Telegram Web Link
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

‏[الشَّرْحُ]
‏ في هذا الحديث دليل على أن الحضور إلى الجمعة بعد أن يحسن الإنسان وضوءه، ثم يستمع إلى الخطيب وهو يخطب، وينصت، فإنه يغفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة، وفضل ثلاثة أيام، وهذا عمل يسير ليس فيه مشقة على الإنسان؛ أن يتوضأ ويحضر إلى الجمعة ن وينصت لخطبة الإمام حتى يفرغ.
وقوله في هذا الحديث (من توضأ) لا يعارض ما ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فإن هذا الحديث الثاني فيه زيادة على الحديث الأول، فيؤخذ بها. كما أنه أيضًا أصح منه. فإنه أخرجه الأئمة السبعة، وهذا لم يخرجه إلا مسلم، فيجب أولًا على من أراد حضور الجمعة أن يغتسل وجوبًا، فإن لم يفعل كان آثمًا، ولكن الجمعة تصح، لأن هذا الغسل ليس عن جنابة حتى نقول أن الجمعة لا تصح؛ بل هو غسل واجب كغيره من الوجبات، إذا تركه الإنسان أثم وإن فعله أثيب.

ويدل على أنه ليس شرطًا لصحة الصلاة وإنما هو واجب؛ أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل ذات يوم وأمير المؤمنين

تراث | (٢‏/١٧٨ • ٧٦٠ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس يوم الجمعة، فقال أمير المؤمنين عمر: لماذا تأخرت؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت، يعني كأنه شغل رضي الله عنه ولم يتمكن من الحضور مبتكرًا. فقال عمر - وهو على المنبر والناس يسمعون - قال الأمير المؤمنين عثمان: والوضوء أيضًا، وقد قال النبي ﷺ: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) يعني كيف تقتصر على الوضوء؛ وقد قال النبي ﷺ: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فأمر من أتى الجمعة بالاغتسال؟! ولكن لم يقل له اذهب فاغتسل، لأنه لو ذهب واغتسل، فربما تفوته الجمعة التي من أجلها وجب الغسل فيضيع الأصل إلى الفرع.
فالحاصل أن هذا الحديث الذي ساقه المؤلف، وإن كان يدل على عدم وجوب الاغتسال؛ لكن هناك أحاديث أخرى تدل على وجوب الاغتسال.
وفي هذا الحديث دليل على فضيلة الاستماع إلى الخطبة، والإنصات، والاستماع: أن يرعاها سمعه، والإنصات: ألا يتكلم، هذا الفرق بينهما. فيستمع الإنسان ويتابع بسمعه كلام الخطيب، ولا يتكلم. وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: أن (من يتكلم يوم الجمعة والأمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارًا) والحمار أبلد الحيوانات،

تراث | (٢‏/١٧٩ • ٧٦١ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

يحمل أسفارًا - يعني كتبًا - ولكنه لا ينتفع بالكتب إذا حملها؟ ووجه الشبه بينهما أن هذا الذي حضر لم ينتفع بالخطبة لأنه تكلم، وقال ﷺ: (والذي يقول له: أنصت - يعني يسكته - فقد لغا) ومعنى لغا أي فاته أجر الجمعة، فالمسألة خطيرة.
ولهذا قال هنا: (ومن مس الحصى فقد لغا) وقد كان في عهد الرسول ﷺ يفرش المسجد بالحصبة، وهي الحصى الصغار مثل العدس، أو أكبر قليلًا، أو أقل، يفرش بها الفرش التي نفرشها الآن، فكان بعض الناس ربما يعبث بالحصى، يحركها بيده، أو يمسحها بيده، أو ما أشبه ذلك، فقال ﷺ (من مس الحصى فقد لغا) لأن مس الحصى يلهيه عن الاستماع للخطبة، ومن لغا فلا جمعة له، يعني يحرم ثواب الجمعة التي فضلت بها هذه الأمة على غيرها.
وإذا كان هذا في مس الحصى، فكذلك أيضًا الذي يعبث بغير مس الحصى، الذي يعبث بتحريك القلم، أو الساعة، أو المروحة التي يحركها ويلفها دون حاجة، أو الذي يعبث بالسواك، يريد أن يتسوك والإمام يخطب إلا لحاجة، كأن يأتيه النوم أو النعاس؛ فأخذ يتسوك ليطرد النعاس عنه؛ فهذا لا بأس به، لأنه لمصلحة استماع الخطبة، وقد سئلنا عن الرجل يكتب ما يستمعه في الخطبة؛ لأن بعض الناس ينسى فيقول: أنا كلما مرت

تراث | (٢‏/١٨٠ • ٧٦٢ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

على جملة مفيدة أكتبها، هل يجوز أم لا؟ فالظاهر أنه لا يجوز، لأن هذا إذا اشتغل بالكتابة تلهى عما يأتي بعدها، لأن الإنسان ليس له قلبان. فإذا كان يشتغل بالكتابة تلهى عما يقوله الخطيب أثناء كتابته لما سبق، ولكن الحمد لله، الآن قد جعل الله للناس ما يرحهم، حيث جاءت هذه المسجلات. فبإمكانك أن تحضر المسجل تسجل الخطبة في راحة، وتستمع إليها في بيتك، أو في سيارتك، على أي وضع كنت. والله الموفق.

‏* * *

١٢٩ - الثالث عشر: عنه أن رسول الله ﷺ قال: (إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن، فغسل وجهه، وخرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء حتى يخرج نقيًا من الذنوب) رواه مسلم.

‏[الشَّرْحُ]
‏ ذكر المؤلف رحمه الله فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه في فضائل الوضوء الذي أمر الله به في كتابه، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة: ٦) .

تراث | (٢‏/١٨١ • ٧٦٣ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

هذا الوضوء تطهر فيه الأعضاء الأربعة؛ الوجه، اليدان، والرأس، والرجلان، وهذا التطهير يكون تطهيرًا حسيًا، ويكون تطهيرًا معنويًا. أما كونه تطهيرًا حسيًا فظاهر؛ لأن الإنسان يغسل وجهه، ويديه، ورجليه، ويمسح الرأس، وكان الرأس بصدد أن يغسل كما تغسل بقية الأعضاء، ولكن الله خفف في الرأس؛ ولأن الرأس يكون فيه الشعر، والرأس هو أعلى البدن، فلو غسل الرأس ولا سيما إذا كان فيه الشعر؛ لكان في هذه مشقة على الناس، ولا سيما في أيام الشتاء، ولكن من رحمة الله عز وجل أن جعل فرض الرأس المسح فقط، فإذا توضأ الإنسان لا شك أنه يطهر أعضاء الوضوء تطهيرًا حسيًا، وهو يدل على كمال الإسلام؛ حيث فرض على معتنقيه أن يطهروا هذه الأعضاء التي هي غالبًا ظاهرة بارزة.
أما الطهارة المعنوية، وهي التي ينبغي أن يقصدها المسلم، فهي تطهيره من الذنوب، فإذا غسل وجهه، خرجت كل خطايا نظر إليها بعينه، وذكر العين - والله أعلم - إنما هو على سبيل التمثيل، وإلا فالأنف قد يخطئ، والفم قد يخطئ؛ فقد يتكلم الإنسان بكلام حرام، وقد يشم أشياء ليس له حق يشمها، ولكن ذكر العين؛ لأن أكثر ما يكون الخطأ في النظر.
فلذلك إذا غسل الإنسان وجهه بالوضوء خرجت خطايا عينيه، فإذا غسل يديه خرجت خطايا يديه، فإذا غسل رجليه خرجت خطايا رجليه، حتى يكون نقيًا من الذنوب. ولهذا قال الله تعالى حين ذكر الوضوء

تراث | (٢‏/١٨٢ • ٧٦٤ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

والغسل والتيمم: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)، يعني ظاهرًا وباطنًا، حسًا ومعنى، (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة: ٦)، فينبغي للإنسان إذا توضأ أن يستشعر هذا المعنى، أي أن وضوءه يكون تكفيرًا لخطيئاته، حتى يكون بهذا الوضوء محتسبًا الأجر على الله عز وجل والله الموفق.

‏* * *

١٣٠ - الرابع عشر: عنه عن رسول الله ﷺ قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم.
١٣١ - الخامس عشر: عنه قال: قال رسول ﷺ: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟) قالوا بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط) رواه مسلم.

‏[الشَّرْحُ]
‏ قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) يعني أن الصلوات

تراث | (٢‏/١٨٣ • ٧٦٥ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

الخمس تكفر الخطايا ما بين صلاة الفجر إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، ومن العشاء إلى الفجر، هذه تكفر ما بينها من الخطايا. فإذا عمل الإنسان سيئة وأتقن هذه الصلوات الخمس، فإنها تمحو الخطايا، لكن قال: (إذا اجتنبت الكبائر) يعني إذا اجتنبت كبائر الذنوب.
وكبائر الذنوب هي: كل ذنب رتب عليه الشارع عقوبة خاصة، فكل ذنب لعن النبي ﷺ فاعله فهو من كبائر الذنوب، كل شيء فيه حد في الدنيا كالزنى، أو وعيد في الآخرة كأكل الربا، أو فيه نفي إيمان، مثل (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، أو فيه براءة منه، مثل (من غشنا فليس منا)، أو ما أشبه ذلك فهو من كبائر الذنوب.

واختلف العلماء رحمهم الله في قوله ﷺ: (إذا اجتنبت الكبائر) هل معني الحديث أن الصغائر تكفر إذا اجتنبت الكبائر، وأنها لا تكفر إلا بشرطين هما: الصلوات الخمس، واجتناب الكبائر؟ أو أن معنى الحديث أنها كفارة لما بينهن إلا الكبائر فلا تكفرها، وعلى هذا فيكون لتكفير السيئات الصغائر شرط واحد، وهو إقامة هذه الصلوات الخمس، أو الجمعة إلى الجمعة، أو رمضان إلى رمضان، وهذا هو المتبادر - والله

تراث | (٢‏/١٨٤ • ٧٦٦ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

أعلم - أن المعنى: أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها إلا الكبائر فلا تكفرها، وكذلك الجمعة إلى الجمعة، وكذلك رمضان إلى رمضان، وذلك لأن الكبائر لابد لها من توبة خاصة، فإذا لم يتب توبة خاصة فإن الأعمال الصالحة لا تكفرها، بل لابد من توبة خاصة.
أما حديث أبي هريرة الثاني، فهو أن النبي عليه الصلاة والسلام عرض على أصحابه عرضًا، يعلم النبي ﷺ ماذا سيقولون في جوابه، ولكن هذا من حسن تعليمه عليه الصلاة والسلام، أنه أحيانًا يعرض المسائل عرضًا، حتى ينتبه الإنسان لذلك، ويعرف ماذا سيلقى إليه، قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟) يعرض عليهم هل يخبرهم، ومن المعلوم أنهم سيقولون: نعم يا رسول الله أخبرنا، ولكنه عليه الصلاة والسلام اتخذ هذه الصيغة وهذا الأسلوب من أجل أن ينتبهوا إلى ما سيلقى إليهم، قالوا: بلى يا رسول الله، يعني أخبرنا فإننا نود أن تخبرنا بما ترفع به الدرجات وتمحا به الخطايا، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة) هذه ثلاثة أشياء:
أولًا: إسباغ الوضوء على المكاره، يعني إتمام الوضوء في أيام الشتاء؛ لأن أيام الشتاء يكون الماء فيها باردًا. وإتمام الوضوء يعني إسباغه، فيكون فيه مشقة على النفس، فإذا أسبغ الإنسان وضوءه مع هذه المشقة، دل هذا على كمال الإيمان، فيرفع الله بذلك درجات العبد ويحط عنه خطيئته.

ثانيًا: كثرة الخطا إلى المساجد، يعني أن يقصد الإنسان المساجد، حيث شرع له إتيانهن، وذلك في الصلوات الخمس، ولو بعد المسجد فإنه كلما بعد المسجد عن البيت ازدادت حسنات الإنسان، فإن الإنسان إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء، ثم خرج منه إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة واحدة إلا رفع الله له بها درجة، وحط

تراث | (٢‏/١٨٥ • ٧٦٧ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

عنه بها خطيئة.
ثالثًا: انتظار الصلاة بعد الصلاة، يعني أن الإنسان من شدة شوقه إلى الصلوات، كلما فرغ من صلاة، فقلبه متعلق بالصلاة الأخرى ينتظرها، فإن هذا يدل على إيمانه ومحبته وشوقه لهذه الصلوات العظيمة، التي قال عنها رسول الله ﷺ (وجعلت قرة عيني في الصلاة) . فإذا كان ينتظر الصلاة بعد الصلاة، فإن هذا مما يرفع الله به الدرجات، ويكفر به الخطايا.
وقوله ﷺ: (فذلكم الرباط) أصل الرباط: الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها، وهذا من أعظم الإعمال، فلذلك شبه به ما ذكر من الأفعال الصالحة والعبادة في هذا الحديث، أي أن المواظبة على الطهارة والصلاة والعبادة كالجهاد في سبيل الله.

تراث | (٢‏/١٨٦ • ٧٦٨ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

وقيل: إن الرباط هاهنا اسم لما يربط به الشيء، والمعنى: أن هذه الخلال تربط صاحبها عن المعاصي وتكفه عنها.
هذان الحديثان ذكرهما المؤلف في باب كثرة طرق الخير؛ لأن هذه طرق متعددة من الخير؛ الصلوات الخمس، الجمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان، كثرة الخطا إلى المساجد، إسباغ الوضوء على المكاره، انتظار الصلاة بعد الصلاة. والله الموفق.

‏* * *
١٣٢ - السادس عشر: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (من صلى البردين دخل الجنة) متفق عليه.
‏(البردان) الصبح والعصر.
١٣٣ - السابع عشر: عنه قال: قال رسول ﷺ: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) رواه البخاري.

‏[الشَّرْحُ]
‏ نقل المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (من صلى البردين دخل الجنة) .

تراث | (٢‏/١٨٧ • ٧٦٩ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

البردان: هما صلاة الفجر وصلاة العصر، وذلك لأن صلاة الفجر تقع في أبرد ما يكون من الليل، وصلاة العصر تقع في أبرد ما يكون من النهار بعد الزوال، من صلاهما دخل الجنة، يعني أن المحافظة على هاتين الصلاتين وإقامتهما من أسباب دخول الجنة.

وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر) هذا فيه تشبيه الرؤيا بالرؤيا، وليس المعنى تشبيه المرئي بالمرئي، لأن الله ليس كمثله شيء، ولكنكم ترونه رؤية حقيقية مؤكدة كما يرى الإنسان القمر ليلة البدر، وإلا فإن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يشابهه شيء من مخلوقاته.
ثم قال النبي ﷺ في آخر هذا الحديث: (فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا) يعني بالتي قبل الطلوع الشمس: الفجر، والتي قبل غروبها: العصر، فهاتان الصلاتان هما أفضل الصلوات، وأفضلها صلاة العصر؛ لأنها هي الصلاة الوسطى التي قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة: ٢٣٨) . فإنه قد صح عن النبي ﷺ أنه قال في غزوة الأحزاب: (ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)،

تراث | (٢‏/١٨٨ • ٧٧٠ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

وهذا نص صريح من رسول الله ﷺ أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (من صلى البردين) المراد صلاهما على الوجه الذي أمر به، ذلك بأن يأتي بهما في الوقت، وإذا كان من أصحاب الجماعة كالرجال فليأت بهما مع الجماعة، لأن الجماعة واجبة، ولا يحل لرجل أن يدع صلاة الجماعة في المسجد وهو قادر عليها.
أما حديثه الثاني: فهو أن النبي ﷺ قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) يعني أن الإنسان إذا كان من عادته أن يعمل عملًا صالحًا، ثم مرض فلم يقدر عليه، فإنه يكتب له الأجر كاملًا. والحمد لله على نعمه.
إذا كنت مثلًا من عادتك أن تصلي مع الجماعة، ثم مرضت ولم تستطيع أن تصلي مع الجماعة، فكأنك مصل مع الجماعة، يكتب لك سبع وعشرون درجة، ولو سافرت وكان من عادتك وأنت مقيم في البلد أن تصلي نوافل، وأن تقرأ قرآنًا، وأن تسبح وتهلل وتكبر، ولكنك لما سافرت انشغلت بالسفر عن هذا، فإنه يكتب لك ما كنت تعمله في البلد مقيمًا، مثلًا لو سافرت وصليت وحدك في البر ليس معك أحد، فإنه يكتب لك صلاة الجماعة كاملًا إذا كنت في حال الإقامة تصلي مع الجماعة.

وفي هذا تنبيه على أنه ينبغي للعاقل ما دام في حال الصحة والفراغ، أن يحرص على الأعمال الصالحة، حتى إذا عجز عنها لمرض أو شغل كتبت له كاملة. اغتنم الصحة، اغتنم الفراغ، اعمل صالحًا، حتى إذا شغلت عنه بمرض أو غيره كتب لك كاملًا، ولله الحمد. ولهذا قال ابن

تراث | (٢‏/١٨٩ • ٧٧١ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

عمر: (خذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك)، هكذا جاء في حديث ابن عمر، أما من قوله، وإما من قول النبي عليه الصلاة والسلام، أن الإنسان ينبغي له في حال الصحة أن يغتنم الفرصة، حتى إذا مرض كتب له عمله في الصحة، وأن يحرص - ما دام مقيمًا - على كثرة الأعمال الصالحة، حتى إذا سافر كتب له ما كان يعمل في الإقامة. نسأل الله أن يخلص لنا ولكم النية، ويصلح لنا لكم العمل.

‏* * *
١٣٤ - الثامن عشر: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (كل معروف صدقة) رواه البخاري، ورواه مسلم من رواية حذيفة رضي الله عنه.

‏[الشَّرْحُ]
‏ قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله في باب كثرة طرق الخيرات، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال: (كل معروف صدقة) .

المعروف: ما عرف في الشرع حسنه إن كان مما يتعبد به لله، وإن كان

تراث | (٢‏/١٩٠ • ٧٧٢ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

مما يتعامل به الناس فهو مما تعارف الناس على حسنه، وهذا الحديث (كل معروف) يشمل هذا وهذا، فكل عمل تتعبد به إلى الله فإنه صدقة، كما ورد في حديث سابق: (كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة) .

وأما ما يتعارف عليه الناس على حسنه مما يتعلق بالمعاملة بين الناس فهو معروف، مثل الإحسان إلى الخلق بالمال، أو بالجاه، أو بغير ذلك من أنواع الإحسان. ومن ذلك: أن تلقى أخاك بوجه طلق لا بوجه عبوس، وأن تلين له القول، وأن تدخل عليه السرور؛ ولهذا قال العلماء رحمهم الله إن من الخير: إذا عاد الإنسان مريضًا، أن يدخل عليه السرور ويقول: أنت في عافية، وإن كان الأمر على خلاف ما قال، بأن كان مرضه شديدًا، يقول ذلك ناويًا أنه في عافية أحسن ممن هو دونه، لأن إدخال السرور على المريض سبب للشفاء. ولهذا تجد أن الإنسان إذا كان مريضًا مرضًا عاديًا صغيرًا، إذا قال له الإنسان إن هذا شيء يسير هين لا يضر سر بذلك ونسى المرض، ونسيان المرض سبب لشفائه، وكون الإنسان يعلق قلبه بالمرض فذلك سبب لبقائه. وأضرب لكم مثلًا لذلك برجل فيه جرح، تجد أنه تلهى بحاجة أخرى لا يحس بألم الجرح، لكن إذا تفرغ تذكر هذا الجرح وآلمه.
انظر مثلًا إلى الحمالين الذين يحملون الأشياء على السيارات

تراث | (٢‏/١٩١ • ٧٧٣ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

وينزلونها، أحيانًا يسقط على قدمه شيء فيجرحه، ولكنه ما دام يحمل لا يشعر به ولا يحس به، فإذا فرغ أحس به وتألم.
إذن فغفلة المريض عن المرض، وإدخال السرور عليه، تأميله بأن الله عز وجل سيشفيه، فهذا خير ينسيه المرض، وربما كان سببًا للشفاء.
إذن كل معروف صدقة. لو أن أحد إلى جنبك ورأيته محترًا يتصبب العرق من جنبيه، فروحت عليه بالمروحة، فإنه لك صدقة، لأنه معروف. لو قابلت الضيوف بالانبساط وتعجيل الضيافة لهم وما أشبه ذلك فهذا صدقة.
انظر إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما جاءته الملائكة ضيوفًا ماذا صنعه؟ قالوا: سلامًا. قال: سلام. قال العلماء: وقول إبراهيم سلامٌ ابلغ من قول الملائكة سلامًا، لأن قول الملائكة سلامًا يعني نسلم سلامًا، وهو جملة فعلية تدل على التجدد والحدوث. وقول إبراهيم: سلامٌ جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار فهو أبلغ. وماذا صنع عليه الصلاة والسلام؟ راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين.
‏(فراغ): قال العلماء: معناه انصرف مسرعًا بخفية، وهذا من حسن الضيافة، ذهب مسرعًا لئلا يمنعوه، أو يقولوا: انتظر ما نريد شيئًا (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (الذريات: ٢٦)، وفي الآية الأخرى: (بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود: ٦٩) .

حنيذ يعني مشويًا، ومعلوم أن اللحم المشوي أطعم من اللحم المطبوخ، لأن طعمه يكون باقيًا فيه (فَجَاءَ بِعِجْلٍ) والعلماء يقولون: إن

تراث | (٢‏/١٩٢ • ٧٧٤ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2024/09/27 18:16:58
Back to Top
HTML Embed Code: