Telegram Web Link
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾.([12])

فأيها المؤمن الصالح! بادر بالتوبة؛ ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.([13]) وأيها العاصي المقصر! سارع، وسابق. وأيها المقتصد! زد قليلاً فكن من السابقين إلى طاعة الله، وإلى رحمة الله، وإلى رضوان الله، وإلى جنة الله تعالى. فربنا سبحانه وتعالى أمر بالتوبة، وبالطاعة، ووعد بالأجور العظيمة، ونهى عن التقصير والإسراف. ولهذا قيل أن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله تعالى، وقيل غيرها: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾.([14]) وإن القنوط منه اليأس، وعدم الرجاء، وهذا قد يكون كفراً. ومنه التواكل، والإهمال، ونحو ذلك. لا يستغل هذا الخير في طاعة الله، يستغل رحمة الله بالتوبة، بالرجوع إلى الله، بالطاعات.

أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ؟». قَالَ: فَسَكَتُوا. فَأَعَادَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنَا. قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ». فإذا كان لا يرجى خيرك لنفسك، ولأهلك، فأنت أشر الناس. ومن يرجى خيره، فأول ما يرجى لنفسه، وأنه ينفع نفسه، وهكذا يرجى خيره للمسلمين.

وما أحسن ما قيل!:

تَذَكَّرْتُ ذُنُوبِي فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظِيمَةً *** وَقَارَنْتُهَا بِعَفْوِكَ كَانَ عَفْوُكَ رِبِّي أَعْظَمُ

والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [26/محرم/١٤٤٢ه‍].

([2])[النساء: 11].

([3])[آل عمرأن: 102].

([4])[الأحزاب: 70، 71].

([5])[الأنعام: 134].

([6])[فاطر: 32].

([7])[الزمر: 53].

([8])[الفرقان: 68 - 70].

([9])[النساء: 48، 116].

([10])[الأعراف: 156].

([11])[هود: 102].

([12])[المؤمنون: 99، 100].

([13])[النور: 31].

([14])[الزمر: 53].

📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor

🎙﴿يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ﴾ ([1])

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الناس:

يقول المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)﴾.([5]) تحذير رباني من هذا العدو اللدود، من ألد الأعداء، وأبغض البغضاء، وأخبث خليقة، إبليس اللعين. يحذرنا ربنا جل وعلا من إبليس: لا يخدعنكم، لا يفتننكم، لا يغوينكم، لا يضلنكم، لا يصرفنكم، لا يزينن لكم، لا يغشنكم، عدوكم. قال الله جل في علاه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)﴾.([6])

﴿يَابَنِي آدَمَ﴾([7]) : يا أيها الناس!، يا من أكرمكم الله عز وجل بالإسلام، وأكرمكم بالعقول، وفضلكم على كثير ممن خلق!؛ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾.([8]) أكرمك الله. يا ابن آدم! انتبه لهذا العدو، اللدود، الخبيث، اللعين، أن يفتنك، أن يلبس عليك كما لبس على أبويك في الجنة؛ ﴿قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)﴾.([9])

قال الله عز وجل عن إبليس: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)﴾.([10]) قال الله: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)﴾([11]): ما أردت إلا نصيحة، وما أردت لكما إلا الخير، وأريد لكم الخلود. يا لله!، يا للعجب! هذا العدو اللدود!. ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾([12])، قال إبليس: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)﴾.([13]) وحلف على هذا الأيمان المغلظة، حلف بالله: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)﴾([14]). قال الله: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾([15]): أي أنزلهما من المرتبة الرفيعة التي كانا فيها بغروره، بغشه، بكذبه، بفجوره، بتزيينه. ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾.([16]) ذكر كثير من المفسرين: أن آدم وحواء كان عليهما لباس يستر عوراتهما، لبس خلقه الله؛ ﴿يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾.([17]) فلما أكلا من الشجرة زال ذلك اللباس، انكشفت العورات.

﴿وَطَفِقَا﴾([18]): أي وأخذا. ﴿يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾([19]): يأخذان من أوراق الشجر ويلصقان على عوراتهما التي ظهرت بعد ذلك. هذا عدو، هذا درس.

قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في "الصواعق المرسلة": "ما وقع هذا من آدم عليه الصلاة والسلام إلا أنه لم يكن يظن أن أحداً يحلف بالله فاجراً". ما كان يتوقع آدم أن يوجد مخلوق يحلف بالله فاجراً، فلما سمع ذلك اليمين، صدق. وهذا أمر قدره الله عز وجل.

ولما التقت أرواح موسى وآدم ـ عليهما الصلاة والسلام ـ، قال موسى: «أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ لَهُ آدَمُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ: أَنْتَ مُوسَى، كَتَبَ اللهُ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَكَلَّمَكَ اللهُ، أَمَا قَرَأْتَ فِي التَّوْرَاةِ: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)﴾[طه: 121] قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: بَلَى». قال النبي ﷺ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى». أخرجاه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

نعم، معاشر المسلمين.

فخرج آدم من الجنة بسبب هذه المعصية. ومع ذلك يذكر هذا كثير من الناس، وربما غفل كثير أن آدم عليه الصلاة والسلام بادر بالتوبة؛ ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)﴾.([20]) أما من يتلاعب به الشيطان في سائر أحواله، في سائر أوقاته.

يا عبد الله! إن الشيطان يتربص بك قبل أن تولد، قبل أن توجد في بطن أمك، الشيطان يتربص. ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «أَمَّا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ! جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ». فإذا لم يقل ذلك كان عرضة، من أول ليلة تنزل النطفة في الرحم، كان هذا عرضة؛ لأنه لم يحصن من الشيطان الرجيم.

وهكذا أول ما يخرج الغلام المولود الصغير، يتربص به الشيطان. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا يَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيَطَانِ، إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنُهَا». وَقَرَأَ: ﴿إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)﴾[آل عمران: 36]. وفي رواية للبخاري: «أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَنْخَزَهُ الشَّيْطَانُ، فَوَقَعَتْ فِي الْحِجَابِ». فيبدأ يتربص بالغلام، بالإنسان، في أول خروجه من بطن أمه. فذلك الصراخ الذي يصرخه المولود من عدو الله إبليس ـ عليه لعنة الله ـ.

وهكذا، أول ما يبدأ يأكل الغلام، يأتي الشيطان فيمد بيده اليسرى. فقد جاء في صحيح مسلم عن حذيفة: أَنَّ غُلَاماً أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ، فَمَدَّ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، فَمَسَكَهَا النَّبِيُّ ﷺ. فَمَدَّتْ جَارِيةٌ بِالْيَدِ الْيُسْرَى، فَقَبَضَهَا النَّبِيُّ ﷺ. قَالَ: «إِنَّ يَدَ الشَّيْطَانِ مَعَ أَيْدِيهِمَا، وَإِنِّي لَمَاسِكٌ بِهَا» أو بهذا المعنى.

وهكذا، كم يأتي الغلام، والصغير، في صغره، وفي منامه، وكم يأتي الكبير. جاء في الصحيحين عن أبي قتادة، أنه قال: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَأْسِي يُقْطَعُ، فَيَتَدَهْدَهُ. قَالَ: فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: «لَا يُخْبِرْ أَحَدُكُمْ بِتَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ». لا يأتيك الشيطان في النوم فيتلاعب، يحضرك الشيطان عند طعامك، وعند نومك. جاء في صحيح مسلم من حديث جابر: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ الْإِنْسَانُ، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ. قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ. فَإِذَا قَرَّبَ الْعَشَاءَ، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ. قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ، وَلَا عَشَاءَ» ذهب...

ومن الناس من يدخل الشيطان معه، يبيت معه، ويتعشى معه، وينام معه. جاء في حديث جابر: «فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِلْمَرْأَةِ، وَفِرَاشٌ لِلشَّيْطَانِ». هذا الذي عنده من الإسراف، ما لا حاجة له. فعنده من الإسراف، والشيطان يتلاعب عليه. بل الشيطان يبيت على آناف كثير من الناس. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثاً؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ». وهذا في حق من لم يقرأ آية الكرسي؛ كما جاء في حديث أبي هريرة الذي علقه البخاري، ووصله غيره.

ومن الناس من يربطه الشيطان. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ». قال: «فَإِنْ هُوَ قَامَ، فَذَكَرَ اللهَ؛ اِنْحَلَّتْ عُقْدَةٌ. فَإِنْ هُوَ قَامَ، فَتَوَضَّأَ؛ اِنْحَلَّتْ عُقْدَةٌ. فَإِنْ هُوَ صَلَّى؛ اِنْحَلَّتِ الْعُقَدُ، وَأَصْبَحَ نَشِيطاً طَيَّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ». إن قام، وذكر الله، وتوضأ للصلاة، وصلى؛ ذهبت عقد الشيطان، وأصبح رجلاً طيباً، نشيطاً. وأما من قرأ أذكار النوم، وقرأ آية الكرسي، وسمى الله عند دخوله، فالشيطان لا يقربه، لا يقرب بيته، ولا يربط عليه تلك العقد، ولا يبيت على أنفه. احترز، احترز، أيها المسلم احترز! في يقظتك، وفي نومك، وفي سائر شئونك من هذا العدو الذي لا يتركك في حال من الأحوال. فلا يتركك إلا إذا كنت متحصناً بذكر الله، وبطاعة الله، مستقيماً على دين الله.
بل من الناس من أذناه حمام للشيطان!. ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ رَجُلٌ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ذَلِكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ، أَوْ قَالَ: فِي أُذُنَيْهِ». فمن الناس من يأكل الشيطان معه، لا يسمي، ولا يذكر الله. وربما يدخل البيت بالسب والشتم، والأغاني، والمخالفات، والصور، والمعاصي، وما لا يحصيه إلا الله. والعشاء، والشيطان، والمبيت، والأحلام المزعجة، والنوم عن الصلوات، وحدث ولا حرج...

جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ»؛ يفر من ذكر الله، من الأذان، من الذكر. يفر، يهرب. قال: «فَإِذَا قَضَى الْمُؤَذِّنُ رَجَعَ. فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا قَضَى ذَلِكَ رَجَعَ. حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْءَ فِي صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ: اُذْكُر كَذَا، اُذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ»، حتى يشغله عن أفضل وأجلّ العبادات البدنية. أجلّ العبادات الظاهرة، الشيطان يأتي في الصلاة، ويحاول أن يشغلك.

وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة، وجاء في مسلم عن أبي الدرداء: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي، إِذْ تَقَدَّمَ فَمَسَكَ شَيْئاً. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ شَيْئاً؟ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ جَاءَ بِشُعْلٍ مِنْ نَارٍ، فَقَبَضْتُهُ. وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لَرَبَطْتُّهُ فِي سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصْبِحَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ». ولما لحقت عائشة النبي ﷺ في ليلة ذهب إلى البقيع؛ ليدعو لأهل البقيع، فقال النبي ﷺ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَتْ: حَتَّى أَنْتَ؟ قَالَ: «وَأَنَا مَعِي شَيْطَانٌ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ». أخرجه مسلم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عداون إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المؤمنون! إن هذا العدو اللدود، له مواعيد، وله أقوال، وله جنود، وله أتباع، وله جوائس. أما مواعيده، فالكذب، والزور؛ ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾.([21]) يعد الفقر، ويأمر بالفحشاء، بالزنا، بالخمر، بالكذب. وهكذا مواعيده. ومن تزيينه، وتلبيسه على الناس ما لا يحصى في هذا المقام. وله جنود، وجنوده الكفرة، الملاحدة، الزنادقة، وبعض العصاة والفجرة؛ ﴿ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾([22]): أي يخوفكم بأوليائه. فأنصاره هم شياطين الإنس والجن. وإن جائزته النار؛ ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.([23]) وقال الله عز وجل للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ». وخطب الشيطان يوم القيامة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾.([24])

نعم يا عباد الله! هذه جائزته لمن اتبعه؛ أن يتبرأ منه، أنه يدخل النار.

وأما الرتب، والمناصب، التي يحوزها أتباع الشيطان، فأعلى مرتبة الشرك بالله، والكفر بالله، والزندقة والإلحاد. هذه أعلى مرتبة لمن اتبعه في كل أحواله. ودون ذلك، وأقلها عاصي. وبين ذلك فاجر، سارق، زان، قاتل، مجرم. هذه الرتب والمناصب التي يحصلها عليها من اتبع الشيطان، ومن أطاع الشيطان.

وأما طاعة الرحمن فإن صاحبها من أهل الإيمان، ومن أهل التقوى، ومن أهل الصلاة، ومن أهل البر، وغير ذلك من الألقاب الجميلة. وربنا عز وجل قوله الحق، ووعده الحق؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾.([25]) هذه خطبة الشيطان يوم القيامة.

إن هذا العدو ـ عباد الله! ـ لا يتركنا في أي وقت وحين، إلا أن نتحصن بذكر الله، وبطاعة الله، من هذا العدو اللعين. وأن نحذره، سواء كان إبليس اللعين، أو كان من أباليس البشر، الذين يأتون في صورة إنسان وهم من شياطين الإنس.

والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [03/صفر/1443ه‍].

([2])[النساء: 11].

([3])[آل عمرأن: 102].

([4])[الأحزاب: 70، 71].

([5])[الأعراف: 27].

([6])[فاطر: 6].

([7])[الأعراف: 27].

([8])[الإسراء: 70.]

([9])[طه: 120].

([10])[الأعراف: 20].

([11])[الأعراف: 21].

([12])[الأعراف: 19].

([13])[الأعراف: 20].
([14])[الأعراف: 21].

([15])[الأعراف: 22].

([16])[الأعراف: 22].

([17])[الأعراف: 26].

([18])[الأعراف: 22].

([19])[الأعراف: 22].

([20])[الأعراف: 23].

([21])[البقرة: 268].

([22])[آل عمران: 175].

([23])[البقرة: 268].

([24])[إبراهيم: 22].

([25])[إبراهيم: 22].

📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor

🎙بشرى الكرامة والمماثلة لأصحاب حسن المعاملة ([1])

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الناس:

يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾([5]) الآية. وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِصَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». فهنالك حقوق وواجبات على العبد أعظمها حق الله تعالى، ويلي هذا الحق حق الوالدين، ثم أدناك أدناك... ولهذا سميت هذه الآية العظيمة "آية الحقوق العشرة".

ولهذا أمر الله جل وعلا ببر الوالدين، وحسن الجوار، وحسن التعامل مع الخلق. وعلى قدر حسن معاملتك وإحسانك في عبادة ربك ـ جل وعلا ـ، وإحسانك في اتباعك لنبيك محمد ﷺ، والإحسان في معاملة الخلق؛ يرفعك الله، وينفعك الله جل وعلا. ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾.([6]) فالله عز وجل اشترى، وأنت بعت، والثمن الجنة، والمقابل الطاعة لله وتحري مرضاة الله، والأدب مع الله جل وعلا، والأدب الشرعي مع خلقه.

ولهذا معاشر المسلمين، حرم الله عز وجل محرمات كثيرة، منها وأعظمها ما يتعلق بمعصية الله ورسوله ﷺ، وهكذا فيما يتعلق بالخلق. «إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضُكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا». أخرجاه عن أبي بكرة. وجاء في صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». فلذا أيها المسلم! احرص على حسن المعاملة، على حسن الخلق؛ فإنك على قدر ذلك تعامل، وعلى قدر ذلك تقابل. جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَلْيَأْتِ إلى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ». هذه من جوامع كلم نبينا محمد ﷺ. كيفما تحب أن تعامل فعامل، فإن عاملت الناس باللطف، وعاملت الناس بالرحمة، وعاملت الناس بالرفق، وعاملت الناس بالأدب، وعاملت الناس بالطلاقة في الوجه؛ عاملوك بذلك. وإن عاملت الناس بقلة الأدب، وبالوقاحة، وبسوء الأخلاق، وبسوء المعاملة؛ فالجزاء من جنس العمل. ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾([7])، وقال الله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾.([8])

إياك يا عبد الله! أن تكون قاضياً على الناس ومحامياً عن نفسك، ولو بالكلام؛ «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إلى قَلْبِهِ! لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يُوشِكُ أَنْ يَفْضَحَهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ». أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما. لا تؤذ المسلمين يا مسلم!، إياك وأذية المسلمين! فالله جل وعلا يقول في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ». أنت تحارب الله لأنك تعادي ولياً من أولياء الله، عبداً من عباد الله، رجلاً صالحاً، ولو كان عبداً مملوكاً أو أمة مملوكة، وإن كان ضعيفاً في نظرك؛ فإن الصالح عند الله عظيم.

لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته. وهذا من حرب الله؛ «فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ».
«وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يُوشِكُ أَنْ يَفْضَحَهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ». لعلك قد رأيت وشاهدت من فضحه الله، من أخزاه الله، من أهانه الله، من أهل الشر. وهذا كثير في السابق واللاحق بسبب تتبع عورات المسلمين .فيفضح، ويهان، ويذل.

وفي المقابل، يقول النبي ﷺ: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ». والحديث في الصحيح. فإذا عاملت الناس بغض الطرف عن العثرات التي لا يسلم منها أحد، وباللطف، وبالرفق، وبالخير؛ فإنك تعامل بذلك يسترك الله.

وكلنا ذلك الذي به من العيوب، وكلنا ذلك المقصر، وكلنا محتاج إلى رحمة الله، وإلى عفو الله، وإلى لطف الله. و﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)﴾.([9])

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المؤمنون! إن كل ما يعمله العبد فإنه يجنو، وإنه يجد، جزاء ما يعمله من خير أو شر في الدنيا وفي الآخرة؛ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾.([10]) فمن يعمل مثقال الذر أو مثاقيل الذر من الخير؛ فإنه يجده في صحائفه، وينفعه يوم يفر منه أبوه، وتفر منه أمه، ويتركه أقرب قريب، وهو أحوج ما يكون، ينفعه ذلك. ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾.([11]) وإن من يجني السيئات؛ فمن يزرع الشوك لا يحصد العنب. ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾([12]): تتمنى لو بينها وبين هذه الذنوب المسافات الطويلة. ﴿وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)﴾.([13])

إذاً، عبد الله! إن أطعت الله؛ فجزاء رب العالمين أعظم الجزاء، أعظم الجزاء. ما أقلّ العمل وهو يجازيك برحمته وفضله، لا مقابل عملك فعملك لا شيء. وان أحسنت إلى خلق الله؛ فإن الله عز وجل يجزيك الجزاء الأوفى، ويجعل لك في الناس المحبة. وهكذا المقابل، فمن الناس من يجازيك بأحسن من عملك الطيب، ومنهم من يدعو لك. وجزاء رب العالمين على الخيرات جنات عظيمة؛ «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشرٍ».

فهذه الدنيا مزرعة الاخرة، تزرع للآخرة من المبرات، والخيرات، والطاعات، فتقطف هنالك الثمرات في جنات عظيمات.

وأما من عمل السيئات، وعمل المخالفات، وتعمد المعاصي والسيئات؛ فإنه يندم في وقت لا ينفعه الندم.

فإياك! إياك!، عبد الله! أن تستغل هذه المزرعة لما يكون سبباً في ترديك، وفي هلاكك، وفي خلودك في النار، أو دخولك في ذلك، أو بعدك عن الخير.

فاحرص على الخير، وكن من أهله، وكن من المعينين عليه، ومن المساعدين في الخير، ومن البعيد عن الشر وأهله.

والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [10/صفر/1443ه‍].

([2])[النساء: 11].

([3])[آل عمرأن: 102].

([4])[الأحزاب: 70، 71].

([5])[النساء: 36].

([6])[التوبة: 111].

([7])[النساء: 148].

([8])[الشورى: 40].

([9])[الرحمن: 60].

([10])[الزلزلة: 7، 8].

([11])[الشعراء: 88، 89].

([12])[آل عمران: 30].

([13])[الكهف: 49].

📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor

🎙﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾([1])

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، و﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.([5])

أيها الناس:

يقول المولى جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾.([6]) وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.([7]) وذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم عن نبي من أنبيائه، وعن عدد من رسله، عليهم الصلوات والسلام، ما حصل لهم من مكر أعداء الإسلام، وأعداء الدين، وأنصار الشيطان، وأحفاد فرعون اللعين، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾.([8])

إن مكر الكافرين ليس جديداً، وليس غريباً، بهذه الشريعة وبأهل الإسلام، ولكنه ضعيف؛ لأنهم يعادون الله؛ لأنهم يحاربون الله ـ جل وعلا ـ. والمولى جل وعلا يقول في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ». أعلمه الله بالحرب.

فلذلك، إنما هي تسويلات من الشيطان لأوليائه؛ أنهم سيقضون على الحق وأهله.

إي والله!

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)﴾.([9]) تأمل! المكر بمن؟ بنبي من أنبياء الله، بالكريم بن الكريم بن الكريم بن الخليل، عليهم صلوات الله وسلامه. وتأمل إلى الموصوف بالضلال المبين، ممن؟ من أبنائه. ولمن؟ لنبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام. فجعلوا يمكرون: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)﴾.([10]) فأول ما ذكروا فيه القتل، الإبادة، الإزاحة من على وجه البسيطة. وهؤلاء أناس ليسوا كفاراً، وإنما عصوا، وهم مسلمون، وتابوا. وليسوا بأنبياء، وإنما هم أناس من الناس، لكنهم ليسوا من الكافرين.

وانظر إلى أين وصل بهم المكر: ﴿قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)﴾.([11]) الآيات. ذهب معهم يوسف عليه الصلاة والسلام وقد أضمروا شراً أن يقتلوه، أو يطرحوه في البئر، ويتوبون بعد ذلك. ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)﴾.([12]) فماذا كان جواب يعقوب عليه الصلاة والسلام؟ ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾([13]) : سولت لهم أنفسهم الأمارة بالسوء، والشيطان الرجيم، أن يزيلوا، أو يزيحوا، أو يقتلوا، أو يبعدوا، يوسف عليه الصلاة والسلام. لكن لن يحصل هذا بإذن الله؛ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)﴾.([14])
مكر قوم نوح عليه الصلاة والسلام: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)﴾([15])، ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾([16]): موج عظيم كالجبال، نجى الله نوحاً على سفينة، وكان يصنعها في أرض يبس، ليس في بحر ولا على ساحل؛ ولذلك جعلوا يسخرون منه. يصنع سفينة في اليابسة! إن السفينة لا تجري على اليبس. ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)﴾. ([17]) فصعد السفينة، ونجا نوح عليه الصلاة والسلام ومن آمن معه، وأهلك الله عز وجل الكافرين جميعاً، وكانت العاقبة للمتقين. ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾([18])، ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾: أي أنت سفيه. هذا الخطاب لنبي من أنبياء الله. ﴿وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)﴾: أنت سفيه، وأنت كاذب. هذا الخطاب يوجه لنبي من أنبياء الله عليه الصلاة والسلام، وإلى رسول عليه الصلاة والسلام.

وقال الله عز وجل عنه: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾([19]): أي نقول أنت مجنون، جننت، خبلت، صرت مجنوناً؛ لأنك تكلمت في الآلهة. قال: يا قومي ليس بي سفه، وهو يدعوهم إلى الله عز وجل. فنجاه الله، ودمر أولئك.

وهذا الخليل عليه صلوات الله وسلامه: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)﴾([20]): هذا الذي يتكلم في آلهتكم، هذا الشخص وأنتم أمة كثيرة، وأنتم أقوياء. فهؤلاء قالوا: اقتلوه أو ألقوه في غيابات الجب، وأولئك قالوا: ﴿حَرِّقُوهُ﴾([21])، وقوم شعيب قالوا: ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾([22]): لولا أن معك نفر من الناس لرجمناك بالحجارة حتى تموت، ونستريح منك. فقوم إبراهيم ملأوا وادياً عظيماً بنار عظيمة، ووضعوه في منجنيق، وألقوه في النار. سولت لهم أنفسهم أنهم سيقضون عليه. قال الله: ﴿يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾([23]). لولا أن الله جل وعلا قال: ﴿وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾ لأهلكته هذه النار من شدة بردها، خلاف العادة، خلاف المألوف، وخلاف المعروف؛ أن النار تهلك بحرها، وتقتل بنارها. ولكن لولا أن الله قال: ﴿وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾: أي ويسلم إبراهيم، لمات من شدة البرد. فنجاه الله جل وعلا، وسافر من تلك البلاد، وأقام مناسك عظيمة في بيت المقدس، وفي مكة المكرمة. ولا تزال من شعائر الإسلام إلى يومنا الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.

أما بعد، أيها المسلمون!:

وهكذا سائر الأمم المكذبة، وهكذا أعداء الأنبياء، سابقاً ولاحقاً؛ كما قال المولى جل وعلا: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)﴾([24]): ولم يقل: "إلى أن يبقى"؛ بل يتم، بل يكمل، بل يبلغ الذروة ـ بإذن الله جل وعلا ـ. ولذلك كم عادى قريش رسول الله ﷺ، وأراد أبو جهل اللعين أن يحول بينه وبين الصلاة بجانب الكعبة. قال أبو جهل: «أَيَعْفِرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ! وَاللهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ». فذهب النبي ﷺ يصلي، فجاء ـ لعنه الله! ـ ليطأ ـ زعم ـ على رقبة رسول الله ﷺ. فلم يُرَ إلا وهو يتقي إلى الوراء، ويتقي بيديه، ويهرول إلى القهقرة. فقيل: «مَالَكَ؟. قَالَ: وَاللهِ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقاً، وَهَوْلاً، وَأَجْنِحَةً». فقال تلك المقالة العاجزة الضعيفة: «لَئِنْ عُدْتَ لَأَدْعُوَّنَ شَبَابَ مَكَّةَ». قال القدير، القوي: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾.([25]) قال النبي ﷺ: «وَاللهِ لَوْ دَنَا مِنِّي لَتَخَطَّفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْواً عُضْواً».
ويخرج نبينا محمد ﷺ صحبة صاحبه أبي بكر، فتلحقه قريش بخيلها ورجالها، فلا يقدرون على الوصول عليه. ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.([26]) سولت لهم أنفسهم لأنهم أقوياء، ولأنهم ذووا عدد، وذووا قوة، وذووا وذووا... أن يلحقوا رسول الله. ولن يلحقوا، ولن يقدروا.

وجاءوا متحادين يوم أحد في ثلاثة آلاف مقاتل، ورجعوا خائبين، ولم يحصل لهم مقصودهم الذي أملوه. وحاصروا المدينة يوم الأحزاب من جميع جوانبها، وعادوا خائبين. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)﴾.([27]) قال الله: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)﴾.([28])

أخرج البخاري عن ابن عباس، قال: «كَلِمَةً قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" حِينَ أُلْقِي فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾[آل عمران: 173]». "حسبنا الله ونعم الوكيل"، مهما مكر أعداء الإسلام، مهما تربصوا، فثق عبد الله! بنصر الله، وبحفظ الله عز وجل لعباده الصالحين.

مزيداً من الاعتصام بالحق، مزيداً من التواصي بالحق، مزيداً من التآخي، والتحابب، والتناصر، والتعاون على البر والتقوى، على الهدى والرشاد، مزيداً من الحذر من البدع والضلالات، ومن التشبه بالكفار. وربنا عز وجل حافظ دينه؛ ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾([29])، ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾.([30]) فالله حافظ عباده، وإن حصل من الأذى ما يحصل؛ ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾.([31])

أما أن الله عز وجل يمكن لهم، لأعداء الإسلام، ولأذنابهم، ولأضرابهم، فكلا، والله! وتالله! أن ذلك لا يكون. هذا نقوله ثقة بوعد الله، وبنصر الله، وإيماناً بما جاء في كتاب الله تعالى، وبما جاء في سنة رسول الله ﷺ.

فأحسن الظن بربك عبد الله!، وإن عدوك ضعيف؛ ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾([32]).

اللهم! احفظ علينا ديننا وعقيدتنا، اللهم! آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمورنا.

والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [17/صفر/1443ه‍].

([2])[النساء: 11].

([3])[آل عمرأن: 102].

([4])[الأحزاب: 70، 71].

([5])[الأنعام: 134].

([6])[البقرة: 109].

([7])[البقرة: 120].

([8])[العنكبوت: 1، 3].

([9])[يوسف: 7، 8].

([10])[يوسف: 9].

([11])[يوسف: 11].

([12])[يوسف: 16، 17].

([13])[يوسف: 18].

([14])[يوسف: 18].

([15])[هود: 38، 39].

([16])[هود: 41، 42].

([17])[هود: 38، 39].

([18])[الأعراف: 65، 66].

([19])[هود: 54].

([20])[الأنبياء: 68].

([21])[الأنبياء: 68].

([22])[هود: 91].

([23])[الأنبياء: 69].

([24])[التوبة: 32].

([25])[العلق: 17، 19].

([26])[التوبة: 40].

([27])[الأحزاب: 9، 10].

([28])[الأحزاب: 22].

([29])[غافر: 51].

([30])[القصص: 83].

([31])[آل عمران: 111].

([32])[آل عمران: 175].

📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor

🎙الإبانة في أهمية الإستعانة ([1])

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الناس:

إن مما يجب على كل مسلم، ومما يطلبه في كل ركعة من صلاته، ويسأل ربه جل وعلا؛ لهو طلب العون من الله تعالى. قال الله عز وجل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾.([5]) هذه العبادة العظيمة التي لا يتم للعبد عمل صالح إلا بعون الله جل وعلا. ولذلك، فهذا واجب على كل مسلم أن يستعين بالله سبحانه وتعالى في قضاء حوائجه الدينية والدنيوية. وهذا مضمن في البسملة، في ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: أي أبدأ مستعيناً بالله جل وعلا. ولذلك، قال نبينا محمد ﷺ: «يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». أخرجه أبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، وهو حديث صحيح.

«وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ»: أي فلمحبتي إياك أدلك على أمر عظيم، وأمر جسيم، وأمر مهم؛ وهو طلب العون من الله سبحانه وتعالى. وإذا أعانك الله عز وجل فماذا يصعب عليه؟ وماذا يقف أمامك؟ إذا أعانك المستعان؛ ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)﴾.([6]) إذا أعانك الله عز وجل على أمر فإنه متحقق لا محالة، وإذا لم يعنك الله فمن ذا الذي يقدر عليه غير الله؟

وفي مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: كُنْتُ غُلَاماً رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ»: كلمات عظيمات، كلمات مباركات، كلمات قليلات في الألفاظ، كثيرات في المعاني والأحكام. «اِحْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ». إذا استعنت، إذا طلبت العون، فلا تطلبه إلا من الله عز وجل. وإن كان في ما يقدر عليه العبد فإنما هو سبب؛ وإلا فمن عون الله جل وعلا أن ييسر لك من يعينك في بعض ما يقدر عليه.

«إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ»: وإذا استعنت بالله، وإذا أعانك الله، فمهما عظمت المسألة فإنها يسيرة، وكل أمر عليه يسير؛ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾.([7])

نعم عبد الله! «إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ»: استعن بالله يا عبد الله! في جميع أمورك. ولهذا، فهذا من أعظم وأجلّ أمور العبادات، والذي تدور عليه عبادات كثيرة؛ وهو طلب العون من الله جل وعلا، والاستعانة به. وقد كان من دعاء النبي ﷺ: «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ...» الحديث. أخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عباس، وهو حديث صحيح.

«يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَدَعَنَّ دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»: فذكر الله، وطاعة الله، وعبادة الله، تحتاج إلى عون الله. وهكذا شكر الله على النعم، إن لم يعنك الله عز وجل فشلت.

وأما تقديم العبادة على الاستعانة في سورة الفاتحة؛ لأن الاستعانة من العبادة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾.([8]) فالعبادة أعم، وهي الغاية، والاستعانة أخص، وهي الوسيلة. وهي من أجلّ العبادات، وتفتقر إليها عبادات كثيرة: في الصلاة، في الصبر، في التوكل، في الإنابة، في الرغبة...، في سائر العبادات تحتاج إلى الاستعانة.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾([9])، وقال الله عز وجل عن موسى وهو يخاطب قومه: ﴿يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾.([10])

والتوكل على الله: هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في جلب المنافع، ودفع المضار، مع بذل الأسباب الشرعية. فهو مفتقر إلى الاستعاذة. وهكذا من أيسر العبادات إلى أجلّها، كلها تحتاج إلى عون الله جل وعلا، وإلى الاستعانة بالله.

فاستعن بالله عبد الله!، استعن بالله.

والاستعانة تفتقر إلى الثقة بالله، وصدق الاعتماد على الله جل وعلا. فهذان ركنا الاستعانة: أن يستعيذ بالله واثقاً بالله، معتمداً على الله، أن يستعين حالاً وقالاً، أن يعلق قلبه بالله جل وعلا، وأن يكون معتمداً على الله لا على غيره. فإن ذلك إذا توفر فيك يا عبد الله! فقد حصلت على جماع هذه العبادة وملاكها. الثقة بالله، تمام الثقة بالله، وتمام الاعتماد على الله عز وجل. فإذا طلبت العون منه فكل أمر عليه يسير.

جاء في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ! لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا». فإذا أعانك الله على أكبر الأمور، وأعظم الأمور؛ صارت يسيرة ـ بإذن الله جل وعلا ـ. وإذا لم يكن لك من الله عون فإنك فشلت، فإنك تفشل، فإنك ترسب، فإنك لا تنجح في أمورك. «فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا». وإذا وكلت إلى نفسك، أو إلى عملك، أو إلى شخص من الأشخاص، أو إلى الأمة بأسرها، فالفشل حليفك. ولكن إذا أعانك الله فإنه يسهل عليك، كل أمر عظيم عندك فإن الله سبحانه وتعالى لا يتعاظمه شيء. «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ»: اطلب العون من الله دائماً.

تدبر وتأمل إلى هذه الحكمة العظيمة؛ أنك دائماً وفي كل لحظة وحين وهي تطلب العون من الله عز وجل، وفي أجلّ عباداتك البدنية، وفي كل ركعة، وفي أعظم سورة في القرآن: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾([11]): أي لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك.

فيا لها من مكرمة عظيمة! ـ إي والله! ـ؛ أنك مستعيناً بالله، وفي سائر شؤونك. ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: أي أطلب العون من الله حالاً وقالاً. فأبشر بالخير، أبشر بالخير. إذا استعنت بالله في كل عبادة ظفرت، ونجحت، وفزت ـ بإذن الله ـ. وإذا تخلفت عنك هذه العبادة لم توحد الله، لم تصل، لم تصوم، لم تزكي، لم تحج، لم تصبر، لم ولم... فمن أجلّ العبادات الصبر، والصبر يحتاج إلى عون من الله، وكل أمر من الأمور يحتاج إلى إعانة الله.

فلهذا هذا الدعاء العظيم الذي يقال في دبر الصلوات ـ قال بعضهم: يقال في آخر التشهد، ولا مانع من ذلك. وقال الآخر: يقال بعد التسليم. وكلاهما صحيح ـ هو أيضاً دعاء عام: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». فادع الله حالاً وقالاً، وأكثر من هذا، واستعن بالله في سائر شؤونك؛ تتحقق لك عبادة الله التي هي أعظم المطالب، وأجلّ الغايات، وتتيسر لك سائر شؤونك، يسرها الله سبحانه وتعالى إذا طلبت العون منه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.

أما بعد:

جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلِّ خَيْرٌ. اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ. وَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، لَكَانَ كَذَا وَكَذَا؛ وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ». «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ»: قوي الإيمان، قوي البدن، القوي في سائر شؤونه، في طاعة الله « خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلِّ خَيْرٌ». فكلاهما فيه خير. ولكن الأقوى إيماناً، واعتماداً، وصلاحاً، أحب إلى الله؛ لأنه بادر، وسارع، وسابق، بالأعمال الصالحة. وهذه قوة، قوة الإيمان، من الله، وبعون الله جل وعلا. لا بمال، ولا بنسب، ولا بحسب، ولا بجاه، ولا بذكاء. ولهذا قال: «اسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ»؛ فإن ضعف الاستعانة بالله عجز وخور. غاية الضعف والانهزام، أن تعتمد إلى دولة كبيرة، أو إلى قوة عظيمة، غير قوة الله تعالى. هذا هو الضعف، هذه هي الهزيمة.
ولكن النصر، ولكن القوة، في إيمانك، وفي بدنك، وفي سائر شؤونك؛ أن تستعين بالله. «اسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ»: استعن بالله، اطلب العون من الله؛ فإن هذا غاية القوة ـ بإذن الله ـ؛ لأنك تطلب العون من القوي، من القادر، من القاهر، من الكريم، من الوهاب، ممن إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون.

فإذا عجزت وطلبت العون من مخلوق ضعيف، أو ركنت إلى من تراه قوياً، فهذا هو العجز، وهذا هو الضعف ـ والله! ـ، فإن قوة المخلوق مهما بلغت لا تقارن بقوة القوي العزيز.

فاستعن بالله عبد الله! في سائر شؤونك، فهذا والله هو الظفر، وهو النصر، وهو الفلاح، وهو من أجلّ القربات، وهو السلاح الذي نحتاجه في كل أمر في حياتنا الدينية والدنيوية.

والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٢٤/ صَفَر/١٤٤٣ هـ‍].

([2])[النساء: 11].

([3])[آل عمرأن: 102].

([4])[الأحزاب: 70، 71].

([5])[الفاتحة: 5].

([6])[الأنبياء: 112].

([7])[فاطر: 44].

([8])[الفاتحة: 5].

([9])[البقرة: 153].

([10])[الأعراف: 128].

([11])[الفاتحة: 5].

📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor

🎙وعد أحكم الحاكمين بتمكين عباده المؤمنين ([1])

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الناس:

يقول المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾.([5]) وعد من أحكم الحاكمين، وعد من رب العالمين. ﴿أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)﴾([6])، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)﴾([7])، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)﴾([8])، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)﴾.([9]) وعد الله سبحانه وتعالى وهو الحق، وقوله الحق؛ أنه سينصر عباده المؤمنين، وأنه سيمكن لهم في دينه و أرضه، و أنه سيبدلهم من بعد خوفهم أمناً.

قال الله جل في علاه: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾.([10])

قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: «وَاللهِ مَا وَعَدَ اللهُ نَبِيَّهُ شَيْئاً قَطُّ إِلَّا أَنْجَزَهُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ وَلَكِنَّ اللهَ يَبْتَلِيهِ». أخرجه البخاري.

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾.([11])

نعم، عباد الله!

وقد أنجز الله عز وجل وعده للأنبياء والرسل عليهم الصلوات والسلام، وهكذا سينجز وعده لعباده المؤمنين. ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)﴾.([12]) تغيرت الموازين عند أصحاب الفطر الفاسدة، وعند أهل الشرك والكفر، ومن تشبه بهم. فهؤلاء الأشراف من قوم فرعون، يقولون لفرعون اللعين: أتترك موسى؟: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ﴾: تتركهم يفسدون في الأرض؟ وهو القائل كما ذكر الله عنه: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)﴾([13]): أي رشاد، وأي هدى، عند أفكار الكفر والضلال؟ أي رشاد عند الانحراف والزيغ؟ ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)﴾.([14]) قال قوم موسى لقومه: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا﴾.([15]) قال الله جل في علاه: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)﴾.([16]) دمر الله فرعون، أهلكه الله عز وجل مع كبار قومه، مع حشمه وخدمه، أغرقه الله عز وجل في البحر.
وقد لحق موسى وقومه متكبراً، متغطرساً متعالياً. فأنجى الله موسى وقومه؛ ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾.([17]) قال قومه: نحن الآن البحر أمامنا، والعدو وراءنا. أدركونا، لحقوا بنا. قال: كلا! ما لحقوا بنا، إن الله معنا. قال الله عز وجل: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)﴾([18]): كالجبل الشامخ. فأنجى الله موسى عليه الصلاة والسلام وقومه جميعاً. وتبعهم فرعون، فلما توسط البحر انطبق عليه البحر. فماذا قال؟: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾.([19]) أعلن إيمانه، وأعلنه على طريقة من كان يستعبدهم، من كان يستذلهم، من كان يحتقرهم. ﴿آمَنْتُ﴾: أيقنت، وصدقت. ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾: لست ربّاً، ولا إلهاً، ولا شيء من هذا. ذهب ذلك الكلام: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾([20])، ذهب. ﴿وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾: تأكيد. ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾([21]): ما نفعه إيمانه.

﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾([22]): الذين كانوا يذبحون، الذين كانوا يقتلون، الذين كانوا يهانون، الذين كانوا يسخرون في أشد أنواع الخدمة، صاروا هم الملوك؛ ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)﴾.([23]) صاروا ملوكاً، صاروا قادة وسادة.

نعم عباد الله!

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾([24]): ليكونون هم الخلفاء، وهم الوزراء، وهم السادة، وهم القادة، وهم ساسة الأمة.

ولذلك بعث الله أنبياءه ورسله ـ عليهم الصلوات والسلام ـ لإقامة دينه، ولإقامة توحيده، ولنصرة عباده الصالحين. لا لتمكين الكافرين، والمشركين، والملحدين. قال الله جل في علاه: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾.([25]) في الدنيا النصر لعباد الله المؤمنين، التمكين لأهل التوحيد والسنة. أما أهل الكفر، فإنهم يزولون، فانهم يذهبون؛ ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾.([26])

ثق بوعد الله يا عبد الله!، ثق بوعد الله جل وعلا، فهو أصدق القائلين، وأحكم الحاكمين؛ ولكن هذه الحياة دار ابتلاء، ودار اختبار؛ ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾.([27]) العاقبة لأهل التقوى، لأهل الإيمان، لأهل الهدى، لأهل الرشاد، لأهل الصلاح. ولكن لابد من تحقيق الإيمان، ولابد من اليقين، ولابد من الاعتصام بالحق، ولزوم الحق، وأهل الحق.

قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)﴾.([28]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين".

قال خباب بن الأرث رضي الله تعالى عنه: أَتَيْنَا النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَسْتَنْصِرْ لَنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ قَوْمٌ تَسْتَعْجِلُونَ».

﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾.([29])

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين. ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المؤمنون! يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾([30]): لا تضعفوا، لا تحزنوا، فأنتم الأعلون: أنتم أعلى قدراً ومكانة، دنيا وآخرة. ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾: إن حققتم الإيمان.
﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)﴾.([31]) فهو تمحيص، فهو اختبار، فهو ابتلاء، من الله جل وعلا. ولكن أنتم الأعلون، أنتم المنصورون؛ ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾.([32]) وإن أصابكم ما أصابكم؛ قال الله جل وعلا: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾([33]): ترجون من الله الشهادة، ترجون من الله الأجور، ترجون من الله النصر والتمكين. وهم ماذا يرجون؟ ماذا يؤملون؟ الفساد في الأرض، الكذب، الزور، سفك الدماء المعصومة، أخذ الأموال المحترمة.

﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾.([34])

أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وجاء عن ابن عمر في البخاري: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفْرِ، جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ، قَالَ: «يا أَبَا جَهْلٍ بْنِ هِشَامٍ!، يَا أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ!، يَا فُلَانَ!، وَيَا فُلَانَ!... ـ من قتل المشركين ـ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً؟ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقّاً». قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَاذَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا!؟ قَالَ: «وَاللهِ لَهُمْ أَسْمَعُ لِمَا أَقُولُ مِمَّا تَسْمَعُونَ أَنْتُمْ» أو بهذا المعنى. «هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً؟ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقّاً»: فوعد الله متحقق؛ ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾([35]): ليظهر الدين، ويظهر الحق، ويزول الكفر والكافرين؛ وإنما هو ابتلاء واختبار للمؤمنين. ووعد الله قريب، ونصر الله قريب، والتمكين لعباد الله المؤمنين؛ ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.([36]) هذه صفات الله عباد الله المؤمنين، أهل التوحيد، أهل الصلاة أهل الزكاة، أهل العبادة، أهل الصلة، أهل البر، أهل الخير، أهل التقى، أهل الرشاد... إلى آخر ذلك. لا أهل الفساد، ولا أهل الشرور، ولا أهل الكفر.

﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾.([37])

والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [02/ربيع الأول/١٤٤٣ هـ‍].

([2])[النساء: 11].

([3])[آل عمرأن: 102].

([4])[الأحزاب: 70، 71].

([5])[النور: 55].

([6])[يونس: 55].

([7])[آل عمران: 9].

([8])[النساء: 122].

([9])[النساء: 87].

([10])[يوسف: 110].

([11])[البقرة: 214].

([12])[الأعراف: 127].

([13])[غافر: 29].

([14])[الأعراف: 127].

([15])[الأعراف: 128، 129].

([16])[الأعراف: 137].

([17])[الشعراء: 61، 62].

([18])[الشعراء: 63].

([19])[يونس: 90].

([20])[النازعات: 24].

([21])[يونس: 91].

([22])[الأعراف: 137].

([23])[المائدة: 20].

([24])[النور: 55].

([25])[غافر: 51].

([26])[الرعد: 17].

([27])[القصص: 83].

([28])[السجدة: 24].

([29])[الأعراف: 128].

([30])[آل عمران: 139].

([31])[آل عمران: 140، 141].

([32])[الصافات: 173].

([33])[النساء: 104].

([34])[النساء: 104].

([35])[التوبة: 33].

([36])[الحج: 41].

([37])[الأعراف: 128]، [القصص: 83].

📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor

🎙التوكل على الله من أعظم أسباب الطمأنينة والنجاة ([1])

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الناس:

إن الله سبحانه وتعالى الذي خلق هذا الإنسان وأوجده في هذه الحياة، وخلق فيها الابتلاء، وجعل فيها الاختبار، جعل ـ جل وعلا ـ لعباده المؤمنين من المخارج، ومن السبل، التي يزيد بها خيراً، ورفعة، وطمأنينة، ونجاة، وزيادة في الخيرات.

ومن أجلّ العبادات، وأعظم الطاعات، التي شرعها الله لعباده: التوكل على تعالى. وهذه سمة من سمات المؤمنين، وصفة من صفات الأنبياء والمرسلين، عليهم صلوات رب العالمين. وفي أعظم الحوالك، وفي أعظم النوازل، وما يصيب العبد من المصائب، إذا اعتمد بقلبه على الله، إذا توكل على الله، هانت المصيبة، وضعفت، وزاد قوة وإيماناً. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)﴾.([5]) هذا تهديد شديد من المكذبين للرسل، من المعاندين للأنبياء والمرسلين: ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾.([6]) لكن هؤلاء من المتوكلين: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾.([7]) قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾.([8]) فلذلك في هذه الأزمات، وربما يكون النبي وحده، أو مع نفر قليل، لكنه متوكل على الله، فتهزم تلك الجموع الكثيرة، وتذهب تلك المصائب المتلاطمة. ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)﴾.([9]) ولذلك يقول الله جل وعلا: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)﴾.([10]) فالتوكل في أصله شرط من شروط الإيمان، وكمال الإيمان وتمامه بتحقيق هذه العبادة العظيمة. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾.([11])

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ! لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ». قال الله جل في علاه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾.([12]) وفي الصحيحين من حديث ابن عباس، قال: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ».

التوكل: هو صدق اعتماد القلب على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار، مع بذل الأسباب الشرعية. اعتماد على القوي، على القادر، على العزيز، على القاهر، على من إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون. ليس على قوة بشرية، ولكن على القوي العزيز. ليس على مال، ليس على كثرة رجال، ليس على نسب، ليس على ذكاء، ليس على خبرة... ليس هذا ولا ذاك، ولكنه اعتماد على الله.
﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾([13]): فهو كافيه. من توكل على الله، من اعتمد على الله، من لجأ إلى الله جل وعلا، فمن ذا الذي يقدر عليه؟

أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: «كَلِمَةٌ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قِيلَ لَهُمْ: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾[آل عمران: 173]: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ!». إبراهيم الخليل ـ عليه صلوات الله وسلامه ـ يلقى في نار عظيمة، في نار كبيرة، أعدها أناس كثر ذو مال، وذو منصب، حتى قيل: أنهم أشعلوا وادياً من النار، وقيل: إن الطيور إذا مر طائر من على ذلك الوادي سقط في النار؛ لعظمها، وكبرها، وقوتها. وإبراهيم يلقى بالمنجنيق في وسطها، فيقول هذا الدعاء: «حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ!». فيقول الوكيل عز وجل: ﴿يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾.([14]) فيخرج إبراهيم عليه الصلاة والسلام من وسط هذه النار سليماً معافى، لم تمسه بأذى.

والصحابة الكرام، ونبي الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام ـ، تجتمع جحافل الكفر، وأحزاب الشرك، عن بكرة أبيهم، ويحيطون بالمدينة من كل حدب وصوب، من فوق، ومن تحت، ومن يمين، ومن شمال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)﴾.([15]) ماذا قال المنافقون؟: ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾:([16]) فضحهم الله، ﴿إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)﴾.([17]) المنافقون يقولون: هذا الذي وعدنا أن نأخذ قصر كسرى، وأن نقصر قيصر، نحن الآن نخاف على بيوتنا. ما مقالة المؤمنين؟: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)﴾.([18]) فسلط الله عليهم من أضعف مخلوقاته، أو من أصغر مخلوقاته، الريح، فانقلبوا خائبين، خاسرين ـ أعني المشركين ـ، ولم يحصل للمسلمين أي أذى. ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾([19]): كافينا الله، كفى بالله وكيلاً ـ جل وعلا ـ. فمن اعتمد على الله، وفوض أمره، إلى الله جل وعلا، فإن الله كافيه؛ ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)﴾([20]): أي كافيك الله، وكافي من اتبعك من المؤمنين. قال الله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾([21]): أليس الله عز وجل يكفي عبده المؤمن؟ أليس الله بكاف رسوله، ومن سار على نهج رسوله ﷺ؟ قال الله: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾.([22])

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.

أما بعد:

عباد الله! جاء في الصحيحين من حديث جابر رضي الله تعالى عنه: «أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَزَاةٍ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي ظِلِّ الْأَشْجَارِ، وَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ، وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، وَنَامَ. فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إِلَّا وَأَعْرَابِيٌّ قَدْ أَخَذَ السَّيْفَ مُصْلَةً عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللهُ». فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ». الله يمنعني؛ ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾([23]): يخوفونك بضعيف، بحقير، بذليل. لا مقارنة بقوة أي قوي مع قوة العزيز الجبار؛ و﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾.([24]) «مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللهُ». فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «يَا أَعْرَابِيُّ! مَنْ يَمْنَعُكِ مِنِّي؟». قَالَ: كُنْ خَيْرَ آخِذٍ يَا مُحَمَّدُ!». ليس مؤمناً، فعفا عنه رسول الله ﷺ. فالله عز وجل كفاه، الله عز وجل حفظه.

وجاء في مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصاً، وَتَرُوحُ بِطَاناً». وهو حديث صحيح. «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ»: تعتمدون بصدق على الله، تحققون هذه العبادة.
«لَرَزَقَكُمْ»: لجاءت الأرزاق من كل أنواع الرزق؛ كما يأتي لذلك الطير الذي يغدو صباحاً جائعاً، لا مال، ولا راتب، ولا وظيفة، ولا شيء. فيعود وقد امتلأ بطنه، وقد أشبع صغاره. لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لدفع عنكم الأعداء، والشيطان، وجنود الشيطان، ولنصرنا في كل الأبواب، وفي كل المجالات، والسبل. ولكن هذه عبادة ضعفت عند كثير من الناس، فينظر في باب الرزق إلى ما معه من المال، لا إلى الكبير المتعال. ينظر في أبواب أخرى إلى الرجال، أو إلى ما أشبه ذلك. ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾([25]): فهو كافيه في كل باب من الأبواب.

فلهذا عباد الله! لنحرص جميعاً على تحقيق هذه العبادة في نفوسنا، وفي حياتنا، مع بذل الأسباب الشرعية. فليس من التوكل ترك الأسباب الشرعية؛ بل مع بذل الأسباب الشرعية، والاعتماد على الله سبحانه وتعالى. ولا نعتمد على السبب، ولكن نبذل السبب. فإذا اعتمدنا على الله حقاً، وبذلنا الأسباب الشرعية؛ حزنا أعلى المراتب، وأعلى المقامات، وظفرنا بخيري الدنيا والأخرة.

والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [09/ربيع الأول/١٤٤٣ هـ‍].

([2])[النساء: 11].

([3])[آل عمرأن: 102].

([4])[الأحزاب: 70، 71].

([5])[إبراهيم: 12، 14].

([6])[إبراهيم: 13].

([7])[إبراهيم: 12].

([8])[الأعراف: 88، 89].

([9])[إبراهيم: 14، 15].

([10])[المائدة: 23].

([11])[الأنفال: 2].

([12])[الفرقان: 58].

([13])[الطلاق: 3].

([14])[الأنبياء: 69].

([15])[الأحزاب: 9، 11].

([16])[الأحزاب: 13].

([17])[الأحزاب: 13].

([18])[الأحزاب: 22].

([19])[آل عمران: 173].

([20])[الأنفال: 64].

([21])[الزمر: 36].

([22])[الأنبياء: 88].

([23])[الزمر: 36].

([24])[البقرة: 165].

([25])[الطلاق: 3].

📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor

🎙المسك والخزام من فضائل الصحابة الكرام ([1])

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])

﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الناس:

يقول المولى جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾.([5]) وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث معاوية بن حيدة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ تَعَالَى».

فهذه الأمة ـ عباد الله! ـ خير الأمم. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ، السَّابِقُونَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ». «نَحْنُ الْآخِرُونَ»: زمناً. «نَحْنُ السَّابِقُونَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ»: في دخول الجنان، والسابقون إلى الخيرات.

وإن خير هذه الأمة العظيمة، الشريفة، لهم صحابة رسول الله ﷺ، لهم الصحابة الكرام، خير الخلق أجمعين بعد الأنبياء والمرسلين. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)﴾.([6]) فوصفهم الله عز وجل بالسابقية، ووصفهم بالرضى عن رب العالمين، وبرضاه سبحانه وتعالى عنهم، وذكر ما أعد لهم من الجنان، وذكر أنهم أهل الفوز الأعظم. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾([7])، قال الله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾.([8]) وصفهم الله عز وجل بأفضل الصفات، وصفهم بأنهم صادقون، ووصفهم بأنهم مفلحون، ووصفهم بالإيثار، وترك الديار والأموال؛ لله تعالى، ونصرة الله، ونصرة رسوله.

إن صحابة رسول الله ﷺ لا يُذكرون إلا بأحسن الذكر، فلا يُذكرون إلا بالجميل، وسيرتهم عطرة، بيضاء، مشرقة. ولذلك يحبهم جميع المسلمين، أبراراً وفجاراً، أهل سنة أو مبتدعة، صالحين أو طالحين، سائر المسلمين بمختلف فرقهم ومذاهبهم يحبون الصحابة الكرام. ولا يُذكرون إلا بالجميل. وهذا أصل من أصول الإسلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في تلك العقيدة العظيمة، "العقيدة الواسطية": "ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لصحابة رسول الله ﷺ، وصحابة رسول الله ﷺ لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بغير الجميل فهو على غير السبيل"، على غير الصراط المستقيم.

ولذا قال الإمام الطحاوي في تلك العقيدة الماتعة: "فحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".

من لا يتمنى أنه رأى الصحابة، ولقي الصحابة؟ من لا يتمنى أن يحشر في زمرة الصحابة الكرام؟ إنهم أعداء الإسلام، أعداء الدين أعداء الحق. أما الصالحون فإنهم يحبونهم حباً عظيماً.
2025/02/24 01:25:29
Back to Top
HTML Embed Code: