Telegram Web Link
Forwarded from مكتبتي📘📒
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_الثالثة_عشر ..

من أوائل ما نزل من الأحكام الأمر بالصلاة، قال ابن حجر‏:‏

“كان صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء يصلي قطعًا وكذلك أصحابه، ولكن اختلف هل فرض شىء قبل الصلوات الخمس من الصلوات أم لا‏؟‏ فقيل‏: إن الفرض كانت صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها‏.‏

وروى الحارث بن أبي أسامة من طريق ابن لَهِيعَة موصولًا عن زيد ابن حارثة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه، أتاه جبريل، فعلمه الوضوء، فلما فرغ من الوضوء، أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه، وقد رواه ابن ماجه بمعناه.

وفي حديث ابن عباس‏:‏ وكان ذلك من أول الفريضة‏.‏

وقد ذكر ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، وقد رأى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وعليّا يصليان مرة، فكلمهما في ذلك، ولما عرف جلية الأمر، أمرهما بالثبات”‏.‏

تلك هي العبادة التي أمر بها المؤمنون، ولا تعرف لهم عبادات وأوامر ونواهٍ أخرى غير ما يتعلق بالصلاة، وإنما كان الوحي يبين لهم جوانب شتى من التوحيد، ويرغبهم في تزكية النفوس، ويحثهم على مكارم الأخلاق، ويصف لهم الجنة والنار كأنهما رأي عين، ويعظهم بمواعظ بليغة تشرح الصدور وتغذي الروح، وتحدو بهم إلى جو آخر غير الذي كان فيه المجتمع البشري آنذاك‏.‏

وهكذا مرت ثلاثة أعوام، والدعوة لم تزل مقصورة على الأفراد، ولم يجهر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المجامع والنوادي،إلا أنها عرفت لدى قريش، وفشا ذكر الإسلام بمكة، وتحدث به الناس، وقد تنكر له بعضهم أحيانًا، واعتدوا على بعض المؤمنين، إلا أنهم لم يهتموا به كثيرًا حيث لم يتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينهم، ولم يتكلم في آلهتهم‏..
وكان النبي يحسب حساب كل خطوة يخطوها وصحبة،، وكان مدركاً تمام الإدراك أنه سيأتي اليوم الذي يؤمر فيه بدعوة علناً وجهراً ،،ولم يعد بيت السيدة خديجة يتسع لكثرة الأتباع، فوقع اختيار النبي على دار الأرقم بن أبي الأرقم لتنظيم اللقاءات الدورية المنظمة بين الرسول واصحابة ،،وكان السبب في اختيار دار الأرقم ، أن الأرقم لم يكن معروفًا بإسلامه وهو من بني مخزوم وقبيلة مخزوم هي حاملة لواء الحرب ضد بني هاشم، وأن الأرقم كان فتى عند إسلامه (16 عامًا)، ويوم أن تفكر قريش في البحث عن مركز التجمع الإسلامي، فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب الرسول صل الله عليه وسلم ، بل يتجه نظرهم وبحثهم إلى بيوت كبار أصحابه أو بيت الرسول صل الله عليه وسلم ..

 وسبب إتخاذ دار الأرقم للدعوة السرية بعد أن رائ بعض المشركين صحابة رسول الله حين كان سعد بن أبي وقاص يَؤم بهم في أحد شعاب مكة وعابوا عليهم ما يصنعون ثم قاتلوهم وضرب سعد أحد المشركين حينها فشج رأسه. ومن ذلك الوقت أصبحت دار الأرقم مركزًا للدعوة يتجمع فيها المسلمون ويتلقون مع رسول الله كل جديد من الوحي، ويستمعون له وهو يذكرهم بالله، ويتلو عليهم القرآن ويضعون بين يديه كل ما في نفوسهم وواقعهم فيربيهم على عينه كما تربى هو على عين الله تعالى، وأصبح هذا الجمع هو نواة الدعوة النبوية للإنسانية جمعاء...

 
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_الرابعة_عشر

 فى السنة الرابعة من البعثة تم جهر الدعوة بأمر من الله عزوجل،،
ولم يأذن الله لرسوله وأصحابه بالانتقال إلى المرحلة الجهرية من الدعوة إلا بعد أن أصبح للإسلام قاعدةٌ صلبةٌ متينة، لا تتزعزع بما يعصف بها، ومع ذلك فإن الجهر في بدايته لم يكن للجميع، بل كان يقع ضمن دائرة الأقربين من بني هاشم وبني عبد المطلب، وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى‏:‏ ‏(وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ* وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)،

فابتداء الرسول الله صل الله عليه وسلم بدعوة عشيرته من بني هاشم بعد نزول هذه الآية …
فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا‏.‏ فلما أراد أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بادره أبو لهب وقال‏: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة *طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشرٍّ مما جئت به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم في ذلك..

ثم دعاهم ثانية وقال‏:‏ ‏«‏الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه‏.‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏»‌‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏«‏إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا‏».‏

فقال أبو طالب‏:‏ ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك‏.‏ وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به‏.‏ فوالله ، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب‏.‏

فقال أبو لهب‏:‏ هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم.

فقال أبو طالب‏:‏ والله لنمنعه ما بقينا‏.‏..


وبعد تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه، …

صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا، فعلا أعلاها حجرًا، ثم هتف‏:‏ ‏«‏يا صباحاه‏».
وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش، أو وقوع أمر عظيم‏.‏

ثم جعل ينادي بطون قريش، ويدعوهم قبائل قبائل‏:‏ ‏«‏يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب‏».‏

فلما سمعوا قالوا‏:‏ من هذا الذي يهتف‏؟‏ قالوا‏:‏ محمد‏.‏ فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش‏.‏

فلما اجتمعوا قال‏:‏ ‏«‏أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي بسَفْح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِيَّ‏؟‌‏»‌‏.‏

قالوا‏:‏ نعم، ما جربنا عليك كذبًا، ما جربنا عليك إلا صدقًا‏.‏

قال‏:‏ ‏«‏فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إنما مثلي ومثلكم، كمثل رجل رأى العَدُوَّ فانطلق يَرْبَأ أهله‏» – أي: يتطلع وينظر لهم من مكان مرتفع؛ لئلا يدهمهم العدو‏ -‏ «‏فخشي أن يسبقوه فجعل ينادي‏:‏ يا صباحاه»‌‏

ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله ، فخص وعم، فقال‏:‏

‏«يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا‏.‏
يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا‏.
يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏
يا معشر بني قصي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا‏.‏
يا معشر بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا‏.‏
يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار‏.
يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏
يا معشر بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ماشئتم، لا أملك لكم من الله شيئًا‏.
يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا‏.‏
يا صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ، لا أغني عنك من الله شيئًا‏.‏
يا فاطمة بنت محمد رسول الله، سليني ما شئت من مالي، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لك ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنك من الله شيئًا‏.‏
غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبلاَلها‏» أي سأصلها حسب حقها‏.‏

ولما تم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا، ولا يذكر عنهم أي ردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء، وقال‏:‏ تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا‏؟‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏ ‏[‏سورة المسد‏: ‏1‏]‌‏.‏
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_الخامسة_عشر..

بعد ما قام الرسول عليه الصلاة والسلام بالجهر بالدعوة وتبليغ عنها على جبل الصفا ، لم يزل هذا الصوت يرتج دويه في٠ أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏: ‏94‏]‏، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله، ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 59‏]‏،وبدء يعبد الله تعالى أمام أعينهم، فكان يصلي بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس الأشهاد‏.‏

وقد نالت دعوته مزيدًا من القبول، ودخل الناس في دين الله واحدًا بعد واحد‏.‏ وحصل بينهم وبين من لم يسلم من أهل بيتهم تباغض وتباعد وعناد واشمأزت قريش من كل ذلك، وساءهم ما كانوا يبصرون‏.‏.

وخلال هذه الأيام أهم قريشًا أمر آخر، وذلك …

أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إلا أيام، أو أشهر معدودة حتى قرب موسم الحج، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم، فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب، في شأن محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب فاجتمعو إلى *الوليد بن المغيرة* ،وكان*الوليد* من أفصحِ العرب وأشعرهم، وقد كان قبل ان يجتمع بقريش مَرَّ على النبي في المسجد الحرام وهو يقرأ من سورة غافر، ((حم  تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ  غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير))
وقد سمع قراءة النبي، ففطن له رسول الله (أي انتبه) ؛ فأعاد الآيات التي قرأها، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه؛ فاجتمع إليه نفر منهم، وكان ذا سن فيهم فقال: يا معشر قريش إنهُ قد حضر الموسم، وإن وفود العرب سَتقدُم عليكم، وقد سَمِعوا بأمرِ صاحبكم هذا؛ يعني الرسول صل الله عليه وسلم، فأجمعُوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذِّب بعضكم بعضاً، ويَردُّ قول بعضكم بعضاً، فقالوا: قُل أنت يا أبا شمس، وأقِم لنا رأياً نقوم به. فقال: بل أنتم قولوا أسْمَع، فقالوا: نقول كاهن، فقال: ماهو بكاهن، لقد رأيت الكُهَّان، فما هو بِزَمزَمةِ الكاهن وسَجعهِ؛ فقالوا: نقول مجنون، فقال: ماهو المجنون، لقد رأينا الجُنون وعرفناه، فما هو تَخنُّقهُ، ولا تَخالُجهُ، ولا وسوَستهُ، فقالوا: نقول شاعر، فقال: ماهو بشاعر، قد عرفنا الشِّعر بِرَجزِهِ وقَريضهِ، ومَقبوضهِ ومَبسوطهِ، فما هو بالشعر، قالو: فنقول ساحر، قال: ماهو بساحر، قد رأينا السَّحرةَ وسِحرهم، ما هو بِنَفثهِ ولا عُقَدهِ، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال:” والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً؛ ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن؛ والله إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإنَّ أسفَلهُ لَمُغدِق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه”.

ثم انصرف الوليد إلى منزله، فقالت قريش: صَبأ والله الوليد، وهو رَيحانة قريش، والله لَتصبَأنَّ قريش كلها. فقال أبو جهل: أنا أكفِيكُموه. فانطلق حتى قَعد إلى جنب الوليد حزيناً؛ فقال له الوليد: “مالي أراك حزيناً يا ابن أخي؟” فقال: “وما يَمنعني أنْ أحزن؟ وهذه قريش يَجمعون لك نَفقة يُعينُونكَ على كِبَر سِنّك، ويزعمون أنّك زَيّنَت كلام محمد وإنك تدخل على ابن أبي كَبشة( الرسول)، وابن قُحافة( أبي بكر)، لتنال من فَضلِ طعامهم”، فَغَضب الوليد، وقال: “ألم تَعلم قريش أنّي من أكثرها مالاً وولداً؟ وهل شَبِع مُحمدٌ وأصحابه، ليكون لهم فضل؟”. ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم: “تزعمون أنَّ محمداً مجنون، فهل رأيتموه يَحنقُ قط؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنّه كاهن، فهل رأيتموه تَكَهَّن قط؟ قالوا: اللّهم لا ، قال: تزعمون أنّه كذاب، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟ قالوا لا، فقالت قريش للوليد فما هو؟ فتَفكَّر في نفسه ثمَّ نظرَ وعَبَس، فقال: “ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يُفرِّق بين الرَّجل وأهله، وولده ومَوالِيه، فهو ساحر، وما يقوله سِحرٌ يُؤثر”.

فأنزل الله تعالى في الواليد بن المغيرة ست عشرة آية من سورة المدثر‏ من اية[11_26 ]...
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_السادسة_عشر...

بعد أن اتفق المجلس على هذا القرار، أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره‏..‏

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يتبع الناس في منازلهم وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذى المَجَاز، يدعوهم إلى الله، وأبو لهب وراءه يقول‏:‏ لا تطيعوه، فإنه صابئ كذاب‏.‏

وأدى ذالك بعد انتهت العرب من ذلك الموسم بأن ذاع صيت الرسول الله صل الله عليه وسلم وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها‏.‏..
ولما فرغت قريش من الحج فكرت في أساليب تقضي بها على هذه الدعوة في مهدها‏،‏ فتتلخص هذه الأساليب فيما يلي:-
- السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب والتضحيك‏ ،، وقصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي صلى الله عليه وسلم بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون، ويسمونه بالساحر والكذاب، ‏وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة، وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا‏:‏ هؤلاء جلساؤه...
وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك شيئًا فشيئًا حتى أثر ذلك في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏: ‏97‏]‏، ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق فقال‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ‏}‌‏ [‏الحجر‏:‏ 98- 99‏]‏
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_السابعة_عشر..

وأيضا من الأساليب التي اتبعها كفار قريش للقضاء على الدعوة،إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة‏، وقد أكثروا نت ذلك وتفننوا فيه بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن القرآن‏:‏ ‏{‏أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏: 5‏]‏ يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار،ويقولون‏:‏ ‏{‏بَلِ افْتَرَاهُ‏}‏ [‏الأنبياء‏: ‏5‏] من عند نفسه ويقولون‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ‏} [النحل: 103]‏ وقالوا‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 4‏]‏ أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه‏.‏ ‏{‏وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 5‏]‏

وأحيانًا قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعاني، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة كما يصوغ الشعراء، فهو شاعر وكلامه شعر‏...

وقال الله تعالى ردًّا عليهم‏:‏ ‏{‏وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏: ‏225‏-‏ 226‏]‏ فهذه ثلاث خصائص يتصف بها الشعراء ليست واحدة منها في النبي صلى الله عليه وسلم، فالذين اتبعوه هداة مهتدون، متقون صالحون في دينهم وخلقهم وأعمالهم وتصرفاتهم، وليست عليهم مسحة من الغواية في أي شأن من شئونهم، ثم النبي صلى الله عليه وسلم لا يهيم في كل وادٍ، كما يهيم الشعراء، بل هو يدعو إلى رب واحد، ودين واحد، وصراط واحد، وهو لا يقول إلا ما يفعل، ولا يفعل إلا ما يقول، فأين هو من الشعر والشعراء‏؟‏ وأين الشعر والشعراء منه؟‏

وأحيانا قالوا‏:‏ إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان ..
قال تعالى ردًا عليهم‏:‏ ‏{‏هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ‏}‏ ‏، أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب، وما جرّبتم علىّ كذبًا، وما وجدتم فيَّ فسقًا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطان‏؟‏
 
هكذا كان يرد عليهم بجواب مقنع حول كل شبهة كانوا يثيرونها ضد النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن والإسلام‏.‏

وكان المشركون بجنب إثارة هذه الشبهات يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ودعوة الإسلام بكل طريق يمكن، فكانوا يطردون الناس ويثيرون الشغب والضوضاء، ويتغنون ويلعبون، إذا رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يتهيأ للدعوة، أو إذا رأوه يصلي ويتلو القرآن‏.‏.
حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تلاوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وذلك أيضًا عن طريق المفاجأة، دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلاوة‏.‏

وكان النضر بن الحارث، أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقول‏:‏ أنا و الله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول‏:‏ بماذا محمد أحسن حديثًا مني‏.‏

وفي رواية عن ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً، فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول‏:‏ أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 6‏]‌‏.‏
اكمل إرسال السيرة النبوية ام أعود للمنشورات القديمة ...
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_الثامنة_عشر..

عمل المشركون الأساليب التي ذكرناها لإحباط الدعوة بعد ظهورها ، في بداية السنة الرابعة من النبوة، ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الأساليب، لا يتجاوزونها إلى طريق الاضطهاد والتعذيب، ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية، استشاروا فيما بينهم، فقرروا القيام بتعذيب المسلمين، وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وانقضَّ كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان‏.‏

كان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة، أنَّبه وأخزاه، وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال، والجاه، وإن كان ضعيفًا؛ ضربه وأغرى به‏..‏

وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته‏.‏

ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه منعته الطعام والشراب، وأخرجته من بيته، وكان من أنعم الناس عيشًا، فتَخَشَّفَ جلده تخشف الحية‏.‏

وكان صهيب بن سنان الرومي يُعذَّب حتى يفقد وعيه ولا يدري ما يقول‏.‏

وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلًا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال مكة، ويجرونه حتى كان الحبل يؤثر في عنقه، وهو يقول‏:‏ أحَدٌ أحَدٌ، وكان أمية يـشده شـدًا ثم يضربه بالعصا، و يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، كما كان يكرهه على الجوع‏.‏ وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول‏:‏ لا والله لا تـزال هكـذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك‏:‏ أحد،أحد، ويقـول‏:‏ لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها‏.‏ ومر به أبو بكر يوما وهم يصنعون ذلك به، فاشتراه بغلام أسود، وقيل‏:‏ بسبع أواق أو بخمس من الفضة، وأعتقه‏.‏

وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم، أسلم هو وأبوه وأمه، فكان المشركون ـ وعلى رأسهم أبو جهل ـ يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها‏.‏ ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فقال‏:‏ «‏صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة‏»، فمات ياسر في العذاب، وطعن أبو جهل سمية ـ أم عمار ـ في قُبُلها بحربة فماتت، وهي أول شهيدة في الإسلام، وهي: سمية بنت خياط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة ، وكانت عجوزًا كبيرة ضعيفة‏.‏ وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة، وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى، وبغطِّه في الماء حتى كان يفقد وعيه‏.‏ وقالوا له‏:‏ لا نتركك حتى تسب محمدًا، أو تقول في اللات والعزى خيرًا، فوافقهم على ذلك مكرهًا، وجاء باكيًا معتذرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأنزل الله ‏:‏ ‏{‏مَن كَفَرَ بِالله ِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ‏}‏ [‏النحل‏]

وكان أبو فُكَيْهَةَ ـ واسمة أفلح ـ مولى لبني عبد الدار، فكانوا يخرجونه في نصف النهار في حر شديد، وفي رجليه قيد من حديد، فيجردونه من الثياب، ويبطحونه في الرمضاء، ثم يضعون على ظهره صخرة؛ حتى لا يتحرك، فكان يبقى كذلك؛ حتى لا يعقل، فلم يزل يعذب كذلك حتى هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وكانوا مرة قد ربطوا رجله بحبل، ثم جروه وألقوه في الرمضاء وخنقوه حتى ظنوا أنه قد مات، فمر به أبو بكر فاشتراه وأعتقه لله‏.‏

وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية، وكان حدادًا، فلما أسلم؛ عذبته مولاته بالنار، كانت تأتي بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره أو رأسه؛ ليكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، وكان المشركون أيضًا يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا وَدَكَ ظهره‏.‏

وكانت زِنِّيرَةُ أمَةً رومية قد أسلمت فعُذِّبت في الله، وأصيبت في بصرها حتى عميت، فقيل لها‏:‏ أصابتك اللات والعزى، فقالت‏:‏ لا والله ما أصابتني، وهذا من الله ، وإن شاء كشفه، فأصبحت من الغد وقد رد الله بصرها، فقالت قريش‏:‏ هذا بعض سحر محمد‏.‏

وأسلمت أم عُبَيْس، جارية لبني زهرة، فكان يعذبها المشركون، وبخاصة مولاها الأسود بن عبد يغوث، وكان من أشد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المستهزئين به‏.‏

وأسلمت جارية عمر بن مؤمل من بني عدي، فكان عمر بن الخطاب يعذبها ـ وهو يومئذٍ على الشرك ـ فكان يضربها حتى يفتر، ثم يدعها ويقول‏:‏ والله ما أدعك إلا سآمة، فتقول‏:‏ كذلك يفعل بك ربك‏.‏

وممـن أسلمـن وعـذبن مـن الجـواري‏:‏ النهدية وابنتها، وكانتا لامـرأة من بني عبد الدار‏.‏

وممن عذب من العبيد‏:‏ عامر بن فُهَيْرَة، كان يعذب؛ حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول‏.‏

واشترى أبوبكر رضي الله عنه هؤلاء الإماء والعبيد رضي الله عنهم وعنهن أجمعين، فأعتقهم جميعًا‏...
#يتبع...
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_التاسعة_عشر...‏

أوذي أبو بكر الصديق رضي الله عنه أيضًا‏،، فقد أخذه نوفل بن خويلد العدوي، وأخذ معه طلحة بن عبيد الله فشدهما في حبل واحدٍ، ليمنعهما عن الصلاة، وعن الدِّين فلم يجيباه، فلم يروعاه إلا وهما مطلقان يصليان؛ ولذلك سميا بالقرينين، وقيل‏:‏ إنما فعل ذلك عثمان بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه‏.‏

والحاصل أنهم لم يعلموا بأحد دخل في الإسلام إلا وتصدوا له بالأذى والنكال، وكان ذلك سهلًا ميسورًا بالنسبة لضعفاء المسلمين، ولا سيما العبيد والإماء منهم، فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم، بل كانت السادة والرؤساء هم أنفسهم يقومون بالتعذيب ويغرون الأوباش، ولكن بالنسبة لمن أسلم من الكبار والأشراف كان ذلك صعبًا جدًا؛ إذ كانوا في عزٍّ ومنعة من قومهم، ولذلك قلما كان يجتريء عليهم إلا أشراف قومهم، مع شيء كبير من الحيطة والحذر‏.‏
واما بالنسبة لرسول الله صل الله عليه وسلم، فإنه كان رجلًا شهمًا وقورًا، ذا شخصية فذة، تتعاظمه نفوس الأعداء والأصدقاء، بحيث لا يقابل مثله إلا بالإجلال والتشريف، ولا يجترئ على اقتراف الدنايا والرذائل ضده إلا أراذل الناس وسفهاؤهم، ومع ذلك كان في منعة أبي طالب، وأبو طالب من رجال مكة المعدودين – كان معظمًا في أصله، معظمًا بين الناس، فكان من الصعب أن يجسر أحد على إخفار ذمته واستباحة بيضته -، إن هذا الوضع أقلق قريشًا، وأقامهم وأقعدهم، ودعاهم إلى تفكير سليم يخرجهم من المأزق دون أن يقعوا في محذور، لا يحمد عقباه، وقد هداهم ذلك إلى أن يختاروا سبيل المفاوضات مع المسئول الأكبر‏:‏ أبي طالب، ولكن مع شيء كبير من الحكمة والجدية، ومع نوع من أسلوب التحدي والتهديد الخفي، حتى يذعن لما يقولون‏.‏.

قال ابن إسحاق‏:‏ مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب …

فقالوا‏:‏ يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسَفَّه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولًا رقيقًا وردهم ردًا جميلًا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه‏.‏ ولكن لم تصبر قريش طويلًا حين رأته صل الله عليه وسلم ماضيًا في عمله ودعوته إلى الله، بل أكثرت ذكره وتذامرت فيه، حتى قررت مراجعة أبي طالب بأسلوب أغلظ وأقسى من السابق‏».

وجاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له‏:‏ …

يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين‏.
عَظُم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له‏:‏ يا بن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال‏:‏ ‏«‏يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلك فيه ـ ما تركته‏»‏، ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل، قال له‏:‏ اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشيء أبدًا ...
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_العشرون

ولما رأت قريش أن رسول الله صل الله عليه وسلم ماض في عمله ، عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صل الله عليه وسلم، وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك، فذهبوا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة، وقالوا له‏:‏ يا أبا طالب، إن هذا الفتى أنْهَدَ فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا فهو لك، وأسْلِمْ إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال‏:‏ والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه‏؟‏ هذا والله ما لا يكون أبدا‏، فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف‏:‏ والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا، فقال‏:‏ والله ما أنصفتموني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي، فاصنع ما بدا لك‏.‏
ولما فشلت قريش في هذه المفاوضات، ولم توفق في إقناع أبي طالب بمنع رسول الله صل الله عليه وسلم، وكفه عن الدعوة إلى الله، قررت أن تختار سبيلاً قد حاولت تجنبه والابتعاد منه مخافة مغبته وما يؤول إليه، وهو سبيل الاعتداء على ذات الرسول صل الله عليه وسلم‏ .‏.
و كان أبو لهب في مقدمتهم وعلى رأسهم،فإنه كان أحد رؤوس بني هاشم، فلم يكن يخشى ما يخشاه الآخرون،وكان عدوا لدودا للإسلام وأهله، وقد وقف موقف العداء من رسول الله صل الله عليه وسلم منذ اليوم الأول،واعتدى عليه قبل أن تفكر فيه قريش، وقد أسلفنا ما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس بني هاشم، وما فعل على الصفا‏.‏
وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتي رسول الله صل الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما‏.‏..
دقيقتين_من_سيرة_المصطفى*
#الحلقة_الواحد_والعشرون

لما مات عبد الله الابن الثاني لرسول الله صل الله عليه وسلم ، استبشر أبو لهب وذهب إلى المشركين يبشرهم بأن محمدًا صار أبتر‏.‏
وقد أسلفنا أن أبا لهب كان يجول خلف النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج والأسواق؛ لتكذيبه، وقد روى طارق بن عبد الله المحاربي ما يفيد أنه كان لا يقتصر على التكذيب بل كان يضربه بالحجر حتى يدمي عقباه‏.‏
وكانت امرأة أبي لهب ـ أم جميل أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان ـ لا تقلَّ عن زوجها في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تحمل الشوك، وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ليلًا، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب‏.
ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن، أتت رسول الله صل الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق وفي يدها فِهْرٌ ‏- ‏أي بمقدار ملء الكف‏ -‏ من حجارة، فلما وقفت عليهما، أخذ الله ببصرها عن رسول الله صل الله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت‏:‏ يا أبا بكر، أين صاحبك‏؟‏ قد بلغنى أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة‏.‏ ثم قالت‏:

مُذَمَّما عصينا * وأمره أبينا * ودينه قَلَيْنا

ثم انصرفت، فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله، أما تراها رأتك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏«‏ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عني‌‌‏».‏

كان أبو لهب يفعل كل ذلك وهو عم رسول الله صل الله عليه وسلم وجاره، كان بيته ملصقا ببيته، كما كان غيره من جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذونه وهو في بيته‏.‏
فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صل الله عليه وسلم حجرًا؛ ليستتر به منهم إذا صلى، فكان رسول عليه الصلاة والسلام إذا طرحوا عليه ذلك الأذى، يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول‏:‏ ‏«‏يا بني عبد مناف، أي جوار هذا‏؟»‏ ثم يلقيه في الطريق»‏.‏
وازداد عقبة بن أبي مُعَيْط في شقاوته وخبثه، فقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏:‏أن النبي صل الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس ،إذ قال بعضهم لبعض‏:‏ أيكم يجيء بسَلاَ جَزُور بني فلان، فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم – ‏وهو عقبة بن أبي معيط‏ -،‏ فجاء به فنظر، حتى إذا سجد النبي، وضع على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر، لا أغني شيئًا، لو كانت لي منعة، قال‏:‏ فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم ‏- ‏أي يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا -‏ ورسول عليه الصلاة وسلام ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال‏:‏ ‏«‏اللهم عليك بقريش‏» ثلاث مرات، فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، قال‏:‏ وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى‏:‏ ‏«‏اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط‏»‏ ـ وعد السابع فلم نحفظه ـ فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القَلِيب، قليب بدر‏.
وكان أمية بن خلف إذا رأى رسول الله صل الله عليه وسلم همزه ولمزه‏.‏ وفيه نزل‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ‏}‏ ‏[‏الهمزة‏:‏ 1]‏.
قال ابن هشام‏:‏ الهمزة‏:‏ الذي يشتم الرجل علانية، ويكسر عينيه، ويغمز به‏.‏ واللمزة‏:‏ الذي يعيب الناس سرًا، ويؤذيهم‏.‏
صباح الخير جميعاً...
Welcome back💙..
دائما وبلحظة يجتاحك شعور غامض فجئة بدون سابق إنذار مزيج من الحنين للماضي وخوف من المستقبل وكره للحاضر تشعر بتيهان مش فاهم ايش هدفك بالحياة فجئة توقف كل خططك بنص وتجلس بزاوية وتنعزل عن الجميع ..
صباح الخير أولا ..
أنتِ جميلة ثانياً..
لاتنسي أن تبتسمي 💙...
أليف الروح ملفت ولو كان لين الحشود💜...
دراستكِ صعبة و تشعرين بثقل الأيام ، النجاح لا يأتي بسهولة لكنه يستحق التعب ؛ حان وقت العطاء لجني الثمار قريباً ، دراستكِ تستحق لا تدعي أيامكِ تمر هباءاً 💙...
الله الذي لايعجزة شيء في السماوات كلها، لن يعجزة الرجاء الصغير الذي تخبئه في قلبك 💙..
كالورد نحن على قدر الاهتمام نزهر💛...
2024/10/07 10:30:15
Back to Top
HTML Embed Code: