سرُّ الفتوحات التيمية 🌧️📚
ليست عطاءات الله تابعةً لحسابات العقل، ولا خاضعةً لموازين المادة؛ فإن خزائن رحمته لا تُحدّ، ونفحات فضله لا تُعدّ، يرزق من يشاء بغير حساب، ويمنح من يشاء بغير سؤال.
ومن أسمى هذه العطايا وأكرمها: الفتوحاتُ العلمية، التي تُشرق على القلوب إذا صفَت، وتدلف إلى الأرواح إذا زكت، ولا طريق إليها إلا شدة الافتقار، وكثرة الانطراح بين يدي العزيز الغفار.
أجل، إن رزق الفتح في العلم، والإصابة في الفهم، والإشراق في المعنى؛ رزق لا يُنال بكثرة الكتب، ولا بطول المكث بين الشيوخ ، وإنما يُنال إذا انكسر القلب بين يدي ربه، وافتقر إليه، ولاذ ببابه مستغيثًا: "يا معلّم إبراهيم علّمني، ويا مُفهّم سليمان فهّمني".
وقد بلغ شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المضمار مبلغًا لم يُدركه كثيرٌ من الأعلام، فكان العلم عنده هبةً ربانية، وفتحًا إلهيًا، يلوح على قلبه حين يطرق أبواب السماء بالضراعة والتذلل. فكانت المسألة إذا استعصت عليه، لم يزدْ على أن يُسلم قلبه إلى ربه، ويلهج بالاستغفار الكثير، ويصعد من فقره إلى غنى ربّه، فإذا بالعلم يهطل عليه هطول الغيث على الأرض الطيبة، وإذا بالفهم يلمع في نفسه لمعان البرق في الليل البهيم، روى عنه بعض أصحابه أنه قال:" إني لأطالع المسألة، فأجدها علي مثل القلعة المنيعة، فأستغفر الله نحو ألف مرة أو أكثر، وأتوجّه إليه في حلِّها، وأقول: يا معلّم إبراهيم علّمني، فتنحل لي، وربما فتح الله لي فيها بأمور من الله لم أرها في كتاب".
ويصف ابن القيم هذه الحال بما يُشبه الشهادة النابضة، فيقول: " وشهدت شيخ الإسلام إذا أعيته المسائل واستعصت، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، واستغاث بالله، واستنزل الصواب من خزائن رحمته، فقلّما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف إليه الفتوحات بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وُفّق لهذا الافتقار علمًا وحالًا ، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أُعطيَ حظّه من التوفيق ، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق ، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم " .
إعلام الموقعين (٤/١٨٧ )
وقال عنه الذهبي: " ولم أرَ مثله في ابتهاله واستغاثته، وكثرة توجهه،". نقله عنه ابن حجر في الدرر الكامنة (١/١٧٦).
وحسبك أن تصدر هذه الكلمة من الإمام الذهبي صاحب سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام الذي عايش العلماء وسبر سيَرهم وأخبارهم، وأجمع العلماء أنه مؤرخ الإسلام حتى قيل عنه: ( شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جُمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يُعبّر عنها إخبار من حضرها). طبقات الشافعية ( ١٠١/٩)
وخلاصة القول: أن العلم لا يُنال من جهة العقل وحده، بل من جهة القلب إذا طَهُر، ومن جهة النفس إذا خضعت، ومن جهة العبد إذا عرف ضعفه وأقرّ به، وصدق في افتقاره، وأخلص في قصده، وتوجّه بكلّيته إلى ربه، فمتى اجتمع له هذا الافتقار إلى الله، مع الجدّ في الطلب، والصدق في النية، كان ذلك هو الصراط المستقيم الذي لا تضلّ به القدم، ولا يزيغ به القلب، وسيلج به ذلك إلى ميادين المعرفة وبرد اليقين.
ولا ريب أن من رُزق افتقار القلب وصدق التوجه وخلوص القصد فقد ظفر بالحظ الأوفر من التوفيق، ومن حُرم ذلك فقد سُدّت دونه أبواب الطريق، وما أجمل ما قول ابن القيم : "ولا ظَفِرَ من ظفر بمشيئة الله وعونه إلَّا بقيامه بالشُّكر وصدق الافتقار والدُّعاء".
الفوائد (١٤٢).
ليست عطاءات الله تابعةً لحسابات العقل، ولا خاضعةً لموازين المادة؛ فإن خزائن رحمته لا تُحدّ، ونفحات فضله لا تُعدّ، يرزق من يشاء بغير حساب، ويمنح من يشاء بغير سؤال.
ومن أسمى هذه العطايا وأكرمها: الفتوحاتُ العلمية، التي تُشرق على القلوب إذا صفَت، وتدلف إلى الأرواح إذا زكت، ولا طريق إليها إلا شدة الافتقار، وكثرة الانطراح بين يدي العزيز الغفار.
أجل، إن رزق الفتح في العلم، والإصابة في الفهم، والإشراق في المعنى؛ رزق لا يُنال بكثرة الكتب، ولا بطول المكث بين الشيوخ ، وإنما يُنال إذا انكسر القلب بين يدي ربه، وافتقر إليه، ولاذ ببابه مستغيثًا: "يا معلّم إبراهيم علّمني، ويا مُفهّم سليمان فهّمني".
وقد بلغ شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المضمار مبلغًا لم يُدركه كثيرٌ من الأعلام، فكان العلم عنده هبةً ربانية، وفتحًا إلهيًا، يلوح على قلبه حين يطرق أبواب السماء بالضراعة والتذلل. فكانت المسألة إذا استعصت عليه، لم يزدْ على أن يُسلم قلبه إلى ربه، ويلهج بالاستغفار الكثير، ويصعد من فقره إلى غنى ربّه، فإذا بالعلم يهطل عليه هطول الغيث على الأرض الطيبة، وإذا بالفهم يلمع في نفسه لمعان البرق في الليل البهيم، روى عنه بعض أصحابه أنه قال:" إني لأطالع المسألة، فأجدها علي مثل القلعة المنيعة، فأستغفر الله نحو ألف مرة أو أكثر، وأتوجّه إليه في حلِّها، وأقول: يا معلّم إبراهيم علّمني، فتنحل لي، وربما فتح الله لي فيها بأمور من الله لم أرها في كتاب".
ويصف ابن القيم هذه الحال بما يُشبه الشهادة النابضة، فيقول: " وشهدت شيخ الإسلام إذا أعيته المسائل واستعصت، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، واستغاث بالله، واستنزل الصواب من خزائن رحمته، فقلّما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف إليه الفتوحات بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وُفّق لهذا الافتقار علمًا وحالًا ، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أُعطيَ حظّه من التوفيق ، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق ، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم " .
إعلام الموقعين (٤/١٨٧ )
وقال عنه الذهبي: " ولم أرَ مثله في ابتهاله واستغاثته، وكثرة توجهه،". نقله عنه ابن حجر في الدرر الكامنة (١/١٧٦).
وحسبك أن تصدر هذه الكلمة من الإمام الذهبي صاحب سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام الذي عايش العلماء وسبر سيَرهم وأخبارهم، وأجمع العلماء أنه مؤرخ الإسلام حتى قيل عنه: ( شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جُمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يُعبّر عنها إخبار من حضرها). طبقات الشافعية ( ١٠١/٩)
وخلاصة القول: أن العلم لا يُنال من جهة العقل وحده، بل من جهة القلب إذا طَهُر، ومن جهة النفس إذا خضعت، ومن جهة العبد إذا عرف ضعفه وأقرّ به، وصدق في افتقاره، وأخلص في قصده، وتوجّه بكلّيته إلى ربه، فمتى اجتمع له هذا الافتقار إلى الله، مع الجدّ في الطلب، والصدق في النية، كان ذلك هو الصراط المستقيم الذي لا تضلّ به القدم، ولا يزيغ به القلب، وسيلج به ذلك إلى ميادين المعرفة وبرد اليقين.
ولا ريب أن من رُزق افتقار القلب وصدق التوجه وخلوص القصد فقد ظفر بالحظ الأوفر من التوفيق، ومن حُرم ذلك فقد سُدّت دونه أبواب الطريق، وما أجمل ما قول ابن القيم : "ولا ظَفِرَ من ظفر بمشيئة الله وعونه إلَّا بقيامه بالشُّكر وصدق الافتقار والدُّعاء".
الفوائد (١٤٢).
دموع المجاهدة وثمار الذين صدقوا 🌱
من الناس من يسمع أخبار الصالحين في مناجاتهم وركوعهم ودموعهم، فيظن أنهم وُلدوا على هذا النور، أو أن الطريق إلى مدارجهم لا تزيد على بضع خطوات؛ فيهمّ أحدهم بالصعود فيتعب في أول درجة، فيملّ، ثم يرجع القهقرى.
وليس الشأن في أن تُقبل على العبادة لحظة؛ فتفتح لك خزائنها، بل الشأن كل الشأن أن تُجاهد نفسك على بابها، حتى يُؤذَن لك بالدخول، وتكون قرة عين لك.
ومما ينبغي التفطن له؛ العلم بأن مدارج العارفين كانت تسبقها ليالٍ من جهاد النفس، والصبر على العبادة، وأن الأنس الذي تراه على محياهم، كان ثمرة صبرٍ مرٍّ طال أمده، حتى رضيت القلوب عن الله، فرضي الله عنها، فكان الفتح.
أجل، إن كثيرًا من العبادات لا يُؤذن للعبد فيها من أول طرقة، ولا يُفتح له فيها من أول ركعة، ولا تُذلل له من أول مرة، فالله سبحانه يبتلي صدق عبده بتلك الموانع، ويقيس توقه بتلك العقبات؛ فمن صبر وصابر وداوم، وأتى الباب مرة بعد أخرى، وكان له قلب لا يمَلّ، ولا يستعجل الثمرة، فإن لله على مثل هذا فتوحات يسكبها عليه سكبًا، حتى يُذيقه من طيب القرب ولطيف الأنس ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلبه.
ومما يُعرف به صدق الصادق؛ أنه لا ينثني إن تأخّر الفتح، ولا يبرح موضعه إن طال البلاء، بل يثبت كما يثبت الزارع عند زرعه، يعلم أن للغرس موسمًا، وأن للثمر أوانًا، فلا يعجل قبل النضج.
ولقد انقطع عن الطريق كثيرون، لا لأن العوائق صدّتهم، بل لأنهم كانوا يستطيلون الطريق ويستبطئون الوصول، ويظنون أن مراتب السالكين تُنال في أيام معدودات، فلما رأوا لطول الطريق تبِعة، وفي المراقي مشقة، قعدوا وقعدت هممهم. والشأن كما قال ابن القيم: " من استطال الطريق ضعُف مشيه".
وانظر إلى ثابت البناني وحاله في مجاهدة نفسه حيث يقول: “جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذت به عشرين سنة أخرى". ولو أن التلذذ كان من أول مرة، لما كان للجهاد معنى، ولا للصدق برهان.
بيد أن لله في عباده نفحات، فهناك من يفتح لهم من أول الطريق بلا مجاهدة ولا مكابدة يجذبهم إليه جذبًا، يُحبهم فيُقبلون، ويُقذف في قلوبهم النور، فيلزمون العبادة كأنما ولدوا عليها. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهؤلاء لا يُقاس عليهم، فإن الفتح هبة ربانية، طريقها سؤال الله ذلك.
عرفتُ رجلاً كان بعيدًا عن العبادة، غريبًا عن المساجد، لا يعرف من أنوار الطاعة شيئًا، ثم هداه الله وأصلحه في ليلة، ففُتح له فتحًا عجيبًا، وانقلب حاله في أيام، فصار كما تقرأ عن السلف في التهجد وطول القنوت والعبادة، حتى كانت خاتمته على الطاعة، وعليه سمتُ الأولياء، رحمَه الله ورفع مقامه.
فالطريق إلى الله طويل، لكنه محفوف بالرحمة. وثق أن الصادق لا يخيب، وأن المجاهدة لا تُرد، وأن من طرق الباب طويلاً فُتح له، ولو بعد حين، فالزم باب ربّك فثمّ الفتح.
من الناس من يسمع أخبار الصالحين في مناجاتهم وركوعهم ودموعهم، فيظن أنهم وُلدوا على هذا النور، أو أن الطريق إلى مدارجهم لا تزيد على بضع خطوات؛ فيهمّ أحدهم بالصعود فيتعب في أول درجة، فيملّ، ثم يرجع القهقرى.
وليس الشأن في أن تُقبل على العبادة لحظة؛ فتفتح لك خزائنها، بل الشأن كل الشأن أن تُجاهد نفسك على بابها، حتى يُؤذَن لك بالدخول، وتكون قرة عين لك.
ومما ينبغي التفطن له؛ العلم بأن مدارج العارفين كانت تسبقها ليالٍ من جهاد النفس، والصبر على العبادة، وأن الأنس الذي تراه على محياهم، كان ثمرة صبرٍ مرٍّ طال أمده، حتى رضيت القلوب عن الله، فرضي الله عنها، فكان الفتح.
أجل، إن كثيرًا من العبادات لا يُؤذن للعبد فيها من أول طرقة، ولا يُفتح له فيها من أول ركعة، ولا تُذلل له من أول مرة، فالله سبحانه يبتلي صدق عبده بتلك الموانع، ويقيس توقه بتلك العقبات؛ فمن صبر وصابر وداوم، وأتى الباب مرة بعد أخرى، وكان له قلب لا يمَلّ، ولا يستعجل الثمرة، فإن لله على مثل هذا فتوحات يسكبها عليه سكبًا، حتى يُذيقه من طيب القرب ولطيف الأنس ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلبه.
ومما يُعرف به صدق الصادق؛ أنه لا ينثني إن تأخّر الفتح، ولا يبرح موضعه إن طال البلاء، بل يثبت كما يثبت الزارع عند زرعه، يعلم أن للغرس موسمًا، وأن للثمر أوانًا، فلا يعجل قبل النضج.
ولقد انقطع عن الطريق كثيرون، لا لأن العوائق صدّتهم، بل لأنهم كانوا يستطيلون الطريق ويستبطئون الوصول، ويظنون أن مراتب السالكين تُنال في أيام معدودات، فلما رأوا لطول الطريق تبِعة، وفي المراقي مشقة، قعدوا وقعدت هممهم. والشأن كما قال ابن القيم: " من استطال الطريق ضعُف مشيه".
وانظر إلى ثابت البناني وحاله في مجاهدة نفسه حيث يقول: “جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذت به عشرين سنة أخرى". ولو أن التلذذ كان من أول مرة، لما كان للجهاد معنى، ولا للصدق برهان.
بيد أن لله في عباده نفحات، فهناك من يفتح لهم من أول الطريق بلا مجاهدة ولا مكابدة يجذبهم إليه جذبًا، يُحبهم فيُقبلون، ويُقذف في قلوبهم النور، فيلزمون العبادة كأنما ولدوا عليها. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهؤلاء لا يُقاس عليهم، فإن الفتح هبة ربانية، طريقها سؤال الله ذلك.
عرفتُ رجلاً كان بعيدًا عن العبادة، غريبًا عن المساجد، لا يعرف من أنوار الطاعة شيئًا، ثم هداه الله وأصلحه في ليلة، ففُتح له فتحًا عجيبًا، وانقلب حاله في أيام، فصار كما تقرأ عن السلف في التهجد وطول القنوت والعبادة، حتى كانت خاتمته على الطاعة، وعليه سمتُ الأولياء، رحمَه الله ورفع مقامه.
فالطريق إلى الله طويل، لكنه محفوف بالرحمة. وثق أن الصادق لا يخيب، وأن المجاهدة لا تُرد، وأن من طرق الباب طويلاً فُتح له، ولو بعد حين، فالزم باب ربّك فثمّ الفتح.
خطبة جمعة عنوانها: أمسك عليك لسانك.
أسأل الله أن ينفع بها
https://khutabaa.net/ar/discussions/%D8%A3%D9%85%D8%B3%D9%83-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%83-%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%83-3
أسأل الله أن ينفع بها
https://khutabaa.net/ar/discussions/%D8%A3%D9%85%D8%B3%D9%83-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%83-%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%83-3
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
مقطع نافع ومؤثر، عن أثر التسلح بالدعاء والافتقار إلى الله، وعظيم حاجة المسلم له، وبيان أنه طريق الأنبياء، فلا تفوّت سماعه، ففيه بركة وخير.
ولعلّه يكون محفزًا لك للدعاء في آخر ساعة من هذا اليوم ..
ولعلّه يكون محفزًا لك للدعاء في آخر ساعة من هذا اليوم ..
https://youtu.be/3ez_4Trq4f8?
si=RjU0tkra0Rw3eTFh
si=RjU0tkra0Rw3eTFh
YouTube
أمسِك عليك لسانك | د. طلال الحسان
مطالع النور ومهاوي الظلمة بين لَحْظة ولفظة
أمران جليلان وخطران داهمان متى سَلِم منهما العبد، فُسِح له طريق الهداية، وانفرجت له أبواب التوفيق، وتيسّر له سلوك سبيل الاستقامة والرشاد:
أولهما: النظر إلى الحرام؛ فإنه سهم من سهام إبليس، يجرحُ البصيرة، ويُكدّر على القلب صفاءه، ويخبو به نور التقوى في النفس، ويُذهبُ لذة الطاعة من الروح، فلا يبقى للعبد حلاوة مناجاة، ولا برد يقين، ولا أُنس في الخلوة.
إن غض البصر عبادة منسية، ومفتاح عظيم لأبواب الخير؛ به تزكو النفس، ويُحفظ الإيمان، وتُغلق منافذ الشيطان، فكم من نظرة أورثت وحشة وحسرات، وكم من لحظة أودت بصاحبها إلى ظلمات، وإنك حين تغض بصرك، فأنت تشتري نور قلبك بثمن عفّتك، وتفوز بصفاء سريرتك، وتعلو على أهواء نفسك. وغض البصر ليس كفًّا للطرف فحسب، بل هو غضٌّ للروح عن الدنايا، وتنقية للوجدان من دَرَن الشهوة، وهو حراسة للعقل وحماية للقلب، ومفتاح لسكينة النفس، وصفائها وطهارتها، وصدق الله: ﴿قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم وَيَحفَظوا فُروجَهُم ذلِكَ أَزكى لَهُم﴾.
وثانيهما: الغيبة والخوض في أعراض الناس، فاللسان الذي ينطلق بما لا يرضي الله، يحطُّ من قدر صاحبه، وينزع من قلبه بركة الطاعة، ويُخفّف من ميزان إيمانه. فـ " كفُّ اللسان وضبطه وحبسه أصل كل خير" كما قال ابن رجب. واللسان البذيء يُنبئ عن قلب خاوٍ من الإيمان، ضعيف من التقوى، ألا ترى أن رسول الله ﷺ قال: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء". فالكلمة إذا خرجت من فم العبد؛ رسمت ملامح قلبه، فإن كانت طيبة دلّت على طيب معدنه وزكاء قلبه، وإن كانت سيئة فضحت فساد باطنه.
وما أُتِيَ من أُتِيَ من المنتكسين إلا من قلة الورع وخفة اللسان والوقيعة في أعراض الناس؛ فذاك دليل هشاشة في التديّن، وضعف في البناء الإيماني، فاحفظ لسانك، تسلم لك أعمالك، ويصلحُ لك شأنك، وتطمئن نفسك. وتمثّل وصية ربّك ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا، يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.
وقال ابن عاصم الأنطاكي – كلمة لو كُتِبت بماء الذهب لكانت أهلاً: "إذا طلبت صلاح قلبك، فاستعن عليه بحفظ لسانك".
أمران جليلان وخطران داهمان متى سَلِم منهما العبد، فُسِح له طريق الهداية، وانفرجت له أبواب التوفيق، وتيسّر له سلوك سبيل الاستقامة والرشاد:
أولهما: النظر إلى الحرام؛ فإنه سهم من سهام إبليس، يجرحُ البصيرة، ويُكدّر على القلب صفاءه، ويخبو به نور التقوى في النفس، ويُذهبُ لذة الطاعة من الروح، فلا يبقى للعبد حلاوة مناجاة، ولا برد يقين، ولا أُنس في الخلوة.
إن غض البصر عبادة منسية، ومفتاح عظيم لأبواب الخير؛ به تزكو النفس، ويُحفظ الإيمان، وتُغلق منافذ الشيطان، فكم من نظرة أورثت وحشة وحسرات، وكم من لحظة أودت بصاحبها إلى ظلمات، وإنك حين تغض بصرك، فأنت تشتري نور قلبك بثمن عفّتك، وتفوز بصفاء سريرتك، وتعلو على أهواء نفسك. وغض البصر ليس كفًّا للطرف فحسب، بل هو غضٌّ للروح عن الدنايا، وتنقية للوجدان من دَرَن الشهوة، وهو حراسة للعقل وحماية للقلب، ومفتاح لسكينة النفس، وصفائها وطهارتها، وصدق الله: ﴿قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم وَيَحفَظوا فُروجَهُم ذلِكَ أَزكى لَهُم﴾.
وثانيهما: الغيبة والخوض في أعراض الناس، فاللسان الذي ينطلق بما لا يرضي الله، يحطُّ من قدر صاحبه، وينزع من قلبه بركة الطاعة، ويُخفّف من ميزان إيمانه. فـ " كفُّ اللسان وضبطه وحبسه أصل كل خير" كما قال ابن رجب. واللسان البذيء يُنبئ عن قلب خاوٍ من الإيمان، ضعيف من التقوى، ألا ترى أن رسول الله ﷺ قال: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء". فالكلمة إذا خرجت من فم العبد؛ رسمت ملامح قلبه، فإن كانت طيبة دلّت على طيب معدنه وزكاء قلبه، وإن كانت سيئة فضحت فساد باطنه.
وما أُتِيَ من أُتِيَ من المنتكسين إلا من قلة الورع وخفة اللسان والوقيعة في أعراض الناس؛ فذاك دليل هشاشة في التديّن، وضعف في البناء الإيماني، فاحفظ لسانك، تسلم لك أعمالك، ويصلحُ لك شأنك، وتطمئن نفسك. وتمثّل وصية ربّك ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا، يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.
وقال ابن عاصم الأنطاكي – كلمة لو كُتِبت بماء الذهب لكانت أهلاً: "إذا طلبت صلاح قلبك، فاستعن عليه بحفظ لسانك".
قناة طلال الحسّان. pinned «مطالع النور ومهاوي الظلمة بين لَحْظة ولفظة أمران جليلان وخطران داهمان متى سَلِم منهما العبد، فُسِح له طريق الهداية، وانفرجت له أبواب التوفيق، وتيسّر له سلوك سبيل الاستقامة والرشاد: أولهما: النظر إلى الحرام؛ فإنه سهم من سهام إبليس، يجرحُ البصيرة، ويُكدّر…»
Forwarded from قناة أ. د. مرضي بن مشوح العنزي
كيف_تكتب_بحثًا_جامعيًا_مميزًا؟.pdf
604 KB
من أحسن ما رأيت في تعليم الطلاب الجامعيين البحث الأكاديمي، اختصارًا ووضوحًا.
ولو أن أستاذ قاعة البحث كلف كل طالب بطباعة الملف والمشي على ضوئه لاستفاد الطالب كثيرًا.
خصوصًا مع كون كثير من الكتب في البحث العلمي طويلة وأكثر ما فيها فوق مستوى الطالب ولا يحتاجه غالبًا.
د. إبراهيم بن ممدوح الشمري
ولو أن أستاذ قاعة البحث كلف كل طالب بطباعة الملف والمشي على ضوئه لاستفاد الطالب كثيرًا.
خصوصًا مع كون كثير من الكتب في البحث العلمي طويلة وأكثر ما فيها فوق مستوى الطالب ولا يحتاجه غالبًا.
د. إبراهيم بن ممدوح الشمري
السعادة الخفيّة ومجدُ الاستقامة: "حين يشرق النبل من داخل النفس" ✨🌧️
إذا أقبلتَ على الحياة بعين طامحة، وقلب يتوق إلى المعالي، فاجعل أول ما تهمس به إلى روحك: أن أقصر الطرق إلى المجد، هو طريق الاستقامة، لا سواها.
فالاستقامة يا صاحبي ليست قيدًا تُكبّل به حريتك، ولا سورًا يحجب عنك النعيم، بل هي النور الذي يهديك في متاهات الحياة، والسُّلَّم الذي يرفعك إلى المقامات الكريمة، وعلى رأسها التقوى، والنزاهة وشرف الضمير، وعفّة اليد وطهارة القلب.
فالنجاح هو الاستقامة بمفهومها الشامل، وهي: أن يكون لك قلب لا يخون، وضمير لا يتكسب، ويد لا تمتد إلى الحرام ولو جاعت، ونَفْس تأبى أن تُذلّ ولو عُلِّقَتْ في السماء مصلوبة.
وعليك يا صاحبي أن لا تدخل في هذه الدنيا إلا كما يدخل المسافر مَحَطَّة طريق، لا ليقيم، بل ليأخذ الزاد ويمضي، فمن فهِم الحياة على هذا الوجه، صغُر في عينه ما يَكبُر في أعين الناس، وعَظُم في قلبه ما لا يشعرون به.
أجل، إن الناس في هذه الحياة يبحثون عن النجاح، ويركضون له، ويتقاتلون عليه، حتى نفشت فيه غنم القوم، ولكن ما أكثر الذين ضلوا السبيل، وهم يظنّون أنهم يحسنون صنعًا؛ لأنهم أرادوا المجد في مظاهره، لا في حقيقته.
فلا تغترَّ بمن علا في الناس وهو عند الله هابط، ولا تعجب بمن جمع المال؛ و قد أفلس من المروءة، وأفسد ليصل، وتزلّف لينال، ولا تمدّن عينيك إلى من صعد على أكتاف غيره، فإنه ما صعد إلا على جنازته هو!
فإنّ وراء كثير من الأبواب اللامعة قلوبًا خاوية، وضمائر ميتة، وسرائر سوداء يكاد يُغشى عليها من شدة الظمأ.
واحذر من مسلك أولئك الذين تاجروا بضمائرهم، وراهنوا على قيمهم في بورصة الكسب الرخيص، فإنهم عمّا قليل سيخصفون على أنفسهم أوراق الخيبة والندم، ويلتحفون بالخسران، وإن ظنّوا أنهم ربحوا!
وكم من شخص جعل ذمّته عملة حسابية وسوقًا يبيع فيها دينه، ومروءته رأس مال يساوم عليه، يرضى بالمهانة إن جاءت له بدرهم، ويستبدل الشرف بكسرة خبز إن طُليت بالذهب.
ولكن قلّ لي بربك، أيّ لذة ستبقى لهؤلاء؟
وإن أردت لذة، ليست في أطباق الذهب ولا في سُرُج الحرير، وإنما لذة تأنس بها الأرواح وتزكو بها النفوس، فاقرأ ما كتبه ابن الجوزي في كلمته التي كأنها مشكاة فيها مصباح لمن أراد اللذة الحقيقية: قال رحمه الله: "غفل طلاب الدنيا عن اللذة فيها، وما اللذة فيها إلا شرف العلم، وزهرة العفة، وأنفة الحميّة، وعز القناعة، وحلاوة الإفضال على الخلق".
نعم، هكذا يتلذذ الشرفاء، لا في الجيوب المليئة، بل في النفوس الممتلئة بالنبل والشرف، ولا في القصور، بل في ضمير لا يبيت فيه الذلّ ولا الهوان. تلك هي السعادة الخفية، التي لا تُعلن في الصحف، ولا تُزَفّ في المواكب، لكنها تبني في القلب عرشها، وفي الضمير مملكتها، وفي الروح شمسها التي لا تغيب.
فالدنيا - وإن زخرفت مظاهرها - خدّاعة الألوان، مراوغة الوعود، زائفة البريق. وأهل البصيرة هم من أُرخي لهم شيءٌ من ستور الغيب، فعاينوا وجه الحقيقة في صمت، واستشعروا لذة الخفاء في زمن الضجيج.
وما أصدق ما قاله الأديب أحمد أمين بقلمه المبلل بالحكمة: "وأسعد الناس من وضع الأمور في مواضعها اللائقة بها، فلا يعلو على غيره من طريق التزلف وأذية الآخرين، ونظر إلى المال على أنه من أسباب السعادة لا السعادة كلها، وحرص على طلبه من طريق العزة والشرف، فإذا تعارضا ضحّى بالمال من أجل الفضيلة".
أجل، إن النجاح بلا ضمير قفزة في فراغ، والثروة بلا كرامة تَرِكةٌ من العار، والسعادة الموهومة لا تلبث أن تنقلب همًّا غليظًا إن لم تُدعّم بعزّة النفس.
فمن أراد توازنًا في مسيرته، وبعدًا في نظره، فليوقن أنه راحل، وأن إلى ربه المنتهى، وأن الدنيا لا تساوي لحظة وقوف بين يدي الجبّار، حيث لا مال، ولا مجد، ولا ألقاب، ولا تزلّف ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ وليحمل بين جنبيه يقينًا بلقاء الله، وتأملاً في فراق هذه الدنيا، وفي سفره إلى الدار التي لا تزول.
هناك فقط يُوزن النجاح بميزانه الحق، وهناك تُكشف الأقنعة، وتزول الرتوش، ويتميز من صدق ومن نافق، ومن ربح بصدق، ومن خسر بتزلّف.
فاجعل هذا المعنى في قلبك، فإنه يخلع عنك زيف المظاهر، ويلبس روحك جلال الحقيقة.
فيا طالب المجد، لا تجعل اللهث خلف الأمجاد المزيفة يحجب عنك السعادة الخفية، التي لا تُرى بالعين، ولكن تُبصر بالبصيرة، فهناك أملاك لا تُشترى، ولا تُباع، ولا تُقايض: وهي شرف الضمير، وراحة القلب، وحسن الصلة بالله، والسكينة والرضا الداخلي.
إذا أقبلتَ على الحياة بعين طامحة، وقلب يتوق إلى المعالي، فاجعل أول ما تهمس به إلى روحك: أن أقصر الطرق إلى المجد، هو طريق الاستقامة، لا سواها.
فالاستقامة يا صاحبي ليست قيدًا تُكبّل به حريتك، ولا سورًا يحجب عنك النعيم، بل هي النور الذي يهديك في متاهات الحياة، والسُّلَّم الذي يرفعك إلى المقامات الكريمة، وعلى رأسها التقوى، والنزاهة وشرف الضمير، وعفّة اليد وطهارة القلب.
فالنجاح هو الاستقامة بمفهومها الشامل، وهي: أن يكون لك قلب لا يخون، وضمير لا يتكسب، ويد لا تمتد إلى الحرام ولو جاعت، ونَفْس تأبى أن تُذلّ ولو عُلِّقَتْ في السماء مصلوبة.
وعليك يا صاحبي أن لا تدخل في هذه الدنيا إلا كما يدخل المسافر مَحَطَّة طريق، لا ليقيم، بل ليأخذ الزاد ويمضي، فمن فهِم الحياة على هذا الوجه، صغُر في عينه ما يَكبُر في أعين الناس، وعَظُم في قلبه ما لا يشعرون به.
أجل، إن الناس في هذه الحياة يبحثون عن النجاح، ويركضون له، ويتقاتلون عليه، حتى نفشت فيه غنم القوم، ولكن ما أكثر الذين ضلوا السبيل، وهم يظنّون أنهم يحسنون صنعًا؛ لأنهم أرادوا المجد في مظاهره، لا في حقيقته.
فلا تغترَّ بمن علا في الناس وهو عند الله هابط، ولا تعجب بمن جمع المال؛ و قد أفلس من المروءة، وأفسد ليصل، وتزلّف لينال، ولا تمدّن عينيك إلى من صعد على أكتاف غيره، فإنه ما صعد إلا على جنازته هو!
فإنّ وراء كثير من الأبواب اللامعة قلوبًا خاوية، وضمائر ميتة، وسرائر سوداء يكاد يُغشى عليها من شدة الظمأ.
واحذر من مسلك أولئك الذين تاجروا بضمائرهم، وراهنوا على قيمهم في بورصة الكسب الرخيص، فإنهم عمّا قليل سيخصفون على أنفسهم أوراق الخيبة والندم، ويلتحفون بالخسران، وإن ظنّوا أنهم ربحوا!
وكم من شخص جعل ذمّته عملة حسابية وسوقًا يبيع فيها دينه، ومروءته رأس مال يساوم عليه، يرضى بالمهانة إن جاءت له بدرهم، ويستبدل الشرف بكسرة خبز إن طُليت بالذهب.
ولكن قلّ لي بربك، أيّ لذة ستبقى لهؤلاء؟
وإن أردت لذة، ليست في أطباق الذهب ولا في سُرُج الحرير، وإنما لذة تأنس بها الأرواح وتزكو بها النفوس، فاقرأ ما كتبه ابن الجوزي في كلمته التي كأنها مشكاة فيها مصباح لمن أراد اللذة الحقيقية: قال رحمه الله: "غفل طلاب الدنيا عن اللذة فيها، وما اللذة فيها إلا شرف العلم، وزهرة العفة، وأنفة الحميّة، وعز القناعة، وحلاوة الإفضال على الخلق".
نعم، هكذا يتلذذ الشرفاء، لا في الجيوب المليئة، بل في النفوس الممتلئة بالنبل والشرف، ولا في القصور، بل في ضمير لا يبيت فيه الذلّ ولا الهوان. تلك هي السعادة الخفية، التي لا تُعلن في الصحف، ولا تُزَفّ في المواكب، لكنها تبني في القلب عرشها، وفي الضمير مملكتها، وفي الروح شمسها التي لا تغيب.
فالدنيا - وإن زخرفت مظاهرها - خدّاعة الألوان، مراوغة الوعود، زائفة البريق. وأهل البصيرة هم من أُرخي لهم شيءٌ من ستور الغيب، فعاينوا وجه الحقيقة في صمت، واستشعروا لذة الخفاء في زمن الضجيج.
وما أصدق ما قاله الأديب أحمد أمين بقلمه المبلل بالحكمة: "وأسعد الناس من وضع الأمور في مواضعها اللائقة بها، فلا يعلو على غيره من طريق التزلف وأذية الآخرين، ونظر إلى المال على أنه من أسباب السعادة لا السعادة كلها، وحرص على طلبه من طريق العزة والشرف، فإذا تعارضا ضحّى بالمال من أجل الفضيلة".
أجل، إن النجاح بلا ضمير قفزة في فراغ، والثروة بلا كرامة تَرِكةٌ من العار، والسعادة الموهومة لا تلبث أن تنقلب همًّا غليظًا إن لم تُدعّم بعزّة النفس.
فمن أراد توازنًا في مسيرته، وبعدًا في نظره، فليوقن أنه راحل، وأن إلى ربه المنتهى، وأن الدنيا لا تساوي لحظة وقوف بين يدي الجبّار، حيث لا مال، ولا مجد، ولا ألقاب، ولا تزلّف ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ وليحمل بين جنبيه يقينًا بلقاء الله، وتأملاً في فراق هذه الدنيا، وفي سفره إلى الدار التي لا تزول.
هناك فقط يُوزن النجاح بميزانه الحق، وهناك تُكشف الأقنعة، وتزول الرتوش، ويتميز من صدق ومن نافق، ومن ربح بصدق، ومن خسر بتزلّف.
فاجعل هذا المعنى في قلبك، فإنه يخلع عنك زيف المظاهر، ويلبس روحك جلال الحقيقة.
فيا طالب المجد، لا تجعل اللهث خلف الأمجاد المزيفة يحجب عنك السعادة الخفية، التي لا تُرى بالعين، ولكن تُبصر بالبصيرة، فهناك أملاك لا تُشترى، ولا تُباع، ولا تُقايض: وهي شرف الضمير، وراحة القلب، وحسن الصلة بالله، والسكينة والرضا الداخلي.
من شمائل المروءة وسؤدد النفس 🌿
ما يزال النُّبل تاج النفوس العظيمة، وسمة الأرواح الكريمة، وعنوان النفس الذي ارتفعت عن غبار الأرض، وسمت إلى فضاء الحلم والعفو.
ومن أماراته الجليلة ودلائله الساطعة؛ أن يُعرض المرء عن الانتصار لنفسه حين يقدر، ويترفّع عن تصفية الحساب، ويغضّ الطرف عن الزلل، ويمدّ اليد بالإحسان إلى من أساء، إذا وضعه الله في مقام من تُخشى سطوته، ويُرجى وصاله.
فما رأيت في الناس شيئًا أدلّ على نبل النفس ونزاهة الطبع من ذاك الذي إذا قَدِر عفا، وإذا تَمكّن صفح، وإذا أُعطي سُلطان اليد لم يمدّه إلى الانتقام، بل جذب يده إلى صدره، كما تجذب النفس الكبيرة أهواءها إلى موطن النبل فيها.
إن أولئك الكرام إذا مُلّكوا رقاب خصومهم، ملكوا معها نزعات نفوسهم، فهم لا ينتصرون لأنفسهم، بل ينتصرون عليها!
فأما صغير النفس، فيهتبل الفرصة إذا أقبلت، ويراها وقتًا للانتقام، وميدانًا لتصفية الأحقاد، والتشفي ممن ناصبه الخلاف.
وأما الكبير الرفيع، فما وجد فرصة كهذه إلا ورأى فيها اختبارًا لنُبله، وميدانًا لحلمه، ومقامًا للعفو والإكرام.
وقد نقل ابن مفلح في “الآداب الشرعية” عن سعيد بن العاص ـ وكان بينه وبين قوم من أهل المدينة خلاف ـ أنه لمّا ولاه معاوية أمر المدينة، أعرض عن المنازعة، فقيل له: هلا انتصرت وقد قَدِرت؟ فقال كلمته التي تكتب بماء الذهب: " لا أنتصر لنفسي وأنا والٍ عليهم". فعلّق ابن عقيل على ذلك في “الفنون” بقوله: “هذه والله مكارم الأخلاق!” الأداب الشرعية( ٢/٢٠٨).
ويكأنه قُدّ هذا القول من نفس كانت إذا نظرت في الناس، رأتهم بعين الرحمة لا في سيف القصاص، وهكذا يكون الرجال.
إن أهل النفوس الكبيرة يتلذذون بالعفو كما يتلذذ غيرهم بالانتقام، ويفرحون بالإحسان كما يفرح غيرهم بالشماتة، ولله در ابن القيم إذ قال: " وفي الصفح والعفو والحِلم من الحلاوة والطمأنينة، والسكينة وشرف النفس ورفعتها عن تشفّيها بالانتقام، ما ليس في المقابلة والقصاص شيء منه". مدراج السالكين ( ٣/٥٢).
ومن تأمل في الناس علم أن المنتصر لنفسه لا ينتصر إلا قليلاً، ثم يعقبه الندم كثيرًا، فكم من قلب احترق بعد أن انتصر لنفسه، وكم من عينٍ لم تعرف النوم بعد أن شفت غليلها! وقد قالها ابن القيم أيضًا:" فما انتقم أحد لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة" مدارج السالكين ( ٣/٥١).
أجل، إنها ساعة اختبار، أن تدور لك الدائرة، وتُنصب لك الراية، وتُعطى مقاليد القدرة، ثم لا تظلم ولا تنتقم ولا تُحاسب من خاصمك أو ظلمك، بل تعفو وتصفح وتكرم! وما أصدق قول ذلك الأعرابي الحكيم:
“أقبح أفعال المقتدرين: الانتقام.”
ومن أقال عثرة الناس، أقال الله عثرته، ومن ستر ذنبًا، ستر الله ذنبه، ومن عفا وهو يقدر، ألبسه الله تاج الهيبة، وأجرى على لسان الناس ذكره الجميل. قال ابن تيمية: "ما انتقم أحد قَطُّ لنفسه إلاّ أورثَه ذلك ذُلاًّ يجده في نفسه، فإذا عَفا أعزَّه الله تعالى" جامع المسائل ( ١/١٧٠).
نعم، هكذا الكبار، إذا آذاهم الصغار، نظروا إليهم كما ينظر الجبل إلى الرياح، تمرّ به وتصيح حوله، ثم لا تُحرّك منه ساكنًا.
فإذا صارت الدنيا إليك، وقدرت على من عاداك، فلا تفرح بالقدرة، بل اجعلها امتحانًا لنفسك: أأنت ممن تملكه القوة، أم ممن يملكونها؟
تالله، ما يُلقّاها إلا ذو حظٍ عظيم، ولا ينالها إلا من سمت نفسه عن حضيض الطبع، وارتفعت إلى ذُرى الفضل والخلق.
فيا أيها النبيل، إذا استطعت أن تُحسن في موضع الأذى، فافعل، فإن الجود يُفقِر، نعم، لكن المروءة تغني، والإقدام قتال، نعم، ولكن الحِلم يُحيي.
وفي نبل النفس رفعةً لا ترفعها المناصب، وإن في عفو القادر نصرًا لا تبلغه السيوف.
ما يزال النُّبل تاج النفوس العظيمة، وسمة الأرواح الكريمة، وعنوان النفس الذي ارتفعت عن غبار الأرض، وسمت إلى فضاء الحلم والعفو.
ومن أماراته الجليلة ودلائله الساطعة؛ أن يُعرض المرء عن الانتصار لنفسه حين يقدر، ويترفّع عن تصفية الحساب، ويغضّ الطرف عن الزلل، ويمدّ اليد بالإحسان إلى من أساء، إذا وضعه الله في مقام من تُخشى سطوته، ويُرجى وصاله.
فما رأيت في الناس شيئًا أدلّ على نبل النفس ونزاهة الطبع من ذاك الذي إذا قَدِر عفا، وإذا تَمكّن صفح، وإذا أُعطي سُلطان اليد لم يمدّه إلى الانتقام، بل جذب يده إلى صدره، كما تجذب النفس الكبيرة أهواءها إلى موطن النبل فيها.
إن أولئك الكرام إذا مُلّكوا رقاب خصومهم، ملكوا معها نزعات نفوسهم، فهم لا ينتصرون لأنفسهم، بل ينتصرون عليها!
فأما صغير النفس، فيهتبل الفرصة إذا أقبلت، ويراها وقتًا للانتقام، وميدانًا لتصفية الأحقاد، والتشفي ممن ناصبه الخلاف.
وأما الكبير الرفيع، فما وجد فرصة كهذه إلا ورأى فيها اختبارًا لنُبله، وميدانًا لحلمه، ومقامًا للعفو والإكرام.
وقد نقل ابن مفلح في “الآداب الشرعية” عن سعيد بن العاص ـ وكان بينه وبين قوم من أهل المدينة خلاف ـ أنه لمّا ولاه معاوية أمر المدينة، أعرض عن المنازعة، فقيل له: هلا انتصرت وقد قَدِرت؟ فقال كلمته التي تكتب بماء الذهب: " لا أنتصر لنفسي وأنا والٍ عليهم". فعلّق ابن عقيل على ذلك في “الفنون” بقوله: “هذه والله مكارم الأخلاق!” الأداب الشرعية( ٢/٢٠٨).
ويكأنه قُدّ هذا القول من نفس كانت إذا نظرت في الناس، رأتهم بعين الرحمة لا في سيف القصاص، وهكذا يكون الرجال.
إن أهل النفوس الكبيرة يتلذذون بالعفو كما يتلذذ غيرهم بالانتقام، ويفرحون بالإحسان كما يفرح غيرهم بالشماتة، ولله در ابن القيم إذ قال: " وفي الصفح والعفو والحِلم من الحلاوة والطمأنينة، والسكينة وشرف النفس ورفعتها عن تشفّيها بالانتقام، ما ليس في المقابلة والقصاص شيء منه". مدراج السالكين ( ٣/٥٢).
ومن تأمل في الناس علم أن المنتصر لنفسه لا ينتصر إلا قليلاً، ثم يعقبه الندم كثيرًا، فكم من قلب احترق بعد أن انتصر لنفسه، وكم من عينٍ لم تعرف النوم بعد أن شفت غليلها! وقد قالها ابن القيم أيضًا:" فما انتقم أحد لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة" مدارج السالكين ( ٣/٥١).
أجل، إنها ساعة اختبار، أن تدور لك الدائرة، وتُنصب لك الراية، وتُعطى مقاليد القدرة، ثم لا تظلم ولا تنتقم ولا تُحاسب من خاصمك أو ظلمك، بل تعفو وتصفح وتكرم! وما أصدق قول ذلك الأعرابي الحكيم:
“أقبح أفعال المقتدرين: الانتقام.”
ومن أقال عثرة الناس، أقال الله عثرته، ومن ستر ذنبًا، ستر الله ذنبه، ومن عفا وهو يقدر، ألبسه الله تاج الهيبة، وأجرى على لسان الناس ذكره الجميل. قال ابن تيمية: "ما انتقم أحد قَطُّ لنفسه إلاّ أورثَه ذلك ذُلاًّ يجده في نفسه، فإذا عَفا أعزَّه الله تعالى" جامع المسائل ( ١/١٧٠).
نعم، هكذا الكبار، إذا آذاهم الصغار، نظروا إليهم كما ينظر الجبل إلى الرياح، تمرّ به وتصيح حوله، ثم لا تُحرّك منه ساكنًا.
فإذا صارت الدنيا إليك، وقدرت على من عاداك، فلا تفرح بالقدرة، بل اجعلها امتحانًا لنفسك: أأنت ممن تملكه القوة، أم ممن يملكونها؟
تالله، ما يُلقّاها إلا ذو حظٍ عظيم، ولا ينالها إلا من سمت نفسه عن حضيض الطبع، وارتفعت إلى ذُرى الفضل والخلق.
فيا أيها النبيل، إذا استطعت أن تُحسن في موضع الأذى، فافعل، فإن الجود يُفقِر، نعم، لكن المروءة تغني، والإقدام قتال، نعم، ولكن الحِلم يُحيي.
وفي نبل النفس رفعةً لا ترفعها المناصب، وإن في عفو القادر نصرًا لا تبلغه السيوف.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
فرُبّما كانت الجنّة✨☁️..
فلا يفوتنّك العمل ✨ 🌱
من ألطاف الله الخفية، وهداياته العلية، وعنايته الربّانية؛ أن يُهيّئ لعباده في مطالع أعمارهم، وفجر أيامهم، كلماتٍ تسقط على أسماعهم سقوط الغيث على الأرض العطشى، فتحيي من القلوب مواتَها، وتوقظ في النفوس فطرتَها، وتكون لهم سُرجًا تُضِيء عتمات الدروب، ومشاعلَ تهدي في ليالي الحيرة والتردد.
وما أجملَ أن تُروى في هذا المقام حكايةٌ من سير الأعلام، تضوع بالعطر الإيماني، وتتلألأ بالحكمة الربانية، حكايةٌ جرت بين الإمامين: أبي عبيد القاسم بن سلّام، وعبدالله بن إدريس، فكان فيها من النصح ما تقرّ به العين ويطمئن له الفؤاد.
قال أبو عبيد: سمعني عبدالله بن إدريس أتلهف على بعض الشيوخ، فقال لي: "يا أبا عبيد، مهما فاتك من العلم، فلا يفوتنّك من العمل".
السير للذهبي ( ١٠/٤٩٨).
كلمة لو نظرتَ فيها بعين البصيرة، لوجدتَها كأنها قانونٌ إلهيّ، ينطق به لسان الوحي على أفواه العقلاء، لتُبصّر بها القلوب من وراء الحُجب.
فيا لها من كلمة لو نُقشت على صفائح القلوب، لاستقام بها الطالب على الجادة، واستنار بها سبيله ! وكان لها في كل نبضة صدى، وفي كل خفقة رجع!
نعم، إن العلم إن لم يكن له عمل، فهو كالسحاب العقيم، أو كالسراج المنكوس، لا نور فيه ولا دفء.
وكم من متكلم بالعلم، ولسانه أفصح من السحر، وجنانُه أقفرُ من قاعٍ صفصف، فلا هو انتفع، ولا غيره أفاد!
إن العلم والعمل قرينان، إن افترقا خسر السائرُ في طريقه الكمال، لأنهما كالجناحين لطائرٍ يريد أن يرقى في سماء التوفيق والهداية، فإن انكسر أحدُهما هوى على رأسه، وكان من الهالكين.
وكذلك كان أولئك الأوائل من السلف، ما عرفوا العلم رياءً ولا فخرًا، ولا اتخذوه وسيلةً إلى عرض الدنيا، ولكن طلبوه للعمل، وراموا به تزكية النفوس، وصلاح القلوب، واستقامة الحياة، وسلوك السبيل إلى رضوان الله.
وما العلم إلا وسيلة، وغايتُه أن تُعمَر به النفس ويُتقى به الله، وليس العالمُ من حفظ المتون والأقوال فحسب، وإنما من ترجمت جوارحه ذلك العلم عملاً، ونسج من سلوكه أثوابًا من التقوى والاستقامة والورع
نعم، إن في العلم جلالًا، ولكن في العمل به بركةً لا تُدركها الأفهام الكسلى، ولا تنالها النفوس المتوانية، وكم من عاملٍ لا يُشار إليه بالبنان، قد غمره الله بأنوار القَبول، ورفع له ذكرًا لا يُعرف سببه في الأرض، ولكن تعرفه السماء!
قال الحافظ عمرو بن قيس الملائي ـ وما أحكم قوله ـ: "وجدنا أنفع الحديث لنا ما ينفعنا في أمر آخرتنا، من قال كذا فله كذا".
معرفة الثقات للعجلي ( ٢/١٨٣).
كلمةٌ هي الأخرى كأنها من بقايا حكمة الأنبياء، أو صدى من صوت المواعظ الأولى التي كان يربي عليها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه.
فالعبرة بما يقيم لك صرحًا في الآخرة، لا بما يشيّد لك مجدًا في الدنيا.
وقد يتحسر المرءُ ـ وهو في مضمار الطلب ـ على شيوخ لم يلقهم، أو علوم لم ينلها، أو مراتب لم يبلغها، فيستطير قلبُه شوقًا، وتذهب نفسُه حسرات… فلا عليه!
فيا هذا، دع الحسرة، وانهض لما تملك، فإن الله لا يسألك عما لم تُرزق، ولكن يسألك عما بين يديك، وما هو بمقدورك، واحفظ عن الإمام الخاشع كلمته، فإنها مفتاح من مفاتيح الوصول: "مهما فاتك من العلم، فلا يفوتنّك من العمل".
وما يدريك؟
فلعلّ الله، وهو الكريم، يعطيك في صدق عملك ما يغنيك عن كثير من العلم، ويجعل فيك من النفع والقبول والبركة ما لا تبلغه مدارك العلماء ولا حواشي الكتب.
فإن الله يفتح للعبد من أبواب العمل ما يغنيه، ويمنّ عليه من خفي البركة ما يعجب له الناس، ويبلغه من صلاح الحال وعمق الأثر ما لم يكن له في الحسبان موضع ولا مقدار!
فالأعمال لا توزن عند الله بمقادير العلم، ولكن تُوزن بمقادير الإخلاص والنية والتجرد.
فاجعل ـ أيها الطالب ـ غايتَك اللهَ ورضوانه، وانطلق في كل باب يُقربك إليه، ولا تلتفت كثيرًا إلى أي الأبواب دخلت، فإن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلق، والمهم أن تبلغ.
فالغاية الله، وما سوى ذلك وسيلة.
فانظر من أين تدخل، ولا تنسَ إلى أين تريد أن تصل.
﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصدُ السَّبيلِ وَمِنها جائِرٌ وَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ﴾
من ألطاف الله الخفية، وهداياته العلية، وعنايته الربّانية؛ أن يُهيّئ لعباده في مطالع أعمارهم، وفجر أيامهم، كلماتٍ تسقط على أسماعهم سقوط الغيث على الأرض العطشى، فتحيي من القلوب مواتَها، وتوقظ في النفوس فطرتَها، وتكون لهم سُرجًا تُضِيء عتمات الدروب، ومشاعلَ تهدي في ليالي الحيرة والتردد.
وما أجملَ أن تُروى في هذا المقام حكايةٌ من سير الأعلام، تضوع بالعطر الإيماني، وتتلألأ بالحكمة الربانية، حكايةٌ جرت بين الإمامين: أبي عبيد القاسم بن سلّام، وعبدالله بن إدريس، فكان فيها من النصح ما تقرّ به العين ويطمئن له الفؤاد.
قال أبو عبيد: سمعني عبدالله بن إدريس أتلهف على بعض الشيوخ، فقال لي: "يا أبا عبيد، مهما فاتك من العلم، فلا يفوتنّك من العمل".
السير للذهبي ( ١٠/٤٩٨).
كلمة لو نظرتَ فيها بعين البصيرة، لوجدتَها كأنها قانونٌ إلهيّ، ينطق به لسان الوحي على أفواه العقلاء، لتُبصّر بها القلوب من وراء الحُجب.
فيا لها من كلمة لو نُقشت على صفائح القلوب، لاستقام بها الطالب على الجادة، واستنار بها سبيله ! وكان لها في كل نبضة صدى، وفي كل خفقة رجع!
نعم، إن العلم إن لم يكن له عمل، فهو كالسحاب العقيم، أو كالسراج المنكوس، لا نور فيه ولا دفء.
وكم من متكلم بالعلم، ولسانه أفصح من السحر، وجنانُه أقفرُ من قاعٍ صفصف، فلا هو انتفع، ولا غيره أفاد!
إن العلم والعمل قرينان، إن افترقا خسر السائرُ في طريقه الكمال، لأنهما كالجناحين لطائرٍ يريد أن يرقى في سماء التوفيق والهداية، فإن انكسر أحدُهما هوى على رأسه، وكان من الهالكين.
وكذلك كان أولئك الأوائل من السلف، ما عرفوا العلم رياءً ولا فخرًا، ولا اتخذوه وسيلةً إلى عرض الدنيا، ولكن طلبوه للعمل، وراموا به تزكية النفوس، وصلاح القلوب، واستقامة الحياة، وسلوك السبيل إلى رضوان الله.
وما العلم إلا وسيلة، وغايتُه أن تُعمَر به النفس ويُتقى به الله، وليس العالمُ من حفظ المتون والأقوال فحسب، وإنما من ترجمت جوارحه ذلك العلم عملاً، ونسج من سلوكه أثوابًا من التقوى والاستقامة والورع
نعم، إن في العلم جلالًا، ولكن في العمل به بركةً لا تُدركها الأفهام الكسلى، ولا تنالها النفوس المتوانية، وكم من عاملٍ لا يُشار إليه بالبنان، قد غمره الله بأنوار القَبول، ورفع له ذكرًا لا يُعرف سببه في الأرض، ولكن تعرفه السماء!
قال الحافظ عمرو بن قيس الملائي ـ وما أحكم قوله ـ: "وجدنا أنفع الحديث لنا ما ينفعنا في أمر آخرتنا، من قال كذا فله كذا".
معرفة الثقات للعجلي ( ٢/١٨٣).
كلمةٌ هي الأخرى كأنها من بقايا حكمة الأنبياء، أو صدى من صوت المواعظ الأولى التي كان يربي عليها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه.
فالعبرة بما يقيم لك صرحًا في الآخرة، لا بما يشيّد لك مجدًا في الدنيا.
وقد يتحسر المرءُ ـ وهو في مضمار الطلب ـ على شيوخ لم يلقهم، أو علوم لم ينلها، أو مراتب لم يبلغها، فيستطير قلبُه شوقًا، وتذهب نفسُه حسرات… فلا عليه!
فيا هذا، دع الحسرة، وانهض لما تملك، فإن الله لا يسألك عما لم تُرزق، ولكن يسألك عما بين يديك، وما هو بمقدورك، واحفظ عن الإمام الخاشع كلمته، فإنها مفتاح من مفاتيح الوصول: "مهما فاتك من العلم، فلا يفوتنّك من العمل".
وما يدريك؟
فلعلّ الله، وهو الكريم، يعطيك في صدق عملك ما يغنيك عن كثير من العلم، ويجعل فيك من النفع والقبول والبركة ما لا تبلغه مدارك العلماء ولا حواشي الكتب.
فإن الله يفتح للعبد من أبواب العمل ما يغنيه، ويمنّ عليه من خفي البركة ما يعجب له الناس، ويبلغه من صلاح الحال وعمق الأثر ما لم يكن له في الحسبان موضع ولا مقدار!
فالأعمال لا توزن عند الله بمقادير العلم، ولكن تُوزن بمقادير الإخلاص والنية والتجرد.
فاجعل ـ أيها الطالب ـ غايتَك اللهَ ورضوانه، وانطلق في كل باب يُقربك إليه، ولا تلتفت كثيرًا إلى أي الأبواب دخلت، فإن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلق، والمهم أن تبلغ.
فالغاية الله، وما سوى ذلك وسيلة.
فانظر من أين تدخل، ولا تنسَ إلى أين تريد أن تصل.
﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصدُ السَّبيلِ وَمِنها جائِرٌ وَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ﴾
مجالسُ الذكر.. أنفاسُ السكينة في أروقة الدور 🌿🌧️
يا صاحِبَ البيتِ، ويا راعيَ الذرية، ويا من تُفتّش عن السكينة بين جدران دارك:
اعلم أنّ من أعظم ما تُزيّن به منزلك، وتُعمّر به دارك، وتستجلب به الخير والبركة، وتدفع به غوائل الشياطين ووساوس الهوى؛ مجالسُ الذكر، ولو قلّت مدّتها، وقصرت أنفاسها، فإن أثرها عظيم، وخيرها موصول.
تلك المجالس اليسيرة، التي تنعقد فيها الأرواح على ذِكر الله، وتسمو فيها القلوب على مشاغل الدنيا، لها في صلاح الأبناء أثرٌ كأثر الغيث في الأرض الميتة، تُحيي ما مات من النفوس، وتُنبت الزرع الطيب في القلوب الغضّة، وتُحبّب إليهم الإيمان، وتُزيّنه في قلوبهم، وتكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وتجعلهم بإذن الله من الراشدين.
هي بذور صلاح تُلقى في قلوب الأبناء، فتورق ـ بإذن الله ـ هدايةً، وتزهرُ استقامة.
نعم، هكذا تُعمَّر البيوت.. وهكذا يُربّى الأبناء في ظلال الذِّكر.. حيث تُولد السكينة وتَغفو الشياطين.
أما سمعت قول المصطفى ﷺ:
"إن لله ملائكةً يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله، تنادوا: هلمّوا إلى حاجتكم. فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا"؟
وقال ﷺ: "لا يقعد قومٌ يذكرون الله، إلا حفّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".
وهل إذا حضرت الملائكة، إلا حضرت معها البركات؟
وهل إذا حفت البيت إلا ملأته سكينةً ورحمة؟
وهل إذا أقبلت إلا أدبرت الشياطين، وهي جنود الفتنة والتفريق، ومصدر الشر والفوضى؟
وما أكثرَ ما عاثت به الشياطين في البيوت فسادًا! وما أشدّ ما خبّبت بين الأزواج، وفرّقت بين الإخوان، وأغرت القلوب على قطيعة الرحم، وزيّنت المعاصي، وهتكت الحرمات، وأذهبت البركة من المعيشة والعمر!
ومجالس الذكر ـ يا أخا القلب ـ هي تلك اللحظات التي يُتلى فيها القرآن، ولو آياتٍ معدودات، مع تفسير يسير، أو تُقرأ فيها أحاديث المصطفى ﷺ، أو يُتدارس فيها كتاب نافع، أو يُشرك الأبناء في سؤال وجواب من مسائل الدين، تُرفع فيها القلوب إلى السماء، وتتهجد الأرواح في محراب المعرفة، وتغدو البيوت بها أنوارًا في الأرض، تضيء بالملائكة، وتغبطها أرواح المؤمنين.
والله، ثم والله، لو علم الآباء ما في هذه المجالس من التربية، وما فيها من التزكية، وما تُورثه من السكينة، لجعلوها ركناً ركيناً في منازلهم، لا يتزحزح، ولما أفلتت شمس يوم إلا ولهم فيها جلسة، يحيون بها قلوب أبنائهم، ويطبعون فيها محبة الذكر في نفوسهم، ويعوّدونهم الحديث عن الله ورسوله ﷺ، ليأنسوا بذلك كما يأنسون بالماء والهواء، بدلًا من لهو الأجهزة، ولغو الشاشات، وضياع الأعمار في الفارغ.
ويا أيها الحبيب، إن أردت لأبنائك الثبات على الدين، وإن رغبت في صلاح الذرية؛ فالزم مجالس الذكر، واجعل بيتك بيتَ قرآن وبيتَ دعاء وبيتَ علم، فإن الشيطان يفر من بيت يُذكر فيه الله، وتأنس فيه الملائكة.
ولكن، إيّاك وما يمنع من دخول ملائكة البركة والرحمة، فإن النبي ﷺ قد قال:
"لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة".
وقال الإمام السفاريني في غذاء الألباب (٢٤٥/١): "المراد بالملائكة الذين لا يدخلون بيتًا فيه كلب ولا صورة: ملائكة الرحمة والبركة".
فيا من يريد زراعة الخير في أبنائه: اطرد الصور، وأبعد الكلاب، وطهّر بيتك من كل مانع، ثم أقم مجلسك، واخلص نيتك، وادعُ الله في ختام مجلسك بدعاء عباد الرحمن المحبين الصادقين: ﴿رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا﴾.
فإن صدقت النية، وداومت على مجالس الذكر، ورفعت يديك إلى السماء؛ بورك لك في أهلك، وجعل الله بيتك مأوى سكينة، ومهبط رحمة، محفوفًا بالملائكة ومصنعًا يُصاغ فيه الصلاح جيلاً بعد جيل.
يا صاحِبَ البيتِ، ويا راعيَ الذرية، ويا من تُفتّش عن السكينة بين جدران دارك:
اعلم أنّ من أعظم ما تُزيّن به منزلك، وتُعمّر به دارك، وتستجلب به الخير والبركة، وتدفع به غوائل الشياطين ووساوس الهوى؛ مجالسُ الذكر، ولو قلّت مدّتها، وقصرت أنفاسها، فإن أثرها عظيم، وخيرها موصول.
تلك المجالس اليسيرة، التي تنعقد فيها الأرواح على ذِكر الله، وتسمو فيها القلوب على مشاغل الدنيا، لها في صلاح الأبناء أثرٌ كأثر الغيث في الأرض الميتة، تُحيي ما مات من النفوس، وتُنبت الزرع الطيب في القلوب الغضّة، وتُحبّب إليهم الإيمان، وتُزيّنه في قلوبهم، وتكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وتجعلهم بإذن الله من الراشدين.
هي بذور صلاح تُلقى في قلوب الأبناء، فتورق ـ بإذن الله ـ هدايةً، وتزهرُ استقامة.
نعم، هكذا تُعمَّر البيوت.. وهكذا يُربّى الأبناء في ظلال الذِّكر.. حيث تُولد السكينة وتَغفو الشياطين.
أما سمعت قول المصطفى ﷺ:
"إن لله ملائكةً يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله، تنادوا: هلمّوا إلى حاجتكم. فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا"؟
وقال ﷺ: "لا يقعد قومٌ يذكرون الله، إلا حفّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".
وهل إذا حضرت الملائكة، إلا حضرت معها البركات؟
وهل إذا حفت البيت إلا ملأته سكينةً ورحمة؟
وهل إذا أقبلت إلا أدبرت الشياطين، وهي جنود الفتنة والتفريق، ومصدر الشر والفوضى؟
وما أكثرَ ما عاثت به الشياطين في البيوت فسادًا! وما أشدّ ما خبّبت بين الأزواج، وفرّقت بين الإخوان، وأغرت القلوب على قطيعة الرحم، وزيّنت المعاصي، وهتكت الحرمات، وأذهبت البركة من المعيشة والعمر!
ومجالس الذكر ـ يا أخا القلب ـ هي تلك اللحظات التي يُتلى فيها القرآن، ولو آياتٍ معدودات، مع تفسير يسير، أو تُقرأ فيها أحاديث المصطفى ﷺ، أو يُتدارس فيها كتاب نافع، أو يُشرك الأبناء في سؤال وجواب من مسائل الدين، تُرفع فيها القلوب إلى السماء، وتتهجد الأرواح في محراب المعرفة، وتغدو البيوت بها أنوارًا في الأرض، تضيء بالملائكة، وتغبطها أرواح المؤمنين.
والله، ثم والله، لو علم الآباء ما في هذه المجالس من التربية، وما فيها من التزكية، وما تُورثه من السكينة، لجعلوها ركناً ركيناً في منازلهم، لا يتزحزح، ولما أفلتت شمس يوم إلا ولهم فيها جلسة، يحيون بها قلوب أبنائهم، ويطبعون فيها محبة الذكر في نفوسهم، ويعوّدونهم الحديث عن الله ورسوله ﷺ، ليأنسوا بذلك كما يأنسون بالماء والهواء، بدلًا من لهو الأجهزة، ولغو الشاشات، وضياع الأعمار في الفارغ.
ويا أيها الحبيب، إن أردت لأبنائك الثبات على الدين، وإن رغبت في صلاح الذرية؛ فالزم مجالس الذكر، واجعل بيتك بيتَ قرآن وبيتَ دعاء وبيتَ علم، فإن الشيطان يفر من بيت يُذكر فيه الله، وتأنس فيه الملائكة.
ولكن، إيّاك وما يمنع من دخول ملائكة البركة والرحمة، فإن النبي ﷺ قد قال:
"لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة".
وقال الإمام السفاريني في غذاء الألباب (٢٤٥/١): "المراد بالملائكة الذين لا يدخلون بيتًا فيه كلب ولا صورة: ملائكة الرحمة والبركة".
فيا من يريد زراعة الخير في أبنائه: اطرد الصور، وأبعد الكلاب، وطهّر بيتك من كل مانع، ثم أقم مجلسك، واخلص نيتك، وادعُ الله في ختام مجلسك بدعاء عباد الرحمن المحبين الصادقين: ﴿رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا﴾.
فإن صدقت النية، وداومت على مجالس الذكر، ورفعت يديك إلى السماء؛ بورك لك في أهلك، وجعل الله بيتك مأوى سكينة، ومهبط رحمة، محفوفًا بالملائكة ومصنعًا يُصاغ فيه الصلاح جيلاً بعد جيل.
قناة طلال الحسّان.
مجالسُ الذكر.. أنفاسُ السكينة في أروقة الدور 🌿🌧️ يا صاحِبَ البيتِ، ويا راعيَ الذرية، ويا من تُفتّش عن السكينة بين جدران دارك: اعلم أنّ من أعظم ما تُزيّن به منزلك، وتُعمّر به دارك، وتستجلب به الخير والبركة، وتدفع به غوائل الشياطين ووساوس الهوى؛ مجالسُ الذكر،…
وهذه بعض الكتب المناسبة أراد كتب مناسبة لعقد مجالس الذكر :
◉ التفسير الميسر أو المختصر في التفسير.
◉ رياض الصالحين أو معالم السنة النبوية للشيخ صالح الشامي.
◉ فقه الأسماء الحسنى للدكتور عبدالرزاق البدر.
◉ فقه الأدعية والأذكار عبدالرزاق البدر.
◉المنح العلية في بيان السنن اليومية للدكتور عبدالله الفريح.
◉ أربعون مجلسًا في التربية الإيمانية، وهذا الكتاب مؤلف خصيصًا لهذا الهدف، وأنصح به جدًا.
◉ التفسير الميسر أو المختصر في التفسير.
◉ رياض الصالحين أو معالم السنة النبوية للشيخ صالح الشامي.
◉ فقه الأسماء الحسنى للدكتور عبدالرزاق البدر.
◉ فقه الأدعية والأذكار عبدالرزاق البدر.
◉المنح العلية في بيان السنن اليومية للدكتور عبدالله الفريح.
◉ أربعون مجلسًا في التربية الإيمانية، وهذا الكتاب مؤلف خصيصًا لهذا الهدف، وأنصح به جدًا.