Telegram Web Link
ما هي الأسباب التي تكفر الذنوب؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

أحدها : التوبة ، وهذا متفق عليه بين المسلمين . قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) ، وقال تعالى :  ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم  ، وقال تعالى : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) ، وأمثال ذلك .  

السبب الثاني : الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال : " إذا أذنب عبدٌ ذنباً فقال أي رب أذنبت ذنباً فاغفر لي ، فقال : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي .. الحديث " . رواه البخاري (٦٩٥٣) ومسلم (٤٩٥٣) .

وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون ثم يستغفرون فيُغفَرُ لهم " . (التوبة/٤٩٣٦) .

السبب الثالث : الحسنات الماحية ، كما قال تعالى : ( أقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفَاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (٣٤٤) وقال : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غُفِرَله ما تقدم من ذنبه " . رواه البخاري (٣٧) ومسلم (١٢٦٨) ، وقال : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَله ما تقدم من ذنبه " . رواه البخاري (١٧٦٨) ،
وقال : " من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . رواه البخاري (١٦٩٠) ، وقال : " فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " . رواه البخاري (٤٩٤) ومسلم (٥١٥٠) ، وقال : " من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكل عضوٍ منها عضواً منه من النار ، حتى فرجه بفرجه " . رواه مسلم (٢٧٧٧). وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح ، وقال : " الصدقةُ تُطْفِئُ الخطيئة كما يُطْفِئُ الماءُ النارَ، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ .  "

والسبب الرابع الدافع للعقاب : دعاءُ المؤمنين للمؤمن ، مثل صلاتهم على جنازته ، فعن عائشة ، وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من ميت يصلى عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شُفِعُوا فيه " . رواه مسلم (١٥٧٦) ، وعن ابن عباس قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : " ما من رجلٍ مسلمٍ يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً ، إلا شفعهم الله فيه " . رواه مسلم (١٥٧٧) . وهذا دعاء له بعد الموت .

السبب الخامس : " ما يعمل للميت من أعمال البر ، كالصدقةِ ونحوها ، فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة ، واتفاق الأئمة ، وكذلك العتق والحج ، بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " . رواه البخاري (٥٢١٠) ومسلم (٤٦٧٠) .

السبب السادس : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة ، كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة ، مثل قوله في الحديث الصحيح : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي "صححه الألباني في صحيح أبي داوود (٣٩٦٥) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة ، فاخترت الشفاعة ..." انظر صحيح الجامع (٣٣٣٥) .

السبب السابع : المصائب التي يُكَفِرُ الله بها الخطايا في الدنيا ، كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " ما يُصيب المؤمن من وصبٍ ولا نصب ولا همٍ ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخاري (٥٢١٠) ومسلم (٤٦٧٠) .

السبب الثامن : ما يحصل في القبر من الفتنة ، والضغطة ، والروعة ( أي التخويف ) ، فإن هذا مما يُكَفَرُ به الخطايا .

السبب التاسع : أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها .

السبب العاشر : رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد " . المرجع مجموع فتاوى ابن تيمية (ج٧ ص " ٤٨٧- ٥٠١ ") .
تشميت العاطس، وما يقال في هذا الموضع

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ : ( هَذَا حَمِدَ اللَّهَ ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ ) . رواه البخاري (٦٢٢١) ومسلم (٢٩٩١) .

وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ : " دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيْتِ بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا ، فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا ، فَلَمَّا جَاءَهَا قَالَتْ : عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا ؟ 
فَقَالَ : إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَمْ أُشَمِّتْهُ ، وَعَطَسَتْ فَحَمِدَتْ اللَّهَ فَشَمَّتُّهَا ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ ) .
رواه مسلم (٢٩٩٢) . 

تدل هذه الأحاديث على أن من يحمد الله عند العطاس فإنه يشمت، ومن لا يحمد الله فإنه لا يشمت،
ولعل الحكمة من هذا حتى يعتاد المسلمين على حمدالله عند العطاس، فإن حمدالله مما ينبغي لما يحصل عند العطاس من المنفعة لجسد العاطس من التخلص من الأحتقانات المضرة بالجسد، ولسلامة العاطس بعد عطاسه لما يسببه العطاس من الدوران والحركة القوية والمفاجأة لأعضاء الجسد .

❍ قال النووي رحمه الله :
" هَذَا تَصْرِيح بِالْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ إِذَا حَمِدَ الْعَاطِس , وَتَصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ تَشْمِيته إِذَا لَمْ يَحْمَدهُ فَيُكْرَه تَشْمِيته إِذَا لَمْ يَحْمَد , فَلَوْ حَمِدَ وَلَمْ يَسْمَعهُ الْإِنْسَان لَمْ يُشَمِّتهُ ، وَقَالَ مَالِك : لَا يُشَمِّتهُ حَتَّى يَسْمَع حَمْده ، قَالَ : فَإِنْ رَأَيْت مِنْ يَلِيه شَمَّتَهُ فَشَمِّتْهُ " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (١٨/١٢١) .

ما يقال عند تشميت العاطس؟ .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ) . رواه البخاري (٦٢٢٤) .
قال الإمام البخاري في "الأدب المفرد" (ص ٢٤٩) : "هذا الحديث أثبت ما يُروى في هذا الباب" انتهى .
اي أن ما يقال عند تشميت العاطس بعد حمده، ورد العاطس على من شمته،
قد ورد بألفاظ مختلفة وهذا الحديث أثبت ما جاء في هذا الموضع .

منها ما روى أبو داود (٥٠٣١) والترمذي (٢٧٤٠) عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَقُلْ : يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ ) . ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود .

وروى مالك في الموطأ (١٨٠٠) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، قَالَ : يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ .

فنفهم من هذه الأحاديث أن تشميت العاطس ورده ليس مقيد برد واحد أو أكثر بل له ردود
ولعل ذلك أنه يرد بما يعرف بالأدعية النبوية عن الشكر كما وردت بالمواضع .
خطوات الاستعداد لرمضان(٢)، المسارعة في التفرغ من الأعمال التي قد تشغل المسلم عن أداء العبادات في رمضان

المسلم الفطن يعلم كم بهذا الشهر من الأهمية العظيمة، وبما له من عظيم الفضل عند رب العالمين، لما يستطيع أن يغتنم فيه من الأعمال الصالحة ويدخر فيه من الأجور، وخصوصا أن أجور الأعمال تتضاعف في رمضان،
لكن نظراً لكون الأنسان يحتاج للعمل حتى يكسب لمعيشته، فكان من الجيد له أن ينظم أوقاته ويحاول التفرغ للعبادات في هذا الشهر بالقدر المستطاع،
فإذا كان لدى الإنسان وظيفة فينظم أوقاته في شهر رمضان بعد عودته من العمل، ويخصص من وقته بعد عودته بما يقدر عليه لأداء العبادات،
وفإذا كان تاجراً فإنه يحاول الأجتهاد في بالعمل في تجارته قبل دخول الشهر، حتى يغتنم بما يستطيع له لشهر رمضان من غير مشقة، فإذا دخل عليه الشهر يكون لديه ما يكفيه من الوقت لتأدية ما يرغب به من العبادات،
وهكذا مثله البائعين، وأصحاب المحلات، وغيرهم، فيرتبون أوقاتهم ويجعلوا بعضه خاص للعبادة، أو ليقومون ببعض الأعمال أستباقاً لرمضان بالأجتهاد بالعمل إن أستطاعوا،
فيحاولون أغتنام الوقت بما يستطعون لهذا الشهر العظيم، حتى يدخل عليهم الشهر ولديهم ما يحتاجوا إليه من الوقت لأداء ما يمكنهم ويرغبون به من العبادات، وهكذا من يرتبون أوقاتهم في رمضان ويخصصون وقت للعبادات التي يقدروا عليها فيه .

فليحرص كل من يرغب على تأدية العبادات في رمضان على ترتيب وتنظيم أوقاته من الأن لمحاولة أغتنام الوقت في رمضان وتأدية العبادات بالقدر المستطاع، فيكون الإنسان متفرغا بقدرا ما من الأعمال في رمضان،
وفيدخل علينا الشهر ولدينا ما يكفينا من الوقت للتقرب لله تعالى بشتى أنواع العبادات،
فيغتنم الإنسان الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات، ويبتعد عن الذنوب والمعاصي والسيئات، ولحتى يكتمل له أجر الصيام،
عسى الله عز وجل أن يمن علينا بالقبول بما سنقوم فيه من الأعمال ويوفقنا بالإستقامة على الحق، والطريق المستقيم والثبات على الأعمال الصالحات، اللهم آمين .

قال تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . [ ١٨٥/البقرة]  .
فالله يريد لنا اليسر في الصيام وفي غيره من العبادات وهذا على وجه العموم، وعلى وجه خاص فأن أغتنام الوقت للتفرغ في رمضان لأداء العبادة فهذا مما يدخل البهجة والسرور للنفس إن أستطاع، وكل ما كان فيه يسر بالعبادة فأنه يرغب بالمزيد من آدائها .
قال ابن رجب الحنبلي :

قال [ عمر بن عبد العزيز ] : " أيها الناس مَن ألمَّ بذنبٍ فليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفر وليتب ، فإنما هي خطايا مطوَّقة في أعناق الرجال ، وإن الهلاك في الإصرار عليها " .

 ومعنى هذا: أن العبد لا بد أن يفعل ما قدِّر عليه من الذنوب، كما قال النبيُّ ﷺ: “كُتب على ابن آدم حظُّه من الزنا، فهو مُدْرِكٌ ذلك لا محالة..”ولكن الله جعل للعبد مخرجًا مما وقع فيه من الذنوب، ومحاه بالتوبة والاستغفار، فإنْ فَعَلَ فقد تخلَّص من شرِّ الذنوب، وإن أصرَّ على الذنب هلك” . انتهى .
" جامع العلوم والحِكَم " ( ١ / ١٦٥ ) .
        بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي جعل التفقّه في الدين من أفضل الأعمال ، وهو علامة الخير ؛ ففي الحديث قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم { مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ}.

وجعل في التعلم رفعة في الدنيا والآخرة ؛ فقال تعالى :{‌‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏} ‏[‏المجادلة‏:‏ ١١].

والمتفقه في دين الله العامل بعلمه المُعلم لغيره : كالغيث  نفع نفسه أولاً وهذّبها وعلّمها ثم بادر لغيره فهو في خير دُنيا ودين .

أما اللاهي  الجاهل في دين الله خسر العلم وخسر الهدى العظيم ؛ فهو في حرمان دُنيا ودين .

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "عَنْ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :

مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به مِنَ الهُدَى والعِلْمِ 📖
كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصابَ أرْضًا، فَكانَ مِنْها نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الماءَ، فأنْبَتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ
وكانَتْ مِنْها أجادِبُ، أمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بها النَّاسَ، فَشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا، وأَصابَتْ مِنْها طائِفَةً أُخْرَى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً ، فَذلكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ، ونَفَعَهُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بذلكَ رَأْسًا، ولَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ بهِ.
📚 [ صحيح البخاري - ٧٩]
البيان والبرهان في مهلكات اللسان .

إن اللسان وما ينطق به من الحروف إما رفعة في الجنة والدرجات وإما سقوط في جهنم والدركات ، فمن أحسن ألفاظه وهذبها وما ينطق إلا بكل خير فقد أفلح وفاز ، ومن يتكلم بما دب ودرج دون تدقيق وتمحيص فقد خاب وخسر ، كلمة ترفعك في الجنة درجات عالية وكلمة تهوي بك في النار سبعين خريفاً .

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ ".[ صحيح البخاري -٦٤٧٤]

ما بين لحييه يعني اللسان وما بين رجليه يعني الفرج يحفظهما من الحرام  .

أعظم آفات اللسان والكلمات المهلكات قول كل ما فيه تعدي وتمادي على الذات الإلهية من التقليل والتنقيص ووصف الله بشيء لا يليق بعظمته ، فصاحب هذا القول الشنيع ملعونٌ في الدنيا والآخرة وهو خارجٌ من الملة وله خزيٌ وعذاب عظيم ، فالله جل ثناؤه لا يُذكر إلا بكل خير ولا يُوصف إلا بكل تعظيم ، فلا يُنسب إليه نقصٌ ولا يُوصف بما لا يليق به .

ثم تليه ألفاظ الكفر والشرك وما كان بمعنى هذا الأمر ، كالتكذيب بالدين أو بشيء منه والافتراء فيه ، والطعن في الدين وما جاء في الكتاب والسنة وجحود شيء منهما .

قال الله جل ثناؤه : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ، [ التوبة : ٦٥ - ٦٦ ] .


يتبع....
(1)

من آفات اللسان المُهلكة :

الحث على الشر وتوابعه وطرقه ، فنشر الحرام وترويج المنكر وكل ما لا يُرضي الله جل ثناؤه فهو اثم عظيم ، عليه اثم نشره للشر واثم كل من اتبعه وعمل بما شاع ونشر إلى يوم القيامة .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ دَعَا إِلَى هُدى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا "[صحيح مسلم -٢٦٧٤]
وجاء في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله ، قال : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده ، كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده ، كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء ) ، [ صحيح مسلم - ١٠١٧ ] .

ويدخل في ذلك من نشر بدعة أو حديث مكذوب أو مقطع فيه موسيقى أو محتوى فيه نساء متبرجات أو رجال متبخترين فكل من تأثر بهذا المحتوى ونشره فهو في عداد السيئات التي تُحصى يوم الحساب وذلك على الله يسير وهو سريع الحساب .
ومن آفات اللسان :

أن تقول كلاماً فيه تأييد لمُخطئ مخالف لأمر من أوامر الدين ، كتأييد القتل بغير الحق ، واللصوص من يسلب المال والحقوق ، ومن يتعدى على الناس بالأذى والتنكيل ، ومن يقطع رحمه أو يعق والديه وأشباه ذلك ، فلا تؤيد أحدا في منكرٍ فعله .

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ". فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ : " تَحْجُزُهُ - أَوْ تَمْنَعُهُ - مِنَ الظُّلْمِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ". [ صحيح البخاري - ٦٩٥٢]

ويدخل في ذلك ما يُنشر على مواقع التواصل ، وما يُقال في المجالس والتجمعات من تأييد الحرام بكل صوره مثل : تأييد حكم باطل على انسان ، فتوى فيها حكم غير ما انزل الله ، ظلم الزوج لزوجته أو الولدين لولدهم أو أكثر من ذلك أو أقل .
(2)

من آفات اللسان :

قذف المؤمنات المحصنات الغافلات بالزنا وتبعاته وما كان بمعناه كاللمز والغمز في شرفها وعزها ، فلا يحل لأحد أن يتهم أحد بدون حجة وبيان .

قال الله جل ثناؤه : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . [النور-٢٣]

الغافلات بمعنى الغافلات عن الفواحش  وعمّا نسب لهن، فهنّ عفيفات بعيدات عن هذا الطريق ويجهلن الحرام ولا يعرفن له مسلك نقيات تقيات .
2024/09/30 06:32:37
Back to Top
HTML Embed Code: