات بورثة الأنبياء من أهل العلم والقرآن والدعاة ، ومما يؤكد أن هذه الطقوس تسر أعداء الإسلام أن ملك إربل في القرن السادس الهجري احتفل بالمولد النبوي بمثل هذه الطقوس ودعمه نابليون بملايين من الدراهم الفرنسية تشجيعا لهذه المظاهر التي تهدم الدين باسم الدين وتحول الإسلام إلى مظاهر تزين بها الشوارع والجدران ولا شيء وراء ذلك فدين الشيعة هو النسخة المفضلة عند الغرب للإسلام ويحبون أن يعرضوا الإسلام على شعوبهم بهذه الصورة المزيفة وذلك كذب على الله وعلى دينه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
إخوة الإسلام إن يمن الإيمان والحكمة والفقه لم تكن تعرف مظاهر الغلو والتطرف والخرافة في هذه المناسبة وإنما كان الناس يقيمون بالمناسبة محاضرة أو ندوة في بعض المساجد الرسمية يتكلم فيها العلماء والدعاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وسنته وصفاته الخلقية والخلقية ويكتفون بذلك ، أما توظيف هذه المناسبة للكسب السياسي دعاية وتسويقا فهذا فعل عصابة الحوثي تبعا لما يفعله أمثالهم في العراق وإيران ولبنان وبهدف تزيين أنفسهم وأفكارهم وسيدهم ووجوههم القبيحة فيضعون أنفسهم وسيدهم مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعتبرون ما هو للنبي هو لسيدهم وكأن الدين والنبي إنما جاء لصالح أسرة معينة أو سلالة ولم يأت لإسعاد جميع البشر والله يقول (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) ، ويقدمون سيدهم على أنه ابن النبي والوريث الوحيد كذبا على الله وهو يقول (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ، يصممون اللافتات الدعائية باسم النبي صلى الله عليه وسلم والصورة بجوارها لعبد الملك الحوثي فهل يجوز هذا ؟ أليس هذا من التضليل للمجتمع ؟ ويقدمون اسم النبي صلى الله عليه وسلم دعاية لضلالاتهم وخرافاتهم وانحرافاتهم ، ويبتزون الناس وينهبون أموالهم باسم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجوع ليشبع الناس والذي قال الله عنه وعن رحمته بالأمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ) قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام أصبح الناس ينزعجون كلما قربت مناسبة المولد النبوي الشريف لا لأنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لما يفرض عليهم من التكاليف المادية باسم المولد ، فالحوثيون يفرضون على الناس تزيين محلاتهم وبيوتهم وسياراتهم بالقوة والإكراه ، ويأخذون من أموالهم ما يشاؤون باسم النبي صلى الله عليه وسلم ، معيار الحب للنبي صلى الله عليه وسلم بقدر ما يدفعون للمتعصبين من أموال ، مولد النبي صلى الله عليه وسلم موسم لمزيد من الإثراء للحوثيين ومزيد من النهب والإفقار للمواطنين علما أن صاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام والمولد قد حرم استباحة الدماء والأعراض والأموال بغير حق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا !) رواه مسلم.
كما استغل الحوثيون مولد النبي صلى الله عليه وسلم عسكريا يحشدون للجبهات لقتال الأحرار والمجاهدين وأهل القرآن يفعلون ذلك لصالح التمكين للمشروع الإيراني الفارسي المجوسي الحاقد في اليمن ويعدون ذلك جهادا في سبيل الله ، ومتى كان قتال المسلمين والتمكين لأعداء الدين جهادا كما يزعمونه ؟ يرفعون شعار الصرخة (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود والنصر للإسلام) وهم في الواقع أصدقاء للأمريكان وعملاء لليهود لم يقتلوا يهوديا من يهود فلسطين المحتلة وهم قريبون إليهم جدا ، ولا قتلوا أمريكيا في العراق ولا في غيرها ، لكنهم قتلوا الملايين من المسلمين في العراق وفي لبنان وفي اليمن وفي غيرها ، يظهرون الشرك والاستغاثة بغير الله باسم النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرون سيدهم أكثر من ذكرهم لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، شوهوا الدين وأساؤوا إلى النبي وإلى علي وإلى الحسن وإلى الحسين وزيد وغيرهم باسم آل البيت ، ولذلك كان من الواجب ومن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حق دين الإسلام اليوم  على كل مسلم قادر أن يدفع عنه شر هذه العصابة الضالة ويقف في وجه ضلالها وانحرافها رفعاً لهذا الظلم والبغي؛ وصيانة لكرامة كل مسلم وحريته ، قال الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وقال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
وإن جيشنا وأمننا وقبائلنا ومقاومتنا اليوم يخوضون هذه المعركة المقدسة وهم على يقين أنهم يدافعون عن دينهم ووطنهم وكرامتهم وسينتصرون بإذن الله القائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ) وستخسر عصابة إيران التي تتلقى تعليماتها من طهران كما تشهد عليهم تصريحات إيران لتي تفاوضها الأمم المتحدة والدول الأخرى من أجل إقناع الحوثيين بقبول تمديد الهدنة الأخيرة ، وهذه من أكبر صور العمالة والارتهان التي درجت عليها الحوثية منذ نشأتها وهكذا هي طبيعة الخائنين والله من ورائهم محيط (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال والصلاة على رسول الله وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 18 ربيع أول 1444هـ الموافق 14 أكتوبر 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله ناصر المستضعفين قاصم ظهور الجبارين المتكبرين ومذل الظالمين المعتدين ، سبحانه قيوم السماوات والأرضين مدبر أمر الخلائق أجمعين ، له الحمد سبحانه وتعالى وهو الملك الحق المبين ، اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله وإليك يرجع الأمر كله ، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام في الذكرى التاسعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المباركة والتي تحرر فيها شعبنا في الشطر الجنوبي من الوطن من الاحتلال البريطاني الغاصب والذي ظل يعيث فيه فسادا وظلما وتنكيلا وتمزيقا لمدة مائة وثمان وعشرين سنة ، أقف بحضراتكم مع موضوع الحرية والوحدة باعتبارهما غاية من الغايات التي من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع ، وباعتبارهما الهدف الأبرز للثورة السبتمبرية والاكتوبرية ، وباعتبارهما أهم مقومات الأمة وأهم عناصر قوتها ، وباعتبارهما أهم منجزات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر المجيدتين ، نتذكر ذلك ونذكر به الأجيال والأبطال ونخلد مآثره في كل مكونات المجتمع ، نؤكد على ذلك في الوقت الذي يعيد التاريخ فيه نفسه وتطل الإمامة البائدة من جديد حاملة لمشروع الاحتلال الإيراني الفارسي التوسعي الطامع في خيرات اليمن وثرواته وموقعها الجغرافي المتميز ، متوسلة بمشاريع التمزيق والتشتيت للبلد ليتسنى لها التمكين لأهدافها وأنى لها ذلك ، ولتأخذ الأجيال العظة والعبرة من التاريخ ، ولتجدد هدف التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما ، وهدف تحقيق الوحدة اليمنية في إطار الوحدة العربية الشاملة ، ولتستنفر طاقات جيشنا وأمننا وقبائلنا للحفاظ على الثورة ومكتسباتها واستكمال أهدافها وتجديد روحها بالحفاظ على الوحدة والسيادة كاملة غير منقوصة
نعم يا أيها المؤمنون من الحقائق التي سجلها التاريخ ذلك الصراع المستمر بين الأمة الإسلامية من جهة والمغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى من جهة أخرى ، صراع لا يهدأ وإنما يتجدد بين كل فترة وأخرى فكما مرت على الأمة موجة احتلال في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بهدف التخلص من وحدة الوطن الإسلامي التي كانت تجمع المسلمين باختلاف بلدانهم ولغاتهم وألوانهم وأعرافهم وتقاليدهم والتي امتن الله عليهم بها بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، كما استهدف المحتل تحجيم نفوذ الدولة الإسلامية والذي وصل إلى وسط أوروبا، وانتشر في بلاد البلقان ووصل إلى المجر والنمسا. ولا تزال مآذن مساجد المسلمين ومآثرهم شاهدة على تلك القوة والعزة حتى اليوم ، كما استهدف المحتل الاستئثار بثروات الوطن الإسلامي وخيراته وبسط نفوذه السياسي والاقتصادي والعسكري عليها بناء على اتفاقية سايكس بيكو 1916م التي قضت بتقسيم تركة الدولة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ولضمان مزيد من التراجع لوضع المسلمين على المستوى الدولي السياسي والاقتصادي والأخلاقي حسدا منهم على هذه الأمة وما تملكه من التفوق القيمي والمادي وصدق الله (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وقال (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) إنه الحقد على الدين وانتشاره ومحاولة لإطفاء أنوار الحق والهدى وأنى لهم ذلك فالأمة المسلمة تمرض ولكنها لا تموت وتتراجع لتتقدم والله غالب على أمره وقاهر فوق عباده وحافظ دينه قال تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وقال (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .
إخوة الإسلام سيبقى دين الله ظاهرا قاهرا لا يضره كيد كائد ولا مكر فاجر قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وسيبقى الصراع بين المشروعين الإسلامي والغربي على أشده ابتلاء واختبارا للأمة المسلمة كما قال تعالى (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وليتميز الصادقون المجاهدون من غيرهم
نعم يا أيها المؤمنون لقد كان قدر شعبنا أن استهدف ضمن هذا العالم باحتلال جنوبه من قبل الغاصب البريطاني وكان ذلك سببا لثورة عارمة ضد المحتل ضحى فيه ابناء اليمن بالنفوس والارواح والأموال طوال فترة من الجهاد والمقاومة حتى أذن الله بالنصر
إن التحرر من الاستبداد والاحتلال فطرة ودين وقيمة إنسانية أصيلة ، والدفاع عن حرية الإنسان وكرامته وحقوقه وعن حرية بلدان المسلمين واستقلالها فطرة ودين فكل الأنبياء بعثوا بمهمة تحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحد لا شريك له ، وهو معنى (لا إله ألا الله) أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله ، بمعنى لا طاعة ولا خضوع ولا ذلة ولا تسليم إلا لله ولحكمه ودينه وهو معنى قول الله (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ، (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) وهو المطلب الذي بعث به موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) ، وقوله تعالى (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) وهو ما عبر عنه ربعي بن عامر عن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم للقائد الفارسي رستم (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة) .
نعم أيها الكرام إن الرضى بالانتقاص من الحرية والكرامة يعد كبيرة من الكبائر يحاسب عليها الإنسان ويعاتب ويعاقب في أول لحظات الآخرة ولا يعذر إلا العجزة والمستضعفون من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ، وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
وهذه هي المنطلقات التي قامت عليها الثورات في الشمال والجنوب وفي الماضي والحاضر ، ومن الحقائق التي ظهرت في نضال اليمنيين واحدية الثورة في أهدافها وغاياتها وفي أنشطتها وفعالياتها وفي شخصياتها ورموزها فلا يكاد الدارس أن يلحظ فارقا بين أهداف سبتمبر واكتوبر إلا في الصياغة فكلها تستهدف التحرر من الاستبداد والاستعمار وكلها تستهدف تحقيق الوحدة الوطنية وكلها
تستهدف رفع مستوى الشعب سياسيا واقتصاديا وثقافيا ، وأنشطتها وفعالياتها الثورية واحدة استفاد منها الثوار في الشمال والجنوب وتحققوا بقول الله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ، (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فإن مما يؤكد واحدية الثورة قصة انفجار الثورة يوم 14 أكتوبر ، حيث تؤكد وثائق الثورة على مشاركة المناضل الكبير الشيخ غالب راجح لبوزة وثلة من رجال الجنوب في ثورة سبتمبر ببسالة وشجاعة حتى حضروا احتفال عيدها الأول عام 1963م ثم اجتمع ألف من الثوار من الشمال والجنوب في صنعاء للتشاور والتعاون وحشد الطاقات لتحرير الجنوب من الاستعمار بعد تحرير الشمال من الاستبداد واتجه المناضل غالب راجح لبوزة ومن معه في قيادة الثورة إلى تعز للترتيب والتدريب وقيادة الثورة من هناك مؤكدين بلسان الحال والمقال واحدية الثورة وضرورة تحقيق الوحدة الوطنية بين الشمال والجنوب
رجع الشيخ المناضل غالب راجح لبوزة مع المشاركين في الثورة في الشمال إلى مسقط رأسه في ردفان الضالع وما إن وصل حتى جاءه الطلب من الضابط البريطاني المحتل يطالبه بالحضور لتسليم نفسه وسلاحه هو ومن معه من الثوار مع غرامة تأديبية مقدارها خمسمائة شلن لمشاركتهم في ثورة سبتمبر بغير إذن من المحتل البريطاني وعليهم أن يتعهدون بعدم الخروج من الجنوب إلى الشمال إلا بإذن المحتل فماذا كان جواب البطل لبوزة هو وإخوانه على المحتل ؟ رد عليه برسالة فحواها أنني عدت من وطني إلى وطني وأنتم الطارؤون عليه والغرباء فيه والمعتدون على استقلاله وخيراته وثرواته ، وأعلن فيه رفضه تسليم نفسه وسلاحه مع من معه ثم وضع الرسالة في مظروف ووضع فيه رصاصة من حزامه ليعلنها حربا على المحتل لا هوادة فيها ، جن جنوب المحتل البريطاني فحرك قواته ومدافعه وطائراته ضد الثوار الأبطال واشتبك المناضلون مع قوات المحتل ليوم كامل ختم ذلك اليوم باستشهاد لبوزة رحمه الله ولكنه ما استشهد حتى أشعل الثورة وأشعل النضال ووضع الأقدام على طريق التحرير واندلعت الثورة العارمة التي لم تهدأ حتى حققت النصر وطرد المحتل من جميع البلاد بعد أربع سنوات من النضال والتضحية والثبات ، حيث تم انسحاب آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967 م وبذلك عمت الفرحة واكتملت الأهداف وتكامل المجتمع وظهرت بجلاء روابط الأخوة والمحبة بين المواطنين وبناء على ما سبق نؤكد على ما يلي :
1-واجبنا جميعا في دعم الجيش والأمن للحفاظ على السيادة وعلى مكتسبات سبتمبر وأكتوبر
2-نطالب المجلس الرئاسي بهذه المناسبة على رفع الوتيرة في دعم الجيش والأمن بالرواتب والذخيرة والسلاح وتوحيد حركة الجيش لتحرير البلد من الاحتلال الإيراني الغاصب وفك الحصار عن تعز
3- دعوة الجميع إلى الثبات واستمرار الجهاد حتى تحرير كل شبر في اليمن من الاحتلال الإيراني
4- لن يسمح شعبنا وجيشنا أن تهدد وتمزق وحدته الوطنية ولن يسمح بالانتقاص من أهداف الثورتين ولن يسمح شعبنا للانتقاص من سيادته الوطنية على أراضيه وثرواته وموانئه
4- اليقين بأن النصر حليفنا بإذن الله فإذا كان الثوار الأجداد قد هزموا المملكة المتوكلية وعمرها مئات السنين والمملكة البريطانية وعمرها 128 سنة فالأحفاد قادرون بإذن الله على هزيمة عصابة الحوثي الطارئة على التاريخ اليمني (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)
ثم الدعاء والدعوة للجهاد بالمال والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأقم الصلاة
*الجواهر.والدرر.في.إصلاح.الأُسر.tt 1️⃣1️⃣*

*بعنــــوان:*

*إعلام.البرية.بأهمية.التحصنات.الشرعية.tt*

للشيخ الداعية /أبي عمار وهبان بن مرشد المودعي

🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌


التصنيف/التربية والأخلاق



*الْخُطْبَةُ الْأُولَــــــــى*

الْحَمْدَ لِله نَحْمَدُهُ تعالى، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُالله وَرَسُولُهُ وخليه وصفية، تركنا على المحجة ، ليلها كنهارها، لايزيغُ عنها إلا هالك ،فصلوات ربي وسلامه عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وصبحه وَسَلَّمَ تسليماً مزيداً مُتكاثراً مُتتابعا ،

*﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:١٠٢].*

*﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:١].*

*﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب]*

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ خَيْرَ الحديث كتاب الله، وخَيْرَ الْهدِي ، هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وصبحه وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أجارني الله وإياكم والمسلمين جميعاً من البِدْعَ والضَلَالَات والنَّارِ.

أيها المسلمون عباد الله : مر معنا أن تكلمنا عن السحر ، والعين ،
وما في ذلك من الأضرار ،وأني في خطبة هذه أحببتُ أن أذكر نفسي وإخواني السامعين ، وفقكم الله إلى كل خير ،

أحببتُ أن أذكر نفسي، وإخواني، ببعض التحصنات، الشرعيه، التي تقيك بفضل الواحد القهار، من السحر أو المسي ،أو العين ، فإن هذه التحصنات بفضله سبحانه بمثابةٍ الدرع الحصين ،

وبمثابةٍ الوقاية العظيمة ، من جعلها وقايةً يسر الله له بفضله ، وأمتنانه وكرمه ، ثم بهذه الأمور الوقاية من السحر ، أو المسي أو العين ،
وما يُصاب كَثيرٌ مِنَ الناس ، بالسحر ، أو المسي، أو العين،

إلا والأمر الأول: هو بيد الله ، فلا أحدٌ يستطيعُ أن يصيبك بشيء ، إلا بإذن الله،
قال الله عز وجل: في كتابه الكريم، *﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا ﴾ [١٧:٨٢] - الإسراء*

ويقول الله؛ *﴿ فَقُلتُ استَغفِروا رَبَّكُم إِنَّهُ كانَ غَفّارًا(١٠)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (١٢) مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (١٤) } ٧١- نوح*

ويقول الله في كتابه الكريم: *﴿ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ ﴾ [٨:٣٣] - الأنفال*

ويقول الله : *﴿ وَقُل جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إِنَّ الباطِلَ كانَ زَهوقًا ﴾ [١٧:٨١] - الإسراء*

ويقول سبحانه وتعالى: *﴿ فَاذكُروني أَذكُركُم وَاشكُروا لي وَلا تَكفُرونِ ﴾ [٢:١٥٢] - البقرة*

ويقول الله: *{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (٨٦)} ١٩- مريم*

ويقول الله: *﴿ وَإِمّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ ﴾ [٤١:٣٦] - فصلت*

وآياتٌ كثيرة ، دعا الرحمن الرحيم ، عباده جميعاً ، إلى أن يبذلوا الأسباب ، التي جُعلت لتقِيهم من الشرور والمحن،

معاشر المسلمين ؛ إن السحر، والمس، والعين، إبتلاء يبتلى به العبادة ، ولكن من سعى إلى الأسباب، التي تقِيه من هذا البلاء ، أعانه الله ووفقه ، وسهل له الحال، وما ترى كثيراً من المسلمين، يُبتلى بما يبتلى به، من الوسواس القهري.

وهكذا من الأوهام والخيالات، ورُبما سار يتهم زوجته، ويتهم أُسرته ، وسار في عالم الوساوس،
إلا لأنهُ ترك الأسباب الشرعية، في التحصنات ، التي تقِيه شر هذا البلاء، وتقِيه شر هذه الأمور، التي تغير عُقله عن مسارهِ الصحيح ، إلى مسار يتعبُ نفسه، ويتعبُ غيره.

وأني ذاكر لكم بعضاً ، من الأعمال الشرعية، التي تكون بفضل الله، حِصنا حصينا للعبد، تقِيه من هذا البلاء ، وسواءٌ كان هذا البلاء ، عن طريق السحر ، أو المسي، أو العين، أو كان عن طريق ما يصابُ به بعض الناس، من المصائب والمحن ، التي تجعلهُ يخرج إلى عالم الموسوسين، وإلى عالم أصحاب الأوهام ،والخيالات ،وربما كان سبباً في قتل نفسه، أو قتل أُسرته، لأن عقلهُ، خرج عن نطاقه الصحيح.

معاشر المسلمين: إن من الأسباب الصحيحة لذلك ، حرص العبد على الإقبال على الله بالدعاء ،

يا أيها المُبتلى: لا تغفل عن دعاء الله ، يا أيها المسحور: لا تغفل عن دعاء الله،
يا أيها المعيون: لا تغفل عن الدعاء لله،
يا أيها المُبتلى: في ليله ونهاره ، لا تغفل عن الدعاء لله.
يا من يصيحُ الصيحات العظيمة ، والأصوات الشديدة ، لا تغفل عن الدعاء لله.
يا أصحاب الأمراض: لا تغفلوا عن الدعاء لله.
إن الله يراكم، أن الله يسمع كلامكم، إن الله يعلم أحوالكم، أقبلوا على الحي القيوم ، بالدعاء
أقبلوا على الذي يسمع النجوى،
أقبلوا على الذي لا يخفى عليه شيء من أمر العباد.
كم من أناس، لا يرفع كف الضراءة إلى الله،
بالدعاء والتضرع بين يدي الله ،
وظنوا أن ذهابهم إلى غير الله نافعاً لهم.
ـ، أبدأو بالواحد القهار ،ـ
أحرصوا على الدعاء لله ، وتضرع بين يدي الله ـ سبحانه وتعالى. ـ

قال الله: عن كفار قريش، *﴿ فَإِذا رَكِبوا فِي الفُلكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ}*
هذا وهم على الأمواج المتلاطمة ، وعلى الأمواج الشديدة ، العسرة ومع ذلك يقبلوا على الله بالدعاء،

ومن عظيم كرم الرحمن، وعظيم تفضل المنان، أنه ينجيهم ، مما هم فيه من الظلمات ، *فَلَمّا نَجّاهُم إِلَى البَرِّ إِذا هُم يُشرِكونَ ﴾ [٢٩:٦٥] - العنكبوت*

أكرم الله العباد بالإستجابة، لهم ـ سبحانه وتعالى،ـ ألا تدعو ربك وأنت مسلم !! الله أرحم بك ، فقط إقبل عليه بالدعاء.

*﴿ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ ﴾ [٢:١٨٦] - البقرة*

وقال: *﴿ أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكشِفُ السّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفاءَ الأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ ﴾ [٢٧:٦٢] - النمل*

وقال سبحانه وتعالى: *﴿ يا أَيُّهَا النّاسُ أَنتُمُ الفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَميدُ ﴾ [٣٥:١٥] - فاطر*

وقال سبحانه وتعالى: *﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم ﴾ [٨:٢٤] - الأنفال.*

إن الدعاء لله من أسباب حياة القلوب، وحياة الأبدان ،
فيا أيها المهموم المغموم ،
يا أيها المكروب، يا أيها المبتلى ، تضرع إلى الله المولى بزيادة الدعاء ، وأقبل على الله بالإنابة والخضوع ، فستجد رباً كريماً رحيماً عظيماً غفاراً

هذا من الأسباب التي بفضل الله تقيك هذا البلاء.
ولو نظرنا إلى التاريخ الأول في دعائهم لله، لرأيتهم عجباً عجابا وامراً مهولاً كبيراً.

إلا إن الغفلة، داهمت قلوبنا فتسلط علينا أعدائنا ،
وتسلطت علينا الجن، والشياطين،
وإلا فإن الله قد جعل، كما قال: *﴿ لَهُ مُعَقِّباتٌ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ يَحفَظونَهُ مِن أَمرِ اللَّهِ﴾ [١٣:١١] - الرعد*

إن السبب الثاني: من الأسباب، التي تعتبر لك تحصنات صحيحة ، وتحصنات كبيرة، إنه حُرصك أيها المسلم على فعل الخيرات ،من الصدقات، ومن الحرص على ما يحتاجه الفقراء، وعلى ما يحتاج إلية المرضى،

قال عليه الصلاة والسلام:« داوُوا مَرْضاكم بالصَّدَقةِ» يحسنه الإمام الألباني رحمه الله ،
ـ، داوُوا مَرْضاكم بالصَّدَقات ،ـ

يا أيها المسحور: يا أيها المعيون: يا أيها المُبتلى:

تفقدوا أحوال أُسر فقيرة ، وأحوال أيتام وأرامل ، تفقدوا أحوال فقراء ، تفقدوا أحوال أرامل ، ضاق عليهم الحال والأمر ، إقبلوا على الله بالصدقات، وتضرعوا بين يدي الله رب البرية ، بفعل الخيرات، فستجد أن ربك أكرم وأعظم وأنعم، دُق بابهُ بفعل الخيرات، من صدقةٍ على فقراء ، من حرص على تسهيل أمور المياه ، فإن ذلك خيرٌ عظيم.

أنظروا مساجد تحتاج إلى ماء ، أعطوهم المال يتوضأوا لعبادة الله _عز وجل_ أنظروا أناسا في حارات ، وفي أماكن إنقطعت عنهم سُبل المياه، واجعلوها صدقة جارية ، ونوا بها الصدقات، يرفع الله عنكم البلاء

الإمام الطبري رحمه الله؛ هذا أحدٌ علماء الإسلام ، أصيب ببلاء في وجهه ، وهي أكله تأكل الوجه ، وتمثل به ، فاستمر به البلا في وقت طويل ، وذهب إلى كثير من الأطباء ، فلم يجدوا له دواء ، فدلهُ رجل على بئر ، قد صارت هذه البئر لا يستقي الناس منها ، لأنها قد إندفنت والناسُ بحاجة إلى الماء ، فذهب إلى هذه البئر ، فقام بحفرها وتجهيزها ، ورفع للناس ما يحتاجون إليه من
الماء ، فبراء من وجعه بإذن الله _عز وجل_

هكذا يقول عليه الصلاة والسلام: «أفضَلَ صدقةٍ سُقْيا الماء » فأنظروا إلى فقراء ومساكين ، ربُ دعوة فقير فكان سبباً لتفريج همك، ورفع بلائك ،وزيادة خيرك وامنك واستقرارك

معاشر المسلمين: وإن من الأسباب التي تقي عنك بفضله ـ، سبحانه وتعالى،ـ هذا البلاء من السحر أو المسي أو العين ، إنها تلاوةً كتاب الله، إنها تلاوةً الذكر الحكيم ، إنها تلاوةً كلام رب العالمين ، *{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ}* ، إن الْقُرْآنِ بفضل الله شِفَاءٌ، إنه رَحْمَةٌ من الله _عز وجل_

أقبلوا على تلاوة الْقُرْآنِ، يا من غفل عن تلاوة الْقُرْآنِ في بيته، إجعلوا بيوتكم تشتغل بسماع الْقُرْآنِ ، يا من يمشي في طرقاته ، إجعل الْقُرْآنِ يكون معك، في سيارتك، في باصك، في مُتورك، في جميع تنقلاتك، إشغلوا الناس بالْقُرْآنِ إجعلوا كلام الله يسمعوه الناس سفراً وحضراً ،
إجعلوا الْقُرْآنِ الكريم لكم رفيقاً في السفر والحذر ، كم من البيوت صارت الأتربة على المصاحف في نوافذها ! كم من البيوت صارت المصاحف كأنها زينة ! يتزين بها في رفارف في البيوت ! كم من البيوت ! لا تعريف فتح المصاحف إلا في رمضان؟

فإذا ذهب رمضان صارت الأتربة على المصاحف ، في نوافذ البيوت، إن هذا كتاب الله ، حبلٌ ممدود ، طرفهُ بيد الله، والطرف الآخر بيد الناس ، من تمسك به نجا بفضل الله ، ومن عمل به سعد ، ومن حكمهُ لم يَشْقَى ، *﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ۝ وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى ﴾*

إن كلام الله لم ينزل ليعلق على جدران البيوت،
إن كلام الله لم ينزل ليكون زينة في المناظر.
إن كلام الله لم ينزل من أجل أن نتخذه زينة ورياء وسمعة.
إنهُ أُنزل للعمل ، وأُنزل للتدبر، وأُنزل للتلاوة، إن هذا كتاب الله معاشر المسلمين.

قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «في سورةَ البَقَرةِ لا تَستَطيعُها البَطَلةُ» لا يستطيعُ السحرة أن يهتكوا بيتاً يقرأ فيه القرآن،
لا يستطيعُ السحرة أن يهتكوا بيتاً تُتلى فيه سورة البقرة،
لكن غفلنا فتسلط علينا الشياطين
أستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.


*الخطبة الثانية*


الحمدُ لله وكفى، وصلى الله وسلم على رسوله المصطفى ، وعلى آله وصحابته أجمعين ،

أما بعد: معاشر المسلمين: ومن الأسباب التي تعتبر من التحصنات ، إنه تحصل ترك الذنوب والمعاصي والأثام ، إن الذنوب مجلبة للنقم، مذهبة للنعم، فنعمةُ العافية، إنها نعمة عظيمة كبيرة.

إن من الأسباب: لذهاب هذه النعمة ، إنها الذنوب والمعاصي ، *﴿ أَلَم تَرَ أَنّا أَرسَلنَا الشَّياطينَ عَلَى الكافِرينَ تَؤُزُّهُم أَزًّا ۝ فَلا تَعجَل عَلَيهِم إِنَّما نَعُدُّ لَهُم عَدًّا ﴾ [١٩:٨٤] - مريم"

إن الشَّياطينَ تتسلط على أصحاب الذنوب والمعاصي ،
رجلٌ يترك صلاة الفجر في جماعة المسلمين ، ويريدُ أن يعافيه الله من البلاء ،
رجلٌ يترك صلاة الظهر في جماعة المسلمين ! ويترك صلاة العصر في جماعة المسلمين ! أو يقدموا صلاة عصر ، مع صلاة الظهر بغير عذر شرعي ،
أرجلٌ يترك صلاة المغرب من أجل شجرة القات ومضغيها ، ويريد أن يعافيه الله من البلاء ، كيف ترضى في أرض الله ، أن تنال المعاصي فيها وتريد عافية من خالقها ،

إن هناك أناسا ، قد أبتلوا بمثل هذه الإبتلاءات ، لكنهم تساهلوا بالذنوب فعملوها ، وأقبلوا على المخالفات فارتكبوها ، جعلوا ستراً فهتكوه ، واقبلوا على المخالفات الشرعية ففعلوها.

أيها المسلم الكريم: أيها المُبتلى الكريم: عافاك الله ، إقبل على الله بترك الذنوب، إقبل على الله بفعل الطاعات، وترك المحرمات،

كم من أناس سهل عليهم سماع الأغاني !
كم من أناس سهل عليهم سماع المزامير ،!
كم من أناس وشباب صارت الجوالات ! ممتلئة ، بالمفجرات القلبية العقلية ،من المخالفات الشرعية ، فترى فيها مخالفات ، ويريد أن يعافى من الإبتلاءات ،

أتركوا الذنوب ، تجدوا رباً كريماً رحيماً.
فالشيطان أقسم لله؛ قال الله عنه أنه ﴿ قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغوِيَنَّهُم ۝ إِلَّا عِبَادَكَ ﴾ [٣٨] - ص

فالشيطان يسعى لأغوائنا ، بإرتكابنا للذنوب ، وبإرتكابنا للمعاصي ، إن أعظم مدخل يدخل منه الشيطان لبني آدم ، إنه مدخل الذنوب، ومدخل المعاصي ، فمثل الذنوب والمعاصي ، كمثل رجلٌ فتح داره

، فتح داره الممتلئة بالأشياء الثمينة ، ليدخل إليها اللصوص، فيعبث فيها كيف شاءوا ،

وإن ترك الذنوب والمعاصي، بمثابة البيت الممتلئ بالأشياء الثمينة ، إلا أن صاحبهُ أحكم داره ، وأحكم بابه ، وحافظ على ممتلكاته ، فحُفظت بحفظ الله ، إن أعظم شيء تمتلكه هو روحك وجسدك بعد نعمة الإسلام ،

فحافظ على هذا الشيء الثمين بترك الذنوب، والمعاصي، والأثام، فالله الله معاشر المسلمين؛
كم من شبابنا أبتلوا بمشاهدة المحرمات؟
فأصيبُو بعشق الجنيات ، أو بعشق من النساء الجنيات، وصار بعض الشباب مُبتلى بهذا البلاء ،
والسببُ أنه خلاء بمحارم فانتهكها ،
خلاء بمحارم الله فهتك ستره ،
خلاء بمحارم الله.

يا معاشر المسلمين: إن ترك الذنوب من الأسباب العظيمة ، للتحصنات المرضية.
ومن الأسباب للتحصنات الشرعية: قراءة أذكار الصباح، وقراءة أذكار المساء ، أقرأوا الأذكار معاشر المسلمين ، فإن أذكار الصباح ، وأذكار المساء بمثابة الدافع والمحامي بفضل الله ،

من صباحك إلى مساءك ، ومن مسائك إلى صباحك ، فهي بمثابة الحارس القوي الشرس الذي يحميك من عدوك ، ويدفع عنك شره وكيده ، وذاك فضلٌ من الله ونعمة ،

فمن تساهل بالأذكار؛ فقد سهل لأعدائه من الجن، أن يتسلطوا عليه ، وأن يمكرو به ، فاقبلوا على الأذكار ، وعودوا الأبناء والبنات ، واحرصوا على ذلك ففيها خيراتٌ عظيمة ،

وهكذا أذكار النوم ، أذكار الإستيقاظ ، فإن لها بفضله سبحانه شأن عظيماً ، وذاك فضل الله على خلقه

ولهذا جاء الشيطانٌ فمر على صدقة من الصدقات، في عهده -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وأراد أن يأخذ من حارسها شيئاً منها ، فوصل إليه وهو أبو هريرة الحارس ،
فجاء في اليوم الأول؛ وتمثل له وأراد أن يأخذ منها من المال، فأُخبر النبي فقال: أما أنه سيعود ، فعاد في اليوم الثاني والثالث فقال : له ألا أدُلك على ما يمنعك ، أن تقرأ آية الكرسي ، أي *{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}* فذاك يمنعك ، فأُخبر أبو هريرة رسول الله ، فقال الرسول: صدقك وهو كذوب»

فالتحصنات الشرعية: من الأسباب التي تقي الشرور ، والمحن، والمصائب، بفضله ـ، سبحانه وتعالى،ـ فحافظوا على ذلك أيها الناس،

ومن الأسباب التي تقي كذا البلاء: حُرصك على الرقية الشرعية ، فسماعُ الرقية ، والحرصُ على الرقية الشرعية ، إنها من الأسباب بفضله _سبحانه وتعالى_ ، للعافية من البلاء ، فأدم المواصلة على رقية نفسك ، وبالقراءة عليك من الرُقاه‍ الأمناء ، فإن ذلك خير.

ـ، وهنا رسالةٌ أُوجهها ،ـ رسالة تعلوها الرحمة، ورسالة تعلوها الإنكار كذلك ، على بعض من يقرأون على من يصاب بالسحر، أو المسي، أو العين،.

إن هناك من الناس، من جعلوا الرقية على المصابين ، بالسحر، أو المسي، أو العين، كهيئة التجارات لهم،
فذاك يأتي بأنواع مختلفة من الأعشاب ، ويقول: هذه العشبة لكذا ، وهذه لكذا ، إنها تجارة على أرواح المساكين، وعلى أرواح المُحتاجين، وعلى أرواح المصابين، بالسحر، أو المسي، أو العين.

أقول لهؤلاء:👈 إتقوا الله، وارحموا هؤلاء ، الذين أبتلوا ، فهناك من الناس ، من إستغل هذه الأشياء وجاء بالعسل الكثير،
وقال: لابُد أن تأخذ كذا وكذا كيلوهات، ولابُد أن تفعل كذا وكذا.
لا ننكر أن العسل شفاء ، ولكن بعضهم جعل العسل تجارة ، يتجر بها على رأس هؤلاء الفُقراء ، ولا نتكلم على البيع والشرى فيه فهو مباح.

كلامي على من يستغل المرضى، ويستغل حالة الفقراء ، أما بيعهُ وشراؤه‍ معلوم من ديننا إباحته ،
لكن بعض القراء على المرضى ، صاروا يستغلون هؤلاء.
وهكذا بالأعشاب ، هذه العشب لكذا ، وهذه خلطة كذا ، وهذه قد خُلطت بأشجار كذا وكذا ،
ما دخل الأشجار في السحر أو المسي أو العين ،
ما أدخل الأشجار أن تتسلط على الجن والعفاريت ، إنها التجارة ، إنها التجارة ، لبعض الناس .

وهكذا بعض القراء ، سار يتعامل مع المرضى بالمعاملة المخالفة للشرع ، سواءٌ على من يصابُ من الرجال ، أو بالنساء ،
أقول إتقوا الله ، واحرصوا على البُعد عن المخالفات الشرعية ، لتنجو وتسعدوا

وهناك أيضاً؛ من يستغلُو ما يسمى بالشرابات، فيأتي بشربة كذا ، وشربة كذا ، وشربة كذا ، أتعبو المرضى ، أقول لهؤلاء ، إن الإتجار بهذه الطرق ، إنها إستغلال لوضع الناس ، وإستغلال لحاجة الناس ،

الرقية الشرعية مباحة ، لا ننكرها ، ولا ينبغي لأحد أن ينكرها ، أو أن يقف ضدها ، فهو شيء شرعي ، لا ينكر ، لكن ينبغي الضوابط الشرعية ، في هذه الطرق ، لمعالجة هؤلاء ،

فكم رأينا بفضل الله من الرقية الشرعية، من نفع الله به ، وجعلهُ في عافية وعافاه الله من البلاء ، لكن لابد من تصحيح المسار

أيضاً؛ هناك من إستغل الرقية الشرعية، للتجارة ، الجلسة بالفين، وبثلاث آلاف، وبخمسة آلاف، لن يجد هؤلاء بركة في قِراءتهم، لن يجد هؤلاء البركة في قِراءاتهم، هؤلاء إستغلوا حالة الفقراء ، وإستغلوا حالة المرضى، لن أتيك إلا بكذا ، أو أنا ما طلبت منه كذا ، هو أتى بها ،

يا تجار القراءة إتقوا الله ، في أرواح المرضى هؤلاء ، هم مُسلمون ينبغي الرحمة بهم، والعطف عليهم ، يُبتلى كل يوم هذا البلاء ، وكل جلسة تحتاج إلى ثلاث آلاف أو خمسة آلاف ،
أني أبعث رسالة ، لمن أبتلي بالسحر ، أو المسي، أو العين، من جاءك يقرأ عليك، وطلب منك مبالغ ، أو تلحظ أنه لن يقرأ إلا بمبالغ ،
👈نبرأ إلى الله من فعله هذا_ وبعضهم رُبما يتمثل بنا ، ويقول: هو من طلابنا ، لا يمثلنا ، ولا يمثل دارنا هذا الصنف ، ونحذر منه ، ومن طريقته ، وإن اضطرنا للتسمية سنسمي ، براءةً للذمة ، لا ينبغي أن يستغل أرواح فقراء ، وأرواح المرضى ، وأرواح المحتاجين،

يذهب جلسه بكذا ، ويذهب جلسة بكذا ، طرق غير صحيحة ، وطرق غير مرضية ،

لكني أقول ، إن الرقية الشرعية طيبة ، وهي كما قال عليه الصلاة والسلام : لما قرأ ، قرأ في عهده قرأ الصحابة -رضي الله عنهم- في عهده فلم ينكر عليهم ، ذلك لم ينكر عليهم ذلك، فالرقية المطلوب أن المسلم يرقي نفسه ، ويرقي أهله ، ويرقي ولده ، عند من يرقى من الأمناء ، ممن يريد النفع للناس ، ولنفعل لهذا المريض ، لا أن يريدوا الإستغلال.

بعضهم يرقي على المريض، ثم يقرأ عليه قليلاً ومشى ، من أجل الجلسة الثانية تكون مثل ، سعر الجلسة الأولى ، تُجار 👈 تُجار لا نرتضي سيرهم ،

والمطلوب الرحمة بشعبنا اليمني، الشعب اليمني عزيز على قلوبنا ، وحبيب على أرواحنا ،
الشعب اليمني نحن منه وهو منا ، لا ينبغي لأي أحد أن يرى شيئاً، يمس هذا الشعب المبارك، الطيب أن يرى شيئاً ولا ينكره.

فما نرى من حالة فقراء ،
أو حالة مساكين،
أو حالة مرضى ،
ينبغي نتعاون معهم ،
ينبغي نحرص عليهم ،
ينبغي أن ندلهم على الخير ،
ينبغي أن نكون عوناً لهم ،
حتى يعافى من هذا البلاء ،
وهذا من التعاون، بلادنا تمر بمراحل صعبة وبحروب عظيمة ، لا تخفى على الجميع ، فتعاونا نحن أبناء اليمن لحمةً واحدة كالأصابع في الكف الواحد ،

ينبغي التراحم والتعاطف، والتأزُر والتأخي ،هذا بفضل الله يكون فيه خير للناس ، سواءٌ الأطباء ، أو كان القراء التراحم التراحم ،

هكذا مع الفقير ، مع المسكين ، إذا لم نتراحم في ظل هذه الأوضاع ، متى سنتراحم؟
اذا لم نتعاطف في ظل هذه الأوضاع متى سنتعاطف؟
فالمطلوب هو التعاون، والتراحم، بقدر ما نجد.

أسأل الله العظيم بعزته وجلاله أن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه الخير والسداد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد أمنا مُطمئنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم من كان مسحوراً فارفع سحره، اللهم من كان معيونا فارفع عنه العين.
اللهم من كان مسحوراً فعجل بشفائه ، ومن كان معيوناً فارفع عنه العين يا رب العالمين.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 3 ربيع الثاني 1444هـ الموافق28أكتوبر2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والصبر والمصابرة في السراء والضراء والشدة والرخاء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) أما بعد فيا أيها المؤمنون الأبرار من الحقائق الإيمانية التي يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا وقلوبنا على الدوام بأن كل مكلف تتعلق بذمته أمانات ومسؤوليات والتزامات وحقوق وواجبات يلزمه رعايتها والقيام بواجبه تجاهها وسيسأل عنها يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين والنبي صلى الله عليه وسلم يذكرنا ويؤكد لنا هذه الحقيقة ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ رَاعٍ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " رواه البخاري ، وفي حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِن الله سَائل كل رَاع عَمَّا استرعاه حفظ أَمْ ضَيَّعَ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيته".
وأن هذه المسؤوليات والواجبات والحقوق أيها المؤمنون تشمل واجب الإنسان نحو نفسه وواجبه نحو أسرته وبيته وواجبه نحو ربه وواجبه تجاه دينه ومجتمعه ووطنه وأمته في حديث سَلْمَانَ أنه قال لَأَبِي الدَّرْدَاءِ (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، - وفي رواية ولضيفك عليك حقا - فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ» رواه البخاري ، وهذه المسؤوليات والحقوق المذكورة في الحديث واردة على سبيل التمثيل لا الحصر فإن الأسئلة والحقوق والواجبات التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة كثيرة فقد جاء في الحديث أن الإنسان يسأل في قبره عن ربه وعن دينه وعن نبيه ، وفي الحديث عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَأَيْنَ وَضَعَهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ، مَا عَمِلَ فِيهِ؟» وقال تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، كما دلت النصوص من السنة على أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا فسدت فسد سائر عمله ، وأن أول ما يقضى فبه بين العباد في الدما ، فعلى المسلم أن يتذكر هذه الأسئلة وأن يعد لها جوابا وأن يحاسب نفسه على ذلك قبل فوات الأوان وقبل يوم الحساب
وتتسع أيها المؤمنون دائرة الأمانات والمسؤوليات والالتزامات على الإنسان حسب مركزه الوظيفي أو موقعه الاجتماعي أو مكانته السياسية ونشاطه الاقتصادي فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ «مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا، لَا يَفُكُّهُ إِلَّا الْعَدْلُ، ولا يُوبِقُهُ إلا جَوْرُ» رواه أحمد ، فإذا كان هذا أمير عشرة فكيف بموظف تتعلق به حاجات ومعاملات آلاف الناس وقد تضيع بسبب تقصيره في الدوام أو اللا مبالاه في التعامل مع حقوق الناس ومعاملاتهم فما موقفه أمام ربه ؟ وكيف بمن هو مسؤول عن محافظة أو وزارة ؟ وكيف
بمن هو مسؤول عن بلد ووطن بأكمله ؟ وكيف بالتاجر المحتكر الذي يخفي على الناس السلع الضرورية وقت الحاجة ليرفع أسعارها ويتحكم في السوق كما يريد ؟ وكيف بالتاجر الذي يرفع أسعار سلعه دون مراعاة للمستهلك وإنما يفكر في نفسه وشهوته ؟ وكيف بأصحاب البيوت والعقارات الذي يرفعون أيجار البيوت دون مراعاة لواقع الناس الاقتصادي ؟ وكيف برجال الأعمال الذين يظلمون العمال ويستهلكون طاقاتهم مقابل أجر زهيد تحت ضغط الحاجة ؟ فيا أيها المؤمنون تذكروا واجباتكم نحو ربكم ودينكم وأسركم ومجتمعكم ووطنكم ووظائفكم ومعاملاتكم مع العمال والمستأجرين ومع زبائنكم ، ويا أيها القادة العسكريون والأمنيون تذكروا واجباتكم وما يتعلق بذمتكم من حقوق مادية ومعنوية لأفرادكم ، ويا أيها الموظفون وظائفكم أمانات تتعلق بها مصالح الناس فأحسنوا في دوامكم وخدمة مجتمعكم ويا أيها الأطباء أرواح الناس وصحتهم أمانة بين أيديكم فاتقوا الله في ذلك وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ، ويا أيها المسؤولون أنتم مسؤولون محاسبون على وطنكم ودينكم وحماية سيادتكم واستقلال بلادكم وعلى كل سياساتكم ومواقفكم وقراراتكم فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، ورضي عن عمر كان يشعر بالمسؤولية أمام ربه عن رعيته وهو القائل (لو أن جملا أو قال شاة أو قال حملا هلك بشط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه ) وهو حسن بمجموع طرقه ، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخشى أن يسأل عن البهائم وعثراتها والتقصير في حقوقها فكيف بالمسؤولية عن بني الإنسان الذين كرمهم الله وفضلهم وعن مصالحهم التي تهدر وتضيع دون رقيب ولا حسيب ؟
وكيف بالمسؤولية عن الدين والقيم والأخلاق التي تدمر على أيدي الحوثيين الضالين المضلين ؟ وكيف بهوية المجتمع وخصائصه وتاريخه وهي تجرف وتهدم بالمعول الكبير ؟ إننا بحاجة إلى شعور الصديق بحق الدين عليه وقد وقف معاتبا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء يعاتبه على موقفه الحازم في مواجهة أهل الردة والمتلاعبين بالدين والقيم فقال له "رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك يا عمر ، جبارًا في الجاهلية، خوارًا في الإسلام ؟! ماذا عسيت أن أتألفهم: بشعر مفتعل أم بسحر مفترى؟! هيهات هيهات !!"، "والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها".وهو الذي قال للدنيا قولته الخالدة: "إنه قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص وأنا حي؟!"، "أينقص وأنا حي؟ "أي: إن ذلك غير ممكن ولا أقبل به أبدًا مادمت حيًا، ثم أعلنها صريحة وبهمة عالية وبنفسية تحطم صخور اليأس والإحباط والهزيمة أمام المخاطر الكبرى التي تتهدد الأمة : "والله لأقاتلنهم ما استمسك السيف في يدي، ولو لم يبق في القرى غيري". فما أحوجنا اليوم إلى همة أبي بكر وحزمه وعزمه حفاظا على ديننا ووطننا وقياما بالمسؤوليات والأمانات التي كلفنا بها وصدق الله يذكرنا ذلك (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام إن حاجتا اليوم ضرورية إلى أن نستشعر واجبنا ومسؤوليتنا وأماناتنا نحو ديننا ووطننا وأمتنا ونحن نواجه مهددات حقيقية لثوبتنا الدينية والوطنية والأخلاقية ونواجه احتلالا إيرانيا فارسيا للأرض والخيرات والثروات والقرارات ونواجه تدميرا للدين والأخلاق والقيم ونواجه طمسا للهوية الدينية والتاريخية ونواجه تغييرا ومسخا لمناهج التعليم ، فيجب أن يستشعر كل مواطن وكل موظف وكل مسؤول وكل قائد عسكري واجبه في هذه المرحلة وأن يقوم به كاملا غير منقوص ما لم فالمسؤولية عظيمة والعقوبة شديدة (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
من المسؤول عن تحرير اليمن من الاحتلال الإيراني الفارسي الغاصب ؟ من المسؤول عن تحرير المناهج الدراسية في مناطق سيطرة المليشيات من الخرافات والضلالات الحوثية الخمينية المتعصبة ؟ من المسؤول عن دعم جيشنا وأمننا بالسلاح والذخيرة والرواتب ليقوموا بدورهم في مواجهة الحوثي ؟ من المسؤول عن توجيه كل طاقات الجيش والأمن والقبائل لحسم المعركة مع مليشيات الإرهاب السلالية ؟ من المسؤول عن الحفاظ على السيادة الوطنية على كل مناطق البلاد وموانئها وثرواتها وخيرتها ؟ من المسؤول عن إنقاذ الشعب اليمني المظلوم تحت سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية ؟ إننا جميعا مخاطبون مسؤولون محاسبون كل بحسب موقعه ومكانته والله يقول لنا (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ
الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ولا تعولوا يا أيها الكرام على مشاريع السلام والحلول السلمية مع مليشيات الحوثي الإجرامية فلا حسم إلا بقوة السلاح ولن يستسلم العدو للحل السياسي إلا إذا كسرت شوكته وهزمت قوته وأرغم أنفه ولذلك فإننا نذكر الجميع بمسؤولياتهم الدينية والوطنية والدستورية
نطالب مجلس القيادة الرئاسي والحكومة ووزارة الدفاع والداخلية ومجلس النواب بالقيام بواجباتهم ومسؤولياتهم نحو الجيش والأمن بتوفير السلاح والذخيرة وتسليم رواتب الجيش والأمن بانتظام وتوجيه كل الوحدات الأمنية والعسكرية لحسم المعركة مع المليشيات وتحرير الوطن وتوجيه كل القرارات والترتيبات والإصلاحات المالية لصالح المعركة ولصالح حل المشكلة الاقتصادية وكل قرارات أو اهتمامات بعيدة عن ذلك فهي لهو ولعب وضياع للوطن والمواطن
كما نذكر جيشنا وأمننا بأن الثبات في المواقع والبسالة والشجاعة والتضحية حفاظا على الدين والوطن هي التي تصنع القرارات الرشيدة وتغير الموازين وتحفظ للوطن والمواطن عزته وكرامته وسيادته وصدق الله (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
كما نذكر مجتمعنا وقبائلنا إلى أن جمع الكلمة ووحدة الصف والموقف في مساندة الجيش والأمن في مواجهة عصابة الحوثي الإجرامية من أهم مقومات النصر والله يحب ذلك من عباده قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)
كما نذكر الجميع موظفين وتجارا ومؤجرين ورجال أعمال بالرفق والتراحم والتعاون والبعد عن الجشع ولأنانية لنكون أقرب إلى رحمة الله ونصره في الحديث في البخاري عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليهم وسلم قال: (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ)
(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال لصالح كسوة الشتاء للمجاهدين وأسر الشهداء ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة 10 ربيع الآخرة 1444هـ الموافق 4 نوفمبر 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته وذل كل شيء لعزته وخضع كل شيء لملكه واستسلم كل شيء لقدرته وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بجلاله وجماله وكمال أسمائه وصفاته (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله دفاعا عن الدين والوطن والأخلاق والقيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام من أخطر الأسلحة التي يستخدمها أعداء الدين والعقيدة ضد الإسلام والمسلمين عبر التاريخ سياسة الإفقار ومحاولة التسلط والاحتكار لمقومات الحياة الأساسية والكمالية ليتحكموا من خلال ذلك في مصير الأمة واستقرارها واستقلالها وقراراتها وحريتها وكرامتها ودينها وأخلاقها وهو أسلوب سبق إليه اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا عن عقيدة منهم بأنه لا حرج عليهم دينا ولا سياسة في ظلم الشعوب ولا لوم عليهم في نهب خيراتها وفي إفقارها والتحكم في اقتصادها ، لا حرج في ذلك كله وهم الذين قال الله عنهم (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، واستخدمه المشركون لصد الناس عن دعوة الحق ومحاولة إجبارهم على التسليم للكفر والظلم والطغيان فقد حاصروا رسول اله صلى الله عليه وسلم ومن آمن به وناصره في شعب بني هاشم ثلاث سنوات ولكنهم لم يستسلموا بل صبروا وصابروا حتى جاء الفرج من الله تعالى ، وتبعهم في ذلك أصحاب النفوس المريضة من المنافقين وأعداء الدين في بلاد المسلمين والذين قال الله عنهم (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) وهي سياسة متبعة وطريقة معتمدة يتخذها الروافض الحاقدون في مواجهة الحق وأهله كما هو حال إيران الفارسية اليوم وأذرعها في المنطقة فما دخلت بمليشياتها بلدا إلا أفقرته ودمرته اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ودينيا ولكم أيها الكرم أن تسألوا الشعب الإيراني المظلوم الذي تتركز ثرواته بأيدي أصحاب العمائم من الآيات والملالي أما عامة الشعب فيعيش أقسى أنواع الفقر والحرمان وفق سياسة (جوع شعبك يتبعك ) ، سلوهم عن سعر الدولار في إيران سيقولون لكم أن قيمة الدولار الواحد باثنين وأربعين ألفا وثلاثمائة ريال إيراني ، وسلوا لبنان التي استبد بها حزب الشيطان سيخبرونكم بأن الدولار الواحد قيمته سبعة وثلاثون ألفا وأربعمائة ليرة لبنانية ، وسلوا سوريا والعراق ستجدون الدولار يعادل ثلاثة آلاف فما فوق من الدنانير ، وستجدون نفس النتيجة في اليمن فقد انقلب الحوثيون على الشرعية وسعر الدولار مائتان وأربعة عشر ريالا فخفضوه على مذهبهم التضليلي وحسب دعاياتهم إلى 1500 ريال مقابل الدولار الواحد تخفيض بالمقلوب فانقلابهم قلب الموازين كلها ، حصل الانقلاب المشؤوم وسعر الريال السعودي 57 ريالا فخفضوه على طريقتهم إلى 300 ريال ، انقلب الحوثيون على الدولة وسعر الجالون البترول عشرين لترب 3000 ريال فوصل في مناطق الحوثي إلى 24000 وإلى 40000 ريال ، أسطوانة الغاز قبل الحوثي ب 1200 ريال واليوم وصلت إلى 21000 ، هذه منجزات الحوثي وقل مثلها في أسعار الكهرباء والدقيق والسكر والسمن والزيت وغيرها ، سيطر الحوثي على مقدرات الدولة فنهب رواتب مليون و200 ألف موظف منذ عام 2016م إلى يومنا هذا ، انقلب والاحتياطي النقدي في البنك المركزي 6 مليار دولار فنهبها كاملة مما أفقد العملة قيمتها ، إنها سياسة الإفقار والحرب على الاقتصاد والمعيشة في أوضح صورها ، هذا أيها المؤمنون هو شأنهم وهم
في ذلك يقولون أنهم إنما جاؤوا لمحاربة الفساد والفاسدين وتخفيض أسعار البترول والمشتقات النفطية وغيرها والدفاع عن الشعب اليمني يصدق عليهم في تضليلهم قول الله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) . (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) ولذلك فإن الإسلام حارب الفقر وسياسة الإفقار لكونها سلاحا بيد العدو ولما لها من آثار سيئة على الاعتقاد والسلوك ، والأمن والاستقرار والتماسك الاجتماعي ولذلك فإن علينا أن نقف في وجه هذذا العدو الغاصب المستبد وسياساته ونستعيذ بالله من شرها كما علمنا أفضل الخلق ففي حديث مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ " رواه النسائي وصححه الألباني ، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ) رواه البخاري ومسلم ، كما يجب علينا أن نتكافل ونتعاون ونرعى الفقراء والمساكين وأسر الشهداء والجرحى والمعتقلين والمرابطين اقتداء بأبناء اليمن من الأشعريين الذين مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري ، كما نطالب الحكومة والرئاسة بتحسين الوضع الاقتصادي للناس وتسليم رواتب الجيش والأمن ورعاية أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله ب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فلقد تأكد لجميع أبناء اليمن التواقين للسلام والاستقرار والعدالة والمساواة أنه لا سلام ولا استقرار ولا عدالة ولا مساواة ولا دولة في ظل عصابة الحوثي الإيرانية الإرهابية التي دمرت الاقتصاد والسلم لأنها مصدر كل شر وعدوان وبغي وظلم وقطيعة، فالحرب وقودها وتجارتها وبيئتها التي تعيش فيه ، وتستمد بقاءها من خلال استمراره ، لأنها مليشيات مرفوضة شعبيا في فكرها وسلوكها وسياستها فلا بقاء لها بدون السلاح ، وأوضح دليل وبرهان على رفض الشعوب لهذه الفئة الضالة المضلة ولشعاراتها الجوفاء وسياساتها الخرقاء هي الثورة العارمة التي تشاهدونها اليوم في إيران من قبل الشعب المقهور المظلوم ، ثورة على حكم عصابات مرشد الثورة، وعلى فساد قياداته وعلى سياسة الإفقار ، إن هذه الحركة الاحتجاجية التي تتوسع يوما بعد يوم هي التعبير الصادق عن ما يعانيه الشعب الإيراني في ظل هذه العصابات المجرمة من جوع وفقر وخوف في حين يرى الشعب ثرواته تنفق على أحلام السيطرة على العالم ، تلك الأحلام التي سكنت رؤوس ملالي إيران وأذنابها في العراق ولبنان واليمن ، ها هي الجماهير الإيرانية اليوم تهتف ب"الموت للدكتاتور" الذي كان يعد نفسه نصف إله ويرى نفسه مقدسا فوق المقدسات ، وها هي جموع المتظاهرين تحرق مقرات أجهزته القمعية وصور ومجسمات قادته، وتقدم التضحيات بالمئات في سبيل الانعتاق من حكم الولاية ونظامه الكهنوتي، ومن خرافات معمميه وضلالهم وفسادهم. لقد مكرت ملالي إيران بشعوبنا المسلمة، وأجهضوا أحلامها واستنزفوا طاقات ودماء هذه الشعوب وخيراتها ، فحق عليها قول ربنا عز وجل (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) وقوله (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ
مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ، فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) .
وواهم ومخدوع أيها الكرام كل من يظن أن الحوثيين يمكن أن يتعايشوا مع اليمنيين أو مع جيرانهم في أمن وسلام
وشراكة وعدالة وإنسانية ، ونموذج عدم إمكان تعايش هذه الطائفة المريضة مع بقية أبناء الشعب ما رأيناه ونراه من ممارسات حزب الرافضة في لبنان من تجميد للحياة وعبث بالدولة واستقواء على شركاء الوطن .. لبنان التي قررت يوما ما أن تتعايش مع هذه الفئة فوقعت معهم اتفاق الطائف القاضي بالمحاصصة بين مكوناته، فإذا بها تجد نفسها في مواجهة سلاح هذه الفئة المارقة ، السلاح الذي كانت تمولها به إيران بدعوى مقاومة إسرائيل فإذا بها توجهه للداخل اللبناني، وتقهر به شركاء الوطن ، لقد أضحى لبنان مع هؤلاء بلا دولة متماسكة، ولا اقتصاد آمن، ولا قضاء عادل قادر على إنفاذ أحكامه، ولا وحدة قرار في التعامل مع الجيران والدول.
لقد كان الشعب اللبناني ينتخب نوابه في البرلمان ثم ينتظر سنوات من أجل تشكيل حكومة تتحمل مسؤولية إدارة الدولة، فلا يصل إليها إلا بعد عناء شديد، وذلك نتيجة رفض حزب إيران في لبنان لأي توافق بين القوى اللبنانية حتى لا يتمكن اللبنانيون من السلطة المطلقة والنفوذ الكامل على مقدرات شعبهم ومؤسساته وإنما تبقى السيطرة والنفوذ بيد حزب الشيطان .
لقد مارس الروافض الكذب عقودا طويلة بأنهم يواجهون أمريكا وإسرائيل، وحين تحركت ميليشياتهم بآلتها العسكرية لم تتوجه إلى إسرائيل ولا إلى أمريكا وإنما توجهت إلى صدور أهل السنة في سوريا والعراق واليمن ، وإسرائيل التي يهتفون بالموت لها يفصلها عنهم سور فقط وهي تعيش آمنة مطمئنة ، ويزعمون أنهم يرفضون التطبيع مع اليهود، ولكنهم لم يتأخروا من توقيع اتفاق حق التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط الذي بموجبه اعترفوا بحق اليهود في نفط وغاز لبنان وفلسطين ، كما اعترفوا بدولة اليهود ورسموا الحدود معها وتعهدوا بحمايتها، وبالمقابل يثيرون الفتن ويشعلون الحروب ويفرقون صف المسلمين بالنعرات والعصبيات الجاهلية فأين الشعارات الكاذبة من هذه الأفعال ؟ أليس في ذلك فضيحة لهم أمام العالمين ؟ (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
هذا هو نموذج السلام والتعايش مع هذا الفكر الإقصائي المنحرف. وكفى به عبرة لكل من ينادي بسلام مع ميليشيات الحوثي الإيرانية في اليمن دون أن ينزع منها السلاح ويجعله في يد الدولة وحدها، ليعيش الجميع في ظل الدستور والقانون الذي يضمن حقوق الناس ويقرر واجباتهم، ودون هذا لن يتحقق سلام ولا استقرار، ولن يأمن اليمن ولا جيرانه ولن يسلم الإقليم ولا الممرات المائية الدولية ولا السلام العالمي. فعلينا أن نوحد صفنا وأن نجمع كلمتنا وأن نسد المنافذ التي يدخل منها شياطين الجن والإنس لمساعدة العدو الصائل ولنكن كما أمرنا ربنا صفا كالبنيان المرصوص مساندة لجيشنا وأمننا وقبائلنا قال تعالى (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) وكما جاء في الصحيحين عن أَبِي مُوسَى الأشعري عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ". وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ، وندعو المجلس الرئاسي إلى حل المشكلة الاقتصادية وتحريك كل جبهات المواجهة السياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية ، باتجاه الحسم مع مليشيات الحوثي الإرهابية ، كما نذكر بدفع رواتب الجيش والأمن بانتظام دون تسويف أو تأخر حتى تكون فاعليته أقوى في مواجهة الحوثي ومليشيات ، نفح قلوبنا لبعضنا ونحن على يقين أن اليمن يتسع للجميع ، غير أنه لا مكان فيه لمن يريد التفرد والاستبداد ، ولا مقام بيننا للكهنوت والاستعباد . وما سوى ذلك فالأمر فيه متسع، وسيصنع اليمنيون ـ بإذن الله ـ ثم بجهادهم وتلاحمهم وطناً حراً عزيزاً يستحق كل هذه التضحيات، لتعود اليمن بإذن الله كما وصفها الله (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) وكما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمن الإيمان والحكمة والفقه وأرض المدد (عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
ثم الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعوة للجهاد بالمال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 17 ربيع الآخرة 1444هـ الموافق 11 نوفمبر2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله المتفرد بالخلق والتدبير الواحد في الحكم والتقدير الملك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والاهتداء بهديه والاحتكام إلى دينه والجهاد في سبيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد : فيا أيها المؤمنون الكرام ما أحوجنا في حياتنا كلها بتكاليفها الشرعية ومشاكلها ومشاغلها الحياتية وما فيها من الابتلاءات والشدائد ، ما أحوجنا إلى أن نستعين في كل ذلك بما أمرنا الله عز وجل أن نستعين به وهو الصبر والصلاة ، والصبر والتقوى ، والصبر والطاعة لأننا بذلك نستمد أعظم عناصر القوة من الله عز وجل أولا ونفجر الطاقات والمواهب الكامنة في النفس البشرية ثانيا والله تعالى يدعونا إلى ذلك فيقول ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ ويقول ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ فهذا ارتباط واضح بين الصبر من جهة وبين استمداد العون من الله عن طريق الصلاة من جهة أخرى قال ابن كثير في تفسير هذه الآية (إن الله تعالى بين أن أجود ما تستعين به النفس الإنسانية على تحمل المصائب الصبر والصلاة) . ويقول عز وجل عن التلازم بين الصبر والتقوى(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ ، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ، وعن الربط بين الصبر والأعمال الصالحة عموما يقول﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ ما يشعر بأن الأعمال الصالحة كلها لا يفوز فيها إلا الصابرون وصدق الله ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
والصبر يا أيها المؤمنون هو ضبط النفس ومجاهدتها ودفعها إلى فعل الطاعات وترك المحرمات واجتناب الشبهات والمسارعة إلى الخيرات وتحمل المشقات والتضحيات والرضى بما قسم الله من الأرزاق والأقوات وبما قدر الله من المحن والابتلاءات ، وفي الصبر ترويض للنفس وتربية لها على التحمل والثبات على الحق والخير في السراء والضراء والشدة والرخاء وفي العسر واليسر
والصبر من معالم العظمة وشارات الكمال ومن دلائل الهيمنة والقوة في الفرد والمجتمع ، فالصبر يمنح المسلم الأمل والنور وينقذه من التخبط إذا واجهته الأزمات ويعطيه الهداية الواقية من القنوط، ولذلك تردد ذكره في القرآن أكثر من تسعين مرة ، وهو من أعظم مراتب جهاد النفس والانتصار عليها ، وبه تحل على المؤمنين السلامة والتحية من الله تعالى بزوال كل مكروه وحصول كل محبوب وبلوغ المنازل العالية والجنان الغالية قال تعالى﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ وقال (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) وقال﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾وقال ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ وقال ﴿ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ ، ومن الأدلة على أهمية الصبر أن الله تعالى أمر به رسوله-صلى الله عليه وسلم- في أول ما أوحى إليه وأمره بالإنذار فقال تعالى(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) وهو دليل على أهمية الصبر على التكاليف الشرعية وأمور الدين والدعوة والجهاد ، وقد ورد ذكر الصبر في السنة النبوية كذلك في مواضع كثيرة منها قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم (والصبر ضياء) وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: وجدنا خير عيشنا بالصبر ، وقال علي- رضي الله عنه : إن الصبر من
الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له .
وينقسم الصبر أيها المؤمنون إلى ثلاثة أقسام: الصبر على طاعة الله لأن النفس لا تستقيم على أمر الله بيسر وسهولة فلابد من ترويضها وكبح جماحها وهذا يحتاج إلى صبر شديد قال الله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) وقال تعالى(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) . ولما ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال( فإن من ورائكم أياما الصبر فيه مثل قبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله) ويدخل في ذلك الصبر على الطاعات الواجبة والسنن المشروعة والدعوة إلى الله وطلب العلم والجهاد في سبيل الله . وهناك الصبر عن معصية الله لأن النفس الإنسانية محتاجة إلى الصبر عن ملذات وشهوات الدنيا المحرمة فلا نجاة ولا فلاح إلا لأصحاب النفوس اللوامة المجاهدة . وهناك الصبر على أقدار الله مثل موت الأهل والأحباب وخسارة المال وزوال الصحة وسائر أنواع البلاء كما جاء في قوله تعالى :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فاللهم اجعلنا من الصابرين وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فإن من أهم مؤهلات وصفات المجاهدين الصبر قال تعالى عنهم ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ وقال (﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ وقال (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) وبذلك ينالون النصر كما قال سبحانه عن أصحاب طالوت يسألون الله فيضا من الصبر ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ، وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ وقال عن أتباع الأنبياء في صبرهم وثباتهم في جهادهم ودعوتهم (وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
وهو مفتاح الفرج والنصر وبه تحصل الحماية الإلهية من كيد الأعداء ومكرهم قال تعالى (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) ، وقال (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) ، وقال (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، وعنوان الفلاح والنجاح والنصر كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ) فدلت الآية على أن الصبر والمصابرة والمرابطة في سبيل الله طريق الفلاح وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
ومن أهم أسباب الغلبة على العدو ومكره وكيده والتمكين للحق وأهله قال تعالى (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وقال ، (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يعرشون )
ولا شك أيها المؤمنون أننا بحاجة جميعا حكومة وشعبا وجيشا وأمنا ومقاومة ومجتمع إلى مزيد من الصبر وطول النفس ونحن في مواجهة هذه العصابة الباغية الظالمة المعتدية والتي تمطر المدن والأحياء بصواريخها وقذائفها المدمرة فتقتل الطفل في مدرسته والمرأة في بيتها والمارة في الطرقات وتخيف الأمن وتقطع الطرقات وتثير الفتن بين القبائل ، محتاجون إلى صبر يصحبه استنفار واستعداد لمعركة الحسم العسكرية مع العدو الغاشم وجمع الكلمة وواحدة الصف وحفظ الأمن والحذر على أسلحتنا وذخيرة جيشنا بتأمينها وتحصين مخازنها وأن يتعاون الجميع جيشا وأمنا وقبائل على تأمين الطرقات وملاحقة كل خلايا الحوثي الإجرامية وعدم إيوائها فمن آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ولا فرضا ولا نفلا حتى يدخله جهنم فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) ثم الدعاء والدعوة للجهاد بالمال والصلاة على النبي واقم الصلاة
2024/11/18 15:45:09
Back to Top
HTML Embed Code: