Telegram Web Link
قلتُ: تأمل - رحمك الله- كيف جعل ابن القيم من كفّرهم وضلّلهم لأنه لم يفهم تلك العبارات = مفتونًا.
كما جعل من صوّب ظاهر تلك العبارات وقبله = مفتونًا أيضًا.

ويقول أيضًا رضي الله عنه:
"والعارفون من القوم أطلقوا هذه الألفاظ ونحوها، وأرادوا بها معاني صحيحة في نفسها فغلط الغالطون في فهم ما أرادوه ونسبوهم إلى إلحادهم وكفرهم".

فهذا تنبيهٌ ينبّهك له ابن القيم، من كون تلك المواطن مشكلة ملغزة، والعجلة فيها مهلكة مفسدة.

من أجل ذلك يقول الإمام الذهبي رضي الله عنه ناقلًا عن بعض شيوخه:
" فإنّ كثيرًا من أحوال المُحِقِّين من الصوفية لا يَفِي بتمييزِ حَقِّه من باطِلِه عِلمُ الفروع.
بل لا بُدَّ مِن معرفةِ القواعدِ الأصولية، والتمييزِ بين الواجبِ والجائز، والمستحيلِ عقلًا، والمستحيلِ عادَةً.
وهو مقامٌ خَطِر، إذ القادِحُ في مُحِقِّ الصُّوفية داخلٌ في حديث: (مَن عادى لي ولِيًّا، فقد بارَزَني بالمُحارَبة).
والتارِكُ لإنكارِ الباطلِ مِمّا سَمِعَه مِن بعضِهم تاركٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر."

فانظر التنبيه إلى خطورة ذلك المقام، مما يستلزم أن يُكَف عنه فضلاء العوام، ناهيك عن الجهلة الطغام!
ثم تأمّل حالنا اليوم وقد صار يتصدى للكلام فيه كل معجبٍ بفيه!

والعبارات التي حيّرت هؤلاء المساكين في كلام سيدي ابن عجيبة رضي الله عنه هي قوله:
"وذلك أن الحق جل جلاله كان كنزاً لم يعرف، أي سرًا خفيًا غيبيًا، فلما أراد أن يعرف ((ظهر قبضة من نور ذاته)) سمَّاها محمداً صلى الله عليه وسلم"

فقالوا: إن قوله عن سيدنا محمد إنه قبضة من نور ذات الله = معناه أن سيدنا محمدًا جزءٌ من الإله.
وزاد أحمقهم الطين بلّة فقال كالسكران: وجزء الإله إله!
تعالى الله عن فهمهم العاطل، وعن قولهم الباطل، فإن المسلم لا يقول: جزء الإله إله، بل يقول: الله تعالى منزه عن الأجزاء والأبعاض.

كذلك حيّرهم قول سيدي ابن عجيبة رضي الله عنه:
"وهو عين الذات في مقام الجمع، فالقبضة المحمدية لما كانت من عين الذات؛ أطلق عليها الذات"

فقالوا: هذا توكيد لما فهمناه أنه ومعه شيخ الإسلام الدردير يجعلون النبي صلى الله عليه وسلم هو الله، أو جزءًا من الله -عياذًا بالله وتعالى الله عن جميع ذلك علوًا كبيرًا!-

ولو أن الواحد من هؤلاء المساكين علم قدر نفسه، لقال: أنا الذي كنتُ منذُ سويعات قليلة لا أعلم أن كلمة "مطلسم" كلمة عربية لها معنى مذكور في المعاجم ومستعمل في الشعر، وكنت أظنها من نفث هاروت وماروت ومن همهمات الجنّ حتى ظهر جهلي باللغة وألفاظها، فربّتما أخطأت كذلك في فهم كلام ابن عجيبة لا سيما وقد نبه ابن القيم والذهبي وغيرهما أن عبارات القوم مشكلة صعبة وعرة لا تفهم بنظرٍ قاصر!

لكن الجاهل مغرور، يحسب نفسه قد حوى بين جنبيه علم الأولين والآخرين، فلمّا قرأ جهلاؤهم هذه العبارات سارعوا إلى تكفير قائلها، بل وتكفير كل من ذكر كلمة "القبضة المحمدية" شأنهم شأن أجدادهم من الخوارج الأُوَل، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ورُقية شيطان جهلهم هذه المرة في ما يلي:

[١]
اعلم أن قول الإمام ابن عجيبة:
"وذلك أن الحق جل جلاله كان كنزاً لم يعرف ،اى سراً خفياً غيبياً ، فلما أراد أن يعرف ظهر قبضة من نور ذاته سمَّاها محمداً صلى الله عليه وسلم"

لو قصد به ما فهموه من أن النبي صلى الله عليه وسلم جزءٌ من ذات الله تعالى؛ فهو كفرٌ لا مرية فيه، وقائله كافر خارج من ملة المسلمين.

لكن معاذ الله أن يقصد هذا العالم الجليل هذا الفهمَ السقيم.

وإنما دخلت عليهم الشبهة من جهلهم معاني الإضافة!

فالإضافة منها ما يكون على معنى "مِن"
تقول: خاتمُ حديد. أي: خاتمٌ من حديد.

ومنها ما يكون على معنى "اللام" أي لام الاختصاص.
تقول: غلامُ زيد. أي: غلامٌ لزيد.

فلما قرأ صبيانهم قول ابن عجيبة رضي الله عنه: قبضة من نور ذاته.
ظنوا إضافة "نور" لـ "ذات" على معنى: "من"
فيكون المعنى: نورٌ مِنَ الذات! وفهموا أيضًا أن "من" هنا للتبعيض، فيكون المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم نورٌ من بعض ذات الله! عياذًا بالله!

وكلّ ذلك لم يكن!

بل الإضافة هنا على معنى: اللام.
فيكون المعنى: نورٌ للذات.
ظهر قبضةً من نورٍ لذاته سبحانه وتعالى.

كما تقول: غلامٌ لزيد. أي: غلامٌ يختصّ بزيد.
فكذلك: نورٌ لذات الله.
والإضافة هنا للتشريف.
ومنه قول الحقّ جل جلاله: "هذه ناقةُ الله لكم آية"
فليس المعنى: ناقةٌ من بعضِ الله، فتكون الناقة جزءًا من الله عياذًا بالله!
بل المعنى: ناقةٌ لله. والإضافة لتشريف الناقة.

فقول ابن عجيبة: "نور ذاته".
كقول الله تعالى: "ناقة الله" و"بيت الله" و"نفخت فيه من روحي"
فهل يقال إن الله تعالى خلق آدم جزءًا منه لأنه خلقه من روحه؟!
أعوذ بالله!

يقول الرازي رحمه الله:
"وإنما أضاف الله سبحانه روح آدم إلى نفسه تشريفًا له وتكريما"

ويقول الطاهر بن عاشور رحمه الله:
"وإسناد النفخ وإضافة الروح إلى ضمير اسم الجلالة تنويه بهذا المخلوق"
فكذلك نقول:
إضافة النور إلى ذات الله تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتكريم له.

فقوله: من نور ذاته.
أي: من نورٍ لذاته.

كقوله تعالى: من روحي
أي: من روحٍ لي.

وكل ذلك للتشريف، لا للقول بأن شيئًا من هذا جزء من الله تعالى.

فاقرأ الآن عبارة ابن عجيبة مرة أخرى بعينٍ غير تلك العين العمياء التي قرأوا بها، وفهم غير ذلك الفهم السقيم الذي فهموا به، يقول:
"وذلك أن الحق جل جلاله كان كنزاً لم يعرف، أي سراً خفياً غيبياً، فلما أراد أن يعرف ظهر قبضة من نور ذاته سمَّاها محمداً صلى الله عليه وسلم"

فهل بقي من إشكال؟ وهل جاوز تعبيره تعبير القرآن عن سيدنا آدم؟ اللهم لا.

[٢]
أما قوله رضي الله عنه:

"وهو عين الذات في مقام الجمع، فالقبضة المحمدية لما كانت من عين الذات أطلق عليها الذات"

فسبب إشكاله على أفراخ الخوارج هؤلاء جهلهم بعلوم اللغة أولًا، وغفلتهم عن قوله "في مقام الجمع" ثانيًا إذ هو من اصطلاحات الصوفية التي لا يفهمون معناها.

أما مقام الجمع فالمراد به ما يعبرون عنه بالفناء، أو ما يعبرون عنه أحيانًا بالمحو.
يقابله مقام الفرق، أو الصحو.

وكل هذه الألفاظ موضوعة لتصف شعورًا يصل إليه الذاكر عند الاستغراق في ذكره، لا لتصف حقائق الموجودات على ما هي عليه.

فالذاكر إذا استغرق في الذكر واندمج معه اندماجًا شديدًا قد يتغلب عليه شعورٌ اسمه: الفناء.
حيث يشعر أنه ليس موجودًا، وأنه لا أحد موجود إلا الله، فيحسب في هذا اللحظات أن كل شيء هو الله.
فهذا هو مقام الجمع، أي: شعور الجمع.

فإذا أفاق من هذا الشعور الذي استغرق فيه؛ انتبه مرة أخرى للحقيقة وهي أن وجوده شيء غير وجود الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى الرب الخالق المالك المدبر، وهو العبد المفتقر المحتاج. وهذا مقام الصحوّ، أو الفرق. أي: شعور الفرق.

كلّ هذا كما ترى ليس متعلقًا بحقيقة الله تعالى وحقيقة المخلوقات، بل هو متعلّقٌ بشعورٍ يمرّ بالذاكر أحيانًا عند الاستغراق الشديد في ذكره.

هذا الشعور يصفه ابن القيم رضي الله عنه بقوله:
"والفناء الذي يشير إليه القوم، ويعملون عليه: أن تذهب المحدثات في شهود العبد، وتغيب في أفق العدم، كما كانت قبل أن توجد، ويبقى الحق تعالى كما لم يزل، ثم تغيب صورة المشاهد ورسمه أيضا، فلا يبقى له صورة ولا رسم، ثم يغيب شهوده أيضا، فلا يبقى له شهود، ويصير الحق هو الذي يشاهد نفسه بنفسه، كما كان الأمر قبل إيجاد المكونات، وحقيقته: أن يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل."

ثم يقول بعدما يبين الفهم السليم لهذا المقام ويحذر من فهم أهل الاتحاد:
"وحاشا شيخ الإسلام -يعني الهروي- من إلحاد أهل الاتحاد، وإن كانت عبارته موهمة، بل مفهمة ذلك، وإنما أراد بالجحد في الشهود، لا في الوجود، أي يجحده أن يكون مشهودا ، فيجحد وجوده الشهودي العلمي، لا وجوده العيني الخارجي" ا.هـ

فتأمل كلامه لتعرف أولًا:
- أنه يثبت مقام الجمع الذي يغيب فيه الذاكر عن الشعور بكلّ ما سوى الله، حتى يشعر أن كل وجود هو الله، فإذا شاهد الذاكرُ الله بقلبه يشعر في هذا المقام أن الله هو الذي يشاهد نفسه بنفسه.

ولتعرف ثانيًا:
أنه لما رأى كلام الهروي موهمًا بل مفهمًا لكلام أهل الاتحاد؛ لم يكفّره بذلك، بل أوّل عبارته ليكون معناها هو المعنى الصحيح الذي ذكرته لك، وهو أن يكون شعورا داخل قلب الذاكر في هذا الوقت، وليس اعتقادًا أن الله هو هو المخلوق على الحقيقة.

وقارن حسن ظنه والتماسه العذر وتأويله العبارة على وجه مقبول بفعل أولئك الصبية الخوارج لما سارعوا بجهلهم لتكفير الإمام ابن عجيبة رضي الله عنه ومعه الجزولي وابن مشيش والدردير وغيرهم لعبارات مُشكلةٍ لم يفهموها على وجهها!

عودًا على بدء..
يقول ابن عجيبة:
"وهو عين الذات في مقام الجمع، فالقبضة المحمدية لما كانت من عين الذات أطلق عليها الذات"

فهل قال إن النبي صلى الله عليه وسلم هو عين ذات الله في الحقيقة وفي الوجود الخارجي هذا؟! وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو هو الله في الحقيقة؟!
أو قال: في مقام الجمع؟!

يعني: هو عين الذات في الشعور الذي يعتري الذاكر أحيانًا عندما يستغرق في الذكر ويندمج معه اندماجًا شديدًا، فإذا أفاق من هذا الشعور وهذا الاستغراق انتبه لحقيقة الوجود الخارجي وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس عين ذات، بل هو شيء غير ذات الله في الحقيقة، والمخلوق غير الخالق جلّ جلاله، فالعبد عبدٌ والربّ ربٌّ سبحانه وتعالى، لكل منهما وجود يليق به، فوجود الله وجود استغناء الرب الجليل العظيم، ووجود المخلوق وجود افتقار العبد الذليل لمولاه سبحانه.

فانظر كيف قاد جهلُ هؤلاء باصطلاحات الصوفية إلى غفلتهم عن هذا القيد المؤثر "في مقام الجمع" ثم تكفيرهم الإمام رضي الله عنه بسبب جهلهم!

كذلك ففي قوله:
"وهو عين الذات في مقام الجمع"
تشبيه بليغ، حذف أداة التشبيه ووجه الشبه.
والأصل: وهو كعين الذات في مقام الجمع.

ثم في قوله:
"فالقبضة المحمدية لما كانت من عين الذات"
(من) هنا الابتداء، وليست للتبعيض.
كما تقول: هذه صدقةٌ مني إليك.

أو أنها بمعنى الباء، فالمراد: لما كانت بعين الذات.
أي: مخلوقة مباشرةً بذات الله تعالى لأول وهلة، دون أن تنتقل من كونها مخلوقًا إلى كونها مخلوقًا آخر.
فليست كالسماء مثلًا كانت دخانًا ثم خلق من الدخان السماء.
ولا كجسد سيدنا آدم مثلًا خلق من طين.

بل هذه القبضة النورانية خلقها الله تعالى خلقًا مباشرًا بذاته من العدم دون توسط مادة كالطين والدخان ونحو ذلك.

وقوله:
"أطلق عليها الذات"
أي: على سبيل المجاز المرسل الذي علاقته السببية، فيطلق لفظ السبب وهو "الذات" ويريد المسبَّب وهو "المخلوق بالذات"

تقول العرب: "رعت الإبلُ الغيث."
والإبل لا ترعى الغيث بل ترعى العشب، لكن لما كان الغيث سببًا في إنبات العشب أطلق السبب وهو الغيث وأراد المسبَّب وهو العشب.

فهذا معنى قول ابن عجيبة:
"فالقبضة المحمدية لما كانت من عين الذات أطلق عليها الذات"
أي:
لما كانت بسبب عين الذات أطلق عليها الذات من باب إطلاق السبب وإرادة المسبَّب.

[٣]
وهناك موضع آخر مشكل أيضًا، يقول فيه ابن عجيبة رضي الله عنه:

"أظهر بقدرته قبضةً من نوره الأزلي"

وقد أشكل عليهم قوله: الأزلي.
كيف يكون النور مخلوقًا وإضافته إضافة تشريف وهو هنا يقول النور الأزلي؟

والجواب أن مراده بالنور هنا غير مراده بالنور في التعبير الأول، فالنور هنا هو الذات، و"من" ليست بمعنى التبعيض، بل هي بمعنى: الباء.
فيكون المعنى: أظهر بقدرته قبضةً بذاته.

لأن "من" هنا بمعنى الباء.
وإضافة النور إلى الضمير الذي مرجعه ذات الله تعالى هي إضافة بيانية.
أي: نورٌ هو ذات الله.

فيكون المعنى:
أظهر بقدرته قبضةً بذاته الأزلية.

وهذا الذي قلتُه ليس تعسّفًا ولا تخمينًا ولا ظنًّا، بل هو منصوص الأئمة رضوان الله عليهم الذين كفّرهم هؤلاء الجهلة!

يقول الإمام الدردير رضي الله عنه عمود المذهب المالكي وإمام الدنيا في عصره:

"فقبض قبضةً من نوره؛ أي: بذاته فـ(مِن) بمعنى: الباء ، والنور بمعنى: الذات، والاضافه للبيان، والمراد:
أبرزَه بقدرته من غير واسطةِ مادّةٍ، وهذا المقبوض.. هو المسمى بالنور المحمدي، وبروح الأرواح، وبالسر المحمدي، وبعرش الله الأكبر، وبآدم الأول، وبالأب الأكبر، وبالإنسان الكامل"

والدليل القاطع على أن ابن عجيبة لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم جزءٌ من الله، أنه لو كان جزءًا من الله تعالى -وحاشا الله أن يتجزأ- لكان قديمًا واجب الوجود غير مخلوق.
والقدرة لا تتعلق بواجب الوجود ولا مستحيل الوجود كما هو معلوم للمبتدئين في علم العقيدة، بل تتعلق بالممكنات.
فقول ابن عجيبة: "أظهر بقدرته قبضة" قاطعٌ في أنه يرى هذه القبضة مخلوقة، ولو كانت جزءًا من الله لما كانت مخلوقة فلما جاز أن تتعلق بالقدرة. فهذا أوضح دليل على فساد فهم أولئك الصبية التكفيريين.

وقد ضحكت ملء فمي وأنا أقرأ لأخفّهم عقلًا منشورًا كتب فيه: إن الإمام الدردير لا يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه مخلوق لأنه يعتقده جزءًا من الله غير مخلوق!

فسبحان الذي وزّع العقول على خلقه كيف شاء! أيدري هذا الجاهل السكران ماذا يقول؟!

ألم تقرأ أيها التكفيري قول الإمام الدردير في النبي صلى الله عليه وسلم:
"وَاسِطَةِ عِقْدِ النَّبِيِّينَ وَمُقَدِّمِ جَيْشِ الْمُرْسَلِينَ وَقَائِدِ رَكْبِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُكْرَمِينَ وَأَفْضَلِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ"

فنصّ على أنه أفضل الخلق أجمعين.

فكيف تزعم أنه لا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم مخلوقًا لأنه يعتقده جزءًا من الله؟! ثم تكفره بهذه الأوهام والخيالات؟!

ولعمري لو أن قاضيًا قرأ هذا الكلام فاعتبره دليلًا قاطعًا على أن كاتبه كان يعاقر الخمر قبل كتابته فأخذه من قفاه وأقام عليه الحدّ لما كان ملومًا ولا مذموما!

———————-

وختامًا فقد تبيّن لك وجهُ كلام الإمام ابن عجيبة ومعه الإمام الدردير والإمام الصاوي وجميع العلماء الذين كفرهم الأشقياء، مما نصّ عليه الدردير بنفسه نصًّا، لا مما تخيّلناه وتكلّفناه لهم.
ولم نحتج في تفسير هذا الكلام إلى شيء غير العلم بلغة العرب ومعاني حروف الجر، والعلم باصطلاح الصوفية لكلمة "مقام الجمع" مما نقلناه عن ابن القيم رضي الله عنه.

ولعلك قد علمت بعد هذه الرحلة الدسمة لمَ قال ابن القيم رضي الله عنه:
"والعارفون من القوم أطلقوا هذه الألفاظ ونحوها، وأرادوا بها معاني صحيحة في نفسها فغلط الغالطون في فهم ما أرادوه ونسبوهم إلى إلحادهم وكفرهم"

وإن الجهل باللغة العربية وطرائقها، والجهل باصطلاح الصوفية الذين نتعرض لكلامهم، هو الذي أوقع هؤلاء السفهاء في تكفير الإمام ابن عجيبة، وجعل أرذلهم ينفعل حتى كفّر معه سبعين وليًا من الأولياء وعالمًا من العلماء دون أن يغمض له جفن!
فجعل ينشر منشورات تلو المنشورات بطريقة هستيرية يحسب نفسه وقع على كنز، وما وقع المُسَيكين إلا على عنقه فدقّها لما عادى أولياء الله بجهله!
فليته اتّعظ بوعظ الذهبي لما قال: "وهو مقامٌ خَطِر، إذ القادِحُ في مُحِقِّ الصُّوفية داخلٌ في حديث: (مَن عادى لي ولِيًّا، فقد بارَزَني بالمُحارَبة)."

رزقنا الله وإياكم العلم بحقيقة أنفسنا، والوقوف عند حدّها، حتى لا نرهق بتبعة ولا معتبة.

وصلى الله وسلم على من منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار صلاة دائمةً دوام الليل والنهار وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار والحمد لله رب العالمين.

الحسن البخاري جزاه الله خيرا
الكيف على الله مستحيل والمقولة التي نسبت للإمام مالك رحمه الله:" والكيف مجهول" لا تصح عنه ولا عن غيره البتة. فعلى الذين استمروا الاستشهاد بمقولة: "والكيف مجهول" ان يعلموا انه يستحيل قولهم في حق الله تعالى لأن ظاهر هذه العبارة موهم للتشبيه، ولا يجوز لهم التمسك بعبارة مروية لا تصح. فالله تعالى لا يعقل له كيف، لأن في الكيف مشابهة وقد أفتى أهل العلم بتحريم الكلام في مثل هذه الأمور.. قال الإمام النووي:(676ه‍):«ويا ليت شعري ما الذي جمع اهل السنة والحق كلهم على وجوب الإمساك عن الفكر في الذات كما أمروا وسكتوا لحيرة العقل، واتفقوا على تحريم التكييف والتشكيل وأن ذلك من وقوفهم وإمساكهم غير شاك في الوجود والموجود، وغير قادح في التوحيد بل هو حقيقته ثم تسامح بعضهم بإثبات الجهة خاشيا من مثل هذا التسامح وهل بين التكييف وإثبات الجهات فرق»..( المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج. 25/5)
_فالتكييف مستحيل عليه تعالى وممتنع بالإجماع، لكن من يدعون السلفية يصرحون بأن لله تعالى كيفا إلا أن كيفه مجهول لديهم. والقول بالتكييف مجهول مدخل واسع للتشبيه والتجسيم، ولذلك وجدنا السلف الصالح يجري الالفاظ المهمه لتشبيه على ظاهر لفظها، لا على ظاهر معناها كما يزعم مدعوا السلفية. والإيمان بها على طريق الإجمال مع تنزيه الله تعالى عن الكيفية والتشبيه. وقد نقله الإمام البيهقي وغيره من الأئمه الأربعة والسفيانين،( سفيان الثوري161ه‍.و سفيان بن ه‍) والحمادين( حماد بن سلمة 167 ه‍. وحماد بن زيد 179ه‍،) والاوزاعي157ه‍.. والليث وغيرهم كثير....
. فكيف ومن أين علم من يدعون السلفية بأن لله تعالى كيف. ونظن أننا منزهين حين حينما نقول أننا نجهل كنه الذات، بل يجب أن ننفي عن الله عز وجل المعنى الظاهر، ولا نتفكر في ذات الخالق، لأن التفكر في الذات عبث ومهلكة وطلب للاكتناه، وهو مستحيل على العقل البشري، فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.« ليس كمثله شيء وهو السميع البصير»، فللعقل البشري حدود إذا جاوزها عجز وضل.
قال الإمام السيوطي: ( واعلم انه لا سبيل لك الى معرفة إياك كما إياك، فكيف لك السبيل الى معرفة إياه كما إياه؟؟ فكأنه في قوله"من عرف نفسه عرف ربه" علق المستحيل. لأنه مستحيل أن تعرف نفسك وكيفيتها وكميتها..
فإنك إذا كنت لا تطيق بأن تصف نفسك التي هي بين جنبيك بكيفية وأينية ولا بسجية ولا هيكلية ولا هي بمرئية، فكيف يليق بعبوديتك أن تصف الربوبية بكيف وأين وهو مقدس عن الكيف والأين).
قال ابو حامد الغزالي رحمه الله تعالى:
هو لا كيف ولا اين له.... وهو رب الكيف والكيف يحول.
وهو فوق الفوق لا فوق له.... وهو في كل النواحي لا يزول.
جل ذاتا وصفاتا وسما... وتعالى قدره عما تقول.
(الحاوي للفتاوى).
والله هو الكلام عن الشيخ ابن عربي ليس بجديد، ولا أحد أصلًا يتبنى معتقد الوحدة المطلقة بين الخالق والمخلوق من أتباعه ممن نعلمهم، والكل متفق على بطلان ظواهر هذا الكلام الموجود في الفصوص، وإنما الخلاف -والذي يتفرع عنه خلاف العلماء فيه- إلى نسبة الرمزية إليه، فمن قال أنه كان يكتب كتابةً رمزية تأول له، ومن هؤلاء الشيخ عبد الغني النابلسي في شرح الفصوص، ومن نسب إليه الظاهر فهو أحد اثنين، إما قائل بالدس، وهي دعوى اشتهرت لدى الإمام الشعراني، أو ينسب له بلا دس ولا رمزية وهؤلاء كفروه، ولكن هؤلاء العلماء بسائر أصنافهم عملوا بمقتضى تكليفهم الفقهي والعلمي، فلم ينشروا المسألة للعامة يلعبون فيها بأسماء العلماء وينزلونهم مقام الرعاع، لكن في زمن الفسقة توقع كل شيء.
منقول بنصه
مختصر الكلام حول صفة الكلام: ✍🏻
مسألة الكلام قد اضطربت أقوال العلماء فيها وهي صعبة المسالك بعيدة المدارك، ولذلك كثرت فيها المقالات وعظمت فيها الجهالات. حتى قيل: إنما سمي علم العقائد بعلم الكلام لأن مسألة الكلام أشهر مباحثه وأكثرها نزاعا وجدالا.
✍🏻 ذهب السادة الأشاعرة والماتريدية إلى أن كلام الله تعالى القديم القائم بذاته تعالى هو الكلام النفسي المعبر عنه بالعبارة او الكتابة أو الإشارة ليس بحرف ولا صوت، وهو به آمر ناه مخبر منزها عن التقدم والتأخر والإعراب والبناء منافيا للسكوت والعجز والآفة والخرس والطفولية وأما الكلام اللفظي الحادث فهو أصوات، وحروف غير قائمة بذاته تعالى.(الغزالي~ الاقتصاد في علم الاعتقاد صفحه 74)
✍🏻 اتفق أبو الحسن الأشعري مع ابن كلاب ان كلام الله تعالى أزلي قائم به، لكن اختلفوا في وصفه في الأزل، بكونه أمرا ونهيا ومخاطبة وتكلما.
قال الإمام الآمدي رحمه الله تعالى:«لكن اختلفوا في وصف الكلام لله تعالى في الأزل بكونه أمرا ونهيا ومخاطبة وتكلما»
فأثبت ذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى، ونفاه الإمام ابن عبد الله بن سعيد بن كلاب وطائفة كثيرة من المتقدمين مع اتفاقهم على وصفه تعالى بذلك فيما لا يزال.
(الآمدي- أبكار الأفكار- جزء01.. صفحه 265).
ومما نقله الاشعري عن ابن كلاب أنه قال:
«إن الله لم يزل متكلما والكلام من صفات النفس كالعلم والقدرة»(الأشعري~ مقالات الإسلاميين جزء02.. صفحه 380).
وقوله:«ان كلامه قائم به كما أن العلم قائم به والقدرة قائمة به».(الأشعري~ مقالات الإسلاميين.. جزء02.. صفحه 421).
✍🏻 إذن كلام الله تعالى عند ابن كلاب هو معنى قائم بالنفس يعبر عنه بالحروف..(الأشعري مقالات الإسلاميين جزء02.. صفحه 432).
ورأت المعتزلة أن كلام الله تعالى هي أصوات وحروف حادثة يخلقها الله تعالى في غيره، وهي غير قائمة بذاته..
(البيجوري.. تحفة المريد.. صفحه 71- القاضي عبد الجبار.. شرح الأصول الخمسة… صفحة 357).

✍🏻عرَّف أهل السنة والجماعة أن الكلام هو صفه أزلية قائمة بذاته تعالى، وهي المعنى القديم القائم بالذات المعبر عنه بالعبارات المختلفات المباين لجنس الحروف والأصوات المنزّه عن البعض والكل والتقديم والتأخير والسكوت واللحن والإعراب والزيادة والنقصان وسائر التغيرات لاختصاص ذلك بالحروف، ولو كانت الحروف في كلامه لكان أبكم. لأن الناطق بالحروف في حال نطقه به أبكم عن غيره من الحروف، وذلك لا يكون إلا للحادث، والعبارات المختلفات كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان وهي مختلفة العبارة لكن مدلولها واحد، والمعنى الأزلي القائم بذاته تعالى، وإنما اختلفت أسماؤها بحسب اللغات التي نزلت بها، فإن نزل ذلك المعنى بلغة العرب سمي فرقانا وقرآنا وذكرا، وإن نزل بلغة العبرانية سمي توراةً،وإن نزل بلغة داود سمي زبورا..وليست هذه العبارة عين كلامه بل دالة عليه لأنها بالحروف والأصوات، ولا شك في حدوثهما لأنهما من خواص الحوادث..
✍🏻 كما قال أبو الحجاج الضريري في عقيدته:
قراءة الخلق الصفات لهم...فواجب حدوثها مثلهم.
وقوله المقروء من صفاته... فواجب قدمه كذاته.
وهذه الحروف والأصوات... دلائل عليه موضوعات.
✍🏻 والمراد بقوله تعالى: «وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدثٍ».. أنه محدث الإتيان لا محدث العين. فحدث علمه عندهم حيث سمعوه. كما تقول: حدث اليوم عندنا ضيف. ومعلوم أنه موجود قبل أن يأتي، فله الحدوث من وجه والقدم من وجه.(ذكره في اليواقيت)..
✍🏻ونقل عن الإمام علي الخواص في تفسير قوله تعالى: «والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء..» وليس هو بالماء. كذلك حكم من يسمع كلام الله يحسبه بحرف وصوت، وليس في نفس الأمر بصوت ولا حرف، فكما أن الظمآن إذا جاء السراب لم يجده ماء كما كان يظن، كذلك من سمع كلام الله بصوت او حرف اذا كُشف عنه الغطاء لم يجده بحرف ولا بصوت كما سمعه.
(حاشية الدسوقي …صفحه 115).
✍🏻 فاعلم أن صفة كلامه عز وجل قديمة واجبة القدم والبقاء، متعلقة بجميع ما تعلق به العلم، وكنهه محجوب عن العقل إذ لا مثل له لا عقليا ولا وهميا ولا خياليا ولا موجودا ولا مقدرا، وذلك كذات العلية، وسائر صفاته السنية، ويستحيل ان يحل في شيء من ولا غيرها لاستحالة مفارقته للذات ولسلامته من الحروف وسائر ما تقدم، لكن لما كانت حروف القرآن دالة على كلامه تعالى أطلق عليه أنه كلام الله من باب تسمية الدال باسم المدلول.
وذلك كقول عائشة رضي الله عنها:«ما بين دفتي المصحف كلام الله»..(أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن).
فهو موجود في الدال عليه وكتلاوة اللسان وكلام الجنان وكتابة البنان فهما وعلما، لا حلولا.. لأن الشيء له وجودات أربع. "وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان ووجود في اللسان ووجود في البنان."..
✍🏻 إذا عرفت هذا في مذهب أهل الحق حول كلامه تعالى، علمت أنه ليس معنى (( وكلَّم الله موسى تكليما)) أنه ابتدأ الكلام له بعد أن كان ساكتا، وأنه بعدما كلَّمه انقطع كلامه وسكت تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.. وإنما المعنى أنه تعالى أزال المانع عن موسى عليه السلام، وخلق له سمعًا وقوةً، حتى أدرك به كلامه القديم، ثم منعه بعد، ورده الى ما كان عليه قبل سماع كلامه، وهذا معنى كلامه لأهل الجنة.
قال مالك الصغير: ابن أبي زيد القيرواني في مقدمة الرسالة : ... وأنه فوق عرشِه المجيدُ بذاتِه وهو في كل مكان بعلمه...

يلبس المشبهة بهذه العبارة ليوهموا الناس بأن ابن ابي زيد رحمه الله يثبت لله فوقية حسية على العرش كما يقولون

فنقول : معلوم من الدين بالضرورة أن الله كان و لم يكن شيء غيره ثم خلق القلم و خلق بعده المخلوقات
و معلوم من الدين بالضرورة أن الله لا يتصف بصفة حادثة

و هذا الذي نص عليه ابن ابي زيد القيرواني في أول رسالته فقال : "وله الأسماء الحسنى والصفات العلى. لم يزل بجميع صفاته وأسمائه. تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة "

ففوقية الله على العرش يستحيل أن تكون صفة حادثة و العرش حادث فتكون فوقية معنوية لأن الفوقية الحسية توجب قطعا أنه لم يكن فوقه ثم بعد خلقه صار فوقه و هذا باطل كما نص عليه مالك الصغير

ويزيد لها إضافة لفظ "بذاته " فهذه الفوقية فوقية ذاتية و مقابل الذاتي هو العرضي

و الفوقية الحسية تقتضي وجود أمران ذات الله و العرش فهي عرضية و ليست ذاتية

و الخلاصة الفوقية التي يعنيها ابن ابي زيد القيرواني هي فوقية معنوية كما نص عليها أهل السنة جميعا خلافا للمجسمة لأنه إن قال بالحسية لزم التناقض في كلامه بوصف الله بصفة حادثة و حاشاه أن يقولها و هو عالم القيروان الذي شهد له كبار علماء الأمة بالعلم و منهم إبن رشد الجد حيث شهد له بمعرفة أصول الدين التي إختص بمعرفتها الأشعرية و نص على أن ابن ابي زيد القيرواني لم يخالف الأشعرية.. والله الموفق
#انتقاص الصحابة طعن في الدين إذ هم من نقلوه لنا وبلغونا إياه
- أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسي الهمذاني، حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: سمعت أبا جعفر أحمد بن عبدل يقول: سمعت أحمد بن محمد بن سليمان التستري يقول: سمعت أبا زرعة يقول: " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة " .
- وأبو زرعة هو عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، من موالي بني مخزوم، كان أحد أعلام الأئمة. قال عنه الإمام أحمد: ما جاز الجسر أحفظ من أبي زرعة. وقال الإمام أبو حاتم: إن أبا زرعة ما خلف بعده مثله. توفي سنة 264.
** إن الطاعن في الصحابة ، ودون أن يظهر عداءه للإسلام ، يسعى لتهديم الإسلام في أصوله ، من حيث إن القرآن نقله لنا الصحابة والسنة قد حفظوها ونقلوها كذلك ، فطعن الناقل طعن بالمنقول بداهة !!
هل هناك دليل على تزوير كتاب الإبانة للأشعري؟
كتاب الإبانة الذي ألفه الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى ليس هو الكتاب المتداول بين أيدي الناس اليوم من المطبوع، والتي عبثت به مطابع المجسمة أدعياء السلفية الكاذبة..!
والإبانة الذي ألفه إمامنا أبو الحسن الأشعري رحمه الله كان موافقا لمعتقد أهل السنة والجماعة و الذي نقل فيه معتقد السلف الصالح وعقيدتهم التي أجتمعوا عليها..
فقد جاء في مقدمة كتاب (تبيين كذب المفتري) تعليق للإمام الكوثري حيث قال:
"والنسخة المطبوعة في الهند من الإبانة نسخة مصحَّفة محرفة تلاعبت بها الأيدي الأثيمة، فيجب إعادة طبعها من أصل موثوق".
انتهى كلام الكوثري.
فهل هناك ما يؤكد أن الكتاب دخله تحريف وتزوير؟
نعم شاء الله عز وجل في سابق علمه أن يكشف هذه الحقيقة ويفضح هذه الطريقة التي أتبعها المجسمة في تزوير كلام إمام أهل السنة..
فقد ألهم الله حافظ دمشق ومحدثها
الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى :أن ينقل في كتابه تبيين كذب المفتري( الذي ألفه للدفاع عن الإمام الأشعري) فصلين من الإبانة الأصلية التي كانت في زمانه لتكون شاهده على تزوير المجسمة وتلاعب الأيدي الآثمة بها.
عند مقارنة كتاب الإبانة المطبوعة المتداولة
وطبعة الدكتورة فوقية ( وهي نسخة محققة من أربع مخطوطات للكتاب محفوظة في اماكن مختلفة من العالم)، مع الفصلين المنقولين عند ابن عساكر يتبين بوضوح قدر ذلك التحريف الذي جرى على هذا الكتاب.
وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
1_ جاء في الإبانة المطبوعة ص 16 ما نصُّه :
"وأنكروا أن يكون له عينان مـع قوله تجري بأعيننا"
وعند ابن عساكر ص 157:
"وأنكروا أن يكون له عين"
2_ جاء في الإبانة المطبوعة ص 22 ما نصُّه:
"وأن له سبحانه عينين بلا كيف"
وعند ابن عساكر ص 158 :
"وأن له عيناً بلا كيف"
3_ جاء في الإبانة المطبوعة ص 69 ما نصُّه:
"إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟
قيل له نقول: إن الله عز وجل مستوٍ على عرشه كما قال (الرحمن على العرش استوى) "
بينما جاء في طبعة الدكتورة فوقية ص 105:
"نقول إن الله عز وجل استوى على عرشه استواءً يليق به من غير حلول ولا استقرار"
فالعبارة الأخيرة محذوفة من الطبعة المتداولة!!
4_ جاء في الإبانة المطبوعة ص 73 ما نصُّه:
"فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستوٍ على عرشه، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض، فدل على أن الله تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه" .
بينما جاء في طبعة الدكتورة فوقية ص 113:
"فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه استواءً منزهاً عن الحلول والاتحاد".
5_ جاء في الإبانة المطبوعة ص 57 ما نصُّه:
"وذكر هارون بن إسحاق قال سمعت إسماعيل بن أبي الحكم يذكر عن عمر بن عبيد الطنافسي أن حمّاداً بعث إلى أبي حنيفة: إني بريء مما تقول، إلا أن تتوب. وكان عنده ابن أبي عقبة، قال، فقال:
أخبرني جارك أن أبا حنيفة دعاه إلى ما استتيب منه بعد ما استتيب. وذكر عن أبي يوسف قال: ناظرت أبا حنيفة شهرين حتى رجع عن خلق القرآن) اهـ
بينما جاء في كتاب الاعتقاد للبيهقي ص 112ما نصه:
"روّينا عن محمد بن سعيد بن سابق أنه قال :
سألت أبا يوسف فقلت :
أكان أبو حنيفة يقول القرآن مخلوق؟
فقال : معاذ الله، ولا أنا أقوله.
فقلت : أكان يرى رأي جهم؟
فقال : معاذ الله، ولا أنا أقوله. رواته ثقات" اهـ
هذه بعض الشواهد التي تدل على التزوير والتدليس وتلاعب الأيدي الخبيثة في كتاب الأبانة!
والغرض من تزوير الأبانة هي محاولة تسويق
فكرة أن الإمام رجع عن معتقده في آخر حياته!
وهذه الحقيقة باطلة من ثلاث وجوه :
الأولى :
ان كتاب الأبانة قد ألفه الإمام الأشعري عند دخوله بغداد وهو من أوائل الكتب التي ألفها الإمام في حين كان كتاب اللمع من آخر ما ألفه..
والمجسمة وأدعياء السلفية يعكسون الحقيقة ويقولون ان الأبانة آخر ما ألفه الأشعري.!
الثانية :
لم ينقل أحد من تلاميذ الإمام او من تلاميذ تلاميذه انه رجع عن معتقده لمعتقد آخر، والإمام شخصية يشار إليها بالبنان، ولايمكن ان يكون رجوعه أمرا ثانويا او خافيا على أحد!
الثالث :
عقول المجسمة السخيفة لم تقدر على الرد
ومقابلة الحجة بالحجة فلم يكن امامهم غير التزوير والتلاعب بالكتب، وخاصة في زماننا...
فالكتب المطبوعة في مطابعهم
يتم تزويرها وتتعرض بأستمرار
لبعض الحذف والبتر..
ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم.
نموذج للفهم السطحي والاعتقاد الباطل..!نسأل الله أن يهديه..
"وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"
يقول الإمام الطبري: وله ملك كل شيء, لأنه لا شيء من خلق الله إلا وهو ساكنٌ في الليل والنهار.
يقول الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي شيخ المحدثين والشافعية في عصره:
وإذا قال الكافر: ‌لا ‌إله ‌إلا ‌ساكن ‌السماء، لم يكن مؤمنا، لأن سكان السماء الملائكة وإن قال: لا إله إلا الله ساكن السماء كان هذا زيادة كفر منه، لأن السكن غير جائز على الله تعالى واحتظار الأمكنة ليس من صفاته، وإن قال: لا إله ما خلا الله أو لا إله سوى الله، أو لا إله غير الله، أو لا إله ما عدا الله، أو لا إله حاش الله، فهذا كله بمنزلة أن يقول: لا إله إلا الله، وهكذا إن قال: من إله إلا الله، أو ما في إله إلا إله واحد(المنهاج في شعب الإيمان)
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري:
أَيْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ أَوْ ‌لَا ‌إلَهَ ‌إلَّا ‌سَاكِنُ ‌السَّمَاءِ أَوْ إلَّا اللَّهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ السُّكُونَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
(أسنى المطالب )
مسألة التفويض والتأويل:
التفويض شرعا: رد العلم بهذه المتشابهات الى الله تعالى وعدم الخوض في معناها وذلك بعد تنزيه الله تعالى عن ظواهرها غير المرادة للشارع.
التأويل شرعا: صرف اللفظ عن الظاهر بقرينة تقتضي ذلك.
_وهذان المذهبان هما المذهبان المعتبران المأثوران عن أهل السنة والجماعة في أبواب المتشابه ولاعتبار لمن جنح إلى التعطيل أو التشبيه من المذاهب الأخرى التي رفضتها الأمة…
وهذه النصوص المتشابهة في الصفات إما أن تثبت أو تنفى، ونفيها تعطيل ظاهر لأنه نفي لما أثبت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما الإثبات فإما أن يكون معه حمل الكلام على ظاهره وحقيقته التي يعهدها البشر، أو أن يصرف الكلام معه عن هذا الظاهر وهذه الحقيقة.
ولا يقال: نحملها على الظاهر ونفوض العلم بالكيفية إلى الله تعالى لأن هذه الكيفية التي فوض العلم بها إلى الله تعالى هي ذاتها المعنى الذي زعموا إثباته لأن معاني هذه الألفاظ كيفيات فإن أثبت المعنى فقد أثبت الكيفية وإذا فُوّضت الكيفية فقد فوّض المعنى.
✍️ بهذين المذهبين تنحصر القسمة الصحيحة في هذه القضية، لهذا نرى العلماء ينصّون عندما يعرض لهم شيء من هذه المتشابهات على أنه (إما تفويض وإما تأويل). إذ ليس بعدهما إلا التشبيه أو التعطيل.
قال صاحب الجوهرة الإمام إبراهيم اللقاني رحمه الله تعالى:
وكل نص أوهم التشبيها... أوله أو فوض ورم تنزيها.
✍️مذهب جمهور السلف التفويض والمذهب في هذا عند أهل العلم من الائمة:"مالك من انس وسفيان الثوري وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم" أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف.
فقوله: (نؤمن بها) هذا إثبات لها وبه يفارقون أصحاب التعطيل وقوله: (ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف) تفويض لله تعالى في معانيها. وقوله: (ولا يقال كيف) أي بلا استفسار من معانيها،أو تعيين المراد بها، وبه يفارقون أصحاب التشبيه.
وروى الخلال عن الإمام أحمد رضي الله عنه بسند صحيح:(نؤمن بها ونصدق ولا كيف ولا معنى).
وروى الإمام الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى بسنده عن الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى (الاعتقاد صفحة 93) قال: «كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه». قال الإمام عدي بن مسافر رحمه الله تعالى (اعتقاد اهل السنة والجماعة)…
«وتقرير مذهب السلف كما جاء من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا حمل على الظاهر».
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ( المجموع واحد صفحة 25) اختلفوا في آيات الصفات وأخبارها، هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟.. فقال قائلون: تتأول على ما يليق بها، وهذا أشهر المذهبين للمتكلمين.
وقال آخرون: لا تتأول بل يمسك عن الكلام في معناها ويوكّل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى وانتفاء صفات الحوادث عنه، فيقال مثلا: نؤمن بأن ((الرحمن على العرش استوى))، ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به، مع أننا نعتقد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن الحلول وسمات الحدوث، وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم وهي أسلم.
فإن أي لفظ يدل في حقيقته على شيء من الجسمانيات والكيفيات متى ما جُهل معناه كان السؤال عن المراد منه بكلمة "كيف".. وفي حديث فضل عيادة المريض الذي أخرجه مسلم، ما يدل على هذا، وذلك حين يقول الله تعالى لعبده: (مرضت فلم تعدني.. استطعمتك فلم تطعمني.. استسقيتك فلم تسقني..) كل ذلك والعبد يقول: "ربي كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!.. ربي كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!.. ربي كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟!..، فهو لم يفهم المعنى المراد من اللفظ بعد ان استحالت حقيقته في عقله، فسأل بـ " كيف؟ " عن المعنى المراد لا أنه أثبت حقيقة المرض والاستطعام والاستسقاء لله تعالى لكنه لم يعلم كيفية لها ولم يثبت كيفية كذلك، وكان سؤاله بكيف استنكار لا استفهام..لأن الله تعالى لا يُطعم ولا يُسقى.. ليس كمثله شيئ...
فعندما يقال في جواب السائل:"بلا كيف" يفهم منه أنه "بلا معنى" لأن لفظ ال "كيف" هنا مستفهم به عن المعنى، وبنفيه ينتفي المعنى المستفهم عنه به،فهو من قبيل نفي الملزوم من طريق نفي اللازم فالكيف لازم للمعنى الظاهر وبنفيه نفي للمعنى الظاهر، من هنا يتبين مراد السلف بقولهم:"بلا كيف"، ومنه تعلم أن ينسب للسلف إثبات المعاني الحقيقية لهذه الألفاظ والتفويض في كيفياتها يَنسب لهم التشبيه من حيث لا يدري.
إذ لا يعقل أنهم كانوا يسمعون مثلا قوله تعالى: «يد الله فوق ايديهم» أو «بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» أو «الرحمن على العرش استوى» أو «ثم استوى إلى السماء» أو «يوم يكشف عن ساق» أو قوله صلى الله عليه وسلم:«يضحك ربنا» أو «ينزل ربنا» أو «يعجب ربنا»..... الخ.
ثم لا يفهمون من كل ذلك أي معنى، كما هو الحال مع الحروف التي في فواتح السور، كلا، فإن هذه الألفاظ لها في لغة العرب معانٍ مجازية معروفة ومشهورة لا شكّ أن السلف فهموها إجمالا، ولكنهم لفرط تقواهم وخشيتهم لله تعالى وتهيبهم لذلك المقام الأقدس، ثم لعدم الاضطرار إلى التعيين لأحد المعاني لخلو عصرهم من المبطلين الذين يحملون كلام الله تعالى وكلام رسول لله صلى الله عليه وسلم على وجوه فاسدة لا تحتملها لغة العرب وتتنافى مع التقديس والتنزيه؛ لهذا وذاك أحجموا عن التعيين والتصريح واكتفوا بهذا الفهم الإجمالي لها، وصرّح بها الخلق بعدهم (أي بالتأويل) لأنهم اضطروّا لما اقتضى ذلك وحتمه عليهم.

لذلك إذا سمعت في عبارات بعض السلف.. "إننا نؤمن بأن له تعالى وجها لا كالوجوه، ويدا لا كالأيدي.." فلا تظن أنهم أرادوا أن ذاته العلية منقسمة الى أجزاء وأبعاض فجزء منها يد وجزء منها وجه! غير أنه لا يشابه الايدي والوجوه التي للخلق!! حاشاهم من ذلك وما هذا إلا التشبيه بعينه وإنما أرادوا بذلك أن لفظ الوجه واليد قد استعمل في معنى من المعاني وصفة من الصفات التي تليق بالذات العلية كالعظمة والقدرة، غير أنهم يتورعون عن تعيين تلك الصفة تهيّبا من التهجم على ذلك المقام الأقدس.(أهل السنة والجماعة شهادة علماء الأمة وأدلتهم.. ص144.145.146..)
فهو اشتراك في اللفظ لا في المعنى كقولك أن سميع لقول المعلم، فهذا لفظا يشترك مع قول الله تعالى وصفته أنه سميع، لكن ليس في ذلك أي تشابه في المعنى أو أي وجه آخر ولا حتى مجهولاً...
✍️فحقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام.. الخلق يجب فيه سبعة أمور: التقديس، التصديق، الاعتراف بالعجز، السكوت، الإمساك، الكف، التسليم لأهله.
1- التقديس: تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها.
2- التصديق: فهو الإيمان بما قاله صلى الله عليه وسلم، وأن ما ذكره حق، وهو فيما قاله صادق، وانه حق على الوجه الذي قاله وأراده.
3- الاعتراف بالعجز: فهو ان يقرّ بأن معرفة مراده ليس على قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.
4 - السكوت: فأن لا يسأل عن معناه، ولا يخوض فيه، ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه.
5- الإمساك: ألا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى، والزيادة فيها، ولنقصان منه، والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه، من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة.
6- الكف: أن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكير فيه.
7- التسليم لأهله: ألا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه، فقد خفي على الرسول صلى الله عليه وسلم أو على الأنبياء أو على الصديقين والأولياء.
يقول الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم.. فنهاهم الله عز وجل؛ إعظاما لنبيه ﷺ فقال: قولوا: يا نبي الله، يا رسول الله. (وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير).

وقال مقاتل: لا تسموه إذا دعوتموه: يا محمد، ولا تقولوا يا بن عبدالله، ولكن عظموه وشرِّفوه، وقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله.

وقال قتادة: أمر الله تعالى أن يُهاب نبيه ﷺ، وأن يُبَجَّل، وأن يُعظَّم، وأن يُسوَّد. -أي: تقولوا سيدنا-.

وقال مالك عن زيد بن أسلم: أمرهم أن يشرفوه.
وقد صرح أئمتنا بحرمة ذلك -ندائه باسمه ﷺ-.
وذلك لما في في النداء بالاسم من ترك التعظيم؛ إذ مثله يقع من بعضنا لبعض، وقد قال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾.
قال أئمتنا: وإنما يُنادى بنحو: يا نبي الله، يا رسول الله، فقول الزين المراغي: (الأولى لمن عمل بالأثر أن يقول الله: يا رسول الله).. وهمٌ، بل الصواب: أن ذلك واجبٌ، لا أولى.
والكنية كالاسم.. فيحرم النداء بها أيضًا.

[ابن حجر الهيتمي]
الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية المحمدية وهم الصحابة ومن تبعهم في أصول الاعتقاد، وإنما سموا بالأشاعرة نسبة للإمام الجليل أبي الحسن الأشعري، وسموا بالماتريدية نسبة للإمام أبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما . كما سمي أتباع الشافعي بالشافعية، وأتباع أبي حنيفة بالحنفية ، وأتباع مالك بالمالكية وأتباع أحمد بالحنابلة، وكلٌّ أهل السنة والجماعة وفي أصول العقائد متحدون

قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {المائدة:54}

أخرج الحافظ ابن عساكر فى تبيين كذب المفترى والحاكم فى المستدرك " لما نزلت: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم قومك يا أبا موسى) وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري" اهـ. وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ورواه الإمام الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم كذلك، وابن سعد في طبقاته والطبراني في معجمه الكبير وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجالُه رجالُ الصحيح.

قال القشيرى: فأتباع أبى الحسن الأشعرى من قومه لأن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به الأتباع، قاله القرطبى فى تفسيره (ج6/220) .

وقال البيهقى: وذلك لما وجد فيه من الفضيلة الجليلة والمرتبة الشريفة للإمام أبى الحسن الأشعرى رضى الله عنه فهو من قوم أبى موسى وأولاده الذين أوتوا العلم ورزقوا الفهم مخصوصاً من بينهم بتقوية السنة وقمع البدعة بإظهار الحجة ورد الشبهة ".ذكره ابن عساكر في تبيين كذب المفتري.

وذكر الإمام البخاري في صحيحه باب " قدوم الأشعريّين وأهل اليمن وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم هم منّي وأنا منهم" اهـ.

ولما نزلت هذه الآية قدم بعد ذلك بيسير سفائن الأشعريين وقبائل اليمن فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا الايمان يمان والحكمة يمانية .."

وأخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن الحصين أن النبي أتاه أناس من بني تميم فقال عليه الصلاة والسلام: "اقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا بشرتنا فأعطنا مرتين فتغير وجهه - أي للأسف عليهم كيف ءاثروا الدنيا-، فجاءه أناس من أهل اليمن فقال:" يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم " قالوا: قد قبلنا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، قال: "كان الله ولم يكن شىء غيره". أي كان الله في الأزل ولم يكن مكان ولا زمان ولا جهة ولا عرش ولا سماء ولا جسم ولا حركة ولا سكون ولا مخلوق ثم خلق الله الخلق ، وبعد خلقه الخلق لازال كما كان ، فهو سبحانه موجود بلا كيف ولا مكان ولا جهة.
ونحن نحمد الله تعالى على هذه العقيدة السنية التى نحن عليها والتى كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ، والتى مدحَ الرسول صلى الله عليه وسلم معتنقها ، فقال فيما رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني والحاكم بسند صحيح : " لَتُفْتَحَنَّ القسطنطينية فلنِعم الأمير أميرها ولنِعم الجيش ذلك الجيش" ، ولقد فتحت القسطنطينية بعد تسعمائة عام، فتحها السلطان محمّد الفاتح الماتريدي رحمه الله ، وكان سنيّاً يعتقد أن الله موجود بلا مكان ويحب الصوفية الصادقين ويتوسل بالنبىّ صلى الله عليه وسلم .

والسلطان محمد الفاتح والجيش الذي كان معه كانوا ماتريدية أشعرية وقد شهد لهم الرسول بأنهم على حال حسن . وكذا سائر السلاطين العثمانيين الذين ذبّوا عن بيضة المسلمين وحموا حمى الملّة قرونًا متتالية.

وعلى هذا الاعتقاد مئات الملايين من المسلمين سلفًا وخلفًا في الشرق والغرب تدريسًا وتعليمًا ويشهد بذلك الواقع المُشاهَد، ويكفي لبيان حقّية هذا كون الصحابة والتابعين وأتباع التابعين (وهم السلف الصالح) ومن تبعهم بإحسان على هذه العقيدة، فممن تبعهم بإحسان :
ومنهم الوزير المشهور نظام الملك والسلطان العادل العالم المجاهد صلاحُ الدين الأيوبي رحمه الله فإنّه أمر أن تذاع أصول العقيدة على حسب عبارات الأشعري على المنائر قبل أذان الفجر، وأن تُعلّم المنظومة التي ألّفها لهُ محمد بن هبة البرمكي للأطفال في الكتاتيب، ومما جاء فيها:
وصانع العالم لا يحويه
قطر تعالى الله عن تشبيه
قد كان موجودا ولا مكانا
وحكمه الآن على ما كانا
سبحـانه جلَّ عن المكان
وعزَّ عن تغيـر الزمـان
فقد غـلا وزاد في الغلو
من خصـه بجـهة العلو
وهذه العقيدة تدرس في جامعة الأزهر في مصر وفي جامعة الزيتونة في تونس بل وسائر المغرب العربي، وكذا في أندنوسيا وماليزيا وباكستان وتركيا وبلاد الشام والسودان واليمن والعراق والهند وإفريقيا وبخارى والداغستان وأفغانستان وسائر بلاد المسلمين .

ومنهم الملك الكامل الأيّوبي والسلطان الأشرف خليل بن المنصور سيف الدين قلاوون، بل وكل سلاطين المماليك.
بعض أسماء علماء الأمة الأشاعرة:

قال الإمام قاضي القضاة الحافظ تاج الدين السبكي في كتابه معيد النعم ومبيد النقم ص75 {وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة، ولله الحمد في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة والجماعة أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الإعتزال ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم وبرّأ الله المالكية فلم نر مالكيا إلا أشعري عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعرية هي ما تضمّنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة} انتهى

أبو إسحاق الإسفرايينيّ / أبو نُعَيم الأصبهانيّ/ الشيخ أبو محمد الجوينيّ / عبد الملِك أبو المعالي الجوينيّ/ أبو منصور التماميّ / الإسماعيليّ/ البيهقيّ /الدارقطنيّ / الخطيب البغداديّ/ أبو القاسم /القشيريّ وابنه أبو النصر/ أبو إسحاق الشيرازيّ/ نصر المقدسيّ/ الإمام الغزاليّ/ الفراوي
أبو الوفاء ابن عقيل الحنبليّ/ الدمغانيّ / الإمام أبو الوليد الباجيّ/ أحمد الرفاعيّ/ أبو القاسم ابن عساكر
السِّلافيّ/ القاضي عياض المالكيّ/ الإمام النوويّ/ الإمام فخر الدين الرازيّ/ القرطبيّ/ عزُّ الدين ابن عبد السّلام / أبو عمروِ ابن الحاجب/ القاضي ابن دقيق العيد/ الإمام علاء الدين الباجيّ / تقي الدين السّبكيّ/ العلائيّ/ زين الدين العراقيّ/ ابن حجر العسقلانيّ/ الإمام مرتضى الزبديّ/ زكريا الأنصاريّ
بهاء الدين الرواس/ وليّ الله الدهلويّ/ محمّد عليش المالكيّ/ الشيخ عبد الله الشرقاويّ/ أبو المحاسن القاوقجيّ/ الإمام حسين الجسر الطرابلسيّ وغيرهم كثير
من أهل التفسير وعلوم القرآن
القرطبي وابن العربي والرازي وابن عطية والمحلي والبيضاوي والثعالبي وأبو حيان وابن الجزري والزركشي والسيوطي والآلوسي والزرقاني والنسفي والقاسمي وغيرهم كثير

من أهل الحديث وعلومه:

الحاكم والبيهقي والخطيب البغدادي وابن عساكر والخطابي وأبو نعيم الأصبهاني والقاضي عياض وابن الصلاح والمنذري والنووي والعز بن عبد السلام والهيثمي والمزي وابن حجر وابن المنير وابن بطال وشراح الصحيحين , وشراح السنن , والعراقي وابنه وابن جماعة والعيني والعلائي وابن فورك وابن الملقن وابن دقيق العيد وابن الزملكاني والزيلعي والسيوطي وابن علان والسخاوي والمناوي وعلي القاري والبيقوني واللكنوي والزبيدي وغيرهم كثير

من أهل الفقه وأصوله:

فمن الحنفية: ابن نجيم والكاساني والسرخسي والزيلعي والحصكفي والميرغناني والكمال بن الهمام والشرنبلالي وابن أمير الحاج والبزدوي والخادمي وعبد العزيز البخاري وابن عابدين والطحطاوي وغيرهم كثير

ومن المالكية: ابن رشد والقرافي والشاطبي وابن الحاجب وخليل والدردير والباقلاني والدسوقي وزروق واللقاني والزرقاني والنفراوي وابن جزي والعدوي وابن الحاج والسنوسي وابن عليش والعز بن عبدالسلام وغيرهم كثير

ومن الشافعية: الجويني وابنه والرازي والغزالي والآمدي والشيرازي والاسفرائيني والمتولي والسمعاني وابن الصلاح والنووي والرافعي وابن الرفعة والأذرعي والإسنوي والسبكي وابنه والبيضاوي والحصني وزكريا الأنصاري وابن حجر الهيتمي والرملي والشربيني والمحلي وابن المقري والبجيرمي والبيجوري وابن القاسم وقلوبي وعميرة والغزي وابن النقيب والعطار والبناني والدمياطي وآل الأهدل وغيرهم كثير

من أهل التواريخ والسير والتراجم:

القاضي عياض والمحب الطبري وابن عساكر والخطيب البغدادي وأبو نعيم الأصبهاني وابن حجر والمزي والسهيلي والصالحي والسيوطي وابن الأثير وابن خلدون والتلمساني والصفدي وابن خليكان وغيرهم كثير

ومن أهل اللغة:

الجرجاني والغزويني وابن الأنباري والسيوطي وابن مالك وابن عقيل وابن هشام وابن منظور والفيروزآبادي والزبيدي وابن الحاجب والأزهري وأبو حيان وابن الأثير والجرجاني والحموي وابن فارس والكفوي وابن آجروم والحطاب والأهدل وغيرهم كثير

ومن القادة:

نورالدين الشهيد وصلاح الدين الأيوبي والمظفر قطز والظاهر بيبرس وسلاطين الأيوبيين والمماليك, والسلطان محمد الفاتح وسلاطين العثمانيين وغيرهم كثير
والحمد لله رب العالمين، والعزة للإسلام، والله تعالى أعلم وأحكم


وليس مُرادنا بما ذكرنا إحصاء الأشاعرة والماتريدية فمن يُحصي نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء ؟

فالأشعرية والماتريدية هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية. لان عامة الأمة المسلمة وعلماءهم منهم ولا يجمع الله أمة حبيبه إلا على ما ارتضاه لهم...
♦️ قال شيخ الإسلام العلامة الإمام محمد زاهد الكوثري الحنفي الماتريدي النقشبندي:

ويحكي العلامة ابن خلدون عن مشايخه: (إن شرح البخاري دَين على الأمة لم يقم بوفائه أحد من العلماء حسبما يجب) . ولو عاش ابن خلدون إلى زمن ظهور الشرحين [العمدة والفتح] لربما حكم لهما بقضاء هذا الدَين، ويميل السخاوي إلى أن القائم بذلك . . هو شيخه ابن حجر، وصاحب "كشف الظنون" حكم لهما بوفاء الدَين على حد سواء .

لكن الظاهر أن للعيني الحظ الأوفر في ذلك عند من أنصف ولم يتجبر، فمن خاض في بحار شرحه الفياض . . يرى نفسه أنه في ملتقى سبل العلوم، قام فطاحل العلماء من كل فن على مسالكها بتيار من الأنوار، يضيؤون طرق الفهم من جميع المناحي؛ لغة وإعراباً وبلاغةً واستنباطاً وكشفاً عن تراجم الرجال وضبط كناهم وألقابهم وأسمائهم وأنسابهم، وبياناً لفوائدَ حديثية ولطائف إسنادية ومسائل أصلية وفرعية ودقائق عقلية ونقلية، وتخريجاً لأدلة الأحكام الخلافية مع المحاكمة بينها، وبسطاً لمذاهب العلماء في الصدر الأول .

ويجد فرق ما بينهما فرق ما بين البدر والشهاب، ويحكم للعيني بأنه هو القائم بقضاء هذا الدَين بلا ارتياب، وللناس فيما يعشقون مذاهب، شكر الله سعيهما ونفع الأمة بهما .

_تذهيب التاج اللجيني .
الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 242)
وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْمُنْلَا عَلَى الْقَارِئِ: ثُمَّ مِنْ آدَابِ الزِّيَارَةِ مَا قَالُوا، مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي الزَّائِرُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ الْمُتَوَفَّى لَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ أَتْعَبُ لِبَصَرِ الْمَيِّتِ...
2025/07/13 03:32:30
Back to Top
HTML Embed Code: