Telegram Web Link
سبحوا ربكم واعبدوه يا إخوة و أنتم في عافية فلا أحد يعلم متي تفاجئنا النهاية و لا تقولوا مع الشاعر الجالس علي مائدة الشراب دعنا نعش يوما وفي العمر فسحة
وربك غفار و ربكم أكرم
فلا أحد يدري متي تطول هذه الفسحة‏..‏ وهل نجد فيها فسحة فعلا لنعود إلي الله وإلي أنفسنا‏..‏ أم تفجأنا الزلزلة فتموت في فمنا الكلمات ويطبق علينا صمت القبور‏.‏
..
على خط النار
د. مصطفى محمود رحمه الله
من أنت ؟

من أنت.. حينما تتردد لحظة بين الخير و الشر.. من تكون..؟! أتكون الإنسان الخير أم الشرير أم ما بينهما..؟! أم تكون مجرد احتمال للفعل الذي لم يحدث بعد..؟!
إن النفس لا تظهر منزلتها و لا تبدو حقيقتها إلا لحظة أن تستقر على اختيار، و تمضي فيه باقتناع و عمد و إصرار، و تتمادى فيه و تخلد إليه و تستريح و تجد ذاتها. ولهذا لا تؤخذ على الإنسان أفعال الطفولة، ولا مايفعله الإنسان عن مرض أو عن جنون أو عن إكراه… وإنما تبدأ النفس تكون محل محاسبة منذ رشدها، لأن بلوغها الرشد يبدأ معه ظهور المرتكزات و المحاور التي ستنمو عليها الشخصية الثابتة.
واختيارات الإنسان في خواتيم حياته هي أكثر ما يدل عليه، لأنه مع بلوغ الإنسان مرحلة الخواتيم يكون قد تم ترشح و تبلور جميع عناصر شخصيته، و تكون قد انتهت ذبذبتها إلى استقرار، و تكون بوصلة الإرادة قد أشارت إلى الطابع السائد لهذه الشخصية . ولهذا يقول أجدادنا.. العبرة بالخواتيم.. ومايموت عليه العبد من أحوال ، وأعمال ومايشغله في أيامه الأخيرة هو ما سوف يبعث عليه.. تماما كما ينام النائم فيحلم بما استقر في باله من شواغل لحظة أن رقد لينام .

ولهذا أيضا لا تؤخذ النفس بما فعلته وندمت عليه ورجعت عنه، ولاتؤخذ بما تورطت فيه ثم أنكرته واستنكرته، فإن الرجوع عن الفعل ينفي عن الفعل أصالته وجوهريته و يدرجه مع العوارض العارضة التي لا ثبات لها.
وقد أعطى الله الإنسان مساحة كبيرة هائلة من المنازل والمراتب.. يختار منها علوا وسفلا مايشاء.. أعطاه معراجا عجيبا يتحرك فيه صاعدا هابطا بلا حدود.. ففي الطرف الصاعد من هذا المعراج تلطف وترق الطبائع، وتصفو المشارب والأخلاق حتى تضاهي الأخلاق الإلهية في طرفها الأعلى ( وذلك هو الجانب الروحي من تكوينه) . وفي الطرف الهابط تكثف وتغلظ الرغبات والشهوات، وتتدنى الغرائز حتى تضاهي الحيوان في بهيميته، ثم الجماد في جموده وآليته وقصوره الذاتي.. ثم الشيطان في ظلمته وسلبيته ( و ذلك هو الجانب الجسدي الطيني من التكوين الإنساني).
وبين معراج الروح صعودا ومنازل الجسد والطين هبوطا، تتذبذب النفس منذ ولادتها، فتتسامى من هنا وتتردى هناك بين أفعال السمو وأفعال الانحطاط، ثم تستقر على شاكلتها وحقيقتها ( قل كل يعمل على شاكلته ) ومتى يبلغ الإنسان هذه المشاكلة والمضاهاة بين حقيقته وفعله فإنه يستقر ويتمادى، ويمضي في اقتناع وإصرار على خيره أو شره حتى يبلغ نهاية أجله. ومعنى هذا أن النفس الإنسانية أو ( الأنا ) . هي شيء غير الجسد . وهي ليست شيئا معلوما بل هي سر وحقيقة مكنونة لايجلوها إلا الابتلاء، والاختبار بالمغريات.
وماالجسد والروح إلا الكون الفسيح الذي تتحرك فيه تلك النفس علواً وهبوطاً بحثاً عن المنزلة التي تشاكلها وتضاهيها , والبرج الذي يناسب سكناها فتسكنه . فمنا من يسكن برج النار ( الشهوات) وهو مازال في الدنيا ، فلا يبرح هذا البرج حتى الممات ، فتلك هي النفس التي تشاكل النار في سرها , وهي التي سبق عليها القول والعلم بأنها من أهل النار.

وذلك علم سابق عن النفوس لايتاح إلا لله وحده ، لأنه وحده الذي يعلم السر وأخفى ، فهو بحكم علمه التام المحيط يعلم أن هذه الحقيقة المكنونة في الغيب التي اسمها فلان ، والتي مازالت سرا مستترا لم يكشفه الابتلاء والاختبار بعد ، والتي لم تولد بعد ولم تنزل في الأرحام . يعلم ربنا تبارك وتعالى بعلمه المحكم المحيط أن تلك النفس لن تقر ولن تستريح ولن تختار إلا كل ماهو ناري شهواني سلبي عدمي . يعلم عنها ذلك وهي مازالت حقيقة مكنونة لاحيلة لها في العدم .

وهذا العلم الرباني ليس علم إلزام و لا علم قهر ، بل هو علم حصر وإحاطة ، فالله بهذا العلم لايجبر نفسا على شر ، و لاينهى نفساً عن خير ، فهو يعلم حقائق هذه الأنفس على ماهي عليه دون تدخل .

فإذا جاء ميقات الخلق ( وجميع هذه الأنفس تطلب من الله أن يخلقها ويرحمها بإيجادها وهي مازالت حقائق سالبة في العدم ) أعطى الله تلك النفس اليد والقدم و اللسان لتضر و تنفع ، وأعطاها ذلك الكون الفسيح الذي اسمه الروح والجسد لتمرح فيه صاعدة هابطة تختار من منازله ما يشاكلها لتسكن فيه . فإذا سكنت واستقرت، وتسجلت أعمالها قبضها الله إليه يوم البعث والحساب المعلوم . حيث تقرأ كل نفس كتابها، وتعلم منزلتها فلا يعود لأحد العذر في أن يحتج بعد ذلك , حينما يضعه الله في مستقر الجنة أو مستقر النار الأبدية.

وقد أعذر الله وأنذر الجميع من قبل ذلك بالرسل والكتب والآيات، وأقام عليهم الحجة بما وهب لهم من عقل وضمير وبصيرة وحواس تميز الضار من النافع والخبيث من الطي . ولهذا حينما تطالب النفوس المجرمة في النار أن تعطى فرصة أخرى ، وأن ترد إلى الدنيا لتعمل الصالحات ، وحينما يدعي البعض أن تعذيب تلك النفوس أبديا على ذنوب مؤقتة ارتكبتها في الزمن المحدود هو أمر ظالم . حينئذ يجيب ربنا متحدثا عن هؤلاء المجرمين قائلا: ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون . )

د/مصطفى محمود
كتاب/ القرآن كائن حى
‏" إن أقصى مرحلة من النضوج العقلي هي إيقانك التام بأن كل شيء له نهاية، مهما كان سيئًا أو جميلاً بحياتك .. بحيث عند وصولك لهذا اليقين، ستقل لديك مستويات التوتر والخوف سواء من الأشياء السيئة أو الجميلة التي تخشى خسارتها، كما سيطغى على شخصيتك الهدوء والقناعة "
من أنت ؟

من أنت.. حينما تتردد لحظة بين الخير و الشر.. من تكون..؟! أتكون الإنسان الخير أم الشرير أم ما بينهما..؟! أم تكون مجرد احتمال للفعل الذي لم يحدث بعد..؟!
إن النفس لا تظهر منزلتها و لا تبدو حقيقتها إلا لحظة أن تستقر على اختيار، و تمضي فيه باقتناع و عمد و إصرار، و تتمادى فيه و تخلد إليه و تستريح و تجد ذاتها. ولهذا لا تؤخذ على الإنسان أفعال الطفولة، ولا مايفعله الإنسان عن مرض أو عن جنون أو عن إكراه… وإنما تبدأ النفس تكون محل محاسبة منذ رشدها، لأن بلوغها الرشد يبدأ معه ظهور المرتكزات و المحاور التي ستنمو عليها الشخصية الثابتة.
واختيارات الإنسان في خواتيم حياته هي أكثر ما يدل عليه، لأنه مع بلوغ الإنسان مرحلة الخواتيم يكون قد تم ترشح و تبلور جميع عناصر شخصيته، و تكون قد انتهت ذبذبتها إلى استقرار، و تكون بوصلة الإرادة قد أشارت إلى الطابع السائد لهذه الشخصية . ولهذا يقول أجدادنا.. العبرة بالخواتيم.. ومايموت عليه العبد من أحوال ، وأعمال ومايشغله في أيامه الأخيرة هو ما سوف يبعث عليه.. تماما كما ينام النائم فيحلم بما استقر في باله من شواغل لحظة أن رقد لينام .

ولهذا أيضا لا تؤخذ النفس بما فعلته وندمت عليه ورجعت عنه، ولاتؤخذ بما تورطت فيه ثم أنكرته واستنكرته، فإن الرجوع عن الفعل ينفي عن الفعل أصالته وجوهريته و يدرجه مع العوارض العارضة التي لا ثبات لها.
وقد أعطى الله الإنسان مساحة كبيرة هائلة من المنازل والمراتب.. يختار منها علوا وسفلا مايشاء.. أعطاه معراجا عجيبا يتحرك فيه صاعدا هابطا بلا حدود.. ففي الطرف الصاعد من هذا المعراج تلطف وترق الطبائع، وتصفو المشارب والأخلاق حتى تضاهي الأخلاق الإلهية في طرفها الأعلى ( وذلك هو الجانب الروحي من تكوينه) . وفي الطرف الهابط تكثف وتغلظ الرغبات والشهوات، وتتدنى الغرائز حتى تضاهي الحيوان في بهيميته، ثم الجماد في جموده وآليته وقصوره الذاتي.. ثم الشيطان في ظلمته وسلبيته ( و ذلك هو الجانب الجسدي الطيني من التكوين الإنساني).
وبين معراج الروح صعودا ومنازل الجسد والطين هبوطا، تتذبذب النفس منذ ولادتها، فتتسامى من هنا وتتردى هناك بين أفعال السمو وأفعال الانحطاط، ثم تستقر على شاكلتها وحقيقتها ( قل كل يعمل على شاكلته ) ومتى يبلغ الإنسان هذه المشاكلة والمضاهاة بين حقيقته وفعله فإنه يستقر ويتمادى، ويمضي في اقتناع وإصرار على خيره أو شره حتى يبلغ نهاية أجله. ومعنى هذا أن النفس الإنسانية أو ( الأنا ) . هي شيء غير الجسد . وهي ليست شيئا معلوما بل هي سر وحقيقة مكنونة لايجلوها إلا الابتلاء، والاختبار بالمغريات.
وماالجسد والروح إلا الكون الفسيح الذي تتحرك فيه تلك النفس علواً وهبوطاً بحثاً عن المنزلة التي تشاكلها وتضاهيها , والبرج الذي يناسب سكناها فتسكنه . فمنا من يسكن برج النار ( الشهوات) وهو مازال في الدنيا ، فلا يبرح هذا البرج حتى الممات ، فتلك هي النفس التي تشاكل النار في سرها , وهي التي سبق عليها القول والعلم بأنها من أهل النار.

وذلك علم سابق عن النفوس لايتاح إلا لله وحده ، لأنه وحده الذي يعلم السر وأخفى ، فهو بحكم علمه التام المحيط يعلم أن هذه الحقيقة المكنونة في الغيب التي اسمها فلان ، والتي مازالت سرا مستترا لم يكشفه الابتلاء والاختبار بعد ، والتي لم تولد بعد ولم تنزل في الأرحام . يعلم ربنا تبارك وتعالى بعلمه المحكم المحيط أن تلك النفس لن تقر ولن تستريح ولن تختار إلا كل ماهو ناري شهواني سلبي عدمي . يعلم عنها ذلك وهي مازالت حقيقة مكنونة لاحيلة لها في العدم .

وهذا العلم الرباني ليس علم إلزام و لا علم قهر ، بل هو علم حصر وإحاطة ، فالله بهذا العلم لايجبر نفسا على شر ، و لاينهى نفساً عن خير ، فهو يعلم حقائق هذه الأنفس على ماهي عليه دون تدخل .

فإذا جاء ميقات الخلق ( وجميع هذه الأنفس تطلب من الله أن يخلقها ويرحمها بإيجادها وهي مازالت حقائق سالبة في العدم ) أعطى الله تلك النفس اليد والقدم و اللسان لتضر و تنفع ، وأعطاها ذلك الكون الفسيح الذي اسمه الروح والجسد لتمرح فيه صاعدة هابطة تختار من منازله ما يشاكلها لتسكن فيه . فإذا سكنت واستقرت، وتسجلت أعمالها قبضها الله إليه يوم البعث والحساب المعلوم . حيث تقرأ كل نفس كتابها، وتعلم منزلتها فلا يعود لأحد العذر في أن يحتج بعد ذلك , حينما يضعه الله في مستقر الجنة أو مستقر النار الأبدية.

وقد أعذر الله وأنذر الجميع من قبل ذلك بالرسل والكتب والآيات، وأقام عليهم الحجة بما وهب لهم من عقل وضمير وبصيرة وحواس تميز الضار من النافع والخبيث من الطي . ولهذا حينما تطالب النفوس المجرمة في النار أن تعطى فرصة أخرى ، وأن ترد إلى الدنيا لتعمل الصالحات ، وحينما يدعي البعض أن تعذيب تلك النفوس أبديا على ذنوب مؤقتة ارتكبتها في الزمن المحدود هو أمر ظالم . حينئذ يجيب ربنا متحدثا عن هؤلاء المجرمين قائلا: ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون . )

د/مصطفى محمود
كتاب/ القرآن كائن حى
من كتاب / عصر القرود

الرجل السوي لا يتصور الأنوثة مجموعة فتحات وإنما يفهم الأنوثة على أنها أمومة ...والمرأة المرغوبة هي المرأة التي تستطيع أن تجسد الرحمة والحنان ،والتعاطف والمودة والفهم ،وهو يعلم تماما أن الأنوثة ليست صدرا ومقاسات
الحرية هي أن تتحرر المرأة أولا من إلحاح الحيوان في داخلها ومن فحيح الغاب ولهاث الحواس ...لتصبح إنسانا.
ان الحب والرغبة قرينان ...وانه لا يمكن ان تحب نسمات المراة دون ان ترغبها ،ولهدا ما تلبث نسمات الحب الرفافة الحنون ان تمازج الدم واللحم ،والجبلة البشرية فتتحول الى ريح واعصار وزوبعة تدفع بالمراة الى حضن الرجل،حيث ينصهر اللحم والعظم في اتون من الشهوة العارمة ،واللذة الوقتية التي تكاد تشتعل حتى تنطفئ
هل اقول ان الحب يتضمن قسوة خفية،وعدوانا مستترا؟نعم هو كذلك اذا اصطبغ بالشهوة ،وهو لا بد ان يتلون بالشهوة بحكم البشرية
الحيوانات تمارس الحب والشهوة وتتبادل الغزل وإنما الإنسان وحده هو الذي امتاز بهذا الإطار من المودة والرحمة والرأفة،لأنه هو وحده الذي استطاع أن يستعلي على شهواته فيصوم وهو جائع ويتعفف وهو مشتاق..
يقول الله في حديثه القدسي إلي المذنب :

"يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " ..

فتلك ثمرة التوحيد ، وهذا ثواب كلمة لا إله إلا الله ، إذا جعلها الواحد منا حياته وسلوكه ومنهجه ونبضه و تنفسه وذوب قلبه ..وهذا ما أراده القرآن الكريم بإسلام الوجه لله سبحانه وتعالي .. وهذا ما أراده رسولنا العظيم محمد عليه الصلاة والسلام ، حينما سأله أحدهم أن يوجز له الدين الذي تلقاه عن ربه في كلمتين .. فقال كلمته الجامعة : " قل لا إله إلا الله ثم استقم " ..

وهذه هي الملة الحنيفية ملة أبينا إبراهيم الذي لم يعرف لنفسه إلهًا ولا خالقًا ولا رازقًا ولا شافيًا ولا منقذًا إلا الله .. والذي أُلقي به في النار وظهر جبريل يسأله حاجته .. فقال له النبي العارف الموحد .. " أما لك فلا و أما إلى الله فحسبي الله و نعم الوكيل ".. فكانت النار برداً و سلاماً عليه ..

إنه في ساعة الخوف والهول والفزع لا يسأل أحدًا إلا ربه .. لأنه لا يري أحدًا يملك له شيئًا حتي ولو كان كبير الملائكة الروح القدس بنفسه ..
فلا فاعل في الكون إلا الله .. ولا يملك أحد أن ينفع أو يضر إلا بإذنه..
وتلك مرتبة عرفانية لا يصل إليها إلا الموقنين ..
وهذا معني التوحيد ..
... ... ..
د /مصطفى محمود
كتاب " الإسلام ما هو ؟ "
و أهل الحكمة فى راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله فى راحة لأنهم أسلموا إلى الله فى ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم و رأوا فى أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضا فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هى راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم..
أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و فدان الأرض ، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم و أحمالا من الخطايا و ظمأ لا يرتوى و جوعا لا يشبع..

فانظر من أى طائفة من هؤلاء أنت.. و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك..
... ... ..
د : مصطفى محمود
كتاب / أناشيد الإثم و البراءة .
سعيت وراء علماء التشريح لأعرف ما هو الإنسان..
سرت وراء المشرط و هو ينقب في الأحشاء و المصارين و اللحم و العظم.. و هو يفتح القلب و يتتبع الأعصاب حتى نهايتها.. و هو يقطع المخ نصفين، ثم يقطع كل نصف إلى نصفين.

و بعد ثلاثة آلاف صفحة من كتب التشريح لم أصل إلى شيء و كأنما فتحت حقيبة فوجدت داخلها حقيبة ثم حقيبة، و في نهاية المطاف اكتشفت أني مازلت واقفا في مكاني أدق على الباب نفسه من الخارج، لم ألج إلى الداخل قط.

كنت طول الوقت أتحسس كسوة ذلك الإنسان لاكتشف أن القناع الذي يحجبه ليس ثيابه وحدها.. و إنما جلده ثوب آخر.. و لحمه و شحمه و عظامه كلها ثياب.. أما هو نفسه فبعيد.. بعيد.. تحت هذه الأقمشة السميكة من اللحم و الدم.

قالت لي كتب التشريح إن الإنسان مجموعة من الأحشاء في قرطاس من الجلد.
و لكنها لم تصف لي الإنسان على الإطلاق، و إنما وصفت ثيابه.. أما قلبه، أما عواطفه، فإنها ليست في تلك الكتب.. إنها فينا نحن الأحياء.

إنها الزامر الذي ينفخ من الداخل في ذلك البوق الجسدي الذي يتألف من الفم و اللسان و الشفتين و اليدين و الرجلين فتنطق و تتحرك كأنما هي دمى خشبية تحركها خيوط خفية من وراء خباء.

إنها العاطفة.. الإرادة.. الروح.. النفس.. ال أنا.. سمها كما تشاء.. و لكنها دائما غاية في الوحدة و البساطة.

وراء هذا العديد المتعدد من الأعضاء هناك وحدة..
هناك دائما واحد فقط يتكلم من داخل المعمار الجسدي المعقد التركيب المتعدد النوافذ و الشرفات.. واحد فقط بالرغم من هذه الألوف المؤلفة من الأنسجة و الملايين بلا عدد من الخلايا.

فإذا نظرت إلى الطبيعة حولك بما يتعدد فيها من إنسان و حيوان و نبات لمست مرة أخرى نوعا ثانيا من الوحدة.. فهذا الشتيت المختلف من أشكال الحياة يخفى وراء وحدة.

ليست مصادفة أن تركيب جسمي و تركيب جسمك واحد.. و لا هي مصادفة أننا، لنا رئتان مثلما للحصان و الحوت و العصفور.. و أن رقبة الزرافة على طولها بها سبع فقرات مثل رقبتك القصيرة تماما.. و أن ذيل القرد لك ذيل مثله ضامر متدامج ملتحم في مؤخرتك.. و بالمثل أجنحة الخفافيش هي أذرع مثل أذرعك لها العدد نفسه من الأصابع و العظام و المفاصل، كل ما تمتاز به أن جلدها مشدود عليها كالستارة.

و أنت و الشجرة تتألفان من المواد ذاتها.. كربون و ماء و أملاح معدنية.. و كلاكما تتحولان بالاحتراق إلى فحم.

و كل أنواع الحياة تنهدم بالموت فتستحيل إلى تراب.
أكثر من هذا، يقول لك الفلكي: إن هذا التراب يحتوي على المواد نفسها التي تتركب منها الشمس و النجوم و الكواكب.. و إنك مهما أوغلت في السماء بين النجوم تجد دائما الشيء نفسه، و المواد ذاتها..

كل العالم من مادة واحدة أولية.
لا يمكن أن تكون كل هذه مصادفات.
و إنما هي إصبع تشير إلى أن هناك وحدة نسيج في هذا الكون المتسع العظيم، و أنه بالرغم من الكثرة الظاهرة و التعدد و الاختلاف في الأشياء فإنها في الواقع ليست مختلفة.. و إنما هي مجرد عمائر و تراكيب مختلفة لشيء واحد.

كما تظهر الطاقة مرة على شكل كهرباء، و مرة على شكل حرارة، و مرة على شكل ضوء، و مرة على شكل مغناطيسية، و هي دائما الشيء الواحد ذاته.

الوحدة..
هذا هو موضوع اليوجا..
و المعنى الحرفي لكلمة يوجا بالهندية هو (( الاتحاد و إدراك الوحدة في الأشياء)).. ألا تنظر إلى الدنيا على أنها أنت و هو و هي و هم.. ثم تتقاتلون جميعا.. فهذه خدعة.. و أنتم جميعا واحد، و ما يقع للآخر يقع عليك من حيث لا تدري.. و الألم الذي توقعه بالآخرين يجرحك حيث لا تحس في أعمق الأعماق.
هذا الصراع بينك و بين الآخرين هو تخريب أساسي لفطرة واحدة.

إذا أردت أن تعيش بكل وجودك فعليك أن تفتح ذراعيك لتحتضن كل شي.
و حيثما توجهت لن تكون في غربة، فالطبيعة حولك هي أنت.. و الناس هم أنت.. و الوردة هي أنت.. و النجوم أنت.

أنت و أنا و هم شيء واحد.
هل تستطيع أن تدرك هذه الوحدة؟

علوم اليوجا تقول إنك لا تستطيع أن تدركها إلا إذا تحررت من تقاليدك.. و أخضعت جسدك و عواطفك و غرائزك و عقلك تماما.

إذا أردت أن تسمع صوت الواحد في داخلك فلا بد من إسكات صوت المتعدد أولا.. لابد من إسكات صوت الجسد و النفس و الغريزة و الرغبة و العقل.

و إخضاع الجسد تختص به علوم (( الهاتايوجا )) و هي التمرينات الرياضية المعروفة.
و إخضاع العقل تختص به علوم (( الراجايوجا )).. و هي تمرينات على التأمل و التركيز.
و إذا استطعت إسكات كل شيء فسوف تسمع من أعماق الصمت في داخلك صوت الواحد..
سوف تشعر بالقرابة الحميمة بينك و بين الاشياء.. سوف يعزف في داخلك لحن الانسجام بينك و بين العالم، إذ تدرك التوافق العميق بين عناصرك و عناصره.. و تسودك طمأنينة قدسية فلم يعد هناك داع للتعجل.. ما يفوتك باليمين سوف تحصل عليه باليسار و في الهند يسموا هذا الواحد (( اتمان)).. و في صلاة هندية قديمة لهذا الواحد يقول الشعر السنسكريتي:

إذا ظن القاتل أنه قاتل
و المقتول أنه قتيل
فليسا يدريان ما خفى من أساليبي..
حيث أكون الصدر لمن يموت
و
السلاح لمن يقتل
و الجناح لمن يطير
و حيث أكون لمن يشك في وجودي
كل شيء حتى الشك نفسه..
و حيث أكون أنا الواحد
و أنا الأشياء.

و كأنما شعر جميع المفكرين بهذا الواحد الخفي، و حاول كل منهم أن يعبر عنه بطريقته.. في فلسفة شوبنهور كان اسمه (( الإرادة ))، و في فلسفة نيتشه كان اسمه (( القوة ))، و في فلسفة هيجل (( المطلق ))، و في فلسفة ماركس ((المادة ))، و في فلسفة برجسون (( الطاقة الحية ))، و في جميع الأديان السماوية اسمه الله.

اتفقت جميع الأصابع التي تشير على أن هناك شيئا داخل خباء ذلك الكون يحرك خيوطه.. و كل الخلاف هو خلاف أسماء.
و لهذا تقول علوم اليوجا.. لا تحاول أن تسمي ما لا يمكن تسميته.. تأمل.. لا تنطق بحرف.. عليك بالإصغاء إلى صوت الصمت.

ثم جاء الإسلام بأجمل و أصدق تعريف بذلك الذي من وراء الصمت.. لم يخلط الخالق بالمخلوق كما خلطت اليوجا الهندية كل شيء في وحدة الوجود فجعلت من القاتل و القتيل و السكين شيئا واحد تضيع معه المسئولية و يضيع الجزاء في ضباب الشعر.. و إنما قدم القرآن أنقى صور التوحيد و أرقى صورة لوحدة الخالق و وحدة المخلوقات.. فتوحدها لأنها منه.. أما هو فمتعال عليها.. سبحانه.. ليس كمثله شيء

مقال : يوجا
من كتاب : الشيطان يحكم
للــدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله)
إن كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة و العناية و الرعاية.

لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر.
" إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم. "

حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا..
و إنما هو مؤشر و بوصلة تشير إلى مكان الداء و تلفت النظر إليه.

ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض.
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك.
و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل

فالدنيا ليست كل شيء، و لا يمكن أن تكون كل شيء و فيها كل هذه الآلام و المظالم. و إنما لابد أن يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق إلى أصحابها، و يجد كل ظالم عقابه.

و بالألم و مغالبته و الصبر عليه و مجاهدته تنمو الشخصية و تزداد الإرادة صلابة و إصرار ، و يصبح الإنسان شيئا آخر غير الحيوان والنبات.

ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى.
و شكرا لأيام المرض و آلامه.

د.مصطفي محمود رحمه الله
❤️❤️
الصيام من الشعائر القديمة المشتركة في جميع الأديان.

و هواة الجدل دائما يسألون .. كيف يخلق لنا الله فما و أسنانا و بلعوما و معدة لنأكل ثم يقول لنا صوموا .. كيف يخلق لنا الجمال و الشهوة ثم يقول لنا غضوا أبصاركم و تعففوا .. هل هذا معقول ..

و أنا أقول لهم بل هو المعقول الوحيد .. فالله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك .. لتقوده و تخضعه لا ليقودك هو و يخضعك .. و جسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه و تحكمه و تقوده و تلجمه و تستخدمه لغرضك ، و ليس العكس أن يستخدمك هو لغرضه و أن يقودك هو لشهواته.

و من هنا كان التحكم في الشهوة و قيادة الهوى و لجام المعدة هي علامة الإنسان .. أنت إنسان فقط في اللحظة التي تقاوم فيها ما تحب و تتحمل ما تكره .. أما إذا كان كل همك هو الانقياد لجوعك و شهواتك فأنت حيوان تحركك حزمة برسيم و تردعك عصا .. و ما لهذا خلقنا الله .

الله خلق لنا الشهوة لنتسلق عليها مستشرفين إلى شهوة أرفع .. نتحكم في الهياج الحيواني لشهوة الجسد و نصعد عليها لنكتفي بتلذذ العين بالجمال ، ثم نعود فنتسلق على هذه الشهوة الثانية لنتلذذ بشهوة العقل إلى الثقافة و العلم و الحكمة ثم نعود فنتسلق إلى معراج أكبر لنستشرف الحقيقة و نسعى إليها و نموت في سبيلها .

معارج من الأشواق أدناها الشوق إلى الجسد الطيني و أرفعها الشوق إلى الحقيقة و المثال .. و في الذروة .. أعلى الأشواق لرب الكمالات جميعها . الحق سبحانه و تعالى ..

و لهذا سخر الله لنا الطبيعة بقوانينها و ثرواتها و كنوزها ، و جعلها بفطرتها تطاوعنا و تخدمنا فنحن لم نبذل مجهودا كبيرا لنجعل الجمل يحمل أثقالنا ، أو الكلب يحرس ديارنا ، أو الأنعام تنفعنا بفرائها و لحومها و جلودها .. و إنما هكذا خلقت مسخرة طائعة .. و إنما العمل الذي خلقنا الله من أجله و التكليف الذي كلفنا به هو أن نركب هذه الدواب مهاجرين إلى الهدف .. إلى الله .. إليه وحده في كماله ..

(( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ))
(( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ))

و العبادة لا تكون إلا عن معرفة .

فالحياة رحلة تعرف على الله و سوف يؤدي بنا التعرف على الله و كمالاته إلى عبادته .. هكذا بالفطرة و دون مجهود ، و هل نحتاج إلى مجهود لنعبد الجميلة حبا ..
إنما تتكفل بذلك الفطرة التي تجعلنا نذوب لحظة التطلع إلى وجهها ، فما بالنا لحظة التعرف على جامع الكمالات و الذي هو نبع الجمال كله .. إننا نفنى حبا .

و ما الصيام إلا التمرين الأول في هذه الرحلة .
إنه التدريب على ركوب الفرس و ترويضه و تطويعه بتحمل الجوع و المشقة و هو درس الانضباط و الأدب و الطاعة .

و هذه المعاني الراقية (( الجميلة )) ليس منها ما نعرف في صيام اليوم من فوازير و نكات و هزليات و صوان و مكسرات و سهرات .

و إنما الصائم يفرغ نفسه للذكر و ليس للتليفزيون .. و يخلو للصلاة و قيام الليل و تلاوة القرآن و تدبر معانيه و ليس للرقص و ترديد الأغاني المكشوفة .

و قد كان رمضان دائما شهر حروب و غزوات و استشهاد في سبيل الله .
كانت غزوة بدر في رمضان .. كما كانت حرب التتار في رمضان .. و حرب الصليبيين في رمضان .. و حرب إسرائيل في رمضان .

ذلك هو الصيام الرفيع .. ليس تبطلا .. و لا نوما بطول النهار و سهرا أمام التليفزيون بطول الليل .. و ليس قياما متكاسلا في الصباح إلى العمل .. و ليس نرفزة و ضيق صدر و توترا مع الناس .. فالله في غنى عن مثل هذا الصيام ، و هو يرده على صاحبه و لا يقبله ، فلا ينال منه إلا الجوع و العطش .

و إنما الصيام هو ركوب لدابة الجسد لتكدح إلى الله بالعمل الصالح و القول الحسن و العباد ة الحقة .

و اسأل نفسك عن حظك من كل هذا في رمضان و ستعلم إلى أي حد أنت تباشر شعيرة الصيام.

ــــــــــــــــــــ
يقول الدكتور مصطفى محمود:
"رحمه الله"
قد لاتصدقني إذا قلت لك إنك تعيش حياةً أكثر بذخاً من حياة كسرى .. وإنك أكثر ترفاً من إمبراطور فارس وقيصر الرومان. وفرعون مصر .. ولكنها الحقيقة !!!

إن أقصى ما إستطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان ..

وأنت عندك سيارةً خاصة وتستطيع أن تركب قطاراً ، وتحجز مقعداً في طائرة !

وإمبراطور فارس كان يُضِيء قصره بالشموع وقناديل الزيت..
وأنت تضيء بيتك بالكهرباء !

وقيصر الرومان كان يشرب من السقا ويُحمَل إليه الماء في القرب ..

وأنت تشربُ مياةً نظيفةً معقمةً ويجري إليك الماء في أنابيب

والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز
وأنت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز .

ولويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي

وأنت تحت بيتك مطعم فرنسي ، ومطعم صيني ، ومطعم ألماني ، ومصنع مخللات ومعلبات وحلويات !

ومراوح ريش النعام التي كان يروح بها الخدم على وجه الخليفة في قيظ الصيف واللهيب ..

عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنةٍ بلمسةٍ سحرية بزرٍ كهربائي !!

أنت إمبراطور , وكل هؤلاء الأباطرة والملوك لا يساوون في النعيم شي بالنسبة لك الآن ..

ولكن يبدو أننا أباطرة غلب علينا الطمع .. ولهذا فنحن تعساء برغم النعم التي نمرح ونتقلب فيها ..

فمن عنده سيارة لا يستمتع بها
وإنما ينظر في حسد لمن عنده سيارتان .
ومن عنده سيارتان يبكي على حاله، لأن جاره يمتلك بيتا ..

ومن عنده بيت يكاد يموت من الحقد والغيرة لأن فلان لديه عقارات..

ومن عنده زوجة جميلة يتركها وينظر إلى ما حرم الله ..

وفي النهاية يسرق بعضنا بعضاً ، ويقتل بعضنا بعضاً حقداً وحسداً،
ثم نلقي بقنبلةٍ ذريةٍ على كل هذا الرخاء ..
ونشعل النار في بيوتنا .. ثم نصرخ بأنه لا توجد عدالة اجتماعية ..
ويحطم الطلبة الجامعات .. ويحطم العمال المصانع ..

الحقد والحسد وليس العدالة هو الدافع الحقيقي وراء كل الحروب ..

فإذا إرتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع أجره ثلاثة أضعاف وسوف تثور و تحتج ..

لقد أصبحنا أباطرة .. تقدمنا كمدينة وتأخرنا كحضارة.
إرتقى الإنسان في معيشته ..
وتخلف في محبته.

أنت إمبراطور .. هذا صحيح .. ولكنك أتعس إمبراطور إلا من رحمه الله تعالى بالرضى والقناعة .

وصدق الله حين قال :
(وقليلٌ من عبادي الشكور)
لا بد من الرضا والقناعة بما قسمه الله

نقلا عن: طارق محمد
#أنا_ببلوماني_أنا_أقرأ
مقال : عن الأشواق الإسلامية - الدكتور مصطفى محمود

وصلتني رسائل كثيرة تعلق على مقالي الأخير.. الخروج من مستنقع الاشتراكية.. و بعضها يقول لقد شخصت الداء.. و لم تصف الدواء.. لماذا لم تقل أن الإسلام هو الحل؟.

و أنا أسألهم بدوري..
أي إسلام يقصدون؟!.
إسلام الخوميني أو إسلام حزب الله أو إسلام الريان.
و كل الفرق ترفع لافتات الإسلام.. و كل الإتجاهات تحمل بطاقات إسلامية.. و كل صنوف الإرهاب تحمل مسميات إسلامية..

خطف الرهائن و تفجير الطائرات و تلغيم السيارات يحدث تحت لافتات إسلامية.. و نشل الثروات يحدث باسم مضاربات إسلامية و القناصة على رؤوس العمارات يقتلون الأبرياء في لبنان بشعارات إسلامية.

و كل من يملك لحية و شمروخا و يحفظ آية يريد أن يغير المجتمع بيده.. أو بالجنازير.. ليصبغه بالصبغة الإسلامية.

و في هذه اللحظة يتبادل الأخوة من شيعة أمل و شيعة إيران إطلاق الرصاص و يقتلون بعضهم بعضا في إقليم التفاح و هم من نفس الطائفة الشيعية و بدعاوى إسلامية.

هناك تزييف هائل للشعارات الإسلامية.. و هناك تشويه و تلطيخ للإسلام أحيانا عن جهل، و أحيانا عن عمد..

و الانتهازيون من كل لون يطلعون ببضاعتهم المزيفة على الناس كل يوم.
لقد حولوا الإسلام إلى رصاصة غادرة.
و طوعوا الأحاديث و الآيات لتوافق هواهم.

و لكن الإسلام رحمة و سماحة و مكارم أخلاق..
الإسلام وعي كوني و احتضان للقوانين و السنن الإلهية، و انسياب جميل متناغم مع القدر.. و هو دين العلم و العقل و عقيدة السلام.. و هو أبعد ما يكون عن هذه التشنجات العدوانية.. التي نراها حولنا و التي لا تعكس سوى أحقاد أصحابها.

و طريق الإسلام للتغيير الإجتماعي صريح و واضح.
فالله في القرآن لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
فالله أسند التغيير لنفسه و جعل دورنا في هذا التغيير أن يغير كل منا ما بنفسه.. إصلاح كل واحد منا لنفسه هو البداية.. و أول الطريق.. طبق الشريعة على مملكة نفسك أولا قبل أن تحمل العصا على غيرك.

و هو يقول لعيسى عليه السلام في الحديث القدسي:
يا عيسى عظ نفسك فإذا اتعظت فعظ الآخرين و إلا فاستح مني.
و يقول لمحمد عليه الصلاة و السلام في القرآن (( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم )).

مامن أحد يقدر على تأليف القلوب و لو كان هذا الواحد محمدا عليه الصلاة و السلام و معه مال الأرض.. إنما هو عمل إلهي.. و فضل إلهي.. و منة إلهية.

نستطيع أن نسعى إلى الوحدة العربية بحسن النوايا.. و لكن الله وحده هو الذي سوف يحققها حينما نصبح أهلا لها.. بما قمنا به من إصلاح أنفسنا.

إصلاح كل منا لنفسه و حملها على شريعة الله هي المرحلة الأولى في طريق التغيير.. فهل أصلحنا من أنفسنا.. لنصبح أهلا عند الله ليغيرنا؟.

و هل ما يجري الآن في بلدنا يدل على أننا أصلحنا من أنفسنا.. الجواب بالسلب للأسف.. فنحن أبعد ما يكون عن إصلاح أنفسنا.. و الغش و الكذب و الحقد و الطمع و خراب الذمم و النفاق و الانتهازية و الفسوق و الانحلال، هي الأخلاق السائدة و الطباع الغالبة على الكبير و الصغير.

و بالكلام عن زعامة تستطيع أن تغير أحوالنا في أربع و عشرين ساعة و تنشر الفضيلة بقرار وزاري.. كلام فارغ.. و الكلام عن جماعة إسلامية تغيرنا بالقهر و بالقمع و بالضرب على الأيدي كلام أكثر سذاجة..

إن الكرباج لن يصنع سوى الخوف.. و الخوف لن يؤدي إلى فضيلة و إنما إلى العكس.. إلى النفاق و المداراه..

و دور الإسلام إذن ليس الجنازير و لا التأديب بالشماريخ.. و لكن الدعوة بالتي هي أحسن.. و نشر الأخلاق بالقدوة الحسنة و الكلمة الطيبة.. و إحياء الضمائر في الناس.. ليبدأ كل إنسان رحلة تأديب نفسه و إصلاح نفسه بنفسه.

لقد ظل النبي عليه الصلاة و السلام يدعو الناس بالحسنى ثلاث عشرة سنة بلا عنف و بلا حرب.
و نحن الآن في في هذه المرحلة.. مرحلة الدعوة.. و إحياء ضمائر الناس..
إلى متى.. الله أعلم.. هذا يتوقف على همتنا.. و على صدق توجهنا..
فإذا أصبحنا أهلا للتغيير الشامل.. فإن الله حينئذ سوف يمدنا بالأسباب و بالظروف المواتية و القيادات المستنيرة و الحلفاء المخلصين و العون المادي و المدد الروحي.

و لا يستطيع شخص واحد أن يغير التاريخ .. لأن التغيير التاريخي عمل متعدد الأطراف تدخل فيه عوامل لا تحصى و لا يقدر عليه إلا خالق الزمان و المكان و الناس .. الله الذي بيده مقاليد كل شيء ، و الذي بيده كل القلوب و الإرادات و العناصر ..

و إنما كل دورنا أن نصلح من أنفسنا لنصبح أهلا لهذا التغيير .
و ليس في هذا الرأي دعوة إلى كسل .. لأن إصلاح النفس سوف يحتاج إلى استنهاض كل الهمم و تحصيل كل الأسباب .

إنه الجهاد الأكبر الذي سيحتاج منا إلى العزم كل العزم ، و إلى العلم كل العلم ، و إلى العمل كل العمل .. هذا دور كل منا في هذه المرحلة ..
و هذا هو كلام الإسلام .. و الدرس المستفاد من تاريخه .
و الذي يقول غير ذلك يخدع نفسه و يخدعنا .
هناك أشواق إسلامية في كل بلد .. و هي ظاهرة حميدة و طيبة و مبشرة .. و لكن هذه الأشواق تحاول أن تقفز على الزمن و تختصر التاريخ و تحقق الدولة الإسلامية بدون أن تمر على المرحلة الأولى الضرورية و هي صناعة الفرد المسلم .. و هي عجلة لا مجدية .

إن حملة الرايات الإسلامية ليسوا على مستوى الأزمة .. و ليسوا على مستوى المرحلة التاريخية التي يتصدون لها .. و هم إما رافض و إما متزمت و إما سلفي لا يرى للنصوص إلا تفسيرا واحدا ، فإذا طلعت عليه بتفسير آخر اتهمك بالكفر و أعلن عليك الحرب .. و أكثرهم فهم الأصولية على أنها غلظة و عنف و قتل للمخالفين أيا كانت القضية التي اختلف فيها .

و غسيل المخ الذي جرى للشباب في إيران مثال قريب .. و ما يفعله حزب الله كل يوم .. و ما فعلته جماعات التكفير و الهجرة و جماعات الناجون من النار .. و الجهاد .. و غيرها .

و مثل هذه القيادات المندفعة و المتعصبة و الهوجاء لا تؤتمن على سفينة الإسلام .. و لا تستطيع الملاحة في البحار الدولية المضطربة لأنها عجزت عن أن تحكم نفسها ، فكيف تحكم أمما و مجتمعات ؟!.

هؤلاء ناس يجب أن يغيروا ما بأنفسهم أولا .. يجب أن يقتلعوا هذا الغل و هذا الهوى العارم للسلطة و للبطش و للتنكيل .. قبل أن يصبحوا أهلا لقيادة شيء أي شيء .
و صدق الله العظيم إنه لن يغير ما بهؤلاء القوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. إنها سنة إلهية و قانون من قوانين حركة التاريخ .. و لهذا أفشلهم الله و أحبط أعمالهم .

و الحقبة التي نعيش فيها هي حقبة تخلف ديني و علمي و اجتماعي و اقتصادي و أخلاقي .. حقبة مراهقة سياسية .. و مراهقة إسلامية .

و المرحلة المطلوبة هي مرحلة دعوة و تربية و تحصيل علمي و نهضة للعمل و احتشاد للانتاج و مجاهدة للأخلاق الذميمة و إحياء للضمائر الميتة و محاولة لسياسة النفس أولا على قيم الإسلام .. و من يفعل هذا يكون مسلما عظيما و سوف يساهم بفعله في انتشال المركب من القاع .. و هذا دورنا الآن .. أن ننتشل المركب من القاع ..

و يخطئ من يسوق هذه المرحلة نحو انقلابات فجة و ثورات عقيمة و فتن مضلة .

و يضر بالإسلام من يزج به في بحار السياسة الملوثة و يدفع به إلى دهاليزها المريبة و سراديبها المظلمة التي يتوه فيها الحليم .. و لن يصل إلى شيء سوى الضياع في السراديب و الانخداع بالأكاذيب .

لم يأت الأوان بعد يا أخوة ..
و أمامنا ليل طويل من الامتحان .. قبل أن يؤذن الفجر .. هذا إذا رأى رب الكون أننا نضجنا و أصبحنا أهلا لأن يطلع علينا شمس عصر جديد .

لنتعاون أولا و نضع اليد على اليد لننتشل المركب من القاع ..

المصدر : كتاب (( قراءة للمستقبل ))
للدكتور مصطفى محمود
سيجد شيئاً عجيباً في نفسهالعذاب ليس له طبقة
الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب.
و ساكن الحي الراقي الذي يجد الماء و النور و السخان و التكييف و التليفون و التليفيزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم و السكر و الضغط
و المليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به، يشكو الكآبة و الخوف من الأماكن المغلقة و الوسواس و الأرق و القلق.
و الذي أعطاه الله الصحة و المال و الزوجة الجميلة يشك في زوجته الجميلة و لا يعرف طعم الراحة.
و الرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء و انتصر في كل معركة لم يستطع أن ينتصر على ضعفه و خضوعه للمخدر فأدمن الكوكايين و انتهى إلى الدمار.
و السيد أو الرئيس أو الملك الذي يملك الأقدار و المصائر و الرقاب تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه ذليلا لنزواته.
و بطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات.
كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعد الفوارق.
و برغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء الدنيوي متقارب.
فالله يأخذ بقدر ما يعطي و يعوض بقدر ما يحرم و ييسر بقدر ما يعسر.. و لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه و لرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.. و لما شعر بحسد و لا بحقد و لا بزهو و لا بغرور.
إنما هذه القصور و الجواهر و الحلي و اللآلئ مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب.. و في داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات و الآهات الملتاعة.
و الحاسدون و الحاقدون و المغترون و الفرحون مخدوعون في الظواهر غافلون عن الحقائق.
و لو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق و لو أدركه القاتل لما قتل و لو عرفه الكذاب لما كذب.
و لو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس و لسعينا في العيش بالضمير و لتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب في الدنيا و لا مغلوب في الحقيقة و الحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر و محصولنا من الشقاء و السعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات.. فالعذاب ليس له طبقة و إنما هو قاسم مشترك بين الكل.. يتجرع منه كل واحد كأسا وافية ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر و تباين الدرجات و الهيئات
و ليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة و شقاء و إنما اختلاف مواقف.. فهناك نفس تعلو على شقائها و تتجاوزه و ترى فيه الحكمة و العبرة و تلك نفوس مستنيرة ترى العدل و الجمال في كل شيء و تحب الخالق في كل أفعاله.. و هناك نفوس تمضغ شقاءها و تجتره و تحوله إلى حقد أسود و حسد أكال.. و تلك هي النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله.
و كل نفس تمهد بموقفها لمصيرها النهائي في العالم الآخر.. حيث يكون الشقاء الحقيقي.. أو السعادة الحقيقية.. فأهل الرضا إلى النعيم و أهل الحقد إلى الجحيم.
أما الدنيا فليس فيها نعيم و لا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط بينما في الحقيقة تتساوى الكؤوس التي يتجرعها الكل.. و الكل في تعب.
إنما الدنيا امتحان لإبراز المواقف.. فما اختلفت النفوس إلا بمواقفها و ما تفاضلت إلا بمواقفها.
و ليس بالشقاء و النعيم اختلفت و لا بالحظوظ المتفاوتة تفاضلت و لا بما يبدو على الوجوه من ضحك و بكاء تنوعت.
فذلك هو المسرح الظاهر الخادع.
و تلك هي لبسة الديكور و الثياب التنكرية التي يرتديها الأبطال حيث يبدو أحدنا ملكاو الآخر صعلوكا و حيث يتفاوت أمامنا المتخم و المحروم.
أما وراء الكواليس.
أما على مسرح القلوب.
أما في كوامن الأسرار و على مسرح الحق و الحقيقة.. فلا يوجد ظالم و لا مظلوم و لا متخم و لا محروم.. و إنما عدل مطلق و استحقاق نزيه يجري على سنن ثابتة لا تتخلف حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم و ينير بها ضمائر العميان و يلاطف أهل المسكنة و يؤنس الأيتام و المتوحدين في الخلوات و يعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم.. ثم يميل بيد القبض و الخفض فيطمس على بصائر المترفين و يوهن قلوب المتخمين و يؤرق عيون الظالمين و يرهل أبدان المسرفين.. و تلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم و النسمات المبشرة التي تأتي من الجنة.. و المقدمات التي تسبق اليوم الموعود.. يوم تنكشف الأستار و تهتك الحجب و تفترق المصائر إلى شقاء حق و إلى نعيم حق.. يوم لا تنفع معذرة.. و لا تجدي تذكرة.
و أهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم و رأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحو عقولهم أيضا، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم.
أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فمازالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و أمتاراً من الأرض، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم و أحمالا من الخطايا و ظمأً لا يرتوي و جوعا لا يشبع.
فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت.. و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك.
(من روائع دكتور مصطفى محمود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وغفر له)
و أهل الحكمة فى راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله فى راحة لأنهم أسلموا إلى الله فى ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم و رأوا فى أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضا فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هى راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم..
أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و فدان الأرض ، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم و أحمالا من الخطايا و ظمأ لا يرتوى و جوعا لا يشبع..

فانظر من أى طائفة من هؤلاء أنت.. و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك..
... ... ..
د : مصطفى محمود
كتاب / أناشيد الإثم و البراءة .
2024/11/18 17:26:30
Back to Top
HTML Embed Code: