Telegram Web Link
#بصائر_وبينات | التحذير من تهنئة الكفار بأعيادهم
من مظاهر الانهزام المقيت، وغياب الاعتزاز بالدين تهنئة الكفار بأعيادهم التي تشتمل على أشنع الكفر وأعظم المحادّة لله ولرسوله ﷺ ولا تصح دعوى الإيمان في قلب امرئ حتى يتبرأ مما يُعبد من دون الله جل وعلا، ومما يُسبّ به الله تعالى.
وأعياد الكفار على قسمين:
القسم الأول: أعياد يتخذونها تديناً وعبادة، وإنْ صاحبها لهو.
والقسم الثاني: أعياد يتخذونها لهواً ولعباً ليس باعثها التدين.
وكلا النوعين يحرم على المسلم أن يشارك فيهما، وأن يهنّئ أصحابهما من الكفار، لكن أشدّهما خطراً وأعظمهما إثماً ما كان باعثه التدين واعتقاد الضلالة والكفر.
1: فمن هنّأ الكفار بأعيادهم الدينية مقراً لهم على ما يعتقدون فيها من الكفر والشرك فهو كافر مرتد عن دين الإسلام؛ فإن من شرط صحة الإسلام الكفر بما يُعبد من دون الله.
2: ومن شارك الكفار في أعيادهم ليطعم معهم أو يستمتع بفسقهم وغنائهم وقلبه مبغض لما هم عليه من الكفر والشرك ففي ردّته خلاف بين أهل العلم.
والراجح أنه لا يحكم بكفره لذلك، لكنَّه على خطر عظيم وعلى شفا هلكة، ويُخشى عليه إذا عمّتهم عقوبة عاجلة أن تشمله معهم.
وهو حرام باتفاق أهل العلم.
- قال أبو حفص النسفي من الحنفية: (من أهدى بيضة إلى مشرك في يوم عيده تعظيماً لليوم فقد كفر بالله تعالى). وهذا محمول على الرضا بالكفر.
- وقال ابن القيم رحمه الله: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: "عيد مبارك عليك"، أو "تهنأ بهذا العيد"، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب..
بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام، ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قُبْحَ ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرّض لمقت الله وسخطه)ا.هـ.
وقد لعن الله النصارى الذين قالوا كلمة الكفر وادّعوا لله ولدا، وأنزل في شأنهم آيات فيها وعيد شديد {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولداً} فكيف يجرؤ مَن يعقل هذا الوعيد على تهنئتهم باحتفالهم بميلاد ابن الربّ - على زعمهم - تعالى الله عما يقولون.
3: ومن هنّأ الكفار وهو لا يعلم حقيقة ما يحتفلون به؛ فليُناصح وليحذّر من مغبّة هذه التهنئة المشؤومة التي تعرّض صاحبها لسخط الله وعقوبته، وتُفسد القلب أيما إفساد، وليعلم أنه لا يحلّ لمسلم أن يبتهج بأعياد الكفار، ولا أن يهنئهم بها ويُهديهم الهدايا لأجلها، ولو على سبيل المجاملة.
#مسائل_العقيدة
س: سمعتُ أحد المفتين يقول: لا يجوز أن نقول: "ما شاء الله" لأنّ "ما" نافية، وهذه العبارة فيها نفي لمشيئة الله، والصواب أن نقول: "ما شاء الله إلا بالله" ؛ فهل هذا صحيح؟
الجواب: هذا التغليط غلط مردود على صاحبه – عفا الله عنه – وقول: "ما شاء الله" من الأذكار المعروفة المسنونة في مواضعها، و "ما" فيها ليست للنفي، وإنما هي موصولة، جواب خبر محذوف تقديره: هذا ما شاء الله.
وتُعرب في مواضع أخر بحسب موقعها في الجملة.
وإذا قلت: ما شاء الله كان؛ فـ"ما" هنا شرطية، وتقول: ما يشأ الله يكن؛ بجزم الفعلين.
وقول القائل: "ما شاء الله إلا بالله" على اعتبار "ما" نافية؛ لغو من القول، ولا قائل به من السلف.
وقد قال الله تعالى: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله}
وأظهر أقوال النحاة في "ما" هنا أنها موصولة؛ خبراً لمبتدأ محذوف، وذكر أبو إسحاق الزجاج وأبو حيان قولاً آخر، وهو أن "ما" شرطية، وجواب الشرط محذوف.
- وقال الأجلح الكندي، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سمع رجلًا يقول: ما شاء اللَّه وشاء فلان
فقال: "جعلتني للَّه عدلًا! ‌قل: (‌ما ‌شاء ‌اللَّه). رواه ابن أبي شيبة والطبراني، وفي رواية عند الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد: (قل: ما شاء الله وحده).
وفي الباب أحاديث عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.
- وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة أن أبا بكر قال لها: في أي يومٍ مات رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟
قالتْ: يوم الاثنين.
‌قال: (‌ما ‌شاء ‌الله! إني لأرجو فيما بيني وبين الليل). رواه الإمام أحمد.
وهذا لمّا لدغ أبو بكر، وحضره أجله، وقوله: (ما شاء الله) تعجب منه لموافقة يوم موته اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصحّ حمله على أنّ "ما" نافية.
‌- وفي موطأ الإمام مالك من حديث هشام ‌بن ‌عروة، عن أبيه، أنه كان لا يؤتى بطعام أبداً ولا شراب حتى الدواء فيطعمه أو يشربه حتى يقول: (الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعَّمنا، الله أكبر، اللهم ألفينا نعمتك بكل شر، فأصبحنا وأمسينا فيها بكل خير، نسألك تمامها وشكرها، لا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، إله الصالحين، ورب العالمين، الحمد لله، ولا إله إلا الله، ‌ما ‌شاء ‌الله، ولا قوة إلا بالله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وقنا عذاب النار).
- وقال الإمام مالك: يستحب للرجل إذا ‌دخل ‌منزله أن يقول: "‌ما ‌شاء ‌الله، لا حول ولا قوة إلا بالله"، وهو من كتاب الله».
- وفي شعب الإيمان عن الفضيل بن عياض أنه قال: (من ‌قال: ‌ما ‌شاء ‌الله فقد سلَّم لأمر الله).

- وقال نصر بن علي الجهضمي: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: جعل رجل لرجل جُعلا على أن يعبر نهرا،
قال: فعبر حتى إذا قرب من الشطّ، فقال: عبرتُ والله؛ فقال له الرجل: (‌قل: ‌ما ‌شاء ‌الله).
قال: شاء أو لم يشأ.
قال: (فأخذته الأرض). رواه اللالكائي في شرح أصول السنة.

وقول "ما شاء الله" للشكر أو التعجب ذكر مشروع، ولا يصحّ حمل "ما" فيه على النفي، وهو ذِكرٌ مشتهر معروف، ولا وجه لتخطئة قائله أو إلزامه بإتباعه بألفاظ محدثة.
Audio
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس الثالث والثلاثون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 20 جمادى الآخرة 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: أصول التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_التفسير
س: في قول الله تعالى: {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} كيف نفهم هذه الآية؟ هل هذا الحياء محمود إذا تخلَّقنا به؟
الجواب: الآية فيها ذكر حياء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يستحيي من المؤمنين؛ فيمنعه الحياء أن يبدي لهم ما يفهمون منه رغبته في خروجهم من منزله بعد الطعام.
وهذا حياء من النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّه الله عز وجل عليه، ولم ينكره عليه، ولم يعاتبه فيه، إنما عاتب المؤمنين الذين يستأنسون للحديث بعد تناول الطعام.
فمن الآداب العامة أن من دعي إلى طعام وعرف من حال الداعي أنه يحب التبكير إلى دعوته فيبكر إليها، ثم إذا طعم؛ فالسنة في حقّه ألا يطيل المكث بعد تناول الطعام إلا إذا وجد منه رغبة في الحديث بعد الطعام، ولا سيما من كانت له حاجة إلى الحديث.
وأما قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ }؛ فيدل على أنّ الحق لا يمنع منه الحياء،
وفي المراد بالحقّ في هذه الآية وجهان في التفسير:
أحدهما: أنّ إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وإحراجه منكر عظيم، والحياء يجب ألا يمنع من إنكار المنكر، وإذا كان الله عزّ وجلَّ قد نهى عن إيذاء أوليائه وإحراجهم؛ فكيف بإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم؟
والآخر: تعليم الناس الحق، وتأديبهم بالآداب الشرعية، ومن ذلك تأديب المدعوين إلى تجنب إيذاء صاحب الدعوة وإحراجه.
والوجهان صحيحان، يصحّ حمل الآية عليهما.

والله تعالى حييّ كريم كما في سنن أبي داوود والترمذي وابن ماجة من حديث جعفر بن ميمون الأنماطي قال: حدثني أبو عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردّهما صِفراً)).
وحياؤه جلّ وعلا أكمل الحياء وأحسنه وأقومه.
والحياء الحسن لا يمنع من إنكار المنكر، ولا من القوة في أمر الله تعالى، وتعليم الناس الحق وبذلك فرّق بين الخجل المذموم، والحياء المحمود.

والخلاصة أنّ هذه الآية يؤخذ منها آداب وفوائد مهمة:
أولها: تحريم إيذاء صاحبِ الدعوة وإحراجه.
وثانيها: مشروعية استحياء صاحب الدعوة من المدعوين.
وثالثها: أن الحياء لا يمنع من إنكار المنكر؛ بل مَنْ منعه حياؤه من إنكار المنكر فهذا لضعف عزيمته أو في بصيرته، وليس هذا القدر من الحياء محموداً في حقه.
ورابعها: أنه لا يكون في شريعة الله عز وجل ما يخالف الحياء الحقيقي المحمود، ولا ما يحمل المكلفين على فعل ما يخالف موجَب الحياء.
#مسائل_التفسير
س: ما المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه في سورة العاديات؟ وما معنى {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}؟
الجواب:
قال الله عز وجل: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}
العاديات جمع عادية، والعادية جمع أيضاً، يقال لجماعة الخيل عادية، ولجماعة الإبل عادية، وهي التي تعدو مسرعة في جريها، والعاديات جمع الجمع، وهذه الصيغة تدلّ على الكثرة.
والعاديات صفة لموصوف محذوف اختلف في تقديره، وروي عن السلف فيه قولان مشهوران:
القول الأول: العاديات هي الإبل، وهو قول علي بن أبي طالب، وابن مسعود، ورواية عن ابن عباس، وقال به عبيد بن عمير الليثي، وإبراهيم النخعي.
القول الثاني: العاديات هي الخيل، وهو رواية عن ابن عباس، وقال به مجاهد، وعكرمة، والضحاك، وقتادة.
والضبح فسّر بمعنيين:
أحدهما: صوت أنفاس الخيل عند العدو، وهو صوت غير الصهيل والحمحمة، وهذا المعنى خاصّ بالخيل، وقريب منه ضُباح الثعالب والكلاب.
والمعنى الآخر: بمعنى الضَّبْع ، وهو مدّ الضبعين عند العدو، ومنه قول طرفة بن العبد يصف ناقته:
وإن شِئتُ سامى واسِطَ الكورِ رأسُها ... وعامَتْ بِضَبْعَيْها نَجاءَ الخَفَيدَدِ
وهذا أسرع لعدوها، وضبعا الناقة عضداها، والخفيدد صغير النعام معروف بسرعة عدوه إذا أراد النجاء من مخافة.
وقوله: (عامت) تشبيه لتناسق مدّها ضبعيها بيدي العائم في الماء، كما قال بشامة بن الغدير يصف ناقته:
كأنّ يديها إذا أرقلت ... وقد جُرن ثمّ اهتدين السبيلا
يدا عائمٍ خرَّ في غمرةٍ ... قد أدركه الموت إلا قليلا
وهذا المعنى الثاني عامّ في الخيل الإبل لأنها تضبح بأرجلها عند العدو، أي تمدّها، يقال: تضبح وتضبع بمعنى واحد.
وقد روى البزار حديثاً فيه ترجيح لهذا المعنى من طريق حفص بن جُميع الكوفي قال: حدثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا، فأشهرت شهراً لا يأتيه منها خبر؛ فنزلت: {والعاديات ضبحا} ضبحت بأرجلها، {فالموريات قدحا} قدحت بحوافرها الحجارة، فأورت ناراً، {فالمغيرات صبحا} صبَّحت القوم بغارة، {فأثرن به نقعا} أثارت بحوافرها التراب، {فوسطن به جمعا} قال: صبَّحت القوم جمعاً).
والشاهد فيه: قوله: (ضبحت بأرجلها)، والضبح بالأرجل عامّ في الخيل والإبل، لكن هذا الحديث في إسناده حفص بن جميع وهو ضعيف الحديث.
والعاديات عند الإطلاق مشتهر في الخيل والإبل:
فمن إطلاقها على الخيل قول سلامة بن جندل السعدي:
والعاديات أسابيّ الدماء بها ... كأنّ أعناقها أنصاب ترجيب
فالعاديات هنا الخيل شبه ما يكون على أعناقها من الدماء بعد القتال بما يكون من الدماء على الأنصاب التي يذبح عليها مشركو العرب نسائكهم في رجب.
ومن إطلاقها على الإبل قول خداش بن زهير العامري:
لهم حبق والسود بيني وبينهم ... يدي بكمُ والعادياتِ المحصَّبا
- قال أبو زيد الأنصاري: (قوله: "العاديات المحصَّبا" يعني الإبل التي تأتي المحصَّب من مِنَى، وهو قسم منه بها).
فإطلاق العاديات على الإبل وعلى الخيل إطلاقان صحيحان، ولا مانع يمنع من الجمع بين المعنيين.
وفي التعريف وجهان:
أحدهما: أنه للجنس؛ فيعمّ كلّ العاديات من الإبل والخيل إلى قيام الساعة، ولا يقتصر المراد بهما على وقت النزول.
وأخصّ منه أن يكون القسم بكلّ العاديات في سبيل الله في الحجّ أو الجهاد من الخيل والإبل إلى أن تقوم الساعة.
وفيه إشارة إلى الجهاد والحج، وهما من أعظم شعائر الإسلام مع كون السورة مكية على أشهر القولين؛ فكانت كالتبشير للمسلمين بظهور الإسلام وعزته.
وفي هذا القسم تشريف لهما، وتعظيم لشأنهما.
والوجه الآخر: أنها قسم بما تعهده العرب من العادياتِ من الإبل والخيل.
وعلى الوجهين يتبيّن أن ما يقع عليه هذا القسم كَثْرَةٌ كاثرة من الإبل والخيل، ولذلك كانت صيغة جمع الجمع أنسب لهذا القسم.

والإبل والخيل أشرف مراكب العرب، وأنفس أموالهم، وفيهما من المصالح المشهودة ما لا يخفى.
وبهذا تتبيّن مناسبة جليلة بين المقسم به والمقسم عليه وهو قوله تعالى: {إنّ الإنسان لربه لكنود . وإنه على ذلك لشهيد . وإنه لحبّ الخير لشديد}
والكَنود هو الجَحود الكَفور الذي لا يشكر مهما أُحسن إليه، يظلّ يعدد المصائب ويشكو الحال وينسى النعم ويغفل عنها على ظهورها، وبهذا تظهر الحكمة في الإطناب في ذكر العاديات وأحوالها المشتهرة التي لا تنكر؛ ثم بيّن الله تعالى حال الإنسان بكنوده مع كونه شهيداً على تلك الأحوال، معترف بشدّة حبّه لتلك الأموال؛ فهو يحبّ الإبل والخيل محبّة شديدة، ويشهد تلك الأحوال منها، ويتعامى عن شكر نعمة ربّه الذي أولاه تلك النعم، ويجحد فضله بلسان حاله أو مقاله.
- قال مهدي بن ميمون، عن شعيب بن الحبحاب، عن الحسن بن أبي الحسن، {إن الإنسان لربه لكنود} قال: (يعدد المصائب، وينسى النعم). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
ثم ذكّره الله تعالى بأحسن ما يوعظ به من أصيب بهذا الداء، وهو تذكر الحساب والجزاء {أفلا يعلم إذا بُعثر ما في القبور . وحُصّل ما في الصدور} والجامع بينهما استخراج ما كان مخبّأ مستوراً.
وتحصيل ما في الصدور فسّر بالإبراز والإظهار، وفسّر بالتمييز والتبيين؛ والوجهان يجمعهما لفظ {تبلى السرائر}، والسرائر محلها الصدور؛ فتُبلى يوم القيامة ويتبيّن ما فيها من خير وشر، وكفر وإيمان؛ فمن كان صالح السريرة نفعته سريرته فأثيب الثواب العظيم، ومن كان فاسد السريرة تبيّن له أنه ليس على شيء، وأن مصيره إلى العذاب العظيم.

وكان ختم السورة بقوله تعالى: {إن ربّهم بهم يومئذ لخبير} أحسن الختم لجمعه الاحتجاج على كلّ ما تقدم من المنّة بتلك النعم التي قوبلت بالجحود والكفران، وأحوال الجاحدين من شهودهم تلك النعم، وجحدهم فضل ربّهم بها، وتغافلهم عن شكرها، وخبرته التامة بكلّ المخبآت وقدرته على استخراجها، فيستخرج الموتى من القبور، ويستخرج ما في الصدور من مخبّآت القلوب؛ فيحاسب عباده على أعمالهم، ويجازيهم بها جزاء الخبير القدير العدل.
والله تعالى أعلم.
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس الرابع والثلاثون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 4 رجب 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: المجلس مفتوح.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
Audio
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس الرابع والثلاثون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 4 رجب 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: المجلس مفتوح.
#مسائل_التفسير | #مسائل_الفقه
س: هل يجوز للمسلمة المنتقبة أن تكشف وجهها أمام النصرانية؟

الجواب:
جواب هذا السؤال ينبني على الترجيح بين أقوال العلماء في تفسير قول الله عز وجل: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وقد اختلفوا فيه على قولين:
القول الأول: المراد النساء المؤمنات، وذهبوا إلى أنه يجب على المؤمنة أن تحتجب من الكافرة، وهذا القول مروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وسليمان بن موسى الدمشقي، وابن جريج.
وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية على خلاف بينهم في حدود هذا الاحتجاب.
والقول الثاني: المراد عموم النساء للإطلاق، وذهبوا إلى أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف وجهها لكل امرأة سواء أكانت مسلمة أم نصرانية أم يهودية أم مشركة، وهذا قول الإمام أحمد المشهور عنه.
- قال ابن قدامة: (لأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن قد كنَّ يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلم يكنَّ يحتجبن ولا أُمِرْن بحجاب).
لكن قال أحمد: (أما أنا فأذهب إلى أنه لا تنظر اليهودية ولا النصرانية ومن ليس من نسائها إلى الفرْج، ولا تقبّلها حين تلد، فأما الشَّعْر فلا بأس).
تقبّلها حين تلد: أي تتولّى توليدها واستخراج الجنين، تُسمّى من تتولى ذلك "قابلة" والجمع "قوابل".

- وقال ابن تيمية: (وقوله: {أو نسائهن} قال: احتراز عن النساء المشركات. فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة ولا تدخل معهنَّ الحمام لكن قد كنَّ النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها فيرين وجهها ويديها بخلاف الرجال؛ فيكون هذا في الزينة الظاهرة في حق النساء الذميات، وليس للذميات أن يطلعن على الزينة الباطنة، ويكون الظهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره؛ ولهذا كان أقاربها تبدي لهن الباطنة وللزوج خاصة ليست للأقارب).

وفي معنى الإضافة في قوله تعالى: {أو نسائهنّ} على هذا القول ثلاثة أوجه:
أحدهما: على الإتباع اللفظي لتوالي المضمرات، والمعنى: أو النساء.
- قال ابن عاشور: (ويجوز أن يكون المراد "أو النساء"، وإنما أضافهنَّ إلى ضمير النسوة إتْباعاً لبقية المعدود).
والثاني: لإخراج الإماء، كما أخرج العبيد والنساء في قول الله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}، ومعنى إخراج الإماء هنا لأجل ذكرهنّ في التقسيم لا لإعمال مفهوم الصفة.
والثالث: وقعت الإضافة لأدنى الملابسة؛ كما في قول الله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}.

وخلاصة مذهب الإمام أحمد أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تبدي زينتها لغير المسلمات، ولا تحتجب منهنّ، لكن لا يرين منها العورات، ولا يتولين أمر ولادتها فيرين منها عورتها المغلظة، وقد اتبع فيما يتعلق بالعورة أثراً يُروى عن عمر وفيه انقطاع.
وهذا كلّه فيما لم تدع الحاجة الماسة أو الضرورة بحيث لا توجد امرأة مسلمة تسعفها حين الولادة فيجوز أن تولّدها غير مسلمة إذا كانت مأمونة.
وهذا القول أرجح القولين، وما علّل به بعض أصحاب القول الأول من أن غير المسلمة لا يُؤمن أن تصف المسلمة لأهل دينها؛ فهذا خروج عن الأصل، ومتى قامت عليه أمارة تدلّ على أن تلك المرأة الكافرة غير مأمونة فإنّها تحتجب منها، وهذا لا تختص به الكافرة، بل يقع هذا على الفاسقة من نساء المسلمين فإنه يُحتَجب منها إذا خُشي التضرر برؤيتها كالتي تترصد لوصف المرأة بما يجلب لها ضرراً أو تصويرها للإضرار بها ونحو ذلك؛ فالمرأة المؤمنة تحتاط لنفسها وتحتجب منها، وكذلك من يُعرف من شأنها الفتنة والإعجاب بصور النساء حتى لو كانت امرأة مسلمة فإذا عُرِف ذلك من شأنها فتحتجب منها المرأة المؤمنة.

- قال ابن كثير: (وقوله: {أو نسائهنّ} يعني: تظهر زينتها أيضًا للنّساء المسلمات دون نساء أهل الذّمّة؛ لئلّا تصفهنّ لرجالهنّ، وذلك -وإن كان محذورًا في جميع النّساء -إلّا أنّه في نساء أهل الذّمّة أشدّ، فإنّهنّ لا يمنعهنّ من ذلك مانعٌ، وأمّا المسلمة فإنّها تعلم أنّ ذلك حرامٌ فتنزجر عنه، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((لا تباشر المرأة المرأة تنعتها لزوجها كأنّه ينظر إليها)). أخرجاه في الصّحيحين، عن ابن مسعودٍ)ا.هـ.

وخلاصة الجواب: أنّ ما يُنظر إليه من المرأة على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الزينة الظاهرة من الثياب ونحوها.
والمرتبة الثانية: الزينة الباطنة التي يُمنع من النظر إليها غير المحارم من الرجال؛ فلا يُباح إبداؤها إلا للمذكورين في الآية، ومنهنّ النساء عموماً على أرجح القولين.
والمرتبة الثالثة: العورة المغلظة؛ فهذه لا تبديها المرأة لغير زوجها إلا للضرورة أو الحاجة الماسة؛ كالولادة، والجراحة، والإنقاذ من هلكة، ونحو ذلك، وما أبيح النظر إليه للضرورة فيقدّر بقدرها، ويمنع بارتفاعها.
والله تعالى أعلم.
افتتاح قناة عبد العزيز بن داخل المطيري
على الوتساب

‏متابعة قناة قناة عبد العزيز بن داخل المطيري على واتساب: https://whatsapp.com/channel/0029VaGNA8p7IUYSVyiLUe3h

قناة علمية دعوية
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس الخامس والثلاثون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 11 رجب 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: المجلس مفتوح.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_علوم_القرآن | #الناسخ_والمنسوخ
س: كيف يكون الناسخ مقدمًا في ترتيب الآيات عن المنسوخ كما في سورة البقرة في آيات عدة المرأة؟

الجواب: لا يشترط أن يكون المنسوخ متقدماً على الناسخ في ترتيب سور المصحف، إنما الذي يشترط أن يكون المنسوخ متقدما على الناسخ في النزول؛ لأنّ النسخ رفع لحكم ثبت بنصّ سابق، وهذا متعلق بالنزول لا بالترتيب.
ولا خلاف بين أهل العلم أن ترتيب السور والآيات في المصحف ليس على ترتيب نزولها، وإذا كان الأمر كذلك فلا يُنكر أن تكون بعض الآيات الناسخة متقدمة في ترتيب المصحف على الآيات المنسوخة.
وترتيب الآيات في السور توقيفي، فالذي نعتقده أن تقدم بعض الآيات الناسخة على المنسوخة في الترتيب له حكمة ومناسبة يوفق لإدراكها من وفقه الله.
وقد تكلم العلماء في الحكمة من ذلك، وذهب بعضهم إلى أنه لا نسخ في آيات عدة المرأة في سورة البقرة، لكن هذا القول مخالف لما ثبت في صحيح البخاري من حديث حبيب بن الشّهيد، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن الزّبير: قلت لعثمان: هذه الآية الّتي في البقرة {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} إلى قوله {غير إخراجٍ} قد نسختها الأخرى؛ فلمَ تكتبها؟
قال: (تدعها يا ابن أخي! لا أغيّر شيئًا منه من مكانه).
وابن الزبير كان من كتبة المصاحف في الجمع العثماني.
فدلّ هذا الأثر على ثبوت النسخ، وعلى أنّ ترتيب الآيات توقيفي لم يغيّر الصحابة شيئاً من الآيات عن مكانها.
2024/10/01 15:45:09
Back to Top
HTML Embed Code: