Telegram Web Link
هل ما زال بإمكان محمد بن سلمان إعادة تشكيل المملكة العربية السعودية؟
مقال رأي لبرنارد هيكل في مجلة فورين افيرز الاميركية
+
برنارد هيكل هو أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون، وهو يقوم بعمل ميداني في الرياض لكتاب عن السعودية.
+
بالنسبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلقت الحرب في غزة مأزقا بالنسبة له.

تحكم حماس قطاع غزة، وحماس حركة إسلامية متحالفة مع ايران وحلفائها وتنسق بشكل وثيق معهم، وهم يرغبون جميعا في رؤية نهاية آل سعود.

ولكن بالنظر إلى مدى شعبية القضية الفلسطينية بين المواطنين السعوديين، يجب على محمد بن سلمان الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، الذين يُنظر إليهم في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي على أنهم ضحايا العدوان والاحتلال الإسرائيلي.

تريد الحكومة السعودية تعزيز أمنها، وتعتقد أنه من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يمكنها إنشاء تحالف أمني مع الولايات المتحدة وحلفاء واشنطن الإقليميين، لكن الرياض لن تقيم مثل هذه العلاقات عندما تواصل إسرائيل قصف المدنيين في غزة وترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

ومع ذلك، لم يكن التطبيع، ولن يكون السبيل الوحيد أمام أسرة آل سعود لتعزيز قبضتها في المملكة، ويمكن للنظام أيضاً أن يحمي نفسه ومصالحه من خلال بناء اقتصاد أكثر قوة وتغيير الأيديولوجية الداخلية للبلاد.

ولتحقيق هذه الغاية، تعمل المملكة بنشاط على تطوير قطاعات جديدة غير مرتبطة بالنفط، مثل السياحة والتعدين والخدمات اللوجستية والتصنيع والتكنولوجيا والتمويل والنقل، كما أنها تعمل على تحويل مصدر شرعيتها، الذي اعتمد لفترة طويلة على علاقة النظام الملكي بالتفسير الأصولي للإسلام، المعروف باسم الوهابية، وعلى دوره كخادم للأماكن المقدسة في الإسلام.

يسعى النظام الملكي السعودي بدلاً من ذلك وعلى نحو متزايد إلى إضفاء الشرعية على حكمه من خلال تقديم نفسه على أنه حامي الشعب السعودي وتعزيز الشعور القومي القوي الذي يضع المصالح السعودية في المقام الأول.

وتشمل التغييرات الناتجة كل جانب من جوانب مجتمع البلاد تقريبًا، بدءًا من الأنظمة القانونية والتعليمية وحتى أدوار السلطات الدينية والمرأة.

فبدلاً من إلزام المملكة نفسها بنشر "الإسلام الحقيقي"، تعتمد شرعية النظام الملكي على قدرته على تحقيق الوحدة والسلام والرخاء في منطقته، وقد أدت الحرب في غزة إلى تعقيد هذا التحول.

لا تزال السعودية تهدف إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن المملكة تطالب بثمن أعلى بكثير للعلاقات الدبلوماسية، ويصر السعوديون الآن على أن يقدم الإسرائيليون تنازلات مضمونة من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة.

كما أنهم يحاولون إقناع واشنطن بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطين التي لا تزال غير ملموسة، بينما يدعون مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى القيام بذلك أيضًا، لكن دافع السعوديين لإقناع إسرائيل والولايات المتحدة ليس بهدف تخفيف المعاناة الفلسطينية فحسب، بل أنه سيجعل من الصعب على منافسي السعودية – إيران وما يسمى بمحور المقاومة – استغلال تلك المعاناة كذريعة لإثارة الفوضى وعدم الاستقرار.

كما تعتقد الرياض أنه إذا تم حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فسوف تضعف طهران، وسيستقر الشرق الأوسط، ويمكن للمملكة بعد ذلك إنجاز تحولها الوطني وتحقيق رؤيتها المتمثلة في إنشاء منطقة مترابطة ومزدهرة، تكون في المركز.

إيمان أقل
هدف محمد بن سلمان هو جعل السعودية، على حد تعبيره، "طبيعية"، وهو يعني بذلك مجتمعاً منفتحاً اجتماعياً وديناميكياً اقتصادياً، على الرغم من أنه سيظل في قبضته الاستبدادية.

سيكون الناس أحرارًا في البقاء أتقياء، لكنهم لا يستطيعون فرض معتقداتهم على الآخرين، ولن تتدخل الحكومة في العادات اليومية لرعاياها، ويمكن للرجال والنساء ارتداء الملابس التي يريدونها في الأماكن العامة والاختلاط دون التعرض للمضايقات.

يعتقد ولي العهد أن هذا التخفيف من الأعراف الدينية والاجتماعية من شأنه أن يسمح للبلاد بالتنافس اقتصاديًا مع الدول الأخرى، وجذب الاستثمارات والمواهب الأجنبية، وتقليل اعتمادها في النهاية على عائدات الوقود الأحفوري، وقد كشف محمد بن سلمان عن مجموعة من المبادرات الجديدة للمساعدة في تعزيز هذه الرؤية لدولة أكثر تسامحًا وحداثة يقودها شعور قوي بالأمة.

فقد أنشأت حكومته، على سبيل المثال، عطلات غير دينية، مثل يوم التأسيس، والتي يتم الآن الاحتفال بها والترويج لها على نطاق واسع.

وتحت رعاية برنامج يسمى رؤية 2030، أكد النظام على التراث الثقافي ما قبل الإسلام للبلاد، وجمالها الطبيعي، والفنون والثقافة السعودية المعاصرة، وتم تسليط الضوء، على سبيل المثال، على مدينة العلا، وهي واحة سعودية مذهلة ومنطقة صحراوية تضم مقابر قديمة مذهلة.
كما تقوم الدولة بإعادة كتابة التاريخ السعودي بطريقة تؤكد على مصادر السلطة والشرعية المختلفة، وتتم مراجعة المناهج المدرسية والأعمال التاريخية العامة في البلاد للتركيز بشكل أكبر على الثقافة العربية والدور الحاسم الذي لعبته العائلة المالكة في توحيد المنطقة والحفاظ على سلامتها بدءًا من القرن الثامن عشر.

في الرواية السعودية الجديدة، يتم إيلاء اهتمام أقل لدور الإحياء الديني في تشكيل البلاد وتاريخها، في نفس الوقت الذي ترفض فيه الرياض عمدا المطالبات والالتزامات الأيديولوجية العابرة للحدود الوطنية، حيث لم تعد السعودية، على النقيض من إيران، مهتمة بالدفاع عن القضايا الإسلامية، كما أنها لم تعد تؤيد السرديات الكبرى بشأن المظالم التي يفرضها الغرب على ما يسمى بالجنوب العالمي، ولم تذكر الرياض "الشيطان الأكبر" أو "قوى الاستكبار" أو "مستضعفي الأرض" أو الحاجة إلى "المقاومة"، كما تفعل إيران وأتباعها.

تولي المملكة الان أهمية كبيرة لسيادتها وسيادة الدول الأخرى، لذا فهي لا تدين محنة الأويغور (أقلية معظمها مسلمة) في ظل الحزب الشيوعي الصيني أو محنة المسلمين الهنود في ظل حزب بهاراتيا القومي الهندوسي الحاكم، وعندما تستحضر الرياض قضية فلسطين فهي قضية قومية وليست قضية إسلامية، وترى القيادة السعودية أن الأيديولوجيات والحركات التي تشجع التدخل العابر للحدود الوطنية هي أمر خطير، وبناءً على ذلك، فقد حظرت العديد منها، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.

رؤية الرياض للنظام العالمي هي رؤية تكنولوجية ونيوليبرالية، حتى لو قامت الحكومة بالاعتماد على (رأسمالية الدولة) لتطوير قطاعات اقتصادية جديدة وإعادة تشكيل القطاعات القائمة.

تريد السعودية تجاوز دولة الرفاهية الريعية، والتي كانت توظف ثلثي القوى العاملة في البلاد اعتبارًا من عام 2017، وتعني هذه التغييرات أن السعودية تروج الآن لعكس ما تفرضه الأنظمة الإسلامية.

لنأخذ على سبيل المثال مهرجان Soundstorm 2023، وهو مهرجان موسيقي أقيم في الرياض في ديسمبر، وحضر هذا الحدث مئات الآلاف من الشباب من جميع طبقات المجتمع للاستماع إلى كالفن هاريس، وترافيس سكوت، وميتاليكا، ومجموعة متنوعة من الموسيقيين المشهورين الآخرين. لم يكن أحد تقريبًا يرتدي الأزياء السعودية التقليدية، وكانت بعض العلامات الخارجية لما يمكن وصفه في مكان آخر بأنماط الحياة الغريبة أو البديلة معروضة بالكامل.

عندما انتشرت مقاطع فيديو من الحدث على نطاق واسع، ردت الجماعات الإسلامية بانتقادات شديدة، فقد أدان الحوثيون السلطات السعودية لسماحها "بالسلوك الفاسق" في وقت كان فيه الفلسطينيون يتعرضون للهجوم، لكن الحكومة السعودية تجاهلت الانتقادات واستمرت في الترفيه، بحجة أن مثل هذه الأحداث ضرورية لتحول البلاد، فهم يريدون من مواطنيهم أن ينفقوا محليا على الترفيه الداخلي، وهو ما لم يكن متاحا تاريخيا، بل سافر السعوديون إلى الخارج لخوض مثل هذه التجارب، وهناك انفقوا مليارات الدولارات كل عام في دول أخرى.

لا سلام ولا ازدهار
من الممكن أن تساعد مبادرات محمد بن سلمان في تعزيز ازدهار السعودية، وبالتالي شعبية نظامه، ولكن لكي تنجح هذه المبادرات، يجب أن يسود السلام، وقد توصل محمد بن سلمان إلى هذا الإدراك بعد سنوات عدة من اتباع سياسات خارجية عدوانية، مثل تدخله المكلف في الحرب في اليمن، ومقاطعة قطر، والموقف العدائي تجاه إيران - بما في ذلك تشبيهه للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بهتلر.

أدت هذه الإجراءات إلى عدم الاستقرار في المملكة وعرضت أهداف محمد بن سلمان للخطر، فقد أطلقت إيران في سبتمبر/أيلول 2019، من بين أمثلة كثيرة، صواريخ كروز وطائرات بدون طيار ضد منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص، مما أدى إلى انقطاع نصف إنتاج النفط في البلاد لعدة أسابيع.

واستهدف الحوثيون في مارس/آذار 2022، مستودعاً للنفط في مطار جدة، مما أدى تقريباً إلى منع إقامة سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 الذي عملت السعودية جاهدة على جلبه إلى أراضيها.

وفي الوقت نفسه، قام الزعماء الإسلاميون في جميع أنحاء العالم الإسلامي بتشويه سمعة الرياض ووصفوها بأنها تابعة للولايات المتحدة وبانها نظام مرتد.

ونتيجة لذلك، عدلت المملكة موقفها، والآن، أصبح الرد السعودي الرسمي على هذه النوبات من السخرية المهينة خافتاً، وأصبحت سياستها تجاه منافسيها تصالحية، فقد أنهت الرياض الحصار المفروض على قطر في يناير/كانون الثاني 2021 وبدأت التفاوض على سلسلة من الهدن وتبادل الأسرى مع الحوثيين في منتصف عام 2022، ووقعت اتفاقية انفراج مع إيران في مارس 2023، استأنفت بموجبها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كما أقر السعوديون في ديسمبر/كانون الأول 2023، اتفاق خارطة الطريق للسلام لإنهاء الحرب في اليمن، وهم يتفاوضون الان مباشرة مع الحوثيين، وقد اعترفت الرياض فعلياً ومن خلال القيام بذلك، بالحوثيين باعتبارهم لاعبين رئيسيين في المستقبل السياسي لليمن، كما تشير الصفقة حتى إلى أن السعوديين سيزودون المجموعة بالمساعدات المالية ودفع الرواتب.

لكن السعوديين لا يلعبون دوليا بشكل جيد حاليا بسبب الضغوط الإقليمية فقط، بل بسبب توقيت تهديدات إيران ووكلائها الذي صادف في وقت ترددت فيه الولايات المتحدة بشأن حماية السعودية من العدوان الخارجي.

فقد رفض الرئيس الأمريكي السابق (وربما المستقبلي) دونالد ترامب الرد على هجوم عام 2019 على منشآت أرامكو السعودية، وأثار أسلوبه القائم على المعاملات الشديدة قلق محمد بن سلمان، الذي يريد أن تعتبر بلاده حليفًا استراتيجيًا وليس محطة وقود مزودة بجهاز صراف آلي للولايات المتحدة.

وعندما تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني 2021، أعلن صراحة أنه سيعاقب السعودية على تورطها في الحرب في اليمن وسجلها في مجال حقوق الإنسان، وفي غضون شهر من دخوله البيت الأبيض، أصدر بايدن وثيقة لوكالة المخابرات المركزية تزعم أن محمد بن سلمان "وافق على عملية في إسطنبول بتركيا لاعتقال أو قتل الصحفي السعودي [والمعارض] جمال خاشقجي"، وفي الشهر نفسه، قام بايدن بإزالة الحوثيين من القائمة الأمريكية للإرهابيين المصنفين رسميًا، ومنع الكونجرس الأمريكي في عام 2022، من نقل الأسلحة التي دفع السعوديون ثمنها بالفعل.

لقد ساعدت كل هذه القرارات في دفع محمد بن سلمان لتبني نهجه الجديد في المنطقة، فضلا عن بناء علاقات أقوى مع الصين والهند وروسيا، وهي تشكل مجتمعة سياسة السعودية أولا، حيث يدرس محمد بن سلمان جميع أنواع الخيارات لتأمين حكم سلالته.

يساعد هذا التحوط في تفسير سبب رفض السعودية الانضمام إلى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة لوقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر حيث يتوقع السعوديون أن مصالحهم الاقتصادية، مع مرور الوقت، سوف تتفوق على الالتزامات الأيديولوجية الأكثر تشددا، ولذلك فإن الرياض حريصة على بناء علاقات مالية واستثمارية مع إيران ومع الحوثيين، على أمل أن تؤدي هذه المصالح الخاصة إلى حماية المملكة في نهاية المطاف من أعمالهم العدوانية.

في الطريق
محمد بن سلمان ليس ساذجاً بشأن رغبة أعدائه في الإضرار ببلاده، كما أنه ليس ساذجاً بشأن قدراتهم.

لن تصبح إيران وحلفاؤها أصدقاء للسعودية أبداً، كما أن إسرائيل والولايات المتحدة أقوى عسكرياً من أن تُهزما بالكامل.

لقد شاهدت السعودية، بعد كل شيء، فيلم محور المقاومة المغرور والخيالي من قبل، فقد حاول جمال عبد الناصر في مصر نشر الأيديولوجية الثورية القومية العربية، كما فعل صدام حسين في العراق من خلال حركته السياسية البعثية والعدوان العسكري، وكانت النتائج كارثية.

لا يوجد حل عسكري قادر على إقامة دولة فلسطينية، ولا توجد وسيلة لإجبار الولايات المتحدة على الخروج من الشرق الأوسط.

يأمل السعوديون في الواقع أن تصبح واشنطن أكثر انخراطًا في المنطقة، وكان سعي ولي العهد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، جزئياً، وسيلة للحصول على اتفاقية أمنية أوسع مع الولايات المتحدة.

لقد أرادت المملكة إبرام معاهدة دفاع مشترك مع واشنطن من شأنها حماية المملكة العربية السعودية من أي هجوم خارجي ومنحها برنامجًا نوويًا تديره الولايات المتحدة في مقابل سفارة سعودية في إسرائيل، وستصبح المملكة بعد ذلك حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، مع وضع مماثل لوضع اليابان أو كوريا الجنوبية، وسيكون هذا إنجازًا كبيرًا للرياض وريشة في قبعة محمد بن سلمان، وسيكون إنجازًا أعظم من إقامة العلاقة بين مؤسس المملكة، ابن سعود، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في عام 1945، والتي بشرت بعقود من التعاون بين البلدين وتقدم اقتصادي مذهل.

ومع ذلك، في الوقت الحالي، فإن أي احتمال للتطبيع مع إسرائيل يظل معلقًا على المدى الطويل، نظرًا للدمار في غزة.

إن القضية الفلسطينية، التي تم تهميشها بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، أصبحت مرة أخرى مركزية في سياسة الشرق الأوسط، وذلك بفضل هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

لا تحظى القيادة الفلسطينية باحترام كبير بالنسبة للسعوديين، لكنهم يشعرون بأنهم مجبرون على الانضمام إلى بقية دول العالم العربي الذي يدين إسرائيل، وقد اصدر وزير الخارجية السعودي وأمراء آخرين بيانات تدين تصرفات إسرائيل باعتبارها جرائم حرب، وقد دعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وأيدت الحكومة السعودية في أواخر يناير/كانون الثاني، اتهام جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
لكن هذه التصريحات كانت أخف من الانتقادات الموجهة من دول إقليمية أخرى، حيث يأمل السعوديون في استئناف حملة التطبيع قريبا، لكنهم يتوقعون الآن تنازلات جدية من الإسرائيليين، تنازلات من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة، وأي شيء أقل من ذلك سيؤدي إلى اتهام محمد بن سلمان بالخيانة، وهو حساس بشكل خاص بشأن مزاعم الخيانة نظرا لوضعه كأهم زعيم عربي وحارس لأقدس الأماكن الإسلامية، وهذا يعني أن الصفقة التي ذكرت صحيفة هافينغتون بوست أن الإسرائيليين عرضوها على السعوديين، بدفع ووساطة من الولايات المتحدة، لن تكون كافية.

قد يتضمن هذا الاتفاق التطبيع مقابل ضمانات معينة للفلسطينيين، لكن لا يبدو أنه يخلق خطوات ملموسة نحو إقامة الدولة، وفي غياب مثل هذا المسار، فإن السعوديين لن يوقعوا عليه، وقد أوضحوا أنهم لن يقوموا بتنظيف الفوضى في اليوم التالي لانتهاء الحرب.

ولا أحد يستطيع أن يخمن ما إذا كان من الممكن اتخاذ خطوات ذات معنى في ضوء سياسات إسرائيل المتشددة والطموحات السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن هجوم حماس جعل القضية الفلسطينية عنصرا مهما في الكيفية التي تفكر بها الرياض الآن بشأن مصلحتها الوطنية، ولذلك، فقد دفع ذلك السعودية إلى إعادة الانخراط كداعم قوي لقيام الدولة الفلسطينية وضمنت حماس انتصاراً للفلسطينيين، ولكن ربما ليس لنفسها.
معركة الظل الاميركية مع ايران
مقال رأي لتوماس فريدمان في نيويورك تايمز
+
كثيرا ما يقال إن أخطر نقطة ساخنة في العالم هي الممر المائي بين تايوان والبر الرئيسي للصين، حيث تستعرض القوات البحرية والقوات الجوية الصينية عضلاتها كل يوم لمحاولة تخويف تايوان - بينما تقوم البحرية الأمريكية بدوريات في مكان قريب.

لكنني أتعجب ممن يقولون ذلك.

في الواقع، هناك توازن ردع مستقر هناك في الوقت الحالي ويمكنك إقامة سباق قوارب ودي في مضيق تايوان مقارنة بالمكان الذي زرته للتو.

لقد قضيت يومين في الأسبوع الماضي أتنقل في طائرة هليكوبتر من طراز CH-47 شينوك بين سبع قواعد عسكرية أمريكية في غرب الأردن وشرق سوريا مع قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال مايكل كوريلا.

لا يوجد توازن هنا وما نملكه بدلا من ذلك، هو حرب الشرق الأوسط الأخرى التي بدأت بعد وقت قصير من الحرب المأساوية بين إسرائيل وحماس التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

هذه الحرب الأخرى في الشرق الأوسط تضع إيران ووكلائها - الحوثيون وحزب الله والميليشيات الشيعية في العراق - في مواجهة الشبكة الصغيرة من القواعد الأمريكية في سوريا والأردن والعراق التي أنشئت بعد عام 2014 لتدمير تنظيم الدولة وفي مواجهة الوجود البحري الأمريكي في البحر الأحمر وخليج عدن، مما يحافظ على ممرات الشحن الحيوية هناك آمنة ومفتوحة.

قد لا تبدو هذه الميليشيات الشيعية المسلحة من قبل إيران في العراق والمقاتلين الحوثيين في اليمن وكأنها تهديدات فتاكة، ولكن لا تنخدع.

لقد تعلم هولاء تسليح وبناء وتكييف ونشر بعض الأسلحة الدقيقة الأكثر تطوراً في العالم، ويمكن لهذه الأسلحة، التي تقدمها إيران، أن تصيب هدفًا بعرض ثلاثة أقدام على بعد 500 ميل.

لقد اكتسب الجنود والبحارة الأمريكيون الشباب الذين اصطفوا ضد هذه المجموعة خبرة كبيرة في ألعاب الفيديو، لكنهم يجدون أنفسهم الآن يمارسون اللعبة الحقيقية، ويستخدمون البرامج والمؤشرات الإجراءات المضادة والصواريخ الاعتراضية الأكثر تطورًا في العالم للقضاء على كل الصواريخ والطائرات بدون طيار تقريبًا التي يستخدمها وكلاء إيران.

باختصار، قد لا يعرف الأمريكيون أنهم في حالة حرب مع إيران، لكن الحرس الثوري الإيراني يعلم على وجه اليقين أنهم في حرب ظل مع أمريكا من خلال وكلائهم، وإذا أصبح أحد هؤلاء الوكلاء الإيرانيين "محظوظًا" وتسبب في وقوع إصابات جماعية من خلال ضرب سفينة حربية أمريكية أو ثكنات إحدى القواعد الأمريكية في الأردن أو سوريا - وهو شيء يشبه تفجير ثكنات مشاة البحرية في بيروت عام 1983 - فإن من المؤكد أن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران سيخرج من الظل ويتحول إلى حرب إطلاق نار مباشرة في المنطقة التي يعتمد عليها العالم أكثر من غيرها للحصول على نفطه.

لقد اعتقدت انه من المهم ان أبلغك بما تقدم.

بدأت حرب الشرق الأوسط الأخرى هذه في 17 أكتوبر، بعد 10 أيام من الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل، كما أوضح لي مسؤولو القيادة المركزية، عندما اتخذت إيران بوضوح قرارًا بتنشيط جميع وكلائها.

حاولت إيران، تحت غطاء حرب غزة، وإغراء المشاعر المعادية للولايات المتحدة التي ولّدتها، معرفة ما إذا كان بإمكانها إضعاف شبكة المنشآت الأمريكية في العراق وشرق سوريا وشمال الأردن بشكل كبير، أو ربما طرد القوات الأمريكية تمامًا.

وأظن أن طهران كان لديها أيضًا هدف آخر في ذهنها: تخويف حلفاء أمريكا العرب من خلال إظهار الضرر الذي يمكن أن تلحقه إيران بحاميهم الأمريكي.

لكن ما أعرفه على وجه اليقين هو أن هذه هي أخطر لعبة تحدث في أي مكان على هذا الكوكب اليوم، وذلك لثلاثة أسباب.

الأول: هو الحجم الهائل للصواريخ والطائرات بدون طيار والقذائف التي نشرها وكلاء إيران - وخاصة الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق.

وفقًا للقيادة المركزية، تم إطلاق مئات الرؤوس الحربية التي تحملها صواريخ أرض-بحر وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية والطائرات الهجومية بدون طيار والزوارق الانتحارية السريعة والمركبات غير المأهولة منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول من قبل وكلاء إيران على القواعد والسفن الحربية والسفن الأمريكية والسفن التجارية في البحر الأحمر.

وعلى الرغم من حجم الهجمات، تمكنت الولايات المتحدة لحسن الحظ، من تدمير أو تحويل مسار معظم الهجمات القادمة باستخدام صواريخ اعتراضية وغابة إلكترونية متنامية من الرادارات والإجراءات المضادة التي يتم نشرها في القواعد وعلى السفن الحربية الأمريكية.

هذا الامتحان ليس سهلا؛ تقول القيادة المركزية إن العديد من الصواريخ والطائرات بدون طيار اخترقت المنطقة، مما أدى إلى إصابة أكثر من 180 فردًا أمريكيًا حتى الآن، وقد شاهدت الأضرار المادية التي أحدثوها في العديد من القواعد التي زرناها.
هذه القواعد الأمريكية ليست مجمعات فاخرة، فقد بدأ الكثير منها كقواعد أو بلدات صغيرة متداعية يسيطر عليها تنظيم داعش، ثم استولت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأكراد في عام 2014 بعد معارك مكثفة مع داعش بعد حرب هدد فيه التنظيم حكومات سوريا والعراق والأردن في نفس الوقت وهي تتكون اليوم من أماكن سكنية جاهزة محاطة ومفصولة بمئات ومئات من الجدران الخرسانية المستوردة من قبل الولايات المتحدة للحد من الأضرار الناجمة عن أي رؤوس حربية قادمة.

يتيح الواي فاي للجنود إمكانية التواصل عبر فيستايم مع عائلاتهم ومتابعة الأحداث الرياضية وتقدم المطابخ الصغيرة نقانق الذرة، وقطع الدجاج وما شابه، وفي بعض المرافق "الأجمل"، ربما حتى مجموعة مختارة يوميًا من الفاكهة الطازجة - على الرغم من أنك عندما تكون زائرًا يبلغ من العمر 70 عامًا ويحمل حوالي 50 رطلاً من الدروع الواقية للبدن وخوذة، إنه لأمر مدهش مدى جودة تذوق نقانق الذرة الكبيرة السمينة في الفوضى التي يعيشها الجيش في الصحراء السورية.

ولكن نظرًا لأن هذه القواعد صممت وأقيمت في مواقع معينة لمنع تنظيم داعش من إعادة تشكيل خطوط إمداده وكتلته الحرجة، فلم يكن المقصود منها أبدًا ردع أو مهاجمة الترسانات الصاروخية الحديثة الهائلة لإيران ووكلائها.

ولهذا السبب، في 28 كانون الثاني (يناير)، ضربت طائرة إيرانية بدون طيار هجومية ذات اتجاه واحد برأس حربي يزن 20 رطلاً، أطلقها تحالف من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تسمى المقاومة الإسلامية في العراق، منشأة أمريكية تسمى البرج 22 شمال شرق الأردن.

قمت بزيارة موقع البرج 22 مع فريق الجنرال كوريلا الأسبوع الماضي.

أدى الانفجار هناك إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، تم قذفهم من أسرّتهم مباشرة، وإصابة 47 آخرين، ولحسن الحظ، تم فصل أماكن المعيشة هناك بجدران ضد الانفجار.

أخبرنا جندي كان في المخبأ بجوار مكان الإصابة أنه كان يتحدث مع زوجته عبر تطبيق فيستايم عندما ضربت الطائرة بدون طيار؛ وخرج مهتزًا لكنه سالمًا بفضل وجود حاجز إسمنتي سميك، وأثناء مشاهدة البث المباشر، اعتقدت زوجته أنه مات عندما اختفى وسط الدخان، لكنه تمكن من الاتصال بها بعد ثلاث ساعات وأكد لها خلاف ذلك.

لقد فوجئت بمعرفة مدى العدوانية التي شجع بها الإيرانيون وكلائهم على أن يكونوا كذلك، وهو ما يؤدي إلى الجانب الثاني الخطير للغاية من هذه الحرب.

كان ذلك ما وصفه لي الجنرال كوريلا بشكل جاف بأنه "محادثة" بهدف الردع أجرتها القيادة المركزية مع إيران بعد الهجوم على البرج 22 لتوضح لطهران أنها تلعب بالنار، فقد شنت الولايات المتحدة في في الثاني من فبراير/شباط، غارات جوية ضد شبكة الوكلاء الإيرانيين بأكملها في العراق وسوريا، وفي اليوم التالي ضد مواقع الحوثيين في اليمن، فأصابت أكثر من 100 هدف بشكل عام، مع مجموعة من قاذفات القنابل بعيدة المدى من طراز B-1 انطلقت من تكساس وصواريخ كروز وقاذفات مقاتلة انطلقت من مجموعة حاملات الطائرات أيزنهاور في البحر الأحمر. وبحسب ما ورد قُتل حوالي اربعين شخصًا في الضربات الانتقامية الأمريكية.

ثم انتهت العملية في السابع من فبراير/شباط، عندما قررت الولايات المتحدة أن تثبت لإيران ووكلائها نوع الحرب الاستخباراتية/الدقيقة المشتركة التي يمكن للولايات المتحدة نشرها بقتل أبو باقر الساعدي، القائد المحدد لكتائب حزب الله الذي تقاتله الولايات المتحدة والذي كان مسؤولاً عن هجمات بطائرات بدون طيار على قواعده في العراق والأردن وسوريا.

أصيب الساعدي أثناء قيادته في أحد شوارع بغداد بنفس النوع من صاروخ هيلفاير الذي أطلقته طائرة بدون طيار والذي قتل القائد الكبير للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في عام 2020، وكان مزودًا بستة شفرات تشبه السيوف والتي بمجرد اختراقها لهيكل السيارة فانها تطحن اي شيء في طريقها مثل الخلاط، ولهذا السبب أطلق على الصاروخ لقب "المنشار الطائر".

من الواضح أن هذا الرد الأمريكي لفت انتباه الإيرانيين، وقد أشاروا إلى أنهم ملتزمون بوقف غير معلن لإطلاق النار على الأرض منذ ذلك الحين، الأمر الذي ساعد بالتأكيد على تهدئة ذهني بينما كنا نحلق بطائرات الهليكوبتر وطائرة من طراز C-130 في جميع أنحاء المناطق غير الخاضعة للحكم في سوريا، قريبة جدًا من القاعدة الروسية الإيرانية المشتركة على الجانب الغربي من نهر الفرات.

ومع ذلك، فإن وقف إطلاق النار غير الرسمي هذا لم يتقبله الحوثيون، الذين أعلنوا أنهم لن يتوقفوا عن إطلاق النار على السفن الدولية أو البحرية الأمريكية أو إسرائيل، على الأقل حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

وأصبحت سفينة الشحن روبيمار التي ترفع علم بليز نهاية الأسبوع الماضي، والتي ضربها الحوثيون بصاروخ باليستي مضاد للسفن في 18 فبراير/شباط، أول سفينة تغرق بالكامل في مضيق باب المندب، نتيجة هجوم صاروخي حوثي، وقد خلقت فوضى بيئية هائلة من الوقود المتسرب والأسمدة التي كانت تحملها.
يجب ان نشكر الحوثيين.

وهذا كله يؤدي إلى الجانب الخطير الثالث من حرب الظل هذه، ففي كل قاعدة زرناها كانت هناك غرفة سرية للغاية لا يستطيع الصحفيون دخولها، تسمى مركز التكامل القتالي.

في الداخل، يحدق الجنود الأمريكيون الشباب (والبحارة على متن السفن البحرية) في الشاشات، ويحاولون التعرف على عدد لا يحصى من الأشياء التي تطير نحوهم ويقررون من خلال الرادار والتوقيع البصري ما إذا كانوا سيشتبكون مع أحدها، أو يتجاهلون آخر أو يتركون ثالثًا يمر، معتقدين أنه سوف يجتازهم ويهبط دون ضرر.

أخبرني أحد ضباط القيادة المركزية أن الانضباط مهم عندما تطلق صواريخ اعتراضية بقيمة 200 ألف دولار على طائرات إيرانية بدون طيار بقيمة 20 ألف دولار.

غالبًا ما يكون لدى هؤلاء المشغلين أقل من تسعين ثانية ليقرروا ما إذا كانوا سيشتبكون مع طائرة بدون طيار قادمة باستخدام طائرة اعتراضية بدون طيار من طراز Coyote يمكنها اكتشاف وتدمير الطائرات بدون طيار الهجومية من مسافة قريبة جدًا ويمكن إطلاقها من المركبات الأرضية أو المروحيات أو السفن السطحية.

بمعنى آخر، كل يوم يمر هناك حدث منخفض الاحتمال ولكن عالي العواقب، وعادة ما يكون خط الدفاع الأول، والأخير في كثير من الأحيان، جنديًا أو بحارًا أمريكيًا في العشرينيات من عمره يحدق في شاشة الكمبيوتر، محاولًا أن يقرر باستخدام برنامج في غضون ثوانٍ ما الذي سيأتي في طريقه أو يتخذ الإجراءات المضادة المناسبة.

وفي خضم كل هذا، يجب أن أضيف، قمنا أيضًا بزيارة مخيم الهول للاعتقال في مكان مجهول في شمال شرق سوريا، حيث يتم احتجاز حوالي 43 الف شخص - معظمهم من "عرائس" مقاتلي داعش وأطفالهم - في خيام ومباني جاهزة تحت حراسة أكراد حتى يمكن إلغاء تلقينهم وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

من الغريب أن تتحدث إلى امرأة أمريكية أو بريطانية انجذبت إلى طائفة داعش وتسمع أن لديها خمسة أو ستة أطفال من ثلاثة أو أربعة مقاتلين مختلفين من داعش، وجميعهم قتلوا على يد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وانطلاقًا من عدد الحجارة التي ألقاها بعض الأطفال على عربتنا المدرعة، فإن عملية إلغاء البرمجة لا تزال مستمرة.

نظراً لكل المخاطر والقروح المفتوحة هنا، فمن الجدير أن نتساءل: لماذا البقاء؟

اسمحوا لي أولاً أن أصف المشهد، ثم أقدم الإجابة.

المشهد: كان فريق الجنرال كوريلا يزور حامية التنف، وهي قاعدة دعم لوجستي صغيرة داخل سوريا، بالقرب من مكان التقاء سوريا والعراق والأردن.

هناك، انتهز كوريلا الفرصة للقيام بترقية في ساحة المعركة، من ملازم ثاني إلى ملازم أول، لقائد فصيلة طبية متمركزة هناك.

كنا نقف في زقاق ومن حولنا كانت هناك ظلال مختلفة من اللون البني - الصحراء والمباني، سمها ما شئت.

طلب كوريلا أولاً من شخص ما أن يحضر له العلم الأمريكي وبعد بضع دقائق ظهر اثنان من أفراد الفصيلة ومعهما علم صغير ورفعوه على مستوى الكتف، مما أدى إلى تأطير كوريلا والضابط الشاب الذي تمت ترقيته.

قال كوريلا للشاب: "جيشنا فريد من نوعه في العالم" مضيفًا "نحن لا نقسم اليمين لشخص أو ملك، بل نقسم اليمين لفكرة مجسدة في الدستور ومتأصلة في ديمقراطيتنا، وهي أن جميع الرجال والنساء خلقوا متساوين وأقسمنا أن ندافع عن هذه الفكرة".

ثم أدى كوريلا القسم الذي يكرره كل جندي أمريكي - وهذا الجندي الذي شق طريقه إلى أعلى - عندما يرتفع في رتبته.

اكتمل قسمه، ووضع الملازم الأول الجديد على قبعة تظهر رتبته الجديدة ثم صرخ لكل فرد من فصيلته.

كان هناك شيء ما أذهلني في هذا المشهد: الجنديان اللذان يحملان نجومهما وخطوطهما الصغيرة التي توفر اللون الوحيد في هذه اللوحة البنية الشاسعة، وقسم الولاء لفكرة وليس لملك، مكتومًا بالجدران الواقية من الانفجار من هذه القاعدة النائية في منطقة لم تعرف في الغالب سوى العكس.

خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة، من أوائل التسعينيات إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اعتقدت أنه قد يكون من الممكن بالفعل جلب المزيد من السياسات التوافقية والتعددية إلى هذا الجزء من العالم - بفضل اتفاقيات أوسلو، ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، انتفاضات الربيع العربي والتكامل الأكبر الذي كان يحدث مع العولمة ولكن ذلك لم يحدث وبدلاً من انتشار الديمقراطية، شهدت هذه المنطقة اضطرابات منتشرة ودولاً فاشلة ولم يعد الانقسام الكبير في العالم بين الديمقراطية والاستبداد، بل بين النظام والفوضى.

أفضل دفاع نقدمه لبقاء القوات الأمريكية في شرق سوريا والعراق والبحر الأحمر يكمن في أن الفوضى "هناك" - من أمثال داعش، والدول الفاشلة مثل سوريا وتآكل الدول القومية من قبل الميليشيات التابعة لإيران - لا تصل إلى "هنا" اي الولايات المتحدة.
إنها ليست مهمة جميلة أو بطولية - العيش مرتديًا الدروع الواقية للبدن طوال اليوم في بيئة قاسية ومعادية، مع كل ما يمكنك تناوله من نقانق الذرة كواحدة من المتع القليلة - ولكن الأمر يستحق ذلك على الأرجح ولكن لا ينبغي لنا أن نساوم بأي أوهام بشأن المخاطر، لأن حرب الظل الدائرة هناك قد تخرج من الظل في أي لحظة.
العالم العربي يوجه غضبه ضد الولايات المتحدة والغرب بسبب الدمار في غزة
فايننشال تايمز البريطانية
+
كثيرًا ما تجادل رشاد مع عائلته بشأن الولايات المتحدة، حيث دافع عن أمريكا منذ فترة طويلة باعتبارها "قوة من أجل الخير" عندما احتج أقاربه ضد التدخلات العسكرية الأمريكية.

ورد رشاد عندما اشتكوا من أن واشنطن فرضت "القيم الليبرالية" على العرب، بأنه يتعين على شخص ما أن يدعم حقوق الإنسان في منطقة غير ليبرالية، غير ان “كل شيء تغير” بعد هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، كما قال الرجل اللبناني السعودي، حيث قدمت الولايات المتحدة دعمها القوي للهجوم الانتقامي للدولة اليهودية في غزة.

وقال الشاب البالغ من العمر 26 عاماً، والذي طلب عدم الكشف عن لقبه: "عندها أدركت أن كل ما كنت أدافع عنه كان كذباً.. أمريكا لا تهتم بحقوق الإنسان.. فهي لا تراقب إسرائيل وهي ترتكب إبادة جماعية فحسب، بل إنها تساعدها على القيام بذلك، ومن ثم لديهم الجرأة للالتفاف وإلقاء المحاضرات علينا بشأن الإنسانية”.

تعكس هذه التعليقات الغضب المحموم الذي اجتاح العالم العربي تجاه الولايات المتحدة، والذي تغذيه تصورات عن معايير واشنطن المزدوجة بشأن دعمها للهجوم الإسرائيلي مع تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة.

ويخشى المسؤولون الغربيون والعرب أن تعمل الولايات المتحدة - القوة الأجنبية المهيمنة في المنطقة لفترة طويلة - على تنفير مجموعة كاملة من الشباب العربي، وشبهوا الغضب الذي أثارته حرب غزة بردود الفعل الإقليمية العنيفة التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

وقال دبلوماسي غربي في المنطقة: "إننا نشهد مستويات غير مسبوقة من الغضب تجاه الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص" مضيفًا "هذا أسوأ من عام 2003، عندما فقد الغرب الكثير من سلطته الأخلاقية، والآن أخشى أن نفقد الجيل القادم”.

وقد نفت إسرائيل بشدة مزاعم الإبادة الجماعية في غزة المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، وأصرت على أن قواتها لا تستهدف المدنيين وتقول إن هدفها من الحرب هو تدمير حماس، الجماعة المسلحة المتمركزة في غزة والمسؤولة عن هجوم السابع من أكتوبر الذي يقول مسؤولون إسرائيليون إنه أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، وتحرير الرهائن الذين تم احتجازهم في ذلك اليوم.

لكن ملايين الشباب العرب الذين تابعوا خمسة أشهر من الصراع يعربون عن صدمتهم وحزنهم إزاء الدمار الذي لحق بالقطاع، حيث تجاوز عدد القتلى 30 ألف شخص، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين، كما شاهدوا ارتفاع عدد الجثث، مع انتشار المجاعة والمرض.

وقد اجبر الهجوم الإسرائيلي الغالبية العظمى من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على ترك منازلهم وحول القطاع إلى أرض قاحلة، كما لم تسمح إسرائيل إلا بوصول مساعدات محدودة إلى السكان، مما دفع وكالات الأمم المتحدة إلى التحذير من خطر المجاعة.

وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد عرضت الدعم للهجوم الإسرائيلي على غزة، وقدمت المساعدة العسكرية والغطاء الدبلوماسي وسط تزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار ولكن أصبح المسؤولون الأمريكيون في الآونة الأخيرة أكثر صراحة بشأن مخاوفهم، بينما يضغطون على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى القطاع.

وقالت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، يوم الأحد، إن "الناس في غزة يتضورون جوعا"، في واحدة من أقوى تعليقات البيت الأبيض حتى الآن بشأن الحرب.

وقالت هاريس: “الظروف غير إنسانية وإنسانيتنا المشتركة تجبرنا على التحرك”، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار.

لكن العديد من العرب يعتقدون أن بايدن لا يزال لا يضغط بقوة كافية لكي توقف إسرائيل هجومها، لا سيما فيما يتعلق باستمرار مبيعات الأسلحة للدولة اليهودية.

وقال غادي بو كامل، طالب العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت: “إنهم يدعمون الحريات وحقوق الإنسان وكل ذلك، ثم إنهم يدعمون بشكل كامل ما تفعله إسرائيل”.

وأظهر استطلاع حديث لمؤشر الرأي العربي، والذي شمل ثمانية الاف شخص من ست عشرة دولة من جميع أنحاء المنطقة، أن الغضب بشأن حرب غزة ورد فعل أمريكا بلغ مستويات قياسية، حيث قال 76٪؜ من المشاركين إن موقفهم تجاه الولايات المتحدة أصبح "أكثر سلبية".

وقال منظمو الاستطلاع إن الاستطلاع أظهر أن "الجمهور العربي فقد الثقة في الولايات المتحدة".

وكان الشباب العرب قد قاطعوا العلامات التجارية الأمريكية، بما في ذلك ستاربكس وماكدونالدز، بسبب دعمهما المزعوم لإسرائيل، وألغوا خططهم للدراسة في الولايات المتحدة ورفضوا الوظائف في الشركات الأمريكية كما نُظمت احتجاجات مناهضة للولايات المتحدة، خاصة في اليمن والعراق، حيث شنت الولايات المتحدة ضربات ضد الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران.

وأصدرت شركتا ستاربكس وماكدونالدز بيانات تقولان فيها إنهما "لا تمولان أو تدعمان أي حكومات متورطة في هذا الصراع".
وقالت دانا الكرد، وهي زميلة غير مقيمة في المركز العربي بواشنطن، إن التأثير الآخر لتعرض الموقف الأخلاقي للولايات المتحدة في المنطقة سيكون تقويض العرب الليبراليين والناشطين الذين دافعوا عن القيم الديمقراطية الغربية في منطقة من المستبدين بما في ذلك من اجل تحسين وضع حقوق الإنسان.

وقالت كرد: "ما رأيناه الآن خلال هذه الحرب من الغرب، أعاد الحديث إلى جيل آخر" مضيفة "الآن، يتم تقطيع أوصال الديمقراطية وحقوق الإنسان" .

وقالت ريم ممتاز، زميلة أبحاث استشارية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن التصور العربي لمكانة الولايات المتحدة والنظام القائم على القواعد بدأ ينهار بعد غزو العراق، لكن "غزة كسرت النظام بالكامل".

وقالت إن وجهة النظر في العالم العربي هي أن الدول الغربية التي أنشأت نظام الأمم المتحدة تدعم إسرائيل بينما تعمل على تقويضها.

وأضافت أن “هذه الدول أوقفت تمويل الأونروا بناء على مزاعم إسرائيل دون الحاجة إلى أدلة منها أولا" وقالت ممتاز: “لقد حاولوا تقويض عمل محكمة العدل الدولية عندما رفعت جنوب أفريقيا قضية الإبادة الجماعية" ورأى العرب في ذلك بانه يُظهر ان “النظام الدولي القائم على القواعد وقيمه لا تنطبق عليهم بنفس الطريقة”.

وفي هذه الأثناء، خلق الصراع في غزة شعوراً بالأزمة العميقة بالنسبة للعرب الذين يعيشون في الغرب وحقيقة أن العديد منهم يحملون جنسية مزدوجة لم تؤدي إلا إلى زيادة الشعور بخيبة الأمل.

قال أحد المصرفيين الاستثماريين العرب في الثلاثينيات من عمره ويعيش في لندن: "أجد صعوبة متزايدة في الارتباط ببلد لديه سياسة خارجية غير عادلة على الإطلاق تجاه المنطقة التي أنتمي إليها، وتجاه الدين الذي أعتنقه".

وقد دفعت هذه المعضلة المواطن البريطاني المزدوج إلى إعادة النظر في خياراته، بما في ذلك مغادرة المملكة المتحدة وأضاف: "لست مضطراً إلى الرحيل، لكني أريد ذلك" مضيفا "انا غاضب".
الخلاف بين بايدن ونتنياهو أعمق بكثير من رفح
مقال رأي لديفيد إغناتيوس من صحيفة واشنطن بوست
+
يخوض الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مواجهة بشأن الاستراتيجية العسكرية والقيادة السياسية ووصل الأمر إلى أعداد الضحايا مع استمرار الحرب في غزة.

من المحتمل أن يتم حل هذه المشكلة قبل فترة قصيرة من استراحة مفتوحة كما جرى مع النزاعات السابقة في العلاقة بين الرجلين، لكنها لحظة متوترة، وكان الخلاف الأكثر وضوحاً يدور بشأن خطة نتنياهو لمهاجمة معقل حماس المتبقي في رفح على طول الحدود الجنوبية لغزة مع مصر.

يعتقد نتنياهو ومجموعة واسعة من المسؤولين الإسرائيليين الآخرين أن تدمير كتائب حماس الأربع هناك، والتي تضم حوالي ثلاثة الاف مقاتل، أمر ضروري لكسر سيطرتها العسكرية على المنطقة.

لكن بايدن قال في مقابلة مع قناة MSNBC في نهاية الأسبوع الماضي إن معبر رفح كان “خطًا أحمر”، لكن لم يكن واضحًا ما يعنيه ذلك.

وقال بايدن الشهر الماضي ايضًا إن إسرائيل لا ينبغي أن تهاجم رفح حتى تضع "خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ لضمان سلامة" أكثر من مليون لاجئ فلسطيني، اضطروا إلى الذهاب إلى هناك بسبب القتال، وفقًا لملخص البيت الأبيض للمكالمة الهاتفية بينهما.

ويقول مسؤولو الإدارة إنهم لم يروا مثل هذه الخطة بعد، ورد نتنياهو يوم الأحد قائلا: “سنذهب إلى هناك”، مضيفا: “كما تعلمون، لدي خط أحمر.. هل تعرفون ما هو الخط الأحمر؟ إن السابع من أكتوبر لن يتكرر مرة أخرى ولا يحدث مرة أخرى أبدًا".

وشدد مسؤول إسرائيلي كبير على هذا الموقف في مقابلة أجريتها معه يوم الأربعاء "إذا قالت الإدارة الاميركية: لا تقوموا بعملية رفح أبدا، فأن ذلك لن يُقبل.. لا يمكنك القيام بنسبة 80٪؜ من المهمة".

ولكن قد يكون مستوى الخلاف في رفح أقل مما يبدو في العلن.

لقد وعدت إسرائيل إدارة بايدن بأنها ستعد خطة عملياتية دقيقة تتضمن حماية الفلسطينيين والمزيد من المساعدات الإنسانية، ولن يمضي جيش الدفاع الإسرائيلي قدماً دون سيناريو تكتيكي مفصل تمت مشاركته مع البيت الأبيض.

ويوضح المسؤول الإسرائيلي الكبير أن إعداد الخطة يستغرق وقتا قائلا "لن نغزو رفح فجأة" لكن المسؤولين الإسرائيليين لن يناقشوا المدة التي قد يستغرقها هذا التخطيط، ولكن يبدو من المرجح أن يستغرق الأمر أسابيع، وقد يمتد حتى بعد نهاية شهر رمضان في أبريل.

على أية حال، لا تبدو المواجهة في رفح وشيكة ويدور خلاف أعمق بشأن ما إذا كان نتنياهو وحكومته اليمينية قد وحدا البلاد حقا خلف نهاية واضحة للصراع.

أبدى محللو المخابرات الأمريكية تشككهم العلني في آفاق قيادة نتنياهو للحكومة الحالية في تقييمهم السنوي للتهديدات، الذي تم تسليمه إلى الكونجرس هذا الأسبوع.

وأشار تقييم التهديد إلى أن “قدرة نتنياهو على البقاء كزعيم وكذلك ائتلافه الحاكم المكون من أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الدينية المتطرفة التي اتبعت سياسات متشددة بشأن القضايا الفلسطينية والأمنية قد تكون معرضة للخطر وقال "لقد تعمقت واتسعت حالة عدم الثقة في قدرة نتنياهو على الحكم.. إن تشكيل حكومة مختلفة وأكثر اعتدالاً أمر ممكن”.

وهذه لغة حادة على نحو غير معتاد بالنسبة لتقرير استخباراتي عام، وقد احتج المسؤولون الإسرائيليون على ما اعتبروه محاولة للتدخل في السياسة الداخلية الإسرائيلية من خلال استخدام التقارير الاستخباراتية كسلاح.

وكان فريق نتنياهو منزعجًا بالفعل مما اعتبره محاولة من جانب نائبة الرئيس هاريس لدق إسفين في السياسة الإسرائيلية عندما قالت لشبكة سي بي إس نيوز يوم الأحد: “من المهم التمييز وعدم الخلط بين الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي”.

ما يحدث هنا هو أن النزاعات الطويلة الأمد التي كانت تجري في الكواليس أصبحت علنية.

لقد استكشف مسؤولو الإدارة الاميركية وعلى مدى اشهر السبل التي يمكنهم من خلالها حث القادة الإسرائيليين الآخرين، مثل رئيس أركان الجيش السابق بيني غانتس، على تحدي نتنياهو، الذي تظهر استطلاعات الرأي أنه لا يحظى بشعبية كبيرة في الداخل.

لكن محاولة توجيه النتائج السياسية مع حليف ديمقراطي يمكن أن تأتي بنتائج عكسية بسهولة.

الخلاف الأساسي يدور بشأن حالة الحرب نفسها.

نتنياهو يتحدث وكأن النصر قريب، ولهذا السبب فهو يريد أن يأخذ رفح قريبا، ويفكر في أنه سينتهي منها، لكن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن إسرائيل تبالغ في تقدير الضرر الذي ألحقته بحماس، ويشككون في أن نتنياهو لا يزال لديه طريق يجب ان يقطعه لتأمين غزة وتحقيق الاستقرار في المنطقة، حتى لو قام بتدمير الكتائب الأربع في رفح.

وهنا، مرة أخرى، قدم مجتمع الاستخبارات الأمريكي تقييماً محدداً في شهادة يوم الاثنين قال فيه: "من المحتمل أن تواجه إسرائيل مقاومة مسلحة طويلة الأمد من حماس لسنوات قادمة، وسوف يناضل الجيش من أجل تحييد البنية التحتية تحت الأرض لحماس".
ويقدم المسؤولون الإسرائيليون إحصائيات مفصلة لدعم ادعاءاتهم بأن الحرب كانت فعالة فعندما بدأ القتال، كان لدى حماس والميليشيات الأخرى نحو 35 ألف مقاتل؛ وقال المسؤولون إن أكثر من 25 ألف شخص من بينهم قتلوا أو أسروا أو أصيبوا.

ومن بين المجموعة الفرعية الأصغر من مقاتلي حماس النظاميين، قالوا إن 12 ألفًا تم إخراجهم من ساحة المعركة، بما في ذلك حوالي 60٪؜ من قادة الكتائب.

وقال مسؤول أمريكي إن تقديرات المخابرات الأمريكية تتوقع خسائر أقل بكثير في صفوف حماس، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الولايات المتحدة تحسب الخسائر في ساحة المعركة بشكل مختلف، ولكن هناك فرق صارخ بين التقييمات الإسرائيلية والأمريكية للحملة.

لقد كانت حرب الأنفاق الجزء الأكثر إثارة للحيرة في الهجوم على غزة.

يقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم أمضوا أسابيع في ابتكار تكتيكات لمهاجمة شبكة واسعة من الخطوط المتعرجة التي يقدر طولها بـ 380 ميلاً، وكلها داخل منطقة يبلغ طولها 25 ميلاً فقط ويصل عرضها إلى 7 أميال ونصف.

ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم دمروا حوالي 60% من منشآت القيادة والسيطرة التابعة لحماس في الأنفاق و90% من ترسانة الصواريخ المدفونة، والتي بلغ مجموعها 15 الفاً إلى 20 الفاً عندما بدأت الحرب، لكن المسؤولين الإسرائيليين يعترفون بأنهم بدأوا للتو في تدمير إمبراطورية حماس السرية.

وقال عدد من المسؤولين إنه تم الاستيلاء على أقل من 30٪؜ من الأنفاق وحتى الآن، لا تزال حماس تدير أنفاق التهريب إلى مصر.

وأخيراً، فيما يتعلق بالسؤال الأساسي حول الشكل الذي ستبدو عليه غزة "في اليوم التالي"، يتفق المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون على عدم وجود إجابة واضحة حتى الآن وهذا أحد أسباب عدم ثقة بايدن في نتنياهو.

يشكك البيت الأبيض في أن الزعيم الإسرائيلي لديه استراتيجية سليمة لإنهاء الصراع الذي ترك اثره على اسرائيل وكان له تأثير مدمر على المدنيين الفلسطينيين ويضر بشكل متزايد بالمصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم.
السعودية طلبت من الكويت 16 مليار دولار لتستثمرها في نيوم ومشاريع اخرى
بلومبيرغ
+
في عنبر ابيضّ لامع على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية، اجتمعت النخبة التجارية والسياسية في المملكة العام الماضي للإشادة بأحد أخطر رهانات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حتى الآن.

كانت السيارات الكهربائية الأولى التي تم تجميعها في السعودية مع شركة (لوسيد) تتلألأ تحت أضواء المكان، وهي مصممة لتظهر للعالم كيف يمكن لمملكة مبنية على النفط أن تجتذب رأس المال الأجنبي لتصبح مركزًا عالميًا لصناعات المستقبل.

أما الواقع فهو أكثر تعقيدا، حيث تستهلك شركة لوسيد، ومقرها كاليفورنيا، الأموال السعودية بشكل متزايد للبقاء في مجال الأعمال، وقد حصلت على أموال دعم إضافية بقيمة مليار دولار أمريكي من المملكة اخيرًا، بالإضافة إلى مبلغ 5.4 مليار دولار أمريكي قام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بضخه بالفعل في الشركة في السابق.

تعتبر شركة لوسِد - صندوق الاستثمارات العامة أكبر مساهم فيها - مثالاً للشركات الأجنبية التي تستثمر في خطة التحول الاقتصادي السعودية “رؤية 2030” التي تبلغ قيمتها تريليونات عدة من الدولارات، لكن حاجة لوسِد إلى الأموال السعودية هي علامة على أن المحاولة المتسرعة التي تقوم بها البلاد لإعادة الابتكار تأتي على حساب أموالها الخاصة، حيث تعتمد المملكة بشكل كبير على ثرواتها النفطية لجذب الشركات.

تقول كارين يونج، خبيرة الاقتصاد السياسي المهتمة بالخليج في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية: "كان على الحكومة أن تمنح شركة لوسِد حوافز هائلة لتأتي إلى السعودية".

كما ان حاجة الشركة للأموال الإضافية إشارة للصعوبات التي تواجهها الشركات الأجنبية في المملكة، وهي دولة ذات خبرة قليلة في التصنيع المعقد أو الصناعات الثقيلة خارج قطاع النفط.

يقول بيتر رولينسون، الرئيس التنفيذي لشركة لوسِد، في بيان لبلومبرج: "إن لوسِد ملتزمة تمامًا بشراكتنا طويلة الأمد مع صندوق الاستثمارات العامة ودعم أهداف رؤية السعودية 2030" ويضيف "تعمل لوسِد على خلق المئات، وفي النهاية الآلاف، من فرص العمل الجديدة للمواهب السعودية".

ولم يستجب صندوق الاستثمارات العامة لطلب التعليق.

أدركت المملكة منذ فترة طويلة أن متطلبات التمويل الخاصة بها ستكون مدعومة في الغالب برأس المال المحلي وجزئيًا فقط بأموال أجنبية ومع ذلك، فهي تريد تحقيق 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنويا بحلول عام 2030، وهو مبلغ أكبر بنحو ثلاثة أضعاف مما حققته على الإطلاق، ونحو 50% أكثر مما تحصل عليه الهند اليوم.

بلغ متوسط ​​تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية إلى المملكة بين عامي 2017 و2022، ما يزيد قليلاً عن 17 مليار دولار أمريكي وتظهر البيانات الأولية لعام 2023 أن الاستثمار الأجنبي المباشر أقل من الهدف، عند حوالي 19 مليار دولار، بحسب بيان لوزارة الاستثمار.

يبدو أن التوسع حتى الوصول إلى 2030 بعيد المنال في الوقت الحالي، حيث يظل المستثمرون الأجانب حذرين، وفقًا لمحادثات مع المصرفيين والمحامين الذين يقدمون المشورة للمستثمرين والأشخاص الذين لديهم معرفة بجهود جمع الأموال في السعودية.

وقد أدى ذلك إلى مراجعة الحكومة لخياراتها وهي تدرس إمكانية التمويل الذاتي لجزء أكبر من عملية إعادة تشكيلها الاقتصادي ضمن جدول زمني ضيق.

وقد بدأت بالفعل في تقليص المشاريع العملاقة المصممة لإصلاح اقتصادها الذي تبلغ قيمته 1.1 تريليون دولار، وتقوم بإصدار سندات بمليارات الدولارات للمساعدة في سد العجز المالي الذي لم تكن تتوقعه حتى أواخر العام الماضي.

إن الطريقة التي تستخدم بها أموالها تحمل آثاراً على استثماراتها في الداخل والخارج، وعلى سياسات النفط التي تشكل الأسواق العالمية.

يريد ولي العهد، أو MBS كما هو معروف، من المستثمرين الأجانب نقل الخبرة والمشاركة في تمويل المشاريع العملاقة مثل مشروع تطوير نيوم، وتتصور هذه الخطة التي تبلغ قيمتها نصف ترليون دولار أمريكي تحويل المنطقة الشمالية الغربية النائية إلى مركز عالي التقنية خالٍ من الكربون ومليء بالروبوتات.

وقال أشخاص مطلعون على الأمر ان نيوم لم تحقق تقدمًا جديًا في جمع رأس المال على الرغم من أنها أطلقت حملات ترويجية للتسويق والحصول على مستثمرين.

الرياح المعاكسة لا تواجه نيوم فحسب بل مشاريع اخرى في السعودية.

فبالقرب من العاصمة، هناك مدينة ترفيهية يطلق عليها اسم القدية تم وضع أكثر من تريليون ريال سعودي من الإنفاق فيها من قبل صندوق الاستثمارات العامة ومطور سعودي، حسبما قال شخصان مطلعان على المشروع.

وقال ديفيد دوكينز من شركة بريكين لبيانات الاستثمار ومقرها لندن وتحلل السوق السعودي: "إذا لم يكن لدينا دليل واضح على مزيد من التمويل بحلول نهاية العام، فمن المؤكد أنه من المفيد أن نتساءل من أين ستأتي الأموال لهذه المشاريع".
ويضيف "هذه المشاريع باهظة الثمن إلى حد الجنون”، وقد ترك التأخير في الموافقة على اللوائح التنظيمية لمشروع نيوم علامات استفهام في صفوف المستثمرين.

وقال كثيرون إن إحجامهم عن تخصيص أموال للمملكة يرجع في كثير من الأحيان إلى القوانين غير الواضحة وغير المجربة التي تحكم العقود والاستثمار.

هناك دلائل على أن الدفع نحو المزيد من رأس المال الخارجي يكتسب زخماً، وتقول وزارة الاستثمار في بيان إن 232 صفقة استثمارية أُبرمت في 2023، كثير منها يحتوي على اجزاء “كبيرة” من الاستثمارات الأجنبية التي قد تبدأ “في طريقها” إلى أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر في 2024.

قادت وحدة الخدمات السحابية التابعة لشركة أمازون مؤخرا مجموعة من الشركات التي وافقت على استثمار أكثر من 10 مليارات دولار أمريكي في مراكز البيانات السعودية.

لكن الحكومة السعودية، التي تحرق أموالها في هذه المشاريع، تكثف جهودها لجذب المزيد من الأموال الأجنبية، وقال أشخاص مطلعون على الأمر إنها طلبت من جارتها الأصغر الكويت ما يزيد عن 16 مليار دولار لتمويل مشاريع بما في ذلك نيوم في الآونة الأخيرة هذا العام.

بالنسبة لمحمد بن سلمان، هناك طموحات تشابه رؤية 2030 على المحك، ففي حين وقعت شركات مثل شركة إير برودكتس ومقرها الولايات المتحدة على مشاريع مشتركة في نيوم، لا تزال السعودية في مأزق تحمل فيه ما يقرب من كامل تكلفة هذه المشاريع - أي ما يعادل تقريبا نصف الناتج القومي الحالي.
لا ثقة بين قادة الحرب الاسرائيلية الثلاثة
وول ستريت جورنال
+
بعد مرور ستة أشهر على الصراع ضد حماس، ينقسم الرأي العام الإسرائيلي بشكل عميق بشأن كيفية تحقيق النصر في الحرب في قطاع غزة وكذلك الأمر بالنسبة للمسؤولين الثلاثة الكبار في حكومة الحرب الذين يهدفون إلى تعزيز الوحدة في هذا الجهد.

أدت الضغائن والخلافات المستمرة منذ فترة بشأن أفضل السبل لمحاربة حماس إلى توتر العلاقات بين صناع القرار في إسرائيل في زمن الحرب، وهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، والرئيس السابق للجيش الإسرائيلي، بيني غانتس.

لقد اختلف الرجال الثلاثة بشأن أكبر القرارات التي يتعين عليهم اتخاذها والمتمثلة في كيفية شن حملة عسكرية حاسمة، وتحرير الرهائن الإسرائيليين، وحكم قطاع ما بعد الحرب والآن، يتعين عليهم أيضًا اتخاذ أحد أكبر القرارات التي واجهتها البلاد على الإطلاق: كيفية الرد على أول هجوم مباشر لإيران على الأراضي الإسرائيلية، حيث من الممكن أن يؤثر صراعهم على السلطة على ما إذا كان الصراع في غزة سيتحول إلى معركة إقليمية أكبر مع إيران من شأنها أن تغير النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط وتشكل علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة لعقود من الزمن.

يقول جيورا إيلاند، الجنرال الإسرائيلي السابق ومستشار الأمن القومي: "إن انعدام الثقة بين هؤلاء الأشخاص الثلاثة واضح للغاية وبالغ الأهمية".

يحاول نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد، توجيه حرب غزة بنفسه، في حين يُنظر إلى غالانت وغانتس على نطاق واسع على أنهما يحاولان استبعاد نتنياهو من القرارات.

كان غانتس، الجنرال الذي قاد حرب إسرائيل الكبرى الأخيرة ضد حماس قبل عقد من الزمن، قد أعرب في السابق عن رغبته في الإطاحة بنتنياهو كرئيس للوزراء ودعا في وقت سابق من هذا الشهر إلى إجراء انتخابات مبكرة في سبتمبر/أيلول بعد أن تظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص ضد طريقة تعامل رئيس الوزراء مع الحرب، في إشارة إلى أن قاعدة غانتس أصبحت محبطة بسبب دوره في الحكومة التي يقودها نتنياهو.

وقد اجتمع أعضاء مجلس الوزراء الثلاثة يوميًا منذ الهجوم الذي شنته إيران يوم السبت، وتعهدوا بالرد لكنهم تركوا توقيت الرد وحجمه وموقعه غامضًا.

إنهم يواجهون الان تحديًا في تصميم رد يوازن بين أهدافهم المتمثلة في ردع إيران، وتجنب حرب إقليمية وعدم تنفير الولايات المتحدة والدول العربية المشاركة في صد الضربة الإيرانية.

وقد حث الرئيس بايدن الإسرائيليين على توخي الحذر في أي رد، واستبعد التورط الأمريكي في ضربة إسرائيلية على الأراضي الإيرانية.

ويقول راز زيمت، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي ومقره تل أبيب: "إن خطر سوء التقدير مرتفع للغاية" مضيفا "نحن في بداية مرحلة خطيرة للغاية في الصراع الإيراني الإسرائيلي”.

يعتبر جالانت الأكثر تشددًا بين الثلاثة فقد دعا في بداية الحرب، إلى توجيه ضربة وقائية ضد حزب الله، حليف إيران اللبناني، لكنه أيضًا حريص على التحالف مع الولايات المتحدة.

وابقى نتنياهو كل من غالانت وغانتس في الظلام بشأن القرارات الرئيسية، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، كما فكر في تعيين مسؤول عن المساعدات الإنسانية يقدم تقاريره مباشرة إلى مكتبه ويتجاوز وزير الدفاع، حسبما قال مسؤولون إسرائيليون مطلعون على الأمر، في محاولة للسيطرة على المواد الغذائية والإمدادات التي تدخل إلى غزة.

ويقول أمير أفيفي، مؤسس منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي، وهو مركز أبحاث: “من الصعب جدًا على رئيس الوزراء أن يجعل الجيش يفعل ما يريد إذا لم يكن وزير الدفاع متحالفًا معه” مضيفا “هذا الافتقار إلى التوافق يجعل الأمور بالنسبة لنتنياهو صعبة للغاية”.

كان الرجال الثلاثة متنافسين لسنوات، فقد خاض غانتس الانتخابات ضد نتنياهو في خمس انتخابات وصفها المحللون السياسيون بأنها من أسوأ الانتخابات التي شهدتها البلاد على الإطلاق.

وحاول نتنياهو إقالة غالانت الذي أخبر المقربين منه أن سياسات رئيس الوزراء السابقة في غزة كانت فاشلة.

أما بالنسبة للعلاقات بين غانتس وجالانت، فبالكاد تحدثا مع بعضهما البعض لأكثر من عقد من الزمن قبل الانضمام إلى حكومة الحرب معًا.

وتظهر استطلاعات الرأي أن غانتس هو الزعيم الأكثر شعبية في إسرائيل ويحاول أشخاص مقربون منه إقناع أعضاء ائتلاف نتنياهو وحزبه بمغادرة الحكومة وإجبار رئيس الوزراء على التنحي عن السلطة، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر وهذا من شأنه أن يترك غانتس باعتباره السياسي الأكثر احتمالا ليحل محل نتنياهو.

وقد حاول غانتس الإطاحة بنتنياهو مرات عدة ولكنه فشل، وهو سياسي ذكي يُعرف داخل إسرائيل باسم "الساحر" لقدرته على الهروب من المشاكل السياسية.

والآن، وبعد ان تم إضعاف نتنياهو سياسياً بسبب الحرب، الأمر الذي يشكل اختباراً بشأن ما إذا كان غانتس، وربما حتى غالانت، قادرين أخيراً على إنهاء هيمنته السياسية التي دامت عقداً ونصف.
كما يتعرض نتنياهو أيضًا لضغوط من الجناح اليميني المتطرف في ائتلافه، والذي هددت أجزاء منه مؤخرًا بتمزيق الحكومة إذا تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب دون القضاء على جيش حماس ويضغط هذا الجناح اليميني أيضاً من أجل رد فعل دراماتيكي على إيران.

كما تعرض أسلوب تعامل إسرائيل مع الحرب لتدقيق أكبر بعد أن اعترف نتنياهو بأن الجيش ضرب قافلة مساعدات، مما أسفر عن مقتل سبعة من العاملين في المجال الإنساني، وأثار إدانة دولية واسعة النطاق.

وقال نتنياهو في الثامن من الشهر الحالي إنه حدد موعداً للتقدم نحو مدينة رفح في غزة، آخر معقل لحماس حيث يلجأ أكثر من مليون فلسطيني إلا أنه واجه معارضة من غالانت، الذي يريد معرفة كيفية إدارة التوقعات الأمريكية قبل المضي قدمًا في العملية، حسبما قال أشخاص مطلعون على الخلافات.

وقال هؤلاء الأشخاص إن الولايات المتحدة حذرت إسرائيل من شن عملية رفح، ويشعر غالانت بالقلق من الإضرار بعلاقة إسرائيل مع واشنطن وفقدان الدعم المالي والعسكري الأمريكي بعد ان قال الرئيس بايدن لنتنياهو في مكالمة هاتفية أجريت في 4 نيسان/أبريل إن الدعم الأمريكي المستقبلي سيكون مشروطًا بمعاملة إسرائيل للمدنيين في غزة.

يمتلك الرجال الثلاثة أفكار مختلفة بشأن غزة ما بعد الحرب حيث يقول رئيس الوزراء إن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بشكلها الحالي يجب ألا تلعب أي دور في القطاع، ويركز على عمل الجيش الإسرائيلي مع القادة المحليين.

ويقول الفلسطينيون إن خطة نتنياهو ترقى إلى مستوى الاحتلال، وهو أمر يقول إنه يعارضه.

ويرى وزير الدفاع الإسرائيلي أن الفلسطينيين المرتبطين بقيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية هو الخيار الأفضل، وقال أشخاص مقربون من غالانت إنه ابلغ الحاضرين في الاجتماعات أنه يفضل الفوضى في غزة على الجنود الإسرائيليين الذين يحكمون القطاع.

وكان نتنياهو قد ألغى رحلة لكبار مساعديه إلى واشنطن احتجاجا على قرار الولايات المتحدة بعدم استخدام حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار، ومع ذلك فقد مضى غالانت قدما في زيارة لم يتم تنسيقها مع رئيس الوزراء.

كما سافر غانتس إلى واشنطن الشهر الماضي بسبب اعتراضات رئيس الوزراء واستقبلت إدارة بايدن غانتس علناً بينما أبدت إحباطها من نتنياهو.

كما أن الرجال الثلاثة لا يتفقون على كيفية تحرير الرهائن الذين تحتجزهم حماس، فقد دعا غانتس علناً إلى التوصل إلى اتفاق لتأمين إطلاق سراحهم، قائلاً إن حياتهم معرضة للخطر، وشدد نتنياهو وجالانت على أن الضغط العسكري إلى جانب المفاوضات هو وحده الذي سيؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن.

لكن نتنياهو يسيطر على فريق التفاوض الإسرائيلي بشأن الرهائن، بقيادة رئيس المخابرات الإسرائيلية، وبينما تحدث رئيس الوزراء علناً عن صفقة، فإنه اتخذ في بعض الأحيان موقفاً متشدداً بشأن الشروط.

وقال نتنياهو إن المنتقدين الذين يقولون إنه يمنع التوصل إلى اتفاق مخطئون، ويقول المقربون منه إنه مفاوض صارم، وقد تعقدت الجهود الأمريكية للتوسط في هدنة مؤقتة الأسبوع الماضي بسبب الضربات الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل ثلاثة من أبناء الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

ويعود التوتر الشخصي بين القيادة الإسرائيلية إلى أكثر من عقد من الزمن، ففي عام 2010، رشحت حكومة نتنياهو غالانت، وهو من قدامى المحاربين في القوات المسلحة لمدة ثلاثين عاما، ليصبح قائدا للجيش وبعد الإعلان عن الترشيح، زعمت وثائق اصبحت علنية أن غالانت قام بتنظيم حملة تشهير ضد المتنافسين الآخرين لهذا المنصب، بما في ذلك غانتس، وفقا لتقرير لاحق صادر عن هيئة تنظيمية بشأن هذه المسألة.

ونفى جالانت تورطه، واتهمت الشرطة أحد حلفاء القائد العسكري في ذلك الوقت بتزوير الوثيقة ومع ذلك، ساعدت الفضيحة في عرقلة الترشيح وإنهاء مسيرة جالانت العسكرية وقد حصل غانتس على الوظيفة، ليصبح قائداً للجيش بين عامي 2011 و2015، وهي الفترة التي قاد خلالها عمليتين كبيرتين ضد حماس واستخدم لاحقًا هذه الميزة لبدء مهنة سياسية، وأنشأ حزبًا جديدًا ابتداءً من عام 2019 حوله إلى المنافس السياسي الرئيسي لنتنياهو.

ولم تسفر ثلاث انتخابات في غضون عام واحد عن فوز واضح لغانتس أو نتنياهو وقد اتفق الاثنان في عام 2020 على الانضمام إلى ائتلاف وتناوب رئاسة الوزراء لإنهاء فترة سياسية مزعزعة للاستقرار وقد انتهت التجربة بحدة في غضون عام.

واتهم غانتس نتنياهو بمنعه من مقعد رئيس الوزراء وقال نتنياهو إنه لا يستطيع إدارة حكومة تعمل مع غانتس وفاز غانتس بمقاعد أقل بكثير في انتخابات 2021، مما يعكس غضب الناخبين منه بسبب عمله مع نتنياهو.

يقول رؤوفين حزان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس: "خرج غانتس من هناك ليس بسكين واحدة في ظهره بل عدة سكاكين".
2025/04/07 01:58:36
Back to Top
HTML Embed Code: