Telegram Web Link
"إن الله لا يبارك فيها ؛ فإني وضعتها منافسة ومباهاة"

خبر عجيب أخرجه أبو العباس الغمْري (ت : ٣٩٢ هـ) في "التسمية والحكايات عن نظراء مالك وأصحابه" ، عن مسائل صنفها ابن القاسم صاحب مالك.

#ملامح_من_منهج_العلم
تصنيف أبي يوسف القاضي في أصول الفقه ، وبيان إطلاق أصول الفقه عند المتقدمين

قال أبو القاسم طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد (ت : ٣٨٠ هـ) عن أبي يوسف القاضي :

"أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة ، وأملى المسائل ونشرها ، وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض".

[تاريخ بغداد (١٦/ ٣٦٣)]

وهذه الكلمة أخذها عن أبي القاسم الشاهد بعض الحنفية ، وبنوا عليها أن لأبي يوسف القاضي تصنيفا في علم أصول الفقه ، أي أنه سابق للشافعي في وضعه.

ولا يظهر أن هذه الكلمة دالة على ما فهموه ، فإن هذا الحرف (أصول الفقه) كان مما يستعمل عند المتقدمين بمعنى أمهات الأبواب وكبارها ، لا العلم المعروف الذي يضبط نظر الفقيه واستدلاله.

ومن شواهد استعمال هذه الكلمة عند أبي يوسف نفسه ، قوله في (الرد على سير الأوزاعي) :

"أو رأى بعض مشايخ الشام ممن لا يحسن الوضوء ولا التشهد ، ولا أصول الفقه صنع هذا ؛ فقال الأوزاعي (بهذا مضت السنة) !"

[الأم (٩/ ١٨٢)]

فهذا السياق مبين أنه قصد أصول المسائل وكلياتها التي لا تخفى على أصغر فقيه ، لا طرق الاستفادة من الأدلة.

ويستفاد في تقوية ذلك من قول الموفق المكي (ت : ٥٦٨ هـ) لما ذكر أن أبا حنيفة كان يشاور أصحابه في المسائل ويناظرهم فيها ، ثم قال :

"حتى يستقر أحد الأقوال فيها ، ثم يثبتها أبو يوسف في الأصول ، حتى أثبت الأصول كلها"

[مناقب الإمام الأعظم (٢/ ١٣٣)]

ونحو هذا المعنى قول الشافعي في (إبطال الاستحسان) :

"ولا ينبغي للمفتي أن [يفتي حتى يجمع] أن يكون عالما علم الكتاب ، وعلم ناسخه ومنسوخه ، خاصه وعامه ، وفرضه وأدبه ، وعالما بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا ، وعالما بلسان العرب ، عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس.

فإن عدم واحدة من هذه الخصال = لم يحل له أن يقول قياسا.

وكذلك لو كان عالما بالأصول ، غير عاقل للقياس الذي هو الفرع = لم يجز أن يقال لرجل: قس ، وهو لا يعقل القياس.

وإن كان عاقلا للقياس ، وهو مضيع لعلم الأصول أو شيء منها = لم يجز أن يقال له : قس على ما لا تعلم".

[الأم (٩/ ٧٧) ، وما بين المعقوفين مصحح من المدخل للبيهقي (٢/ ٥٩٩)]

فالأظهر أن الأصول هنا بمعنى كليات المسائل وأمهاتها ، يدل عليه أن قول الشافعي "كذلك لو كان ... إلخ" هو كلام آخر فيه منع للقياس الفاسد ، ولمعنى غير الذي مضى قبله من منع القياس على من فقد علم الكتاب والسنة والاختلاف واللغة وتمييز المشتبه وعقل العلل (أصول الفقه الاصطلاحي).

وهذا المعنى الآخر هو منع القياس على من لا يعلم ركنيه :

- الفرع (الذي سماه قياسًا من باب تسمية المفعول بالمصدر).

- والأصل (الذي هو أصول المسائل التي يجتهد فيها الناظر بالقياس عليها).

ولذا قال : "لم يجز أن يقال له قس على ما لا تعلم" ، أي من أصول الأبواب.

وقد يقال إن على هذا الإطلاق قول ابن أبي زيد القيرواني في رسالته :

"فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة ... وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى"

كما قرره ابن ناجي وغيره ، غير أنه نُقِل عن ابن أبي زيد نفسه تفسيره بالأحاديث محذوفة الأسانيد ، كما في الفواكه الدواني (١/ ٢٢) ، فهو أولى من تفسير غيره ، والله أعلم.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه
"فلم تُمْس بنا نعمة ظهرت ولا بطَنت ، نِلْنا بها حظًّا في دين ودنيا ، أو دُفِع بها عنا مكروه فيهما ، وفي واحد منهما = إلا ومحمد صلى الله عليه سببها ، القايدُ إلى خيرها ، والهادي إلى رشدها ، الذايدُ عن الهَلَكة ومواردِ السوء في خلاف الرُشْد ، المنبِّهُ للأسباب التي تورد الهَلَكة ، القايمُ بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها.

فصلى الله على محمد وعلى آل محمد ، كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنه حميد مجيد"

[أبو عبد الله محمد بن إدريس المطلبي ، عن أصل الرسالة المنسوب لخط صاحبه الربيع]
قيد أبو العباس الغمري (ت : ٣٩٢ هـ) شاهدا متقدما على وقوع ضعف الاهتمام بأصول إمام المذهب عند أتباعه.

وهو أمر يفشو مع تأخر الأزمنة ، فمن رام التحقيق لم يقنع بالفرع دون الأصل ، كما لا يُزهِّده الأصل في الفرع.

[التسمية والحكايات عن نظراء مالك وأصحابه ، ص : ١٥٠]

#ملامح_من_منهج_العلم
بعض أنواع الغلط في الاستدلال ترجع إلى إشكال في تصور المسألة نفسها قبل استعمال الدليل في نفسه ، هل يتصور أحد أن الناس إلى مدة قريبة يتيسر لهم العلم بالوفاة قبل الدفن ، بله أن يتيسر لهم حضور الصلاة ؟!
(الرجال قوامون على النساء)

جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الآية قوله : "أمراء" ، ويظهر في التعبير بالإمرة ملاحظة مسألة الطاعة كما في تتمة كلامه.

غير أن في هذا التعبير حسنا غير هذا الملحظ ، ويُظهِره لك تأمل صفة الإمرة الممدوحة في الشريعة.

فإن كون الرجل أميرا ممدوح الطريقة = يقتضي أن يعفو ويصفح ويجود من نفسه وماله ، كما يأمر ويؤدب ويحمل على الحق بالقوة والأطر ، وهذه إمرة الشريعة المحمدية ، وهي حقيقة قيام المرء على غيره.

فهي مفارقة طغيان القياصرة والأكاسرة الذين يرون الإمرة سطوة تطلق يد العسف والبغي ، وأكل الضعيف الذي لا ناصر له ، ومباعدة ديمقراطية الغربيين الذين يجعلون الإمرة (أداة تنفيذية) لما رضيه الناس ، وليس من شأنها إلزامهم ، والأخذ على يدهم فيما رضوه من خلاف المصلحة والحق.

فالقوامة في الشريعة كمال بين هذين النقصين ، وقد زلت من هذه الأمة فيها طائفتان ، فشابهوا الطريقتين الفاسدتين ، فطائفة حاكت طرائق الكسروية ، ترى للرجل عسف نساءه كما يعسف القوي الضعيف ، ولا يرعى تحريج النبي ﷺ عليه في حقهن آخر حياته ، ثم يرى نفسه لم يصب غلطا لما له من الحق الذي في الشريعة ، وتراه يحفل بالنصوص التي تجيء في تقرير حقه ، وهذه جادة مسلوكة عند أئمة الجور من قديم.

وطائفة حاكت طرائق الديمقراطيين ، فلا يرون للرجل سلطانا في بيته ، ولو رأى المنكر ظاهرا فليس له أن يؤدب عليه ، إذ الضرب على ذلك يقارب حرمة الفرج المحرم عندهم ، وإذا تعاطت نساؤه ما يشينه وينقص عدالته مما يحرم عليهن أصلا = حسبه أن يقول (حسابهم على الله) ، ويشتغل بخدمتهم ويؤدي خراجه إليهم آخر الشهر ، شأنَ العبد الكادح.

وربما خص بعضهم فضل الرجل على امرأته بالإحسان والعفو ، أخذا من ترجيح أبي جعفر لتفسير ابن عباس الآيةَ بذلك.

واعلم أن هذا الغلط دخل على من قاله لضعف بصره بطريقة أبي جعفر في كتابه ، فإن العارف به يعلم أنه كثيرا ما يرجح الأليق بالسياق ، وإن كان غيره صحيحا داخلا في معنى الآية من جهة عموم اللفظ ، غير أنه ليس أول ما يراد من الآية وأولاه.

وأمثلة هذا كثيرة في كتابه ، لا يمنع من سرد المقيد منها هنا غير الاستثقال ، فلينظر منها مثلا ما ذكره في (٣/ ٢٤٧) ، و(٥/ ٦٩٨).

وهذا نفسه يقع بين السلف ، فتجد خلافا يقع بينهم حقيقته أن طائفة ذكرت المعنى الأعم ، وطائفة ذكرت المعنى الأخص الأليق بالسياق ، بل يقع أحيانا في كلام الإمام الواحد كابن عباس.

فمحرر القول أن الأمير - إمرة عامة أو خاصة - ينبغي أن يكون سيدا على الحقيقة ، أمير يُلزم كما يغضي ، وأن يرى من تحته (في وجهه) كما تقول العامة ، فلا يفرِّط في التأديب وواجب السلطان ، ولا يقبل دخول الغضاضة والكدر على أهله ، ولو خاصموه وخالفوه فيما يحتمل ، فإن ذلك من علامات كبر قدره وفضله ، كما قال المقنع أخو كندة :

ولا أحمل الحقد القديم عليهم ..
وليس كبير القوم من يحمل الحقدا

إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ..
وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا

وهذا الباب حقه توفية القول بأكثر من ذلك ، فإن تخليط الناس فيه كثير ، والله أعلم.

#الفهم_المعطى
تقدم بعض الشركات والمواقع خدمة البيع بالتقسيط ، ويكون في شروط العقد غرامة في حال تأخر المشتري عن دفع الأقساط مثل الذي يظهر هنا.

وهذه الصورة من ربا الجاهلية الذي حرمه الله ، فلا يجوز للمسلم أن يدخل في هذا العقد ، ولو نوى تجنب التأخر.

فإن الوعيد في شأن الربا واقع على نفس العقد قبل بذله ، إذ جاء في الصحيح عن النبي ﷺ لعنُ كاتب الربا وشاهديه مع آكله وموكله ، وعمل هؤلاء يكون عند العقد لا البذل.
اتعظ وانظر قلبك يا فقيه !

قال ابن دقيق العيد رحمه الله :

"هيهات جف القلم ، ونفذ حكم الله !

ومن هناك شمَّ الناس من فم الصديق رائحة الكبد المشوي.

وقال الفاروق : ليت أم عمر لم تلده.

وقال علي - والخزائن مملوءة ذهبا وفضة - : من يشتري سيفي هذا ؟ ولو وجدت ما أشتري به رداء ما بعته.

وقطع الخوف نياط قلب عمر بن عبد العزيز ، فمات من خشية العَرْض.

وعلق بعض السلف سوطًا يؤدب به نفسه إذا فتر.

فترى ذلك سدى ، أم نحن المقربون وهم البعداء ؟!

فهذه الأحوال لا تؤخذ من كتاب السلم والإجارة والجنايات ، وإنما تتأتى بالخضوع والخشوع ، وأن تظمأ أو تجوع.

ومما يعينك على الأمر الذي دعوتك إليه ، ويزودك في السفر للعرض عليه = أن تجعل وقتا تعمره بالتذكر والتفكر ، وإنابة تجلعها مُعِدَّة لجلاء قلبك ، فإنه إن استحكم صداه = صعب تلافيه ، وأعرض عنه من هو أعلم بما فيه".

[نصيحة ابن دقيق العيد لأحد نوابه في القضاء ص : ٦١]
في نسبة العلم إلى صاحبه مقامان ينبغي الفصل بينهما :

١- مقام الناقل عن غيره ، فالمتعين عليه تركُ التشبع بما لم يعط ، ونسبةُ الفضل لأهله ، فإن من شكر العلم التنويه بصاحبه ، كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام : "إن من شكر العلم أن تقعد مع قوم فيذكرون شيئا ولا تحسنه فتتعلمه منهم ، ثم تقعد بعد ذلك في موضع آخر ، فيذكرون ذلك الشيء الذي تعلمته فتقول : (والله ما كان عندي في هذا شيء ، حتى سمعت فلانا يقول كذا وكذا ، فتعلمته).

فإذا فعلت ذلك = فقد شكرت العلم"

[المدخل إلى علم السنن للبيهقي (٢/ ٨٢١)]

٢- مقام من فُتح عليه بالعلم ، فهذا عليه ملاحظة المنة الإلهية عليه ، وأن القصد وجه الرب سبحانه ، وبلوغ الحق ولو لم ينسب إليه ، كما قال الشافعي رحمه الله لما ذكر ما صنف من كتبه : "لوددت أن الخلق تَعْلمه ، ولم ينسب إلي منه شيء أبدا".

[آداب الشافعي ومناقبه ص : ٩١]

وقد كان ممن جمع هذين المقامين الرجل الذي (خلق من الذهب والمسك) كما يقول ابن عيينة ، أعني الخليل بن أحمد رحمه الله ورضي عنه ، فقد صح أنه كان : "إذا أفاد إنسانًا شيئا لم يره أنه أفاده ، وإن استفاد من أحد شيئًا أراه بأنه استفاد منه".

[التاريخ الكبير (١/ ٤٢٤)]

#ملامح_من_منهج_العلم
أحسب من أباح الاحتفال بالمولد النبوي أقرب غلطا ممن أباح الاحتفال بالأعياد الوطنية ، إذ في وضع الأعياد نوع تعبد ، فالإحداث فيه حين تدخله الشبهة من تعظيم النبي ﷺ ومحبته ، بله الفضل الخاص ليوم المولد (الاثنين) الثابت في الشريعة استحبابُ صيامه = أهون مما تحمل عليه العصبية الجاهلية ، بل قد يؤجر فاعل الأول بحسن قصده دون الثاني.

وقد اعتُبِر ذلك فيما هو أعظم في الشريعة ، فكان الشرك بشبهة الكتاب واتباع الأنبياء أهون - في جهة - من شرك الهوى واتباع الآباء ، فافترق من حكم أصحابهما ما هو معلوم في النكاح والطعام والجزية.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه
روي عن علي بن المديني أنه قال :

"إذا رأيت الحدَث أولَ ما يكتب الحديثَ = يجمعُ حديث الغسل ، وحديث (من كذب) فاكتب على قفاه : لا يفلح".

[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ٢/ ٣٠١]

هذه الأحاديث مشهورة ثابتة ، فاشتغال المبتدئ في الطلب بغرائب طرقها اشتغال بخلاف الأولى في حقه ، على خلاف من له بصر بالحديث فإن في جمعه لها نفعا.

وسر كونه لا يفلح - والله أعلم - عائد إلى أن صُلْب العلم محتاج للصبر ، والنفس الطلابة للغرائب - في الإسناد وغيره - لاهية بلذة الجديد النادر ، نائية عن الصبر ، وتلك حال بعيدة عن الفلاح.

#ملامح_من_منهج_العلم
"فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا"

في كلام القوم هنا إشارة لسلوان عظيم ، من وفقه الله إليه = هانت عليه البلاءات لهوان محلها عنده ، وقد أومؤوا إلى كونه علة ذهاب مبالاتهم بما يصنعه الطاغية بهم من القضاء.

وهذا السلوان هو تذكر حقيقة هذه الدار ، وأنها زائلة فانية ، فالبلاء الذي يقع فيها آخذٌ وصفها من الزوال والفناء ، فصبرًا يا أنَّات المستضعفين ، وجلَدًا يا آلام المعذبين ، إنما هي الحياة الدنيا !

#الفهم_المعطى
قال محمد بن إبراهيم التيمي (ت : ١٢٠ هـ) :

"كانت أُمي تهب الدراهم على طلب العلم"

[العلل برواية عبد الله "١٣٦٢"]

^ محمد هذا هو راوي الحديث المشهور (إنما الأعمال بالنيات) ، وأمه اسمها حفصة بنت أبي يحيى ، من موالي تيم قوم أبي بكر الصديق ، فرحمات الله تغشى الأمة الصالحة المنفقة في وجوه البر أم محمد ، لعله لا يروى هذا الحديث بين الناس إلا كان في ميزانها.

#الأمر_الأول
قال محمد بن يوسف البخاري : "كنت في الصحبة في طريق الحج مع يحيى بن معين ، فدخلنا المدينة ليلة الجمعة ، ومات من ليلته.

فلما أصبحنا تسامع الناس بقدوم يحيى وبموته ، فاجتمع العامة ، وجاءت بنو هاشم فقالت : يُخرَج له الأعواد التي غُسِّل عليها النبي ﷺ.

فكره العامة ذلك ، وكثر الكلام ، فقالت بنو هاشم : نحن أولى بالنبي ﷺ منكم ، وهو أهل أن يغسل عليها.

فأُخرِجَ الأعوادُ ، فغُسِّل عليه".

[تاريخ دمشق (٦٥/ ٣٦)]

قد أفنى أبو زكريا حياته في الذب عن حديثه ﷺ ، فكأن الله جعل آخر عهده بسرير النبي ﷺ كما كانت حياته كلها بصحبته ، ولعل هذا لم يقع لغيره من الأئمة.

فرضي الله عن أبي زكريا ، وعن أهل الحديث أجمعين ، وصلى على نبينا ما قيل في مجلس : (حدثنا) ، وقرئ إسناد في كتاب ، وأضعاف ذلك ما شاء ربنا ، وعلى آله ومن نصر سنته.
قال حرب الكرماني : "سألت إسحاق عن غيبة أهل الشرك ، قال : ليس أكرهه ، ولكن أكره أن يعوِّد لسانه" .

[مسائل حرب الكرماني - النكاح (٢/ ٨٨٧)]

المشرك لا حرمة له ، فلا إثم في غيبته ، لكن أبا يعقوب رحمه الله لحظ أمرا يُغفل عنه ، وهو اعتياد اللسان للقول القبيح الذي ربما جره للإثم بعد ذلك ، فكرهه من هذه الجهة.

وهذا أمر حري بالمرء أن يراعيه في سياسة نفسه ومن يقوم عليه ، ورب حق لا يصلح الاشتغال به لطائفة من الناس ؛ لضعفها عن القيام به والتمحض له ، كاشتغال صغار الطلبة بالرد على المبطلين ، أو تكفير الأعيان ، أو بيان زلات أهل العلم ، أو نفع النساء ، ونحو هذا مما يقوم المرء فيه بحق يضعف عنه ، فيشوبه بباطل ، فيرجع على أمره بفساد ربما طغى على الحق نفسه ، وأصل هذا نبه له النبي ﷺ ، إذ قال : "يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة".

ومن حسَن هذا الفقه في سياسة النفوس ما حكاه القاضي أبو المحاسن ابن شداد عن الملك الناصر صلاح الدين ، فقال : "ولقد طلب أولاده الصغار أن يأذن لهم في قتل أسير ، فلم يفعل ، فسألته رحمه الله عن سبب المنع ، وكنتُ حاجبَهم فيما طلبوه ، فقال :

(لئلا يعتادوا من الصغر على سفك الدماء ، ويهون عليهم ذلك ، وهم الآن لا يفرقون بين المسلم والكافر).

ولا يخفى ما في طيِّ ذلك من الرأفة والرحمة للمسلمين ، رأف الله به ورحمه".

[النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية ص : ٢٣٦]

#ملامح_من_منهج_العلم
حكى معمر بن راشد لقاءه بجعفر بن محمد الصادق (وهو ابن علي بن الحسين السبط الشهيد) ، فقال : "قال لي أيوب ونحن ههنا : اذهب بنا إلى خباء جعفر بن محمد ؛ فإنه بلغني أنه أمر الناس ألا ينفروا من جمع حتى تطلع الشمس.

قال معمر : فذهبت مع أيوب ، حتى أتينا فسطاطه ، فإذا عنده قوم من العلوية وهو يتحدث معهم ، فلما بَصُر بأيوب قام فخرج من فسطاطه حتى اعتنق أيوب ، ثم أخذ بيده فحوله إلى فسطاط آخر ، قال معمر : كره أن يجلسه معهم.

قال : ثم دعا بطبق من تمر ، فجعل يناول أيوب في يده ، ثم قال : اذهبوا إلى هؤلاء بطبق ؛ فإنا إن بعثنا إليهم تركونا ، وإلا شنعوا علينا.

فقال له أيوب : ما هذا الذي بلغني عنك ؟

قال : وما بلغك عني ؟

قال : بلغني أنك أمرت الناس ألا يدفعوا من جمع حتى تطلع الشمس.

فقال : سبحان الله ! خلاف سنة رسول الله ﷺ ! حدثني أبي عن جابر بن عبد الله (أن النبي ﷺ دفع من جمع قبل أن تطلع الشمس) ، ولكن الناس يحملون علينا ويروون عنا ما لا نقول ، ويزعمون أن عندنا علما ليس عند الناس ، والله إن عند بعض الناس لعلما ليس عندنا ، ولكن لنا حق وقرابة.

فلم يزل يذكر من حقهم وقرابتهم حتى رأيت الدمع يجري من عين أيوب".

[السنن الكبير للبيهقي"٩٥٩٦"]

هذه حكاية مليحة صحيحة الإسناد ، وفيها :
- التثبت مما ينسب للرجل الفاضل من الزلل ، ومناصحته فيه لو قاله.
- مداراة الرجل أقاربه واستبراؤه لعرضه بالإحسان إليهم.
- تعظيم السنة والأمر باتباعها ، وتشنيع مخالفتها وتقديم رأي الرجال عليها.
- براءة أئمة أهل البيت مما يفتريه عليهم أهل البدع وينحلونهم إياه.
- تحديث الرجل من أهل البيت وغيرهم بحقه.
- كمال طريقة أئمة السلف وعظيم محبتهم لآل محمد.

#الأمر_الأول
ذكر بعض غلاة المتمذهبة هذا الموضع من شرح الشيخ ابن عثيمين للألفية ، وشنع به عليه ، وجعله علامة على ضعفه في العربية استطالة وبغيا.

والشيخ قد بين علمه بهذه المسألة فصدق ونصح ، فكم من مصنِّف يُمِر ما لا يعلمه كأنه لم يره ، وهي بعد أندر مسائل الباب وأقلها خطرا ، لو لم تكن خارجة عنه.

ولكن في الناس من يستشنع من معاصريه ومخالفيه ما لا يستشنعه من غيرهم ، فهذا المعترض لو قلتَ له : ما تقول في الشيخ محيي الدين النووي - تلميذ صاحب الألفية - في شرحه لمسلم لما تكلم على حذف النون في "تاركو لي أمرائي" ، فقال :

"هي لغة معروفة ، وقد جاءت بها أحاديث كثيرة ، منها قوله ﷺ : (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)".

= لرأيته يلتمس المعاذير التي ضن بها أولا ، ولا يخطر بباله أن يتجرأ بالبغي عليه ، مع أنه لا يعجز باغ عن أن يقول في كلام الشيخ محيي الدين : (انظروا إلى هذا الذي تصدى لشرح مسلم ، يخطئ في لغة يقر بنفسه أنها معروفة ! وأشنع من ذلك أنه ذكر شاهدها من الحديث ، فلئن وهم في اللغة ؛ أفلم يتنبه وهو يسوق الشاهد لما يعرفه صغار الطلبة من كون الفعل غير الاسم ؟!).

غير أن هذا عن الإنصاف بسبيل ، يعرف ذلك أهل البصيرة والورع ، ولكثير من أهل العلم من الزلات نظير هذا مما لا يضرهم لثبوت أهليتهم المقابل لها ، وإنما تكشف أشباه هذه الزلات قدر الجاهل وتدل عليه.

أما من ثبتت أهليته واستبان علمه ، وقامت عليه البينة = لم يؤثر فيه وقوع ذلك ، فما بلغ القلتين لم يحمل الخبث ، ولا يفتأ أقوام من المتعصبة يبغون هكذا ؛ فيري الله منهم عبرة وآية ، إذ من سنن الله المشهودة أن يصرع الباغي ببغيه ، ويري من تناقضه ما يزيل عنه حلية النصفة.

#ملامح_من_منهج_العلم
وعظ معمور بأخبار الصالحين وكلامهم المبارك ، ولم أزل أنتفع به كلما سمعته ، وما دللت أحدا عليه إلا انتفع به ، فدونك اغسل قلبك :

https://youtu.be/L7SIVhcmvt8
تمييز نقل الحافظ عن ابنيْ المُنَيِّر

يكثر الحافظ ابن حجر في الفتح النقلَ عن (ابن المنير) ، وهذه نسبة اشترك فيها أخوان من أهل العلم الذين لهم عناية بالصحيح ، ناصر الدين أحمد ، وزين الدين علي.

فللناصر كتاب (المتواري) في التراجم ، وحواشٍ على شرح ابن بطال ، وللزين شرح كبير في عشر مجلدات ، قال السخاوي : "وكذا شرحه عبد الواحد بن التين السفاقسي ، والزين بن المنير ، وشرحه في نحو عشر مجلدات ... ولابن المنير حواشٍ على شرح ابن بطال ، بل وعمل أيضًا الكلام على التراجم سماه (المتواري)".

[الجواهر والدرر (٢/ ٧١١)]

وقد يشكل تمييز المقصود منهما في مواضع لإهمال اسمه ، والذي يظهر أن الحافظ إذا أراد ناصر الدين أهمله غالبا ، كما في نقله عن :

- المتواري (وقد وثق النقول منه نظر الفريابي في طبعته للفتح).

- حاشيته على شرح ابن بطال (ومجرد تصريحه بالنقل عنها دال على أن الكلام للناصر).

- الانتصاف ، كما في (١٣/ ٥٣٠).

وأما ذكره بلقبه فقد جاء في سبعة مواضع ، بخلاف الزين فإنه ذكره بلقبه في ٢٧٠ موضعًا ، وإذا ذكرهما في سياق قريب أبقى الناصر مهملا ، وخص الزين بالتبيين كما في (٤/ ٢٤١).

ويزيد هذا صحة أن الناصر أشهر من الزين ، ولذا وافق السخاوي طريقة الحافظ في كلامه السابق ، فخص الزين بالتلقيب ، والله أعلم.

- تصحيح غلط :

في الفتح (٢/ ٣٨٨) : "قال الزين بن المنير في الحاشية".

وذِكْر الزين من غلط بعض النساخ أو الطابع ، فالحاشية لناصر الدين كما سبق لا للزين ، وقد جاء النص على الصواب في عدة نسخ خطية قريبة العهد من الحافظ : "قال ابن المنير في الحاشية".

- تنبيه على وهم :

قال مخلوف في شجرة النور الزكية لما ترجم لزين الدين ابن المنير : "له شرح على البخاري في عدة أسفار لم يعمل عليه مثله وحواش على شرح ابن البطال ، وشرح على خصوص التراجم".

وهذا وهم ، فإن الحواشي والشرح الذي على التراجم هما لناصر الدين ، كما سبق في كلام السخاوي.
2024/11/15 16:27:44
Back to Top
HTML Embed Code: