Telegram Web Link
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
وفي يوم من الأيام حرّضني الانبهار لاكتشاف هذا الأمر فسألته عنه، فقلت له: سيدي، إنّ هذه الكتب التي أراها لا تقوى على إثراء أحد من العلماء للإجابة على كل هذه الأسئلة المعقّدة والمتنوّعة ، فكيف يتسنّى لكم الإجابة على كل هذه الأسئلة المختلفة في موضوعاتها ومستوياتها، والتي بعضها لا يخطر على بال؟

فقال: وأنا أعجب من ذلك في بعض الأحيان ، فحينما يبدأ السائل بسؤاله قد لا يحضرني الجواب حتى اللحظات الأخيرة من سؤاله، ولكن ما أن ينتهي حتى يحضر الجواب أمامي وكأني قد أعددته قبل ذلك.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
================

كان السيد الشهيد ـ وكما سمعت منه ـ يقتطف أكثر من عشرين ساعة من الليل والنهار للتحصيل العلمي، وكان يقسمها بين المطالعة والكتابة والتفكير، ولعل التفكير كان يأخذ أكثرها ، وقد يكون هذا أحد أسباب الابداع في نتاجاته العلميّة، وما يرى فيها من تميّز ظاهر. فهو لم يجعل نفسه وعاءا لأفكار الاخرين يستنسخها في ذاكرته فقط، بل يمحّص كل شيء بموضوعيّة ودقّة منقطعة النظير، فما هو حق منها يستدل له، وما هو باطل يستدل عليه، وهكذا.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
================

كان السيد الشهيد ينقطع عن العالم من حوله بشكل كامل، وهي حالة ليس من السهل لكل أحد أن يربي نفسه عليها، وابتعد عن كل ما من شأنه شغل وقته بما في ذلك الحياة الزوجيّة، فلم يتزوّج إلا بعد أن وصل إلى أعلى مراتب الاجتهاد، وحتّى بعد هذه المرحلة ظل على نفس المنهج تقريبا.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
================

لم أعهد السيد الشهيد يخلد إلى النوم حتى في أشدّ أيّام الصيف حرارة، فكان حتّى في هذا الوقت لا يفارق كتبه، وقد قارب الخمسين من عمره، وفي وقت كان فيه الشاب القويّ النشط لا يستطيع مقاومة إغراء النوم في تلك الفترة.

نعم، في العام الأخير من عمره الشريف وبعد أن ضعفت قواه كان يستلقي على فراشه أقل من ساعة وكان يقول لي: إذا رآني نائما:
(لم أعوّد نفسي على النوم لأن العمر قصير،فلم تعود نفسك على ذلك وأنت لازلت شابا.)
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
===============

من العجيب أن السيد الشهيد يتصل بجده الإمام موسى بن جعفر أما بمجتهد أو عالم فاضل ، فكل رجال هذه الاسرة علماء أفاضل أو مراجع كبار . وهي ميزة فريدة قلما تتوفر لأسرة من الاسر.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
===============

من الغريب ما سمعته من السيد الشهيد من أنّ حرارة جسمه الطبيعيّ كانت أكثر من الطبيعي بنصف درجة أيام شبابه، وكان المصور أن سبب ذلك حالة مرضيّة مجهولة، إلا أن الفحوصات أثبتت سلامته من أي مرض، وفسر الطبيب ذلك بأن الزيادة عبارة عن طاقة إضافية في جسمه، وبمرور الزمن وكلّما تقدّم العمر كانت الزيادة في درجة الحرارة تنخفض حتى أصبحت في السنوات الاخيرة من عمره الشريف بالمستوى الطبيعي
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
إن السيد الشهيد (رضوان الله عليه) حينما بلغ العاشرة أو الحادية عشرة من العمر وجد نفسه ـ داخل الاسرة ـ بين نزعتين متخالفتين تتجاذبانه نحو منحيين متغايرين في التخطيط لمستقبله ، فمن جانب كانت والدته تحثه على الدراسة في الحوزة واختيار حياة الطلبة ، ومن جانب آخر كان المرحوم السيد محمد الصدر يرغبه في مستقبل يضمن فيه سعادة دنياه والعيش في رفاه ودعة بعيدا عن حياة الحوزة وما يكتنفها من فقر وفاقة.

أما السيد الشهيد فقد وقف موقفا عمليا حسم به ذلك التجاذب وأشعر تلك الأطراف التي تقاطعت رغباتها بمستقبله بواقع ما يطمح إليه، فقد أضرب تقريبا عن الطعام من دون إعلان، واكتفى من الطعام بقطعة صغيرة من الخبز يسد بها رمقه طوال الليل والنهار.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
بعد أيام أحس الجميع ـ بالإضراب الهادئ فسألوه عن السبب فقال:

( إن الذي يستطيع أن يعيش على قطعة صغيرة من الخبز أياما عديدة لهو قادر على أن يستمر إلى آخر العمر كذلك ، فأنا لا أخشى من الفقر ولا أخاف من الجوع) .
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
واستطاع ان يقنع الجميع بصوب رأيه بالالتحاق بالحوزة العلمية والانخراط في صفوف ورثة الأنبياء رغم ما قد يواجهه من صعوبة الحياة وجدب العيش فيها ، وأثبت أن إرادته في اختيار هذا الطريق إرادة لا يزعزعها شيء.

وقد حدثني (رضوان الله عليه) عن هذه المرحلة من حياته فقال:

(إن المرحوم السيد محمد الصدر رئيس وزراء العراق آنذاك ـ كان يصطحبني معه إلى مزرعته خارج بغداد على ظهر جواد له، فكان يمنّيني بمنصب كبير في الدولة وبحياة ناعمة مرفهة إن أنا واصلت دراستي في المدارس الحكوميّة، فقلت له : إن حياة الحوزة والدراسة فيها هي خياري الوحيد، وإن قناعتي في ذلك تامة رغم حاجتي للمال.)

================
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
===============

لا أنسى عصر ذلك اليوم وقد جلسنا معاً على سطح الدار ، وقبّة حرم أمير المؤمنين عليه السلام تلوح أمامنا ، وقد أدّينا الزيارة والسلام ، وكانت هذه عادته في كلّ يوم ، عندها جمعت قواي ، وشددت همّتي ، وتجرّأت إلى حدٍ كبير ، فطلبت من سماحته أي يحقّق هذه الامنية.

قلت لسماحته : إنّني أشعر بضرورة وأهمّية أن تقوموا بترجمة لحياتكم فأنتم أقدر على هذه المهمّة بالمستوى الذي يشبع طموح أبناء الأمّة وعلمائها ومفكّريها.

إذ لا يمكن لأحدٍ غيرك أن يستوعب جميع جوانب حياتكم ، ويكتب عنها ، وخصوصاً المعانات الكبيرة التي عشتموها في مسيرتكم الجهاديّة منذ بدايتها وحتى هذه الساعة ، وقد لا يصدّق الناس حجم المحنة وعظم المعانات إن كتبها أحد سواكم . وذكرت له بعض الشواهد والنماذج ممّا يصعب تصديقه أو وقوعه.
2024/09/30 05:18:06
Back to Top
HTML Embed Code: