Telegram Web Link
شِدَّةُ حِرصِ السَّلَفِ على اغتِنامِ صومِ يومِ عاشوراءَ:

قال أبو جَبَلةَ: كنتُ معَ ابنِ شِهابٍ [الزُّهري] في سَفَرٍ فصامَ يومَ عاشوراءَ، فقِيلَ له: تصومُ يومَ عاشوراءَ في السَّفَرِ وأنتَ تُفطِرُ في رمضانَ؟
قال: "إنَّ رمضانَ له عِدَّةٌ من أيَّامٍ أُخَرَ، وإنَّ عاشوراءَ تفوتُ".

رواه البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٥ / ٣٣٥ برقم ٣٥١٨ ).
وذكَرَهُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ٥ / ٣٤٢ )، وابنُ رَجَبٍ في لطائفِ المعارفِ ( ص١٣٣ ) وقال: "وكان طائفةٌ من السَّلَفِ يصومونَ عاشوراءَ في السَّفَرِ، منهم: ابنُ عبَّاسٍ، وأبو إسحاقَ السَّبيعيُّ، والزُّهريُّ وقال: رمضانُ له عِدَّةٌ..".
" قِصـة إستشهَاد الحُسين بِنْ عَلي "

بَعد مراسلة الكُوفيّين الحُسَين بِنْ عَلي - رَضيَّ اللّٰـهُ عَنهما - ؛ خَرج الحُسين مِنَ المَدينَة إلىٰ مَكَّة، فلقيهُ إبنُ مُطيع فسألهُ البَقاء في المَدينَة وعدم الخروج منها ، فلم يُجب الحُسين - رَضيَّ اللّٰـهُ عَنهُ - واستمرَّ بمسيرهِ إلىٰ مكَّة، وَلمَّا وَصل مكَّة لقيَّ عَبد اللّٰـه بِن عُمَر وإبنُ الزُبير وَقد امتنعا أيضاً عَن مُبايَعَة يَزيد، فَوصلتهُ رِسالة أخرى من الكوفيين يخبرونهُ فيها بنصرتهم إياهُ، فأرسل إليهم إبن عمّهِ مُسلم بِن عقيل ليَرى حالهم في الكُوفة، وأمرهُ بكتمان الأمر وتقوى اللّٰـه، فإن رأى النَاس مُجتمعينَ لهُ عجَّلَ إليهِ بذلكَ، فأقبَل مُسلم إلى المَدينَة وَ وَدَّعَ أهل بيتهِ، وأستأجرَ دليلينِ مِن قيس، فضلَّا الطريقَ فَماتَا عَطشَاً،

وسار مُسلم حَتَّى أتى الكوفَة، وأقبلت الشيعة تَأتـي عَليهِ، فكان كُلّمَا اجتمعتْ إليهِ جماعة قرأ عليهم كِتابَ الحُسين، فيبكونَ وَيعدونهُ نصرتهم،
واختلفَت إليهِ الشيعة حَتَّى عُلِمَ مكانهُ، وفَبلغَ ذلكَ النُعمَان بِن بشير، فَخطبَ في النَاسِ وَنَهىٰ عَن للفِتنة والفرقَة وإخبار يَزيد بذلك،
لكن عَبد اللّٰـه بِنْ مُسلم بِنْ سَعيد أرسلَ إلى يَزيد وَأعلَمهُ بقدوم مُسلِم بِنْ عقيل وبيعة الشيعة لهُ، فأرسلَ يزيد عُبيد اللّٰـه بِنْ زياد إلى الكُوفة، وأمرهُ بنفي مُسلم منها أو قتلهُ، فتجهَّزَ عُبيد اللّٰـه بِنْ زياد لذلك.

وَبَعدَ أن عَلم ابنُ زياد مَكان مُسلم؛ سَارَ مُسلم بِن عقيل إلى دار هانئ بِنْ عُروة المُراديّ،
فأرسلَ ابنُ زياد مولاهُ عوسجة وَجعلهُ يدخل عَلىٰ دار هانئ ويبايعُ الحُسين لينقل أخبار مُسلم إلى إبن زياد، فَقتلَ ابن زياد؛ هانئ، وَبعدها قَبضَ عَلىٰ مُسلم وَقتلهُ،
وكان مَقتل ابنُ عقيل في ذي الحجَّة.

- يتبع.. 📜


#تاريخ_العرب
" مَسير الحُسين إلىٰ الكُوفة "

لمَّا أرادَ الحُسَين المَسير إلىٰ الكُوفة بِكُتب أهلِ العِراق؛ أتاهُ عَبد الرحمن بِنْ الحارث وهو بمكَّة ينصحهُ بعدم الخروج إلى الكوفة، وعدم تصديق الرسائل، وَقالَ لهُ :

« إنَّمَا النَاسُ عَبيد الدينار والدرهم، فَلا آمَن عَليكَ أن يقاتلكَ مَن وَعدكَ نصرهُ.»

• فَقالَ لهُ الحُسين :

« جَزاكَ اللّٰـهُ خَيراً يَا ابن عمّ، أنتَ عندي أحمَد مُشير، وَأنصَح نَاصِح.»

• ثمَّ أتاهُ عَبد اللّٰـه بِن عَبَّاس وَنصحهُ أيضَاً بعدم المَسير وقالَ لهُ :

« لا آمَنُ عَليكَ أن يغرّوكَ ويكذّبوكَ وَيُخالفوكَ ويخذلوكَ.»

• فَقالَ لهُ الحُسين :

« إنِّي أستَخيرُ اللّٰـه وَأنظرُ مَا يَكون.»

• ثُمَّ سارَ الحُسين إلى الصفاح، فَلقيهُ الشَاعِر الفَرزدق، فَقالَ لهُ الحُسين :

« بَيِّن لي خَبر النَاسِ خَلفَكَ؟»

• فَقالَ الفَرزدق :

« قُلوبُ النَّاسِ مَعكَ وَسيوفهم مَع بَني أُميَّة، وَالقضاءُ ينزلُ مِنَ السَماء وَاللّٰـهُ يَفعَلُ مَا يَشاء.»

وَلمَّا بَلغَ ابنُ زياد مَسير الحُسين إلى الكُوفة بَعثَ الحُصين بِنْ نُمير صاحب شرطته، فَنزلَ القَادسيَّة ونظمَ الخَيل، فَعلم الحُسين بمسير جيش ابنُ زياد، فَأرسلَ مَع قَيس رسالة إلىٰ أهلِ الكُوفة يأمرهم بالجَد في أمرهم، فلقيهُ الحُصين وأخذهُ إلى ابن زياد، فقالَ ابنُ زياد لِـ قَيس :

« اصعَد إلىٰ القصر فَسُبَّ الكَذَّاب إبنُ الكَذَّاب الحُسين بِنْ عَلي.»

• فَصعدَ قَيس فَحمدَ اللّٰـه وَأثنى عَليهِ ثمَّ قال :

« إنَّ هَذا الحُسين بِنْ عَلي خَيرُ خَلق اللّٰـه، ابنُ فاطمة بِنتُ رَسول اللّٰـه ﷺ، أنا رسوله إليكم، وقد فارقتهُ بالحاجر فأجيبوهُ.»

ثُمَّ لَعن ابنُ زياد واستغفَرَ لِـ عَليّ، فأمرَ به ابنُ زياد فَرُمِيَّ مِن أعلىٰ القَصر فَتقطَّعَ وَمَات.

- يتبع.. 📜


#تاريخ_العرب
" مَسير الحُسين إلىٰ الكُوفة "

حِينَ أتَىٰ الحُسين خَبر مَقتل مُسلم بِن عَقيل، سألهُ البَعض أن يرجع إلىٰ مَكَّة، فأبىٰ بَنو عَقيل الرجوع، فَقالَ الحُسين :

« لا خَيرَ في العَيش بَعدَ هؤلاء.»

• وَأكمَلَ مسيرهُ إلىٰ الكُوفة، ثُمَّ أتاهُ خَبر مقتل أخيهِ عَبد اللّٰـه مِنَ الرضاعة، فَقالَ للقَوم :

« قَد خَذَلَنا شِيعتُنا، فَمَن أحبَّ أن ينصرف؛ فَلينصَرف وَليسَ عليهِ مِنَّا ذِمام.»

فتفرَّقوا يَمينَاً وَشمالاً، وَبقي مَعهُ أصحابهُ وَأهل بيتهُ فَقط،
وإنما قَالَ ذلكَ للقوم لأنه عَلِم أن الأعراب ظَنُّوا أنه يأتي بَلداً قَد استقامَت لهُ الطاعَة، فأرادَ أن يَعلَموا عَلامَ يُقدمون.

وَلمَّا نَزلَ الحُسين إلى الجَبل رأىٰ ألفَ فَارِس مَع الحُـرّ بِنْ يَزيد التميمي، فَوقفوا مقابل الحُسين، فَأمرَ الحُسين المُؤذن بالأذان، فأذَّن، ثمَّ خَطبَ فيهم الحُسين فَقال :

« أيُّهَا النَاس إني لم آتيكم حَتَّى اتتني كُتبكم وَرسلكُم، فإن تعطوني مَا أطمئنُ إليهِ مِن عهودكم؛ أقدمُ مصركم، وإن لَم تَفعلوا انصرفتُ عَنكم إلىٰ المَكان الذي أقبلتُ منهُ.»

• وَصَلَّىٰ بهم الحُسين، ثمَّ قَالَ لهُ الحُـرّ بِنْ يَزيد :

« إنا وَاللّٰـهِ مَا نَدري مَا هذهِ الكُتب وَالرُسُل الذي تَذكر، فإنَّا لَسنا مِن هاؤلاءِ الذينَ كَتبوا إليكَ، وَقَد أُمرنا أنَّا إذا نَحنُ لَقيناكَ أن لا نُفارقكَ حَتَّى نُقدِمَكَ الكُوفة عَلىٰ عُبيد اللّٰـه بِنْ زياد، فَقَالَ لهُ الحُسين :

« ثَكلتكَ أمك مَا تُريد؟»

• فَقالَ لهُ :

« إني لَم أُومَر بقتالكَ إنما أُمرتُ أن لا أفارقكَ حَتَّى أُقدمكَ الكُوفة.»

فَسار الحُسين إلىٰ الكُوفة بجانب الحُـر.

- يتبع.. 📜

#تاريخ_العرب
" مَسير الحُسين إلىٰ الكُوفة "

لمَّا وَصلَ الحُسين وَالحُـرّ الكوفة،
جاءَ كتاب إلى الحُـرّ مِن عُبيد اللّٰـه بِنْ زياد يَقول فيهِ :

« جَعجِع بالحُسين حَتَّى يبلغكَ كِتابي، وَيقدم رسولي، فَلا تنزلهُ إلاَّ بالعراء، في غَيرِ حُصنٍ وَعلىٰ غَيرِ مَاء.»

فَنزلوا في العَقر، فَاستعاذَ الحُسين منها، ثُمَّ أمر ابنُ زياد عَمرو بِنْ سَعد بِنْ أبي وَقاص المَسير إلىٰ الحُسين بأربعة آلاف فارس، فلمَّا وصلوا إليهِ كَرِه الحُسين الدماء، فَسألهم الرجوع إلىٰ مَكَّة أو المُضي إلىٰ يَزيد فيضع يدهُ فد يدهِ أو العودة إلى ثغر من ثغور المُسلمين، فَرفضَ ابنُ زياد ذلكَ وَقال :

الآنَ قَـد عَـلقـت مَخـالِـبنا بـهِ
يَرجو النَجاة! وَلاتَ حينَ مَناص

وفي رواية أن ابن زياد قَبِلَ مَطلب الحُسين لكنَّ الشمر بِن ذي الجوشن قَامَ إليهِ فَقال :

« أتقبلُ هَذا وَقد نَزلَ بأرضكَ وإلىٰ جنبكَ! لينزل عَلىٰ حكمك أنتَ وأصحابكَ.»

وَظلَّ الشمر يحرّض ابنُ زياد عَلىٰ الحُسين حَتَّى رفضَ ابن زياد مطلب الحُسين و أرسلَ الشمر إلىٰ عمر بِنْ سَعد ومعهُ كتاب يأمره فيه بقتال الحُسين، وَقالَ فيهِ :

« فإن قُتلَ الحُسين؛ فأوطئ الخَيلَ صدرهُ وَظهرهُ فإنهُ عَاقٌ شَاقٌ قاطعٌ ظلوم.»

• فَأخذ الشمر - لعنهُ اللّٰـه - الكتاب، وذهب بهِ إلىٰ عمر بِنْ سَعد، فَلمَّا قرأهُ قَال :

« مَا لكَ! وَيلكَ قَبَّح اللّٰـه مَا جئتَ بهِ، أفسدتَ عَلينا أمراً كُنَّا رجونا اللّٰـه أن يُصلِح، واللّٰـهِ لا يستسلم الحُسين أبداً، واللّٰـهِ إنَّ نَفسَ أبيهِ لَبينَ جَنبيهِ.»

وَكانَ بينَ الشمر والعَبَّاس أخو الحُسين مِن أبيهِ قرابَة، فأعطاهُ واخوته الأشقاء الأمان، وَقال :

« أنتم يَا بَني أختي آمنون.»

• فَقالوا لهُ :

« لَعنَكَ اللّٰـهُ وَلَعنَ أمانكَ، لئن كُنتَ خالنا أتؤمِّننا وَابنُ رسول اللّٰـه ﷺ لا أمانَ لهُ!»

• ثمَّ أخبرَ العَبَّاس الحُسين بما اتفقَ عليهِ القوم، فقَال لهُ الحُسين :

« ارجع إليهم فإن استطعتَ أن تؤخرهم إلىٰ غَدوة، لَعلَّنا نُصلي لربّنا هذهِ اللَّيلة وَندعوهُ ونستغفرهُ.»

فرجعَ إليهم العَبَّاس وأخبرهم أن ينتظروا رَد الحُسين إلى غَد.

- يتبع.. 📜

#تاريخ_العرب
" الحُسين أمام الجَيش "

• فلمَّا كانَ الغد أمرَ الحُسين أصحابَهُ وأهل بيتهُ بالرجوع، وَقال لهم :

« إنَّ القَومَ يطلبونَني، وَلو أصابوني لَهوا عَن طَلبِ غَيري.»

• فَقالَ لهُ أهل بيتهُ :

« نَفعلُ هَذا لنبقىٰ بعدكَ! لا أرانا اللّٰـهُ ذلكَ أبداً.»

• فَقالَ الحُسين :

« يا بني عَقيل، حَسبكم مِنَ القَتل بِمُسلم، اذهَبوا فَقَد أذنتُ لكم.»

• فَقالوا :

« وَما نَقولُ للنَاس! تركنا شيخنا وَسيّدنا وَبني عمومتنا خَيرُ الاعمام وَلم نَرمِ معهم بسهمٍ وَلَم نُطعَن مَعهم بِرُمحٍ وَلم نُضرَب مَعهم بسيف وَلا ندري مَا صنعوا؟ لا واللّٰـهِ لا نفعلُ لكن نفديكَ بأنفسنا وأموالنا وَأهلينا وَنقاتلُ مَعكَ حَتَّى نَرِد موردكَ، فَقبَّحَ اللّٰـهُ العَيش بَعدكَ.»

• وَقامَ معهُ مُسلِم بِنْ عوسجة فَقال :

« أنحنُ نَتخلَّى عَنكَ وَلم نُعذر إلىٰ اللّٰـه في أداءِ حقّكَ! أما واللّٰـهِ لا أفارقكَ حَتَّى أكسر في صدورهم رمحي وأضربُهم بسيفي مَا ثَبتَ قائمهُ في يَدي، وَاللّٰـهِ لَو لَم يَكن مَعي سِلاحي لقذفتهم بالحجارة دونكَ حَتَّى أموت مَعك.»

وَتكلَّم أصحابهُ بنحو هَذا فجزاهُم اللّٰـهُ خَيراً

• ثُمَّ رفع الحُسين يدهُ وَقال :

« اللهُمَّ أنتَ ثقتي في كُل كَرب، وَرجائي في كُل شِدَّة.»

• ثمَّ خطبَ الحُسين في جيش يَزيد فَقال :

« انسبوني فانظروا مَن أنا ثُمَّ راجعوا أنفسكم فعاتِبوهَا وَانظروا هَل يصلحُ وَيحلُّ لكم قَتلي وانتهاكَ حُرمتي! ألستُ ابنُ بنت نبيكم وابنُ وَصيّه وَابنُ عمِّه! أوليسَ حَمزة سَيِّد الشُهداء عَم أبي! أوليسَ جَعفر الشهيد الطيار في الجَنَّـة عمي! أولم يبلغكم إنَّ رسول اللّٰـه ﷺ قَال لي وَلأخي : أنتُمَا سَيِّدا شَباب أهل الجنة وَقُرَّة عَين أهل السُنَّة!
سَلوا جَابراً سَلوا أبا سَعيد سَلوا سَهل أو زَيد أو أنسَاً يُخبركم أنهم سَمعوهُ مِن رَسول اللّٰـه ﷺ، أما في ذلكَ حاجزٌ يحجزكم عَن سفك دَمي!

• فَطعن فيهِ الشمر وَسبَّه - لعنهُ اللّٰـه - فَقالَ الحُسين :

« إن كُنتم في شكٍ مِمَّا أقول أو تشكون في أني ابنُ بنت نَبيكم فَواللّٰهِ مَا بينَ المَشرِق وَالمَغرب ابنُ بنت نَبي غَيري منكم وَلا مِن غيركم، أخبروني؛ أتطلبونني بقتيلٍ منكم قتلتهُ أو بمالٍ لكم استهلكتهُ أو بقصاصٍ مِن جراحة!
أيها النَاس، إذا كرهتموني فَدعوني أنصرف إلىٰ مَأمني مِنَ الأرض!»

فأبَوا إلاَّ النزول عَلىٰ حكم ابن زياد والقتال؛ ثمَّ نَصحهم زُهير بن القين بعدم قتال الحُسين وأنذرهم بعذاب وسخط اللّٰـه، فَسبوه وَأثنوا عَلىٰ ابن زياد وَقالوا :

« واللّٰـهِ لا نَبرح حَتَّى نُقاتل صاحبكَ وَمَن مَعهُ.»

• فَقال لهم :

« يَا عِبادَ اللّٰـه، إن وَلد فَاطمة أحق بالنَصر مِن ابن سِميَّة، خَلّوا بينَ الرجل وابن عمّه يَزيد فَلعمري إنَّ يزيد لَيرضىٰ بطاعتكم دونَ قَتل الحُسين.»

فرماهُ الشمر بِسهمٍ فاسكتهُ، فَقال لهُ زُهير :

« مَا إياكَ أُخاطِب إنَّمَا أنتَ بهيمَة، وَاللّٰـهِ مَا أظنّكَ تَحكمُ مِن كتابِ اللّٰـه آيتينِ، فأبشر بالخزي يومَ القيامَة.»

• ثُمَّ سبّه الشمر وَشتمهُ، فَقال زُهير :

« يَا عِبادَ اللّٰـه لا يغرنَّكم مِن دينكم هَذا الجلف الجافي، فَواللّٰهِ لا تنال شفاعَة مُحمَّد قوماً أهرقوا دماءَ ذريتهِ وَأهل بيتهِ!»

فأمرهُ الحُسين فَرجع إلىٰ الجيش.

- يتبع.. 📜

#تاريخ_العرب
" الحُسين أمام الجَيش "

• ثمَّ تَقدَّم الحُـرّ أمام جيشه جيش يَزيد فَقال :

« أيها القَوم ألا تقبلونَ مِن الحُسين خصلة مِن هذهِ الخصال التي عَرضَ عليكم فيعافيكم اللّٰـه مِن حربهِ وَقتالهِ!
منعتموهُ مِنَ التوجه في بلاد اللّٰـه العَريضة حَتَّى يُأمَن يأمن أهل بيته! ، وَمنعتموهُ مِن مَاء الفُرات الجَاري يَشربهُ اليَهودي وَالنصراني وَالمجوسي وَها هوَ وَأهلهُ قَد صرعهم العَطش! بئسَمَا خلفتم مُحمَّداً في ذُريتهِ، لا سقاكم اللّٰـه يومَ الظمأ إن لَم تتوبوا وَتنزعوا عمَّا أنتم عَليهِ.»

فَرموه بالنُبل فرجع إلىٰ الجَيش.

ثم تقدَّمَ عمر بِن سعد، فكان أول من رَمىٰ سَهماً بتجاهِ الحُسين، ثمَّ بدأت المعركة، وانقلبَ الحُـرّ بِنْ يَزيد إلى جانب الحسين بعد أن كان في صف إبن زياد، فَقاتلَ دون الحُسين قتالاً شديداً، حَتَّىٰ قُتل - رَحمهُ اللّٰـه -

فتساقطَ القتلى في جيش الحُسين واحداً تلو الآخر، وحمل الشمر عَلىٰ خيام الحسين وأحرقها،

ثم حضرت الصَلاة، فأمرهم الحُسين بالكف عن القِتال لإقامة الصلاة،
ثُمَّ وقفَ حنظلة بِنْ أسعَد وجعل ينادي :

‏﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾ يَا قومِ لا تقتلوا الحُسين فيسحِتكم اللّٰـهُ بعذاب.

• فَقالَ له الحُسين :

« رَحمَكَ اللّٰـه، إنَّهم قد استوجوا العَذاب حينَ رَدُّوا مَا دعوتهم إليه مِن الحَق.»

فَسلَّمَ حنظلة عَلىٰ الحُسين وَعلىٰ أهل بيته ثمَ قاتل حَتَّى قُتل،

وكان أوَّل مَن قُتلَ مِن آل بني طالب هو علي الأكبر بِنْ الحُسين، وذلكَ أنه حَملَ عليهم وَهوَ يقول :

أنا عَليّ بِنْ الحُسين بِنْ عَلِـي
نَحنُ وَربِ البيتِ أولى بالنَبي
تَاللّٰـهِ لا يحكمُ فينا إبنُ الدَّعي

فلمَّا صُرعَ نزلَ إليهِ الحُسين وَقال :

« قَتلَ اللّٰـهُ قَومَاً قتلوكَ، يا بُنيَّ مَا أجراهم عَلىٰ إنتهاك حُرمَة الرسول! عَلىٰ الدُنيا بَعدكَ العَفاء.»

ثُمَّ قُتل عَبد اللّٰـه بِن مُسلم بِن عقيل،
ثمَّ دعا الحُسين ابنه عبد اللّٰـه الصَغير، فأجلسهُ في حجرهِ فرماهُ رجلٌ بسهمٍ فَذبحهُ، فأخذَ الحُسين دمهُ فصبَّهُ في الأرض ودعا اللّٰـه أن ينتقم من الظالمين،

واشتدَّ عَطشُ الحُسين، فدنا مِنَ الفُراتُ ليشرب، فرماهُ حُصين بِنْ نُمير بسهمٍ فوقعَ في فمهِ - رَضيَّ اللّٰـهُ عَنهُ - فَحمدَ اللّٰـه وَأثنى عَليهِ ثمَّ قَال :

« اللهُمَّ احصهِم عَددَاً، واقتلهُم بدداً، وَلا تُغادِر منهم أحدا.»

- يتبع.. 📜

#تاريخ_العرب
" استشهاد الحُسين بِنْ عَليّ "

مَكث الحُسين طويلاً، كُلٌّ يَتَّقي قتلهُ، فَنادى فيهم الشمر :

« وَيلكُم مَاذا تنتظرونَ بالرجل! اقتلوهُ ثكلتكم أُمَّهاتكم!»

فحَملوا عَليهِ مِن كُلِّ جانب فضربهُ زُرعة بِنْ شُريك عَلىٰ كَفِّه اليُسرى، وَعلىٰ عاتقه، ثمَّ انصرفوا عَنهُ وَهو يقومُ وَيكبو، وَحملَ عليهِ سنان بِنْ أنس فطعنهُ بالرمح فوقع، ثمَّ نزلَ وَذبحهُ، وفصلَ الرأس عَن الجسد،

• وَسُلبُ الحُسين مَا كانَ عليهِ من ثياب وعدة حرب، وسلبوا مَا كانَ على أهلهِ من أمتعة وثياب، حَتَّىٰ أن المرأة لتنزع ثَوبهَا من ظهرهَا فَيُؤخَذُ مَنهَا.

ثمَّ انتهوا إلىٰ عَلي زين العابدين بِنْ الحُسين وكانَ صبيَّاً مريضاً، فأرادَ الشمر قتلهُ فمنعهُ عمر بِنْ سعد من قتل الصبي والدُخول عَلىٰ النساء،

ثُمَّ اوطئؤا خيولهم جسد الحُسين حَتَّى رض جسدهُ، وكانَ بهِ ثلاث وَثلاثونَ طعنة وَأربع وَثلاثونَ ضربة غَيرَ الرمية،

وَكانَ عُدة مَن قُتلَ مَع الحُسين اثنين و سبعينَ رجلاً، وَدُفنَ جسده في اليوم الثاني من مقتله، وَأُرسلَ رأسه وَؤوس أصحابه إلىٰ ابن زياد،
فَبالَ إبنُ زياد عَلىٰ رأسِ الحُسين، فقالَ لهُ زيد بِن الأرقم :

« وَاللّٰـهِ الذي لا إِلَٰهَ غيرهُ لقد رأيتُ شَفتَيّ رَسول اللّٰـه ﷺ عَلىٰ هاتينِ الشَفتينِ يُقبّلهما.»

فَلعنهُ ابن زياد وسبّهُ وَأخرجهُ،

• ثمَّ صعد ابنُ زياد المنبر وخطبَ بالنَّاس وَطعن في الحُسين وَأظهرَ السرور بمقتلهِ، فقالَ لهُ رجل كان ضريراً :

« يا ابن مرجانة، إن الكَذاب ابنُ الكذاب أنتَ وَأبوك، يا ابنَ مرجانة أتقتلونَ أبناء النَبيين وَتتكلَّمونَ بكلامِ الصِديقين!»

• فَصلبهُ عُبيد اللّٰـه بِنْ زياد في المَسجد رَحمه اللّٰـه

وأمرَ ابنُ زياد برأس الحُسين فَطيفَ بهِ في الكُوفة ثمَّ أرسلهُ إلىٰ يزيد في الشَام، وَأُرسلَ معهُ أهل الحسين منَ الصبيان وَالنِّساء، وَأسرَ زين العابدين وَجعلَ الأغلال في يده، فلمَّا وصلوا يزيد دمعت عَينَاهُ وَقال :

« كُنتُ أرضىٰ مِن طاغيتكم دونَ قتل الحُسين، لَعنَ اللّٰـه ابنُ سُميَّة، و رحم اللّٰـه الحُسين.»

ثُمَّ فكَ الأغلال عَن زين العابدين.


- يتبع.. 📜

#تاريخ_العرب
" بَعدَ إستشهادِ الحُسين "

قِيلَ؛ لمَّا وَصلَ رأس الحُسين إلىٰ يَزيد حسنت حَال ابنُ زياد عندهُ، وَراءهُ وَوَصلهُ، لكن لَم يلبَث يسيراً حَتَّىٰ بلغهُ بُغض النَاس لهُ وَلعنهم وَسبهم إياهُ، فَندمَ عَلىٰ قتل الحُسين، وَقال :

« مَا عَليَّ لو احتمَلتُ الأذىٰ وَأنزلتُ الحُسين مَعي في دَاري وَحكَّمتهُ فيمَا يريد وَإن كانَ عليَّ في ذلكَ وَهنٌ في سُلطاني حفظاً لرسولِ اللّٰـه ﷺ، وَرِعايَةً لِحقِّه وَقرابتهِ! لَعَنَ اللّٰـه إبن مرجانه - ابنُ زياد - »

وَأكرَمُ يَزيد أهل بيت الحُسين وَظلَّ يَلعن إبن مرجَانَة، وَندمَ عَلىٰ حرب الحُسين،

وَكانَ مَعَ الحُسين امرأتهُ الرباب بِنت امرئ القَيس، وَهِيَّ أم ابنتهُ سُكينَة، وَحُملَت إلىٰ الشَام و عادت إلى المَدينَة، وَبقيَّ سَنة حَتَّى ماتت كَمداً وَحُزنَاً عَلىٰ الحُسين، وَقِيلَ؛ أنها أقامَت عندَ قبرهِ عاماً ثمَّ ماتت في المَدينَة أسفَاً عَليهِ،

وَلمَّا بَلغَ نساء عَقيل في المَدينَة مَقتل الحُسين خَرجت ابنة عَقيل تلوي ثَوبَها وَ تَقول :

ماذا تَقولونَ إِن قالَ النَبيُّ لَكُم
مَـاذا فَعَلتُـم وَأَنتُم آخِـرُ الأُمَمِ

بِعترَتي وَبأهلِّ بيتي بَعدَ مُفتَقدي
مِنهُم أُسارَى وَقَتلى ضُرِّجوا بِدَمِ؟

ما كانَ هَذا جَزائي إِذ نَصَحتُ لَكُم
أَن تَخلِفوني بِسَوءٍ في ذَوي رَحِمي!


- يتبع.. 📜

#تاريخ_العرب
" بَعدَ إستشهادِ الحُسين "

كانَ عُمر الحُسين يَومَ قُتلَ؛ خَمسَاً وَخمسينَ عَامَ، وكانَ قتلهُ يَوم عاشوراء سَنة إحدىٰ وَستّين للهِجرة،

وَقُتلَ مَعَ الحُسين اثنان وسَبعونَ رجلاً من أهلهِ، وَحُمِلَتْ إلىٰ يَزيد سَبعونَ رأسَاً،

وَأُستصغرَ الحَسَن بِنْ الحَسن و عمرو بِنْ الحَسن وَعلي زين العابدين بِنْ الحُسين فلم يُقتَلا،

وَقالَ عَبد اللّٰـه بِنْ العَبَّاس - رَضيَّ اللّٰـهُ عَنهُ - لَيلَة استشهاد الحُسين :

« رأيتُ النَبي ﷺ في اللَّيلَة التي قُتلَ فيهَا الحُسين و بيدهِ قارورة وَهوَ يَجمعُ فيهَا دمَاً، فَقلتُ : يَا رَسول مَا هذهِ، فَقال :

هذهِ دماءُ الحُسين وَأصحابهُ أرفعها إلىٰ اللّٰـه.»

فأصبحَ ابنُ عَبَّاس وَأعلمَ النَاس بقتلِ الحُسين وَقصَّ رؤياهُ، فَوُجدَ أنه قُتلَ في نَفس اليَوم.

رحمَ اللّٰـه أبا عَبد اللّٰـه الحُسين وَمَن استشهد مَعهُ، وَرَضيَّ عَنهُ وَأرضاهُ.


#تاريخ_العرب
-

• ‏قَالَ ابنُ تَيمية - رَحمهُ اللّٰـه - :

"وَأمَّا مَن قَتلَ الحُسَين أو أعَانَ على قَتلهِ أو رَضِيَّ بذلكَ فَعَليهِ لعنةُ اللّٰـهِ وَالمَلائكةِ والناسِ أجمَعين، لا يَقبلُ اللّٰـه منهُ صرفَاً وَلا عَدلاً."

• وَيَقولُ الحافظ المُؤرخ ابنُ كَثير - رَحمهُ اللّٰـه - :

" كلُّ مُسلمٍ يَنبغي أن يُحزنَهُ قتل الحُسين - رَضيَّ اللّٰـهُ عَنهُ - فإنَّـهُ مِن سَاداتِ المُسلمينَ وَعُلماءِ الصَحابَة، وَقد كانَ عَابِداً وَشجاعاً وَسَخيَّاً. "


#تاريخ_العرب
-

• يَقول شَيخ الإسلام ابنُ تَيمِيَة - رَحمهُ اللّٰـه - :

« فإنَّ مُصيبة الحُسَين وغيره، إذا ذُكِرَتْ بَعدَ طولِ العَهد، فينبغِي للمُؤمن أن يَسترجع فيهَا كما أمرَ اللّٰـهُ وَرسوله؛ ليُعطىٰ مِنَ الأجر مِثلَ أجر المُصاب يَومَ أصيبَ بهَا.»

إنَّا لِلّٰـهِ وَإنَّا إليهِ رَاجِعون.


#تاريخ_العرب
-

" وَأمَّا مَا ذُكرَ مِن سَبي نِساء الحُسين وَحَملهنَّ عَلىٰ الجِمال بلا هوادِج؛ فَهوَ كَذِبٌ وَباطِل،
وَما سَبىٰ المُسلمون هَاشميَّة قَط، وَلا استحلَّت أُمَّـة مُحمَّد ﷺ هَاشميَّة قَط."

•|📜

#تاريخ_العرب
واللهُ في القُــرْآنِ قَــدْ لَـعَنَ الذي

بَــعْــدَ الــبَرَاءَةِ بِــالقَبِـيحِ رَمَانِـي

إنِّــي لَــمُحْــصَنَةُ الإزارِ بَـرِيــئَــةٌ

ودَلِيلُ حُسْــنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي

واللهُ أَحْـصَـنَنِـي بخاتَــمِ رُسْلِــهِ

وأَذَلَّ أَهْــلَ الإفْــكِ والبُــهتَــانِ

مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْبَتِي

ومُحَمَّدٌ فــي حِجْــرِهِ رَبَّــانــي؟


#عائشة_أم_المؤمنين
قال ابن القيّم رحمه الله :

"كَانَت تُحفَةُ (ثَانِيَ اثنَينِ) مُدّخَرَةٌ للصِدِّيقِ دونَ الجَميعِ؛ فهُو الثانِي في الإسلام وفي بَذلِ النَفسِ وفي الزُهدِ وفي الصُحبَة وفي الخِلافَة وفي العُمرِ وفي سَبَبِ المَوت؛ لأنّ الرَسولَ ﷺ ماتَ عَن أثَرِ السُمّ وأبُو بَكرٍ سُمّ فَمَات"

#الفوائد_ص١٠٣
لكنَّ أبا بكر أخي وصاحبي!

- سيدنا محمد ﷺ
الزوج إذا علِم أنه إذا طلَّق المرأةَ وصار أمرها بيدها، وأن لها أن تنكح غيره، وأنها إذا نكحت غيره حَرُمت عليه أبدًا= كان تمسُّكُه بها أشدَّ، وحذرُه من مفارقتها أعظم. وشريعة التوراة جاءت بحسب الأمة الموسوية، فيها من الشدة والإصر ما يناسب حالهم. ثم جاءت شريعة الإنجيل بالمنع من الطلاق بعد التزوج البتة، فإذا تزوج بامرأة فليس له أن يطلِّقها.

ثم جاءت الشريعة الكاملة الفاضلة المحمدية، التي هي أكملُ شريعة نزلت من السماء على الإطلاق وأجلُّها وأفضلها وأعلاها وأقوَمها بمصالح العباد في المعاش والمعاد، بأحسن من ذلك كلِّه وأكملِه وأوفقِه للعقل والمصلحة؛ فإن الله سبحانه أكمل لهذه الأمة دينها، وأتمَّ عليها نعمته، وأباح لها من الطيبات ما لم يُبِحه لأمة غيرها. فأباح للرجل أن ينكح من أطايب النساء أربعًا، وأن يتسرَّى من الإماء بما شاء، وليس التسرِّي في شريعة أخرى غيرها. ثم أكمل لعبده شرعَه، وأتمَّ عليه نعمته، بأن ملَّكه أن يفارق امرأته ويأخذ غيرها، إذ لعل الأولى لا تصلح له ولا توافقه، فلم يجعلها غُلًّا في عنقه، وقيدًا في رِجله، وإصرًا على ظهره. وشرع له فراقها على أكمل الوجوه لها وله، بأن يفارقها واحدةً، ثم تتربَّص ثلاثةَ قروء، والغالب أنها في ثلاثة أشهر. فإن تاقت نفسه إليها، وكان له فيها رغبة، وصرَف مقلبُ القلوب قلبَه إلى محبتها= وجد السبيلَ إلى ردِّها ممكنًا، والبابَ مفتوحًا، فراجع حبيبته ، واستقبل أمره، وعاد إلى يده ما أخرجته يدُ الغضب ونزغات الشيطان منها. ثم لا تؤمن غلَباتُ الطباع ونزَغاتُ الشيطان من المعاودة، فمُكِّن من ذلك أيضًا مرة ثانية. ولعلها أن تذوق من مرارة الطلاق وخراب البيت ما يمنعها من معاودة ما يُغضبه، ويذوق هو من ألم فراقها ما يمنعه من التسرُّع إلى الطلاق. فإذا جاءت الثالثة جاء ما لا مردَّ له من أمر الله، وقيل له: قد اندفعت حاجتك بالمرة الأولى والثانية، ولم يبق لك عليها بعد الثالثة سبيل. فإذا علم أن الثالثة فراقُ بينه وبينها وأنها القاضية أمسك عن إيقاعها.
فإنه إذا علم أنها بعد الثالثة لا تحِلُّ له إلا بعد تربُّص ثلاثة قروء، وتزوُّجٍ بزوجٍ راغبٍ في نكاحها وإمساكها، وأن الأول لا سبيل له إليها حتى يدخل بها الثاني دخولًا كاملًا يذوق فيه كلُّ واحد منهما عُسَيلةَ صاحبه بحيث يمنعهما ذلك من تعجيل الفراق، ثم يفارقها بموت أو طلاق أو خلع، ثم تعتدُّ من ذلك عدّةً كاملةً= تبيَّن له حينئذ يأسُه بهذا الطلاق الذي هو من أبغض الحلال إلى الله، وعلِمَ كلُّ واحد منهما أنه لا سبيل له إلى العود بعد الثالثة، لا باختياره ولا باختيارها. وأكَّد هذا المقصود بأن لعن الزوج الثاني إذا لم ينكِح نكاحَ رغبةٍ يقصد فيه الإمساك، بل نكَح نكاحَ تحليل؛ ولعن الزوجَ الأول إذا ردَّها بهذا النكاح. بل ينكحها الثاني كما نكحها الأول، ويطلِّقها كما طلَّقها الأول. وحينئذ فتباح للأول، كما تباح لغيره من الأزواج.
وأنت إذا وازنت بين هذا وبين الشريعتين المنسوختين، ووازنت بينه وبين الشريعة المبدَّلة المبيحة ما لعنَ اللهُ ورسولُه فاعلَه= تبيَّن لك عظمة هذه الشريعة وجلالتها، وهيمنتها على سائر الشرائع، وأنها جاءت على أكمل الوجوه وأتمِّها وأحسنها وأنفعها للخلق، وأن الشريعتين المنسوختين خير من الشريعة المبدَّلة، فإن الله سبحانه شرعهما في وقت، ولم يشرع المبدَّلة أصلًا
وهذه الدقائق ونحوها مما يختصُّ الله سبحانه بفهمه من شاءَ ؛ فمن وصل إليها فليحمد الله، ومن لم يصل إليها فليسلِّم لأحكم الحاكمين وأعلم العالمين، وليعلم أن شريعته فوقَ عقول العقلاء، ووَفْقَ فِطَرِ الألبَّاء

ابن القيم | أعلام الموقعين
- أيَنْقُصُ الدِّينُ وأنا حيٌّ!؟

- أبو بكرٍ الصِّدِّيق!
إلى المرءِ الَّذي حفظَت البشريَّة خطواتِه، ودوَّنت الآثار سكناتِه، ودوَّت في الأرجاء وصيَّتُه: "وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"

أنتَ الَّذي ذكرتنا في خطبةِ وداعِك، وأمَّنتَ رجالَنا بنا، قبل المواثيقِ وقبل الجمعيَّات وقبل الغرب، لا نُفتَن بهم ولا نحيدُ عن دربِك، ما زِلنا على عهدِك، نحاولُ الثَّبات ما استطعنا إليه سبيلا، لسنا بنات بني النَّجَّار، لكنَّنا والله نحبُّك يَا رَسُولَ ﷺ!
قال الإمامُ جعفرُ بنُ مُحمَّدٍ الصَّادِقُ: "بَرِئَ اللهُ ممَّن تبرَّأَ من أبي بكرٍ وعُمَرَ".

قال الذَّهَبيُّ: قلتُ: "هذا القولُ مُتَواتِرٌ عن جعفرٍ الصَّادِقِ، وأشهدُ باللهِ إنَّه لَبَارٌّ في قولِه، غيرُ مُنافقٍ لأحدٍ، فقبَّحَ اللهُ الرَّافِضةَ".
السِّير ( ٦ / ٢٦٠ ).

وقال الذَّهَبيُّ عنه أيضًا: "وكان يغضبُ من الرَّافضةِ، ويَمقُتُهم إذا عَلِمَ أنَّهم يتعرَّضُونَ لجدِّه أبي بكرٍ ظاهرًا وباطنًا.
هذا لا ريبَ فيه، ولكنَّ الرَّافِضةَ قومٌ جَهَلةٌ، قد هوى بهم الهوى في الهاويةِ، فبُعدًا لهم".
السِّير ( ٦ / ٢٥٥ ).

قولُه: (لجدِّه أبي بكر): أُمُّ جعفرٍ الصَّادقِ هي أُمُّ فَروةَ بنتُ القاسمِ بنِ مُحمَّدِ بنِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ.
وجدَّتُه أُمُّ أُمِّه هي أسماءُ بنتُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ.
ولهذا كان جعفرٌ يقولُ: "وَلَدَني أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ مرَّتَينِ".
2024/09/30 23:29:24
Back to Top
HTML Embed Code: