Telegram Web Link
"قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي"

يستخرج من الآية أنه يصح زجر النفوس عن المعصية بما يتيسر من موانع العصيان ، كالشرف والأمانة والحياء وحفظ القدر لمن يتضرر بالمعصية واتقاء وقيعة الناس ، فإن الصديق عليه السلام ذكر إحسان زوج المرأة إليه - وهو المراد بالرب في الآية - في سياق الوعظ وتقبيح العصيان.

وأصل هذا أن السلامة من إثم المعصية حاصلة بالترك المجرد عن نية الامتثال والتقرب ، وإنما تشترط النية لتحصيل الثواب على الترك ، وهذه مرتبة فوق مرتبة السلامة ، لا يبلغها كل المؤمنين.

ومن فقِه هذا أحسن سياسة الناس ووعظهم :

- فلم يحملهم على المرتبة الكاملة مع عجزهم عنها ، ورأى تركَهم للذنب مع عدم الثواب خيرا من مقارفة العصيان.

- ولم يُضعِف موانع العصيان المختلفة في نفوسهم بتوهم معارضتها للامتثال والتقرب.

- وتبين له بطلان الدعوى الشائعة في تفضيل فعل المعصية على تركها عند عدم استحضار بغضها ونية التعبد بتركها ، الذي تسميه طائفة (عدم القناعة بالحكم) ، وهو القناعة بالشيطان على الحقيقة.

#الفهم_المعطى
قال أبو صالح كاتب الليث :

"كنا على باب مالك بن أنس ، فامتنع علينا ، فقلنا : ليس يشبه صاحبنا.

قال : فسمع مالك كلامنا ، فأدخلنا عليه ، فقال لنا : من صاحبكم ؟

قلنا : الليث بن سعد.

فقال : تشبهوني برجل كتبنا إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا ، فأنفذ إلينا ما صبغنا به ثيابنا وثياب صبياننا ، وثياب جيراننا ، وبعنا الفضلة بألف دينار ؟!".

[حلية الأولياء]

^ هذه حكاية مليحة صحيحة الإسناد ، فرحمة الله على الليث ، قد كان عالما نبيلا رجلا ، وكم عالم في هذه الأعصار عن مروءات الرجال وأخلاقهم بمعزل.
من آثار الغفلة عن مقدمات الكتب

لما صنف الحافظ الحميدي كتابه المشهور الذي جمع فيه بين الصحيحين = ذكر فيه زيادات عن غيرهما ، فأخذ الحافظ العراقي عليه أنه لم يبين اصطلاحه في هذه الزيادات ، فلم تتميز عما هو من الصحيحين ، وقال في ألفيته :

وليت إذ زاد الحميدي ميزا

وتابعه على ذلك بعض أهل العلم أيضا ، فتعقب ذلك الحافظ ابن حجر ، وقال :

"وكان شيخنا رضي الله عنه قلد في هذا غيره ، وإلا فلو راجع كتاب الجمع بين الصحيحين = لرأى في خطبته ما دل على ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها ، ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات".

[النكت على كتاب ابن الصلاح]

#ملامح_من_منهج_العلم
قال عبد الله بن وهب (ت : ١٩٧ هـ) :

"دعوت يونس بن يزيد يوم عرسي لوليمتي ، فسمعته يقول : قال ابن شهاب في عرس لصاحبه : (بالجد الأسعد والطائر الأيمن)

قال : وهذه تهنئة أهل الحجاز".

[أخبار ابن وهب وفضائله لابن بشكوال]

^ وقريب من هذا ما في قصة نكاح عائشة أم المؤمنين في الصحيح : "فإذا نسوة من الأنصار في البيت ، فقلن : (على الخير والبركة ، وعلى خير طائر)".
وكم موقفٍ لك استحققت به الطرد عن المقام الشريف بين يديه سبحانه ؛ فأبقتك يد المنة والرحمة ، ولا زلت سادرا غافلا ، علانيتك أكبر من سرك ، وأقل ما فيك عملك !
"نحن أولى بموسى منكم"

فيه تقرير قاعدة شريفة ، وهي أن الحق لا يُترك لأهل الباطل ، وقد غلط في هذا طوائف من الناس ، إذ يبصرون شعبة من الحق عند من لا تُحمد طريقته ، فيتجافون عنها كأنما صارت بانتحاله لها باطلا !

وربما غلا منهم غال ، فجاوز ذلك إلى إنكار هذه الشعبة من الحق حقيقة أو حكما ، وجعل التمسك بها من أمارات المبطلين التي يستدل بها عليهم.

#النكت_من_السنن
تقييدات أبي الحسن
"نحن أولى بموسى منكم" فيه تقرير قاعدة شريفة ، وهي أن الحق لا يُترك لأهل الباطل ، وقد غلط في هذا طوائف من الناس ، إذ يبصرون شعبة من الحق عند من لا تُحمد طريقته ، فيتجافون عنها كأنما صارت بانتحاله لها باطلا ! وربما غلا منهم غال ، فجاوز ذلك إلى إنكار هذه الشعبة…
ذكر الشيخ الكريم صاحب المهاد @mihad_osol نكتة أخرى متتمة لما ذكر ، وهي: "أنه كذلك يشرع للمحق إذا وافق المبطل في بعض الحق عنده أن يُظهِر تميزه عنه فيه، بصورة من صور التميز، وهذا يدل عليه صيامه ﷺ ليومٍ زائد على عاشوراء؛ طلبا لمخالفة اليهود.

ويتأكد التميُّز في مسائلِ الحق التي غدت شعارًا عند المبطل".
خبِّئ صالحًا

قال عبد الله بن داود الخريبي (ت : ٢١٣ هـ) :

"كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيَّة من عمل صالح ، لا يعلم بها زوجه ولا غيرها ، ولقد كانوا يراقبون الله في ظُلَم الليل".

[علل الفلاس]

#الأمر_الأول
وردت كلمة فارسية في بعض الآثار ، كان القصد في أول الأمر نظرة في ضبطها ، لكن النظرة استتبعت نظرات كما يقول بعض الفضلاء.
باب في تقبيح إساءة الأدب مع الله وأنها تصير أشد من الذنب

صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :

"كان رجل أسود يأتي أبا بكر فيدنيه ويقرئه القرآن ، حتى بعث ساعيا - أو قال: سرية - ، فقال : أرسلني معه.

فقال : بل تمكث عندنا.

فأبى ، فأرسله معه ، واستوصى به خيرا ، فلم يغبر عنه إلا قليلا حتى جاء قد قطعت يده.

فلما رآه أبو بكر فاضت عيناه ، وقال : ما شأنك ؟

قال : ما زدت على أنه كان يوليني شيئا من عمله ، فخُنْته فريضةً واحدة ، فقطع يدي.

فقال أبو بكر : تجدون الذي قطع يد هذا يخون أكثر من عشرين فريضة ، والله لئن كنت صادقا لأقيدنك منه !

قال : ثم أدناه ، ولم يحول منزلته التي كانت له منه.

قال : وكان الرجل يقوم من الليل فيقرأ ، فإذا سمع أبو بكر صوته قال : يالله لرجل قطع هذا !

قال: فلم يغبر إلا قليلا حتى فقد آل أبي بكر حليا لهم ومتاعا ، فقال أبو بكر : طُرِق الحي الليلة.

فقام الأقطع فاستقبل القبلة ، ورفع يده الصحيحة والأخرى التي قطعت ، فقال : اللهم أظهر على من سرقهم ، أو نحو هذا. - وكان معمر ربما يقول : اللهم أظهر على من سرق أهل هذا البيت الصالحين -.

قال: فما انتصف النهار حتى ظهروا على المتاع عنده ، فقال له أبو بكر : ويلك ! إنك لقليل العلم بالله.

فأمر به ، فقطعت رجله".

[مصنف عبد الرزاق]

وجاء في بعض المراسيل أن أبا بكر قال : "والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي عليه من سرقته".

وفي الأثر :

- عظم رقة الصديق وشفقته على المسلمين.
- وأن الناس موكولون إلى ظواهرهم ، ويثنى عليهم بما كان عليها من الخير ، ولو خادعوا الناس به.
- وأن على الرجل يقرأ القرآن = تزكية باطنه وإخلاصه في طلبه ، وألا تشغله حروفه عن تدبر معانيه ، وتعلمِه ربَّه.
- وأن العلم بالله على الحقيقة يمنع المرء من الاجتراء على الذنب بهذه الصورة القبيحة.

#الأمر_الأول
لو تأملتَ غالب المنتفعين بالعلم والراسخين فيه لوجدتهم على قدر متوسط من الذكاء.

وتجد أنه يكثر اجتماع هذا مع الصبر والمواظبة ، وحبس النفس على ما ينفع ، والانقياد لأمر المعلم ، والأناة والتواضع ، وفي هذا القدر من العقل ما يجعل الذكاء المتوسط كافيا للانتفاع بالعلم وتحصيل ثمرته.

بخلاف حادي الذكاء فقليل منهم من ينتفع ، إذ يكثر مع حدته النزقُ والعجلة وضعف الصبر ، والانصراف إلى غير واجب الوقت ، والعجب ، وحب الجدل والخصومات ، ويعين على هذا توليد الذكاء لحجج ذلك كله ، وتزيينه بضروب الحيل.

ولذا ندر في أهل العلم = النبغةُ الأفذاذ المحققون ، وإنما يأتون في الأزمان فردا بعد فرد ؛ لأن هذه الرتبة العالية تحصل باجتماع كمال الخصلتين (حدة الذكاء ووفور العقل) ، وهو أندر ما يكون.

فعلى معلم الناس الخير أن لا يزهد في متوسطي الطلبة ، فربما كان مستمر أجره من جهتهم ، وكانت غاية أجره من أذكيائهم النيةَ والجهدَ المنقطعين بموته.

وهذا من عجيب تدبير الله للكون ، ومن تأمله في هذا الموضع وفي غيره وجد ما يجري لسانه بتسبيح ربه ، وأنه ربما أعطى من يُزهَد فيه ما لا يعطي ممن تتشوف النفوس إليه ، وله في ذاك كله الحكمة البالغة والكرم الواسع.

#ملامح_من_منهج_العلم
قال ابن النجار رحمه الله في شرحه على المنتهى :

"(ويكره) اﻟﺨﻠﻊ (ويصح مع اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ) : أي مع استقامة حال الزوجين على الأصح ، كمن يفعل ذلك بطرًا للتخلي عنها.

أما كونه يكره ؛ فلأن ثوبان روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس ؛ فحرام عليها رائحة الجنة) ، روه الخمسة إلا النسائي ، ولأنه عبث فيكون مكروها.

وأما كونه يصح على الأصح ؛ فلقوله سبحانه وتعالى : (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)".

^ هذا الاستدلال بالحديث على المسألة غريب جدًا ، فإن طلب الخلع في معنى سؤال الطلاق ، بل إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق كان طلاقا على المذهب ، فالحديث لا يخرج عن أن يكون دالا على ضد الحكم الذي استدل له ابن النجار = بمنطوقه أو بمفهوم الموافقة.

وهذا الاستدلال بالحديث على هذا الوجه تجده مقررا بعد ابن النجار في تصانيف المذهب ، فيظهر أنه من أول من قاله ، وإنما يذكر الحديث من قبله من أئمة المذهب = حجةً للقول الآخر في المذهب ، وهو حرمة الخلع مع استقامة الحال ، ويذكرون آية النساء حجة للقول الذي ذكره ابن النجار واعتمده المتأخرون ، فهذان الدليلان لا يجتمعان في الاستدلال على الحكم.

قال الموفق ابن قدامة لما ذكر أنواع الخلع :

"الثاني : المخالعة لغير سبب مع استقامة الحال ، فذهب أصحابنا إلى أنه صحيح مع الكراهة ، لقوله تعالى : (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا).

ويحتمل كلام أحمد تحريمه وبطلانه ؛ لأنه قال : (الخلع مثل حديث سهلة ، تكره الرجل فتعطيه المهر ، فهذا الخلع).

ووجه ذلك قوله تعالى : (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) ، وروى ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة) ، رواه أبو داود".

[الكافي]

وذكر نحوه في المغني ، وهو كذلك في الشرح الكبير ، والممتع ، وشرح الزركشي على الخرقي ، والمبدع.

ومنه يعلم أن هذا الاستدلال الذي ذكره ابن النجار رحمه الله غلط على المذهب ، كما أنه غلط في نفسه.

- توجيه وجوابه :

وجه الشيخ ابن عثيمين هذا الاستدلال على قاعدة العمل بالضعيف مع تخفيف الحكم الوارد فيه ، فقال :

"والعجيب أن المؤلف(١) رحمه الله قال : «كره ووقع» واستدل بحديث : «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» ، ومقتضى الاستدلال أن يكون الحكم حراما ، بل من كبائر الذنوب ، وكأنه ـ والله أعلم ـ لم يصح عنده ، وقد مر علينا عن صاحب النكت على المحرر ابن مفلح ـ رحمه الله ـ أنه قال : إن الحديث إذا كان ضعيفًا ، وكان مفيداً للوجوب فإنه للاستحباب ، هذا ما لم يكن الضعف شديدًا بحيث لا يقبل ، وإذا كان مقتضيا للتحريم صار للكراهة ؛ لأن ضعف سنده يتبعه ضعف الحكم ، وكونه ورد ونسب إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يوجب للإنسان شبهة، بأنه قد قاله النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فنجعل الحكم بين التحريم وبين الإباحة ، وكذلك بالنسبة للوجوب".

[الشرح الممتع]

وهذا كان سيتجه لولا ما تقدم عن أئمة المذهب قبل ابن النجار مما يدل على الوهم ، فضلا عن أنه إنما يصح لو عُلِم أن ابن النجار يضعف الحديث ، وليس لابن النجار نظر في هذا الحديث ، يدل على هذا :

- أنه لم يتعقبه بشيء مع الحاجة لذلك ، فإن هذا الحديث لم ينقل تضعيفه عن أحد ، من الحنابلة وغيرهم ، بل ظاهر صنعيهم قبوله ، وقد حسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة(٢) وابن الجارود وابن حبان والحاكم ، وإسناده أخرجه مسلم على هيئة الاجتماع "حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان" ، فهو من أقوى ما يقال فيه "على شرط مسلم" ، فهذا لا يضعف إلا بعلة خفية تستحق البيان.

- أنه عزا الحديث لأبي داود وحده تقليدا لمن سبقه ، فلم يوسع التخريج كما فعل البهوتي مثلا ، إذ نقل تخريج صاحب المقرر "رواه الخمسة إلا النسائي".

- أنه قد وقع في طرق الحديث اختلاف - لا يضر على التحقيق - ، وما عند أبي داود أجودها ، فلو كان لابن النجار نظر في التضعيف ما عزا الحديث له.

وإذا أبينا إلا توجيه الاستدلال ، فلعله يقال أراد ابن النجار الكلام عن عرض الرجل المخالعة على المرأة ومطاوعتها له بطيب نفس ؛ لأنه يتردد بين شبه الطلاق وبين شبه سؤالها المحرم للمخالعة ، فيكره احتياطا.

ويحتج لذلك بما ذكره عن التخلي بطرا عنها ، فإنه يكون من جانب الرجل ، وبأن العبث هنا متأتٍ أيضا ، فهذا وجه يمكن أن يقال على تكلف شديد ، وهو غير سالم من الإشكال ، وحري بالبسط لو كان مرادا ، وعلى أنه يبقى مخالفا لاستدلال السابقين ، والحكم بالوهم أظهر ، والله أعلم.

____
(١) كذا قال ، ولم يستدل به الحجاوي ، لكن استدل به البهوتي في الروض.

(٢) إن لم يهم الحافظ في النقل عنه ، فإنه نقل تصحيحه في الفتح ، ولم يذكر الحديث عنه في الإتحاف.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه
للمناقشة والإفادة :
روي عن عبد الله بن ثعلبة الحنفي أنه قال :

"إلهي من كرمك [كـ]ـأنك تطاع فلا تعصى ، ومن حلمك أنك تعصى كأنك لا ترى ، وأي زمن لم تعصك فيه سكان أرضك ، وكنت والله عليهم بالخير عوَّادًا ؟!"

[الشكر لابن أبي الدنيا ، والتصحيح من الحلية]

إي والله ، ما زال الكريم علينا بالخير عوادا ، ما زال سيدنا عوادا !
"ولا تتبع جهالات المتأخرين".
اعلم رحمك الله أن الاستغاثة بالأموات من أعظم أبواب الكفر التي لا يشك فيها من عرف الوحي على الحقيقة ، ولم تخدعه عنها أسماء أعلام من المتأخرين ؛ فلا تعمينك عن هذه الشمس حجب الرجال وزخرف ألقابها.

وحسبك من هذه المقالات فسادا أن أصحابها ليس عندهم حجة يمنعون بها من يستغيث بآلهة المشركين فيقول : يا لات أدخلني الجنة ، أجرني من النار يا يعوق ، اغفري لي ذنوبي يا عذراء !

وليس عليه إذا أنكروا عليه إلا أن يبدي لهم وجها من المجاز العقلي من جنس ما يبدونه ، وأنه عنى التوسل بهؤلاء الصالحين إلى الله = فيبقون بين التناقض - بتجويز الشيء ومنع نظيره - المفسد لحجتهم ، أو طرد ذلك وهو أشنع ما يكون ، وليس فيمن لا يرى ذلك شنعة طب.
إخوانك في الخير والطاعة = من منن الله العظيمة عليك المستوجبة الشكر.

وكم رجلٍ قطع في السير إلى الله مراحل بإخوانه ، وكم أخٍ لك صالح قذف الله لك من أنوار الإيمان في القلب وانبعاث الجوارح بالخير ما لم يقع إلا ببركة صحبته.

ولست أحصي كم يقع لي من قسوة النفس فأجتمع ببعض أخواني فنتذاكر الشيء من علوم القلوب أو غيرها ، فأنصرف عنه ولا يلبث أن يظهر لي أثر ذلك في مستقبَل الصلاة.

وقد كان لي مع بعض إخواني مجالس نتذاكر فيها بعض العلوم ، فكان يقع في الورد الذي نتهيأ له بعض ما يشكل فأقيده ، فإذا حضر المجلس وشرعت في تقرير الإشكال ظهر لي جوابه قبل الفراغ من التقرير ، وتكرر هذا حتى لاح لي فيه معنى لطيف ، وهو أن الرحمة الإلهية (التي صحبها رزق الفهم) ربما تنزلت في ذلك الموضع ، لحسن نيات من حضره ، وقد جاء في الحديث "وغشيتهم الرحمة".

وقد صحبت بعض إخواني مرة ، فلمحته يذكر الله خفية وهو لا يعلم أني مطلع على ذلك منه ، فكان أن جرى لساني بالذكر بعدها أياما بما كان منه.

وآخر جلسنا مجلسا فوعظنا وذكّرنا ربنا ، فأحسن العظة والتذكير ، وثالث اطلعنا من حاله على ما يرينا المروءات وحسن الخلق رأي العين ، فأحيا في نفوسنا ما تميته مناظر اللئام وخلطة سفلة الناس.

وهذا الباب لعلك لو تتبعته في نفسك لوجدته لإخوانك منه شيئا كثيرا ، وفضلا يوجب عليك ذكرهم لربك في مواضع الخلوة به سبحانه وسؤاله الخير وهداية الحق لهم ، فرضي الله عن إخواننا من أهل الخير ، وجمعنا بهم في مستقر رحمته ، وأماتنا وإياهم على ما يرضيه ، والحمد لله ربنا أولا وآخرا على ما يرحمنا به من تيسير السبل إليه ، وتكثيرها = حمدا كثيرا طيبا مباركا.
مفاريد الكتب

عن أبي هاشم الكوفي عن ابن عباس أنه قال : "الدف حرام ، والمعازف حرام ، والكوبة حرام ، والمزمار حرام".

تصحيح هذا الأثر - الذي أخرجه البيهقي - مثال على وجاهة الكلمة الذائعة "لا يغني كتاب عن كتاب" ، وهي فيما تقادم عهده من التصنيف لا يكاد يخطئها الحق.

أبو هاشم الكوفي هذا كان في تعيينه إشكال ، فإنه أقرب شيء أن يكون أبا هاشم سعدا السنجاري ، وهو ثقة ، غير أنه لم ينسب للكوفة ، فلم يتعين أنه المراد ، ولذا توقف في تصحيح الخبر غير واحد ممن كتب في أحاديث الغناء.

ثم منَّ الله بوجدان تاريخ الفلاس ، وطباعته قبل سنوات قريبة ، فإذا به يسوق في أصحاب ابن عباس الكوفيين سعدا أبا هاشم (ص : ٥٦٢) ، ويذكر رواية هلال بن خباب عنه ، وهذا صاحب السنجاري ، فعلم أنه هو.

وقد جاء عند العجلي ما ينفع في تقوية الخبر ، إلا أنه دون صنيع الفلاس الذي تعين به أبو هاشم ، فاستفيدت منه صحة الخبر ، ولله الحمد.

#ملامح_من_منهج_العلم
التمس بعض الكرام أن تكون النقول العلمية معزوة برقم الصفحة ، وسأتحرى ذلك - مع هواي في التخفف - حبا وكرامة لهذا الكريم الأنصاري ، فإن بر الأنصار مما يحبه النبي ﷺ.

صلوا عليه في هذه الليلة الشريفة يا كرام ، وتعاهدوا بالبر من يسره ﷺ لو كان حيا = البر بهم.
2024/11/15 18:45:57
Back to Top
HTML Embed Code: