Telegram Web Link
قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«مَنْ سبَّ الوقتَ وقبَّح الزمنَ وذمَّ الدهرَ فقَدْ سبَّ الفاعلَ وهو اللهُ تعالى» .

🔗 الفتوى رقم: ٧١٥

لَا تحذف ولَا تُضف 🧷
www.tg-me.com/a9wal_ferkousse
#جــديــــد

السؤال :

أحدهم يستحلّ منك حيث قال عنك كلاما ثم عرف أنه ظلمك بهذا ..

الجواب:

"على كل؛ هي بحسب ردّه:
إن قال أنا لا أسمع لفلان؛ ويعتقد الأعلميّة في غيري فله ذلك، لأن العلماء يختلفون في المجتهدين هل هم على قدر سواء عند العوام؟!
بمعنى: هل يسأل واحدا يكفي؟! للآية: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} الآية، وهؤلاء المجتهدون بالنسبة للمقلّد هم أهل الذّكر ..
هذا مذهب الجمهور بالنسبة للعامة؛ سواء سأل هذا أو هذا؛ فيجوز له ذلك.

أمّا الإمام أحمد وابن حزم، وغيره .. قال لا يجوز له في البلد إلا أن يسأل الأعلم، ويُعرف -الأعلم- عن غيره بالشّهرة، وبتعيين بعض الفقهاء له، ويُبيّنون مكانته .. فيعرفه العاميّ هذا.

إذن فيه خلاف بين أهل العلم في هذا، فابن حزم وأحمد ومن وافقهم .. يقولون أنّه لا يجوز أن يسأل إلا الأعلم، للآية، وأهل الذّكر ليسوا على قدر واحد، فالعامي يسأل الأعلم.

في مادة علم أصول الفقه موجودة هذه في باب الاجتهاد .. هل المجتهدون على نفس المستوى عند المستفتي؟!
خلاف عند أهل العلم.

إذا ظهر له أن فيه أعلم بأماراته وأدلّته، وبما يعرف الرجل .. نعم، لكن إذا قال أن هذا غير موجود، فهذا أمر آخر ..

الرّاجح عندي الأخذ بالأعلميّة، وهو -أي الأعلم- ربّما موجود في الحجاز، أو في أيّ وطن آخر .. لا يستطيع أن يصله، فهو في حكم المعدوم.
ويمكن أن يكون أعلم في مادة -علم- ناقصا في أخرى، فالقول هذا صحيح من جوانب، وغير صحيح من أخرى ..

إذن تصحيح مثل هذه الأمور في من يأخذ عنه ومن يدع؛ لابد له من توجيه سليم حتى يفهم الأمر.

لا يقدح في الشخص إن قال: آخذ من هذا ولا آخذ من هذا .. لكن أن يرميه بأشياء وتُهم فهذا لا يجوز، كأن يقول أنّه متعصّب، ولا يأخذ بالدّليل .. فهذا فيه قدح فيه ..
أما أن يقول: آخذ بالأعلم فلا بأس، شرط أن يكون صادقا في ذلك ..

تجد ربّما عالما في مسائل الصلاة أو غير ذلك .. لهذا قالوا المفتي الأكمل أولى من الناقص أو المتجزّئ، فيمكن أن يكون الاجتهاد بالجزء ..

الجمهور يرَون أن الاجتهاد حالة، ممكن تجد من يعرف أصول المواريث مثلا، فعند عرض مسألة في المواريث تجده فقيها ..

أمّا الشّوكاني وغيره؛ قالوا: لابد أن يكون مجتهدا في الكلّ، لا في مسألة أو باب ..

فالجمهور وابن القيّم ومن وافقهم قالوا: يجوز أن يكون مجتهدا في باب دون باب، والمجتهد في الكلّ أولى، والأعلميّة في جميع الأبواب لا في واحد.

المتفنّن في باب يمكن أن يعرف الجزئيات الّتي لا يعرفها الآخر فيه، وقد تجد في النّهر ما لا تجد في البحر، فتجد جزئيات لم يكن مطّلعا عليها صاحب العلوم الواسعة يعرفها الّذي تعمّق في هذا الباب.

في الجملة: صاحب الأعلميّة يكون في كلّ المسائل، فالعلوم مرتبطة مع بعض، ولا علم إلا بالكليّات.

تتكلّم في باب العبادات، أو المعاملات الماليّة مثلا، وغيرها .. فتجد أن لها علاقة بالمواريث، والجنايات، وغير ذلك .. فالّذي يكون محدودا في باب واحد لا يعرفها كلّها، ويعرفها الّذي يكون جامعا للعلوم ..

إذا أحسّ هذا أنّه تعدّى بالكلام؛ عذره مقبول، وأنا لا أعتبره قدحا أو طعنا، فنشعر دائما أن في أنفسنا نقصا، ففيه من هو أعلم منّا في مسألة، أو باب، أو غيرها .. فهو بحسبه .."



الجزائر في:  ٢٨ مِنْ ذي الحجة ١٤٤٥ﻫ
المُــــوافـــــق ﻟ:  ٤يوليو ٢٠٢٤م
غدا أو بعد غد يدخل شهر الله المحرم، وهو أحد الأشهر الحرم، يستحب الإكثار فيه من الصيام.
فقد أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَرْفَعُهُ، قَالَ: « سُئِلَ -أي النبي صلى الله عليه وسلم- أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟
فَقَالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ ».
وفي رواية عنده: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ ».
لماذا قال شهر الله، والشهور كلها لله؟
قال أبو عبيد: أراه قد نسبه إلى الله، وقد علمنا أن الشهور كلَّها لله، ولكن إنما يُنسب إليه تبارك وتعالى كل شيء يَعظُم ويَشرُف، فهذه الإضافة على جهة التعظيم له، وذلك أن الله جعله حراما، لا يحل فيه قتال، ولا سفك دم، وفيه عاشوراء. انتهى
في حكم صيام شهر الله المحرَّم
السؤال:
هل يُشرَعُ صيامُ شهرِ مُحرَّمٍ كُلِّه؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فَقَبْلَ الجوابِ على سؤالكم فينبغي التنبيهُ على خطإٍ شائعٍ في إطلاق لفظِ «محرَّم» مجرَّدًا عن الألف واللَّام؛ ذلك لأنَّ الصوابَ إطلاقُه معرَّفًا، بأَنْ يقال: «المحرَّم»، لورود الأحاديث النبويَّة بها معرَّفةً؛ ولأنَّ العربَ لم تذكر هذا الشهرَ في مقالهم وأشعارهم إلَّا معرَّفًا بالألف واللام، دون بقيَّة الشهور؛ فإطلاقُ تسمِيَتِه إذًا سماعيٌّ وليس قياسيًّا.
هذا، وشهر المحرَّم محلٌّ للصيام؛ لذلك يُستحَبُّ الإكثارُ مِنَ الصيام فيه؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ»(١).
ويتأكَّد استحبابُ صومِ عاشوراءَ وهو اليومُ العاشرُ مِنَ المحرَّم لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ»(٢)؛ وصيامُ عاشوراءَ يكفِّر السَّنَةَ الماضية لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاء، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»(٣)؛ ويُستحَبُّ أَنْ يتقدَّمَه بصومِ يومٍ قبلَه وهو التاسعُ مِنَ المحرَّم؛ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ ـ إِنْ شَاءَ اللهُ ـ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»»، قَالَ: «فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(٤)، وفي روايةٍ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»(٥)؛ كما يُستحَبُّ له أَنْ يصوم يومًا بعده وهو اليومُ الحادي عَشَرَ لِمَا رُوِيَ موقوفًا صحيحًا عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما مِنْ قوله: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاء، وَخَالِفُوا [فيه] اليَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا»(٦)؛ قال الحافظ ـ رحمه الله ـ: «..صيامُ عاشوراءَ على ثلاثِ مَراتِبَ: أدناها: أَنْ يُصامَ وَحْدَه، وفوقَه: أَنْ يُصامَ التاسعُ معه، وفوقَه: أَنْ يُصامَ التاسعُ والحادي عَشَرَ»(٧).
وجديرٌ بالتنبيه أنَّ شهرَ اللهِ المحرَّمَ يجوز الصيامُ فيه مِنْ غيرِ تخصيصِ صومِ يومِ آخِرِ العامِ بِنيَّةِ توديع السَّنَةِ الهجريَّة القمريَّة، ولا أوَّلِ يومٍ مِنَ المحرَّم بِنيَّةِ افتتاح العام الجديد بالصيام، باستثناءِ ما ذُكِرَ مِنْ تخصيص عاشوراءَ ويومَيِ المخالفة فيهما لليهود؛ ومَنْ خصَّص آخِرَ العامِ وأوَّلَ العامِ الجديد بالصيام إنما استند على حديثٍ موضوعٍ: «مَنْ صَامَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ المُحَرَّمِ، فَقَدْ خَتَمَ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَافْتَتَحَ السَّنَةَ المُسْتَقْبَلَةَ بِصَوْمٍ؛ جَعَلَ اللهُ لَهُ كَفَّارَةَ خَمْسِينَ سَنَةً»(٨)، وهو حديثٌ مكذوبٌ ومُختلَقٌ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم؛ قال أبو شامة: «ولم يأتِ شيءٌ في أوَّلِ ليلة المحرَّم، وقد فَتَّشْتُ فيما نُقِل مِنَ الآثارِ صحيحًا وضعيفًا وفي الأحاديثِ الموضوعة، فلم أَرَ أحَدًا ذَكَر فيها شيئًا؛ وإنِّي لَأتخوَّف ـ والعياذُ بالله ـ مِنْ مُفْتَرٍ يختلق فيها»(٩).
فلا يُشرَع ـ إذن ـ في شهر المحرَّم ولا في عاشوراءَ شيءٌ إلَّا الصيام؛ أمَّا أداءُ عُمرةِ أوَّل المحرَّم، أو التزامُ ذِكرٍ خاصٍّ أو دعاءٍ، أو إحياءُ ليلةِ عاشوراءَ بالتعبُّد والذِّكر والدعاءِ، فلم يَثبُت في ذلك شيءٌ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ولا عن التابعين الكرام؛ قال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(١٠).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٤ مِنَ المحرَّم ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١١/ ٠١/ ٢٠٠٨م
الموقع الرسمي للشيخ فركوس حفظه الله
استقبلوا عامكم بروحٍ وثَّابةٍ، واجتنبوا حسرة التأسُّف على ما فات، فإنَّها تُضعف النَّفس عن العمل لما هو آت.

غرّة شهر المحرم ١٤٤٦
📝 الشيخ صالح العصيمي
الدُّعَاءُ
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «فَالعَارِفُ يَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ أََسْبَابِ الإِجَابَةِ مِنَ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلاَ يَمَلُّ وَلاَ يَسْأَمُ، وَيَجْتَهِدُ فِي مُعَامَلَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الشِّدَّةِ، فَإِنَّهُ أَنْجَحُ، فَالوَاجِبُ النَّظَرُ فِي الأُمُورِ، فَإِنْ عَدِمَ الإِجَابَةَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ إِمَّا لِعَدَمِ بَعْضِ المُقْتَضِي أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ فَيَتَّهِمُ نَفْسَهُ لاَ غَيْرَهَا، وَيَنْظُرُ فِي حَالِ سَيِّدِ الخَلاَئِقِ وَأَكْرَمِهِمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَيْفَ كَانَ اجْتِهَادُهُ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ وَغَيْرِهَا، وَيَثِقُ بِوَعْدِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، وَلْيَعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى» [«الآداب الشّرعيّة» لابن مفلح: (1/ 149)].
الموقع الرسمي للشيخ فركوس حفظه الله
لا تغفلُوا عن سُننِ يومِ الجُمعة:

- لا تتوقفوا عن الصَلاة على النبيّ ﷺ طوال اليوم 🌾
- لَا تَنسـوا سُـورة الكَهفِ 🌿
- وتجهزوا لخيرٍ عظيمٍ من الدعواتِ من بعدِ صلاة العصر ✉️
في الفرقِ بين الكُفرِ والشِّرك
السؤال:
بالنَّظرِ إلى تَداخُلِ المفهومِ والمُصطلَحِ بين الكُفرِ والشِّركِ؛ اختلفَ العلماءُ في التَّفريقِ بينهما، فمنهم مَنْ يرى أنَّهما مُترادِفانِ، ومنهم مَنْ يقولُ بوجودِ فرقٍ بينهما، فما الرَّاجحُ في المسألة؟ حَفِظَكم اللهُ وجزاكم خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فينبغي أَنْ يُعلَمَ ـ ابتداءً ـ بوجودِ فرقٍ بين الكُفرِ والشِّركِ مِنَ النَّاحية اللُّغويَّةِ، حيث إنَّ المرادَ ﺑ:
الكُفر في اللَّغةِ: السَّترُ والتَّغطيةُ، ومنه قولُه تعالى: ﴿كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ﴾ [الحديد: ٢٠]، والمرادُ بالكُفَّار في الآيةِ هم الزُّرَّاعُ الذين يَستُرونَ الحَبَّ بالتُّراب، قال ابنُ فارسٍ ـ رحمه الله ـ: «والكُفرُ: ضِدُّ الإيمانِ، سُمِّيَ لأنَّه تغطيَةُ الحقِّ، وكذلك كُفرانُ النِّعْمة: جُحُودُها وسَتْرُها»(١).
أمَّا الشِّركُ في اللُّغة: فقد جاء عن ابنِ فارسٍ ـ رحمه الله ـ قولُه: «شَرَكَ أَصلَانِ: أَحَدُهُما يَدُلُّ على مُقارَنةٍ وخِلافِ انْفِرادٍ، والآخَرُ يَدُلُّ على امتدادٍ واسْتِقامةٍ.
فالأَوَّلُ: الشِّرْكةُ، وهو أَنْ يكونَ الشَّيءُ بين اثْنَيْن لا يَنفرِدُ به أَحَدُهما؛ ويُقالُ: أَشْرَكْتُ فُلانًا إذا جَعَلْتَه شريكًا لَكَ؛ قال اللهُ جَلَّ ثناؤُه في قِصَّةِ موسى: ﴿وَأَشۡرِكۡهُ فِيٓ أَمۡرِي٣٢﴾ [طه]...
وأمَّا الأصلُ الآخَرُ فالشَّرَكُ: لَقَمُ الطَّريق، وهو شِرَاكُه أيضًا، وَشِرَاكُ النَّعْلِ مُشَبَّهٌ بهذا، ومنه شَرَكُ الصَّائد(٢) سُمِّيَ بذلك لِامْتِدادِه»(٣) [بتصرُّفٍ].
والفرقُ اللُّغويُّ بينهما ـ مِنْ هذه الحيثيَّةِ ـ ظاهرٌ.
وأمَّا تعريفُ الكُفرِ شرعًا: فهو جحدُ ما لا يَصِحُّ الإسلامُ بدونِه أو لا يَكمُل، قال أبو جعفرِ بنُ جريرٍ الطبريُّ ـ رحمه الله ـ: «ومَنْ جَحَدَ مِنْ فرائضِ اللهِ عزَّ وجلَّ شيئًا بعدَ قيامِ الحُجَّةِ عليه به فهو مِنْ مِلَّةِ الإسلامِ خارجٌ»(٤)، قال ابنُ القيِّمِ ـ رحمه الله ـ: «فالتَّكفيرُ حُكْمٌ شرعيٌّ، فالكافرُ مَنْ كَفَّرَهُ اللهُ ورسولُه، والكُفرُ: جَحْدُ ما عُلِمَ أنَّ الرَّسُولَ جاء به، سواءٌ كان مِنَ المَسائِلِ الَّتي تُسَمُّونها عِلْمِيَّةً أو عمليَّةً، فمَنْ جَحَدَ ما جاءَ به الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد معرفَتِه بأنَّه جاءَ به فهو كافرٌ في دِقِّ الدِّينِ وجِلِّه»(٥)، يظهر ممَّا تقدَّم: «أنَّ كُلَّ مَنْ لم يُقِرَّ بما جاء به الرَّسولُ فهو كافرٌ، سواءٌ اعْتقدَ كَذِبَه أو استكبرَ عن الإيمانِ بهِ، أو أَعرضَ عنه اتِّباعًا لِمَا يهواهُ، أو ارْتاب فيما جاء به، فكُلُّ مكذِّبٍ بما جاء به فهو كافرٌ، وقد يكونُ كافرًا مَنْ لا يُكذِّبه إذا لم يُؤمِنْ به»(٦).
وأمَّا تعريفُ الشِّرك شرعًا فله معنَيَان:
الأوَّل: معنى الشِّركِ العامِّ: وهو العدلُ أو تسويةُ غيرِ الله بالله فيما هو مِنْ خصائص الله سبحانه بجعلِها لغيره لقوله تعالى: ﴿أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ ٦٠﴾ [النمل]، والمُرادُ به: مُطلَقُ العَدلِ أو مُطلَقُ التَّسويةِ في إثباتِ ما يختصُّ به سبحانه لغيره سواءٌ جعَلَه مماثلًا لله فيها أو جعَلَه دونه؛ تعالى اللهُ عن ذلك، قال ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «فمَنْ عَدَلَ باللهِ غيرَه في شيءٍ مِنْ خصائصِه سبحانه وتعالى فهو مُشرِكٌ»(٧)، وقال ـ أيضًا ـ: «وأصلُ الشِّركِ أَنْ تَعدِلَ بالله تعالى مخلوقاتِه في بعضِ ما يستحِقُّه وَحْدَه»(٨).
والثاني: معنى الشِّركِ الخاصِّ: هو جعلُ غيرِ الله مع الله إلهًا معبودًا مُطاعًا، أي: اتِّخاذُ ندٍّ للهِ يعبدُه كعبادتِه، ويطيعُه كطاعتِه، قال السِّعديُّ ـ رحمه الله ـ: «فإنَّ حَدَّ الشِّركِ الأكبرِ وتفسيرَه الذي يجمعُ أنواعَه وأفرادَه: (أَنْ يَصرِفَ العبدُ نوعًا أو فردًا مِنْ أفرادِ العبادةِ لغيرِ اللهِ)، فكُلُّ اعتقادٍ أو قولٍ أو عملٍ ثَبَتَ أنَّه مأمورٌ به مِنَ الشَّارعِ فصَرْفُه لله وَحْدَه توحيدٌ وإيمانٌ وإخلاصٌ، وصَرفُه لغيرِه شركٌ وكُفرٌ، فعليكَ بهذا الضَّابطِ للشِّرك الأكبرِ الذي لا يَشذُّ عنه شيءٌ»(٩)، وهذا المعنى الخاصُّ للشِّركِ هو المُتبادِرُ في الكتابِ والسُّنَّةِ وكلامِ السَّلفِ عند الإطلاق.
والفَرقُ بين الكُفرِ والشِّركِ:
· قد يتعلَّقُ الكفرُ بجانبِ تسويةِ غيرِ اللهِ وعدلِه باللهِ فيما هو مِنْ خصائصِ اللهِ سبحانه، لأنَّ الشَّرعَ جاء بضِدِّ هذه التَّسوية فتكون جحدًا أو ردًّا لِمَا جاء به الرسولُ، وهذا الجانبُ يجتمِعُ فيه مع الشِّركِ بمعناه العامِّ فدخَلَ الشِّركُ في مسمَّى الكفر، فيُطلَق على ما هو شركٌ: أنه كفرٌ، فكُلُّ مشركٍ كافرٌ، وقد سمَّى الله الشِّركَ كُفرًا في قول الله تعالى: ﴿وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ
رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ١١٧﴾ [المؤمنون]، وسمَّى كُفرَ الظَّنِّ والشَّكِّ شِركًا في قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدٗا ٣٥ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا ٣٦ قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَكَفَرۡتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلٗا ٣٧ لَّٰكِنَّا۠ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلَآ أُشۡرِكُ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا ٣٨﴾ [الكهف].
· وقد لا يتعلَّقُ الكفرُ بخصوصِ التَّسويةِ، مثل: جَحدِ الخالقِ سبحانه، أو سَبِّهِ، أو سبِّ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، أو الاستهزاءِ بالله تعالى، أو الاستهزاءِ برسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، أو إنكارِ معلومٍ مِنَ الدِّين بالضَّرورةِ، أو التَّكذيبِ بالنُّبوةِ أو التَّكذيبِ بالشَّريعةِ، أو الإعراضِ عن الدِّين، وغيرِها مِنْ مُفرَداتِ الكُفرِ.
وبهذا الاعتبارِ(١٠) يكونُ الشِّركُ نوعًا مِنْ أنواعِ الكُفرِ، أي: أنَّ الشِّركَ والمُشركَ أخصُّ مُطلَقًا مِنَ الكُفرِ والكافرِ، وبالمقابلِ يكونُ الكفرُ والكافرُ أعمَّ مطلقًا مِنَ الشِّركِ والمشركِ(١١)، فبينهما العمومُ والخصوصُ المطلقُ.
وقد يأتي باعتبارٍ آخرَ، ووجهُه ما ذكَرَهُ النَّوويُّ ـ رحمه الله ـ بقولِه: «ثُمَّ إنَّ الشِّرْكَ والكُفْرَ قد يُطلَقانِ بِمعنًى واحدٍ وهو الكُفرُ باللهِ تعالى، وقد يُفرَّقُ بينهما فيُخَصُّ الشِّرْكُ بِعَبَدَةِ الأوثانِ وغيرِها مِنَ المخلوقاتِ مع اعْتِرافِهم باللهِ تعالى ككُفَّارِ قُرَيْشٍ، فيكونُ الكُفرُ أَعَمُّ مِنَ الشِّرْك»(١٢).
هذا، ومِنَ الفوارق بين مفهومَيِ الكفر والشِّرك ـ أيضًا ـ:
ـ أنَّ الكفرَ ضِدُّه الإيمانُ؛ قال ابنُ تيميَّةَ ـ رحمه الله ـ: «والكُفرُ: عَدَمُ الإيمان بِاتِّفاقِ المُسلِمين سواءٌ اعْتَقَدَ نقيضَه وتَكلَّمَ به أو لم يَعتقِدْ شيئًا ولم يَتكَلَّمْ، ولا فَرْقَ في ذلك بين مَذْهبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة...»(١٣).
أمَّا الشِّركُ فضِدُّه التَّوحيدُ؛ قال ابنُ تيميَّةَ ـ رحمه الله ـ: «فالتَّوحيدُ ضِدُّ الشِّرْكِ؛ فإذا قامَ العبدُ بالتَّوحيدِ الَّذي هو حقُّ اللهِ فعَبَدَه لا يُشْرِكُ به شيئًا كان مُوحِّدًا»(١٤).
ـ أنَّ الكُفرَ كُلَّه هضمٌ للرُّبوبيَّة، وأنَّ الشِّركَ كُلَّه تنقُّصٌ للألوهيَّة(١٥).
هذا، وبغضِّ النَّظرِ عن تنوُّعِ الكفرِ والشِّركِ إلى: أكبرَ وأصغرَ وخفيٍّ؛ وإلى: عمليٍّ وقوليٍّ لفظيٍّ واعتقاديٍّ؛ فإنَّ الفَرقَ بينهما يظهرُ ـ أيضًا ـ في أقسامِ كُلٍّ منهما:
فمِنْ أقسامِ الكُفرِ الأكبرِ:
١ ـ كفرُ التَّكذيبِ، ٢ ـ كُفرُ الإباءِ والاستكبارِ مع التَّصديقِ، ٣ ـ كُفرُ الشَّكِّ، ٤ ـ كُفرُ الإعراضِ، ٥ ـ كُفرُ النِّفاقِ، ٦ ـ كُفرُ الجَهلِ(١٦).
ومِنْ أقسامِ الشِّركِ الأكبرِ:
 ١ ـ شِركُ الدُّعاءِ، ٢ ـ شركُ الطَّاعةِ، ٣ ـ شركُ النِّيَّةِ والإرادةِ والقَصدِ، ٤ ـ شركُ المحبَّةِ، ٥ ـ شركُ الخوفِ، ٦ ـ شركُ التَّوكُّلِ، ٧ ـ شركُ الشَّفاعةِ(١٧).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
في الحالةِ الَّتي يسقطُ فيها إذنُ وليِّ المريض في العلاج
السؤال:
وضعت زوجةُ أخي حَمْلَها قبل أيَّامٍ، ولا يزالُ تحت المراقبة الطِّبِّيَّة في العيادةِ الصِّحِّيَّةِ الخاصَّةِ بحديثي الولادة، بسببِ أنَّه يعاني مِنْ مرضٍ يتعلَّق بوجودِ عروقٍ على مستوى الكبد، وبحسَبِ تقريرات الأطِبَّاءِ وتقديراتهم فإنَّ وضعيَّتَه تستدعي أَنْ يُعالَج بإجراءِ عمليَّةٍ جراحيَّةٍ له، لكنَّ هذه العمليَّةَ مُتوقِّفةٌ على إذنِ والدِه ولا يُكتَفى فيها بإذنِ أمِّه لوحدها، فما نصيحتُكم شيخَنا وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيُفرَّق في حكم هذه المسألةِ بين حالتين، وهما:
ـ الحالة التي يسقط بها إذنُ الوليِّ للطبيب:
إذا كان المولودُ أو غيرُه المريضُ مُشرِفًا على الهلاكِ أو مهدَّدًا بالموت أو بتلفِ عُضوٍ مِنْ أعضائه، ومرضُه يمكن علاجُه على راجح الظَّن، ولا يسَعُ الوقتُ لأخذِ الإذنِ مِنْ والدِه لسببٍ أو لآخَرَ، لأنَّ حالتَه تستدعي المبادرةَ بالعلاجِ ولا تسمح بالتَّأخُّرِ، تجنُّبًا لِتَأزُّمِ حالتِه وتَدَهْوُرِ صِحَّتِه، فلا مَناصَ ـ والحالُ هذه ـ مِنَ التَّدخُّلِ السَّريعِ للطَّبيبِ ومباشرةِ ما يَلزَمُ مِنْ علاجٍ واختيارِ ما قدَّر الطَّبيبُ ومُعاوِنُوه ـ بناءً على خِبرَتِهم بمثلِ تلك الحالات ـ أنَّه الإجراءُ الأفضلُ، دون ما حاجةٍ إلى انتظارِ وصولِ إذنِ والده، عملًا بحديثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»(١)، ذلك لأنَّ الضَّررَ يُزالُ بلا ضررٍ، ولا ضمانَ على الطَّبيب ـ في هذه الحال ـ في أخذِ مسؤوليَّتِه تُجاهَ المريض إذا تمَّتْ معالجتُه وَفْقَ الأصولِ المُتعارَفِ عليها عند أهل الطِّبِّ دون تعدٍّ ولا إهمالٍ ولا تفريطٍ منه.
ـ الحالة الَّتي لا يسقط بها إذنُ الولي للطَّبيب:
أمَّا إذا كان المولودُ المريضُ غيرَ مُشرِفٍ على الهلاك، ولا يُخشى تَفاقمُ حالتِه ولا ضررٌ إذا ما تَأخَّر إجراءُ العلاج، ولا تتطلَّب العمليَّةُ تدخُّلًا سريعًا، فالتَّريُّثُ والتَّأجيلُ في تطبيبه بالعمليَّةِ أو بغيرها إلى ما بعد تيسُّرِ الحصولِ على إذنِ وليِّه، أمرٌ لا يختلف فيه الفقهاءُ، وإذا عالجه بها بغيرِ إذنِ وليِّه فإنَّ الطَّبيبَ يضمن مُطلَقًا إذا حصَلَ للمولود المريضِ مكروهٌ مِنْ موتٍ أو تشويهٍ أو إعاقةٍ ونحوِ ذلك مِنَ الأضرار.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
إنَّ أهل السُّنَّة والجماعةِ يَزْهَدون في المناصب والولايات، ولا يطمحون فيما عند الحكَّام من الدنيا والجاه، ولا يداهنونهم بدينهم، ولا يتاجرون بعلمهم، ولا ينافقون غيرهم، ويعلمون أنَّ «مَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ»(١٧)، سالكين معهم منهجَ الإسلامِ في الاعتدال والتوسُّط في الحبِّ والبُغض في الله من غير إفراطٍ ولا تفريطٍ. وهم يفرِّقون بين النظام الذي تتبنَّى فيه الدولةُ الإسلامَ وتحكم به، وبين من تتنكَّر له وتتحاكم إلى غيره، لذلك لا يتسابقون إلى مقاعد البرلمان، ولا يزاحمون غيرهم على المجالس النِّيابية لعلمهم بأنها اعتداءٌ على حقِّ الله تعالى في الحُكم، فيَمنعون أنفسَهم أن يكونوا مطيَّةً للقوانين الوضعية، وسبيلًا إلى تشريكها مع حكم الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا ٢٦﴾ [سورة الكهف]، وقال تعالى: ﴿إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ﴾ [الأنعام: ٥٧]، وقال تعالى: ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ [الشورى: ١٠].

✍️ الشيخ الدكتور محمد علي فركوس.
في حكم الاقتصار على صوم التاسع مِنَ المُحرَّم
السؤال:
هناك مَنْ يرى أنَّ عاشوراءَ هو اليومُ التاسعُ مِنَ المُحرَّم، وذلك استنادًا إلى الحديث الذي رواه مسلمٌ (١١٣٣) عن الحَكَم بنِ الأعرج قال: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ فَقُلْتُ لَهُ: «أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ»، فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا»، قُلْتُ: «هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؟» قَالَ: «نَعَمْ»؛ فما توجيهُكم لهذا الحديثِ بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فمذهبُ جماهير العلماء مِنَ السلف والخلف أنَّ عاشوراءَ هو اليومُ العاشرُ مِنْ شهر الله المُحرَّم(١)، وهو مُقتضى الاشتقاق والتسمية، ويشهد له التصريحُ الوارد في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ العَاشِرِ»(٢)، وعنه رضي الله عنهما أنه كان يقول: «خَالِفُوا اليَهُودَ؛ صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ»(٣)، كما يدلُّ عليه ظواهرُ الأحاديثِ الواردةِ في بيانِ حُكمِ صيامِ عاشوراءَ وفضلِه، وهو الراجح.
ومَنْ رأى أنَّ عاشوراءَ هو اليومُ التاسع فقَدْ أَشكلَ عليه قولُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما المذكورُ في السؤال، والذي ظاهِرُه أنَّ يومَ عاشوراءَ هو اليومُ التاسع، وقد أجاب عن هذا الإشكالِ ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ بقوله: «قال الزين بنُ المُنَيِّر: قولُه: «إِذَا أَصْبَحْتَ مِنْ تَاسِعه فَأَصْبِحْ»(٤) يُشعِرُ بأنه أراد العاشرَ لأنه لا يُصبِح صائمًا بعد أَنْ أَصبحَ مِنْ تاسعِه إلَّا إذا نوى الصومَ مِنَ الليلة المُقبِلة وهو الليلةُ العاشرة؛ قلتُ [ابنُ حجرٍ]: ويُقوِّي هذا الاحتمالَ ما رواه مسلمٌ ـ أيضًا ـ مِنْ وجهٍ آخَرَ عن ابنِ عبَّاسٍ «أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»، فمات قبل ذلك»(٥)، فإنه ظاهرٌ في أنه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم كان يصوم العاشرَ، وهَمَّ بصوم التاسع فمات قبل ذلك، ثُمَّ ما هَمَّ به مِنْ صوم التاسع يَحتمِل معناه: أنه لا يَقتصِرُ عليه بل يُضيفُه إلى اليوم العاشر: إمَّا احتياطًا له(٦)، وإمَّا مُخالَفةً لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يُشعِرُ بعضُ رواياتِ مسلمٍ»(٧).
وعليه، يتبيَّن ـ بوضوحٍ ـ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رضي الله عنهما لم يجعل عاشوراءَ هو اليومَ التاسع، وإنما أَرشدَ السائلَ إلى صيام التاسع مع العاشر، وهو ما يدلُّ عليه مجموعُ أحاديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، ويعكس صِحَّةَ هذا الفهمِ ما ذَكَره ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في مَعْرِضِ توضيح أنَّ آثارَ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما تَتَّفِقُ ولا تختلف، بل يُصدِّق بعضُها بعضًا حيث قال ـ رحمه الله ـ: «فمَنْ تأمَّل مجموعَ رواياتِ ابنِ عبَّاسٍ تَبيَّن له زوالُ الإشكالِ وسَعَةُ علمِ ابنِ عبَّاسٍ، فإنه لم يجعل عاشوراءَ هو اليومَ التاسعَ، بل قال للسائل: صُمِ اليومَ التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أنَّ يومَ عاشوراءَ هو اليوم العاشر الذي يَعُدُّه الناسُ كُلُّهم يومَ عاشوراء، فأَرشدَ السائلَ إلى صيام التاسع معه، وأَخبرَ أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم كان يصومه كذلك؛ فإمَّا أَنْ يكون فِعْلُ ذلك هو الأَوْلى، وإمَّا أَنْ يكون حمل فِعله على الأمر به وعزمِه عليه في المُستقبَل؛ ويدلُّ على ذلك أنه هو الذي روى: «صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ»(٨)، وهو الذي روى: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ العَاشِرِ»(٩)؛ وكُلُّ هذه الآثارِ عنه يُصدِّق بعضُها بعضًا ويُؤيِّد بعضُها بعضًا»(١٠).
لذلك كان مِنَ الخطإ البيِّنِ الاقتصارُ على صيامِ يوم التاسع فقط؛ إذ الواجبُ دفعُ التعارضِ وحملُ كلامِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما على التوافق ـ كما تقدَّم ـ، وذلك بفقهِ ألفاظِ الأحاديث ومعرفةِ طُرُقها؛ قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا إفرادُ التاسع فمِنْ نقصِ فهمِ الآثار وعدمِ تتبُّعِ ألفاظِها وطُرُقها، وهو بعيدٌ مِنَ اللغة والشرع، واللهُ المُوفِّقُ للصواب»(١١).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائـر في: ٢١ ربيع الثاني ١٤٣٤ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٣ مــارس ٢٠١٣م
الموقع الرسمي للشيخ فركوس حفظه الله
2024/10/04 17:17:08
Back to Top
HTML Embed Code: