Telegram Web Link
إذا دخل العام الهجري، أنكَروا على الناس الاحتفال برأس السنة وما في ذلك من تذكر للهجرة ودروسها والعبر التي فيها، وإذا دخل ربيع الأول أنكروا على الناس الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في ذلك من تذكر لسيرته والصلاة عليه ومدحه، وإذا دخل شهر رجب أنكروا على الناس الاحتفال بذكرى الإسراء وما في ذلك من قيام ليلها، وإذا دخل شهر شعبان أنكروا تعبد الناس في ليلة النصف منه.

فإذا دخل رمضان أنكروا على الناس صلاة التراويح عشرين ركعة، وأباحوا للناس إكمال الشرب إذا أذن الفجر، وشككوا الناس في توقيت الفجر رأسا، ومنعوهم من أمور لا تفطّر، ونكدوا على الناس في كل مسجد بتشدقهم في هيئات صلاة يسع الناس فعلها، فإذا اقترب رمضان من الانتهاء أنكروا على الناس إخراج زكاة الفطر نقدا وزعموا إن إخراجها بعد صلاة العيد لا يجزئ، فإذا دخل العيد في شوال أنكروا على الناس خطبتي العيد، وأنكروا زيارة الأقارب وامتعضوا من مظاهر البهجة، وضيقوا عليهم في كيفية صيام الست من شوال، فإذا دخل ذو الحجة أنكروا على الناس ألوانا من العبادة في العشر الأول، وأنكروا زيارة الحجيج لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا له لا لمسجده، فإذا انتهى العام رجعنا لإنكار الاحتفال برأس السنة.

ولعلك تلاحظ أن هناك هدنة في شهور صفَر وربيع الثاني إلى جمادى الآخرة ثم ذي القعدة، فهل يتركونك فيها؟ أبدا والله بل هذا غذاؤهم ومعاشهم، فتارة ينكرون على الناس بعض الألفاظ التي يسع الناس قولها، وتارة ينكرون عليهم زيارة القبور والدعاء عندها، وتارة ينكرون على النساء الأخذ من شعر البدن أو تلوين ملابسهن أو ربما أنكروا عليهن وجودهن في الحياة رأسا، ثم الطامة الكبرى ينكرون على الناس الاجتماع لمديح رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه.

ثم إنهم لا يفسدون في آحاد المسائل فقط بل في المنهج ذاته، فتجدهم ينقبون في صفحات الفايسبوك عن أي حديث ضعيف فينكرون على صاحبه كتابته ولو كان في محل لا يُمنع فيه ذكر الضعيف ولو كان الحديث صحيحا عند غيرهم من العلماء، ويرمون المسلمين بالشرك ليلا ونهارا، ويستسهلون الخوض في صفات الله، ويجرّئون العامة على الاستدراك على الصحابة والتابعين، ويخذّلون الناس عن تقليد المذاهب الأربعة، ويرمون حملة الشريعة المتبوعين بالشرك تارة وبنسب الخطأ لجملتهم تارة في ما توبعوا عليه قرنا بعد قرن.

ولم أذكر غير ذلك من عشرات المسائل ولم أفتش عن أقوال شاذة عندهم، بل كل ما ذكرته هنا هو قول قال به أحد كبرائهم الذين يعتدون برأيهم، وكل هذا الذي ينكرونه في غير محله، إما لأن الإجماع على غيره، وإما لأن المذاهب الأربعة متفقة على غيره، وإما لأن أحد المذاهب الأربعة على غيره فيكون إنكارهم هذا في أحسن الأحوال معدودا في ما أجمع أهل العلم على عدم جواز إنكاره على العامة، إذ لا إنكار في المختلف فيه في حق المقلدين، ذلك بأن المقلد مصيب في تقليده قطعا وإن كان المجتهد مصيب في اجتهاده ظنا.

وليت إنكارهم الذي يكون في غير محله يأتي منفردا، بل يأتي عادةً مصحوبا بسوء الخلق والتشدق والانتفاخ والثرثرة وكل ما يكون من ثقل الدم وغلظة الطبع، حتى أنه من نشأ منا في وسطهم قد يتوب مما كان فيه غير أنه يجد صعوبة في الانفكاك عن تلك النفسية العطنة.

وهذا الذي أقوله هو كلام عن الكيان الاعتباري لا عن آحاد الأشخاص، فليس كل شخص منهم ينكر كل شيء من هذا، وإنما هي لوثة يحمل منها صاحبها بحسب ما يتعرض له من ذلك المنهج الفاسد الذي نبت عن أرض سوء فأخرج شجرة خبيثة.

وليس الغرض من الكلام شيطنة آحاد الأفراد، فإن كثيرا منهم أصحاب دين يظنون أنهم على حق إذا فعلوا ذلك، وإن منهم لصاحب القلب الخاشع المنيب، وإن منهم لمن لا يُدانَى في الإحسان إلى جاره وضيفه، وإن منهم لمن يبرع في تملّك قلوب العامة وإرشادهم إلى تقوى الله، وإن منهم لمن لا يخشى في الله لومة لائم، وإن منهم لصاحب الخلق الطيب والقلب الرقيق، حتى رءوسهم ومشايخهم الذين أخذوا بأيديهم إلى هذه المخالفات، فإنهم مع هذا كله من أهل القبلة، أقرب إلينا ممن يحارب الله ورسوله، وإني والله أرجو لهم جميعا أن يعودوا إلى الحق، وأن يعيدوا النظر في أدبياتهم وأصول منهجهم التي لا علاقة لها بما كان عليه المسلمون قرنا بعد قرن.

ولا أدعو أحدا إلى اتباع ما يقوله مشايخي أنا ولا ما يقوله فلان أو علان من أهل الزمان، وإنما أدعو نفسي وأدعوهم إلى اتباع ما كان عليه فقهاء المذاهب الأربعة وورثتهم الذين تلقت الأمة مذاهبهم بالقبول، والجدّ في تعلم ذلك بطريق منهجي قويم لا بالتعليم الطياري والعبث الفايسبوكي، فإنا إن نفعل ذلك يحق لنا أن ننسب أنفسنا إلى السلف ونرجو من الله أن يلحقنا بهم على بون ما بيننا، وإن نُعرِض عن هذا فما لنا من هذه النسبة اسم ولا حقيقة.
يعلم الله قد حاولت قدر طاقتي ألا يخرج هذا مخرَج التحزب والعصبية، وإنما كتبته ليتنبّه المنصف على أي أرض يقف بعد أن خالف حملة الشريعة والمذاهب المتبوعة وجموع المسلمين في كل هذه المسائل، فلعله يراجع نفسه أو يتفكر، أو لعله يكفّ لسانه عن الناس فيسكت ويَسْلَم حتى يتبيّن.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
*الدعاء عند قبور الأنبياء والأولياء والصالحين مما كان مشهوراً عن الأئمة والعلماء*

قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 142، ط. دار الفكر): [ويُسْتَحَبُّ الإكثار من الزيارة، وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل] اهـ

وقال العلامة ابن الجزري صاحب "الحصن الحصين": وجُرِّب استجابةُ الدعاءِ عند قبور الصالحين. انظر: "تحفة الذاكرين" للإمام الشوكاني (ص: 74، ط. دار القلم).

قال ابن الجوزي، قال : " كَثُرَ ضجيجي مِن مرضي وعجزتُ عن طبِّ نفسي، فلجأتُ إلى قبورِ الصَّالحين وتوسّلتُ في صلاحي، فاجتذبني لطفُ مولاي بي إلى الخلوةِ على كراهة مني، وردَّ قلبي علي بعد نفورٍ مني
انظر صيد الخاطر .

لننظر ماذا كان يقول الأئمة في هذا :

وروى الإمام مالك في “الموطأ” عن عبد الله بن دينار أن سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه كان إذا أراد سفرًا أو قدم من سفر جاء قبر النبي عليه الصلاة والسلام فصلى عليه ودعا ثم انصرف، قال محمد: هكذا ينبغي أن يفعله إذا قدم المدينة يأتي قبر النبي عليه الصلاة والسلام”.

انظر في( التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد) وهو
شرح لموطأ مالك برواية محمد بن الحسن للإمام الحافظ الشيخ محمد عبد الحي اللكنوي
فإنه ذكر كلاماً جميلاً في هذا

قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ لِلْخَلِيفَةِ أَبِي جَعفَرٍ الْمَنصُورِ لَمَّا حَجَّ وَزَارَ قَبرَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَ مَالِكًا قَائِلًا:
يَا أَبَا عَبدِ الله أَستَقبِلُ الْقِبلَةَ وَأَدعُو أَم أَستَقبِلُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ مَالِكٌ (وَلِمَ تَصرِفُ وَجهَكَ عَنهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى الله تَعَالَى يَومَ الْقِيَامَةِ؟ بَلِ استَقبِلهُ واستَشفِع بِهِ فَيُشَفِّعهُ الله) (الشِّفَا، 2/42).
فوا عجباً ممن يمنع استقبال القبر الشريف للدعاء
ويقول هذه بدعة نعوذ بالله من الخذلان

وَقَالَ الزُّرقَانِيُّ فِي شَرحِ المَوَاهِبِ (12/195):
إِنَّ كُتُبَ الْمَالِكِيَّةِ طَافِحَةٌ بِاستِحبَابِ الدُّعَاءِ عِندَ الْقَبرِ مُستَقبِلًا لَهُ مُستَدبِرًا لِلْقِبلَةِ، وَمِمَّن نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ وَأَبُو بَكرِ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي (مَنسَكِهِ) وَنَقَلَهُ فِي (الشِّفَا) عَنِ ابنِ وَهبٍ عَن مَالِكٍ قَالَ: إِذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا يَقِفُ وَوَجهُهُ إلَى الْقَبرِ لَا إلَى الْقِبلَةِ، وَيَدنُو وَيُسَلِّمُ عَلَيهِ.انتهى

وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ رَأَيْت أُسَامَة بن زيد عَند حُجْرَةِ عَائِشَةَ يَدْعُو فَجَاءَ مَرْوَانُ فَأَسْمَعَهُ كَلامًا فَقَالَ أُسَامَةُ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يبغض الْفَاحِش الْبَذِيء.
رواه ابن حبان في صحيحه، وحسنه الضياء المقدسي في المختارة وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله ثقات.


وروى الدارمي بسند رجاله ثقات عن أبي الْجَوْزَاءِ أَوْس بْن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطًا شَدِيدًا، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: “انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِيِّ فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوًى إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ، قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَرًا حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ، وَسَمِنَتِ الْإِبِلُ حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ، فَسُمِّيَ عَامَ الْفَتْقِ.
وقد أورد الإمام الدارمي هذه الرواية عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها تحت عنوان: “باب مَا أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ – صلى الله عليه وسلم – بَعْدَ مَوْتِهِ”

قال أبو نعيم في معرفة الصحابة في ترجمة طلحة بن عبيد الله –رضي الله عنه- :
( حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، قَالَ: " قَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِأَمْرٍ , قَصَدَ إِلَى قَبْرِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِحَضْرَتِهِ فَيَكَادُ يَعْرِفُ الْإِجَابَةَ، وَأَخْبَرَنَا مَشَايِخُنَا بِهِ قَدِيمًا أَنَّهُمْ رَأَوْا مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ يَفْعَلُه )

يقول الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/ 106-107، ط. مؤسسة الرسالة) في ترجمة السيدة نفيسة رضي الله عنها: [السيدة الْمُكَرَّمة الصَّالِحَة ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد ابن السيد سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما... وقيل: كانت من الصالحات العوابد، والدعاء مُسْتَجَابٌ عند قَبْرِهَا، بل وعند قبور الأنبياء والصالحين] اهـ.
قال الإمام ابن حبان –وهو من أئمة السلف- في كتابه الثقات في الجزء الثامن برقم (14411 ) :
( على بن موسى الرضا وهو على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب أبو الحسن , من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم , .... وقبره بسنا باذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد , قد زرته مرارا كثيرة , وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر على بن موسى الرضا -صلوات الله على جده وعليه- ودعوت الله إزالتها عني , إلا أستجيب لي وزالت عنى تلك الشدة , وهذا شيء جربته مرارا فوجدته كذلك , أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وسلم الله عليه وعليهم أجمعين) .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (7/339) :
( وقال الحاكم في تاريخ نيسابور .... وسمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشائخنا , وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضى بطوس قال : فرأيت من تعظيمه يعنى ابن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا ) .

وعن عَلِيّ بْن ميمون، قَالَ: سمعت الشافعي، يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إِلَى قبره في كل يوم، يَعْنِي زائرًا، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين، وجئت إِلَى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تُقضَى”. راجع: تاريخ بغداد (1/445)، أخبار أبي حنيفة وأصحابه (1/94)، الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/46).

قال ابن الجزري في غاية النهاية عند ترجمة الإمام الشافعي : وقبره بقرافة مصر مشهور والدعاء عنده مستجاب , ولما زرته قلت :
زرت الإمام الشافعي ... لأن ذلك نافعي
لأنال منه شفاعة ... أكرم به من شافع )

وقال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة معروف الكرخي (9/ 343): [وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف الترياق الْمُجَرَّب] اهـ.

وقد قال الحافظ الذهبي معقبًا: “يُريِدُ إِجَابَةَ دُعَاءِ المُضْطَرِ عِنْدَهُ؛ لأَنَّ البِقَاعَ المُبَارَكَةِ يُسْتَجَابُ عِنْدَهَا الدُّعَاءُ، كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ فِي السَّحَرِ مَرْجُوٌّ، وَدُبُرَ المَكْتُوْبَاتِ، وَفِي المَسَاجِدِ”

كان الامام المحاملي يقول: أعرف قبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة ما قصده مهموم إلا فرج الله همه.
تاريخ بغداد.
قال الحافظ ابن الملقن في طبقات الأولياء في ترجمة معروف الكرخي .. وأهل بغداد يستسقون به، ويقولون: " قبره ترياق مجرب! " .
قال أبو عبد الرحمن الزهري: " قبره معروف لقضاء الحوائج. يقال: أنه من قرأ عنده - مائة مرة - : ((قل هو الله أحد))، وسأل الله ما يريد، قضى حاجته " .
ومثل هذا يذكر عن قبر أشهب، وابن القاسم، صاحبي الأمام مالك. وهما مدفونان في مشهد واحد بقرافة مصر، يقال أن زائرهما، إذا وقف بين القبرين، مستقبلا القبلة، ودعا استجيب له، وقد جرب ذلك.
وقد زرتهما وقرأت عندهما مائة مرة ((قل هو الله أحد)) ودعوت الله لأمر نزل بي، أرجو زواله فزال ) .

ويقول الإمام المقرئ الحاذق شمس الدين ابن الجزري عن قبر الإمام الشاطبي إمام القراءات كما في (غاية النهاية في طبقات القراء 2/23): “وقبره مشهور معروف، يُقصد للزيارة، وقد زرته مرات، وعرض عليَّ بعض أصحابي الشاطبية عند قبره، ورأيت بركة الدعاء عند قبره بالإجابة – رحمه الله ورضي عنه”.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في رفع الإصر في ترجمة بكار .. وصلى عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة ، ودفن بطريق القرافة ، والدعاء عند قبره مستجاب ) .

قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة علي بن أحمد أبو الحسن الآدمي ج3 دفن في القرافة بالقرب من تربة التاج بن عطاء الله؛ وتأسف الناس عليه , ويقال أن الدعاء عند قبره مستجاب) .

قال ابن العمادالحنبلي في شذرات الذهب في ترجمة نصر بن إبراهيم المقدسي ج3 قال النووي : سمعنا الشيوخ يقولون : الدعاء عند قبره يوم السبت مستجاب ) .

قال ابن أبي يعلى الفراء الحنبلي في طبقات الحنابلة في ترجمة أبي جعفر عبد الخالق بن عيسى , عند ذكره الطبقة السادسة :
( ولزم الناس قبره ليلاً ونهاراً مدة طويلة , ويقرأون ختمات ويكثرون الدعاء , ولقد بلغني أنه ختم على قبره في مدة شهور ألوف ختمات , وكثرت المنامات من الصالحين بالرؤى الصالحة له ) .
فائدة في قبر الإمام البخاري:
.قال ابن بشكوال في الصلة في ترجمة نصر بن محمد بن عبد الملك :
( أخبرنا القاضي الشهيد أبو عبد الله محمد بن أحمد رحمه الله قراءةعليه وأنا أسمع قال‏:‏ قرأت على أبي على حسين بن محمد الغساني قال‏:‏ أخبرني أبوالحسن طاهر بن مفوز والمعافري قال‏:‏ أنا أبو الفتح وأبو الليث نصر بن الحسن التنكتي المقيم بسمرقند قدم عليهم بلنسية عام أربعة وستين وأربع مائة‏.‏
قال‏:‏ قحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام قال‏:‏ فاستسقى الناس مراراً فلم يسقوا‏ , قال‏:‏ فأتى رجل من الصالحين معروف بالصلاح مشهور به إلى قاضي سمرقند فقال له‏:‏ إني قد رأيت رأياً أعرضه عليك‏ , قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله- وقبره بخرتنك وتستسقوا عنده , فعسى الله أن يسقينا قال‏:‏ فقال القاضي نعم ما رأيت‏.‏
فخرج القاضي وخرج الناس معه واستسقى القاضي بالناس وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه , فأرسل الله السماء بماءٍ عظيم غزير أقام الناس من أجله بخرتنك سبعة أيام أو نحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته وبين خرتنك وسمرقند ثلاثة أميال أو نحوها‏ ) .

فبعد هذا من رمى الناس بالبدعة او بالشرك فقد رمى قبل هذا الأئمة والعلماء بهذا فنسأل الله السلامة من القول من غير علم

منقول
قال أبو سليمان الخطابي:

قوله: (خلق آدم على صورته) الهاء وقعت كناية بين إسمين ظاهرين فلم يصلح أن تصرف إلى الله تعالى؛ لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة، سبحانه ليس كمثله شيء، فكان مرجعها إلى آدم عليه السلام، والمعنى: أن ذرية آدم إنما خلقوا أطوارًا؛ كانوا في مبدأ الخلق نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم صاروا صورًا أجنة، ثم يولودون أطفالًا، وينشأون صغارًا إلى أن يكبروا فيتم طول أجسامهم. يقول : إن آدم لم يكن خلقه على هذه الصورة لكنه أول خلقه وجد خلقًا تامًا طوله ستون ذراعًا.
بسم الله
لما كنت سلفيًا.. كنت غارقًا في البدع متوهمًا أنها السنن، معرضًا عن الحق إلى الباطل واهمًا أنه السنة، مجترئًا على كافة العلماء بالتخطئة والتغليط، بل والتبديع والتكفير إلا نفرًأ قليلًا منهم على رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية.
ما عرفت الاتباع إلا لما رأيت أهل الله الصوفية، ولا فهمت حقيقة التمسك بالكتاب والسنة إلا لما رزقت النظر لهؤلاء القوم.
الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، كذا يقول العقلاء والمنصوفون، ولا إخال أحدًا من المنتسبين للسلفية عرف كنه التصوف وتصوره، غير أنهم يستحسنون ويستقبحون بمقتضى الطبع، كثيرًا ما يتعاملون بما أُسميه (الفقه الانطباعي)
غير أن كلامنا مجروحٌ عندهم؛ فلتسمع لقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى إذ يقول: من سلك مسلك الجنيد من أهل التصوف والمعرفة.. كان قد اهتدى ونجا وسعد. اهـ
ويقول: وكان الجنيد - رضي الله عنه - سيد الطائفة ومن أحسنهم تعليما وتأديبا وتقويما.

ويقول: فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإِبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبدالقادر «الجيلاني»، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين.
ومعلومٌ لكل ذي إنصافٍ أن هؤلاء المذكورين هم أعلام التصوف وأربابه وإليهم ترجع الطريق كلها باختلاف أسمائها.
ويقول: طائفة ذمت الصوفية والتصوف وقالوا إنهم مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معرفون وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب، بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاصٍ لربه وقد انتسب إليهم من أهل البدع والزندقة ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم.

وأما عن الانتساب إلى الطرق الصوفية؛ فيقول: فلا ريب أن الناس يحتاجون من يتلقون عنه الإيمان والقرآن كما تلقى الصحابة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنهم التابعون وبذلك يحصل اتباع السابقين الأولين بإحسان. فكما أن المرء له من يعلمه القرآن والنحو فكذلك له من يعلمه الدين الباطن والظاهر. اهـ

وقد حكى يوسف بن عبد الهادي الحنبلي أن الشيخ ابن تيمية قد انتسب للطريقة القادرية من طريق ابن قدامة المقدسي الذي لبس الخرقة من يدي الشيخ عبد القادر نفسه، وقد جزم بذلك جورج مقدسي، ونسب إليه كتاب المسائل التبريزية الذي ذكر فيه إسناده إلى الطريقة القادرية.
فضلا عن الاحترام والتقدير اللذين يبثهما ابن تيمية في كتاباته للشيخ عبد القادر، فهو يشير إليه بلقب «قطب العارفين» وهو« شيخنا أبو محمد قدس الله روحه«، كما أنه كثير الاستشهاد بكلامه رضي الله عنه؛ فقد أفرد مئات الصفحات لشرح كتاب الشيخ عبد القادر " فتوح الغيب" في المجلد العاشر من الفتاوى والمسمى 'كتاب علم السلوك، ويذكر في كتاب علم السلوك ما يلي: حدثني أبي عن محيي الدين النحاس وأظنني سمعتها منه أنه رأى الشيخ عبد القادر في منامه وهو يقول إخبارا عن الحق تعالى : من جاءنا تلقيناه.

ناهيك عن انتساب طائفةٍ كبيرةٍ من العلماء للطرق الصوفية من غير نكيرٍ، كابن قدامة المقدسي، وعبد الغني المقدسي، والعز ابن عبد السلام، بل والذهبي لبس الخرقة من طريق سيدنا شهاب الدين السُّهروردي الشافعي شيخ الخلوتية.
وهذا أبو عبد الله الهروي الحنبلي الملقب بشيخ الإسلام، كان صوفيًا شهيرًا، وهو صاحب كتاب: منازل السائرين إلى رب العالمين، يشرح فيها الطريق الصوفي، طريق الزهد الوصول إلى الله تعالى، وقد شرح هذا الكتاب ابن القيم في مدارج السالكين، وقد امتزج ابن القيم بكلام الصوفية وإشاراتهم ومصطلحاتهم
=======
كل الطرق الصوفية.. في الحقيقة طريقٌ واحدٌ، هو طريق الهدي النبوي، غير أن بعضهم يختار الدخول من باب الزهد والصيام، والبض يختار الدخول من باب خدمة الناس، والبعض من باب الصلاة وتكثير الركعات، والبعض من باب الذكر والقرآن.
فكل مرشدٍ مربٍّ لك.. له طريقةٌ هي نوعٌ من الطريق النبوي للوصول إلى الله تعالى؛ فلو ذهبت للشيخ أسامة عبد العظيم السلفي مثلًا، وطلبت منه النصح لترتقي، سيقول لك: صل ألف ركعة، واختم أربعين ختمة، ثم تعال إليَّ، أليست هذه طريقة؟!، وهكذا
فالضابط عند أهل الله الصوفية: التمسك بالكتاب والسنة، كيف وقد تواتر ذلك عنهم؛ إذ يقول الجنيد وهو سيد الطائفة الصوفية: علمنا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصح أن يتكلم في علمنا.
ويقول صاحب السير والسلوك: كل دواء يطلب به علاج النفس ليس منصوصًا في السنة.. فهو عين الداء لها.
وغيرذلك من كلامهم المبسوط في نحو قواعد التصوف للشيخ زروق، والتعرف.
لم يرد على المبتدعة والباطنية أحد كالصوفية؛ فالغزالي هو من تصدى لهم وأوجهم وأتى على مذهبهم، وأبو عبد الرحمن السلمي في " طبقات الصوفية يذكر أن كثيرا من المشايخ ذموا الحلاج وأنكروا عليه، ولم يعدوه من مشايخ الطريق؛ وأكثرهم حط عليه، وممن ذمه وحط عليه أبو القاسم الجنيد.
======
وليس كل تحزبٍ في الإسلام يكون مذمومًا لذاته؛ فالمهاجرون والأنصار أحزابٌ، والمذاهب الفقهية أحزابٌ، إنما المذموم هو تعصب الجاهلية ودعواها.
====
وأهل التصوف عرفوا الطريق الصوفي بأنه التوحيد الخالص؛ ألا ترى لقول الشبلي تلميذ الجنيد: بدء التصوف معرفة الله، ونهايته توحيد الله.
فلسنا دعاة شركٍ، ولا نعبد غير الله، وأما التبرك والتوسل بالنبي وبالصالحين أحياء وأموتًا؛ فقد أجازه أهل المذاهب الأربعة، ولم يخالف إلا شذوذات من الناس؛ فإن كنت سلفيًا حقًا؛ فيسعك ما وسع الأئمة من أهل المذاهب الأربعة، وإلا.. فأنت خلَفيٌّ مذمومٌ.
وأما الاستغاثة؛ فمن رأيتهم من المشايخ ينكرون على ذلك، وإن كانوا لا يكفرون المتلبس مثل ذلك .
على أنه لم يقل أحد من أهل الطريق بأنه يجب على المريد التوسل والاستغاثة، بل ولم يقل أحد من الصوفية باستحباب ذلك - وإن استحب التوسل بعض الفقهاء - غاية الأمر أنهم اتبعوا الفقهاء في إباحة ذلك؛ فلم ينكروا عن من فعل؛ فهو عند الفقهاء مثل شرب الماء، أرأيت لو رأيت شاربًا للماء أكنت منكرًأ عليه؟!.
ولا يغتر أحدٌ بفهمٍ خاطيءٍ لنحو قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه ) ، ( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) ، ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )
فهذه الآيات نزلت في المشركين قال ربنا - جل جلاله- حكاية عن حالهم مع آلهتهم المزعومة ( ويعبدون ) ، ( ما نعبدهم)، ونحن وجمهور المسلمبن لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له ، ولا نعتقد في غيره تأثيرًا ولا نفعًا ولا ضراً ولا فعلًا ، بل هو وحده - جل جلاله - الفاعل الحقيقي للأشياء وكلنا مقهورون بقدرته ، خاضعون لقوته ، مفتقرون لفضله ورحمته.
ولا أحد يقصدُ الأموات ويطلب منهم طلبًا حقيقيًا إلا الجهلة وهؤلاء نعلمهم ولا نكفرهم، ولو ساغ الإنكارعلى كل متوسلٍ.. لأنكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على سيدنا ربيعة بن كعب الأسلمي حينما قال له: ( أسألك مرافقتك في الجنة)؛ فإن إدخال الناس الجنة لا ينبغي لأحد إلا لرب العزة سبحانه وتعالى.

أبو حمزة الشافعي
لماذا يأنس الناس بقبور الصالحين، ويكثرون من زيارتها؟!

الجواب عند ابن تيمية وابن الجوزي!


قال ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه [اقتضاءُ الصراطِ المستقيم؛ مخالفةَ أصحابِ الجحيم] أثناءَ كلامٍ:

"وكذلك ما يُذكر من الكرامات، وخوارقِ العادات التي تُوجد عند قبور الأنبياء والصالحين، مثلَ نزولِ الأنوارِ والملائكةِ عندها، وتَوَقِّي الشياطينِ والبهائمِ لها، واندفاعِ النارِ عنها، وعمَّنْ جاورها، وشفاعةِ بعضِهم في جيرانه من الموتى، واستحبابِ الاندفانِ عند بعضهم، وحصولِ الأُنْسِ والسكينةِ عندها، ونزولِ العذابِ بمن استهان بها!!

فجنسُ هذا حقٌّ، ليس مما نحن فيه!

وما في قبور الأنبياء والصالحين من كرامة الله ورحمته، وما لها عند الله من الحرمة والكرامة؛ فوق ما يتوهمه أكثر الخلق، لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك!". انتهى بلفظه.

قلتُ: فانظر إلى قوله: "ونزول العذاب بمن استهان بها"، ولا يستهين بها سوى هؤلاء النابتة!

ولو نزعنا اسم ابن تيمية عن هذا الكلام، ووضعنا اسم الشعراني مثلًا؛ لقامت قيامة النابتة، ولقالوا: إنه شرك أكبر، ووصفوا قائله بأنه قبوريٌّ مشرك، فماذا يقولون إذن في ابن تيمية؟!

أعرفتم - أيها النابتة - لماذا نَأنس بقبور الصالحين، ونُكثر من زيارتها؟!

لِما عندها من تنزل الأنوار والملائكة، وحصول الأنس والسكينة عندها، بل إن ما لها من الحرمة والكرامة عند الله فوق ما يتوهمه أكثر الخلق، على حد تعبير شيخكم ابن تيمية!

فلو كنا قبوريين؛ لكان شيخُكم ابنُ تيميةَ شيخَ القبوريين!

بل خذ هذه العبارة الصريحة الواضحة لابن الجوزي السلفي!

قال - رحمه الله - في كتابه [صيد الخاطر]:

"كثر ضجيجي من مرضي، و عجزت عن طب نفسي، فلجأت إلى قبور الصالحين، وتوسلت في صلاحي، فاجتذبني لطف مولاي بي إلى الخلوة على كراهةٍ مني، وردَّ قلبي عليَّ بعد نفور مني، وأراني عيب ما كنت أوثره"!

قلت: فما أنقذه من سوء حاله؛ إلا لجوؤه إلى قبور الصالحين - على حد تعبيره - وتوسله إلى الله بأهلها، حتى لطف الله به، وأدخله الخلوة رغم كرهه لها، وأصلح له قلبه، وأراه عيب ما كان يظنه غنيمة له!

وأنا - واللهِ - ما اجتمعت عليَّ الهموم، وتثاقلت عليَّ الذنوب، فجلست في مقام من مقامات الصالحين؛ إلا فرَّج الله عني، وخرجت مجبور الخاطر!

وكلما كان المقام في الخلاء، بعيدا عن العمران؛ كان الفرج أعظم، والسرور أتم!

ولعل هذا سر تردد العوام وغيرهم كثيرا على مساجد آل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم وأولياء الله الصالحين، دون غيرها، من غير شعور منهم، وكأنهم ينجذبون إليها بمغناطيس؛ لما فيها من الأُنْس والراحة والسكينة والطمأنينة وتنزل الرحمات والبركات والملائكة على من حضرها، فينصرفون منها وقد شعروا بالأمان، ولله في خلقه شؤون!

بقلم: خادم الجناب النبوي الشريف
محمد إبراهيم العشماوي
التبرك بالصالحين.. في أكبر شروح الصحيحين:


1-«شرح صحيح البخاري» للإمام الكبير أبي الحسن ابن بطال (ت449)، قال (2/77): «قال المهلب: وفيه التبرك بمصلى الصالحين ومساجد الفاضلين. وفيه: أنه من دُعي من الصالحين إلى شيء يتبرك به منه، فله أن يجيب إذا أمن الفتنة من العُجب».
وقال (2/126): «ولم يزل الناس يتبركون بمواضع الصالحين وأهل الفضل».
وقال (3/178): «وأما من أراد الصلاة في مساجد الصالحين والتبرك بها متطوعًا بذلك، فمباحٌ له قصدُها بإعمال الـمَطِيّ وغيره، ولا يتوجه إليه النهيُ في هذا الحديث».
وقال (9/100): «وفيه أنه ينبغي التبركُ بثياب الصالحين ويتوسلُ بها إلى الله في الحياة والممات».
2-«إكمال المعلم بفوائد مسلم» للإمام الحافظ القاضي عياض المالكي، عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته (ت544)، قال (2/631): «فيه التبرك بالفضلاء، ومشاهد الأنبياء وأهل الخير ومواطنهم، ومواضع صلاتهم».
وقال (7/21): «فيه التبرك بالصالحين ودعائهم».
3- «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للإمام المحدث، أبي العباس القرطبي (ت656) قال (7/355): «دليل على التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، وإن تقادَمت أعصارُهم وخَفيت آثارُهم».
4- «المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج» للإمام شيخ الإسلام، محيي الدين النووي (ت676) قال (4/219): «ففيه التبرك بآثار الصالحين واستعمال فَضل طَهورهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم».
وقال (5/161): «وفيه التبرك بالصالحين وآثارهم، والصلاة في المواضع التي صلَّوا بها، وطلب التبريك منهم».
وقال (14/100): «ومنها: حملُ المولود عند ولادته إلى واحد من أهل الصلاح والفضل، يحنّكه بتمرة؛ ليكون أولَ مايدخل في جوفه ريقُ الصالحين، فيتبرك به».
5- «الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري» للإمام شمس الدين الكرماني (ت786)، قال (21/99): «وفيه التبركُ بآثار الصالحين، ولُبسِ لباسِهم».
6- «التوضيح شرح الجامع الصحيح» للإمام الحافظ الفقيه، سراج الدين ابن الملقن (ت804)، قال (4/102) عن قبر سيدنا أبي أيوب الأنصاري في القسطنطينية: «فقبره مع سور القسطنطينية يتبرك به ويُستشفَى».
وقال (6/23): «ولم يزل الناس يتبركون بمواضع الصالحين وأهل الفضل».
وقال (27/641): «وفيه: أنه ينبغي التبرك بثياب الصالحين، ويتوسل بها إلى الله تعالى في الحياة والممات».
7- «اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح» للإمام شمس الدين البِرْماوي (ت831)، قال (3/279): «إنما كان ابن عمر يصلي في هذه المواضع للتبرك، فلم يزل الناس يتبركون بمواضع الصالحين».
8- «فتح الباري بشرح صحيح البخاري»؛ والذي هو أعظم شروح كتب السنة على الإطلاق، للإمام الحافظ، ابن حجر العسقلاني (ت852)، قاضي القضاة، وشيخ الإسلام، وأمير المؤمنين في الحديث؛ قال (3/304): «وفيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور؛ طمعا في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم، وفي دعاء من يزورهم من أهل الخير».
وقال (10/330): «وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها».
9- «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» للإمام العلامة بدر الدين العيني (ت855) قال (3/122): «ويستنبط منه حكم آخر وهو: استحباب خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك».
وقال (4/275): «ولم يزل الناس يتبركون بمواضع الصالحين».
وقال (9/241): «وأما تقبيل الأماكن الشريفة على قصد التبرك، وكذلك تقبيل أيدي الصالحين وأرجلهم: فهو حسن محمودٌ باعتبار القصد والنية».
10- «الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري» للإمام أحمد بن إسماعيل الكُوراني (ت893)، قال (2/62): «وفيه دلالة على استحباب التبرك بآثار الصالحين من ماء وطعام وغيرهما».
وقال (2/168): «وإلا فالتبرك بآثار الصالحين لا سيما سيد المرسلين، لا يشكُّ أحدٌ في حُسنه».
11- «إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» للإمام المحدث الحجة، شهاب الدين القسطلاني (ت923) قال (1/430): «أما مَن اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه، لا للتعظيم له ولا للتوجه إليه، فلا يدخلُ في الوعيد المذكور».
وقال (1/467): «واستُنبط منه: التبركُ بما يلامِسُ أجسادَ الصالحين».
12- «منحة الباري بشرح صحيح البخاري» للإمام شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت926) قال (2/79): «وفي الحديث: جواز ضرب الخيام والقباب والتبرك بآثار الصالحين».
وقال (2/213): «وفيه: التبرك بما يلامس أجساد الصالحين».
13- «فتح المنعم شرح صحيح مسلم» لشيخ شيوخنا العلامة الدكتور موسى شاهين لاشين (ت1430) قال (3/92): «وفيه: التبرك بآثار الصالحين، واستعمال فضل وضوئهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم».
استحباب مجاورة الصالحين حتى في المقبرة:

قال العلامة ابن بطال في شرح صحيح البخاري :
فيه من الفقه: الحرص على مجاورة الموتى الصالحين في القبور ، طمعًا أن تنزل عليهم رحمة ، فتصيب جيرانهم، أو رغبة أن ينالهم دعاء من يزورهم في قبورهم من الصالحين"
انتهى من (("شرح البخاري))

وأخرج البخاري (3700) عن عمر بن الخطاب أنه أمر ابنه عبد الله وهو في فراش موته بعدما طُعِن :

( انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ : يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ ، وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا ، وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ : يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ ، فَقَالَتْ : كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي ، وَلَأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي .

فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ : هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ ! قَالَ ارْفَعُونِي ، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا لَدَيْكَ ؟ قَالَ : الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَذِنَتْ .

قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ ) .

والرغبة في الدفن قرب الصالحين أمر شائع ، معروف لدى أهل الصلاح ، رغب فيه الكثير من السلف والخلف .

فكيف بمجاورة سيد المرسلين وخير البرية أجمعين ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجمعينوقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تبارك وتعالى :

" ويستحب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء ؛ لتناله بركتهم ، وكذلك في البقاع الشريفة .

وقد روى البخاري ومسلم بإسنادهما " أن موسى - عليه السلام - لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية بحجر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر " انتهى من "المغني" (2/380) .

وقال البهوتي رحمه الله تعالى :

" ( و ) يستحب أيضا الدفن في ( ما كثر فيه الصالحون ) ؛ لتناله بركتهم ، ولذلك التمس عمر الدفن عند صاحبيه وسأل عائشة حتى أذنت له " انتهى من "كشاف القناع" (2/142) .

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وألِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ و الصالحينَ.
يقول ابن أبي زيد القيروانيّ رحمه الله في رسالته: (وَأَنَّه فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ بِذَاتِهِ).
الشرح:
هذه الجملة مما انتُقِد على المصنف رحمه الله، فإنّ أحدًا من صالِحِ السلف ولا من محققي الخلف لم يثبت عنه أنه أضاف كلمة (بذاته) عند قوله عن الله (استوى على العرش)، ثم الموافق للآية هو لفظ (على العرش) وليس (فوق العرش) مع أنّ الإشكال الذي لا يُتسَامح فيه هو تعبيره بلفظة (بذاته) مع حَمْل كلمة فوق على فوقيّة القهر لا الجهة كما في نحو قوله تعالى (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)) [سورة النحل] والتي قال أبو القاسم القشيريّ وتاج القرّاء الكرمانيّ في معناها (يخافون الله أن ينزّل عليهم عذابًا من فوق رءوسهم)، وقال ابن عطيّة في تفسيرها وقوله (من فوقهم) يَحتمل معنيين:
أحدهما الفوقيّة الّتي يوصف بها الله تعالى فهي فوقيّة القدر والعظمة والقهر والسّلطان.
والآخر أن يتعلّق قوله (من فوقهم) أي بقوله (يَخَافُونَ) يخافون عذابَ ربهم مِن فوقهم، وذلك أنّ عادة عذاب الأمم إنّما أتَى من جهة فوقٍ.
وأمّا الاعتراض على أبي محمد رحمه في قوله عن الله (فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ بِذَاتِهِ) فذلك بشأن لفظتين:
الأولى تعبيره بـ (فَوْقَ عَرْشِهِ) وما فيه مِن عُدُولٍ عن لفظ النصّ القرآني (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5)) [سورة طه].
قال القاضي عبد الوهّاب في شرحه ما نصُّه (هذه العبارة الآخرة التي هي قوله على العرش [استوى] أحبُّ إلَيَّ من الأولى التي هي قوله (وأنه فوق عرشه المجيد بذاته) لأنّ قوله (على عرشه) هو الذي ورد به النصّ ولم يرد النصّ بذِكر (فوق (1)) وإن كان المعنى واحدًا، وكان المراد بذِكر الفوق في هذا الموضع أنه بمعنى (علَى) إلَّا أنَّ ما طابَق النصَّ أولَى بأن يُستَعمل). اهـ
وقال الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمد المنوفي الشاذليّ في كفاية الطالب الربّاني ما نصُّه (وأحسن ما قيل في دفع الإشكال إن الكلام يتضح ببيان معنى الفوقية والعرش والمجيد والذات، فالفوقية عبارة عن كون الشىء أعلى من غيره وهي حقيقة في الأجرام كقولنا زيد فوق السطح مجاز في المعاني كقولنا السيد فوق عبده، وفوقية الله تعالى على عرشه فوقية معنوية بمعنى الشرف وهي بمعنى الحكم والملك، فترجع إلى معنى القهر والعرش اسم لكل ما علا، والمراد به هنا مخلوق عظيم) إلى أن قال (المعنى أن هذه الفوقية المعنوية له تعالى بالذات لا بالغير من كثرة أموال وفخامة أجناد وغير ذلك). اهـ
وقال أبو الحسن العَدَويّ في حاشيته على كفاية الطالب ما نصُّه (وأما قوله (فوق عرشه المجيد) فلم يؤخذ عليه فيه أي لأنه ورد الشرع بإطلاق الفوقية كقوله (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)) [سورة النحل].
وقال الشيخ صالح الآبي الأزهري في كتابه الثمر الداني ما نصّه (فوق عرشه أي فوقية سلطنة وقهر، قال تعالى (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)) [سورة الأعراف]. اهـ
وقال ابن ناجي التنوخي في شرحه على الرسالة ما نصُّه (فأما لفظ الفوقية فمشترك بين الحس والمعنى والقرينة تخصص المراد منهما)، ثم قال (فإذا تقرر هذا فحَمْلُ الفوق على الحِسّ معلوم الاستحالة بالدليل اليقيني لتقدسه سبحانه عن الجواهر والأجسام، ومعلوم ذلك من سياق كلام المؤلف رحمه الله بحيث لا يوهم أنه أراد الحِسّ، فهو تعالى فوق العرش فوقيَّة معنًى وجلالٍ وعَظَمة). اهـ
وقال الشيخ أحمد زرُّوق الفاسي في شرحه على الرسالة ما نصُّه (يريد فوقيّةً معنويةً، كما يقال السلطان فوق الوزير والمالك فوق المملوك والشريف فوق الدنيء لا أنها حسية، كالسماء فوق الأرض وما في معناه، لانتفاء الجهة في حَقِّه تعالى لما يلزم عليها من النقص والحدوث)، ثم قال (وكأنّه يقول هو فوق العرش من حيث الجلالة والعظمة لا من حيث الحلولُ والاستقرار). اهـ
وقال الشيخ محمد بن قاسم جسوس في شرحه على الرسالة ما نصُّه (2) (وفوقيته تعالى على عرشه فوقية استيلاء وقهر وغلبة، يقولون السيّد فوق عبده والمالك فوق المملوك والخالق (وَهُوَ اللهُ) فوق المخلوق، فهي راجعة إلى معنى القهر)، ثم قال (وقد عُلِم أنّ الألفاظ الموهمة لا يجوز إطلاقها في حقِّ الله، وأنّ (فوق) لها معنًى صحيحٌ ورد بها السمع، ولم يَرِد السمع بهذا اللفظ في هذا التركيب الموهِم). اهـ
الثانية قوله (بذاته):
قال الشهاب النفراويّ الأزهريّ في الفواكه الدواني ما نصّه (قال في التحقيق: أُخِذ على المصنف في قوله بذاته، وقيل هي دسيسة عليه، فإن صح هذا فلا إشكال في سقوط الاعتراض عنه، ولا عليه، لأنه لم يرد بها سمع). اهـ
وقال ابن ناجي التَنوخي في شرحه على الرسالة ما نصُّه (وهذا مما انتقد على الشيخ رحمه الله في قوله بذاته فإنها زيادة على النص فمن مخطئ ومن معتذر، قال الفاكهاني: وسمعت شيخنا أبا علي البجائي يقول إن هذه لفظة دست على المؤلف رضي الله عنه فإن صح هذا فلا اعتراض على الشيخ). اهـ
وقد قال الحافظ ابن الفخّار القرطبي في رسالته التّبصرة في نقد رسالة ابن أبي زيدٍ القيرواني ما نصّه (وموضع الغلط في هذا الكلام عدوله عن ظاهر نصّ القرآن لأنه تعالى قال (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5)) [ سورة طه]. اهـ
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي في كفاية الطالب الربّاني ما نصُّه (أخذ عليه في قوله (بذاته) لأنّ هذه اللفظة لم يرد بها السمع). اهـ
وقال القلشاني في تحرير المقالة في شرح الرسالة ما نصّه (في عبارته رضي الله عنه في هذا المكان قلق، وقد استشكلت قديمًا وحديثًا). اهـ
وقال الشيخ محمد جسوس في شرحه على الرسالة ما نصُّه (وقوله (بذاته) هو محل للانتقاد على المؤلف، لأنه لفظ يوهم كون الفوقية فوقية استقرار، وقد علِم أنّ الألفاظ الموهمة لا يجوز إطلاقها في حقه الله). اهـ
وقد ترك الشيخ عبد الله بن أحمد الحاج (توفّي 1209هـ) ناظم رسالة ابن أبي زيد لفظة (بذاته) وأبدلها بلفظة (بعِلْمِه) فقال:
وَهُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ *** بِعِلْمِهِ جَلَّ عَنِ التَّقْيِيدِ
حتّى إنّ الذّهبيّ على بعض شذوذه عن عقيدة أهل السنّة والجماعة، اعترض هنا على الشيخ أبي محمّد لاستعماله لفظة (بذاته) في الرسالة، فقال الذهبيّ في كتابه المسمّى العُلُوّ للعَلِيّ الغَفّار ما نصُّه (وَقد نَقَموا عليه (أي أبي محمَّد القيرواني) في قوله (بذاته)، فَلَيْتَهُ تركها). اهـ
وقد اعترض هذا الذّهبيّ أيضًا على ابن الزاغونيّ من الحنابلة لاستعماله تلك اللفظة في قصيدة له، فقال في سير أعلام النبلاء ما نصُّه (قد ذكرنا أن لفظة (بذاته) لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى). اهـ
وقد تمسك بعض المشبهّة بظاهر لفظة أبي محمد القيروانيّ في الرسالة لإثباتهم الجهة والحيّز لله تعالى، وقد رَدّ دعواهم الشيخُ الإمامُ عبد الله بن أبي جمرة رضي الله عنه في كتابه بهجة النفوس بشرح مختصره على صحيح البخاريّ فقال ما نصُّه (وأما ما احتَجُّوا به (يعني المجسّمةَ) لمذهبهم الفاسد بقول ابن أبي زيد رحمه الله في العقيدة التي ابتدأ الرسالة بها بقوله (وأنه فوق عرشه المجيد بذاته) فلا حجة لهم فيه أيضًا لأنهم خفضوا المجيد وجعلوه صفة للعرش، وافتروا على الإمام بذلك، والوجه فيه رفع المجيد لأنه قد تم الكلام بقوله فوق عرشه، والمجيد بذاته كلام مستأنف). اهـ
وهذا ما ذهب إليه بعض شُرَّاح الرسالة في تأويل تلك اللفظة مِن الشيخ أبي محمد، وهذا على فرض ثبوتها عنه، وأقول لا حاجة إلى ذلك، لأنّنا نظنّ أنها دسيسة عليه كما سبق فيما نقلنا، وما ذِكر الإمامِ ابن أبي جمرة رضي الله عنه لمقولتهم إلا مبالغة في التشنيع عليهم لإسكاتهم وتبكيتهم.
قال العلامة محمد الشاذلي النيفر التونسي في كتاب مسامرات الظريف ج 1 ص 358 (وقد قرأت عليه الكفاية شرح الرسالة للشيخ سيدي عبد الله بن أبي زيد القيرواني، وكانت قراءته لذلك قراءة تحقيق بعد صلاة الصبح، ولما ولي رئاسة الفتيا تأخر عن الدرس المذكور، وكانت تقاريره ومباحثه تسحر الألباب، وأذكر منها أنه لما كان يقري قول الشيخ (ومملا يجب اعتقاده أنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته) وقد أورد الشارح الاستشكال على ظاهر العبارة بما هو مبسوط في محله من إشعاره بالجرمية والاستقرار بالذات نفسها، فاستظهر رحمة الله أن الجملة مركبة من عقيدتين، وهما كونه تعالى فوق عرشه، وكونه تعالى مجيداً بذاته، بحيث يقرأ المجيد (بالرفع) خبراً ثانياً، لا بالجر على أنه نعت للعرش، قال وهذا الوجه أخذته من قراءة الوقف على ذي العرش في قوله تعالى (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) وهو وجه يزيدك حسناً كلما زدته نظراً، وهكذا كانت أختامه ودروسه كلها في غاية حسن التقرير والتحرير، وأدعيته لطيفة الإنشاء، يبدع في تحريرها كيف شاء). انتهى
(1) أي في الكلام على العرش، وإلا فقد جاء في القرآن (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ) [سورة النحل] معناه يخافون عذابه أن يأتيهم من فوقهم.
(2) طبع في ثلاث مجلدات بتحقيق الباحثة إحسان النقوطي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المملكة المغربية 1429 هـ – 2008 م.
1
هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلّم بعد وفاته؟
Anonymous Quiz
89%
يجوز.
7%
لايجوز.
4%
شرك بالله.
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ pinned «هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلّم بعد وفاته؟»
هل يعتبر عبدالله بن سعيد بن كلاب من أهل السنة والجماعة؟
Anonymous Quiz
75%
نعم.
25%
لا.
[دفع الريبة عن كلام سيدي ابن عجيبة]

مقالٌ يوضّح فيه بعض العبارات المُشكلة في كلام الإمام ابن عجيبة رضي الله عنه وأرضاه.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الأطهار، وبعد..

فإن الله تعالى لمّا خلق الخلق، وفرق السماوات والأراضين، وقدّر فيهما أقواتهما، وأجرى القلم بما ثبت لديه في علمه القديم مما شاء أن يكون في كونه إذ هو الفعّال لما يريد؛ كان فيما سنّه وقدّره، وحكم به وأظهره، أن جعل الأشراف تبتلى بالأطراف، وجعل الكلاب تنبح السحاب، لحكمٍ عرّف بعضها واختزن بعضها، وليس لنا إلا أن نقول: سبحانك نحن عبيدك نواصينا بيدك.

وكان من مصاديق ذلك أن ابتلى السيّد الشريف العلامة عبد العزيز الشهاوي ببعض الصبيان الذين سمعوا منه صيغة صلاة جرت بها ألسنة الفقهاء والمفسرين والمحدثين قرونًا مديدة وأزمنة عديدة، غير أن آذانهم لم تألفها وأسماعهم لم تتعرّفها، وهي الصلاة التي فيها: "اللهم صلّ على الذات المطلسم والغيب المضمضم..الخ"
فبادروا بالإنكار، واشتدوا في السبّ والطعن لمّا توهموا أنها إحدى العثار.
حتى قال بعض سفهائهم: إن هذا إلا سحرٌ يؤثر!

فشرّف الله الفقير بكتابة مقالة هي رقية لشيطان جهلهم المَريد، وترياق لسمّ سوء أدبهم الشديد، بيّنتُ لهم فيها أن هذه الكلمات التي جهلوها هي من اللغة العربية الفصيحة، وهي مودعة في المعاجم والقواميس، وأن معنى المطلسم: المخفيّ.
ومرادهم بالذات المطلسم: الكنز المكنون.
فكأنه قال: اللهم صلّ على الكنز المكنون.

وبيّنتُ أن هذا معنى لا غبار عليه من جهة الشريعة الغرّاء، إلى آخر ما رآه القراء، فلا داعي للإطالة بتكراره خشية الملل.

وكان الواجب على المنصف أن يعلن للناس أنه كان يجهل تلك المعاني حتّى علّمه الله إياها على يد الفقير، ويعتذر ويتوب من تعجّله بالإنكار فيما لم يحط به خبرًا!

بَيْدَ أن الغرض مرض، والهوى غلّاب، فَهُم وإن انتبه بعض العقلاء منهم فكفّكف من غلوائه، متخليًا عن كبريائه، إلا أن أشقياءهم أوغلوا في الجهل إيغالًا، وأسرفوا في الضلالة إسرافًا، فقفزوا من موضوع الشيخ الشهاوي رضي الله عنه دون اعتذار عن خطئهم في فهمه، وسوء أدبهم معه، وانتقلوا إلى سيّدي ابن عجيبة لأنني نقلتُ جُملةً من كلامه الذي لم يقرأوه ولا سمعوا به قطّ قبل هذا اليوم، وصار كلّ صبيٍّ منهم يلوك الكلام -الذي قرأه أول مرة منذ لحظات- بفمه، ويشرحه بفهمه، كأنما دارسه جبريل فيه، ونفث علمه في فيه!

فلمّا استغربوا بعض عباراته، فتوهّموا منها أنه يجعل النبي صلى الله عليه وسلم جزءًا من ذات الله -عياذًا بالله وتعالى الله علوًا كبيرًا-
سارعوا إلى تكفير الإمام ابن عجيبة رضي الله عنه وأرضاه، الإمام العَلَم الولي مفسّر القرآن الكريم!


وما زال الشيطان يؤز أحمق القوم أزًّا، حتى خرج من تكفير ابن عجيبة إلى تكفير الإمام الجزولي صاحب دلائل الخيرات وتكفير سيدي عبد السلام بن مشيش الوليّ المجمع على ولايته شيخ الإمام أبي الحسن الشاذلي، وتكفير الإمام الدردير إمام الدنيا في زمانه عمود المذهب المالكي وتلميذه الصاوي وغيرهم من كبار كبار أئمة المسلمين.

كلّ هذا من أجل عباراتٍ لم يفهموها من كلام سيدي ابن عجيبة رضي الله عنه وأرضاه!

فكان لابد من حلّ إشكال هذه العبارات، وتبيين بعدها عن ما ظنه أولئك الخوارج من قبيح الآفات، ليحيى من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بيّنة.

فأقول وبالله أعتضد، فيما أعتمد، وأعتصم، مما يصم:

اعلم رحمك الله ووسع لك الرزق في الفهم أن علماء المسلمين نبّهوا على أن الصوفية لهم تعبيراتٌ مُشكلة، ينبغي التعامل معها بحذرٍ شديد، لأنها مزلّة أقدام، والسلامة معها في الإحجام لا الإقدام.

فهي عبارة باطنها فيها الرحمة وظاهرها من قِبَله العذاب، إذ ظاهرها مُشكلٌ شديدُ الإشكال، غير أن مرادهم منها ومقصودهم بها كالماء العذب الزلال، فمن فهم العبارة على هذا الظاهر المشكل فهو بين خطيئتين، إما أن يقبل هذا الظاهر المشكل فيَضلّ، أو يرفضه فيُضلّلَ قائله.
غير أن الصواب مع تلك العبارات، ليتوخى الباحث طريق الإنصاف، ويتجافى عن سكك الاعتساف؛ اجتناب حملها على ظاهرها، والبحث عن مراد قائلها بها.

يقول ابن القيم رضي الله عنه وأرضاه:

"اعلم أن في لسان القوم -أي الصوفية- من الاستعارات وإطلاق العام وإرادة الخاص، وإطلاق اللفظ وإرادة إشارته دون حقيقة معناه ما ليس في لسان أحدٍ من الطوائف غيرهم، ولهذا يقولون: "نحن أصحاب إشارة ولا أصحاب عبارة" و"الإشارة لنا والعبارة لغيرنا".
وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد ويريدون بها معنى لا فساد فيه.
وصار هذا سببا لفتنة طائفتين:
١- ((طائفة تعلقوا عليهم بظاهر عباراتهم فبدعوهم وضللوهم.))
٢- وطائفة: نظروا إلى مقاصدهم ومغزاهم فصوبوا تلك العبارات وصححوا تلك الإشارات".
2025/07/13 12:08:49
Back to Top
HTML Embed Code: