Telegram Web Link
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس التاسع والثلاثون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 24 شعبان 1445 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_التأصيل_العلمي | #تدوين_التفسير
س: ما معنى قول الإمام أحمد: «ثلاثة ليس لها أصل: التفسير، والملاحم، والمغازي»؟

الجواب:
هذه الكلمة رويت عن الإمام أحمد بلفظ فيه اختلاف، وقد استشكلها بعض طلاب العلم، وأخطأ في فهمها بعضهم.
رواها ابن عدي في الكامل ومن طريقه الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع عن محمد بن سعيد الحراني قال: سمعت عبد الملك الميموني يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (ثلاثة كتب ليس فيها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير).

ومما يزيل الإشكال معرفة تاريخ هذه المقالة، ومعرفة المراد بالأصل في قوله: (ليس فيها أصول).
فقوله: (ليس فيها أصول) أي: ليس في هذه العلوم في زمانه كتب جامعة تجمع النسخ والأجزاء المتفرقة فيها؛ حتى تعدّ تلك الكتب أصولاً لجمعها ما تفرق.
وهذا بخلاف الحديث والفقه والاعتقاد وأحوال الرجال وغيرها فقد كتبت فيها كتب أصول جوامع قبل زمان الإمام أحمد.
وقد كان لكثير من المحدثين أصول يجمعون فيها مروياتهم لكن كانت أكثر عناياتهم في كتابة المسانيد والسنن والجوامع على الأبواب.
وإذا نظرنا في كتب التفسير التي في زمان الإمام أحمد وقبله لم نجد منها كتاباً جامعاً لما تفرق من نسخ التفسير وأجزائه؛
والذين كتبوا في التفسير قبل الإمام أحمد مثل السدي، ومقاتل بن حيان، وابن جريج، وسفيان الثوري، وورقاء اليشكري، ووكيع، وابن وهب، وسفيان بن عيينة، وعبد الرزاق، وغيرهم لم يقصدوا لجمع ما تفرق من نسخ التفسير؛ بل نسبة ما جمعوه إلى ما كان معروفاً مشتهراً من نسخ التفسير المروية عن التابعين وتابعيهم نسبة قليلة.
وقد بيّنت في كتاب "تدوين التفسير" كثرة النسخ والأجزاء التفسيرية المروية عن التابعين وتابعيهم.
وكان هذا مما دعا ابن جرير الطبري إلى محاولة جمع ما تفرق منها؛ ومع ذلك لم يجد من يعينه على تجشّم ذلك؛ فاختصره على ما هو معروف في تفسيره.
روى الخطيب البغدادي وابن عساكر في تاريخيهما عن القاضي أبي عمرو السمسار وأبي القاسم الوراق أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟
قالوا: كم يكون قدره؟
فقال: ثلاثون ألف ورقة.
فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة.

وقد طُبع تفسيره هذا طبعات بلغ بعضها 24 مجلداً.
فلو كان ابن جرير في زمان الإمام أحمد لكان كتابه هذا أصلاً من أصول التفسير؛ لأنه جمع كثيراً من النسخ والأجزاء المشهورة في زمانه، وإن لم يستوعب.
وقد نحا نحو ابن جرير جماعة من المفسرين منهم ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وابن شاهين، وابن مردويه.

فهذا مراد الإمام أحمد بقوله: ليس لها أصل، أي: ليس لها كتب جامعة تجمع ما صحّ من الأحاديث والآثار فيها.
وليس مراده أنّ علم التفسير ليس له أصل، أو ليس فيه أحاديث ولا آثار صحيحة؛ فهذا بعيد عن مراد الإمام أحمد، مع الجزم بمعرفته لنسخ كثيرة صحيحة وحسنة في التفسير.
ولذلك أخطأ من حمل مراد الإمام أحمد على أنه عنى به تفسير الكلبي ومقاتل
ويقال مثل ذلك في المغازي والملاحم فقد كانت كثيرة جداً في زمان الإمام أحمد يتعسّر تقصيها، وليس لها أصول تجمع ما تفرّق منها.
وقد ذكرت في كتاب "حسن المسيرة في بيان مؤلفات السيرة" جماعة ممن كتب في المغازي والسير منهم ثقات وضعفاء ومتروكون.
وقد كثرت المغازي في زمان الإمام مالك فكان يرشد إلى مغازي موسى بن عقبة على اختصارها لأنه كان ثقة يقتصر على ما صحّ عنده، وهو من طبقة صغار التابعين.
ويكفي في تصور كثرة كتب المغازي والملاحم أنّ الذين رووا عن ابن إسحاق كتابه في السيرة أكثر من مئة راوٍ، وبين تلك الروايات اختلافات كثيرة؛ لأنه كان يطوف في البلدان ويقرأ كتابه؛ فيزيد عليه وينقص منه، وكذلك الرواة عنه تختلف مناهجهم في الرواية من كتابه
- فمنهم من ينتقي منها كما كان يفعل عبد الله بن إدريس الأودي، وإبراهيم بن سعد الزهري، وغيرهما.
- ومنهم من يزيد عليها من مرويات غيره كيونس بن بكير.
- ومنهم من يؤديها كما سمعها كزياد البكائي، وكان صدوقاً في حديثه ضعف، لكنّه اجتهد
في ضبط سيرة ابن إسحاق اجتهاداً بالغاً، حتى بلغ به الأمر أن باع دارَه، وتنقَّل مع ابن إسحاق وسمع منه السيرة مرتين، وجوّد سماعه، فلذلك قَبِل المحدّثون روايته للسيرة وأثنى عليه يحيى بن معين، على أنه كان ضعيف الضبط في غير ذلك من الأحاديث.
ورواية زياد البكائي هي الرواية التي اعتمدها ابن هشام في تهذيبه للسيرة، وهي الرواية التي اعتمدها الطبراني في معجمه الكبير أيضا.
وهؤلاء عامّتهم من أهل الصدق والمعرفة بالسيرة، ومع ذلك فرواياتهم كثيرة متفرقة في البلدان ليس لها أصل يجمعها.
وقد روى السيرةَ عن ابن إسحاق جماعةٌ من الضعفاء والمتروكين، منهم: أبو مخنف لوط بن يحي، وعلي بن مجاهد الكابلي، وسيف بن عمر الكوفي، وأبو البختري وهب بن وهب بن كثير، وأبو حذيفة البخاري، والهيثم بن عدي الطائي، وغيرهم.
واشتهر في السير المغازي كتب كثيرة في زمان الإمام أحمد وقبله من غير طريق ابن إسحاق،
فممن كتب فيها من الثقات والمقبولين: ضمرة بن ربيعة الرملي(ت:202هـ)، وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني(ت:218هـ)، أبو نعيم الفضل بن دُكين الكوفي (ت:219هـ) وسعيد بن كثير بن عُفير المصري (ت:226هـ)، ومحمد بن سعد صاحب الطبقات(ت:230هـ)، وإبراهيم بن المنذر الحِزامي القرشي(ت: 236هـ)، وخليفة بن خياط العصفري(ت:240هـ)، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي(ت:245هـ) المعروف بدُحيم، أبو حفص عمرو بن علي الفلاس (ت:249هـ)، وغيرهم كثير.
ويكفي أن يُعرف في ذلك أيضاً أنّ مرويات أهل الشام في السير والمغازي كثيرة جداً لا تضبط، وكان من الرواة من يحفظ ولا يكتب، وقد كثر الرواة عنهم، ومنهم: أبو إدريس الخولاني من التابعين، وكان من أعلم الناس بالسير والمغازي، بل كان بعض الصحابة يتعجب من حفظه حسن سرده لمغازٍ حضروها وهو أوصف لها.
ومنهم: سعيد بن عبد العزيز التنوخي من تابعي التابعين؛ كان راوية أهل الشام في زمانه، وكان لا يكتب، وما حفظه مما سمعه من أهل المعرفة بالسير والمغازي من التابعين وتابعيهم كثير جداً، وليس له كتاب يجمع ما حفظه، وقد كان له أصحاب يسائلونه ويكتبون، منهم قاضي الشام في زمانه عبد الأعلى بن مسهر الغساني، ويعقوب بن سفيان، وغيرهما.
وفي مصر كتب كثيرة في السير والمغازي قريب من هذا النحو، وإن لم تكن بكثرة كتب أهل الشام والعراق والحجاز.
فلو كان لهذه الكتب كتاب يجمع ما تفرق منها، ويميز الصحيح من الضعيف، لكان أصلاً يُعتمد عليه، ويرشد طلاب العلم إليه؛ كما وجدت أصول في الحديث والفقه والسنة.

والمقصود أنّ كلمة الإمام أحمد كلمة صحيحة في زمانه؛ فلم يكن للتفسير ولا للمغازي، ولا للملاحم أصول جامعة تجمع ما تفرق من النسخ والأجزاء المدوّنة فيها، ولا ما في صدور الحفاظ الذين كانوا يحفظون ولا يكتبون مع قرب زمانهم من زمان التابعين وتابعيهم.

أما الذين تأولوا هذا الأثر عن الإمام أحمد وزعموا أن التفسير ليس له أسانيد، أو الملاحم والمغازي ليس لها أسانيد؛ فهذا بعيد عن مراد الإمام أحمد.
بل في كلّ ذلك نسخ كثيرة معروفة، وهي على مراتب في الصحة والضبط.
والإمام أحمد توفي سنة 241هـ؛ فلا يصحّ حمل كلامه على نفي ما كتب من الأصول بعد زمانه رحمه الله.
#حياة_العلم_مذاكرته | #قضايا_قرآنية

#القضية_الأولى
لا ريب أن للذنوب آثاراً سيئة على العبد، وقد يعاقب بسببها عقوبات دنيوية يُعذب بها عذاباً قد يطول أمده، وقد يشتدّ أثره، وقد أرشد الله في القرآن الكريم إلى أعمال يرفع بها العذاب وعقوبات الذنوب على العبد
فهلمّ لنتذاكرها.
المطلوب: ذكر عمل يرفع الله به العذاب مع الدليل ووجه الاستدلال.
الحمد لله الذي بلغنا شهر رمضان
أعانني الله وإياكم على إحسان صيامه وقيامه وتلاوة كتابه، ووفقنا فيه لحسن التقرب إليه بما يحبّ من الأعمال الصالحة، وبلغنا فيه آمالنا، وتقبل فيه أعمالنا، وجعلنا فيه من الفائزين.
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس الأربعون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 2 رمضان 1445 هـ، من الساعة العاشرة إلى الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: أحكام الصيام.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله تعالي لي ولكم التوفيق والسداد.
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس الحادي والأربعون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ، من الساعة العاشرة إلى الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_الحديث | #فقه_الحديث
سؤال: ألا يمكن إلحاق ما ورد من أحاديث تتعلق بما يُسمى بالطب النبوي بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث تأبير النخل: (أنتم أعلم بدنياكم) بدليل أو بقرينة, أنه كان صلى الله عليه وسلم كثير الأمراض حتى إن عائشة رضي الله عنها تعلمت الطب وصناعة الأعشاب من كثرة دخول الأطباء عليه، بل إنه صلى الله عليه وسلم مات مريضا؟
وأستغفر الله وأتوب إليه إن أسأت الأدب في السؤال لكنه سؤال يراودوني كثيرا.


الجواب: هذا السؤال مهم، وفقه الهدى فيه مهم، وذلك لأجل ما يحصل من توّهم التعارض بين الأحاديث المروية في الطب النبوي وما توصّل إليه الطبّ الحديث.
والأصل الذي يجب أن يستصحبه كلّ مؤمن أنّ خبر النبي صلى الله عليه وسلم حقّ، وأنه معصوم من أن يقرّ على خبر لا يصحّ.
وأنه لا تعارض بين ما ثبت من الأحاديث الصحيحة في الطبّ النبوي وبين الطبّ الصحيح.
وما ادّعي التعارض أو توهّم فإنّ ذلك لا يخرج عن أحد ثلاثة أمور:
1: إما ألا يكون الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحاً.
2: وإما ألا تكون دلالته على تلك المسألة دلالة صحيحة.
3: وإما ألا يكون ما ذكر من كلام الأطباء صحيحاً، وكم من دراسة طبية عورضت بغيرها مما فيه تصحيح وتقويم لما فيها من أخطاء.

فهذا من حيث التأصيل يجب ألا يغيب عن كلّ مؤمن.
وأما من حيث التطبيق فإنّنا نجد أنّ الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطب على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: أحاديث صحيحة.
والصنف الثاني: أحاديث ضعيفة، وهي كثيرة في هذا الباب، بل الغالب على الأحاديث المروية في هذا الباب الضعف.
والصنف الثالث: أحاديث مختلف فيها؛ فمن أهل العلم من يصححها، ومنهم من يضعّفها، فهذه الأحاديث محلّ اجتهاد ونظر لدى أهل العلم بالسنة.

فما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيُنظر فيه من جهتين:
الأولى: وجوب الإيمان بأنه حق؛ فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يقرّ على خطأ،
- قال أبو مالك عبيد الله بن الأخنس النخعي: حدثني الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كنت أكتب كلَّ شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه - فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كلَّ شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ يتكلَّم في الغضب والرضا؟!
فأمسكت عن الكتاب؛ فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأومأ بإصبعه إلى فيه؛ فقال: (( اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق )). رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والدارمي، وأبو داوود، وغيرهم، وأصله في الصحيحين.
فالذي يخرج من لسان النبي صلى الله عليه وسلم حق لا ريب فيه، لكن ينبغي أن يفقه هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يوضَع موضعه؛ فإنّ الخطأ في الفهم لا يقتضي الخطأ في النص؛ فمن فهم حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم على غير وجهه أو نزله على غير موضعه؛ فالخطأ من فهمه هو، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
ونحن لدينا أصل نتمسّك به في هذا الباب، وهو أن النبي صلى عليه وسلم معصوم من الخطأ في البلاغ بإجماع العلماء، وهذا على مرتبتين في التبليغ:
- إما ابتداء لا يقع منه الخطأ، وهذا أكثر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- وإما مآلاً؛ وذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد يقع منه سهو ونسيان وخطأ في الاجتهاد، لكنه معصوم من أن يُقر على هذا الخطأ، بل لا بدّ أن يرد ما يصوّب هذا الخطأ من كلام الله تعالى أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم.
فآل الأمر إلى أنّ كلَّ حديث يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق.
النبي صلى الله عليه وسلم قد يجتهد، وهو إمام المجتهدين، وقد يصيب في اجتهاده وقد يخطئ؛ فما أصاب فيه فقد أقرّه الله تعالى عليه، وما أخطأ فيه فلا بدّ أن يرد ما يصوّب هذا الخطأ، ويبيّن الحقّ فيه؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يقرّ على خطأ.
فما ورد تصويب النبي صلى الله عليه وسلم فيه فلا يجوز الاحتجاج بما كان منه من سهو أو نسيان أو خطأ، كما لا يجوز الاحتجاج بالنص المنسوخ بعد العلم بالناسخ.
ومن ذلك حديث تأبير النخل؛ فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد فيه، ولم يقرَّ على ما أخطأ فيه، ولذلك رجع عنه؛ فكان رجوعه هو الحق, فآل الأمر إلى أنَّ آخر الأمر هو الحق، وما رجع عنه فلا يجوز الاحتجاج به.
وهذه المسألة لها نظائر:
منها: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في غزوة العسرة فأذن لبعض المنافقين، ولم يقرّ على هذا الإذن، ونزل قول الله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في الانصراف إلى دعوة بعض صناديد قريش في الوقت الذي جاءه فيه ابن أمّ مكتوم يطلب العلم والهدى فتولى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وتصدّى لأولئك الصناديد؛ فنزل قول الله تعالى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزّكى ...} الآيات.
وفيها تصويب له في اجتهاده صلى الله عليه وسلم.
ومنها: اجتهاده صلى الله عليه وسلم في إقرار أصحابه على أخذ الغنائم يوم بدر قبل الإثخان في العدو؛ فنزل قول الله عز وجل: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، ثم إنَّ الله عزَّ وجل أحلَّ لهم الغنائم, ولم تحل لنبي قبله.
ومنها: اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأس المنافقين؛ فنزل قول الله عز وجل {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ }, فكان آخر الأمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على المنافقين.
والمقصود أنّ المسائل التي اجتهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم فأخطأ كانت مسائل معدودة، وكان وقوع الخطأ منه فيها لحكم عظيمة؛ فمنها ما ينتفع بها الحكّام بعده إذا وقع منهم خطأ، ومنها تكون منفعته لعموم المسلمين.
لكن آل الأمر إلى أنَّ كلّ اجتهاد أخطأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإنّه لم يقرَّ عليه، ولم يُترك الأمر دون بيان للأمة.
فنخلص من ذلك أنّ كلَّ ما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن منسوخاً، فهو حجة مقبولة، وحق لا باطل فيه, وهذا بإجماع العلماء، ليس بينهم خلاف في ذلك.
ومن ذلك ما يكون في الطب النبوي وغيره فإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في الطب النبوي وغيره فهو حق مقبول.
لكن في أمور التطبب ليس كل من وصف له الدواء يعرف كيف يستعمله، والمتطبب وليس من أهل الطبّ لا يحلّ له أن يغرّر بالناس ويصف لهم الوصفات الطبية، ولا سيما الوصفات العامة التي تختلف أحوال المرضى في قابليتها والانتفاع بها.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((‌من ‌تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن))، وهذا الحديث رواه أبو داوود وابن ماجه والنسائي والحاكم في المستدرك وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، مرفوعاً، وقد حسّنه بعض أهل العلم.
فالمتطبب قد يقرأ وصفات طبية، وقد يقرأ أحاديث في الطب النبوي؛ فيستعملها في غير مواضعها، أو بمقادير لا تناسب المريض، فيكون الخطأ من فهمه، ومن تعاطيه الطب على غير معرفة.
فإذا ورد بيان أنّ عشبة من الأعشاب نافع من مرض كذا وكذا؛ ولم يبيّن مقدار ما يأخذه المريض؛ فإنّ تحديد ذلك يُرجع فيه إلى أهل المعرفة بالطبّ بما يناسب كلّ مريض بخصوصه.
فإذا أتى شخص وتجاوز هذا الأصل، وتطبب في الناس على غير معرفة فأسرف في المقدار، أو لم يحسن تخزين ذلك الدواء وحفظه بما يُحفظ به مثله عند أهل المعرفة بالطب؛ فالخطأ من جهله وتطببه على غير معرفة، وليس من النصّ النبوي.
فإذا تضرر أحد من تطببه فهو ضامن.
وليس كل من تكلم في طبّ الأعشاب يعدُ طبيباً، فإنّ مدّعي ذلك كثير، ولكن من عرف بالطبّ وجرّب حتى استفاضت عنه المعرفة بالطبّ، أو شهد له أهل المعرفة بالطبّ؛ فهو طبيب مؤتمَن.
2024/06/25 22:48:13
Back to Top
HTML Embed Code: