Telegram Web Link
رقة اخذ أربعمائة دينار مكأفاة لصدقه وأمانته فيظن الناس أن الصدق والأمانة بهذا الثمن الزهيد ..
متى ما قابلت صديقك يا أبي أرجع إليه ماله وأخبره برفضي لصفقته ..

*تابعونا في الحلقه القادمه*
ـ┓━━━━━━━━━━┏
*📖»سعد ابن ورقة«📖*
ـ┛━━━━━━━━━━┗
*الحلقه واحد1⃣*
*كتبها الراوي السوداني : طارق اللبيب*


- دخل يوسف التيمي ديار بني عجلان .. وكان يركب فرسأ اسودا ، وقد علاه الغبار وأخذ منه التعب ما أخذ .. وعند دخوله لأزقة الديار ، قابله أولاد صغار يلعبون في الطريق .. فأوقف الفرس
وقال لهم : يا أولاد أين هو بيت ورقة بن عابد ؟؟
فقال أحد الصبيه : أنا ابنه ماذا تريد ؟
فقال له يوسف : انا أريد أباك ..
قال له : أنا ابنه ومن حقي أن أعلم ماذا تريد منه ، فإما أن تخبرني أو لن أدلك على بيتنا
فقال له يوسف : لن أخبرك ، وسيدلني على بيتكم احد الصبية الآخرين ..
فقال الصبي : أنا القائد هنا ولن يستطيع أحد منهم أن يفعل شيئا ضد إرادتي .
فقال له يوسف : حسنا حسنا أنا معي مال كنت قد أخذته من أبيك دينا ، فأريد أن أرجعه إليه ..
فقال له الغلام : وكم هو الدين ؟
قال : أربعمائة دينار ..
فقال له الولد : يظهر عليك أثر السفر والتعب وقد جئت من مكان بعيد .. فقط من أجل أربعمائة دينار ؟!
فقال له يوسف : الحق حق مها قل أو كثر ..
فقال الغلام : إن أبي رجل كريم قوم .. ورأس قبيلته ، فإن عرف أنك أتيت من السفر من أجل هذه الدنانير ، فلن يرضى وسيغضب عليك ؟
فقال له يوسف : إذا دلني ماذا أفعل أيها الغلام ؟
قال له : تعطيني المال وتذهب إلى أبي كأنك أتيته في زيارة ، فإن سألك عن المال فسأعطيك إياه لترجعه إليه ؛ فإنه بخيل لاخير فيه ..
وإن لم يسألك ، تكمل زيارتك وتذهب وأنا بعد ذهابك سأعطيه المال ، وبهذا لايغضب عليك ولا ترى منه سوء وتكون قد سددت دينك ..
فقال يوسف له : لاعليك خذ هذه الدنانير وافعل مثلما قلت .. فأعطاه صرة فيها دنانير .. وأشار الغلام إلى دار في نهاية الطريق وقال : تلك دارنا ..

فذهب يوسف إلى الدار واستطرق قائلا : ياورقة أنا يوسف بن صخر التيمي
ففتح له الباب وقال مرحبا بالكريم ابن الكرام تفضل بالدخول ..
فأدخله وأخذ بلجام الفرس وربطه له في حلقة كانت في الدار ..
قال له : لقد جئت لك زيارة محبة وود أريد أن أسالك من شئ ؟! هل هذا الغلام الذي يلعب في بداية هذا الطريق مع الصبيان هو ابنك ؟
قال له : نعم هذا ابني سعد بن ورقة …
قال له : هو الذي دلني على الدار ..
فقال له : ثم ماذا ؟
قال له : لاشي غير هذا ..
قال : محال أن يدلك سعد على الدار هكذا بدون أن يكون جرى بينك وبينه أمر عظيم فإنه غلام ليس كالغلمان .. وإنه باستطاعته أن يلوي آراء الرجال عما يريدون ..
وأصر الرجل الضيف أن لا يخبر والد الغلام بشيء مما جرى ؛ لانه يريد أن يعرف هل الغلام أمين أم أنه لص ..

أكمل الرجل زيارته وذهب ..
فجاء الغلام الى أبيه وقال : يا أبي هل ذهب الرجل الذي جاءك اليوم ؟
قال : نعم أكرمناه وذهب في طريقه ..
قال الولد لأبيه : هل كان مستدينا منك شيئا من المال ؟
قال له : لا .. لم يكن بيننا شئ من المال إنما هو ود قديم وصداقة راسخة ..
قال الولد : يا أبي لقد خدعني الرجل ..
قال له أبوه : وكيف ذاك والرجل من أصدق الرجال قولا ، وأوفاهم عهدا ، فحكى له ماحصل ..
فقال له ابوه : لقد أخطأت يا بني .. ما كان لك أن تفعل هذا ، وإنما كان ينبغي أن تدله على الدار وكفى ؛ لأن هذا المال الذي أعطاك لا نسطيع أن نصرفه ؛ لأنه ليس لنا فيه حق ..
قال الغلام : خذه يا أبي وأرجعه إليه متى ما قابلته ..
فأخذ ورقة المال وقال لابنه : غدأ إن شاء الله سأذهب إلى دار يوسف وأعطيه ماله ، وأسأله عن ما قال ..

وعند المساء رجع يوسف إلى دار ورقة ونزل ، فسأله ورقة : الم ترجع إلى بلادك ؟
قال : لا .. ذهبت لزيارة صديق آخر وجئتك راجعا ، لأبيت عندك وأسافر غدا صباحا إن شاء الله ..
فقال له ورقة : لقد أعطاني ابني مالا يقول أنك أعطيته إياه وهو دين لي عليك ..
قال له يوسف : وقد فعلها الغلام ..
قال : نعم .. إن ابني من أكثر الناس أمانة وأصدقهم حديثا ..
قال له : وأنا جئتك من أجل الغلام وليس من أجل المال .. جئت لأرى هل ابنك أمين فيوفي بما قال ، أم أنه سيأحذ المال ويسكت .. ولكن الغلام حقق ظني وسر قلبي ..
فإن هذه الدنانير ليست لك ولا لي .. بل هي لولدك ؛ تقديرا لصدقه وأمانته ..
قال له ورقة : سأعطيه إياها .. وبات معهم ليلته وفي الصباح ودعه وذهب يوسف إلى طريقه ..

فلما أصبح الغلام قال له أبوه : إن الضيف الذي كان عندنا البارحة جاء بالليل وأنت كنت تغط في نومك .. فقال ان أعطيك المال ؛ تقديرا لصدقك وأمانتك ..
فقال الغلام : يا أبي أنا لا أبيع صدقي وأمانتي بأربعمائة دينار ..
قال له أبوه : هو ليس بيعا وإنما مكافأة ..
فقال له : إن الصدق والأمانة لاتكافؤها أربعمائة دينار ..
فقال له والده : إذا ماذا ؟
قال له : فليعطني فرسه وسيفه ، ويزوجني ابنته ، وبذلك يكافؤ صدقي وأمانتي ؛ فإنهما غاليتان عندي ..
فضحك والده وقال : ولكنك صغير على الزواج يابُني ..
قال له : يا أبي الصغير سيكبر والوعود ستبقى ، فليعدني بذلك ..
أنا لا أريد أربعمائة درهم ؛ فيقول الناس إن سعد ابن و
ـ┓━━━━━━━━━━┏
*📖»سعد ابن ورقة«📖*
┛━━━━━━━━━━┗
الحلقه الثانيه 2⃣
- كان سعد بن ورقة طفلا لايتجاوز الثانية عشر ولكنه بفهم رجل وبصدق الصالحين وأمانة الصادقين حقا .. كان يتمتع بروح القيادة والسيادة .. حتى أنه كان في لعبه مع الأطفال يلعب لعبة القائد وجيشه ، ويحب المبارزة بالسيوف المصنوعة من جريد النخل ...
مرت الأيام وذهب ورقة إلى سوق كبير يسمى سوق ( وضرة )..
كان من فرسان الأشراف وهو والد لأربعة ذكور أصغرهم سعد .
ولكنه كان أكبرهم قدرا وفهما وعلما وذكاء ..
دخل ورقة السوق الكبير وكان يتاجر في العطور والأزياء التي تأتيه من بلاد الشام ، وفي السوق قابل صديقا له وتحادثا في أمر يوسف التيمي ..
وما جرى بينه وبين سعد ابن ورقة ..
فقال له : لقد سمعت هذا الكلام من يوسف يتحدث به عن غلام من بني عجلان .. ولكني لم أكن اعلم أنه ابنك ..
قال له ورقة : هل تدري أن سعد يرفض المال الذي وهبه له يوسف ، ويقول : أنه يطلب ابنته زوجة وسيفه وفرسه ..
قال له : أحلام ابنك أكبر من سنه ..
ودوما الآمال تبنى في الصغر وتثمر في الكبر .. فلا تقل لابنك كلاما يثبط همته و يثني عزيمته ..
قال له ورقة : مهما قلنا له من قول يأتينا بحديث يطيش بالعقول ..
أنا سأعطيك هذا المال ؛ لأنك ستقابل يوسف التيمي .. فأخبره برفض ابني وشروط قبوله المكافاة .. يتحادثان ويضحكان ..
ولما رجع ورقة إلى الدار وقابل ابنه .. قال له : يا أبتي هل أعطيت الرجل ماله ؟
قال : لا .. ولكن أرسلته إليه ..
قال ابنه متحسرا : واحسرتاه .. كنت أتمنى أن تعطيه إياه بنفسك وتخبره بشروطي حتى تنقل لي تعابير وجهه ورده على كلامي ..
قال ورقة : يابني إني أسألك سؤالا ..
لماذا تطلب زواجك من ابنة يوسف .. وأهلك الأشراف .. لهم من البنات أجمل ماخلق الله ..
قال له : يا أبتي إن الرجال لايتزوجون النساء من أجل الجمال ، ولكن من أجل الرجال الذين رعوهن ، وأدبوهن ، وربوهن .. فإن صديقك هذا أعجبتني سمته ، وأبهرني منطقه ، وحتى فرسه الذي يمتطيه فرس الفرسان .. رجل يعطي المال للأمين ، ويدعي الدين ليعرف مكان صديقه .. هذا رجل لو كانت له بنت ستكون هي مطلبي ومرادي ..
تبسم ورقة وهو يهز الثانيه عجبا ..

*انتظرونا في الحلقه القادمه*
قصص ومواعظ📚
ـ┓━━━━━━━━━━┏ *📖»سعد ابن ورقة«📖* ـ┛━━━━━━━━━━┗ *الحلقه واحد1⃣* *كتبها الراوي السوداني : طارق اللبيب* - دخل يوسف التيمي ديار بني عجلان .. وكان يركب فرسأ اسودا ، وقد علاه الغبار وأخذ منه التعب ما أخذ .. وعند دخوله لأزقة الديار ، قابله أولاد صغار يلعبون…
بقية الحلقه الأولى


ورقة اخذ أربعمائة دينار مكأفاة لصدقه وأمانته فيظن الناس أن الصدق والأمانة بهذا الثمن الزهيد ..
متى ما قابلت صديقك يا أبي أرجع إليه ماله وأخبره برفضي لصفقته ..

*تابعونا في الحلقه القادمه*
المؤسس عثمان
https://www.tg-me.com/almliki
ـ┓━━━━━━━━━━┏
*📖»سعد ابن ورقة«📖*
┛━━━━━━━━━━┗
الحلقه الثالثه3⃣
⁩ذهب ورقة إلى زوجته وأخبرها ، ودار بينهما مايلي ..
قال لها : هل تعرفين يوسف التيمي ؟
قالت له : نعم أعرفه ، صديقك فارس فرسان بني فسيله ، الذي قاد جيشه لقتال هؤلاء الانجاس الروافض ، ولما سمعوا بمقدمه دخلوا بيوتهم ولبسوا براقع النساء أليس هو ؟!
قال لها : نعم إنه هو .. وهو يطلب مني أن أرسل معه سعد ليعلمه ركوب الخيل ومنازلة الأبطال .. وجئت أطلب إذن أمه .
قالت له : وماذا تريد إلا ؟؟ إلا أن يكون ابنها فارسا مثل يوسف التيمي ..
قل له : إن ابني ولد من صلب الرجال .. وتربى بحليب أم لم يرى أجنبي منها زينة ..
وقل له : إن ابني مادخل جوفه من مال الحرام دينارا ..
وقل له : إن ابني لا يبكي كالأطفال .. ولا يتدلل كالنساء .. وإنما ربيته ليكون اسما عاليا .. مرفوع الرأس .. بارز الصدر .. محمود المقام .. تحمر عيونه إذا حزن ، ويتمعر وجهه إذا غضب ..
وقل له : إن ابني إذا تكلم صمت له الحكماء ، وإذا خرج تمنت أن تلد مثله النساء ..
وقل له : إن ابني زينة الحي ، ونبراس الديار ، ولن يرى منه إلا ما يسره إن شاء الله .
وقد كنت أتمنى أن يجد ابني مثل يوسف ؛ ليصقله ، ويجعله سيفا يفل الحديد ..
ياورقة ناد لي ابني لأوصيه ..
تبسم ورقة من حديث زوجته وجاء ليوسف وقال له : أبشر فإن أمه فرحت كفرحه ، وقالت كذا وكذا .. فقال يوسف : لا أدري أعجب من الغلام أم أعجب من أمه !! ، الآن زال استغرابي من حنكة الغلام ما دامت أمه كذلك ..

دخل سعد إلى أمه يمشي كمشية الفرسان ، ويتبسم تبسم المنتصر .
فلما نظرت إليه قالت له : يا بني غير مشيتك ، وارفق بنفسك ؛ فإن الغرور قاتل ، وإن الإعجاب بالنفس مذموم ولكن الثقة بها محمودة ؛ فمن وثق في نفسه تواضع ، ومن نقصت نفسه عن مايريد تكبر وتصنع ..
يابني إن الصدق في القول منجاة لك من المهالك ولو كنت ترى الموت فيه ..
وإن الكذب مهلكة ولو كنت ترى فيه النجاة ..
يابني إنك ذاهب إلى دار ليست بدارك ، وإلى أهل ليسوا بأهلك .. فلا ترفع صوتك ، ولا تظهر غضبك ، ولا تكثر التلفت في بيوت الناس ، ولاتجلس حتى يؤذن لك .. وإذا جلست فلا تجلس بمحاذاة الكبار ، وإذا جعت فلا تطلب الطعام ، وإذا نعست فاطرد عن عينيك المنام حتى يناموا ..
يا بني لا تسأل عما لايعنيك ، ولاتتكلم في ما لا يمسك ..
يا بني إذا مشيت فأسرع الخطى ، وإذا ضربت فاضرب بقسوة ، وإذا عطفت فاعطف بعدل ..
يا بني إن الكبير حرم فاحترمه ، وإن الصغير ضعيف فارحمه ..
يا بني حارب الراحة فإنها أم الكسل ، وحارب النوم فإنه والد الفشل ..
يا بني لا تتمنى ولكن اسعى لما تريد ؛ فإن الأماني خواطر العاجز ، ولكن العزيمة والمضي فيما تأمل هو شأنك ..
يا بني أريد أن أسمع بك مقداما ولو مت ، ولا أريد أن أسمع عنك جبانا ولو كنت حيا معافى ، ولا تتذكر أمك كفتاه تحن إلى أمها .. وإذا ذهبت ماشيا في مقصدك فلا تلتفت إلى الوراء ..
*" ارحل في أمان الله ورعايته "*

قال لها : أبشري يا أماه ، لقد ولدت رجلا لن يخيب ظنك ، ولن تجدي فيه حسرة .. وودعها ورحل مع يوسف التيمي ..
ولما وصلا إلى ديار فسيلة تفاجأ سعد ابن رقة بما وجد .. وجد أن يوسف زعيم في قومة ، كثير الأبناء ، له سبعة من الولد ومن البنات مثلهم ( أي أربعة عشر بطنا )
ولما رأوا أباهم قد جلب معه صبي علت الدهشة والإستغراب على وجوههم ..
أما الأولاد فهم :
مصعب ، وجابر ، والبشير ، ومحمد الاعرج ، ويونس ، والفيصل ، واليسع قلب الأسد ..
وأما البنات فهن :
سلمى ، ونعمى ، وأروى ، وليلى ، ونسيبة ، ورفيدة ، والعنود ..

وقد أخذ سعد أياما ليتعرف بهم وأنهم من زوجتين .. وأخذ فترة ليعرف أي من الأبناء ابن أي من الأمهات ..
وفي أول دخوله في عصر الجمعة في الرابع من شهر المحرم قال له يوسف : عليك أن تختار في البيتين مع أيهما تريد المقام
قال له : أريد أن أقيم في أول أيامي سبع أيام مع هؤلاء وسبع مع هؤلاء .. وسأخبرك بعدها بمقامي الدائم ..
قال له : أحسنت ، فبمن تبدأ ؟
قال له : أبدأ بما بدأت به أنت .. زوجتك الأولى وأبنائك الكبار ..
قال له : أحسنت أيها الغلام ، ولكل معضلة لك حلولا ..
فأقام ابن ورقة مع أم الكرام زوجة يوسف الأولى وعندها خمسة أولاد وبنتان ..
مصعب ، وجابر ، والبشير ، ومحمد الأعرج ، وبناتها نسيبه ورفيدة .. وكلهم أكبر منه سنا ..
وفرحوا به وأكرموه ، وعلموا من أبيهم أنه ابن صديقه الذي سمعوا به كثيرا .. رجل تاجر من أشراف بني عجلان ..
فأصبحوا من أول الأيام يسمونه الشريف وأحبوه وأعجبوا به الأبناء والأم ، وتمنوا أن يقيم معهم بقية مدته ولكنه كان شرط ..
كان يتمتع بأدب الكبار وبحكمة العلماء وذكاء ليس له مثيل في أبناء عمره ..
وفعل كما أوصته أمه ..
أراد أن يسأل يوسف التيمي عن من من البنات جعلها له في وعده ، ولكنه فضل السكوت ..
ومرت الأيام وأكمل الأسبوع الأول .. ثم قال له يوسف : اليوم يوم انتقالك إلى البيت الثاني أم أنك نسيت ؟
قال : لم أنس ولكني
أريد منك الإذن لي بذلك ..
ارتحل يوسف إلى بيت زبيدة أم اليسع قلب الأسد هذا ولدها الكبير وأصغر منه يونس وهو في عمر سعد الشريف ثم الفيصل أصغر الأبناء ومازال يحبو .. وبناتها أروى وسلمى ونعمى وليلى والعنود .. وكلهن دون البلوغ إلا أروى فهي في السابعة عشر ..
ولكن لم يجد في هذه البيت راحته .. فإن الأطفال ضايقوه ، وأساؤوا معاملته ، وكانوا يلعبون بأغراضه ، ويرشون عليه الماء وهو نائم وهم يلعبون به ويسخرون به طول الوقت ..
ولكنه كان صابرا ليكمل أسبوعه ويرتحل إلى بيت أم الكرام التي أكرمته هي وأبنائها الكبار ..
لما كان يومه الأخير قال لهم : سأرتحل منكم إلى بيت أم الكرام
بكت إحدى البنات وتقاطرت دموعها وهي تقول : لأمها امنعيه يا أمي من الذهاب ودعيه يقيم معنا ؛ فإني أحببته ..
قالت لها امها : يا بنيتي لكل أحد مقام يجد فيه راحته ، وأنا أريده أن يرحل إلى هناك ولا أريده أن يقيم معنا هنا ..
فما إن ذهبت الطفلة التي تسمى سلمى وهي في الثامنة من عمرها ..
استفرد سعد بالأم وقال لها : هل لي أن أسألك سؤالا ؟
قالت له : سل مابدا لك ..
قال لها : لماذا تريدين مني أن أرحل عنك إلى أبناء زوجك وفي علمي كل ضرة تريد أن تتميز على ضرتها .. فما الذي جعلك تتنازلين عن هذا الحق ؟!
قالت له : إنك غلام صغير في عقل رجل كبير حتى نظراتك توحي إلي أنك في الثلاثين من عمرك .. فبصدق لا اطمئن وأنت تسرح مع بناتي وتمرح .. هل تقول الصدق إذا سألتك ؟
قال : سلي ، قالت له : هل أعجبك شئ في بناتي ؟
فتبسم وقال لها : أصدقك القول فإن سلمى الباكية هذه قد شغلت قلبي ، وشغلتني في منامي وأحلامي فسأجعلها لي ولا أريد سواها ، فإما أن أرحل وإما أن تحجبيها مني ؛ فإني إذا رأيتها خفق قلبي وارتجفت أطرافي كقصبة في مهب الريح .. قالت : ارحل ارحل قبل أن يسمعك أحد .. ألا تستطيع أن تكذب وتخفي هذا القول ؟!
رحل ابن ورقة إلى أم الكرام ، وزبيدة أخبرت زوجها بما قال الغلام ، فغضب يوسف التيمي عضبا شديدا ، ونادى سعد .. فجاء سعد ووقف أمامه ووجه يوسف التيمي يتقطع من الغضب ..
نظر ابن ورقة إلى عيني يوسف ولم يرف له جفن ولم ترتعش له يد .. كان ثابتا لا يظهر على وجهه شيء من الفزع
قال له يوسف : ما هذا الذي أسمعه يا فتى ؟
قال : هل أخبرتك زوجتك بقولي ؟
قال : نعم .. وهل أنت تعترف بما تقول ؟
قال له : ليس هنالك أمر عيب فأنكره ، ولم أقل شيئا يستحق مني الخوف من عضبك .. سألتني زوجتك عما أشعر فأخبرتها بالحقيقة .. أنتم أهل الشأن إن كان ماقلته يستحق العقاب فعلى الدنيا السلام .. من أجل هذه النظرات التي تنظر بها إلي يكذب عليكم أولادكم ، وينكرون مايفعلون خوفا فتدفعونهم إلى الكذب دفعا .. لكن لن تجدني جبانا لو قتلتني ..
قل يا عماه ماذا أغضبك في قولي ؟
لأنني شعرت في قلبي شعورا لا تحكم لي فيه ؟ أم لأنني تكلمت بالصدق عما شعرت به ؟
قال له يوسف : كان لك من أول أن شعرت هذا الشعور أن تغادر الدار ..
قال له : لماذا ؟ أنا لا أخاف على أحد من نفسي .. لا تسول لي نفسي أمرا يجر علي اللوم ويصغرني في أعين الرجال .. أنا لا أخون من يطعمني في داره ..
انقضت فترتي ولم ير مني أولادك غير البر والإحسان ، واحتمال الأذى والصبر المتواصل ..
" كل هذا الحديث يدور بين سعد ويوسف وزبيدة تنظر إليهم .. "
التفت إليها زوجها يوسف وقال لها : هل رأيت منه ما يجعلك تشكين في شيء يا زبيدة ؟
قالت : اللهم لا .. ما لفتني شيء غير وعيه الزائد ، وعقله الراجح .. فرأيت أنه ليس كالأطفال فانتابني الخوف منه فسألته ذلك ..
قال له يوسف : يا بني ليس لدينا عليك مأخذ حت نعاتبك ، ولا نستطيع أن نرميك بسوء لم تفعله فنعاقبك .. ولكن ابتعد عن أطفالي ..
قال له سعد : سأفعل .. ولكن هل لي بكلام قبل أن أغادر محكمتك ؟
قال له : قل .. أنا أسمعك ..
قال له : يا عماه لقد وعدتني بتزويج ابنتك وأنا قد اخترت سلمى فأريدك أن تجدد العهد لي بها تحديدا ولا أريد غيرها ..
قال له : يابني إن الأوان لم يئن لهذا الكلام ونحن أتينا بك للتعليم ..
قال له : ولا يمنع ذلك ياعمي أن أعلم من هي شريكتي في حياتي ..
قال له يوسف : قل أني وافقت لك عليها .. ثم كبرت ورفضتك ماذا تفعل ؟
قال له : تكون أنت قد أفيت بعهدك ، ولكن الله لم يقسم لي فيها نصيب ..
فليس عليك بعدها ملامة ..
قال له : أقول لك حسنا .. وماذا تقولين يا أم سلمى ؟
قالت له : أنا لم أعده بشيء .. ولن أعترض اليوم على عهدك له ، ولكن لي كلمتي في وقتها فلكل حدث حديث ..
ارتحل ابن ورقة إلى دار أم الكرام وكان بين الدارين سبعمائة خطوة حسبها سعد يوم ارتحل بينهما ..
وأقام ابن ورقة مع أم الكرام أربع سنوات .. كان يحبها حبا جما .. يحترمها .. فمثلت له أمه وعطفت عليه وأحبته .. كانت تؤثره بالطعام الجيد على أولادها .. إذ أنه أصغر من في البيت ..
كان أولاد أم الكرام فرسان أشاوس لا يشق لهم غبار ولا تلين لهم قناة ولا يستطيع المحاربون مجابهتم في ساحات الوغى ..
في هذه السنوات ال
تي أخذها سعد تعلم كل شيء فكان يخرج لمجالس العرب فيسمع العلم والفقه والأدب والحكمة والشعر والقصص .. وتعلم فنون القتال وأسرار الحروب من يوسف التيمي ..
وتدرب كثيرا مع أبنائه المحاربين الأفذاذ .. وكان ذكيا لبقا لماحا ..لما بلغ السادسة عشر من عمره لم يكن أحد في البقاع والأصقاع يستطيع منازلته ..
لكنه كان دائما مشغول البال بسلمى التي منذ أن خرج من بيته لم يراها ولا مرة ..
حتى في يوم موت أخيها جابر .. ابن أبيها توفي في الثلاثين من عمره .. بسبب الحمر التي اجتاحت اليمن في تلك الأيام ( وكانت تسمى حمى السحايا .. وهو السحائي المعروف ) ..
لم تخرج سلمي في وفاة أخيها ، ولم تحضر جنازته ، ولم يستطيع سعد أن يسأل عنها طيلة تلك الفترة ..
كل أخواتها الصغار والكبار يخرجن إلى العزاء ويذهبن إلى الجوار والأعراس إلا سلمى ، وكل ما يريد سعد أن يسأل عن سبب عدم خروجها كأن شيئا يمسكه ويمنعه ، ولكن جل تفكيره يقول أنهم ربما يمنعونها الخروج خوفا عليها مني ..
في تلك الفترة كانت الحروب في هذه المنطقة .. تتلاشى وتضمحل غارات هنا وهناك من طوائف الشيعة الروافض على بعض القبائل السنية ..
وكان يوسف التيمي قائد الجناح العسكري في السنة .. وكان ابن عمه القاسم ابن عبد الله التيمي .. من جهابذة العلماء الذين كانوا ينيرون الليالي بعلومهم الغزيرة .. وكان أيضا بعض الصعاليك البدو يعتدون على الإبل ويسرقونها وكثيرا مايقطعون الطريق على المسافرين والتجار فينهبون أموالهم ويسوقون إبلهم .. وبعد ذلك إما يقتلوهم أو يتركوهم في الصحراء للموت بالعطش ..
ولما بلغ سعد السابعة عشر من عمره وقد قوي عوده ، وسمك جسده .. فكر في الرجوع إلى أهله .. تغيرت فيه كثير من الطباع .. فأصبح كثير السكوت .. يطيل النظر إلى الأرض .. كثير الحياء والخجل ..

جلس يوما في الصباح أمام يوسف التيمي ورأسه مطأطأ إلى الأرض بكل أدب وقال له : يا عماه منذ شهر وأنا أريد أن أتحدث معك ولكن الحياء منك يمنعني فاليوم جررت الغطاء على قلبي لأخاطبك ياعماه .. لقد أكرمت نزلي ، وعطفت علي عطف الوالد على ولده ، وربيتني كأنني من صلبك .. ما رأيت منك ظلما ، ولا بخلا ، ولا سوءا .. فأصبحت عندي بمقام أبي ، وإنني لا أقوى على فراقك ، ولا على فراق أمي أم الكرام ، ولا إخوتي .. ولكن لكل أمر منتهى ، ولكل مدخل مخرج .. الفترة التي رمناها تمت ونلت الهدف .. فقد علمتني ماجئت من أجله ، وما لم آت من أجله .. فلم أكن أعلم أني سأتعلم الفقه والعلم والأدب والشعر علاوة على فنون القتال .. فكم من الفضل لك علي بعد الله .. وأن لساني يخذلني أن أوفيك شكرا .. وإني أطلب الإذن بالرحيل إلى داري وأنا ملتفح بالخجل ومتسربل بالحياء ..
فقال له يوسف التيمي : لقد أكملت تعليمك ، وأصبحت بطلا تهابه الفرسان ، وجبلا تخاف منه الرياح .. ولكن قبل أن تذهب لنا دين عليك نريد أن تقضيه وعندنا لك وعود نريد أن نوفيها لك ..
فلما قال له ذلك فرح سعد فرحا عظيما .. وأخيرا سيهنأ بلقاء سلمى التي طالما اشتاقت نفسه لرؤياها ..
قال له : أما الدين الذي عليك هو أن بني سهيل جيراننا قد أغار عليهم بدو من جهة صيعر وقادوا منهم ثلاث من أعرق الإبل وأنقاها .. وأن أخوك البشير أراد أن يلحق بهم ويرد لبني سهيل إبلهم فهل تستطيع أن تركب بدله وتذهب إلى هؤلاء الصعاليك البدو وترجع لبني سهيل مالهم ؟
قال : سمعا وطاعة يا عماه .. سأذيقهم مر العذاب ، وسأنزع منهم الحق الذي سلبوه ..
قال يوسف : يا بني اركب فرسي الذي وعدتك به ، واحمل سيفي الذي وعدتك به ، وانتصر عليهم ثم سيفي وجوادي حلال عليك سواء نجحت في مسعاك أم لم تنجح ..
قال له : يا عماه ماشأن الوعد الثالث ؟
قال : أنا على وعدي لأزوجك سلمى ولكن أخشى أن تنكص أنت عهدك وتغير مطلبك فخير لنا أن نسكت ونترك هذا الوعد لئلا يكون لك امتحانا عسيرا يابني ..
قال : قل يا عماه فإنك لن تجدني جبانا ولا عاجزا ..
قال يوسف : يا بني إن سلمى مريضة منذ أربع سنوات ..
*( ماهو شعور سعد بعد أن سمع بمرض سلمى ؟ وما هو المرض يا ترى ؟! )*
*---------------------------*
*" إلى اللقاء في الحلقه الثالثة بمشيئة الله تعالى "*
قصص ومواعظ📚
روايات وقصص اسلاميه
https://www.tg-me.com/ryait
ـ┓━━━━━━━━━━┏
*📖»سعد ابن ورقة«📖*
┛━━━━━━━━━━┗
الحلقه الرابعه 4⃣

سار سعد ابن ورقة من ديار صيعر حتى وصل إلى ديار ملك الجن المسلم عبد الجليل الكاسر فوقف على التلة التي وقف بها الملك لما نادى بكلمة فرقت الرمال ، ولكنه لم يتذكر الكلمة التي نادى بها الملك ، فقال بأعلى صوتة أيها الملك الصالح أنا سعد ابن ورقه قد أتيت على وعدي ، فتطايرت الرمال ، وفتحت الأبواب التي تؤدي به إلى ديارهم ، فاستقبله الملك في أول دخوله ورحب به ، وأدخله إلى دار الضيافة .. وصل ابن ورقة في وقت بين الظهر والعصر ، فصلى وقرأ حزبه من القرآن الكريم ، وحينما بدأ في القراءة اجتمعت الجن حوله يستمعون ويبكون .. فقصد أن يقرأ (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ... إلى آخر الآيات ) ، فقالت الجن بصوت واحد : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير .. وما كان سعد ابن ورقة يعتقد أنه سيلتقي بقوم في هذه الطيبة وهم من الجن ، ولكنه كان متعجبا من ظلم أولئك الفرسان الذين قيدوه في الغار .. فذكر ذلك للملك وقال له : يا مولاي إن أبناءك وأبناء أخيك لايشبهون هذه الأمة التي أراها ، فهؤلاء قوم صالحون وهم ليسوا كذلك .. قال له : يا بني إنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا .. تزوجنا أنا وأخي من قبيلة أخرى ، وتربى أولادنا مع أخوالهم فنشأوا بطبيعة فاسقة فأسأل الله لهم الهداية ، ولكنهم رجال مواقف لايرضون في دين الله طعنا ولاتنقيصا ، ويحبون الله ورسوله .. قال له ابن ورقة : والله إن فيهم خيرا ونرجوا الله لهم ..
طلب منه الملك أن يبيت ليلته تلك ويواصل المسير في اليوم التالي ، وقال له الملك : إن عندي كلام كثير أريد أن أقوله لك في هذه الليلة ، فقد أصبحنا أصدقاء ، والود بين الأخوة ليس شيئا سهلا .. ولما كان من الليل طلب الملك من ابن ورقة أن يصلي بهم العشاء ويعظ القوم من علمه ..
فقال له : إذا أطلب لي أولادك ؛ ليسمعوا موعظتي يا مولاي .. فبعد أن صلى ابن ورقة بالجن صلاة العشاء وقف وقال : أيها القوم إن الله إذا أنعم على العباد نعمة فلم يشكروها سلبت منهم ، وإذا أصابهم بمصيبة فلم يصبروا عليها كانت عليهم وبالا وذنوبا ..
أيها القوم إن الإعجاب بالنفس من شيم الضعفاء وإن التواضع شأن الأقوياء ..
أيها القوم إن القوة بيد الله يمنحها لأهل طاعته ، فإن أهل المعصية ضعافا ولو قويت أجسامهم وعلت قاماتهم ..
أيها القوم إن الله أرسل رسوله ليبلغ الناس الهدى ، فلما قبضه إليه كان حقا على أمته وأحبابه أن يكملوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مهمته ، فيبلغوا رسالته ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) ، وإن الله أعطاكم قدرة لم يأتينا إياها ، وجعل لكم مزايا أكثر منا .. فسخروا قوتكم لنصرة الله ، وسخروا مقدرتكم لمنفعة الخلق وفعل الخيرات ؛ فهذا هو شكر النعم .. فإن اللهو والطرب من شأن السفهاء ..
وإن السكر والعهر لايشبه الأبطال الأوفياء .. وهل يرضى أحدكم أن ينادى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد بالماجن السكير ؟! وبحضور أنبياء الله وعباده الصالحين ؟!
عباد الله .. إن هذه الدنيا زائلة ، والعمر فيها محدود ، فسخروا هذه الساعات المؤقته للإستعداد ليوم الرحيل إلى الدار الأبدية .. والصلاة والسلام على رسول الله .. قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم ..
كان الملك يجلس ويستمع بكل إعجاب ، وبعد أن قضى سعد من خطبته العصماء التي خاطب بها جموع الجن ، دخل القصر مع الملك مكرما ، فجلس معه الملك طويلا ، وتجاذبا أطراف الحديث .. فسأله الملك عن علاقته بيوسف التيمي ؟! فأخبره سعد بالقصة حتى وصل إلى سلمى المريضة التي ترى غرابا وتخاف منه ، فاستغرب الملك من كلامه وقال له : إن التحول إلى الغربان هو سر مملكتنا ، فإن كان ماتراه هذه الفتاة حقيقيا وليس توهما منها فإن هذا جني من مملكتي ، وهو أمر مقدور عليه ..
قال له سعد : وكيف أعرف ذلك يا مولاي ؟
قال الملك : عليك أن تراقب مداخل ومخارج البيت ، فإن رأيت غرابا يقترب منها فقل إني من أصحاب الملك عبد الجليل الكاسر ، وأن عبد الجليل يأمرك أن تأتيه في الحال فإنه سوف يفارقها ، وإن سمع منك كلمة السر هذه فسيصدقك ..
قال سعد : وماهي كلمة السر ؟
قال له : قل له ( الهامة ) فإنها كلمة السر لأفراد جنودنا في مشارق الأرض ومغاربها ..
قال له : " الهامة " هذه التي هي مقدمة الرأس ؟ قال : نعم إنها هي .. فإن لم تر شيئا ولثلاث أيام فاعلم أن الفتاة مخبولة تتوهم ، فالله يكون في عونها ..
فرح ابن ورقة في ليلته تلك ، وعلم أن الله أراد له خيرا ، وأن الجنود السفهاء الذين اعتقلوه وتلك الأيام الخمس التي قضاها في الغار كانت لخير له ونعمة .. فكم من مصيبة يراها الإنسان شرا ولكنها خير له " سبحان الله " ، ودائما الخير فيما اختاره الله ..
أصبح الصباح وسافر سعد ابن ورقة إلى ديار تيم يمتطي " الريح " ، وهو اسم لفرس يوسف التيمي من شدة سرعته ، ويسوق معه الإبل الأصيلة ، ولما وصل ابن ورقة الى الديار في مساء ال
يوم الثامن ولم يجد في الديار أحدا لا في بيت أم الكرام ، ولاحركة في بيت زبيدة الذي يبعد منه سبعمائة خطوة كما ذكرنا سابقا ، كلهم سافروا لعرس ابنهم ..
فوقف ونظر إلى بيت زبيدة وأصبح يتساءل هل سلمى سافرت معهم يا ترى ؟! أم أنها ما زالت في غرفتها حبيسة المرض الذي ألم بها ؟
وبينما هو ينظر خرجت خادمة ليوسف كانت في دار زبيدة اسمها درة .. فناداها سعد : يا درة يا درة تعالي إلى هنا .. فجاءته تمشي فسألها وقال لها : أين الجميع ؟! قالت له : ذهبوا إلى العرس من البارحة ..
قال لها : ومتى يأتون ؟ ، قالت له : غدا مساء إن شاء الله ..
قال لها : ومن معك هنا ؟ قالت ليس معي أحد غير سلمى التي حرمت من حضور العرس بسببها ، وهي تصرخ طول اليوم اذهب أيها الغراب الملعون اذهب اذهب ..
قال لها : وهل رأيت أنت هذا الغراب يا درة ؟
قالت له : والله لا أنا ولا أي أحد رآه ، فإن البنت مجنونة تتخيل ما ليس بحقيقة ، قال لها : ومتى بدأ هذا الصراخ ؟ ؛ لأنها لم تكن تصرخ فيما مضى ، قالت له : منذ أن سافر أهلها ..
قال لها : أنا سأجلس هنا ، وأراقب المكان فإن صرخت فناديني ..
قالت له : ستسمعها ؛ فإن صرختها تدوي .. ذهبت درة إلى سلمى وبقي سعد بالقرب من دار أم الكرام ، وعينه على غرفة سلمى يراقب حتى أرخى الليل ستوره ، ورشق نجومه في كبد السماء ، وكان متعبا فصلى ونام في العراء .. وقام في الفجر فصلى ، ثم أدار وجهه ينظر إلى غرفة سلمى فرأى هنالك ضوء يخرج من نافذتها وكأنها ساهرت الليل تحت السراج .. قام وأخرج شيئا من العشب للدواب فأكلت وسقاها ثم مشى في الصحراء يحوم قلقا من غير هدف ، وإن القلق والشفقة على سلمى تقطع قلبه ، والشوق إلى رؤياها يحرق فؤاده ، ولكنه لم يقترب من غرفتها أبدا .. وبينما هو يحوم رأى غرابا يقترب !!!
فأحس أن هذا الغراب هو الغراب المتهم ، فتبعه بنظره واقترب الغراب من غرفة سلمى ، وكان هذا الوقت بعد الشروق بقليل .. دخل سعد غرفته سريعا وأخذ سيفه وسله من غمده وخرج مسرعا صوب غرفة سلمى ؛ ليرى ماذا يحدث ، وقلبه ينبض سريعا لأمرين ..
أولا : فرح فرحا شديدا إذ أن الأمر ليس توهما ، وهو جني حقا ، والأمل في شفاء سلمى ممكن وقريب إن شاء الله
وفجأة جاء الغراب وحط على نافذة غرفة سلمى ، ودخل الغرفة وصرخت سلمى صراخا مخيفا .. فاضطرب سعد اضطرابا شديدا ، وهرول بسرعة نحو الغرفة وهو يقول : انتظرني أيها الملعون .. اليوم أقطعنك نصفين ..
فلما اقترب سعد من غرفة سلمى طار الغراب ، وحلق في الهواء وهو ينظر إلى سعد ولم يستطع سعد أن يقول له كلمة من وصايا الملك الصالح حتى غاب سريعا في الجوء ، وما زالت سلمى تصرخ .. فوقف سعد على باب غرفتها ليقول لها لقد طار الغراب ، ويهدئ روعها ، فرآها ترتعش من الخوف وهي تحاول أن تغطي جسدها .. فلما رأته صرخت وأغمي عليها ، فأدار وجهه ورجع يصيح لدرة .. يا درة .. يا درة .. الحقي سلمى فقد أغمي عليها ..
قالت له : وأنت ما الذي أدخلك عليها ؟! اليوم سأخبر سيدي بمافعلت أيها الخائن ..
قال لها سعد : يا درة دعك من هذا الكلام وأسرعي إليها ، فهرولت درة ودخلت على سلمى ووجدتها مغمى عليها ، فرشت على وجهها الماء فأفاقت مفزوعة وقالت لها : من هذا الذي دخل علي ؟! ثم استحى سعد وأشاح بوجهه منها ؟
قالت لها درة : هذا هو الخائن الذي يسكن في بيت أم الكرام " سعد بن ورقة " ، قالت لها سلمى : يا الله هذا هو سعد ابن ورقة ؟ لقد أصبح رجلا ، هل تعلمين يا درة أني لم أره منذ خمس سنوات ؟! ، قالت لها : وأنا أراه كل يوم ولم أتكلم معه إلا اليوم لما رأيته يدخل عليك ، فقالت سلمى : وهل رأى مني شيئا ؟ ، قالت درة : لا أعلم ، ولكن جاءني يركض وقال لي : أدركي سلمى قد أغمي عليها ، فلما عنفته ( تكلمت معه بقسوة ) لم يهتم وأمرني بالإسراع إليك ..
قالت سلمى : يا دره هذا الفتى أمين ليس بخائن ؛ فنظرته إلي كانت بالحياء والشفقة وكانت خاطفة ثم إلتفت وأنا لم أعرفه، ولو عرفته لما أغمي علي ، فلا تخبري أبي بشيء فيشكون فيه ، قالت درة : سمعا وطاعة ..
ولما ارتفعت الشمس كان الوقت ضحى قالت سلمى : اذهبي إليه واسأليه ماذا يأكل ؟ ، فاصنعي له طعاما وقولي له إن سلمى بخير .. ففعلت درة مثلما قالت لها سلمى ، وفي أثناء ما كان في غرفته يأكل الطعام الذي صنعته له درة جاء الغراب واختبأ وراء الغرفة ولم يره أحد فكان يتحين فرصة ، فجاءت درة وأدخلت الطعام لسلمى وقالت لها هيا نأكل ، فأكلتا معا وفي أثناء الأكل قالت سلمى : يا درة إن هذا الفتى يشغل قلبي ، منذ أن كنت طفلة وهو يحبني كما أخبرتني أمي بذلك ، ولكن لا أعلم هل هو إلى الآن على حبه ؟ أم أن الأيام غيرت الدواخل .. قالت لها : يا سلمى إن هذا الفتى يحبك حقا ، إنك ما رأيتي كيف كان يتكلم عنك بشفقة عظيمة عندما كنت في الإغماء ، وكان هذا الحوار يدور والغراب يسمع ، فلما خرجت درة تحول الغراب إلى صورة رجل يشبه سعد ابن ورقة ودخل عليها وأزاح عنها ثيابها ، فصرخت فجاءت درة تجري فلم ترى شيئا ، وسلمى تصرخ بصو
ت عالي ..
قالت لها : اطردي هذا الرجل من هنا يا درة ، قالت درة : أنا لا أراه ..
قالت لها : أنت كذابة يا درة ، أنت تتفقين معه لأذيتي ..
فسمع سعد ابن ورقة الصراخ ، فلما خرج من غرفته ، خرج الجني سريعا من غرفة سلمى وتحول إلى غراب وطار .. ولما وصل ابن ورقة بالقرب من الغرفة نادى على درة وقال لها : يا درة ما خبر سلمى ؟
فقالت لها سلمى : يا درة اذهبي إلى هذا الفاسق الذي يناديك .. قالت لها : إنه سعد ابن ورقة .. قالت : إنه نفسه الرجل الذي كان معي .. قالت لها درة : نسأل الله لك العافية ، لم يدخل سعد ابن ورقة في غرفتك يا سلمى ، فهو الآن بالخارج ، قالت لها : أعلم أنه بالخارج ولقد كان هنا وخرج ، ألا يخشى الله هذا الفتى ، سبحان الله لقد كنت أحترمه قبل قليل فسقط من نظري .. قالت لها درة : يا سلمى لا تظلمي بريئا بسبب رؤياك غير الحقيقية ..
قضت يومها كله وهي حزينة حتى جاء أهلها عصرا .. ولما نزل يوسف وأولاده ورأوا أن سعدا قد جاء بالإبل فرحوا واستبشروا ببسالته التي قهر بها الأعداء ، فشكره يوسف وقال له : يا سعد اذهب أنت وأحد إخوتك إلى بني سهيل وأخبرهم أنك أنت الذي أرجعت لهم دوابهم ، قال له : يا عماه ولكن الفضل في ذلك ليس لي وحدي .. قال له : حتى ولو ساعدك أحد لا يهم ذلك فأنت اهتممت بذلك ، اذهب سريعا وأدخل الفرح على بني سهيل فإنهم أصدقاؤنا .. أما سلمى فما زال الحزن والغضب يكتنفاها ، ثم عزمت أن تخبرهم .. فنادت أباها وقالت له : يا أبتي .. إن هذا الفتى الذي يقال له سعد ابن ورقة .. قال لها : نعم وماله سعد يحفظه الله ؟
قالت له : نال منك ، وكشف سترك ، ولم يحفظ غيبتك ..
قال لها : استغفري الله يا بنيتي ماذا حدث؟!
قالت له : لقد تجاوز بابي وجر ثيابي ، وأهان شبابي ..
قال لها أبوها : بئس ما تقولين يا سلمى فأنت تتخيلين ..
قالت له : لقد أخبرتك يا أبي وأنت بالخيار أصدقتني أم كذبتني ..
قال يوسف : يا درة ماذا تقول سلمى ؟!
قالت له : إنها تتخيل يا مولاي .. لم يدخل عليها ، ولما كانت تصرخ هو كان في غرفته .. وأنا شاهدة على ذلك ..
قالت سلمي : يا أبي لا تصدقها وصدقني أنا التي رأيت ذلك ..
فقال لها أبوها : حسنا حسنا يا سلمى أنت صادقة في ذلك .. خير خير ، ارتاحي قليلا حتى أرجع إليك ، ولا تخبري أحدا بما حدث ..
ولما خرج يوسف من غرفة ابنته وبينما هو خارج الغرفة أمام الباب نظر إلى الأرض فرأى آثار أحذية سعد عند الباب ، وهذا الأثر صحيح .. ( عندما جاء ووقف في الصباح عند الباب ليطمئن عليها )
فلما رأى يوسف ذلك الأثر قال : لقد صدقت ابنتي ، إن الفتى خانني وأنا غائب ، ولكن ماذا أفعل به ؟ ، فذهب كئيبا حزينا وهو صامت .. ولم يخبر أحدا بما قالته سلمى ..
جلس يوسف يفكر ويقول في نفسه لماذا يفعل سعد هذا الأمر ؟ وهو بكل هذا الأدب وهذا الإلتزام بالحق والعدل ..
والله لو لم أرى آثار أقدامه أمام بابها لماصدقت ما جرى .. لا إله إلا الله .. يا رب ماهذا الذي يحدث ؟!
فلما وصل سعد فرحا من بني سهيل قابل يوسف وقال له : أبشر يا عماه فإن القوم استبشروا خيرا ، وقد حملوني تحياتهم ودعواتهم لك بدوام الصحة والعافية .. اعلم يا عمي أنه لولا الله ثم تربيتك لي لأن أكون رجلا لما استطعت أن أتجاوز هذه المحنة .. سعد يتكلم ويوسف ينظر إليه عابسا وغاضبا مقلوب الوجه .. فانتبه سعد إلى ما كان عليه عمه يوسف ، وخطر على باله أن الخادمة ربما تكون أخبرت مولاها بأن سعد اقترب من غرفة سلمى ، فأصابه رعب وخوف شديد ..
فقال له يوسف : يا سعد ابن ورقة أنزل الرحل فإني أريدك في بعض الشأن ، هيا بنا إلى تلك البئر نتكلم قليلا ، قال له : أمرك يا عماه ..
فنزل سعد ومشى مع يوسف إلى أن وصلوا البئر حيث لا يراهم أحد من الناس ، فجلسا معا ، فقال يوسف : يا بني أنا عندما رأيتك وأنت طفل فتى براق الثنايا ، مرفوع الهامة ، شريف الأصل ، طيب المعشر ، ذكيا لبقا ، صادقا أمينا .. رأيت فيك ضالتي لأعلمك مما علمني الله من الحق والعلم وفنون الحروب .. فاستأمنني أباك عليك ، ووثقت في أمك ، ودفعوك إلي ولم يٍسألوا عنك طول هذه السنين وهم يحسبون أنني أحسنت تربيتك ، وسأرجعك إليهم خيرا مما أخذتك منهم .. ولكن ماحدث اليوم يجعلني أندم على اليوم الذي أدخلني دياركم لأرى أولئك الصبية يلعبون ، ولأسأل عن دار أبيك .. فإنني ماكنت أحسب أن الذي أكل طعامي ، ونام على فراشي ، واستأمنته عل حرمي يغدر بي ويخون ثقتي فيه ..
خاف سعد في بداية الأمر ، ولكنه كان ثابتا في مظهره ، وعيونه كعيون الرجال ثابتة ، وأطرافه لم ترتعد أبدا ، بل كانت تعلوه ابتسامة الواثق بنفسه .. قال سعد : أكمل ماعندك يا عماه ، فإنني تعودت على أن لا أرد على أحد حتى يكمل حديثه ؛ فربما يكون في ذيل الحديث ما يلقنني حجتي ..
قال له : يا سعد ما الذي حدا بك لتدخل غرفة ابنتي وأنا غائب وتجر عنها ثيابها وتكشف ستري ؟!
قال له : هل أكملت ما تريد أن تقول يا عماه ؟
قال : نعم أكملت ، قال سعد : إذا صبرك علي حتى أكمل حديثي ولا تعجل
ـ┓━━━━━━━━━━┏
*📖»سعد ابن ورقة«📖*
┛━━━━━━━━━━┗
الحلقه الخامسه5⃣

*قال سعد : إذا صبرك علي حتى أكمل حديثي ولا تعجل علي يا عماه ..*
قال له : يا عماه حينما ذهبت إلى هؤلاء اللصوص في صيعر لم يكونوا هم من الصياعرة ، ولكنهم بدو متفلتون ، وصيعر منهم براء ..وفي طريقي حدث كذا وكذا .. وقص له حكاية الجن بالتفصيل .. وقال أعطاني الملك شيئا شربته حيث أنه سيكشف عني ما يحجب عن عامة الناس من رؤية الجن ، فلما جئت هنا حدث أن رأيت الغراب الذي كانت تراه سلمى .. فقاطعه يوسف التيمي وقال له : يا سعد لا تستخف بعقلي ،فأنت رجل صادق من طفولتك فما هذه الأكاذيب التي تحكيها لي ، هل تعتقد أني سأصدق هذه الخرافات ؟! ، فأنا سافرت عشرات المرات بطريقك هذا الذي سلكت فما رأيت شيئا من ذلك .. وأنت تختلق قصصا لتعذر نفسك عما فعلت ، فلو تصدقني القول لربما أعذرك ، فإن العشق يا بني مرض قد يجرك لأشياء لا تستطيع مقاومتها ، فاصدقني ولا تكذب .. قال له : يا عماه أنا قلت لك دعني أكمل حديثي ولا تقاطعني تكرما منك لي ثم تكلم عني بعدها بما تشاء .. قال له يوسف : لقد مللت من هذه الأسطورة التي تحكيها وأضعت وقتي بذلك ..
قال له سعد : اصبر علي حتى أكمل ..
فقال له : أكمل فإني أسمعك ..
قال له : يا عماه فلما رأيت الغراب يدخل غرفة سلمى جئت أحمل سيفي وأصيح لأقطعنك ، فلما بلغت الباب لم أدخل ، فلما رأتني أغمي عليها
وأنا رجعت ولم أدخل عليها .. ثم أتتني درة بطعام فسمعت صرخة أخرى ، ولكنها لم تلبث بها طويلا .. قال له : إذا لماذا لم تخبر الغراب بالكلمة التي قالها لك ملك الجن ؟!
قال له : لقد طار عقلي في تلك اللحظة ولم أذكر شيئا من هول المفاجأة ومن إنزعاجي بالصياح ، ولكن والله لم أدخل عليها ولم أدقق حتى النظر إليها ، وما أظن قولها أني دخلت عليها وأخذت بثيابها إلا أن ذلك الغراب تمثل لها بصورتي ، فضحك يوسف التيمي ساخرا من الغلام وقال : يا بني لقد اهتزت ثقتي فيك ولم أصدق مما قلت كلمة واحدة .. ومن أعاجيب كذبك واختلاقك أنك تريدني أن أصدق خيالات ابنتي ، فلذلك لا أريد أن أكذب عليك ، وإن وعدي معك نافذ ؛ فالفرس لك والسيف لك ، ولكن ابنتي لن تكون لك لأمور ثلاث :
اولا : لأنها ليست مكلفة لأن تعطي فيك رأيا ..
ثانيا : هي غاضبة عليك وترفضك ..
ثالثا : لأنك استعجلت أمرك ، وكشفت ستري قبل أن أأذن لك بذلك .. وما جرى منك سأتجاوزه ، لأني لا أملك البينات الكافية لإدانتك ، وسأفوض أمري لله فهو الحكم العدل ..
اذهب يا سعد راشدا إلى ديارك ، فلا مقام لك بعد اليوم عندي .. قال له سعد : لا ألومك على شيء ، ولا أجبرك على التصديق وأنت معذور في الغضب ، ولكني أطلب منك طلبا أخيرا ، هل لك أن تمهلني ثلاثة أيام ؟ ، قال له : ماذا تريد فيها ؟ ، قال سعد : أمهلني فقط ثلاثة أيام وأكون شاكرا لك ..
قال له : ولكن في هذه الثلاثة الأيام لاتريني وجهك ؛ فإني لا أأمن عليك سطوة غضبي ..
قال له : سأقيم بالمسجد حتى تنقضي أيامي الثلاث ثم أرحل بعدها ،، فأذن له يوسف بذلك .. كان المسجد لايبعد كثيرا عن المنزلين ، وقد رابط سعد في المسجد وهو يراقب غرفة سلمى ، يُمني نفسه أن يرى ذلك الغراب فيخبره برسالة الملك عبد الجليل ..
ولكن مرت الأيام الثلاثة ولم يرى شيئا .. فنادى درة وقال لها : هل رأت سلمى شيئا ؟ قالت له : من ذلك اليوم لا لم ترى شيئا ..
ودع سعد الجميع وخص بالوداع أم الكرام التي بكت لفراقه وقالت له : والله إني لأعلم أنك بريء ، وأسأل الله أن ينصفك .. قال لها : يا أماه هل تزوديني في سفري زاد لثلاثة أيام بلياليها ، قالت له : لك ذلك يا بني بالبركة ، فزودته بما طلب ..
وقال لها : بلغي عمي سلامي ووداعي ..
وغادر ولم يذهب إلى أهله مباشرة ، وإنما ذهب لديار ملك الجن الصالح
عبد الجليل .. فلما وصل التلة التي ينادي بها نادى بأعلى صوته وقال : أيها الملك الصالح .. أنا سعد ابن ورقة ففتحت له الأبواب ودخل ورحب به الملك وكل سكان المملكة الطيبة ..
فقال للملك : جئتك يا مولاي منكوبا مظلوما فقد حدث كذا وكذا ..
وإن عمي الذي أحسن إلي وعلمني وكان في مقام أبي غاضب علي ، وأنا في كرب عظيم ، وحكى له كل شيء ..
قال له الملك عبد الجليل : هدئ من روعك وارتاح قليلا وأمرك محلول بإذن الله ..
أولا : هل يوسف التيمي ينكر وجود الجن ؟ وهل هو لا يؤمن بكتاب الله الذي أنزلت فيه سورة كاملة سميت باسمنا " سورة الجن " ، أم أنه ينكر رؤية الجن .. فإن المسلم والكافر يرون الجن بإذن الله إن أراد ربنا ..
أولم يرى الكفار إبليس وهو من قبيلنا من الكفرة في غزوة بدر ؟ فقد قال الله تعالى { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

أولم يعلم يوسف ال
تيمي أن الصحابة رأوا الجن ؟ وإن أبا هريرة رأى جنا يأخذ من تمر الصدقة ..
قال له سعد : والله يا مولاي إن يوسف التيمي رجل عالم ، فلا أدري لم لم يذكر هذا .. قال : يا بني إن كان يوسف يريد أن يرانا سوف نريه وسوف نبرؤك بإذن الله تعالى ، سوف يذهب معك أبنائي زياد وكعب الأكبر ، وسوف أعطيك شربة تسقيها يوسف ؛ ليرى مثلك ما يحصل لابنته وسوف يبرؤك ويزوجك إياها ..
قال له : يا مولاي أنا لا أستطيع أن أذهب إلى ديار يوسف مرة أخرى ؛ فإن كرامتي لا تسمح لي أن أطأ أرضه أو أتزوج ابنته ، ولكني أثق فيك لتبرأ ساحتي بما ترى .. قال له : إلى أين ستذهب يا سعد ابن ورقة ؟ ، قال : سأذهب إلى دياري ؛ فقد اشتد شوقي إلى أمي وأبي وإخوتي ، وإني جئت إليك ليس لأني أريد ابنته للزواج ، ولكن أريد أن أسترجع سمعتي في قلب من رباني وأحسن إلي ، فإن استطعت يا مولاي أن تفعل شيئا فافعل ؛ فأنت عمي الآخر ..
قال له : لا عليك بذلك .. اذهب إلى أهلك واهنأ بمعيتهم .. فوالله لا أزال بهم حتى أكشف لهم الحقيقة ، أما هذا الفاسد المعتدي على الفتاة فعقابه عندي عسير .. بات سعد ابن ورقة مع الملك عبد الجليل في قصر الضيافة وفي الصباح أهداه الملك عصا تشبه الصولجان ، وكانت من الذهب الخالص ، وفرح سعد بتلك الهدية فرحا عظيما ، وقال له الملك : إن هذه العصا بها من الأسرار مايدهشك ، ولكن إذا عصيت الله فقدتها ، فإذا فقدتها فأكثر من الإستغفار وربما تعود إليك وربما لا تعود .. شكره على ذلك وسافر إلى أهله .. ترك حبه وراء ظهره ، ولكن الحب في قلبه يدب كالمرض العضال .. لا يستطيع أن ينسى تلك الفتاة التي أدهشه جمالها بالرغم من أنها رمته بتهمة يندى لها الجبين ، إلا أنه يعذرها في ذلك ؛ فهو يعلم أنها معذورة .. وطول الطريق مشغول فكره بها ، ويملأه الهم بالتهمة التي ألزقت به ، ويحدوه الشوق إلى أهله ، فقال :
يا رب كن لي في المهالك منقذا ..
أنت المجيب وأنت رب المهتدي ..
انصفني يا ربي وبرىء ساحتي ..
فلقد وصفت صبيحة بالمفسد ..
تلك التي أرويتها بمحبتي ..
هدمت جداري واستحثت مرقدي ..
فالله يشفيها ويسعد أهلها ..
فهي البريئة وهي نفس المعتدي ..

ولما وصل سعد ابن ورقة إلى داره في بني عجلان وهذه خمس سنوات وهو غائب عن الديار فأول ماقابل أحد اخوته يقال له مرثد ، فعرفه وقال له : يا مرثد السلام عليكم .. وقف مرثد وهو ينظر طويلا إلى هذا الفتى الممتلئ بالشباب والقوة ، ووجهه يشع بالنور وفي نظرته نظرات الرجال ..
ويظهر عليه الصغر في العمر ..
قال له :وعليكم السلام .. من أنت ؟
قال له : أنا أخوك سعد .. فاندهش مرثد وسلم عليه بالأحضان وقد بكى مرثد من الشوق ، وذهبا إلى الدار وكان مشهدا عظيما فيه كثير من البكاء والأشواق ؛ فإن أهل اليمن قوم يغلب عليهم طبع الرحمة والحنو ( الحنان ) ، قلوبهم رقيقة وأفئدتهم كأفئدة الطير
مع ماعندهم من البأس والقوة والشجاعة في الحروب ..
أما أبوه فكان يسلم عليه سلاما طويلا ثم يبعد قليلا وينظر إليه من أعلى إلى أسفل ثم يسلم عليه مرة أخرى ..
وأما الأم فكانت تنظر إلى ابنها وتذرف دموع الفرح ، وعلى كل كان يوم وصول سعد إلى داره يوما مشهودا لايشبه الأيام وأقيمت له مأدبة ( عزومة ) جمع فيها ورقة أكابر القوم وأعيان البلد .. فجاؤوا واستمعوا لسعد الذي قرأ عليهم القرآن من حفظه وأسمعهم من علمه ومواعظه ، فقال له احد الاعيان اسمه يزيد الصنعاني : كنت قد سمعت أنك ذاهب لتعلم الفروسية فإن بلادنا لا تحتاج إلى كثير من الفقهاء .. قال له ورقة : نعم لقد تعلم ابني الفروسية ولو لم يكمل تعليمه فيها لما أرسله إلينا يوسف التيمي .. قال يزيد : إن كان حقا ماتقول فإننا نطلب مبارزة بالسيوف بين ابنك وبين ضرار ابن قويم ، وكان ضرار من أمهر الناس بالسيف ، فلا يكاد المبارز أن يأخذ معه ثلاث أنفاس .. فقال ورقة لسعد : ماتقول ياسعد ؟ قال : أنا على استعداد يا أبي .. متى تكون المبارزة ؟
قال يزيد الصنعاني : الآن في هذا المجمع الكبير ، وكان يزيد من أصحاب الحقد الدفين على ورقة .. يحسده في أمواله وتجارته ، ويريد أن يذله بهزيمة ابنه أمام القوم .. والمعلوم أن سعد عمره ١٧ عاما ، وأن ضرار ابن قويم في الثلاثين ، فوافق ضرار وأحضر سيفه ، واجتمع القوم في حلقة ..
ودخل سعد إلى البيت ؛ ليأتي بالسيف ، ولبس ضرار درعه وأخذ المجن ( الدرقة ) ، وجاء إلى المبارزة .. خرج سعد من غير درع ولا مجن ولا سيف وإنما يحمل تلك العصا اللامعة التي أهداها له الملك عبد الجليل ..
فاستغرب القوم وقالوا له : ماهذا يافتى؟!
قال سعد : تريدون المبارزة ، وأنا لا أريد أن أجرح الفارس .. قالو له : ولكنه لن يرحمك ، قال لهم : لا أسأله الرحمة ، فإن قدر علي فليفعل ما يشاء .. قالوا : ماذا تقول يا ضرار ؟
قال : عصاه فليضرب بها ، وسيفي سأضرب به .. وابتدأت المبارزة ، واتخذ سعد وضعية الدفاع ، فلم يستطيع ضرار أن يوصل له ضربة ، فكان العصاء في يده كأنها برق كلما تحرك سيف ضرار صرفه منه .. ولما طالت
المبارزة هاج ضرار وماج وأصبح يضرب كالمجنون ويقول له : إنك ميت اليوم يابن ورقة ..
فضربه سعد على كتفة الأيسر فسقط المجن منه ولم يستطيع أن يتناوله .. فهاج بالسيف ويده اليسرى كأنها مشلولة ، ثم جاءته ضربة أخرى بالعصى على كتفه الأيمن فسقط سيفه ولم يستطيع أن يمسك به .. فأصبح يصرخ من الغضب والعجز كأنه مجنون ويقول : إن العصا تصعق كالبرق ..
إلتفت ورقة إلى يزيد الحاقد وهو يتبسم فخورا بابنه وقال له : ماذا رأيت يا يزيد ؟ لعل ابني قد أخرس لسانك ..
فقال أحد القوم : لو سمحتم لي بقول أقوله ، إننا نحتاج لفارس واثق وقوي وصغير في السن ، فإن ضرار قد أضعفه الغرور والعمر وترك التدريب وهو يظن أنه لا غالب له .. فإنني أقترح أن يكون سعد ابن ورقة قائدا ..
فقال سعد : وأنا لا أقبل بهذا الآن ، ولكني سأكون اليد اليمني للفارس ضرار ..
قال له أبوه : أحسنت يا بني هكذا ربيناك ، وهكذا يكون أهل الثقة والإيمان والتواضع .. سمع أهل المنطقة جميعا بأن سعد ابن ورقة جاء من ديار تيم وقد برع في فنون القتال ، ونال من العلم مالم يكن يحلم به أحد من أهل قبيلته ، وبدأ الناس يأتونه من مشارق الأرض ومغاربها يطلبون العلم والفقه ، ويستفتونه في مسائل الفقه المعقدة ، وكان لكل سؤال جواب ، ولكل معضلة عنده حل ..
مرت أشهر ولم يعلم ماذا حدث مع يوسف التيمي ، وماذا فعل الملك عبد الجليل ، ولم يخبر أحدا من أهل بيته بما جرى له مع الجن أو التهمة التي ألزقت به .. ولكن في يوم من الأيام مات الفرس الأسود الذي أهداه له يوسف التيمي ، فبكى سعد عليه كأنه ابنه .. هذا الفرس الذي يعرفه منذ خمس سنوات .. وفي شدة بكائه سأله أبوه وقال له : يا سعد كلما أريد أن أسألك أنسى ، هل ما زال يوسف على وعده لك أن يزوجك ابنته ؟
فقال : لا يا أبي إن البنت التي اخترتها مرضت فتنازلت له من طلبي ، واكتفيت بالحصان والسيف .. قال له : أهو مرض لا أمل في شفائه ؟!
قال له : إنها أصيبت بعقلها ، فهي غير مكلفة باختيار زوج أو الموافقة عليه ..
قال له : أحسنت يا بني ، وفي كل محنة عندك حكمة بالغة .. توفي زعيم قبيلة من قبائل العرب ، وكانت وفاته خبرا هز بقاع شمال اليمن كلها حتى بلغ عمان .. فركب وفد من قبيلة بني عجلان لواجب العزاء والمؤاساة ويحملون التعازي من زعيم القبيلة ، وكان في الوفد ورقة والد الفتى ، فلما وصل الوفد إلى مكان ما يريدون قابل ورقة صديقه يوسف التيمي ، فلما رآه ورقة تهلل وجهه وفرح فرحا شديدا ، وجاء وسلم عليه وقال له : والله يا يوسف لو أخدمك عبدا فأغسل قدميك وأحرك الدهان على رأسك لا أستطيع أن أوفيك حقك فيما قمت به مع ابني سعد .. " أسأل الله تبارك وتعالى أن تجد البركة في ذريتك " ..
كان يوسف التيمي مندهشا مبهوتا
فهو كان يظن أن ورقة سيذله أمام الناس بسبب تهمة ولده ، ولكن ورقة أساسا لا يعلم شيئا عن هذه التهمة التي ألقيت على ابنه البريء ..
ثم قال ورقة ليوسف : ونسأل الله تعالى أن يشفي ابنتك من المرض .. قال له : أوأخبرك سعد أنها مريضة ؟
قال له : نعم ؛ لما سألته عن الوعد الأخير أن تزوجه ابنتك ، قال لي : إن البنت التي اختارها مرضت ، وهي لا تكلف .. فهم يوسف التيمي أن سعد لم يحكي لأبيه شيئا مما جرى .. فاغرورقت عيناه ودمعت وقال في نفسه إن هذا الفتى جوهرة من جواهر الصلاح في هذه الأرض ، لو لم يعفو عني لهلكت .. ثم إلتفت إلى صديقه ورقة وقال له : يا ورقة إن ابنتي شفيت بحمد الله فقل لابنك أن يأتي ويأخذ أمانته .. قال ورقة : نعم سأخبره وسنأتيك إن شاء الله في موكب مهيب تسمع به العرب في المشرق والمغرب ، وسأكون من أسعد الناس عندما تكون في بيتي بنت يوسف التيمي صديقي ومعلم ابني ..
يا يوسف إن ابني أصبح بارعا في العلم والحديث والفقه والأدب .. يناهز الفصحاء ويسكتهم .. ولا يستطيع أن يجاريه أحد من الشعراء علاوة على ماعنده من فنون الحرب وإتقان المبارزة ، فلا أعلم كيف أشكرك ..
قال له : يا ورقة إن ابنك عقل ناضج ، وقلب متق ، وروح ثائرة ، لا يعرف الكذب ولا تستهويه الملاهي ، لم ينظر إلى قدميه ، ولم يشتكي أحد عليه ، فنال بعقله مانال من العلم والشرف ، ونال بنشاطه مانال من القوة والسيادة ، وسوف تراه فيما تستقبلك الأيام به فارسا لايغلب وسلطان لايقهر ..
فإذا ذهبت إليه فاحمل مني إليه وصية هو سيفهم مغزاها ، ولاتسأله عن سرها إن كان لي عندك معزة ، فهو ابني الذي يعلم أسراري ، فإن كنت ستسأله عن السر فلن أحملك أمانتي .. قال له : قل له إن عمك يوسف التيمي يقول لك لقد رأينا *الغراب المتهم (( الغراب المتهم ))* وأخبرناه بالهامة .. فضحك ورقة وقال له : ما هذه الألغاز التي تجعل الإنسان يضحك حتى يسقط على قفاه .. قال يوسف : ألم أقل لك لاتسأل يا ورقة ؟
قال : لن أسأل عن خرافاتك أنت وابن أخيك سعد ، هيا يا رجال ، وودع ورقة صديقه يوسف التيمي ، وسافر مع الوفد .. وأول ما قابل ابنه سعد قال له : يا سعد .. لقد جئتك ببشارة عظيمة ، فخفق قلب سعد لأنه كان يتوقع أن يقابل أباه يوسف التيم
ي في هذا العزاء ..
جاءه عجولا وقال له : أخبرني يا أبي ؛ فإني أحب البشائر ، قال له : لقد قابلت عمك ومعلمك يوسف التيمي ، وقد أخبرني أن الفتاة قد شفيت وأنه مستعد أن يوفي بعهده الذي عاهدك به .. فتغير وجه سعد كأنه كره الكلام ، ولكن أبوه لم يلاحظ ذلك .. وواصل أبوه في الكلام وقال له : لقد حملني يوسف أمانة وهي عبارة عن لغز لا أعلم معناه ، ولكني أحفظ كلماته ..
قال له : ماذا قال يا أبي ؟
قال له : إن يوسف التيمي يقول لك : لقد رأينا *الغراب المتهم (( الغراب المتهم ))* وأخبرناه بالهامة .. فتهلل وجه سعد وفرح فرحا شديدا ؛ لأن يوسف التيمي أخيرا ثبتت لديه أنه بريء من التهمة ، وهذا مراده ..
فقال له : يا أبي لقد وصلت رسالة عمي يوسف التيمي وفهمت اللغز ..
وبما أنه أوفى بعهده وسيزوجني ابنته فأنا أشكره على ذلك ، ولكن يا أبي لقد غيرت رأيي من ابنته ولا أريد الزواج بها ؛ فإن ديارها بعيدة ..
قال له : يا بني ماهذا الكلام الذي لا يشبهك ؟! أنا وعدته أن نأتيه بموكب زواج لم ترى العرب مثله ، وأنت تقول غيرت رأيك !!
ألم تفرح أن الفتاة التي اخترتها قد شفيت ؟ وأن يوسف سيوفي بوعده ويزوجك من تمنيتها واخترتها ؟!
أخبرني يا ابني ماذا يجري بينك وبين يوسف ؟ ؛؛ فإني رأيت في عينيه شيء من الريبة والشك في أول لقائي به ، ولكني تجاهلت ذلك ، فلابد أن تخبرني ..
قال له : سأخبرك يا أبي ، قد اخترت الفتاة حينما كانت صغيرة ًولم أرها خمسة أعوام ، فلما كبرت ورأيتها ولم تقع في نفسي ولم أحبها أخبرت يوسف بهذا ..
قال له أبوه : إني أشم رائحة الكذب في كلامك يا بني ..
فسكت سعد ثم انصرف إلى غرفته التي فيها أغراضه فلم يجد العصا التي أهداها إليه الملك عبد الجليل ، فقال : إنها المعصية " إنها الكذبة " التي كذبتها على أبي .. ضاعت العصا ، فرجع إلى أبيه فورا وقال له : يا أبي اعف عني فقد كذبت عليك ، والله إن الفتاة تعجبني .. وإني أتمناها ، وينبض بها قلبي صبحا وعشية ، ولكن هناك مايمنعني من الزواج بها .. فسامحني على أني لا أخبرك به ؛ فإنه من أسراري التي أحتفظ بها لنفسي .. فقال له أبوه : إن كنت تكتم الأسرار عن أبيك فعلى الدنيا السلام ، أتريد أن أغضب عليك بعد أن كنت أنت أساس الفرحة في حياتي ؟
وقف سعد محتارا بين أن يكذب على أبيه وبين أن يغضبه بالحقيقة التي سوف تجعل الفجوة والعداوة بينه وبين صديقه يوسف التيمي ..
*( كيف سيخبر سعد والده بذلك ؟! وهل سيتزوج من محبوبته سلمى ؟! .. ثقة وأمانة ، صبر ووفاء ، عذر وحياء .. كل ذلك في الحلقة القادمة والأخيرة بمشيئة الله تعالى ، فانتظرونا )*
*---------------------------*
*" إلى اللقاء في الحلقة السادسة والأخيرة بمشيئة الله تعالى "*
ـ┓━━━━━━━━━━┏
*📖»سعد ابن ورقة«📖*
┛━━━━━━━━━━┗
الحلقه 6 الاخيره

قال سعد لابيه .. يا ابي ان الامر ليس شيئا سيئا .. ولكني وعدت نفسي على كتمان السر لمصلحة عليا .. فانت لاتريد مني ان احنث بوعدي .. ولكن استأذن منك.. ان ازور معلمي وعمي يوسف التيمي ..
وساستأذن منه هو لاخبرك .. فتكون زيارة ود وخير وبركة .. وان تكون انت في صورة الامر ..
قال له ابوه ما رأيك ان اذهب معك؟؟ ..
قال له سعد لك ذلك يا ابي غدا صباحا نذهب اليه .. ان شاء ربي
ورجع سعد الى غرفته.. وبدا في الاستغفار.. وطلب العفو من الله من اجل الكذبه التي كبها على ابيه .. مع انها كانت من اجل مصلحة ودرء مفسدة ..
فقضى اليوم مهموما مغموما.. على فقدان العصا.. وعز عليه جدا ان يسافر من دونها .. ولكنه عندما استيقظ لصلاة الفجر.. وجد العصا موضوعة على صدره .. وفرح بها فرحا عظيما ..
تجهز الولد وابوه وتزودا للسفر.. وسافرا معا" الى يوسف التيمي ..
فلما نزلا ورأهما يوسف التيمي.. فرح وارتعب وعلت وجهه موجة الاضطراب.. التي تكسي وجوه العظماء .. اذا حاصرهم الاحراج ..
رحب بهم بصوته العالي كما هو معهود له .. فاجتمع الابناء الذكور ..من كلا البيتين .. ليسلموا على سعد.. وليروا اباه الذي يسمعون به كثيرا .. من حكايات ابيهم وحكايات سعد التي يحكيها عن والده.. ..
بعد ان اكرم وفادتهما .. اختلا بهما الاثنين ..
فقال له .. يا عماه انا لم اخبر ابي بأي شي جرى بينا .. منذ ان سافرت الى صيعر ..
وقد جئت اليك به لتخبره بنفسك.. فانا اريد ان اسمع باقي القصة .. وتفاصيل اللغز الذي ارسلته لي مع ابي ..
فتنحنح يوسف التيمي .. وقال ابدأ لكم .. باسم الله ..
ارجوك ان تستمع ياورقة بكل انتباه.. ولا تسخر بنا .. حتى اكمل لك الكلام ..
حدث ان بنتي منذ فترة يحصل لها كذا وكذا .. وفي يوم سافر سعد الى صيعر .. وراي في الطريق كذا .. وحدث كذا ..
المهم حكى له الذي جرى مع سعد ..
قال له ولما جئت واشتكت لي ابنتي .. لم اصدقها .. حتى رايت اثار سعد امام الباب .. وهو يقول ان الجني المتشكل في صورة الغراب ظهر بصورتي ليزق بي التهمة .. وسخرت به ولم اصدقه ..
فاتهمته واذيت قلبه ..
وطردته من بيتي ياصديقي .. فاصر ان يمكث ثلاثة ايام .. والى الان لا اعرف لماذا طلبها ليقيم في المسجد ..
وبعد ان ذهب مني سعد باسبوع.. جاءني ثلاث رجال ملامحهم غريبة .. لايبدو عليهم اثر سفر .. ولاغبار طريق ..
فنزلوا عندي ضيوفا" .. فلم اسألهم من اي القوم انتم.. الا في اليوم الثاني .. فقالوا لي ان شربت من شرابنا الذي نعطيك .. سنخبرك من نحن ..
فقلت لهم ان شربتم منه قبلي سأشرب .. فاخرج احدهم قنينة فيها سائل ازرق .. فشرب منه جرعة وابتلعها امامي.. وناولني فشربت منها .. فقال ان كان طعهمها طيب فأكملها.. فاكملتها لانها كانت من اطيب ما ذتوقت من الشراب ..
فقال لي احدهم هل لك ابنة مريضة تقول انها ترى اشياء ؟
فقلت له نعم .. قال وانت تصدقها ام تكذبها .؟؟ فقلت له لم نصدقها لاننا لانرى ماتري.. فنقول لها انه يخيل اليك ..
فقال لي من الان سوف تعلم .. هل هي ترى فعلا .. ام انها تتخيل ..
ونحن سنذهب .. فقلت له لقد شربت الشراب ولم تخبروني من انتم فقال نخبرك باسماءنا فحسب ..وهذا مايسمح لنابه .. هذا زايد وهذا زياد ..وكان الذي يتكلم معي هذا يقال له كعب الاكبر .. ابناء عبدالجليل .. فلم اعرف أباهم ولاقبيلتهم .. وهنا عرفت انهم ابناء الملك عبدالجليل الذي اخبرني به سعد ولم اصدقه ..
فلما سلكو الطريق غابو بسرعة لاتصدق .. فبقيت مرابطا في البيت قريبا من ستة ايام.. وانا اراقب غرفة ابنتي .. وكل يوم أسالها هل رايت شئيا فتقول لي لا ..
وفي يوم من الايام.. حط غراب على تلك التلة .. وهو ينظر الى الغرفة.. وانا انظر اليه .. ورايت ابنتي تنظر من النافذة الى الغراب .. وهي ترتعد من الخوف .. فقلت لها مالك يابنيتي؟؟ ..
قالت .. لاشي يا ابي ..لا شي .. فان قلت لكم لن تصدقوني .. ان الغراب على تلك التلة يا ابتاه انه يراقبني ..انا خائفة يا ابي ..
فقلت لها انا اصدقك يا ابنتي .. انا اصدقك ..
فدخلت امها علينا ..وانا احتضن ابنتي وهي ترتعد كانها اصيبت بامطار البرد والثلج من برودة جسدها ..
فقالت لي امها هل عادوتها خيالاتها؟؟ .. قلت لها ليست بخيالات يا زبيدة؟
قالت اذن ماذا يا يوسف؟؟ .. قلت لها انظري الى تلك التلة.. هل تري شيئا ؟ فنظرت الام وقالت لا ار شيئا"..
فقلت لها انا وابنتي نرىغرابا اسودا كبيرا قبيحا ..
ولكن يا ابنتي ان سعد بن ورقة عنده وصية .. قبل ان يسافر.. اذا راي اذا رايت الغراب ان يقول له كلاما .. وانا سأقول له هذا الكلام .. وارى ماذا يحدث ..
فخرجت من غرفة ابنتي.. واتجهت الى الغراب .. ولما اقتربت منه خشيته ان يطير .. فقلت له .. يا ايها المعتدي ان ان الملك عبدالجليل .. يامرك ان تفارق الفتاة وتأتيه .. وهو يطلبك ان تأتيه ويقول لك الهامة الهامة ..
فصرخ الغراب .. وقال بصوت كانه طفل .. سم
عته اذناي ووعاه قلبي .. (لن ارجع اليها لن ارجع اليها) ..
ثم طار الغراب وهبط عند باب الغرفة.. وادخل منقاره تحت الارض
واخرج سبيبة كانت مدفونه واخذها من عند الباب وطار .. فقالت لي ابنتي يا ابي .. انه لن يرجع مرة اخرى .. قلت لها لماذا ؟
قالت لي لان الخوف الذي في قلبي ذهب ..
قلت لها هل تستطيعي ان تخرجي ؟ قالت لي نعم ساخرج .. قلت لها وحدك؟ ..قالت وحدي .. فقلت لها اذن الحقي بي بعد قليل .. في بيتك امك ام الكرام ..
ثم ذهبت انا .. وخرجت الفتاة من غرفتها التي حبست فيها لخمس سنوات
حتى انها لم تستطيع ان تواجه الشمس .. ثم ذهبت وسلمت على اخوانها ابناء امها .. وجاءت الى عند ام الكرام.. فبكينا جميعا فرحا بشفاء ابنتنا .. ودعونا لسعد .. وحكيت لهم جميعا القصة التي حدثتني بها سعد ..
وقلت للفتاة .. لقد اتهمتيه زورا وبهتانا ياسلمى .. فان الجني تشبه لك في صورته .. وكلام درة كان حقيقة .. حينما كان الجني معك في الغرفة في صورته .. كان سعد ياكل الطعام في غرفته ..
قالت لي سلمى يا ابي .. وماذا افعل اذا بهذه الندامة؟؟
التي في قلبي .. ياليته كان موجودا.. فاطلب منه العفو والسماح .. لماذا لاتدعو سعد ان ياتينا فيفرح بما يرى.. ويزيل عبء الندامة من قلبي؟؟
فقلت لها يا ابنتي لا استطيع مواجهته.. فقد جرحناه .. وألمنا قلبه باتهامنا له .. فوالله ان الحياء منك يقتلني ياسعد ..
فبكى سعد.. وقال له ولا يهمك ياعماه .. فغضبك مبرر .. ولو ان اي احد في مكانك .. لفعل مثلما فعلت ..
ثم التفت يوسف الى ورقة وقال له ..مالي اراك ساكتا يا ابا مرثد .. اما عندك ماتقول ..
فقال ورقة .. والله ماكنت اظن.. ان في يوم من الايام.. ساسمع مثل هذا العجب العجاب ..واصدقه .. فالامر كله بيد الله ..
وقال يوسف .. يا سعد بن ورقة .. ادخل على امك ام الكرام.. فانها تشتاق اليك .. واذهب الى زبيدة ..وسلم اخوانك وسلم على سلمى واحمد لها الله على شفائها .. فانها تشتاق الى رؤياك وتتمنى مجيئك .. فهي لك متى ما اردت ان تصحبها .. فانا رجل ووعدي نافذ ..
قال ورقة يا يوسف.. ارجوك ان تسمح لي بكلمة مع ابني ..
فقام يوسف وهو يقول لك ذلك ياصديقي ..
فقال ورقة لابنه .. يابني لا ترفض عرض عمك لك . فاني ارى فيه لك خيرا وفيرا .. واقل شي هو ما أريدك ان تفعله.. اذهب وقابل الفتاة .. وانظر اليها .. فان اعجبتك .. فتعال وقل لي (لم اتعب من السفر) .. وان لم تعجبك فتعال وقل (يا ابي اني متعب من السفر) .. وعلى كل امر تقوله ..اناسأتولى الكلام عنك مع يوسف .. اتفقنا؟ قال له اتفقنا يا ابي ..
فنادى ورقة .. يايوسف هلم .. فجاء ثم قال له ورقة ..هل يدخل الفتى عليهم؟؟
قال فليدخل ..
فقام سعد واستأذن على ام الكرام.. وسلم عليها .. وعلي بقية اخواته الكبار منها
ففرحن به .. وقالت له ام الكرام .. يشهد الله يابني .. اني ادعو الله في كل صلاة ان يردك الينا .. فقد تقطع قلبي بشوقك ..
تتكلم والدموع تملا عينيها .. امراة فاضله.. في نهاية الستين من عمرها .. وهي اكبر من زوجها بثلاث سنوات ..
تزوجها يوسف وعمرة ثمانية عشر عاما ..
وانجب منها اولاده الكبار .. وتزوج زبيدة .. وهي اصغر منه بسبع سنين وهي ام سلمي ..
بعد ان اخذ سعد قسطا من الوقت مع الام الكبيرة..
تحرك في اتجاه الهوى والغرام .. وفي كل خطوة من السبعمائة خطوة .. يزاد قلبه في الخفقان.. حتى كاد ان يخرج من صدرة .. واحس ان ارجله تضعف عن المشي .. من هول الحب الذي يتحكم في قلبه ..
فلما دخل وسلم على زبيدة .. وعلى يسارها تجلس تجلس القمر .. سلمى اية الجمال.. وعنوان الفرحة .. كأن الدنيا تغني بجمالها.. وكان الاكوان ترقص امامها ..
فالما رأته تبسمت .. وطأطات راسها .. مستحية حياء غير متصنع
.. وسعد نفسه يكاد يدخل في اثوابه من الحياء ..
فقالت له زبيدة ان هذه الفتاة لا تسكت عن ذكرك .. وقد ازعجت اسماعنا بالكلام عنك .. فقالت سلمي لامها .. (امي؟؟)
وهي الكلمة الوحيدة التي سمعها منها سعد.. ثم خرج مسرعا .. الى ابيه..وهو يتبسم .. قرأ ابوه على وجهه الفرحة التي تبعثر الحب كالعطر في الفضاء ..
فلما وصل جلس بالقرب من ابيه.. ويوسف جالس ...قال يوسف هل رايت سلمي ياسعد ؟
قال نعم ياعمي.. فقال له هاااه ما رايك؟؟ .. فتبسم سعد وطأطا راسه ..
فقال ورقة .. اظنه يايوسف متعب من السفر؟؟
قال سعد لابيه .. لا يا ابي والله كأني لم اكن مسافرا .. فاني لا اشعر باي تعب..
فضحك ورقة .. وقال له كيف يتعب من السفر فارس مثلك .. انما نتعب نحن العجائز ..
فقال يوسف التيمي .. واين الريح يا سعد؟؟ والريح هو (فرسه الاسود) مالي اراك تركب هذا الفرس الأدهم ؟
قال لي عليك واجب العزاء ياعماه .. فان جوادي الحبيب مات قبل شهر .. فتأثر يوسف على الفرس جدا .. وقال له الخير فيما اختاره الله .. ولكني لا ارضى لك هذا الفرس الادهم .. وساهديك البراق؟
البراق .. هو فرس من سلالة الريح ايضا" ..
فكان الكرم من يوسف التيمي لضيوفه لايوصف ..
قال له
ورقة مقاطعا.. جزاك الله خيرا يا صديقي.. فلم تترك شيئا من صنوف الكرم ..
فيا . صديقي الصدوق .. جهز لنا عروسنا .. فاننا لانريد ان نترك حرمتنا وراءنا .. وجهز لها هودجا وناقة صهباء .. فاننا سنعقد قرانها غدا .. ونسوقها معنا .
قال له يوسف وهذا يوم فرحتي ياصديقي .. ولم اكن احلم بان يتزوج سعد بن ورقة بنتي ..
سلمى .. وما ادراك ما سلمى ؟ .. فتاة من بني تيم جمال وعراقة . وعروبة صارخة .. لونها كالذهب الاصفر مشربة بحمرة .. اذا تبسمت توردت خدودها .. و كأن اللؤلؤ يضي من ثغرها .. انها الان بلغت الخامسة عشر من عمرها .. ولكن من يراها يظن انها ناهزت العشرين .. في قوام فارع .. وتربية حسنة ..
كاد الفرح ان يفتك بسعد .. وهو يحاول ان يخفي فرحته .. ولكن عيونه لاتزال تفضحه ..
وبالليل لم يستطيع المنام .. ولما اصبح وجد ان يوسف ذبح النوق ودعا اهل القرية .. بصائح على فرس .. على طعام الغداء.. وعقد قران سلمى على سعد السعيد .. وحلق الفارس في الظهيرة .. وخطف على جواده الاميرة .. وطار بها الى خلف الصحاري الكبيرة .. وانتهت الحكاية الخطيرة ..
لكم التحية والاجلال .. واسعد الله اوقاتكم بكل خير ..
2024/09/27 15:25:29
Back to Top
HTML Embed Code: