Telegram Web Link
اللَّهُمَّ سلِّمْ غزَّةَ وإدلبَ وأهلَهما، وعذِّبِ الكفَرَةَ، وأَلْقِ في قُلوبِهم الرُّعبَ، وخالِفْ بين كلِمَتِهم، وأنزِلْ عليهم رِجزَكَ وعذابَكَ.
تاللهِ! إنَّ الرَّافِضةَ خِنجَرٌ طاعنٌ في خاصِرةِ الإسلامِ في كلِّ زمنٍ!! ولم يُرتجَ منهم أبدًا نصرٌ للإسلامِ والمُسلمينَ!! بل إنَّ وقائعَ الدَّهرِ تشهدُ ضدَّ ذلك!! من إعانةٍ للنَّصارى واليهودِ أكثرَ من مرَّةٍ!! وهذا أمرٌ واضحٌ مفضوحٌ مشهورٌ لمن سبرَ تاريخَهم!!

يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ قي منهاجِ السُّنَّةِ ( ٢ / ٨٠ - ٨١ ): "..ولهذا لا يُوجَدُ في أئمَّةِ الفِقهِ الذين يُرجَعُ إليهم رافضيٌّ، ولا في أئمَّةِ الحديثِ، ولا في أئمَّةِ الزُّهدِ والعِبادةِ، ولا في الجُيوشِ المُؤيَّدةِ المنصورةِ جيشٌ رافضيٌّ، ولا في المُلوكِ الذين نصَرُوا الإسلامَ وأقاموه وجاهدوا عدُوَّهُ مَن هو رافضيٌّ، ولا في الوُزَراءِ الذين لهم سِيرةٌ محمودةٌ مَن هو رافضِيٌّ..".

فكيف نرتجي من إيرانَ وحزبِ اللَّاتِ وميليشيا أسدَ نصرًا للأقصى وفِلَسطينَ؟! كلَّا واللهِ! هذا من المُحالِ.. إن قُلوبَهم لتتعطَّشُ لقَتلِ أهلِ السُّنَّةِ لا اليهودِ! وأفعالُهم في الشَّامِ أكبرُ دليلٍ!! وعِداؤهم مع اليهودِ ليس دِينيًّا ولا عقائديًّا! ولن يكونَ!
وهؤلاءِ الزَّنادِقةُ في سُوريا:
ساقوا الخُيولَ على جَماجِمِنا وما
ساقوا إلى القُدسِ الشَّريفةِ بَغْلا

وإنِّي كم أتمنَّى أن تتوبَ حماسُ إلى اللهِ من مُوالاتِها لهؤلاء! وأن تنفيَ عنها هذا الخبثَ! وأن تُحرِّرَ هذا الولاءَ الأسودَ الذي كان سببًا لانفضاضِ كثيرٍ من أهلِ السُّنَّةِ عنهم!
ولعلَّ السِّرَّ من توفيقِ اللهِ عزَّ وجلَّ لحماسَ في هذه المعركةِ المُبارَكةِ هو عدمُ مُشارَكةِ إيرانَ وأذنابِها فيها!!

وبينما تهمي قذائفُ اليهودِ على أهلِنا في غزَّةَ مثلَ الوابلِ الهطَّالِ؛ يخرجُ غُلاةُ الجرحِ والتَّعديلِ ليُحَذِّروا من حماسَ! وكتائبِ القسَّامِ! بحُجَّةِ أنَّهم من الإخوانِ المُسلِمِينَ!
وينضمُّ إلى هؤلاءِ: أحبابُ اليهودِ من المُطبِّعِينَ وغيرِهم!!

ولم يدرِ هؤلاءِ أنَّ القضيَّةَ -الآنَ- ليسَتْ قضيَّةَ حماسَ فحسبُ! ولا حتَّى الإخوان..
إنَّما القضيَّةُ قضيَّةُ فِلَسطينَ! قضيَّةُ بيتِ المقدسِ! قضيَّةُ الإسلامِ!!
فإنَّ عِداءَ اليهودِ ليس مع حماسَ! بل مع الإسلامِ!! وتاريخُهم يشهدُ لذلك منذُ عهدِ النُّبوَّةِ حتَّى زمانِنا هذا..

كفاكم تثبيطًا وتخذيلًا!! فواللهِ إنَّ صاروخًا تُطلِقُه حماسُ -بل طلقةً واحدةً-؛ لَيَفرحُ به المِئاتُ بلِ الآلافُ من المُسلِمينَ!!

وإنَّنا ندعو اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُسدِّدَ رميَهم، ويُثبِّتَ أقدامَهم، وينصرَهم على كَفَرةِ أهلِ الكتابِ.

وواللهِ! لن تقومَ السَّاعةُ حتَّى يُقتَلَ اليهودُ شرَّ قتلةٍ!
لكنَّ الأمرَ يحتاجُ إلى صبرٍ وثباتٍ ودُعاءٍ.. ففي الحديثِ: "..واعلمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تكرهُ خيرًا كثيرًا، وأنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وأنَّ الفرجَ مع الكربِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا".

اللَّهُمَّ الْعَنِ كفرةَ أهلِ الكتابِ الذين يصدُّونَ عن سبيلِكَ، ويُكذِّبونَ رُسُلَكَ، ويُقاتِلونَ أولياءَكَ، اللَّهُمَّ خالِفْ بين كلمتِهم، وأَلْقِ في قُلوبِهم الرُّعبَ، وزَلزِلْ أقدامَهم، واجْعَلْ عليهم رِجزَكَ وعذابَكَ، وأَنْزِلْ بهم بأسَكَ الذي لا تردُّه عن القومِ المُجرِمينَ..
وكيف تنامُ العينُ مِلءَ جُفونِها ** على هَفَواتٍ أيقَظَتْ كلَّ نائمِ
وإخوانُكم بالشَّامِ يُضحي مَقِيلُهم ** ظُهورَ المَذاكي أو بُطونَ القشاعمِ


للإمامِ العلَّامةِ الشَّاعرِ أبي المُظفَّرِ الأبِيوَردِيِّ (تـ ٥٠٧هـ) قصيدةٌ مُؤثِّرةٌ يَصِفُ فيها ما حلَّ بالمُسلِمِينَ من قتلٍ وأسرٍ وتشريدٍ وذُلٍّ وهوانٍ على أيدي الصَّلِيبيِّينَ الذين احتلُّوا من بلادِ الشَّامِ القُدسَ وغيرَها سنةَ (٤٩٢هـ)، ويستنهضُ فيها هِمَمَ الأُمَراءِ الذين رَضُوا بالهوانِ، وتوانوا عن نُصرّةِ رعاياهم ومُنابذةِ عدوِّهم واستردادِ ما سُلِبَ من ديارِهم، يقولُ فيها:

مَزَجْنا دِماءً بالدُّموعِ السَّواجمِ
فلم يبقَ مِنَّا عُرضةٌ للمَراحمِ

وشرُّ سلاحِ المرءِ دمعٌ يُفيضُهُ
إذا الحربُ شُبَّتْ نارُها بالصَّوارمِ

فإيهًا بني الإسلامِ إنَّ وراءكم
وقائعَ يُلحِقنَ الذُّرى بالمناسمِ

أتهويمةً في ظِلِّ أمنٍ وغِبطةٍ
وعَيشٍ كنُوَّارِ الخميلةِ ناعمِ

وكيف تنامُ العينُ مِلءَ جُفونِها
على هَفَواتٍ أيقَظَتْ كلَّ نائمِ

وإخوانُكم بالشَّامِ يُضحي مَقِيلُهم
ظُهورَ المَذاكي أو بُطونَ القشاعمِ

تَسومُهُمُ الرُّومُ الهوانَ وأنتمُ
تجرُّونَ ذيلَ الخفضِ فِعلَ المُسالِمِ

وكم من دماءٍ قد أُبِيحَتْ ومن دُمىً
تُواري حياءً حُسنَها بالمعاصمِ

بحيثُ السُّيوفُ البيضُ مُحمَرَّةُ الظُّبى
وسُمرُ العوالي دامياتُ اللَّهاذمِ

وبينَ اختِلاسِ الطَّعنِ والضَّربِ وقفةٌ
تظلُّ لها الوِلدانُ شِيبَ القوادمِ

وتلك حروبٌ مَن يَغِبْ عن غِمارِها
لِيسلَمَ يقرَعْ بعدها سِنَّ نادمِ

سلَلنَ بأيدي المُشرِكِينَ قواضِبًا
ستُغمَدُ منهم في الطُّلى والجماجمِ

يكادُ لهنَّ المُستَجِنُّ بطيبةٍ
يُنادي بأعلى الصَّوتِ: يا آلَ هاشمِ

أرى أُمَّتي لا يُشْرِعونَ إلى العِدى
رِماحَهمُ والدِّينُ واهي الدَّعائمِ

ويجتنبونَ النَّارَ خوفًا من الرَّدى
ولا يحسبونَ العارَ ضَربةَ لازمِ

أترضى صناديدُ الأعاريبِ بالأذى
ويُغضي على ذُلٍّ كُماةُ الأعاجمِ

فليتهمُ إذ لم يذودوا حميَّةً
عن الدِّينِ ضنُّوا غيرةً بالمحارمِ

وإن زَهِدُوا في الأجرِ إذ حَمِسَ الوغى
فهلَّا أتَوهُ رغبةً في الغنائمِ

لئن أذعَنَتْ تلك الخياشيمُ للبُرى
فلا عَطَسُوا إلَّا بأجدعَ راغمِ

دعوناكمُ والحربُ ترنو مُلِحَّةً
إلينا بألحاظِ النُّسورِ القشاعمِ

تُراقِبُ فينا غارةً عربيَّةً
تُطِيلُ عليها الرُّومُ عضَّ الأباهمِ

فإن أنتمُ لم تغضبوا بعد هذه
رمينا إلى أعدائِنا بالحرائمِ

الأبياتُ أو بعضُها: في المُنتَظَمِ ( ١٧ / ٤٧ - ٤٨ ) لابنِ الجوزيِّ، والكاملِ ( ٨ / ٤٢٦ - ٤٢٧ ) لابنِ الأثيرِ، وتاريخِ الإسلامِ ( ١٠ / ٦٦٩ - ٦٧٠ ) للذَّهبيِّ، والبدايةِ والنِّهايةِ ( ١٦ / ١٦٧ - ١٦٨ ) لابنِ كثيرٍ، وتاريخِ ابنِ الورديِّ ( ٢ / ١٦ )، ونهايةِ الأرَبِ ( ٥ / ٢٢٤ - ٢٢٥ ) للنُّوَيريِّ، والنُّجومِ الزَّاهرةِ ( ٥ / ١٥١ ) لابنِ تغري بردي، والأُنسِ الجليلِ ( ١ / ٤٤٩ - ٤٥٠ ) للعُلَيميِّ، وتاريخِ الخُلَفاءِ ( ص٦٥٧ ) للسُّيوطيِّ.

وبقيَ بيتُ المقدسِ وما جاوره بيدِ الصَّلِيبيِّينَ إحدى وتسعينَ سنةً، فلم يُرَ في الإسلامِ مُصيبةٌ أعظمُ من ذلك، وعجزَ مُلوكُ الأرضِ عن انتزاعِه منهم، حتَّى أذِنَ اللهُ سُبحانه وقدَّرَ بفتحِه على يدِ السُّلطانِ الكبيرِ صلاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بنِ أيُّوبَ الأيُّوبيِّ سنةَ (٥٨٣هـ) في خلافةِ النَّاصرِ لدينِ اللهِ بنِ المُستَضيءِ باللهِ العبَّاسيِّ.
وكانت هذه السَّنَةُ -أي: سنة (٥٨٣هـ)- سنةَ الفُتوحاتِ، وفيها كانَتْ وقعةُ حِطِّينَ العُظمى التي كانَتْ أمارةً ومُقَدِّمةً وتَوطِئةً وبِشارةً لفتحِ بيتِ المقدسِ على المُؤمنينَ، واستِنقاذِه من أيدي الكافرينَ.

اللَّهُمَّ أعِدْ للإسلامِ عِزَّهُ..
يا ربّ، نشكو إليك ضعفَ قُوَّتِنا، وقِلَّةَ حِيلَتِنا.
نرى نحنُ المُسلِمينَ استِعدادَ اليهودِ لاجتياحِ غزَّةَ المنكوبةِ، وقَصْفَهم المُستمِرَّ عليهم، ونقفُ حِيالَ ذلك مُتفرِّجِينَ نستنكرُ وندينُ ونشجبُّ!! بينما نرى أمريكا تُشجِّعُ اليهودَ وتدعمُهم بقُوَّةٍ..
إلى أيِّ ذُلٍّ وَصَلْنا إليه؟
صدقتَ يا حبيبي يا رسولَ اللهِ: "..بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزعنَّ اللهُ من صُدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ اللهُ في قُلوبِكم الوهنَ". 

يا أرحمَ الرَّاحِمِينَ، أنجِ المُستَضعَفِينَ من المُؤمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشدُدْ وطأتَكَ على اليهودِ وحُلَفائِهم..
استَوقَفَتْني كلمةٌ مُؤَثِّرةٌ للإمامِ ابنِ الحُطَيئةِ اللَّخميِّ المُتَوفَّى سنةَ (٥٦٠هـ) وهو صادقٌ بها.. تُمَثِّلُ حالَنا في هذا العصرِ، وكذا العُصورِ الغابِرةِ!

يقولُ شُجاعُ بنُ مُحمَّدٍ المُدلِجيُّ: وسمعتُه -يعني ابنَ الحُطَيئةِ- كثيرًا إذا ذُكِرَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي اللهُ عنه يقولُ: "طُوِيَتْ سعادةُ المُسلِمِينَ في أكفانِ عُمَرَ".

ذكَرَهُ ابنُ خلِّكانَ في الوفَيَاتِ ( ١ / ١٧١ )، والذَّهَبيُّ في السِّيَرِ ( ٢٠ / ٣٤٧ ) وفي تاريخِه ( ١٢ / ١٦٧ )، والصَّفَديُّ في الوافي ( ٧ / ٨١ )، والمقريزيُّ في المُقفَّى ( ١ / ٥١٢ )، والشَّوكانيُّ في قَطرِ الوليِّ ( ص٥١٦ ).

ولفظُ ابنِ خلِّكانَ والصَّفَديِّ: "أُدرِجَتْ سعادةُ الإسلامِ في أكفانِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي اللهُ عنه".

قال ابنُ خلِّكانَ مُعلِّقًا: "أشارَ إلى أنَّ الإسلامَ لم يزَلْ في أيَّامِه في نُمُوٍّ وازدِيادٍ، وشرعَ بعده في التَّضَعضُعِ والاضطِرابِ".

قلتُ: لعلَّ ابنَ الحُطَيئةِ قال هذه الكلمةَ بسببِ العُبَيدِيِّينَ الرَّوافضِ؛ فإنَّ الدُّنيا في تلكَ الأيَّامِ كانَتْ تغلي بهم رفضًا وزندقةً، إلى أن استأصَلَهمُ اللهُ على يدِ صلاحِ الدِّينِ الأيُّوبيِّ.
يبدو أنَّ إيرانَ ووكيلَها حزبَ اللَّاتِ أعادوا كرَّةَ ابنِ العَلقَميِّ ونُصَيرٍ الطُّوسيِّ مع حماسَ!

اللَّهُمَّ لا ناصرَ ولا غالبَ إلَّا أنتَ..
صبرًا أهلَ غزَّةَ، فإنَّ مَوعِدَكم الجنَّةُ.

حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ..
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
حديث صحيح.

فائدة:
كان هذا شعار المسلمين في غزوة الخندق.
وقد اتخذه شعارًا: القائد المُهلَّب بن أبي صُفرة -وهو راوي هذا الحديث- في حروبه مع الخوارج.
غِرَاسُ السَّلَفِ 📚
تاللهِ! إنَّ الرَّافِضةَ خِنجَرٌ طاعنٌ في خاصِرةِ الإسلامِ في كلِّ زمنٍ!! ولم يُرتجَ منهم أبدًا نصرٌ للإسلامِ والمُسلمينَ!! بل إنَّ وقائعَ الدَّهرِ تشهدُ ضدَّ ذلك!! من إعانةٍ للنَّصارى واليهودِ أكثرَ من مرَّةٍ!! وهذا أمرٌ واضحٌ مفضوحٌ مشهورٌ لمن سبرَ تاريخَهم!!…
التَّاريخُ يُعِيدُ نفسَهُ!

قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنِّهايةِ ( ١٥ / ٢٥٥ - ٢٥٣ ): "قبَّحَ اللهُ مُعِزَّ الدَّولةِ وشِيعَتَهُ من الرَّوافضِ، ولا جرمَ أنَّ اللهَ لا ينصرُ أمثالَ هؤلاءِ، ويُدِيلُ عليهم أعداءَهم؛ لمُتابَعَتِهم أهواءَهم، وتقليدِهم سادَتَهم وكُبَراءَهم وآباءَهم، وتركِ مُتابَعَتِهم أنبياءَهم وعُلَماءَهم، ولهذا لمَّا مَلَكَتِ الفاطميَّةُ بِلادَ الشَّامِ؛ استحوذَ على سواحِلِها كلِّها حتَّى بيتِ المقدسِ الفِرَنجُ، ولم يبقَ مع المُسلمينَ سِوى حلبَ وحِمصَ وحماةَ ودِمشقَ وبعضِ أعمالِها، وجميعُ السَّواحلِ مع الفِرَنجِ، والنَّواقيسُ النَّصرانيَّةُ والقُسُوسُ الإنجيليَّةُ تَنعَرُ في الشَّواهِقِ من الحُصونِ والقِلاعِ، وتكنو في أماكنِ المساجدِ وشريفِ البِقاعِ".
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان الخاطب قد عقد عليها عقدًا شرعيًّا؛ فعليها عدة الوفاة، وهي أربعة وعشرة أيام.
أما إذا كان الذي بينهما وعد بالزواج فقط وليس بينهما عقد شرعي؛ فلا شيء عليها.
قال الإمامُ أحمدُ ( ٣٦٨٧ ): حدَّثنا وكيعٌ، حدَّثنا سُفيانُ، عن سَلَمةَ بنِ كُهَيلٍ، عن عِيسى بنِ عاصمٍ، عن زِرِّ بنِ حُبَيشٍ، عن عَبدِ اللهِ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الطِّيَرةُ شِركٌ"، وما مِنَّا إلَّا، ولكنَّ اللهَ يُذهِبُه بالتَّوكُّلِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه كلُّهم ثِقاتٌ من أهلِ الكُوفةِ.
وكيعٌ هو ابنُ الجرَّاحِ، وسُفيانُ هو الثَّوريُّ، وعبدُ اللهِ هو ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه.

وقولُ: "وما مِنَّا إلَّا، ولكنَّ اللهَ يُذهِبُه بالتَّوكُّلِ": مُدرَجٌ من قولِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ.
أي: وما منَّا إلَّا وقد وقعَ في قلبِه شيءٌ من ذلك؛ ولكن لمَّا تَوَكَّلْنا على اللهِ في جلبِ النَّفعِ ودفعِ الضُّرِّ، أذهَبَهُ اللهُ عنَّا بتَوَكُّلِنا عليه وحده.
وحذفَ المُستَثنى كراهةَ أن يتلفَّظَ به، قال السُّيوطيُّ: "وذلكَ الحذفُ يُسمَّى في البديعِ بالاكتفاءِ".

قال التِّرمذيُّ تحتَ حديثِ ( ١٦١٤ ): سمعتُ مُحمَّدَ بنَ إسماعيلَ يقولُ: كان سُلَيمانُ بنُ حربٍ يقولُ في هذا الحديثِ: "وما مِنَّا، ولكنَّ اللهَ يُذهِبُه بالتَّوكُّلِ" قال سُلَيمانُ: هذا عندي قولُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ.

مُحمَّدُ بنُ إسماعيلَ هذا هو الإمامُ البُخاريُّ.

وعندَ أبي داودَ ( ٣٩١٠ ): "الطِّيَرةُ شِركٌ، الطِّيَرةُ شِركٌ"، ثلاثًا.
أي قالها ثلاثَ مرَّاتٍ.

جاءَ في "عونِ المعبودِ" وكذا نحوُه في "تُحفةِ الأحوذيِّ": الطِّيَرة شركٌ، أي: لاعتقادِهم أنَّ الطِّيرةَ تجلبُ لهم نفعًا أو تدفعُ عنهم ضرًّا، فإذا عملوا بمُوجِبِها فكأنَّهم أشركوا باللهِ في ذلك، ويُسمَّى شِركًا خفيًّا.
ومن اعتقد أنَّ شيئًا سوى اللهِ ينفعُ أو يضرُّ بالاستقلالِ فقد أشركَ شِركًا جليًّا.
قال القاضي: إنَّما سمَّاها شِركًا لأنهم كانوا يرونَ ما يتشاءمونَ به سببًا مُؤثِّرًا في حُصولِ المكروهِ، ومُلاحظة الأسبابِ في الجملةِ شركٌ خفيٌّ، فكيف إذا انضمَّ إليها جهالةٌ وسوءُ اعتقادٍ؟
قولُه: "ثلاثًا"، مُبالغةً في الزَّجرِ عنها. اهـ

وروى الحديثَ: أحمدُ ( ٤١٩٤ )، وأبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ ( ٢٨٠٨٢ )، والبُخاريُّ في الأدَبِ المُفرَدِ ( ٩٠٩ )، وأبو داودَ ( ٣٩١٠ )، والتِّرمذيُّ ( ١٦١٤ )، وابنُ ماجه ( ٣٥٣٨ )، وابنُ حبَّانَ ( ٦١٢٢ )، وأبو يعلى ( ٥٢١٩ )، والبزَّارُ ( ١٨٤٠ )، والشَّاشيُّ ( ٦٥٥ )، والبيهقيُّ في السُّنَنِ الكُبرى ( ١٦٥٩٥ ) من طريقِ سُفيانَ الثَّوريِّ.

ورواهُ الطَّيالسيُّ ( ٣٥٤ )، وأحمدُ ( ٤١٧٤ )، والبغويُّ في شرحِ السُّنَّةِ ( ٣٢٥٧ )، والشَّاشيُّ ( ٦٥١ و٦٥٢ و٦٥٣ و٦٥٤ و٦٥٦ و٦٥٧ )، والحاكمُ ( ٤٧ و٤٨ )، والبيهقيُّ في الكُبرى ( ١٦٥٩٥ ) من طريقِ شُعبةَ بنِ الحجَّاجِ.

ورواهُ أبو يعلى ( ٥٠٩٢ ) من طريقِ منصورِ بنِ المُعتمِرِ.

وثلاثتُهم ( الثَّوريُّ وشُعبةُ ومنصورٌ ) عن سَلَمةَ بنِ كُهَيلٍ، عن عِيسى بنِ عاصمٍ، عن زِرِّ بنِ حُبَيشٍ، عن ابنِ مسعودٍ.

قال التَّرمذيُّ: "وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ لا نعرفُه إلَّا من حديثِ سَلَمةَ بنِ كُهَيلٍ، وروى شُعبةُ أيضًا عن سَلَمةَ هذا الحديثَ".

قال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحٌ سَنَدُه، ثِقاتٌ رُواتُه، ولم يُخرِّجاهُ".
وأقرَّه الذَّهبيُّ.
وصحَّحُه الشَّيخُ الألبانيُّ..

قال التَّرمذيُّ: "وفي البابِ عن أبي هُرَيرةَ، وحابسٍ التَّميميِّ، وعائِشةَ، وابنِ عُمَرَ، وسعدٍ".

لن أتوسَّعَ بتخريجِ الشَّواهدِ..

- حديثُ أبي هُرَيرةَ:
رُوِيَ عنه من طُرُقٍ كثيرةٍ.. أذكرُ منها طريقَينِ:
- الأولُ: رواهُ البُخاريُّ ( ٥٧٥٤ )، ومُسلِمٌ ( ٢٢٢٣ ) عنه بلفظِ: "لا طِيَرةَ، وخيرُها الفألُ"، قِيل: يا رسولَ اللهِ، وما الفألُ؟ قال: "الكلمةُ الصَّالِحةُ يسمعُها أحدُكم".
- الثَّاني: رواهُ البُخاريُّ ( ٥٧٥٧ ) بلفظِ: "لا عدوى ولا طِيَرةَ، ولا هامةَ. ولا صفرَ".

- حديثُ حابسٍ التَّميميِّ:
رواهُ أحمدُ ( ١٦٦٢٧ و٢٠٦٧٩ و٢٠٦٨٠ و٢٣٢١٦ )، والبُخاريُّ في الأدَبِ المُفرَدِ ( ٩١٤ )، والتِّرمذيُّ ( ٢٠٦١ ) من طريقِ يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عن حيَّةَ بنِ حابسٍ التَّميميِّ، أنَّ أباهُ أخبرَهُ أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "لا شيءَ في الهامِ، والعينُ حقٌّ، وأصدقُ الطِّيَرِ الفألُ".

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ حيَّةُ بنُ حابسٍ لم يروِ عنه غيرُ يحيى بنِ أبي كثيرٍ، ولم يُوثِّقْه غيرُ ابنِ حِبَّانَ.

- حديثُ عائشةَ:
رواهُ أحمدُ ( ٢٦٠٣٤ ) عن قتادةَ، عن أبي حسَّانَ قال: دخل رجلانِ من بني عامرٍ على عائشةَ، فأخبراها أنَّ أبا هُرَيرةَ يُحدِّثُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قال: "الطِّيَرةُ في الدَّارِ والمرأةِ والفَرَسِ"، فغَضِبَتْ، فطارَتْ شِقَّةٌ منها في السَّماءِ وشِقَّةٌ في الأرضِ، وقالَتْ: والذي أنزلَ الفُرقانَ على مُحمَّدٍ ما قالَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قطُّ، إنَّما قال: "كان أهلُ الجاهلِيَّةِ يتطيَّرُونَ من ذلك".
وإسنادُه صحيحٌ.
وأبو حسَّانَ هو مُسِلمُ بنُ عبدِ اللهِ البصريُّ الأعرجُ، ثقةٌ وكان من الخوارجِ، قُتِلَ سنةَ ( ١٣٠ هـ )، وله حديثٌ في صحيحِ مُسلمٍ، واستشهدَ به البُخاريُّ في كتابِ الحجِّ.

- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ:
رواهُ البُخاريُّ ( ٥٧٧٢ )، ومُسلِمٌ ( ٢٢٢٥ ) عن حمزةَ وسالمٍ ابنَيْ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عن ابنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "لا عدوى، ولا طِيَرةَ، وإنَّما الشُّؤمُ في ثلاثةٍ: المرأةِ، والفَرَسِ، والدَّارِ".

- حديثُ سعدٍ بنُ أبي وقَّاصٍ:
رواهُ أحمدُ ( ١٥٥٤ )، وأبو داودَ ( ٣٩٢١ ) عن الحضرميِّ بنِ لاحقٍ، عن سعيدِ بنِ المُسيَّبِ، قال: سألتُ سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ عنِ الطِّيَرةِ؟
فانتَهَرَني وقال: مَن حدَّثَكَ؟ فكرهتُ أن أُحدِّثَه مَن حدَّثَني.
قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا عدوى ولا طِيَرةَ، ولا هامَ، إن تكُنِ الطِّيَرةُ في شيءٍ؛ ففي الفَرَسِ والمرأةِ والدَّارِ، وإذا سمعتُم بالطَّاعونِ بأرضٍ، فلا تهبطوا، وإذا كان بأرضٍ، وأنتم بها فلا تَفِرُّوا منه".
وإسنادُه حسنٌ.

قلتُ: وفي البابِ أيضًا عن: أنسِ بنِ مالكٍ، وجابرِ بنِ عبدِ اللهِ، وعبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عَمرِو، وقبيصةَ بنِ المُخارِقِ، ومُعاويةَ بنِ الحكمِ، وأبي أُمامةَ الباهليِّ، وأبي سعيدٍ الخُدريِّ، وعُروةَ بنِ عامرٍ -وهو تابعيٌّ-.

- حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ:
رواهُ البُخاريُّ ( ٥٧٥٦ و٥٧٧٦ )، ومُسلِمٌ ( ٢٢٢٤ ) واللَّفظُ له، عن قتادةَ، عن أنسٍ أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "لا عدوى، ولا طِيَرةَ، ويُعجِبُني الفألُ؛ الكلمةُ الحسنةُ، الكلمةُ الطَّيِّبةُ".

- حديثُ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ:
رواهُ مُسلِمٌ ( ٢٢٢٢ )، وأحمدُ ( ١٤١١٧ و١٤٣٤٩ و١٥١٠٣ ) عن أبي الزُّبَيرِ، عن جابرٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا عَدوى، ولا طِيَرةَ، ولا غُولَ".

- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ:
رواهُ أحمدُ ( ٢٤٢٥ و٣٠٣١ )، وابنُ ماجه ( ٣٥٣٩ ) من طريقِ سِماكِ بنِ حربٍ، عن عِكرِمةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا عدوى، ولا طِيَرةَ، ولا هامةَ، ولا صَفَرَ".

سِماكٌ صدوقٌ، لكنَّ رِوايتَه عن عِكرمةَ خاصَّةً مُضطرِبةٌ، وقد تُوبِعَ..

- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو:
رواهُ أحمدُ ( ٧٠٤٥ ) قال: حدَّثنا حسنٌ، حدَّثنا ابنُ لهيعةَ، أخبرَنا ابنُ هُبَيرةَ، عن أبي عبدِ الرَّحمنِ الحُبُليِّ، عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن ردَّتْهُ الطِّيَرةُ من حاجةٍ فقد أشركَ".
قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما كفَّارةُ ذلك؟ قال: "أن يقولَ أحدُهم: اللَّهُمَّ لا خيرَ إلَّا خيرُك، ولا طيرَ إلَّا طيرُك، ولا إلهَ غيرُك".

وهذا الحديثُ وإن كان في إسنادِه عبدُ اللهِ بنُ لهيعةَ إلَّا أنَّه قد رواه عنه عبدُ اللهِ بنُ وهبٍ، وهو صحيحُ السَّماعِ عنه.
رواه ابنُ السُّنِّيِّ في عَمَلِ اليومِ واللَّيلةِ ( ٢٩٢ ) من طريقِ ابنِ وهبٍ، عن ابنِ لهيعةَ، بهذا الإسنادِ.

ورواه أحمدُ ( ٧٠٧٠ ) من طريقِ رِشدِينَ بنِ سعدٍ، عن الحسنِ بنِ ثوبانَ، عن هشامِ بنِ أبي رُقيَّةَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصي قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا عدوى، ولا طِيَرةَ، ولا هامةَ، ولا حسدَ، والعينُ حقٌّ".
وإسنادُه ضعيفٌ، لضعفِ رِشدِينَ.

- حديثُ قَبِيصةَ بنِ المُخارِقِ:
رواهُ أحمدُ ( ١٥٩١٥ و٢٠٦٠٣ و٢٠٦٠٤ )، وأبو داودَ ( ٣٩٠٧ ) من طريقِ عوفِ بنِ أبي جميلةَ، عن حيَّانَ أبي العلاءِ، عن قَطَنِ بنِ قبيصةَ، عن قَبِيصةَ بنِ المُخارِقِ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ العِيَافةَ والطِّيَرةَ والطَّرقَ من الجِبتِ".
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ حيَّانُ أبو العلاءِ لم يُوثِّقْه غيرُ ابنِ حبَّانَ.

- حديثُ مُعاويةَ بنِ الحكمِ:
رواهُ مُسلِمٌ ( ٥٣٧ ) عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، عن مُعاوِيةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَميِّ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أُمُورًا كنَّا نصنعُها في الجاهليَّةِ؛ كنا نأتي الكُهَّانَ، قال: "فلا تأتوا الكُهَّانَ".
قال: قلتُ: كنا نتطيَّرُ، قال: "ذاك شيءٌ يجدُه أحدُكم في نفسِه، فلا يصدَّنَّكم".

- حديثُ أبي أُمامةَ الباهليِّ:
رواهُ الطَّبَريُّ في تهذيبِ الآثارِ ( مسند علي / ٢٤ )، والطَّحاويُّ في شرحِ معاني الآثارِ ( ٤ / ٣٠٩ برقم ٧٠٧٢ ) من طريقِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ يزيدَ بنِ جابرٍ، قال: حدَّثنا القاسمُ، عن أبي أُمامةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا عَدوى، ولا طِيَرةَ، فمَن أعدى الأوَّلَ؟".

وهذا إسنادٌ حسنٌ.
والقاسمُ هو ابنُ عبدِ الرَّحمنِ الشَّاميُّ، صاحبُ أبي أُمامةَ.
- حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ:
رواهُ الطَّبريُّ في في تهذيبِ الآثارِ ( مسند علي / ٢٧ و٢٨ ) من طريقِ أبي شِهابٍ، عنِ ابنِ أبي ليلى، عن عطيَّةَ العَوفيِّ، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا عَدوى، ولا طِيَرةَ".

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ عطيَّةَ، وكان شيعيًّا مُدلِّسًا.
وابنُ أبي ليلى هو مُحمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى، تكلَّموا فيه.
وأبو شِهابٍ هو عبدُ ربِّه بنُ نافعٍ الكنانيُّ.

- حديثُ عُروةَ بنِ عامرٍ:
قال أبو داودَ ( ٣٩١٩ ): حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبلٍ، وأبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ المعنى، قالا: حدَّثنا وكيعٌ، عن سُفيانَ، عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، عن عُروةَ بنِ عامرٍ قال: ذُكِرَتِ الطِّيَرةُ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: "أحسنُها الفألُ، ولا تردُّ مُسلِمًا، فإذا رأى أحدُكم ما يكرهُ فلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ لا يأتي بالحسناتِ إلَّا أنتَ، ولا يدفعُ السَّيِّئاتِ إلَّا أنتَ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بكَ".

وهذا الإسنادُ رِجالُه ثِقاتٌ.
وعُروةُ بنُ عامرٍ مُختَلَفٌ في صُحبَتِه، والأكثرونَ على أنَّه تابعيٌّ.
فالحديثُ مُرسَلٌ.
كنتُ اليومَ -ولا زِلتُ- بصدَدِ تخريجِ حديثِ ابنِ مسعودٍ: "الطَّيَرةُ شِركٌ"؛ فرأيتُ له شواهدَ كثيرةً.
فتصلُحُ أن تكونَ هي وأحاديثُ العدوى والهامةِ والصَّفَر والغُولِ بحثًا، جمعًا ودِراسةً..
قال الإمامُ البُخاريُّ ( ٥٧٣٩ ): حدَّثني مُحمَّدُ بنُ خالدٍ، حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ وهبِ بنِ عطيَّةَ الدِّمشقيُّ، حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ حربٍ، حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ الوليدِ الزُّبَيديُّ، أخبرنا الزُّهريُّ، عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ، عن زينبَ بنةِ أبي سلمةَ، عن أُمِّ سلمةَ رضي اللهُ عنها، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رأى في بيتِها جاريةً، في وجهِها سَفعةٌ، فقال: "استَرقُوا لها؛ فإنَّ بها النَّظرةَ".

والغايةُ من هذا الحديثِ بيانُ لطائفَ إسناديَّةٍ فيه:

١ - الأولى: أنَّه مُسَلسَلٌ إلى الزُّهريِّ بالمُحمَّدِينَ.
واسمُ الزُّهريِّ: مُحمَّدُ بنُ مُسلِمٍ، واسمُ البُخاريِّ: مُحمَّدُ بنُ إسماعيلَ.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: "اجتمع في هذا السَّندِ من البُخاريِّ إلى الزُّهريِّ سِتَّةُ أنفُسٍ في نَسَقٍ، كلٌّ منهم اسمُه مُحمَّدٌ، وإذا روينا الصَّحيحَ من طريقِ الفراويِّ عن الحفصيِّ عن الكُشمِيهَنيِّ عن الفِرَبريِّ كانوا عشرةً". اهـ

اسمُ الفِرَبريِّ: مُحمَّدُ بنُ يُوسُفَ، واسمُ الكُشمِيهَنيِّ: مُحمَّدُ بنُ مكَّيٍّ، واسمُ الحفصيِّ: مُحمَّدُ بنُ أحمدَ، واسمُ الفُرَاويِّ: مُحمَّدُ بنُ الفضلِ.
وهؤلاء من رُواةِ صحيحِ البُخاريِّ.

٢ - الثَّانيةُ: روايةُ تابعيٍّ عن مثلِه؛ الزُّهريُّ عن عُروةَ.
وعُروةُ أكبرُ منه.

٣ - الثَّالثةُ: روايةُ البنتِ عن أُمِّها؛ زينبُ عن أُمِّها أُمِّ سلمةَ.

٤ - الرَّابعةُ: زينبُ بنتُ أبي سَلَمةَ صحابيَّةٌ صغيرةٌ، وكانَتْ ربيبةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وابنةَ أخيه من الرَّضاعةِ؛ فإنَّ ثُوَيبةَ أرضَعَتْ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبا سلمةَ.
وُلِدَت زينبُ بأرضِ الحبشةِ، وكان اسمُها برَّةً، فسمَّاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زينبَ.
روَتْ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعن أُمَّهاتِ المُؤمنينَ: أُمِّها أُمِّ سلمةَ، وعائِشةَ، وأُمِّ حبيبةَ، وزينبَ بنتِ جحشٍ.

٥ - الخامسةُ: مُحمَّدُ بنُ الوليدِ الزُّبَيديُّ لازمَ الزُّهريَّ عشرَ سِنينَ سفرًا وحضرًا، حتَّى احتوى على أكثرِ عِلمِه، وهو من الطَّبقةِ الأُولى من أصحابِ الزُّهريِّ.

٦ - السَّادسةُ: شيخُ البُخاريِّ هو مُحمَّدُ بنُ يحيى الذُّهليُّ، الإمامُ الحافظُ الجليلُ.
وكان البُخاريُّ إذا روى عنه ينسبُه إلى أحدِ جُدودِه؛ لِما وقع بينهما.
أمَّا الإمامُ مُسلِمٌ؛ فوقفَ مع شيخِه البُخاريِّ، فتركَ الرِّوايةَ عن الذُّهليِّ، ولم يروِ له في صحيحِه شيئًا.
رحم اللهُ الجميعَ.

٧ - السَّابعةُ: قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: "وهذا الإسنادُ ممَّا نزل فيه البُخاريُّ في حديثِ عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ ثلاثَ درجاتٍ، فإنَّه أخرج في صحيحِه حديثًا عن عُبَيدِ اللهِ بن موسى عن هِشامِ بنِ عُروةَ عن أبيه، وهو في العتقِ، فكان بينه وبين عُروةَ رجلانِ، وهنا بينه وبينه فيه خمسةُ أنفُسٍ". اهـ

والحديثُ الذي أشار إليه الحافظُ برقم ( ٢٥١٨ ) قال البُخاريُّ: حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بنُ مُوسى، عن هِشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه، عن أبي مُراوِحٍ، عن أبي ذرٍّ قال: سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العملِ أفضلُ؟ الحديث.

٨ - الثَّامنةُ: قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: "ومُحمَّدُ بنُ وهبِ بنِ عطيَّةَ سُلَميٌّ، قد أدرَكَهُ البُخاريُّ، وما أدري لقيه أم لا؟، وهو من أقرانِ الطَّبقةِ الوُسطى من شُيوخِه، وما له عنده إلَّا هذا الحديثُ، وقد أخرجه مُسلِمٌ عاليًا بالنِّسبةِ لروايةِ البُخاريِّ هذه، قال: حدَّثنا أبو الرَّبيعِ، حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ حربٍ، فذكَرَهُ". اهـ

٩ - التَّاسعةُ: كان مُحمَّدُ بنُ حربٍ الخولانيُّ كاتبًا لشيخِه مُحمَّدِ بنِ الوليدِ الزُّبَيديِّ.

١٠ - العاشرةُ: مُحمَّدُ بنُ وهبٍ، ومُحمَّدُ بنُ حربٍ، ومُحمَّدُ بنُ الوليدِ: شاميُّونَ.

فهذه عشرُ لطائفَ، مَن يزيدُ؟
2024/09/28 18:12:03
Back to Top
HTML Embed Code: