«آخِـرُ العِلمِ لـذيذٌ طـعمُـهُ •• وبَدْءُ الذَّوقِ منهُ كَالصَّبرِ».
قال الإمام أبو يوسف: «طلبنا هذا العلم وطلبه معنا من لا نحصيه كثرةً، فما انتفع به منا إلا من دبغ البُن قلبه، وذلك أن أبا العباس لما أفضي إليه الأمر بَعث إلى المدينة فأقدَم عليه عامة من كان فيها من أهل العلم، فكان أهلنا يعدون لنا خُبزا يلطخونه لنا بالبُن، فنعدوا في طلب العلم ثم نرجع إلى ذلك فنأكله، فأما من كان ينتظر أن تصنع له هريسة أو عصيدة فكان ذلك يشغله حتى يفوته كل ما كنا نحن ندركه».
«عجبت لمن تَرك الأصول وطلب الفصول».

أبو عبيد القاسم بن سلام.
«وقد جربت على نفسي مرارًا أن أحصرها في بيت العزلة، فتجتمع هي، ويضاف إلى ذلك النظر في سير السلف، فأرى العزلة حميةً، والنظر في سير القوم دواء، واستعمال الدواء مع الحمية عن التخليط نافع؛ فإذا فسحت لنفسي في مجالسة الناس ولقائهم، تشتت القلب المجتمع، ووقع الذهول عما كنت أراعيه، وانتقش في القلب ما قد رأته العين، وفي الضمير ما تسمعه الأذن، وفي النفس ما تطمع في تحصيله من الدنيا، وإذا جمهور المخالطين أرباب غفلة، والطبع بمجالستهم يسرق من طباعهم، فإذا عدت أطلب القلب، لم أجده، وأروم ذاك الحضور فأفقده، فيبقى فؤادي في غمار ذلك اللقاء للناس أيامًا، حتى يسلو الهوى».

ابن الجوزي.
من الصحابة الذين ينبغي أن تُتأمل وصاياهم ويُفتَّش في كلامهم ومقاصدهم به: أبو الدرداء رضي الله عنه، فقد كان طويل الفكرة حَسن الإبانة، وجدير بمن هو كذلك أن تجد مضامين الوحي في طيَّات كلامه، ونور الحكمة في أحواله.

سُئلت أم الدرداء: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت: «التفكر والاعتبار».

وقال رضي الله عنه: «تفكر ساعة خير من قيام ليلة».
«الكتابة نفسها لا تستهويني، بل كثيرا ما أجدني أنفر منها نفورا، وإذا دُفعت إليها فكأنما أحمل نفسي على مركب صعب، وبِلأْيٍ ما يسلس قيادها. ولكني شفغت بالقراءة، فهي الهم والهوى، وغرضي منها الفائدة والمتعة لا غير. بيد أن هذا التراث العظيم الذي آل إلينا أمانة ثقيلة تنوء بالعصبة أولي القوة، ولا يمكن أداؤها على الوجه المطلوب إلا إذا تظاهرت عليه جهود المحقق القدير والناقد البصير، بل يجب على كل قارئ لكتاب من كتب التراث، إذا فتح الله عليه بشيء مما غاب عن ناشره أن ينبهه عليه».

المحقق الناقد محمد أجمل الإصلاحي حفظه الله.
من الأمور الملاحظة عند أئمة الإصلاح في القرون المتأخرة: اهتمامهم بتعليم الأطفال، وتصنيف الكتب المفيدة لهم، مع تمكُّن هؤلاء العلماء في كثير من العلوم وسَبقهم فيها، لكن هذا لم يمنعهم من سَقي هذه البذرة الطيبة التي تُثمر عما قريب.
من أدل الدلائل على سلامة عِلم المرء من الهوى: حِلمه وتواضعه وحُسن خُلقه، وهذا مما يُستدل به على نوايا المنتسبين للعلم ومعرفة ما في نفوسهم من إخلاصٍ أو هوى ولو بطريق الاحتمال.

وقد ينقلب الأمر عند بعض المنتسبين للعلم، فيصير ما يُمتدح به مذَمَّة، وما يُذم به مِدحة .. وذاك حين تفسد نفوس حامليه، ويغزو الهوى قلوبهم.

في ترجمة المحقق الناقد محمد أجمل الإصلاحي حفظه الله لأستاذه فانيا مبادي عبدالرحيم رحمه الله، يقول:
«هو عالم واسع الاطلاع طويل الباع في اللغة العربية، وعارف بعشر لغات أخرى بين إجادة وإلمام، ومتخصّص في فقه اللغة، ومتعمّق في علم الأصوات. ومع هذا العلم الوافر والفضل الظاهر تراه خفيف الظلّ سهل الخليقة، جمّ التواضع، يكاد حسن أدبه يغرُّ كثيرًا من الناس عن علمه، بعدما صار العلم في زماننا تشدّقًا وتفيهقًا وفخفخة وجعجعة بلا طحن».
‏[إذا ظهرَ الشيءُ الظَّريفُ المستَحسَنُ مما يُحدِثُه الناسُ من الأمتعة، كان نفيسًا عزيزًا ما دام فيه قِلَّةٌ وهو مرغوبٌ فيه، فإذا فشا وكثُر في أيدي النَّاس وقَدَرَ عليه الخاصُّ والعامُّ سقط عندهم وقلَّت رغباتُهم فيه، ومن هذا قولُ القائل: «نفاسةُ الشيء مِنْ عِزَّتِه».
ولهذا كان أزهدَ النَّاس في العالِم أهلُه وجيرانُه، وأرغبَهم فيه البُعداءُ عنه].

ابن القيم.
قال ابن المبارك: سمعت مالك بن أنس يقول: «لا يصلح الرجل حتى يترك ما لا يعنيه، فإذا كان كذلك أوشك أن يفتح الله في قلبه».
«لا تُمكِّن الناس من نفسك، واذهب حيث شئت».

الإمام مالك.
Forwarded from أصيل الحِجا
بقصدٍ وبغير قصد، فإن أغلب الدعاة الشباب المشهورين بمقاطع الوعظ وبودكاست المواضيع الدينية وحل المشاكل الاجتماعية التي تواجه الشباب، هؤلاء الدعاة فيهم ميوعة كافية لمنعهم من تأهل هذه المواطن، وكما أسلفت فإنها سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة فالنظر هُنا إلى مآلها -خاصة مع النساء-، غير أنهم يتطرقون إلى تفاصيل هي السفاسف ويماحكون فيها، وهذا يؤثر في نفوس المستمع ويلفت نظره إلى هذه السفاسف وينصب عليها أُسس دينه!
والحقيقة أن ما يحتاجه المؤمن العادي من الوعظ هو أيسر من ذلك وأوجَز، حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخوَّل أصحابه بالموعظة، لا يطيل عليهم ولا يُكثر، لكن كان دائم التذكير لهم بأصول الدين والأخلاق، وهذه هي التي إذا أحكمها المرء استغني عن الدخول في كثير من التفاصيل.
«وقد كان جماعة من السلف يرون تخليط القصاص، فينهون عن الحضور عندهم، وهذا على الإطلاق لا يحسن اليوم؛ لأنه كان الناس في ذلك الزمان متشاغلين بالعلم، فرأوا حضور القصص صادًّا لهم، واليوم كثر الإعراض عن العلم، فأنفع ما للعامي مجلسُ الوعظ، يردُّه عن ذنب، ويحركه إلى توبة، وإنما الخلل في القاصِّ، فليتق الله عز وجل».

ابن الجوزي.
مبارك عليكم الشهر الكريم
الحمد لله الذي بلغنا رمضان، اللهم اجعلنا من أهل طاعتك، وارزقنا فيه الهمة، وأحسن نيتنا وعملنا وتقبله منا يا رب العالمين.
«ومجيءُ الكلمة في موضع أو ألف موضع أو أكثر مجازًا بقرينته لا يُسوِّغ حملَها على المجاز حيث لا قرينة. وهذه كلمة "أسد" كثُر جدًّا استعمالُها في الرجل الشجاع مع القرينة، حتى لقد يكون ذلك أكثر من استعمالها في معناها الحقيقي، ومع ذلك لا يقول عاقل: إنه يُسَوِّغ حملَها على المجاز حيث لا قرينة. وهذا أصل قطعي ينبغي استحضاره، فقد كثُر تغافلُ المتأولين عنه تلبيسًا على الناس».

المعلمي اليماني رحمه الله
قال حفص بن غياث: «ما زال الحسن البصري يعي الحكمة حتى نَطق بها».
لا شيء أذهب لهموم الدنيا من علوِّ همة المرء بالدِّين، وشُغل نفسه بعظائم الأمور، فإن تخلية النفس من همٍّ عظيم يجعلها تنشغل بالسفاسف وتتبُّع التوافه ويُسرع إليها بالضجر والملل، والهمُّ بالأمر العظيم من أمور الدين يمحو غيره من الهموم، فلا تلتفت إليها النفس ولا تكاد تشعر بها.
حجاب الألفة.pdf
156.2 KB
"حجاب الأُلفة" .. كيف يصير إلف القرآن حجابا بيننا وبين هداياته.
«وقال [الإمام الشافعي]: مَن أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، واجتناب المعاصي، ويكون له خبيئة فيما بينه وبين الله تعالى من عمل.
وفي رواية: فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب».

المجموع شرح المهذب للنووي.
2025/03/12 15:36:56
Back to Top
HTML Embed Code: