Telegram Web Link
وَخَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السّلام يَوْمَ الْفِطْرِ فَقَالَ:
(( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا يَوْمٌ‏ يُثَابُ‏ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ وَيَخْسرُ فِيهِ الْمُسِيئُونَ ، وَهُوَ أَشْبَهُ يَوْمٍ بِيَوْمِ قِيَامَتِكُمْ ، فَاذْكُرُوا بِخُرُوجِكُمْ مِنْ مَنَازِلِكُمْ إِلَى مُصَلَّاكُمْ خُرُوجَكُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَاذْكُرُوا بِوُقُوفِكُمْ فِي مُصَلَّاكُمْ وُقُوفَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكُمْ ، وَاذْكُرُوا بِرُجُوعِكُمْ إِلَى مَنَازِلِكُمْ رُجُوعَكُمْ إِلَى مَنَازِلِكُمْ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ ..
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ أَدْنَى مَا لِلصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ أَنْ يُنَادِيَهُمْ مَلَكٌ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَبْشِرُوا عِبَادَ اللَّهِ فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَكُونُونَ فِيمَا تَسْتَأْنِفُون )) .

📒:الأمالي
اليوم سماحته (دام وجوده)
🟦 فَلْسَفةُ العيدِ .. بَيْنَ المَوْهِبةِ الإلهيّةِ .. ومَظاهِرِ الفَرَحِ الشّعبِي والإجْتِماعِي العام

_______

يبدو أن لفظ ( عيد ) أصلٌ لغوي مستقلّ يدلّ على معنى خاص مرتبط بتحقق شيء يحصل عليه الإنسان في حياته ويسبّب له فرحاً .. وليس مشتقاً من ( العَوْد ) كما يذهب إليه أغلب علماء اللغة .. ويظهر عند مراجعة مناسبات الأعياد في التاريخ البشري أنّ يوم العيد يأتي غالباً مقترناً بعَطِيّة أو موهبة ناتجة من حدث كوني .. وهذه الموهبة هي السبب الحقيقي لتمييز يوم العيد عن باقي الأيام والمناسبات .. وهي التي تمثّل ( روح ) العيد ( وجوهره ) .. وبسبب الحصول على هذه الموهبة تتحقق السعادة والفرح والبهجة في يوم العيد عند الناس ..

يتبع⬅️
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
بعبارة أخرى : إن الفرح والسعادة في يوم العيد ليس أمراً ذاتياً مستقلاًّ وإنما هو أمر عارض ومترتب على تحقّقِ شيء آخرٍ قبله وهو العطية والموهبة التي ينالها الناس في ذلك اليوم .. وهذا هو المعنى الذي يستحقّ التركيز والمتابعة في بحث فلسفة العيد .
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
لنأخذ مثلاً عيد ( أكيتو ) وهو عيد رأس السنة في الحضارتين السومرية والبابلية وهو من أقدم الأعياد التي عرفها التاريخ البشري .. فنجد أن وقته هو بداية فصل الربيع وهو الموسم الذي ينبت فيه البذر وتورق الأشجار وتتفتح الأزهار وتنبعث فيه الحياة من جديد ويظهر جمال الطبيعة والخصوبة بعد فصل الشتاء حيث البرد القارس .. وهو موسم الحصاد عند السومريين ..

يتبع⬅️
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
أما عند البابليين فهو مناسبة دينية مهمة ينتصر فيها الإله ( مردوخ ) .
إذن هناك موهبة تكوينية حصل عليها العالم الأرضي بحلول هذا اليوم ولها تأثير مصيري ومباشر في ديمومة حياة الناس وبقاء سبُل معيشتهم المرتبطة بالطبيعة والكَوْن الذي يحيط بهم وجودياً .. وهذا هو السبب الحقيقي الذي يدفعهم نحو الفرح والإحتفال والبهجة .. إذ لامعنى لحصول الفرح والسعادة بدون سبب !! كما أنه لامعنى لحصول الحزن بدون سبب !!

يتبع⬅️
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
ومن المعلوم أنّ أهم الأعياد في الحياة البشرية وأكثرها تأثيراً هي الأعياد الدينية التي تكتسب طابع القداسة بسبب إرتباطها بعالم غيبي وتأثيرها النفسي والإجتماعي العميق في حياة الناس المؤمنين بها بغض النظر عن نوع الآلهة التي تنتسب إليها .. ومن المعلوم أن جميع الديانات السماوية الكبرى ( الإسلام واليهودية والمسيحية ) لها أعيادها ومناسباتها المقدّسة الخاصّة . ومن المعلوم أنّ أهم الأعياد في الحياة البشرية وأكثرها تأثيراً هي الأعياد الدينية التي تكتسب طابع القداسة بسبب إرتباطها بعالم غيبي وتأثيرها النفسي والإجتماعي العميق في حياة الناس المؤمنين بها بغض النظر عن نوع الآلهة التي تنتسب إليها .. ومن المعلوم أن جميع الديانات السماوية الكبرى ( الإسلام واليهودية والمسيحية ) لها أعيادها ومناسباتها المقدّسة الخاصّة .

يتبع⬅️
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
ولو أخذنا الأعياد الدينية في الإسلام كمثال آخر نجد أنها جميعاً ترتبط بمواهب وعطايا إلهية لها تأثير مباشر في مسيرة الإنسان الوجودية وتكامله الدنيوي والأخروي وقربه من الله عزّوجلّ .. كعيد الفطر الذي يأتي بعد شهر الصيام وتتحقق فيه المغفرة والعتق من النار ونورانية القلب وصفاء الروح بعد شهر كامل في الضيافة الإلهية ومحاربة النفس ومخالفة الشهوات والأهواء ! وكعيد الأضحى الذي يأتي بعد الوقوف بعرفات وأداء الشعائر الإلهية في منى ثم رجم الشيطان .. وحصول الإنسان الحاج على المغفرة والتوبة والطهارة من الذنوب والآثام بعد دورة التوحيد التي يقضيها في مناسك الحجّ .. وكَعِيدَيْ المولد والمبعث النبوي المُباركَيْن .. فإنهما يمثّلان أكبر العطايا والمواهب الإلهية في عالم الدنيا وذلك بمولد النبيّ الخاتم صلى الله عليه وآله وإشراق نور رسالة الله الخاتمة بمبعثه المبارك .. وكعيد الغدير الذي يعدّ من الأعياد الإلهية الكبرى بسبب تحقق نعمة الولاية الإلهية التي تحفظ الرسالة الخاتمة من الضياع والإنحراف ..

يتبع⬅️
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
فهذه أعياد حقيقية إقترنت جميعاً بنزول موهبة إلهية من العالم الأعلى يحصل فيها الإنسان على الكمال الذي يقرّبه من الله عزّوجلّ ويحفظ مسار حركته الوجودية في الخروج من الظلمات الى النور .. وبذلك يتحقّق فرحه وسعادته الحقيقية حسب الموهبة الإلهية التي ينالها بهذه المناسبة .. وليس هو الفرح الشهوي الناشيء من التمتّع والإنغمار في الأهواء والملذّات الفانية !
ومن هنا نجد أنّ كلمة ( عيد ) جاءت مرّة واحدة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيّ الله عيسى عليه السلام ودلّتْ على موهبة نازلة من السماء ..
قال تعالى : (( قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ..))
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
وهذا يعني أنّ نزول المائدة السماوية هو الذي سمّاه عيسى عليه السلام ( عيداً ) وأن هذا العيد سيكون لأوّلنا وآخرنا .. أي أنّ عطايا ومواهب هذه المائدة السماوية سوف تشمل كل الأجيال اللاحقة وبذلك تكون عيداً لهم أيضاً .
فالعيد بمعناه الدقيق في حياة الإنسان والذي يستدعي الفرح الحقيقي هو أن ينال الإنسان شيئاً من الله ... أن يشمله العطاء الإلهي بنعمة خاصّة تتنزّل عليه من الملكوت الأعلى .. وبتعبير أبسط : أن يحصل على ( عيدية إلهية ) ! وبتعبير قرآني : أن تنزل عليه مائدة سماوية خاصّة تناسب حاله وترفع جوعه وعطشه الوجودي أو تسدّ نقصه وفقره المادّي أو المعنوي ! وبالتالي يمكن القول : أن أصل الأعياد ووجودها في الحياة البشرية يعود الى منشأ ديني أو تكويني وإن توسّع بعد ذلك ليشمل مناسبات وطنية أو شعبية أخرى .
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
وفي ضوء هذا المعنى يمكن التوسّع في مفهوم العيد ومعناه ليشمل كل كمال يناله الإنسان المؤمن من الله سبحانه بغض النظر عن الزمان والمكان الذي يحصل فيه ذلك وبالتالي سوف يكون المؤمن - السائر في صراط الطاعة والتكامل - في عيد مستمر وسعادة دائمة بسبب المواهب الإلهية النازلة عليه !
2024/11/20 11:38:25
Back to Top
HTML Embed Code: