Telegram Web Link
-مقتطفات من المذكرات-

الشيخ محمد رضا النعماني:

كنت أنظر إلى مكتبته الخاصّة فتتعمّق حيرتي وتزداد دهشتي: لأنها مكتبة متواضعة، صغيرة ومحدودة لا تتناسب مع مستوى صاحبها، حتّى كان يستعين في بعض الأحيان بمكتبة قريبة من بيته هي مكتبة الحسينيّة الشوشتريّة لمراجعة بعض المصادر فيها: لأن مكتبته فقيرة لمعظم المصادر الكبيرة والمهمة.

فإذن كيف استطاع أن يمتلك كل هذا الرصيد العلمي الهائل، والمعرفة الشاملة وهو لا يمتلك ما يمكن أن نعتبره ـ الرصيد المادّي للمعرفة ـ المتمثّل بالكتاب.

حدثتني الشهيدة بنت الهدى (رضي الله عنه) فقالت:

(كنت مع أخي في تلك الفترة نجمع ما نحصل عليه من مال قليل، فيشتري السيد به كتابا فنطالعه ونستوعبه، ثم يبيع الكتاب ليشتري بثمنه كتابا آخر، وهكذا استمر الحال بعد هجرتنا إلى النجف الأشرف).
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
================

قد حدّثني والدة السيد الشهيد بهذه القضيّة العجيبة:

كان السيد الشهيد في بداية حياته العلميّة مواظبا على الذهاب في كل يوم إلى حرم الإمام أمير المؤمنين علي فكان يؤدي الزيارة والصلاة ثم يجلس يفكر بالمسائل العلمية المعقّدة، مستلهما من باب مدينة العلم حلّها ، وكان يقول: ما استعصى علي حل لمسألة في حرم أمير المؤمنين.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
وقد انقطع السيد الشهيد عن الذهاب إلى الحرم الشريف فترة من الزمن، ولم يكن أحد يعلم لذلك كلّه إلى أن أنكشف هذا الأمر رجل كان خادما لوالد السيد الشهيد ثم بعد وفاته بقي على خدمته وعلمه متبرعا بذلك، فقد رأى في عالم الرؤيا أمير المؤمنين فقال له : قل لولدي السيد محمد باقر الصدر لماذا انقطعت عن حضور درسنا).

وحينما استيقظ من النوم أخبر بما رأي، وقص ذلك للسيد الشهيد. وهنا كشف عما كان قد اعتاده من الجلوس خلف الضريح والتفكير بالمسائل العلميّة هناك. وعاد إلى ما كان عليه واستمر عليه حتى آخر يوم قبل احتجازه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
وفي يوم من الأيام حرّضني الانبهار لاكتشاف هذا الأمر فسألته عنه، فقلت له: سيدي، إنّ هذه الكتب التي أراها لا تقوى على إثراء أحد من العلماء للإجابة على كل هذه الأسئلة المعقّدة والمتنوّعة ، فكيف يتسنّى لكم الإجابة على كل هذه الأسئلة المختلفة في موضوعاتها ومستوياتها، والتي بعضها لا يخطر على بال؟

فقال: وأنا أعجب من ذلك في بعض الأحيان ، فحينما يبدأ السائل بسؤاله قد لا يحضرني الجواب حتى اللحظات الأخيرة من سؤاله، ولكن ما أن ينتهي حتى يحضر الجواب أمامي وكأني قد أعددته قبل ذلك.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
================

كان السيد الشهيد ـ وكما سمعت منه ـ يقتطف أكثر من عشرين ساعة من الليل والنهار للتحصيل العلمي، وكان يقسمها بين المطالعة والكتابة والتفكير، ولعل التفكير كان يأخذ أكثرها ، وقد يكون هذا أحد أسباب الابداع في نتاجاته العلميّة، وما يرى فيها من تميّز ظاهر. فهو لم يجعل نفسه وعاءا لأفكار الاخرين يستنسخها في ذاكرته فقط، بل يمحّص كل شيء بموضوعيّة ودقّة منقطعة النظير، فما هو حق منها يستدل له، وما هو باطل يستدل عليه، وهكذا.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
================

كان السيد الشهيد ينقطع عن العالم من حوله بشكل كامل، وهي حالة ليس من السهل لكل أحد أن يربي نفسه عليها، وابتعد عن كل ما من شأنه شغل وقته بما في ذلك الحياة الزوجيّة، فلم يتزوّج إلا بعد أن وصل إلى أعلى مراتب الاجتهاد، وحتّى بعد هذه المرحلة ظل على نفس المنهج تقريبا.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
================

لم أعهد السيد الشهيد يخلد إلى النوم حتى في أشدّ أيّام الصيف حرارة، فكان حتّى في هذا الوقت لا يفارق كتبه، وقد قارب الخمسين من عمره، وفي وقت كان فيه الشاب القويّ النشط لا يستطيع مقاومة إغراء النوم في تلك الفترة.

نعم، في العام الأخير من عمره الشريف وبعد أن ضعفت قواه كان يستلقي على فراشه أقل من ساعة وكان يقول لي: إذا رآني نائما:
(لم أعوّد نفسي على النوم لأن العمر قصير،فلم تعود نفسك على ذلك وأنت لازلت شابا.)
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
===============

من العجيب أن السيد الشهيد يتصل بجده الإمام موسى بن جعفر أما بمجتهد أو عالم فاضل ، فكل رجال هذه الاسرة علماء أفاضل أو مراجع كبار . وهي ميزة فريدة قلما تتوفر لأسرة من الاسر.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
===============

من الغريب ما سمعته من السيد الشهيد من أنّ حرارة جسمه الطبيعيّ كانت أكثر من الطبيعي بنصف درجة أيام شبابه، وكان المصور أن سبب ذلك حالة مرضيّة مجهولة، إلا أن الفحوصات أثبتت سلامته من أي مرض، وفسر الطبيب ذلك بأن الزيادة عبارة عن طاقة إضافية في جسمه، وبمرور الزمن وكلّما تقدّم العمر كانت الزيادة في درجة الحرارة تنخفض حتى أصبحت في السنوات الاخيرة من عمره الشريف بالمستوى الطبيعي
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
إن السيد الشهيد (رضوان الله عليه) حينما بلغ العاشرة أو الحادية عشرة من العمر وجد نفسه ـ داخل الاسرة ـ بين نزعتين متخالفتين تتجاذبانه نحو منحيين متغايرين في التخطيط لمستقبله ، فمن جانب كانت والدته تحثه على الدراسة في الحوزة واختيار حياة الطلبة ، ومن جانب آخر كان المرحوم السيد محمد الصدر يرغبه في مستقبل يضمن فيه سعادة دنياه والعيش في رفاه ودعة بعيدا عن حياة الحوزة وما يكتنفها من فقر وفاقة.

أما السيد الشهيد فقد وقف موقفا عمليا حسم به ذلك التجاذب وأشعر تلك الأطراف التي تقاطعت رغباتها بمستقبله بواقع ما يطمح إليه، فقد أضرب تقريبا عن الطعام من دون إعلان، واكتفى من الطعام بقطعة صغيرة من الخبز يسد بها رمقه طوال الليل والنهار.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2024/11/20 08:48:33
Back to Top
HTML Embed Code: