Telegram Web Link
"تذكرتك يارب و أنا أمشي في هذا العالم فشعرت بالغربة و الانفصال و لم أجد أحدا أكلمه و يكلمني و أفهمه و يفهمني .. نبذوني كلهم و رفضوني كما نبذتهم و رفضتهم..

و أحسست بنفسي وحيدا غريبا مطرودا .. ملقى على رصيف أبكي كطفل يتيم بلا أم.

و سمعت في قلبي صراخا يناديك.
كانت كل خلية في بدني تتوب و تثوب و ترجع و سمعتك تقول في حنان.. لبيك عبدي ..

و رأيت يدك التي ليس كمثلها شيء تلتقطني و تخرجني من نفسي إلى نفسك.

و اختفى ديكور القماش و الورق و ذاب مسرح الخدع الضوئية.
و عاد اللا شيء إلى اللا شيء.
و عدت أنا إليك.
لا إله إلا أنت.
سبحانك و لا موجود سواك .
القرب منك يُضيف.
و البعد عنك َيسلب.
لأنك وحدك الإيجاب المطلق.
و كل ما سواك سلب مطلق."

..

" مسرح العرائس. "
من كتــاب " أناشيد الإثم و البراءة.
د مصطفــــى محمـــــود رحمه الله
الوهم ..!

مشكلته أنه لا ينام، يقضي ليالي بطولها مؤرقاً لا يذوق طعم النوم، يصرخ ويتوسل أن أعطيه أقراصاً منومة،

ومن عادتي أن أعطيه أقراصا من النشا، أقول له إنها أقراص شديدة المفعول، وهي نفس الطريقة التي يستعملونها في عيادات الأمراض النفسية،

ويبتلع الأقراص المزيفة وبعد دقائق تثقل أجفانه وبعد دقائق أخرى يزحف النوم إلى عينيه، ويروح في سباتٍ عميق ليس بمفعول الأقراص، ولكن بمفعول الوهم،

إن مرضه وهم ودواءه وهم وهو نفسه وهم وكلنا أوهام، أوهام تعسة كبيرة .

من كتاب : #الأحلام

#مصطفى_محمود
وما يحدث هذه الأيام أن الكل يرفع الأيدي بالدعاء لرفع الظلم ولكن الكل ظالم مستبد كل في دائرته فلا يستجاب دعاء .. وتغرق الدنيا في المظالم أكثر وأكثر.
ولو ركبنا إلى الله مركب الصدق .. وعدل كل منا في دائرته وأخلص في عمله واتقى في قوله لتولانا الله برحمته ولأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا ولما احتجنا لأحد ولا لشيء .. ولكننا نتكلم في الدين ولا نعرفه وندعو إلى الأخلاق ولا نتخلق بها ..
وهذه دنيانا .. أصبحت مرآه لأفعالنا .. ولا غرابة!!
يقول العارفون .. كما تكونوا يول عليكم.
ومن خفايا القلوب تأتي طوالع الغيوب.
وإنما يبدأ كفاح الظلم .. في نفوسنا أولا.
وهكذا كل شيء يبدأ منا ويرتد علينا.
وبين الظلم الظاهر والعدل الخفي خيط رفيع لا يراه إلا أهل القلوب.
اشعر بالندم يا إلهي حتى نخاع العظم من أني ذكرت سواك بالأمس و هتفت بغير اسمك و طافت بخاطري كلمات غير كلماتك.
سمحت لنفسي أن أكون مرآة للسراب و مستعمرة للأشباح.

جهلت مقامي و نزلت عن رتبتي و ترجلت عن فرسي الأصيلة لأركب توافه الأمور و لأمشي مع السوقة و أزحف على بطني مع دود الأرض.

خدعني شيطاني و استدرجني إلى مسرح العرائس الذي يديره و إلى تماثيل الطين و الزجاج و الحلي المزيفة.
استدرجني إلى بيوت القماش و قصور الورق و قدمني إلى ناس يبتسمون للمصلحة و يحبون للشهوة و يقتلون للطمع و يتزاوجون للتآمر..

رجال وجوههم ملساء مدهونة و نظراتهم خائنة و لمساتهم ثعبانية و نساء تغطيهن المساحيق فلا تبدو ألوانهن الحقيقية بشرتهن مشدوة و وجوههن مكوية و خطواتهن حربائية و أيديهن تتسلل إلى القلوب يسرقن كل شيء حتى الحقائق.

عالم جذاب كذاب يضوع بالعطور و يبرق بالكلمات.. عالم لزج معسول تغوص فيه الأرجل كما يغوص النمل في العسل حتى يختنق بحلاوته و يموت بلزوجته.

و الأصوات في هذا العالم كلها هامسة مبللة بالشهوة تتسلل إلى ما تحت الجلد و تخترق الضمائر و تأكل الإيمان
من الجذور.

تذكرتك يارب و أنا أمشي في هذا العالم فشعرت بالغربة و الانفصال و لم أجد أحدا أكلمه و يكلمني و أفهمه و يفهمني.. نبذوني كلهم و رفضوني كما نبذتهم و رفضتهم.. و أحسست بنفسي وحيدا غريبا مطرودا.. ملقى على رصيف أبكي كطفل يتيم بلا أم.
و سمعت في قلبي صراخا يناديك.

كانت كل خلية في بدني تتوب و تئوب و ترجع و سمعتك تقول في حنان.. لبيك عبدي..
و رأيت يدك التي ليس كمثلها شيء تلتقطني و تخرجني من نفسي إلى نفسك.
و اختفى ديكور القماش و الورق و ذاب مسرح الخدع الضوئية.
و عاد اللا شيء إلى اللا شيء.

و عدت أنا إليك.
لا إله إلا أنت.
سبحانك
و لا موجود سواك
القرب منك يضيف.
و البعد عنك يسلب.
لأنك وحدك الإيجاب المطلق.
و كل ما سواك سلب مطلق.

علمت ذلك بالمكابدة و أدركته بالمعاناة و عرفته بالدم و العرق و الدموع و مشوار الخطايا و الذنوب و أنا أقع في الحفر و أتعثر في الفخاخ.. و كلما وقعت في حفرة شعرت بيدك تخرجني بلطف و كلما أطبق عليّ فخ رأيتك تفتح لي سبيلا للنجاة.. و كلما وضعوني في الأغلال و أحكموا عليّ الوثاق شعرت بك في الوحدة و الظلمة تفك عني أغلالي و تربت على كتفي في حنان و إلهامك يهمس في خاطري.. أما كفاك ما عانيت يا عبدي.
أما اتعظت.. أما اعتبرت.. أما جاء اليوم الذي تثبت فيه قدمك و تستقر خطاك على الطريق.

فأقول باكيا.
سبحانك يارب و هل هناك تثبيت إلا بك و هل هناك تمكين إلا بإذنك.
أنت وحدك الذي أصلحت الصالحين و ثبت الثابتين و مكنت أهل التمكين.
تعطي لحكمة و تمنع لحكمة و لا تسأل عما تفعل.
شفيعي إليك صدقي.
و عذري إليك حبي للحق.
و ذريعتي إلى عفوك رغبتي في الخير.
فمن خطيئاتي نبتت الحكمة كما تنمو أزهار الياسمين من الأرض السبخة.

و من دموع ندمي علمت الناس فصدقوني حينما كلمتهم لأنهم رأوا كلماتي مغموسة بدمي و من عثراتي و سقطاتي أضأت مصباحا هاديا يجنب الناس العثرات.
و كل من عبر طريقي قلت له كلمة صدق و دللته على السلامة.

ربنا ما أتيت الذنوب جرأة مني عليك و لا تطاولا على أمرك و إنما ضعفا و قصورا حينما غلبني ترابي و غلبتني طينتي و غشيتني ظلمتي.
إنما أتيت ما سبق في علمك و ما سطرته في كتابك و ما قضى به عدلك.

رب لا أشكو و لكن أرجو.
أرجو رحمتك التي وسعت كل شيء أن تسعني.
أنت الذي وسع كرسيك السماوات و الأرض.

مقال / مسرح العرائس
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله)

من كتاب : أناشيد الإثم و البراءة .
لنعيش جميعا بسلام!

لا يهمني بأي دين تعتقد، ولأي حزب تنتمي، ومن أي مدينة قدمت، وبأي لسان فصيح تتمنطق؛

بل كل ما يهمني أن تكون صادقاً، نبيلاً، شهماً، تؤمن بالله وتتقيه بأعمالك، وتحترم الانسانية..

فما جدوى أن تنسب نفسك لدين سماوي وأنت تقتل، وتزني، وتكذب، وتغدر، وتنافق، وتنتهك حقوق وحرمات الآخرين..

فإن كنت تريد مفاضلتي، لا تخبرني باسم دينك، بل أريني دينك في افعالك ، وموقفك النبيل، وخوفك من الله..
يقول الربّ في القران

من يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره"...

فلو تعاملت البشرية مع بعضها البعض بانسانية، وبمفاضلة بالعمل الافضل، لاستقامت الحياة ولعشنا جميعا بسلام!
Forwarded from شارد
ما هو أكثر شيء يسعدك في هذه الدنيا ..؟
المال .. الجاه .. النساء .. الحب .. الشهرة .. السلطة .. تصفيق الآخرين .
إذا كنت جعلت سعادتك في هذه الأشياء فقد استودعت قلبك الأيدي التي تخون و تغدر و أتمنت عليها الشفاه التي تنافق و تتلون .

إذا جعلت من المال مصدر سعادتك فقد جعلتها في ما لا يدوم فالمال ينفد و بورصة الذهب و الدولار لا تثبت على حال .
و إذا جعلت سعادتك في الجاه و السلطان .. فالسلطان كما علمنا التاريخ كالأسد أنت اليوم راكبه و غدا أنت مأكوله .
و إذا جعلت سعادتك في تصفيق الآخرين فالآخرين يغيرون آراءهم كل يوم .

لقد وضعت كل رصيدك في بنك القلق و ألقيت بنفسك إلى عالم الوحشة و الغربة و استضفت راحة بالك على الأرصفة .. و نزلت في فنادق قطاع الطرق .. و لن يهدأ لك بال و لن تعرف طعم الراحة و لن تعرف أمنا و لا أمانا ، و لن تذوق للطمأنينة طعما حتى آخر يوم في حياتك ، لأنك أعطيت أثمن ما تملك .. أعطيت روحك لعالم الفرقة و الشتات ، و رهنت همك و اهتمامك بعائد اللحظة ، و علقت قلبك بكل ما هو عابر زائل متقلب ، و أسلمت وجدانك ينهشه وحش الوقت .

..............
من كتاب : الإسلام ما هو ؟
‏" لست ضعيفاً يا الله، ولكني بشر تختلط مشاعري أحياناً ويتعب قلبي؛

أتوه ولا أطيق أحداً ولكن لست ضعيفاً لآنك قوتي يالله .. فزدني حباً بك وزدني قوة.!

..

من كتــاب " سواح في دنيا الله "
د مصطفى محمود - رحمه اللَّه
" الله الكريم سمح لنا أن ندخل عليه فى أى وقت بلا ميعاد ..
ونبقى في حضرته ما شئنا وندعوه ما وسعنا ..
بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة ونقول "الله أكبر" نصبح فى حضرته نطلب منه ما نشاء

أين هو الملك الذى نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد ونلبث في حضرته مانشاء؟

- حوار مع صديقي الملحد
اذا اردت ان تفهم انسانا فانظر فعله في لحظة اختيار حر وحينئذ سوف تفاجأ تماما فقد تري القديس يزني وقد تري العاهره تصلي,وقد تري الطبيب يشرب السم,وقد تفاجأ بصديقك يطعنك وبعدوك ينقذك وقد تري الخادم سيدا في افعاله والسيد احقر من احقر خادم في اعماله وقد تري ملوكا يرتشون وصعاليك يتصدقون..

مصطفى محمود
Forwarded from شارد
لا تنظر الى ما يرتسم على الوجوه و لا تستمع إلى ما تقوله الألسن و لا تلتفت إلى الدموع .. فكل هذا هو جلد الإنسان و الإنسان يغير جلده كل يوم .. و لكن ابحث عما تحت الجلد ..

لا ليس القلب ما أعني .. فالقلب هو الآخر يتقلب و لهذا يسمونه قلبا ً..

و لا العقل .. فالعقل يغير وجهة نظره كلما غير الزاوية التي ينظر منها و قد يقبل اليوم ما أنكره بالأمس .. !!
ألا يُبدِل العلماء .. حتى العلماء .. نظرياتهم ..

إذا أردت أن تفهم إنسانٍ ما فانظر فعله في لحظة اختيار حر .. و حينئذ سوف تفاجأ تماماً ..

فقد ترى تارك الصلاة يصلي و قد ترى الطبيب يشرب السم , و قد تفاجأ بصديقك يطعنك و بعدوك ينقذك و قد ترى الخادم سيداً في أفعاله و السيد أحقر من أحقر خادم في أعماله .. و قد ترى ملوكاً يرتشون و صعاليك يتصدقون .

أنظر إلى الإنسان عندما يكون وحيداً .. أو في غُربة لا يعرفه فيها أحد .. أي بلا رقيب و لا حسيب حينما يرتفع عنه الخوف و ينام الحذر و تسقط الموانع فتراه على حقيقته ..
يمشي على أربع كحيوان , أو يطير بجناحيه كملاك , أو يزحف كثعبان , أو يلدغ كعقرب , أو يأكل الطين كدود الأرض .

د. مصطفى محمود . .
من كتاب / المسيخ الدجال
سوف أسأل ربي سؤالاً واحداً:
سوف أقول له يارب هذا أنا يارب وقد شهرت صحيفة أعمالي كلها وهذا أنا وقد بدأت أول سرقاتي في رحم أمي فكنت أسرق الغذاء من أخي التوأم .. فهكذا ولدت لصاً فهل كان يمكن أن أكون غير لص ؟؟!
أكان من الممكن أن أكون غير نفسي ؟؟
ما يشقيني ويفجعني ويملأني رعباً.. أن الله سوف يرد عليا بالحُجة البالغة .. ولله الحجة البالغة دائماً.
سوف يكشف الستر عن لُغز هذه النفس التي تعللنا بها جميعاً، وسوف يهتك عنها الحجاب ويمزق النقاب.
وسوف يشهدنا كيف فطرها بيضاء لم يودعها كراهية .. ولم يضمنها حقداً .. ولم يبطنها حسداً .. وإنما جعلها مفتوحة النوافذ على جميع الأهواء والرغائب.
ياالله .. يا غفـــــــــــــار ..
كم أتمنى أن أتوب..أتوب من خبيئة قلبي.. وأتوب عن دفينة ذاتي وأخلع عني القشر واللب ..وأتخطى.. الممكن والمستحيل..وهل غيرك يارب من يُسأل في مستحيل؟!
-----------

الذين ضحكوا حتى البكاء .
د. مصطفى محمود رحمه الله.
من مقال/ من أنت ؟؟
كتاب : (( القرآن كائن حي ))
بقلم : د. مصطفي محمود رحمة الله .
....................
من أنت.. حينما تتردد لحظة بين الخير و الشر.. من تكون..؟! أتكون الإنسان الخير أم الشرير أم ما بينهما..؟!
أم تكون مجرد إحتمال للفعل الذي لم يحدث بعد..؟!
إن النفس لا تظهر منزلتها و لا تبدو حقيقتها إلا لحظة أن تستقر على إختيار، و تمضي فيه بإقتناع و عمد و إصرار، و تتمادى فيه و تخلد إليه و تستريح و تجد ذاتها. و لهذا لا تؤخذ على الإنسان أفعال الطفولة، و لا ما يفعله الإنسان عن مرض أو عن جنون أو عن إكراه... و إنما تبدأ النفس تكون محل محاسبة منذ رشدها، لأن بلوغها الرشد يبدأ معه ظهور المرتكزات و المحاور التي ستنمو عليها الشخصية الثابتة.
وإختيارات الإنسان في خواتيم حياته هي أكثر ما يدل عليه، لأنه مع بلوغ الإنسان مرحلة الخواتيم يكون قد تم ترشح و تبلور جميع عناصر شخصيته، و تكون قد إنتهت ذبذبتها إلى إستقرار، و تكون بوصلة الإرادة قد أشارت إلى الطابع السائد لهذه الشخصية.
و لهذا يقول أجدادنا.. العبرة بالخواتيم.. و ما يموت عليه العبد من أحوال، و أعمال و ما يشغله في أيامه الأخيرة هو ما سوف يبعث عليه.. تماما كما ينام النائم فيحلم بما إستقر في باله من شواغل لحظة أن رقد لينام. و لهذا أيضا لا تؤخذ النفس بما فعلته و ندمت عليه و رجعت عنه، و لا تؤخذ بما تورطت فيه ثم أنكرته وإستنكرته، فإن الرجوع عن الفعل ينفي عن الفعل أصالته و جوهريته و يدرجه مع العوارض العارضة التي لا ثبات لها.
و قد أعطى الله الإنسان مساحة كبيرة هائلة من المنازل و المراتب.. يختار منها علوا و سفلا ما يشاء.. أعطاه معراجا عجيبا يتحرك فيه صاعدا هابطا بلا حدود .
إما أن تكون نسخة مطابقة للأغلبية وإلا سينعتك هذا المجتمع بالمجنون..
الجنون اليوم هو أن تكون مختلفًا مخالفًا لما يبدو صوابًا للكثير من الذين تعلو أصواتهم، فهم أصحاب الرأي و واضِعو المقاييس أو المعايير اللازمة لكل شيء، وإن فكرت أن تحيد عنها فإنك ستصبح مجنونًا.
إلهــي .. إنـك تـرى نفســي و لا يراهـــا ســواك

تراها كالبيت الكبير الذي تصدعت منه الجدران و تهاوت السقوف و انكفأت الموائد . بيتاً مهجوراً يتعاوى فيه الذئاب و يلهو فيه القردة و تغرد العصافير . ساعةً تتلألأ فيه الأنوار و تموج فيه أشعة القمر

. و ساعةً أخرى مظلماً مطموساً محطم المصابيح تسرح فيه العناكب . مرةً تحنو عليه يد الربيع فتتفتح الزهور على نوافذه و تصدح البلابل و تغزل الديدان الحرير و تفرز النحلات الطنانة العسل

و مرةً أخرى يأتي عليه الزلزال فلا يكاد يخلف جداراً قائماً لولا ذلك الحبل الممدود الذي ينزل بالنجدة من سماوات رحمتك

حبل لا إله إلا أنت سبحانك

.. أنت الفاعل سبحانك و أنت مجري الأقدار و الأحكام .. و أنت الذي امتحنت و قويت و أضعفت و سترت و كشفت .. و ما أنا إلا السلب و العدم .. و كل توفيق لي كان منك و كل هداية لي كانت بفضلك و كل نور كان من نورك .. ما أنا إلا العين و المحل و كل ما جرى علي من استحقاقي و كل ما أظهرت فيّ كان بعدلك و رحمتك .. ما كان لي من الأمر شيء

. و هل لنا من الأمر شيء !؟ مولاي .. يقولون إن أكبر الخطايا هي خطايا العارفين .. و لكني أسألك يارب أين العارف أو الجاهل الذي استطاع أن يسلم من الفتنة دون رحمة منك .. و أنت الذي سويت نفوسنا و خلقتها و وصفتها بأنها
لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى )

و أين من له الحول و القوة بدونك .. و هذا جبريل يقول لنبيك لا حول من معصية إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بتمكين الله

و هل استعصم الذين استعصموا إلا بعصمتك و هل تاب الذين تابوا إلا بتوبتك .. و هل استغفروا إلا بمغفرتك . إلهي .. لقد تنفست أول ما تنفست بك و نطقت بك و سمعت بك و أبصرت بك و مشيت بك و اهتديت بك .. و ضللت عندما خرجت عن أمرك

سألتك يارب بعبوديتي أن ترفع عني غضبك .. فها أنا ذا و قد خلعت عن نفسي كل الدعاوي و تبرأت من كل حوْل و طوْل و لبست الذل في رحاب قدرتك . إنك لن تضيعني و أنا عبدك . لن تضيع عبداً ذل لربوبيتك و خشع لجلالك . و كيف يضيع عبد عند مولىً رحيم فكيف إذا كان هذا المولى هو أرحم الراحمين

. ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك .. فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي . إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك . و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك . فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت

و أنت القائل : هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي

و أنت القائل على لسان نبيك
: ( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء .. فأنا المحتاج.. أنا المشكلة .. و أنا المسألة . أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني

عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي .. أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك

لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقراً و كلما طاوعت رغائبي ازدادت جوعاً و إلحاحاً و تنوعاً . حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعاً و حرصاً و حينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشاً و تطلعاً إلى التلوين و التغيير .. و كأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ

و ما حسبته حرية كان عبودية و خضوعاً للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطاً إلى درك الآلية المادية و إلى سجن الضرورات و ظلمة الحشوة الطينية و غلظتها . كنت أسقط و أنا أحسب أني أحلق و أرفرف

و خدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر و زوقها بالخيال الكاذب و زينها بالعطور و زفها في أبهة الكلمات و بخور العواطف ، و لكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللاشيء و الخواء

. إلهي .. لم تعد الدنيا و لا نفسي الطامعة في الدنيا و لا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا و لا الكلمات التي احتال بها على هذه الدنيا .. مرادي و لا بضاعتي .

و إنما أنت وحدك مرادي و مقصودي و مطلوبي فعاوني بك عليك و خلصني بك من سواك و أخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسار . أنت أنت وحدك .. و ما أرتضي مشوار هذه الدنيا إلا لدلالة هذا المشوار عليك و ما يبهرني الجمال إلا لصدوره عنك و ما أقصد الخير و لا العدل و الحرية و لا الحق إلا لأنها تجليات و أحكام أسمائك الحسنى يامن تسميت بأنك الحق . و لكن تلك هجرة لا أقدر عليها بدونك و نظرة لا أقوى عليها بغير معونتك .. فعاوني و اشدد أزري .. فحسبي النية و المبادرة فذلك جهد الفقير .. فليس أفقر مني .. و هل بعد العدم فقر .. و قد جئت إلى الدنيا معدماً و أخرج منها معدماً و أجوزها معدماً .. زادي منك و قوتي منك و رؤيتي منك و نوري منك

و اليوم جاءت الهجرة الكبرى التي أعبر فيها بحار الدنيا دون أن أبتل و أخوض نارها دون أن أحترق .. فكيف السبيل إلى ذلك دون يدك مضمومة إلى يدي . و هل يدي إلا من صنع يدك ؟ .. و هل يدي إلا من يدك ؟! و هل هناك إلا يد واحدة ؟

لا إله إلا أنت س
سبحانك إني كنت من الظالمين

سبحانك لا أرى لي يداً . سبحانك لا أرى سواك . لا إله إلا الله . لا إله إلا الله حقاً و صدقاً . و ذاتك هي واحدة الحسن . الحسن كله منها . و الحب كله لها . و يدك هي واحدة المشيئة . الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات .. و إن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات .. ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك .. مؤمنون و كفرة .. و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري

و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف . و المسمى واحد . و الفاعل واحد . و الموصوف واحد

لا إله إلا هو . لا إله إلا الله . الحمد له في الأول و الآخر

رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات

..
مقال / دعاء العبد الخطاء
للدكتور / مصطفي محمود (رحمه الله )
من كتاب / أناشيد الإثم والبراءة
2025/02/22 21:49:04
Back to Top
HTML Embed Code: