Telegram Web Link
*أمسى الليل*
الحمد لله، أما بعد:
فإن المحافظة على الأوقات سمة بارزة عند الأخيار من أهل العلم والفضل.
قال البقاعي عن شيخه الحافظ ابن حجر-رحمه الله-"أوقاته مشحونة بالاشتغال،قد جعل نصب عينيه أن هذه الدنيا دارٌ ليس فيها راحة ، فخفف ذلك عنه كل تعب، فهو لا يمكث لحظة بغير عمل" عنوان الزمان١/١٥٣.

وقال ايضاً"حتي إنه رأي مرة معي كتاباً يتعلق بالأدب فقال:
*" أمسى الليل"*
يشير الي قصر العمر عن ذلك وأن مطالعة غيره أولى"عنوان الزمان١/١٣٦.

قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- لتلميذه البقاعي-رحمه الله-
*"أمسى الليل"* لما رآه منشغلا بكتاب في الأدب!.
فكيف لو رأى الحافظ ابن حجر- رحمه الله- كثيراً من أهل زماننا وهم مشغولون بوسائل التواصل التي يظهر في كثير منها سوء الأدب ؟!

فهل سيقول لنا:
*"أمسى الليل"* أو سيقول لنا عبارة أشد من هذه العبارة؟

اللهم لطفك
*خِدَع النفوس وغرور الأماني*

بعض الناس يعصي ربه ويحسن الظن بنجاته!!

قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله-
"وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّأَمُّلِ *عَلِمَ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ هُوَ حُسْنُ الْعَمَلِ نَفْسُهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى حُسْنِ الْعَمَلِ ظَنُّهُ بِرَبِّهِ أَنْ يُجَازِيَهُ عَلَى أَعْمَالِهِ وَيُثِيبَهُ عَلَيْهَا وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ، فَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الْعَمَلِ حُسْنُ الظَّنِّ، فَكُلَّمَا حَسُنَ ظَنُّهُ حَسُنَ عَمَلُهُ، وَإِلَّا فَحُسْنُ الظَّنِّ مَعَ اتِّبَاعِ الْهَوَى عَجْزٌ*، كَمَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ».
*وَبِالْجُمْلَةِ فَحُسْنُ الظَّنِّ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ انْعِقَادِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ، وَأَمَّا مَعَ انْعِقَادِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ فَلَا يَتَأَتَّى إِحْسَانُ الظَّنِّ*".الداء والدواء ص٢٦.

فمن كان مقيماً على مساخطه مضيعاً لأوامره، معطلاً لحقوقه وهو مع هذا يزعم أنه حسن الظن بربه، فهذا من خِدَع النفوس وغرور الأماني.

اللهم نعوذ بك خِدَع النفوس وغرور الأماني.
*من روائع العلامة ابن سعدي - رحمه الله -*

*من عمل عملا صالحا، وأحب أن يثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق ولم يكن قصده الرياء والسمعة، هل هو داخل في قوله الله تعالى{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آل عمران (188)؟*.

قال العلامة ابن سعدي - رحمه الله-:
"دلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } وقال: { سلام على نوح في العالمين، إنا كذلك نجزي المحسنين } وقد قال عباد الرحمن: { واجعلنا للمتقين إماما } وهي من نعم الباري على عبده، ومننه التي تحتاج إلى الشكر".

اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين
*تضاؤل في التفكير وتسطيح للأفهام في طريقة السلام والمصافحة بين كثير من الأنام*

الحمد لله، أما بعد:
فلقد صح عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها "عشر من الفطرة... - وذكر منها-... غسل البراجم"

"وغَسْل البَرَاجِم": أي غَسْل مَفَاصِل الأصابع الظاهرة والباطنة؛ لأنها مواضع تجتمع فيها الأوساخ؛ لتجعدها وانكماشها.

فما يفعل الان من المصافحة بالبوكس - إن صح التعبير - باطل من وجوه :
١/ فيه تسطيح للأفهام وتضاؤل في التفكير.
٢/ إحداث هيئة للمصافحة لم ترد.
٣/ أن المصافحة بالبوكس مظنة نقل العدوى أيضا بجامع أن كل من المصافحة باليد وهذه الهيئة المصافحة بالبوكس، لمس وعدم تباعد بالجسد مع جمع للقذر في البراجم.

**وكذلك اللفظة الدارجة "السلام نظر" أيضا لفظة محدثة، وإنما يكون "السلام بالكلام"فالكلام هو الوارد في شريعة الإسلام والمترتب عليه الأجر والثواب، فعن عِمران بن حصين- رضي الله عنهما-قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم، فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النبيُّ ﷺ: عَشْرٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عليهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: عِشْرون، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُه، فَرَدَّ عليهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: ثَلاثُونَ رواه أَبُو داود، والترمذي وقال: حديث حسن.

وعن عائشةَ- رضي الله عنها- قالتْ: قَالَ لي رسولُ الله ﷺ: هَذَا جِبرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ، قالَتْ: قُلْتُ: وَعَلَيْه السَّلامُ ورحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.

وعن أنسٍ - رضي الله عنه-: أن النَّبيَّ ﷺ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلمةٍ أعَادهَا ثَلاثًا حتَّى تُفْهَم عَنْهُ، وَإِذَا أتَى عَلَى قوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيهم سَلَّم عَلَيهم ثَلاثًا. رواه البخاري.

قال العلامة ابن باز رحمه الله في شرح رياض الصالحين:"إنَّ الأكمل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإذا اقتصر على واحدةٍ: السلام عليكم فقط، أو رحمة الله فلا بأس، والرد يكون مثل ذلك أو أكثر، إما مثله أو أحسن؛ لأنَّ الله يقول سبحانه: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].. ، فالحديث يدل على شرعية إفشاء السلام، *وعلى شرعية كون الإنسان يختار على ما هو الأفضل*"من موقع سماحته.

اللهم وفقنا للعمل بالسنة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبوالحارث أسامة بن سعود العمري
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه.
مدينة الرياض - حرسها الله-
ليلة الخميس ٢٠رجب ١٤٤٢هـ
*فائدة*
أعظم ما يُهدى العلم ومذاكرته، حتى مع غير المسلمين، فكيف بأبناء المسلمين، الذين تثاقل كثيرٌ منهم العلم ومذاكرته-وإنا لله وإنا إليه راجعون-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في رسالته إلى ملك قبرص النصراني:"
*وَلَمَّا كَانَ أَمْرُ الدُّنْيَا خَسِيسًا* *رَأَيْت أَنَّ أَعْظَمَ مَا يُهْدَى لِعَظِيمِ قَوْمِهِ الْمُفَاتَحَةُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ*:
بِالْمُذَاكَرَةِ فِيمَا يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ. وَالْكَلَامُ فِي الْفُرُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأُصُولِ".
الرسالة القبرصية (ص: ٣٢).

والرسالة القبرصية رسالة نافعة، قليلة أوراقها، عظيمة النفع معانيها، غزيرة العلم مادتها.

اللهم لطفك بنا، اللهم حبب إلينا العلم النافع والعمل الصالح.
*الحمد لله، أما بعد* :
*فلقد تكلم أهل العلم عن مسألة اشتراط النية لغسل الجمعة، أو بعبارة أخرى، هل يفتقر غسل الجمعة إلى نية؟*

*الجواب*:
*قول جماهير أهل العلم أن غسل الجمعة يفتقر إلى نية،خلافا للحنفية*.

قَالَ الْمَازِرِيُّ المالكي في شَرْحِ التَّلْقِينِ(139/1) (وَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَمْ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ لَيْسَ الْمَطْلُوبُ بِهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ إزَالَةَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْخِطَابِ بِهَا النَّظَافَةَ وَإِزَالَةَ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَقَدْ يُخَاطَبُ بِهَا مَنْ لَا رَائِحَةَ عِنْدَهُ يُزِيلُهَا فَأُلْحِقَتْ بِحُكْمِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ الَّتِي لَا تُزَالُ بِهَا عَيْنٌ ، وَلِهَذَا مُنِعَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَالْمَاءِ الْمُضَافِ الَّذِي لَا تُجْزِئُ الطَّهَارَةُ بِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا فِي أَصْلِ الشَّرْعِ إزَالَةُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ فَأُلْحِقَتْ بِطَهَارَةِ النَّجَاسَةِ الَّتِي الْغَرَضُ بِهَا إزَالَةُ الْعَيْنِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ).
قال الحطاب الرُّعيني المالكي في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2/ 175)" وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيبِ الصَّحِيحُ افْتِقَارُهُ إلَى النِّيَّةِ").

*واشتراط نية الغسل لصلاة الجمعة هو مذهب الشافعية*:
كما في فتح العزيز للغزالي (328/1)، والبيان للعمراني (585/2)، والمجموع لنووي( 533/4).

*وهومذهب الحنابلة*:
قال ابن قدامة في المغني (3/ 228) عند كلامه عند غسل الجمعة:
(ويفتقر الغسل إلى النية ؛ لأنه عبادة محضة ، فافتقر إلى النية ، كتجديد الوضوء).

*وأماالحنفية فقالوا*:
*بعدم افتقار غسل الجمعة الى نية*، كما في المبسوط للسرخسي(129/1) وبدائع الصنائع للكاساني (20/1)وهو قول عند المالكية كما مر معنا .

*الراجح-والعلم عند الله-القول باشتراط النية لغسل الجمعة* *وذلك لما يلي* :
1/قول النبي صلى الله عليه وسلم : { وإنما لكل امرئ ما نوى } .
وجه الاستدلال:
أنها عبادة محضة،فافتقرت إلى نية.
قال ابن قدامة في المغني (3/ 228) (عبادة محضة ، فافتقر إلى النية ، كتجديد الوضوء).

2/أَنَّهَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ لَيْسَ الْمَطْلُوبُ بِهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ إزَالَةَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْخِطَابِ بِهَا النَّظَافَةَ وَإِزَالَةَ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَقَدْ يُخَاطَبُ بِهَا مَنْ لَا رَائِحَةَ عِنْدَهُ يُزِيلُهَا فَأُلْحِقَتْ بِحُكْمِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ الَّتِي لَا تُزَالُ بِهَا عَيْنٌ كما قال المازري المالكي .

وتكلم أهل العلم عن صور اجتماع غسل الجمعة وغسل الجنابة وأن له ثلاث صور.
هل يجزئ أحدهما عن الآخر؟ .
راجع في ذلك مطولات كتب الفقهاء وغيرها.

والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد

كتبه
ضحى يوم الجمعة الموافق ٣٠جمادى الآخر ١٤٤٢هـ
أبوالحارث أسامة بن سعود العمري
2024/10/01 13:35:39
Back to Top
HTML Embed Code: