Telegram Web Link
وذلك لأن الجهات تنقطع بانقطاع العالم، وتنتهي بانتهاء آخر جزء منه، فلا يوصف العالم –وهو الكون الكلي بجملته- بأن له يميناً ولا يساراً، ولا قداماً ولا خلفاً، ولا فوقاً ولا تحتاً، كما لا يوصف الله تعالى بذلك، فلا يكون الله في جهة منه كما لا يكون هو في جهة من الله تعالى.
وقد وصف الله تعالى نفسه بالعلو والفوقية وتمدح بهما، فنثبتهما له تعالى على أنهما وصف مدح له تعالى، وبالمعنى اللائق به تعالى الذي لا يمثل ولا يكيف، ونعتقد العلو والفوقية لله تعالى من جهة الجملة والثبوت، مع نفي التمثيل والتكييف، فنعتقد وصف الرب بالعلو والفوقية كما يليق بجلاله وعظمته، بدون أن نفهم منها ما يفهم من صفات المخلوقين. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(6/136): ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محالاً على الله تعالى أن لا يوصف بالعلو لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى والمستحيل كون ذلك من جهة الحس، ولذلك ورد في صفته العالي والعلي والمتعالي ولم يرد ضد ذلك. انتهى. هذا بحسب التحقيق.
والحاصل أن الذين نفوا الجهة عن الله تعالى نفوها عنه بمعنى أن يكون في جهة معينة من العالم، وأما الذين أثبتوا الفوقية لله تعالى فلم يريدوا أنه تعالى في جهة معينة من العالم، بل أرادوا أنه تعالى بائن عن العالم وليس بداخل فيه، وأنه فوقه بالفوقية اللائقة بعزته وجلاله التي لا تمثل ولا تكيف، وتعلم من جهة الجملة والثبوت لا من جهة التمثيل والكيف، ولا يفهم منها ما يفهم من صفات المخلوقين وفوقيتهم. والفوقية بهذا المعنى لله تعالى وكذلك البينونة مما يثبته الفريق الأول لله تعالى. والذي ينفونه إنما هو الفوقية بمعنى الكون في جهة معينة من العالم التي هي من صفات المخلوقين. وهذه الفوقية لم يثبتها الفريق الثاني بل قد نفوها عن الله تعالى، فلم يتوارد نفي الجهة عن الله تعالى ممن نفاها وإثباتها ممن أثبتها على معنى واحد، فليس بينهما خلاف في الحقيقة، بناء على هذا التحقيق، بل خلافهم يعود إلى اللفظ، وأما
الحقيقة فالفريقان متفقان فيها، فقد أثبت كل من الفريقين ما أثبته الفريق الآخر، ونفى ما نفاه.
2- [ حكم الوهم بالعلو والفوقية لله تعالى ]
وأما الوهم فيحكم بأن ما وراء العالم فوق له، والله تعالى بائن عن خلقه ليس بداخل فيه، فيحكم الوهم بأنه فوقه، فالفوقية بحسب حكم الوهم تؤول إلى البينونة التي أثبتها العلماء لله تعالى، وهذه الفوقية الوهمية هي المركوزة في فطرة كل إنسان.
لا يذكر أحد من بني آدم الله تعالى إلا وهو يشعر بفوقيته تعالى.
وهي فوقية يحكم بها الوهم مخالفاً لحكم العقل كما هو الحال في معظم أحكام الوهم، فإن معظم أحكامه مخالفة لحكم العقل، ومن أجل ذلك عدَّ المناطقة القياس المؤلف من القضايا الوهمية من الأقيسة التي لا تفيد اليقين، وسموا هذا القياس بالمغالطة والسفسطة.
وقالوا: إن النفس أطوع للوهميات منها لليقينيات: مثال ذلك أن العقل يحكم بأن الميت لا يخاف منه لأنه جماد وكل جماد لا يخاف منه، وأما الوهم فيحكم بأن الميت يخاف منه مخالفاً للعقل فالإنسان مع تيقنه بحكم العقل لا يطيعه ولا ينقاد له، وإنما ينقاد لحكم الوهم فيخاف من الميت،
وكثيراً ما تلتبس الوهميات باليقينيات عند الإنسان فيعتقد الوهميات يقينيات ويجزم بها كجزمه باليقينيات حتى يتبين له بالدليل بطلانها، فيحكم ببطلانها ومع ذلك يبقى منقاداً لها. ومن هذا القبيل الفوقية لله تعالى، فإن معظم بني آدم جازمون بها اتباعاً لحكم الوهم وانقيادا له وعندما يتبين لبعض العلماء بالدليل القطعي بطلانها يحكم ببطلانها ومع ذلك يبقى شاعراً بها في قرار نفسه.
ومن أجل صعوبة التخلص من هذا الحكم الوهمي رخَّص النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في اعتقاد الجهة في حديث الجارية حينما سألها أين الله؟ فقالت: في السماء، فقال: صلى الله تعالى عليه وسلم، إنها مؤمنة، ولم ينكر عليها، ولكنه لم يقل: إنها صادقة، أو إنها على الحق، أو نحو هذا الكلام مما يفيد أن ما اعتقدته حق.
ومن أجل ذلك لم يحكم علماء أهل السنة بكفر معتقد الجهة لله تعالى، وقالوا إن هذا الاعتقاد مَعْفُوٌّ للعوام
وأما امتناعه صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيان بطلان هذه العقيدة للجارية وعن بيان الحق في المسألة لها فلأن بيان الحق فيها يحتاج إلى فلسفة لم تكن الجارية أهلاً لأن تفهمها، كما أنها لم تكن مكلفة باعتقاد نفي الجهة عن الله تعالى، وقد أمر صلى الله عليه وسلم أن يكلم الناس على قدر عقولهم، فلم يكن هذا الامتناع من تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو ليس بجائز عليه صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن هذا البيان ليس من البيان الواجب عليه صلى الله تعالى عليه وسلم حتى يكون تأخيره عن وقت الحاجة ممتنعاً عليه صلى الله تعالى عليه وسلم.
3- [ الفوقية العرفية لله تعالى ]
ثم إننا إذا صرفنا النظر عن التدقيق الفلسفي الذي قررنا به نفي الجهة عن الله تعالى فمما لا ريب فيه ولا ينبغي أن يختلف فيه اثنان أن ما وراء العالم فوقٌ لبني آدم كلهم بحسب العرف كما أنه فوقٌ لهم بحسب الوهم، لأنه مقابل لرؤوسهم كما أن الأرض تحتٌ لهم لأنها مقابلةٌ لأرجلهم، وإن لم يكن فوقاً لهم بحسب التحقيق الذي نقله الكرمي عن القائلين بالجهة، لانقطاع الجهات بانقطاع العالم، والعرف هو الذي يقع به التخاطب في اللغة بين أهلها دون التدقيقات الفلسفية؛ والله تعالى بائن عن خلقه فهو فوقه بحسب العرف، فالفوقية العرفية كالفوقية الوهمية تؤول إلى البينونة التي أثبتها العلماء لله تعالى،فالمعبر عنه بالبينونة في كلام العلماء هو المعبر عنه بالفوقية والعلو أو بما يفيدهما في كلام الشارع.
وبهذا المعنى قال الإمام أبو الحسن الأشعري: فيما نقله عنه البيهقي: (وإنه فوق الأشياء بائنٌ منها) ومن أجل ذلك لم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على الجارية إشارتها إلى فوق.
وبهذا المعنى جاء إثبات العلو والفوقية لله في نصوص الكتاب والسنة مما يصعب حصره، وهذه النصوص وإن كان حمل بعضها على الفوقية بحسب المكانة والعلو بحسب الرتبة مما لا بأس به لكن حمل بعضها الآخر على ذلك مما يأباه المقام والسياق؛ فنتثبت العلو والفوقية لله تعالى بهذا المعنى، بدون كيف ولا تمثيل ونتوقف عنده، ولا نتجاوزه إلى التفاصيل التي لم يرد بها شيء من الكتاب والسنة ونعترف بالعجز عما وراء ذلك.
ونورد هنا نبذة من نصوص الكتاب والسنة التي ورد فيها إثبات الفوقية والعلو لله تعالى، قال الله تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم)، وقال: (إليه يصعد الكلم الطيب).
وقال: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) وقال: ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء) أخرجه الترمذي وقال: حسن.
وقال: ( من اشتكى منكم شيئا أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا ألذي في السماء تقدس اسمك…) أخرجه أبو داود.
وقال: (الا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء
من كلام العلامة المجاهد الشيخ حسن حَبَنَّكَة الميدانيِّ رحمه الله تعالى:

مَن أخذ العلمَ عن الكتب ضلَّ وأَضلَّ الخلقَ، العلمُ يُؤخذ من العلماء العاملين، الأتقياءِ الصالحين، الذينَ أَخذوا العلمَ كابرًا عن كابر، جلسوا على الركب بينَ أيدي الشيوخ حتى هذَّبتْهم الشيوخ …
ومَن لم تُعلِّمْه الرجالُ لا يكون رجلًا !

#احذروا أئمة الضلال
وما أكثرهم على برامج التضليل الاجتماعي
ولا بد لأهل العلم من تبيين كذب هؤلاء وتأثيرهم على الشباب ولا سيما ممن يحاول نشر كتب لأشخاص ليس لهم أساس في العلم ولا صحبة العلماء
كالمُدّعي ابن شمس الدين وغيره ممن يتهم كبار العلماء ويطعن في عقائدهم كالإمام النووي رضي الله عنه وغيره

الله الله يا أهل الإيمان
لا تغريَنّكم العبارات الرنّانة وكثرة المتابعين والمشاهدات لمثل هؤلاء

ولابد من حملة مضادة بنشر كتب الأئمة المعروفين والتعريف بهم
ونقول:
"دينُك دينُك، إنَّما هو لحمُكَ ودمُكَ، فانظُر عمَّن تأخذُ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا، ولا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا"
🌹 ضلال التشبيه
الكلام حول لفظ _ الساق _
المثال الرابع: الساق: معنى الساق على الحقيقة في لغة العرب: هي عضو أسفل الركبة، ولأن الله سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح والأعضاء والأطراف - بإجماع المسلمين - فقد صرفها الصحابة رضي الله عنهم عن هذا المعنى الباطل إلى معنى صحيح في لغة العرب ويليق بالله تعالى، فقالوا: معنى ساق الله هو: أمرُه الشديد أو العظيم.
ففي تفسير سورة القلم، قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: « يقول تعالى ذِكرُه:
﴿ يوم يكشف عن ساق ﴾ ، قـال جـماعة من الصحابة والتابعـين من أهل الـتـأويل: يبدو عن أمر شـديد... وعن ابن عـباس: ﴿ يوم يكشف عن ساق ﴾ قال: عن أمر عظيم، كـقـول الشاعر: (وقامت الحرب بنا على ساق). حدثـنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: ﴿ يوم يكشف عن ساق ﴾ ولا‌ يبقى مؤمن إلا سجد، ويقسو ظهر الكافر فيكون عظمًا واحدًا،
وكان سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يُكشف عن أمر عظيم، ألا تسمع العرب تقول: (وقامت الحرب بنا على ساق) » أ_ه. وأسند الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى الأثرَ المذكورَ عن ابن عباس بسندين كلٌّ منهما حسن - كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى -، وقال ابن عباس رضي الله عنه لما فسّرها بذلك: « إذا خفي عليكم شيء من ‏القرآن فابـتـغوه من الشعر » ، وفي الحديث: « يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومـؤمنـة » ، فمعنى ساق الرب في الآية والحديث قد بيّنه الصحابة، وهو الأمر الشديد، ولذا فسرها ابن كثير بذلك، وساقَ فيها عند تفسير الآية الحديثَ السابق مستشهدًا بذلك على أن المعنى فيهما
واحد .
مِنْ طرائفِ الأصوليِّيْنَ ..
حدث ذاتَ مرةٍ أن اجتمع إمام الحرمين أبو المعالي الجوينيُّ - شيخِ الإمام أبي حامدٍ الغزاليِّ صاحبِ إحياءِ علومِ الدِّينِ - والإمام الكبير عبدُ الحقِّ الصِّقلِّيِّ .. وبعد مباحثةٍ علميَّةٍ طويلةٍ حضرتهم الصلاةُ ..فطلب الصقلي من الجويني أن يتقدَّمَ لِيؤمَّهُمّْ في الصلاة ..فرفض الجويني .. وطلب من الصقلي أن يؤمَّ فيهم ..
فقال الصقلي : يا أبا المعالي .. أنت شافعيٌّ ..والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم يقول - : قدِّمُوْاْ قريشاً ولا تقدَّمُوْهاْ ، والأئمةُ مِنْ قريشٍ ..فلا بد أن تتقدم أنت يا أبا المعالي ..
فقال الإمام الجويني : " الجزءُ لا يتقدم على الكلِّ " .. وهذه قاعدةٌ أصوليَّةٌ ..
- ففهم العلماء من قوله شيئيْن ِ :
الأوَّلُ : أن الشافعي كان تلميذا لمالك بن أنسٍ رضي الله عنهما ..فاحتراماً للإمام مالك لم يتقدم الجويني ليؤمَّ الصقلي في الصلاة ..لأن الصقلي كان مالكياً .. وكان الجويني شافعياً ..
الثَّاني : أن الإمام مالكاً - رضي الله عنه - يُوجِبُ في الوضوء المسحَ على الرأس كلِّهِ ..بينما يُوجِبُ الإمام الشافعي - رضي الله عنه - المسح على بعض ِ الرأسِ ..
.....................................................
- من كان يريد العلم النفيسْ ..... فليذهبْ إلى مُحمَّدِ بن ِ إدريسْ ..
- و كيف لا يكون ذٰلكْ ..... و الشافعيُّ تلميذُكَ يا مالكْ ؟!.
إلى الإخوة السلفيين المعاصرين أو من تأثر بهم قبل الدخول في أي مناقشة أي فكرة أو مسألة أقول:
أنا لا اريدك ان تكون صوفيا.. لكن أريد أن تعلم أن التصوف هو الركن الثالث من الدين (الإحسان)، ولا يضره أفعال بعض الجهلة من المنتسبين إليه، وأن أفعال هؤلاء مهما كان فيها من مخالفات فغايتها أنها تدور بين الكراهة والتحريم، وليس فيها شيء قط يقتضي التكفير والتشريك.
ولا أريدك أن تتوسل أو تتبرك بالصالحين.. ولكن اريدك أن تعلم انه مشروع بناء على القول المعتمد في المذاهب الأربعة وجماهير المحدثين والمفسرين
ولا أريدك أن تكون أشعريا.. لكن اعلم أنها عقيدة الأزهر طوال ألف سنة وعقيدة أكثر من تسعين بالمئة من علماء الأمة واعلم أن تضليلهم وتبديعهم هو عين الضلال والابتداع !!
"#اسكت لا شيخ لك"

قال #القاضي_عياض رحمه الله في ترجمة أبي جعفر الداودي الأسدي، المتوفَّى سنة ٤٠٢هـ : بلغني أنه كان يُنكر على معاصريه من علماء القيروان سُكناهم في مملكة بني عُبَيد ، وبقاءهم بين أظهرهم، وأنه كتب إليهم مرة بذلك، فأجابوه : اسكت لا شيخ لك!.
ترتيب المدارك (٤٠٢/٣)

يقول فضيلة الشيخ العلامة المحدث السيد محمد_عوامة حفظه الله تعالى:
ولم يكونوا يلتفتون إلى من لم يكن له شيوخ في العلم، ولا يقيمون له وزنًا ولا اعتبارًا ولا يرون فيه أهلية التكلم معه، لأنه محل الخَطَل والغلط.
الإمام النووي وابن حجر عالمان أشعريان بشهادة كثير من علماء السلفية ، مع ٱجماع علماء الامة على ذلك

إن الحديث عن الإمام النووي و ابن حجر العسقلاني في سياق المذاهب العقائدية و التوجهات الفكرية يعد من المواضيع التي تثير الكثير من النقاش بين العلماء والمفكرين. فكل منهما له مقام علمي رفيع في الفقه و الحديث و العقيدة، وقد قدموا إسهامات ضخمة في علوم الشريعة التي تشهد لهم بها الأمة الإسلامية.

1. الإمام النووي وابن حجر:

- الإمام النووي (رحمه الله) هو أحد علماء المذهب الشافعي، وقد عرف عنه غوصه وتبحره الكبير بالحديث و الفقه و العقيدة الاشعرية عقيدة التنزيه السليمة. وهو معروف بكتابه "شرح صحيح مسلم" و "المجموع"، والكثير من الكتب التي تناولت مختلف المواضيع.

- ابن حجر العسقلاني (رحمه الله) هو أحد كبار علماء الحديث و المؤرخين، وهو صاحب "فتح الباري"، الذي يعد من أعظم شروح صحيح البخاري. وقد اشتهر بأنه مرجع في علوم الحديث والفقه و العقيدة.

2. موقف العلماء من الإمام النووي وابن حجر:

- الإمام النووي و ابن حجر كانا أشعريين في العقيدة، وهذا أمر مؤكد في مؤلفاتهما وأقوال العلماء عنهم. النووي في "روضة الطالبين" و "شرح مسلم"، و ابن حجر في "فتح الباري"، قد تبنوا العقيدة الأشعرية في عقائدهم، خصوصًا في مسائل الصفات و التوحيد.
ففي مسائل الصفات الإلهية، مثل اليد و الوجه، كان مذهبهما التأويل بما يتفق مع مذهب الأشاعرة، الذي يرفض التجسيم و التشبيه ويؤكد على تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات.

- ونرى هذا واضحا في مسائل العقيدة، فقد تبنوا مذهب الأشاعرة في الإيمان و الصفات و تنزيه الله عن التشبيه بالمخلوقات، وهذا يتفق مع ما ورد في مؤلفاتهم. وبالتالي، من المنصف علميًا أن نقول إن النووي و ابن حجر أشاعرة في العقيدة، كما يشهد بذلك العديد من العلماء المعاصرين و المتقدمين.

3. الرد على محاولات تبرئتهم من الأشعرية:

- بعض الناس قد يحاولون إبعاد الإمام النووي و ابن حجر عن
التصوف و الأشعرية، لكن الحقيقة أن مؤلفاتهم تتسم بوضوح النهج الأشعري، لا سيما في مسائل العقيدة و الصفات، و التأكيد على التنزيه و التأويل.
وهما ليسا جاهلين حتى تقول انهما مقلدان للأشعرية وليسا اشعريين
فهذه مغالطة منطقية وعقلية
تخاطب بها السذج
ولا يصح ان تصدر من دكتور عميد كلية شريعة ومفتي

- لا يمكن إنكار أن الإمام النووي و ابن حجر أشاعرة في عقيدتهم، وهذا لا يعطيك مبررا من الانتقاص من مقامهم العلمي أو من مكانتهم في الفقه و الحديث.
بل على العكس، هما من كبار علماء الامة الذين أسهموا في خدمة الأمة الإسلامية في مجالات عديدة.

4. الوهابية والعقيدة الاشعرية والتصوف

- النقطة التي تطرقت إليها حول الوهابية هي مهمة أيضًا. إن الفكر الوهابي، الذي انتشر في السعودية، يرفض التصوف و الأشاعرة بشكل عام، ويركز على التوحيد و التفسير الحرفي للنصوص، مما يخلق تحديات فكرية بين أتباع المذاهب التقليدية و الوهابية.

- الوهابية تدعي انها تعمل على تنقية العقيدة من البدع، وتعتبر التصوف و الأشاعرة مصدرًا للبدع،
بينما يرى العلماء أن التصوف مكمل و مُعزز للتربية الروحية و التهذيب النفسي، وهو ما يُعتبر جزءًا من التراث الإسلامي العميق.

5. مهمة المفتي جمع الكلمة وحل الخلاف في القضايا المالية والاحوال الشخصية ، لكنه لم تصدر عنه فتوى حتى اليوم حول هذه القضايا
كل مسائله هو الترويج للوهابية على حساب شعب اكثريته سنية
وهذا ما يثير صبية وسائل التواصل لزيادة الجرأة على اهل العلم
وهذا مما يوتر البلد اكثر في المرحلة المقبلة
واي صدام في المستقبل سيتحمل مسؤوليته هو ، وكل دماء ستسيل سيتحمل هو مسؤوليتها ، كونه يزيد من جهل الجاهلين وجرأتهم ، وقد سمعنا ان بعض النابتة تعدوا على مجلس صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وحاولوا إغلاقه، فياليته يفتي في هذه الامور
فكل ماقاله في حق الوهابية وفي حق الاشاعرة والصوفية ( او نقل عنه ) ربما يكون ما نقل عنه كذب يجب ان يخرج ويتبرأ منه.
كل ما نقل مصنف تحت بند شهادة الزور
فلا تحاول التطاول على الناس واختبار صبرهم.

- المفتي هو شخص يجب أن يكون عالمًا بالمسائل الفقهية و
العقائدية و الأحوال الشخصية التي تواجه الناس. ويجب عليه أن يكون حريصًا على العدالة و الإنصاف في إصدار الفتاوى. وإذا كان المفتي يساهم في إشعال الخلافات بين المذاهب أو الأفراد في الأمة، فهذا يُعد خطرًا على الوحدة و السلم في المجتمع الإسلامي.

- يجب على المفتي أن يحترم العلماء و الفقهاء من جميع المذاهب و الأطياف، وأن يكون موضوعيًا في تقديم الفتاوى، وعدم التهجم على الآخرين بغير علم أو إثارة الفتن.
إن العلماء الذين خدموا الأمة الإسلامية مثل الإمام النووي و ابن حجر لهم مقام عظيم، ولا يجوز الطعن فيهم على أساس اختلافات فقهية أو عقائدية، او محاولة تزوير الحقائق لتبرئهما من الأشعرية حسب زعمك
الختام:
إن مسألة العقيدة و المذاهب في الإسلام هي مسألة عميقة ومعقدة، ولا ينبغي الحديث عنها بشكل متطرف أو إقصائي من قبل مفتي لبلد أغلبيته أشعرية سنية
يجب أن نعلم أن الإمام النووي و ابن حجر قد اجتهدا في العلوم الشرعية، وأن الاختلاف في المسائل العقائدية الفرعية التي تعتبر لفظية طبيعي جدا بين علماء المذهب الواحد الاشعري. وفي النهاية، يجب أن نركز على الأسس المشتركة بين المسلمين، ونبتعد عن الانقسام و الفرقة التي تضر بالإسلام والمسلمين.
منقول
منهج العلماء الربانيين
رأييّ صواب يحتمل الخطأ
ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب
ومن كثر علمه قل اعتراضه
ومن قل علمه كثر اعتراضه
ومن تبحر في الشريعة لم يخطأ أحدا
المهم أن لا نحول الخلافات الفقهية إلى خلافات عقائدية يكفر بعضنا بغضا
فهي خلافات فقهية مشروعة في فروع الشريعة …….
اختلافهم رحمة واسعة واجماعهم حجة قاطعة …….
للسلف ثلاث طرق في التعامل مع النصوص الموهمة للتشبيه على النحو التالي :
..
التأويل .. وهو تفسير النص الموهم تفسيراً معقولاً وتحديد المعنى المراد وفق مقتضى اللغة العربية وحسب سياق النص مع نفي المعنى المحال
وهذا مذهب جمهور أئمة السلف الأعلام وخاصة علماء الصحابة الكرام وهو أوثق المذاهب وأثبتها للصحابة وقد ورد في نقول ثابتة عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي رضوان الله عليه وهو أحب المذاهب إلي وهو ما أقول به ومثاله .. (الرحمن على العرش استوى) استوى أي علا علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال قاله الطبري في تفسيره (لما خلقت بيدي) أي بنفسي بغير واسطة مشبه لقوله -بما قدمت أيديكم- أي عملته نفوسكم قاله مجاهد (وجاء ربك) أي أمر ربك أو قدرته أو ثوابه قاله أحمد بن حنبل (ويبقى وجه ربك) أي ذات ربك قاله البخاري (يوم يكشف عن ساق) أي شدة عظيمة قاله ابن عباس.
..
التفويض .. وهو عدم التعرض للنص بنفي ولا إثبات بل إمراره وقراءته كما ورد وترك الخوض فيه نفياً أو إثباتاً شرحاً أو تفسيراً
وهذا مذهب مروي عن بعض السلف ويظهر أنه كان مشتهراً عندهم
كما ورد عن الوليد بن مسلم سألت سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي في الرؤية والصفات قال : أمروها على ما جاءت ولا تفسروها.
وهو مذهب مفيد للعامة والبسطاء ممن تحيروا ولم تدرك عقولهم غير المحسوسات ونفروا عن التأويل لعجمتهم أو قلة علمهم بلغة العرب
ومثاله .. (الرحمن على العرش استوى) (لما خلقت بيدي) (وجاء ربك) (ويبقى وجه ربك) (يوم يكشف عن ساق) نقرأها كما جاءت ولا نتعرض لها ونقول تفسيرها تلاوتها والسكوت عنها قاله سفيان بن عيينه.
..
الإثبات .. وهو إثبات اللفظ الوارد على أنه صفة مع نفي المعنى المحال وعده من قبيل المشترك اللفظي وتفويض العلم بالمعنى المراد لله وحده مع نفي التكييف والتشبيه والتمثيل
وهو مذهب وارد عن كثير من السلف بصورة إجمالية كقول الشافعي (آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله) فأثبت لله إجمالاً كل ما ورد عنه ثم فوض علم المعنى المراد لله أو بصورة تفصيلية كقول الطبري (يسمع جل ثناؤه الأصوات ، لا بخرق في أذن ، ولا جارحة كجوارح بني آدم . وكذلك يبصر الأشخاص ببصر لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارح لهم. وله يدان ويمين وأصابع ، وليست جارحة ، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق ، لا مقبوضتان عن الخير ، ووجه لا كجوارح بني آدم التي من لحم ودم. ونقول : يضحك إلى من شاء من خلقه ، لا تقول: إن ذلك كشر عن أنياب)
فحاصل هذا المذهب هو إثبات اللفظ الموهم مع نفي المعنى المحال كالجارحة ونحوه وإثبات معنى يليق بجلال الله لا يعلمه إلا الله بلا كيف
فإذاً مذهب الإثبات قائم على أربعة محاور وهي ..
إثبات اللفظ الوارد كما ورد
نفي التشبيه بالتصريح بنفي المعنى المحال
رد العلم بالمعنى المراد لله عز وجل
نفي الكيفية يقولنا بلا كيف
مثاله .. ما سبق من كلام الطبري
ومثله قول أحمد : استوى كما ذكر لا كما يخطر للبشر.
وقول أبي الحسن الأشعري : وأن الله تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن الممارسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش، وفوق كل شيء، إلى تخوم الثرى، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء، بل هو رفيع الدرجات عن العرش، كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى، وهو مع ذلك قريب من كل موجود، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد.
ومثل هذا ذكره الحجة الغزالي في قواعد العقائد عند قوله : الأَصْل الثَّامِن الإستواء : الْعلم بِأَنَّهُ تَعَالَى مستو على عَرْشه بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى بالاستواء وَهُوَ الَّذِي لَا يُنَافِي وصف الْكِبْرِيَاء وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ سمات الْحُدُوث والفناء.
..
وهذا الأخير قد ضلت فيه طائفة من الناس واتخذوه ديناً لهم فقاموا بإنكار التأويل بل وأحياناً التكفير لمن يتخذه مذهباً أو تفسيقه وتضليله وكذا جعلوا التفويض شر من التأويل وجعلوا الإثبات مع تفويض المعنى تجهيلاً وسفسطوا في ذلك كثيراً
وجعلوا لهم مذهباً رابعاً ونسبوه للسلف وهو إثبات غير الإثبات المذكور وهو كالتالي ..
إثبات اللفظ الوارد على المعنى المحال ويسمونه المعنى الظاهر المتبادر فيكون الاستواء عندهم جلوساً واستقراراً والنزول والمجئ عندهم حركة ونقلة واليد والوجه عندهم جارحة وآلة والعياذ بالله
ثم نفي التشبيه بقولهم يد لا كالأيدي ووجه لا كالوجوه وللعلم فعندهم النفي يكون للمثل لا للشبه إذ عندهم يجوز الشبيه ولا يجوز المثيل
ثم إثبات الكيفية مع تفويض العلم بها الله عز وجل
فعندهم ربهم به وجه جارحة لا كوجوه الخلق بكيفية لا يعلمها إلا هو ربنا يكون مستطيل أو مربع أو دائري وعين كذلك لا يعلم كيفيتها إلا هو ربنا تكون واسعة أو ضيقة زرقاء أو بنية كل هذا على حد تعبير أحد أجل شيوخهم !!
روى الذهبي عن الاوزاعي قال: بعث عبد الله بن علي-العباسي- إليّ، فاشتد ذلك علي، وقدمت، فدخلت والناس سماطان-صفان- فقال:
...يا عبد الرحمن! ما تقول في قتل أهل هذا البيت-بني أمية-؟
قلت: حدثني محمد بن مروان، عن مطرف بن الشخير، عن عائشة: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لايحل قتل المسلم إلا في ثلاث ... ) ، وساق الحديث.
فقال: أخبرني عن الخلافة، وصية لنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
فقلت: لو كانت وصية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ترك علي -رضي الله عنه- أحدا يتقدمه. - وفي رواية لما رضي بالحكمين-
قال: فما تقول في أموال بني أمية؟
قلت: إن كانت لهم حلالا، فهي عليك حرام، وإن كانت عليهم حراما، فهي عليك أحرم.
فأمرني، فأخرجت.
قلت-الذهبي-: قد كان عبد الله بن علي ملكا جبارا، سفاكا للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بِمُرّ الحق كما ترى، لا كخلق من علماء السوء الذين يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف، ويقلبون لهم الباطل حقا قاتلهم الله أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق. انتهي.
[سير أعلام النبلاء ط الرسالة، ١٢٥/٧]
📢 - قال العلّامةُ الشّيخُ [ مُحَمَّد علّيش ] مفتي السّادةِ المالكيّة : (( وأَمْرُ عَوَامِّ النَّاسِ باتِّباعِ الكتابِ والسُّنَّةِ كلمةُ حَقٍّ أُريدَ بها باطلٌ ، إذ مُرادُهُ تَركُ المذاهبِ المُتَّبَعةِ وأَخْذُ الأحكامِ مِنَ الكتابِ والسُّنَّة بِلَا واسطةٍ ، وهَذا ضلالٌ ، والأَمْرُ به أدلُّ دليلٍ على الجهلِ إذْ مِنَ المَعلومِ لكل أَحَدٍ أنَّ النُّصوصَ مِنها المنسوخُ ومنها المَردودُ لِطَعْنٍ في رُوَاتِهِ ، ومنها ( أي : النّصوص ) ما عَارَضَه أقْوَى منه فتُرِك ، ومنها المُطلَقُ في مَحَلٍّ وقَدْ قُيِّدَ في مَحَلٍّ آخَرَ ، ومنها المَصْروفُ عَن ظاهرِه لأَمْرٍ اقتضى ذلك ومنها و منها... ولا يُحَـقِّـقُ ذلكَ إلَّا الأئمةُ المجتهدونَ ، وأَعظمُ ما حُرِّرَ مِنَ مَذاهبِ المُجتهدينَ مذاهبُ الأئمةِ الأربعةِ المُتَّبَعينَ ، لِكثرةِ المُحَقِّقِين فيها مَع سَعة الاِطِّلاعِ وطُولِ البَاعِ ، فالخروجُ عن تقليدِهم ضَلالٌ ، والأَمرُ بِـهِ جَهْـلٌ وَعِصْـيَـان )) .
فتحُ العَليِّ المَالِك ( ١ / ١٠٩ ) .
*ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية:*

*أنّ الرَكْبَ العِرَاقيّ خَرَج حَاجّاً في سنة 394، فَلمّا فَرِغُوا مِن الحَجّ عزم أميرهم على العود سريعاً إلى بغداد وأن لا يقصدوا المدينة النبوية خوفاً من سرّاق الحجيج، فقام شابان قارئان على جادة الطريق التي منها يُعدل إلى المدينة النبوية – عند المفرق - ، وقرآ : ﴿مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾. فَضَجّ النّاسُ بالبكاء، وأمالت النوق أعناقها نحوهما، فمال الناس بأجمعهم والأمير إلى المدينة فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم*.
حَقيقَةُ مَذهبِ السَّلفِ في التَّفويضِ
جاء في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٣/ ٤٨٠ ):


"أَخْبَرَنَا أحمد بن محمَّد بْنِ حَفْصِ ، قَالَ : ثنا محمد بن أحمد بنِ سَلَمَةَ ، قَالَ : ثَنَا أَبو محمد سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَكِيمِ السُّلَمِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ المُهْدِي بْنِ يُونُسَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ دَاوُدَ بْنَ طَلْحَةَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّوْسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ محمَّد بْنَ الْحَسَنِ ، يَقُولُ : " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مِنَ الْمُشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الثَّقَاتُ عَنْ رَسُول اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ تَغْبِيرِ وَلَا وَصْفِ وَلَا تَشْبِيهِ ، فَمَنْ فَسَّرَ الْيَوْمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، فَقَدْ خَرَجَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَصِفُوا وَلَمْ يُفَسِّرُوا ، وَلَكِنْ أَفْتَوْا بِمَا فِي الْكِتَابِ والسُّنَّة ثمَّ سَكَتُوا ، فَمَنْ قَالَ بِقَوْل جَهُم فَقَدْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ لَا شَيْءَ " .

وجاء في كتاب الأسماء والصفات للبيهقي (٢/ ١٥٨) ." :

" قَالَ أَبو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : ليسَ فِيمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صِفَةِ الْيَدَيْنِ شِمَالٌ ، لِأَنَّ الشَّمَالَ مَحَلُ النَّقْصِ وَالضَّعْفِ ، وَقَدْ رُوِيَ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينُ ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْيَدِ عِنْدَنَا الْجَارِحَةَ ، إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ ، فَنَحْنُ نُطْلِقُهَا عَلَى مَا جَاءَتْ وَلَا نُكَيَّفُهَا ، وَنَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ انْتَهَى بِنَا الْكِتَابُ وَالْأَخْبَارُ المأثورَةُ الصَّحِيحَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّة وَالجَمَاعَةِ "

وكذلك قال الإمام البيهقي أيضاً في كلامه على حديث : " يَنْزِلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْل الْآخِرِ فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلْنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ " . قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهَذَا حَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ فِيمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ والسُّنَّةِ مِنْ أَمْثَالِ هَذَا ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي تَأْوِيلِهِ ، ثمَّ إِنَّهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَآمَنَ فِي اللُّغَةِ وَلَا يُنَاقِضُ التَّوْحِيدَ " . انظر : الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث (ص١١٦).

وقال الإمام ابن عبد البر : " الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةَ وَأَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ فِي هَذِهِ المُسْأَلَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ، وَالتَّصْدِيقُ بِذَلِكَ ، وَتَرْكُ التَّحْدِيدِ وَالْكَيْفِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ . أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهَ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أحمد بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَحمد بنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَحمد بنِ نَصْرٍ أَنَّهُ سَأَلَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَجْعَلُ السَّمَاءَ عَلَى أُصْبُعِ " ، وَحَدِيث : " إِنَّ قلوب بني آدَمَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحمن " ، وَإِنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ أَوْ يَضْحَكُ مِمَّنْ يَذْكُرُهُ فِي الْأَسْوَاقِ " ، " وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ ، وَنَحْوُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، فَقَالَ : هَذِهِ الْأَحَادِيثُ نَرْوِيهَا ، وَنُقِرُّ بِهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفَ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد ، قَالَ : سَمِعْتُ الهُيْثَمَ بْنَ خَارِجَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ ، وَسُفْيَانَ الثوري ، وملك بْنَ أَنَسٍ ، وَاللَّيْـتَ بنَ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الصَّفَاتِ ، فَقَالُوا : أَمِرُوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِ ، وَذَكَرَ عَبَّاسُ الدُّورِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ، يَقُولُ : شَهِدْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٌّ سَأَلَ وَكِيعَ بنَ
الجَرَّاحِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا سُفْيَانَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ، يَعْنِي مِثْلَ : الْكُرْسِيُّ مَوْضِعَ الْقَدَمَيْنِ ، وَنَحْوِ هَذَا ، فَقَالَ : أَدْرَكْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ ، وَسُفْيَانَ ، وَمِسْعَراً يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَلَا يُفَسِّرُونَ شَيْئاً .

قَالَ عَبَّاسُ بْنُ محمد الدُّورِيُّ : وَسَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدِ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ وَذَكَرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِي الرُّؤْيَةِ ، وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْقَدَمَيْنِ ، وَضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عباده ، وأَنَّ جهنم لتمتلىء ، وَأَشْبَاهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَقَالُوا : إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ : يَقَعُ فِي قُلُوبِنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ حَقٌّ ، فَقَالَ : ضَعَفْتُمْ عِنْدِي أَمْرَهُ ، هَذِهِ الْأَحَادِيثُ حَقٌّ لَا شَكٍّ فِيهَا ، رَوَاهَا الثَّقَاتُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ إِلَّا أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَنُفَسِّرْهَا ، وَلَمْ نَذْكُرُ أَحَداً يُفَسِّرُهَا ، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ حَدَّثَ بِمِثْل هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ..." .


انظر : التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (١٤٨/٧ - ١٥٠ ) ، وانظر : تفسير القرآن ، السمعاني (٣٦٦/٢) ، معالم التنزيل في تفسير القرآن ( تفسير البغوي) (۱۹۷۲) ، وانظر : (١ (٢٥) ، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (۳۰۳/۲) ، الملل والنحل (۱/ ۹۱) ، مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) (٣٩٥/١٢) ، ذم التأويل (ص ۲۳) ، فتاوى ابن الصلاح (۱/ ۸۳) ، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٤٢/٣ ) ، الجامع لأحكام القرآن (١٤/٤) ، المجموع شرح المهذب (٤٨/٤) ، سير أعلام النبلاء (٥٠٦/١٠) ، العلـو للعــلي الـغـفــار في إيضاح صحيح الأخبار وسقيمها ( ص ١٤٦) ، سير أعلام النبلاء (۸/ (١٠٥) ، طبقات الشافعية الكبرى (١٩١/٥-١٩٢) ، فضل علم السلف على الخلف ( ص ٤ ) ، الإتقان في علوم القرآن (١٤/٣) ، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (١٦٢/١) ، (٩٢٤/٣) ،
(من كرامات مولانا ابن عطاء الله السكندري )

يقول الإمام إبن النحوي رحمه الله تعالى : حضرت مجلس سيدى إبن عطاء الله السكندري ذات يوم و هو يومئذ كبير الصوفية في عصره ، فنظرت إليه متعجباً من علومه فقلت في نفسي يا ترى الشيخ في أي مقام من المقامات ؟!! فنظر لي الشيخ و قطع حديثه و قال :
في مقام المذنبين العاصين يا بن النحوي !! ، فعجبت من ذلك و لزمت الصمت من هيبته ثم سلمت عليه و انصرفت فرأيت في تلك الليلة بالمنام سيدنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يجلس على مرتبة عالية والصحابة الكرام حوله والناس مجتمعون ،

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : أين تاج

الدين بن عطاء الله ؟!

فقال : نعم يا رسول الله

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :

تكلم فإن الله يحب كلامك ، فأخذ

يتكلم و استيقظت ، فجئت لسيدي إبن عطاء الله فسمعته

يتكلم بالذي رأيته أمام سيدنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقلت في نفسي

هذا والله هو المقام ، فنظر لي سيدي إبن عطاء و قال : و ما خفي عنك كان أعظم يا إبن النحوي
مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ

الإِسْرَاءُ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَيَجِبُ الإِيـمَانُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَى اللَّهُ بِهِ لَيْلًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَقَد أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَقِّ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَمُحَدِّثِينَ وَمُتَكَلِّمِينَ وَمُفَسِّرِينَ وَعُلَمَاءَ وَفُقَهَاءَ عَلَى أَنَّ الإِسْرَاءَ كَانَ بِالْجَسَدِ وَالرُّوحِ وَفِي الْيَقَظَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ (إِنَّ مَنْ أَنْكَرَ الإِسْرَاءَ فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ وَمَنْ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ فَقَدْ كَفَرَ) وَأَمَّا الْمِعْرَاجُ فَقَدْ ثَبَتَ بِنَصِّ الأَحَادِيثِ وَأَمَّا الْقُرْءَانُ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ نَصًّا صَرِيحًا لا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا لَكِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ مَا يَكَادُ يَكُونُ نَصًّا صَرِيحًا، فَالْمِعْرَاجُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْءَانِ بِنَصٍّ صَرِيحٍ لا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْقُرْءَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمِعْرَاجِ لَكِنَّهُ لَيْسَ نَصًّا صَرِيحًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ فَمَنْ فَهِمَ أَنَّ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ كَفَرَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لا يَعْرِفُ وَلَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْءَانِ وَلا اعْتَقَدَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ هَذَا اعْتِقَادُهُمْ فَلا يَكْفُرُ.

فَالإِسْرَاءُ قَدْ جَاءَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا﴾ (سُورَةَ الإِسْرَاء 1) والسَّبْحُ فِي اللُّغَةِ التَّبَاعُدُ، وَمَعْنَى سَبِّحِ اللَّهَ تَعَالَى أَيْ بَعِّدْهُ وَنَزِّهْهُ عَمَّا لا يَلِيقُ بِهِ مِنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَصِفَاتِهِمْ كَالْحَجْمِ اللَّطِيفِ وَالْحَجْمِ الْكَثِيفِ وَصِفَاتِهِمَا كَالأَلْوَانِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْمَقَادِيرِ كَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَالتَّحَيُّزِ فِي الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ (سُورَةَ الشُّورَى 11) فَلَوْ كَانَ لَهُ حَجْمٌ كَبِيرٌ أَوْ صَغِيرٌ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ كَثِيرٌ.

وَقَوْلُهُ ﴿بِعَبْدِهِ﴾ أَيْ بِمُحَمَّدٍ، قِيلَ لَمَّا وَصَلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ وَالْمَرَاتِبِ الرَّفِيعَةِ فِي الْمِعْرَاجِ أَوْحَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ بِمَاذَا أُشَرِّفُكَ، قَالَ بِأَنْ تَنْسُبَنِي إِلَى نَفْسِكَ بِالْعُبُودِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾، مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ نِسْبَةَ النَّبِيِّ إِلَى رَبِّهِ بِوَصْفِ الْعُبُودِيَّةِ غَايَةُ الشَّرَفِ لِلرَّسُولِ لِأَنَّ عِبَادَ اللَّهِ كَثِيرٌ فَلِمَ خَصَّهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِالذِّكْرِ، ذَلِكَ لِتَخْصِيصِهِ بِالشَّرَفِ الأَعْظَمِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَيْلًا﴾ نَصْبٌ عَلَى الظَّرْفِ، فَإِنْ قِيلَ فَلِمَاذَا أَتْبَعَ بِذِكْرِ اللَّيْلِ؟ قُلْنَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ﴿لَيْلًا﴾ بِلَفْظِ التَّأْكِيدِ تَقْلِيلَ مُدَّةِ الإِسْرَاءِ فَإِنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ، وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَهُوَ هَذَا الَّذِي بِمَكَّةَ فَقَدْ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ أَيْ لِشَرَفِهِ عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ خُصَّ بِأَحْكَامٍ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، وَمُضَاعَفَةُ الأَجْرِ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي غَيْرِهِ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا، وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الأَقْصَى فَقَدْ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ قِيلَ لِأَنَّهُ مَقَرُّ الأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطُ الْمَلائِكَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (سُورَةَ الصَّافَّات 99) أَيْ إِلَى حَيْثُ وَجَّهَنِي رَبِّي إِلَى مَكَانٍ أَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَيْهِ، أَيْ إِلَى بَرِّ الشَّامِ إِلَى فِلَسْطِينَ لِأَنَّهُ عَرَفَ بِتَعْرِيفِ اللَّهِ إِيَّاهُ أَنَّ الشَّامَ مَهْبِطُ الرَّحَمَاتِ وَأَنَّ أَكْثَرَ الْوَحْيِ يَكُونُ بِالشَّامِ وَأَنَّ أَكْثَرَ الأَنْبِيَاءِ
كَانُوا بِهَا، وَلِأَنَّ فِلَسْطِينَ لَيْسَتْ تَحْتَ حُكْمِ النُّمْرُودِ، فَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَشْوِيشٍ، وَمِنْ غَيْرِ أَذًى يَلْحَقُهُ، فَانْتَقَلَ مِنْ بَلَدِهِ الْعِرَاقِ إِلَى فِلَسْطِينَ ثُمَّ بَعْدَ زَمَانٍ ذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ، وَتَرَكَ سُرِّيَّتَهُ هَاجَرَ وَابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ هُنَاكَ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَ أَهْلَ مَكَّةَ مِنَ الثَّمَرَاتِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ لِأَنَّ مَكَّةَ وَادٍ لَيْسَ بِهَا زَرْعٌ، فَأَمَرَ اللَّهُ جِبْرِيلَ أَنْ يَنْقُلَ جَبَلَ الطَّائِفِ مِنْ بَرِّ الشَّامِ إِلَى هُنَاكَ فَقَلَعَهُ جِبْرِيلُ وَوَضَعَهُ هُنَاكَ، وَهَذَا الْجَبَلُ فِيهِ عِنَبٌ مِنْ أَجْوَدِ الْعِنَبِ وَفِيهِ الرُّمَّانُ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَوَاؤُهُ لَطِيفٌ جِدًّا، وَهُوَ مُصْطَافُ أَهْلِ مَكَّةَ، ذَكَرَ ذَلِكَ الأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مَكَّةَ، وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلُ الْفَوَائِدِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا﴾ أَيْ مَا رَأَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ.

وَقَدْ أَسْرَى اللَّهُ تَعَالَى بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ مِنْ مَكَّةَ لَيْلًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَرَّ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى أَرْضِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَيْهَا. وَهُوَ بِمَكَّةَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ لَيْلًا فَفَتَحَ سَقْفَ بَيْتِهِ وَلَمْ يَهْبِطْ عَلَيْهِمْ لا تُرَابٌ وَلا حَجَرٌ وَلا شَىْءٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ نَائِمًا حِينَهَا فِي بَيْتِ بِنْتِ عَمِّهِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أُخْتِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ فِي حَيٍّ اسْمُهُ أَجْيَاد بَيْنَ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَجَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَيْقَظَهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَرْكَبَهُ عَلَى الْبُرَاقِ خَلْفَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ فَوَصَلا إِلَى أَرْضِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ انْزِلْ فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِطُورِ سِينَاءَ حَيْثُ كَانَ مُوسَى لَمَّا سَمِعَ كَلامَ اللَّهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَوَصَلَ إِلَى مَدْيَنَ وَهِيَ بَلَدُ نَبِيِّ اللَّهِ شُعَيْبٍ فَقَالَ لَهُ انْزِلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَفَعَلَ، ثُمَّ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَلَمَّا وَصَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ صَلَّى بِالأَنْبِيَاءِ إِمَامًا، اللَّهُ جَمَعَهُمْ لَهُ هُنَاكَ كُلَّهُمْ تَشْرِيفًا لَهُ، بَعَثَهُمُ اللَّهُ وَقَدْ كَانُوا مَاتُوا قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا عِيسَى فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ مَاتَ بَلْ كَانَ فِي السَّمَاءِ حَيًّا، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى زَادَ نَبِيَّهُ تَشْرِيفًا بِأَنْ رَفَعَ ثَمَانِيَةً مِنَ الأَنْبِيَاءِ هُمْ ءَادَمُ وَعِيسَى وَيَحْيَى وَيُوسُفُ وَإِدْرِيسُ وَهَارُونُ وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمُ إِلَى السَّمَوَاتِ فَاسْتَقْبَلُوهُ فِي السَّمَوَاتِ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ قَدْ أَخَذَ النَّبِيَّ قَبْلَ ذَلِكَ وَوَصَلَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَيْثُ شَقَّ صَدْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحِسَّ بِأَلَمٍ وَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيـمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ فِيهِ سِرَّ الْحِكْمَةِ وَالإِيـمَانِ ثُمَّ أَعَادَهُ مِثْلَمَا كَانَ وَذَلِكَ حَتَّى يَتَحَمَّلَ مُشَاهَدَةَ عَجَائِبِ خَلْقِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ شُقَّ صَدْرُ النَّبِيِّ لَمَّا كَانَ صَغِيرًا وَأُخْرِجَ مِنْ قَلْبِهِ عَلَقَةٌ سَوْدَاءُ هِيَ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنِ ابْنِ ءَادَمَ حَتَّى يَظَلَّ طُولَ عُمُرِهِ مَحْفُوظًا مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ.

وَمِنْ عَجَائِبِ مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإِسْرَاءِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ سَيْرِهِ مَعَ جِبْرِيلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَأَى الدُّنْيَا بِصُورَةِ عَجُوزٍ، وَرَأَى إِبْلِيسَ مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ، وَرَأَى الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَزْرَعُونَ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمَيْنِ، وَرَأَى خُطَبَاءَ الْفِتْنَةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ لِلضَّلالِ وَالْفَسَادِ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ أَيْ بِمِقَصَّاتٍ مِنْ نَارٍ.
2025/07/07 13:45:42
Back to Top
HTML Embed Code: