مُحَمَّدٌ | يوميات و حكايات

وادي المقرح ...

العباسية ( تقلي ) الجزء الثاني ...

ما إن صحوت في السابعة ، حتي احتسيت بعض الشاي و أكلت بعض من ( اللقيمات ) ، مضيت مباشرة إلي موقف الحافلات. كانت ما زالت تمطر ، مطراً خريفياً خفيفاً تقريباً ، مضيت و أنا اتأمل في تلك الغيمة البيضاء و هي تغطي سفح جبل قريب ، ولكن حين ارتفعت الشمس حمل النسيم الغيمة بعيداً ، و بدأت تظهر الأشجار و التلال.
حملت الحافلة ما يقرب من عشرين راكباً ، وتابعت سيرها علي طريق ( العباسية - رشاد ) صعوداً في الجبال الشامخة ، أعلي من 350 متر عن سطح البحر ، ما إن خرجنا حتي وصلنا إلي مراعي واسعة ، بعيداً في الجانب الآخر ، لمحت بضعة أبقار تسرح ، بين الحين و الآخر ترفرف طيور مختلفة حولنا ، بعضها يغرد في كل مكان.
اجتزنا مرجاً ، عبر شريط من الأشجار ، و عبرنا مرجاً آخر ، كان الهواء في الصباح بارداً ، تطلعت إلي السماء من النافذة و تشممت النسيم . " تقول الرائحة إنها ستمطر " ، ففي كبد السماء غيوم كثيرة تحجب شمس الخريف.

تابعنا علي طول الطريق حيث ممرنا ببعض القري المتناثرة ، بيوت مصنوعة من القش و القصب ، تتسلقها الحشائش الخضراء . حين وصلت الحافلة الوادي ( المقرح ) بدأ السائق يغير اتجاهه إلى هذه الناحية أو تلك ليماشي إنحرافات الطريق ومنعطفاته ، وبدأت أشعر بالغثيان من الارتفاع المستمر . ما زال طعم شاي الصباح عالقاً بفمي ، ومع الوقت بدأ عدد المنعطفات يتناقص حتى شعرت ببعض الراحة ، وغاصت الحافلة وسط الجبال و غابة من الأشجار ، لا بد أن الأشجار كانت معمرة جداً إلى - أنها تمتد فوق الطريق وعلي صخور الجبل ، حاجبة الشمس ومغطية كل شيء بظلالها الكثيبة. فجأة تحول النسيم الذي يهبّ من نوافذ الحافلة المفتوحة إلى نسيم بارد ، تقرص رطوبته الجلد . كان الطريق يحاذي وادي عميق جداً ( المقرح ) ، و اصلنا سيرنا عبر الأشجار حتى بدا وكأن العالم كله دفن إلى الأبد في الجبال و الأشجار ، وعند نقطة معينة انتهت الغابة ، و وصلنا إلى فضاء مفتوح تحيط به القمم الجبلية . مزارع خضراء شاسعة تنتشر في كل اتجاه ، وقد بدا ماء ( الخور ) إلى جوار الطريق رائقاً وصافياً. ارتفع خيط من الدخان الأبيض على مسافة. نشرت بعض البيوت غسيلها ليجف في الشمس ، وكانت بعض الكلاب تنبح ، في كل بيت ريفي حطب وقود يتكوم في الخارج على شكل تلال صغيرة ، وغالباً ما يستريح كلب في مكان ما فوق الكوم . لفترة ما ظل الطريق يمرّ على مثل هذه البيوت ، لكني لم أر شخصاً واحداً ، تكرر هذا المشهد مراراً على هذه الشاكلة . تدخل الحافلة في غابة أخري ، وتخرج إلى قرية ، لتعود إلى غابة أخرى . قد تتوقف عند إحدى القرى لينزل الناس ، لكن ما من أحد صعد أبداً . بعد أربعين دقيقة من مغادرة ( العباسية ) ، وصلت الحافلة إلى ممر جبلي يطل على امتداد شاسع
أوقف السائق الحافلة و أعلن أننا سننتظر عشر دقائق أو ربع ساعة: و بوسع الركاب أن يحركوا أقدامهم خارج الحافلة إذا شاءوا. و لم يكن قد بقي في الحافلة سوي أربعة أشخاص . خرجنا و تمددنا وبعصنا دخن و تطلعنا إلي ( العباسية ) هناك في الأسفل البعيد . ذهب السائق إلي ( نقطة عبور ) لاكمال بعض الاجراءات الروتينية .
بعد حين جاءت حافلة أخري تتسلق من الجانب الآخر من الطريق و توقفت إلي جوار حافلتنا . خرج السائق و لحق بالاخر ، ثم تبادلا حديثاً قصيراً ثم صعد الاثنان إلي حافلتيهما . عدنا إلي مقاعدنا ، و مضت الحافلتان في اتجاهين متعاكسين . لم يتضح لي فوراً لماذا كان يجب علي حافلتنا أن تنتظر الحافلة الآخري ، و لكن بعد أن نزلنا في طريق آخر أسفل الجبل صار الطريق يضيق فجأة ، و لم يكن أبداً بامكان حافلتين كبيرتين أن تلتقي إحداهما الأخري علي الطريق ، بل إن مرور سيارتين عاديتين كان يتطلب الكثيرة من المناورة ، بحيث تضطر إحدي المركبتين إلي الرجوع حتي تجد لها منعطفاً تنحشر فيه .
صارت القري علي طول الطريق أصغر الآن و المناطق المنبسطة تحت الأشجار أضيق. صار الجبل شاهقاً بانتصاب ، بحيث جدرانه قريبة من نوافذ الحافلة . و بدا أن لديهم من الكلاب بقدر ما لدي الأماكن الأخري ، و هكذا أطلق وصول الحافلة منافسة بينها في النباح.
و علي يسار الحافلة نحت الترحيب بأحرف ضخمة علي جدار الجبل ( مرحباً بكم في محلية الرشاد ).

مرحبتين بلدنا حبابا
حباب النيل حباب الغابة
ياها ديارنا نحن اصحابا
نهوى عديلا ونرضى صعابا
نعشق شمسها الحراقة
بتلهب في قلوب دفاقة
نحن شعارنا حب وصداقة
للناس الصفات اخلاقة
مرحبتين بلدنا حبابا

#يومياتي..
#سافرو_تصحبكم_السلامة..🌹

274 viewsMU ALFATIH, 16:17