Telegram Web Link
كانت حياتي هدية أرغب في إرجاعها. وكان رأسي بيتا من الصنابير التالفة والمصابيح المحترقة. الاكتئاب حبيب وفي. كل هذا الاهتمام، وتلك القدرة الفطرية على جعل كل شىء يدور حولك. كم يسهل نسيان أن غرفتك ليست هي العالم. وأن تلك الظلال الداكنة التي يرميها عليك الألم، لن تحسن من مزاجك.
أعتقد انك تحبني حتى الان، لكننا لا نستطيع الهروب من حقيقة انني لم أكن كافيةَ بالنسبة لك. كنت أعلم أن هذا سيحدث، ولذا لا أستطيع لومك إن وقعت في الحب مع امرأة أخرى. لست غاضبة أيضاً، يجب أن أكون. لكنني لست غاضبة
أشعر بكثير من الألم، بألم لا ينتهي، لقد تخيلت أنني سأحتمله، لكنني بالتأكيد كنت على خطأ.
إلى حبيبة قلبي، ها أنذا أكتب لكِ ثانيةً، لأنني وحيد. ولأنه يزعجني أن أناقشك في رأسي، من دون أن تعرفي عن هذا النقاش شيئا أو حتى تتمكني من الحديث معي. يبدو أن الغياب المؤقت جيد، فالتعود على الأشياء من حولنا يجعل الأشياء تتشابه ويصعب التفريق بينها. فالقُرب يُقزّم حتى الأبراج، بينما توافه الأمور والمألوف منها إذا ما نظرنا لها عن قرب تبدو كبيرة وذات أهمية. والعادات السيئة، التي قد تزعجنا جسدياً وقد تتحول إلى صيغة عاطفية، تختفي عندما تذهب مسبباتها من أمام أعيننا. أما المشاعرُ العظيمة، تلك التي تأخذ من خلال القُرب قالب الأمور الصغيرة الروتينية، تكبر وتنمو وتأخذ بُعدها الطبيعي على حساب المسافة السحرية بينها وبين الأشياء. هكذا هي الأمور مع حبّي الخاص، لقد خُطفتِ مني فيما يشبه الحلم، وها أنا أعرف بأن الوقت يقوم بما تقوم به الشمس والمطر للنباتات من أجل أن تنمو. ففي لحظات غيابك، يظهر حبي لكِ على حقيقته، كعملاق يجمع فيه كل طاقتي الروحية وكل خصائص قلبي. فهو يعيد شعوري بإنسانيتي لي مجددًا، لأني أستطيع الآن أن أشعر بهذا الشغف الجم. وذلك الافتراق الروحي الذي يوقعنا في شراكه البحث العلمي المعاصر، وهذه الشكوكية التي تجبرنا على إيجاد العيوب في كل انطباعاتنا الشخصية والموضوعية، كل هذا مُصمَّم ليجعلنا صغاراً خائري القوى كثيري الأنين. لكن هو الحب، ليس ذاك الحب على أسلوب فيورباخ، وليس من أجل الاستمرار في هذه الحياة عن طريق تلك التغيرات الحيوية، وليس من أجل نساء هذا العالم، واللاتي بعضهن نعم يتحلين بالكثير من الجمال. لكن، أنّى لي أن أجد وجهاً كل خواصه، كل تجاعيده، هو عبارة عن تذكار لأجمل وأعظم لحظات حياتي؟ حتى آلامي المبرحة اللامنتهية، و خسائر حياتي الفادحة التي لاتعوض، أراها في محيّاك الجميل. إني أقبل الألم قبلة الوداع؛ إذا قبّلتك. إلى اللقاء عزيزتي. أقبّلك وأقبّل الاطفال ألف مرة. كارل الذي تملكين.”
— كارل ماركس - رسالة إلى زوجته جيني
أعرف أن كلانا لا يتأثر بالشعر أو المشاعر النزقة، لكن عليّ أن أخبرك أن حتى طريقتك في شرب القهوة تعصف بي.
إنني لا أبحث فيك عن الزهو الإجتماعي، ولا عن المتعة السريعة العابرة، ولكني أريد علاقة أكون فيها كما لو كنت جالساً مع نفسي في غرفة مغلقة.
بإمكانِ كُلٍّ منّا
.ألاّ ينامَ وحيدًا
لماذا لا تحرّكُ مقبضَ بابي
في هذه اللحظةِ
وتدخلُ
كضوءٍ
في العتمة؟
تجلسُ إلى حافةِ سريري
تعيشُ أرقي
والقهوةَ
وموسيقى روحٍ تجلَّت؟

لماذا لا تأتي
كنجمةٍ بردانةٍ
تختبئُ تحت لحافي؟

قلبي يتيمٌ
كنقطةِ عتمةٍ
.في الضوء

لماذا لا تفاجئني
وتحرّكُ مقبضَ البابِ
فالستائرَ
فعدّةَ القهوةِ
وجهازَ التسجيل؟

لديَّ صمتٌ كثيرٌ
وبنٌّ رائعٌ
واسطواناتٌ مجنونةٌ
.أعرفُ أنّك تُحبُّها
أحاول جاهداً تذكر ماهية الدنيا، ألقي النكات السخيفة مرةٍ تلو أخرى وتضحكين مجاملة، تسألين عن سبب عدم إكتراثي بالحياة، وأجيب مقتبساً كونديرا: علينا ألا نأخذها على محمل الجد.
تتقلص رغباتنا في الأشياء بمرور الوقت، نرغب في حب جامح طوال المراهقة، وبعدها ماذا؟ حب هادئ، وبعدها؟ مجرد كأسٍ من الشاي بين ذراعي أحدهم لنشعر بالدفء، حتى وإن كان مجرد دفئ محسوس لا معنوي، لم نعد نطلب الكثير، مجرد راحة ما في القرب.

ربما لكوننا أدركنا ان الدنيا لا تعطي الكثير، ولا تعطي إلا بمقابل، فأصبحنا نرضى بالفُتات بين كل حين وآخر كوننا لا نملك شيئاً لنعطيه، أو أننا مللنا العطاء فتحولت كل الأشياء الكبيرة لأشياء عادية، أطلنا النظر إليها حتى ماتت في عيوننا، أو ماتت عيوننا.


يقول لي أن هذه تسمى مرحلة الموت البطئ، لكني أقنعه ببساطة أننا موتى بالفعل، لا حاجة لبطئ او سرعة، نحن ميتون، متعفنون، وجثثنا تطلق رائحة العفن منذ بداية الخلق.
لا يمكن للإنسان أبدًا أن يدرك ماذا عليه أن يفعل، لأنه لا يملك إلا حياة واحدة، لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا إصلاحها في حيوات لاحقة. ما من وسيلة للتحقق أي قرار هو الصحيح، لأنه لا سبيل للمقارنة. كل شيء نعيشه مرة واحدة، مرة أولى دون تحضير. مثل ممثل يظهر على الخشبة دون أي تمرين مسبق. و لكن ما الذي يمكن أن تساويه الحياة إذا كان التمرين الأول هو الحياة نفسها؟ هذا ما يجعل الحياة شبيهة دائمًا بالخطوط الأولى لعمل فني، لكن حتى كلمة “خطوط أولى” لا تفي بالغرض. بل تبقى دائما مسودة لشيء ما، رسمًا أوليًا للوحة ما. أما الخطوط الأولى التي هي حياتنا فهي خطوط للاشيء ورسم دون لوحة.
وانا أيضا
خجل ضاحك
كيف نبرر لأنفسنا الحنين لمن عاملونا بسوء ووقاحة لا تُغتفر يوماً ما؟ ولم لا يضعهم القلب مع العقل في قائمة الأعداء بلا رجعة ولا هوادة؟ أو حتى في خزنة النسيان الأبدي!

لماذا لا ننسى أو نتناسى حتى يغيبون تماماً هم وكل ما حل بنا في وجودهم وغيابهم ونصنع فجوة زمانية ما داخل الذاكرة نملأها بقليل من الورد، أو حتى شجرة ليمون صغيرة ستكون أكثر نفعاً منهم!



نتذكر كل الأشياء السعيدة التي شاركونا لحظاتها وكأنها دامت دهراً، وهي مجرد لحظات في فجوة مليئة بالحزن أحياناً وبالإهمال حيناً آخر، هل نفقد القدرة على الكراهية بعدما يرحلون؟ هل نعتبر الكراهية نوعاً من الكلام في غيابهم فنرتقي بأخلاقنا مثلاً؟



بينما تحملقين في ملامحي أقول في ذاتي أنني لا أمتلك ملامحاً تستحق كل هذا الشغف، لكنك ترسلين لي رسالةً بعدما نفترق بأنني وسيم جداً عندما أبدو مهتماً بشيء ما، عندما أكتب، أخجل، أو لا أستطيع التعبير عن نفسي فأضحك ضحكة بلهاء كالتي تقولين انك تحبينها، رغم كل حروف اللغة التي تربيت عليها أعجز كثيراً عن التعبير، عن ترجمة مشاعري وأحاسيسي للحظة في جملة واحدة واضحة سوى أن ابتسم.



تبتسمين وتهمسين لي بالحب، وأقع انا من جديد في ما نسميه إصطلاحاً ولغة: حُب.
نمقت الهزيمة. لا نقبل بها، فإن قضت علينا، نموت كالشجر واقفين. ننجز أمرين كلاهما جميل: شرف المحاولة وخبرات ثمينة؛ تركة نُخلفها بحرصٍ للقادمين. هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا ألا نموت قبل أن نحاول أن نحيا.
وفجأة؛ صرنا غرباء مجددا، كأننا لم نلتقِ أبدا.
يبعث الله من يحتضنك في قلبه كوطن صغير، بعيداً عن تفاهة هذا العالم والسوء الذي يسكنه في كل زاوية.
يدرك الواحد منا مدى حبه فقط عندما يظن انه فقد الشخص الذي يحبه؛ وللتعاسة، في أغلب الأحيان يبدأ الواحد في أن يحب فقط عندما يشعر بأن حبه من طرف واحد.
لم يحبنا العالم؛ ولم يتركني لقدري. أنا أستسلم الآن وأقابل الموت بصدرٍ رحب.
إنني ميت كفاية، ومعي الوقت كي أنسج الأحلام.
ميت كفاية كي أخترع الحياة التي كنت أريدها.
يبدو أن الغياب المؤقت جيد، فالتعود على الأشياء من حولنا يجعل الأشياء تتشابه ويصعب التفريق بينها. فالقُرب يُقزّم حتى الأبراج.
أترك الحزن على الشباك قبل أن أنزل لأراك، أتظاهر بالفرح لأنك لا تحب وجهي الكئيب، أبتسم في مواجهة الحياة،والعالم كله. لا أحد يهتم بالحزن الكامن في داخلك بقدر ما يجب، تدرك هذا فتلملم حزنك في صمت وكآبة تليق بالموقف، وتبتسم مجدداً كعامل نظافة يؤدي واجبه بكل سرور، لن أترك ورائي أية مخلفات، أو روائح، أو ذكريات. تفتح جرحاً آخر في تربة قلبك، وتهيل على كل ذلك التراب، وتتنفس، وتبتسم.
اعتدنا على الدنيا او اعتادت علينا؟ هي التي لا تعتاد على احد، كلنا راحلون وهي باقية إلى الأبد، الأبد هنا خاص بها، فالإنسان مثلاً ورغم ضيق عمره يعتقد طوال الوقت انه باقٍ للأبد، هل رأيت أحداً ما متعجلاً على الذهاب لعمله اليومي لأنه سيموت بعد غد؟ او حتى في وقت قريب؟ اكتب وانا أقتل الملل بسيجارة تلو أخرى، اقتل ذاتي معه أيضاً، أفكر: هل يقتلنا الملل أم نقتله؟ كانت الأحلام لا تنتهي منذ زمن ليس بالبعيد، كيف أصبحت خاوياً وخالياً لهذه الدرجة؟ أكمل يومي بصعوبة، أترك الوقت يمر هربا حيناً، وغفلة أحياناً، وسُكراً أحياناً أخرى، أين ذهبت كل تلك الأحلام يا هذا؟ طواها الزمن، أم الملل؟ أم النسيان؟ ألا تُفكر في الإرتباط بأحدهم؟، كُنت قد أفرغت ما بداخلي وانتهى حماسي وشبقي المؤقت، انتهى سريعاً وتناثر في الأرجاء، اهز رأسي قليلاً قائلاً: لم أجد احداً يناسبني بعد، اعرف بداخلي انها كذبة كبرى، وأدرك أيضاً انني انا الذي ما عُدت اناسب أي أحد. مرة أخرى اجتر سيجارة جديدة، اشعل شفتي بقبلة وداع أتركها على وجنتها قبل أن ترحل، سأفكر في الإرتباط، حاضر، لكن ليس اليوم، ليس الليلة، ليس في هذا المكان، ولا الزمان، ولا الملل.
ومن جديد اجتاحني هذا الشعور الفظيع بالظلم وهذه الرغبة لتفجير كل شيء ثم للخمود مع ذلك الانفجار.
والآن في هذه الساعة من الليل سمحتُ لهذه الأسئلة مرة أخرى بالتدفق على عقلي، ليس لكي أُجيب عنها، لأنني طوال حياتي وأنا أعرف الإجابات – بل لكي أمتصّ العناء وأتذوّق من جديد طعمها المُرّ.
2024/10/02 04:23:47
Back to Top
HTML Embed Code: