Telegram Web Link
زَيتُ قنديلك 🕯️

ما كلُّ من نطقَ أفصح، ولا كلُّ من خطبَ أثّر، ولكنَّ القلوبَ لا تُضاءُ إلا بزيتٍ من الإخلاصِ يُسكب في آناء الليل، ودمعٍ صادقٍ يسبقُ الكلامَ قبل أن يخرجَ من الشفاه.

سُئل أحدُ الدعاة ممن نفع الله بوعظه، وبارك في دعوته –: ما سرُّ تأثيرك؟
فقال: " إني أدعو لهم في جوف الليل، قبل أن أدعوهم في وضح النهار".

وسُئل آخر عن سرِّ قبول الناس لكلامه وانتفاعهم به، فقال بعد تمنّع لسائله: " يا بني، هذا الدرسُ الذي سمعتَه، قد سُبِقَ بقراءةِ عشرةِ أجزاءٍ من كتاب الله في السَّحَر ، عسى أن يُثمر في القلوب ويُؤَثّر في الأرواح، وينفع الله به”.

فيا طالبَ العلمِ والدعوةِ والإصلاح
إن أردتَ أن يكون لكلامك نورًا، ولندائك أثرًا، فاجعل عملَ الخلواتِ وقودَك، والقرآنَ جليسَك، والدمعَ رفيقَك والدعاءَ زادَك.

فإنما زيتُ قنديلك عملٌ خفيٌّ لا يراه الناس، ولكن يراه ربُّ الناس، فينزلُ معه القبول.
عصر الجمعة، ميقات الأنوار ونفحات الأبرار 🌧️🌿
سرُّ الفتوحات التيمية 🌧️📚

ليست عطاءات الله تابعةً لحسابات العقل، ولا خاضعةً لموازين المادة؛ فإن خزائن رحمته لا تُحدّ، ونفحات فضله لا تُعدّ، يرزق من يشاء بغير حساب، ويمنح من يشاء بغير سؤال.

ومن أسمى هذه العطايا وأكرمها: الفتوحاتُ العلمية، التي تُشرق على القلوب إذا صفَت، وتدلف إلى الأرواح إذا زكت، ولا طريق إليها إلا شدة الافتقار، وكثرة الانطراح بين يدي العزيز الغفار.

أجل، إن رزق الفتح في العلم، والإصابة في الفهم، والإشراق في المعنى؛ رزق لا يُنال بكثرة الكتب، ولا بطول المكث بين الشيوخ ، وإنما يُنال إذا انكسر القلب بين يدي ربه، وافتقر إليه، ولاذ ببابه مستغيثًا: "يا معلّم إبراهيم علّمني، ويا مُفهّم سليمان فهّمني".

وقد بلغ شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المضمار مبلغًا لم يُدركه كثيرٌ من الأعلام، فكان العلم عنده هبةً ربانية، وفتحًا إلهيًا، يلوح على قلبه حين يطرق أبواب السماء بالضراعة والتذلل. فكانت المسألة إذا استعصت عليه، لم يزدْ على أن يُسلم قلبه إلى ربه، ويلهج بالاستغفار الكثير، ويصعد من فقره إلى غنى ربّه، فإذا بالعلم يهطل عليه هطول الغيث على الأرض الطيبة، وإذا بالفهم يلمع في نفسه لمعان البرق في الليل البهيم، روى عنه بعض أصحابه أنه قال:" إني لأطالع المسألة، فأجدها علي مثل القلعة المنيعة، فأستغفر الله نحو ألف مرة أو أكثر، وأتوجّه إليه في حلِّها، وأقول: يا معلّم إبراهيم علّمني، فتنحل لي، وربما فتح الله لي فيها بأمور من الله لم أرها في كتاب".

ويصف ابن القيم هذه الحال بما يُشبه الشهادة النابضة، فيقول: " وشهدت شيخ الإسلام إذا أعيته المسائل واستعصت، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، واستغاث بالله، واستنزل الصواب من خزائن رحمته، فقلّما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف إليه الفتوحات بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وُفّق لهذا الافتقار علمًا وحالًا ، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أُعطيَ حظّه من التوفيق ، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق ، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم " .
إعلام الموقعين (٤/١٨٧ )
وقال عنه الذهبي: " ولم أرَ مثله في ابتهاله واستغاثته، وكثرة توجهه،". نقله عنه ابن حجر في الدرر الكامنة (١/١٧٦).

وحسبك أن تصدر هذه الكلمة من الإمام الذهبي صاحب سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام الذي عايش العلماء وسبر سيَرهم وأخبارهم، وأجمع العلماء أنه مؤرخ الإسلام حتى قيل عنه: ( شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جُمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يُعبّر عنها إخبار من حضرها). طبقات الشافعية ( ١٠١/٩)

وخلاصة القول: أن العلم لا يُنال من جهة العقل وحده، بل من جهة القلب إذا طَهُر، ومن جهة النفس إذا خضعت، ومن جهة العبد إذا عرف ضعفه وأقرّ به، وصدق في افتقاره، وأخلص في قصده، وتوجّه بكلّيته إلى ربه، فمتى اجتمع له هذا الافتقار إلى الله، مع الجدّ في الطلب، والصدق في النية، كان ذلك هو الصراط المستقيم الذي لا تضلّ به القدم، ولا يزيغ به القلب، وسيلج به ذلك إلى ميادين المعرفة وبرد اليقين.
ولا ريب أن من رُزق افتقار القلب وصدق التوجه وخلوص القصد فقد ظفر بالحظ الأوفر من التوفيق، ومن حُرم ذلك فقد سُدّت دونه أبواب الطريق، وما أجمل ما قول ابن القيم : "ولا ظَفِرَ من ظفر بمشيئة الله وعونه إلَّا بقيامه بالشُّكر وصدق الافتقار والدُّعاء".
الفوائد (١٤٢).
2025/07/07 14:36:07
Back to Top
HTML Embed Code: