(مقاصد وآداب الصلاة على سيدنا الأعظم صلى الله عليه وسلّم) الكوكب المُنير في الصلاة والسلام على البشير النذير، للشيخ أبي بكر المُلا الحنفي ت1270هـ

"الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالحُ كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث= فليست من الشريعة"

[ أعلام الموقعين (429/3) لابن القيِّم ]

(هذا كتابٌ نافع لطيف، وأثرٌ نفيس قديمُ التأليف، من آثار السلف الصالح ومؤلفات القرن الثالث من الهجرة النبوية، مضى على تأليفه أكثرُ من ألفٍ ومئة عام، ألَّفه إمامٌ فاضل جليل، وعَلَمٌ بارزٌ نبيل، عُرِفَ بالخلَّال.. وهُو أحد تلامذة الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل رضي الله عنه.. صنَّف هذا الكتاب اللَّطيف: (الحثُّ على التجارةِ -المبرورة- والصناعةِ والعَمَل، والإنكارُ على من يدَّعي التوكلَ في ترك العمل، والحُجَّةُ عليهم في ذلك)، منتخِباً في النصوصَ من كلام الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ومُوجزاً فيه النقول عنه وعن سواه.. وأرجو أن يجد القارئ الكريم في هذا الكتاب توجيهاً صالحاً يعود على خُلُقِه وسيرته وأسرته وصناعته وتجارته وكسبه بأحسن الفوائد وأطيب العوائد، فيطيبَ من تحصيل الرزق الحلالِ مَطْعَمُه ومشربُه، ويَسمُوَ خُلُقُه وعملُه، وتنشَطَ للعبادات والطاعات نفسُه وجوارحه، ويستجيبَ لأمر الله وطاعته).

[عبدالفتاح أبو غُدَّة]

السَّعي على العِيال والعمل المشروع للاستغناء عن النَّاس، والصناعةَ أو التجارةَ المبرورة من أفضل العبادات وأرقى الطاعات، المُدَّخَرةِ للآخرة..

والنَّاس اليوم ليسوا بحاجة إلى الحض أو الحثِّ على التجارة والسعي لكسب الرِّزق، فقد غدت الدنيا عندهم مطمحَ أنظارهم، وقِبلةَ أعمالِهم وأفكارهم، حتى إن بعضهم يُقدِّمُ العمل والتَّوسعَ في الدنيا على أداء الفرائض والواجبات! ويدَّعي أن ذلكَ يُعَدُّ من العبادة! فقد استغرقَتْهُم الدنيا في تحصيل مَلَذَّاتها وشهواتها، حتى جعلتهم أسرى حِبَالتِها ومِصْيَدتِها، إلاَّ من رحم ربُّك.

وهم اليومَ بحاجة إلى التحذير من أكل المال الحرام والمشبوه، وإلى الزجر عن الصناعة والتجارة بالموبقات والممنوعات، والمتاجرة بالمفسدات والمضلات، فقد تغلغل في مالهم الربا، والرشوةُ، والغصبُ، والسرقة، والاحتكار، والكذب، والاحتيال، وأكل الحقوق، ومنع الزكاة والواجبات، فلذلك ساءت أحوالهم، وضعفت أخلاقهم، وتفككت قُوَّتُهم وأُخُوَّتُهم.

[عبدالفتاح أبو غدَّة]

النَّفقة على الأهل والعيال

قال ﷺ:
(دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك)
[رواه مسلم]

قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله:
طلب الحلال، والنفقة على العيال؛
بابٌ عظيم لا يعدِلُه شيﺀ مِن أعمال البِر.
[الإيمان الأوسط (ص/609)]

ولذا (كان بعض العلماء يقول لبعض المجاهدين: أين أنت من عمل الأبطال: كسب الحلال والنفقة على العيال.. وقد كان شعيب بن حرب، وغيره يقول: لا تحقر دانقاً من حلال تكسبه تنفقه على نفسك وعيالك أو أخ من إخوانك، فلعله لا يصل إلى جوفك أو لا يصل إلى غيرك حتى يغفر لك).
[قُوت القلوب (470/2) لأبي طالب المكي]

واعْلَمْ بأنَّ عَمَلَ الأَبْطَالِ ٠٠ كَسْبُ الحَلالِ لِذَوي العِيَالِ
فإنكّ المسئُولُ عَنهُمْ فاجْتَهِدْ ٠٠ ولَيْسَ يُغْنِي عَنْكَ مِنْهُمُ أَحَدْ

[مجموعة القصائد الزُّهديَّات (249/1) للسَّلمان]

[ التربية على المُراقبة ]

سهل بن عبد الله الولي الكبير العظيم الشهير التستري أبو محمد.

قال: كنت ابن ثلاث سنين، وكنت أقوم بالليل انظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، وكان يقوم بالليل، وكان يقول: يا سهل؛ اذهب ونم، فقد شغلت قلبي.
وقال لي يوما خالي: ألا تذكر الله الذي خلقك؟! فقلت: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك بالليل في فراشك ثلاث مرات: الله معي، الله ناظري، الله شاهدي، ففعلت ذلك ليال، فقال لي: قل كل ليلة سبع مرات، ففعلت ذلك ليال، فقال لي: قل كل ليلة إحدى عشرة مرة، فوقع في قلبي حلاوته، ثم بعد سنة قال لي: احفظ ما علمتك، ثم دم عليه إلى أن تدخل القبر؛ فإنه سينفعك في الدنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت له حلاوة في سري، ثم قال لي خالي يوما: من كان الله معه، وهو ناظره وشاهده، كيف يعصيه؟! إياك والمعصية.

[قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر (626/2) لبامخرمة]

[ عام هجري جديد ]

" من لم يعتبر بطلوع الشمس وغروبها، فلن يعتبر ببداية العام ولا نهايته، وأكثر الآيات ذكراً في القرآن الليل والنهار والشمس والقمر "

عن الحسن قال: «ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك»
[رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ١٤٨/٢]

مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا
وأعقبه يوم عليك جديد
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة
فثن بإحسان وأنت حميد
فيومك إن أغنيته عاد نفعه
عليك وماضي الأمس ليس يعود
ولا ترج فعل الخير يوما إلى غد
لعل غدا يأتي وأنت فقيد
[كلام الليالي والأيام، لابن أبي الدنيا].

المجادلات والمناظرات لها آفاتٌ كثيرة وعظيمة:
ومن أعظم هذه الآفات أنَّها سببٌ عظيم
لـ(قسوة القلب) وكفى بها ثم كفى بها.
وكذلك هي سبب للعداوات والتنازع المذموم.
قال الإمامُ مالك رضي الله عنه:
«الْمِرَاءُ فِي الْعِلْمِ يُقَسِّي الْقَلْبَ، وَيُورِثُ الضّغْنَ»
[الإبانة الكُبرى (530/2) لابن بطّة]

فحريٌّ بالعاقل أن ينأى بنفسهِ عنها وينشغل بالعلم الحقيقي عنها؛ فـ(اتَّقُوا اللَّهَ يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، وَيَا أَهْلَ الْحَدِيثِ، وَيَا أَهْلَ الْفِقْهِ، وَدَعُوا الْمِرَاءَ وَالْجِدَالَ وَالْخُصُومَةَ فِي الدِّينِ وَاسْلُكُوا طَرِيقَ مَنْ سَلَفَ مِنْ أَئِمَّتِكُمْ، يَسْتَقِمْ لَكُمُ الْأَمْرُ الرَّشِيدُ، وَتَكُونُوا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْوَاضِحَةِ إن ْشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).
[الشريعة (485/1) للآجري]

ولا تغتر بحال أهلِ زمانك، ومن تُشاهدهم حولك، فقد حذّر من هذا الإمام الغزالي رحمه الله وأبلغ في نصحه حيث قال: (من خالط متفقهة العصر غلب على طبعه المراء والجدال، وعسر عليه الصمت، إذ ألقى إليه علماء السوء أن ذلك هو الفضل، والقدرة على المحاجة والمناقشة هو الذي يمتدح به؛ ففر منهم فرارك من الأسد، واعلم أن المراء سبب المقت عندالله وعند الخلق).
[بداية الهداية (ص/55)]
هذا وهو يتكلّم عن زمانه.. فكيف بزماننا؟!

والمُتأمِّل لحال كثير من الخائضين في هذا الباب والغارقين فيه= تجد أنّهم بعيدين عن العلم الحقيقي وأنّهم لا شيوخ عندهم ولم يتلقوا العلم عن أهله أخذا وتلقيا ومشافهة ولم يثنوا الركب في مجالسهم، ومن كان هذا حاله فلا ثقة بفهمه وعلمه، فمن أعظم البليّة تشيّخ الصحيفة، وقد قال العلماء قديماً: "لا تأخذوا العلم من صَحفي ولا مُصحفي"، وقد سُئل الإمام مالك: أيؤخذ العلم عمن ليس له طلب ولا مُجالسة؟ فقال: (لا).. وقال: (لا يُكتب العلم إلّا ممن يحفظ، ويكُون قد طلب، وجالس الناّس، وعرف وعمل، ويكون معه ورع).
[إسعاف المبطأ برجال الموطأ (ص/4) للسيوطي]

- الدعاء الناصري -

فاردُدهم اللهُمَّ خاسِرِينا

⬅️ وقيل/

‏إِذا اَلْمَرْءُ لَمْ يَغْلِبْ هَوَاهُ أَقَامَهُ = بِمَنْزِلَةٍ فِيهَا اَلْعَزِيزُ ذَلِيلُ

والمَعنى: إِذَا لَمْ تَغْلِبْ هَوَاكَ أَذْلَلْتَ نَفْسَكَ ، وَإِنْ كُنْتَ عَزِيزًا؛ لأَنّ الهَوَى سيُقيمُكَ مَقامًا يُذَلُّ فيه العَزيزُ.

, , , , , ,

يقول الإمام الغزالي -رحمه الله- عن يوم الجمعة:

‏"واجعل هذا اليوم من الأسبوع خاصةً لآخرتك، فعساه أن يكون كفارة لبقية الأسبوع"

‏[ بداية الهداية | ص/163 ]

ويقول ابن شيخ الحزَّاميِّين -رحمه الله- :

"وكذلك يجعل يوم الجمعة لله خالصا، فإنّه محك يحك العبد به ما مضى من الأسبوع"

[ مدخل أهل الفقه واللسان (ص/84) ]

مما يُستعان به [على النفس] أن يُسْمِعَها أخبار المجتهدين، وما ورد في فضلهم، ويصحب من يقدر عليه منهم، فيقتدي بأفعاله.

ومن أراد أن ينظر في سير القوم، ويتفرج في بساتين مجاهداتهم، فلينظر في كتاب "صفة الصفوة" فإنه يرى من أخبار القوم ما يعد نفسه بالإضافة إليهم من الموتى، بل من أخبار المتعبدات من النسوة ما يحتقر نفسه عند سماعه.

[مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة المقدسي]

( حسن اختيار الكتب )

المهم حُسْن اختيار الكتب؛ فالكتب مثل الأطعمة، فيها النافع وفيها الضار، ومنها المغذّي المفيد، وما هو كثير الدسم عظيم النفع ولكن لا تشتهيه النفس، وما هو مُشَهٍّ لذيذ ولكن لا ينفع، ومنها السم القاتل، ومنها ما هو سم ولكنه ملفوف بغشاء من السكّر، فمن انخدع بحلاوة الغشاء قتله السم! ومَن أكل كل ما يجده -يخلط به الحلو والحامض والحار والبارد- أصابته التخمة وسوء الهضم، ومن قرأ كل شيء صار معه سوء هضم عقلي!

ومن الكتب ما يُدخِل الجنةَ ومنها ما يُدخل النارَ، فلينتبه الطالب، وليسأل من يثق به من المدرّسين والعلماء، وإلاّ كان ترك المطالعة خيراً منها.

[فصول في الثقافة والأدب (ص/48) للطَنطاوي]

تجد الواحد منهم يضع لك في معرّفه صور الأنمي والرسوم المتحرّكة، ولمّا يطرّ شاربه بعدُ، ثم تراه مُتلبّسا شخصيّة "الناقد البصير" العارف بدقائق الأمور، الثابت على الحقّ، الناصر للسنّة والقامع للبدعة!
وما علِمَ المسكين أو ما عُلِّم أنّه إنما ينظر للأُمور من منظار ضيّق وأنّ الأمر على خلاف ما يظن، وأنّه غارقٌ في الجهل وهو لا يشعُر، وإن أردت أن تعجب فاعجب لحاله وغروره وهو لا يوقّر حملة الوحي وأوعية العلم من أئمة الدين فتجده مرسلاً لسانهُ فيهم سبّاً وطعناً وتبديعاً وتكفيراً، وما هذه إلاّ رقّة ديانة وتقحّم للمهالك، فضلا عن البعد عن التحقيق العلميّ، إذ هو لا يعرفه ولم يشمّ رائحته لكونهِ غارقاً في التّعصب، وإن أردت أن تعجب بما هو أكثر من ذلك= فإنّك تجد الواحد فيهم لم يضبط بعدُ "فرض العين" عليه من العلم الواجب، وهو على حاله الذي علمت! وهل هذا إلاّ تضييعٌ للبوصلة، وخللٌ في المنهج التعليميّ؟! يا ضيعة الأعمار!
وإلى الله المُشتكى…

يغلب على كثير من المتشوّفين للردود، والمُتحمّسين لها، عدمُ إحكام الأصول، وانعدام التأصيل، ولا يقتصر هذا على طائفةٍ ما، ولكنّها علامةٌ بارزة في هذا الصنف، والمُعلّم الذي يُربّي طُلّابه على هذا غاشٌ لهم، وهذا المنشغل بمثل هذا مغبون، ولو حرص على الأهم فالمُهم لكان أولى به، تجد الواحد لا يُحكم فقه يومه وليلته= ثُمَّ يتقحّم كبار مسائل أصول الدين والفقه وما إلى ذلك! ما هذه بطريقة مرضيّة ولا بسبيل سويّ.

" لا تكن ملولاً "

من نكد الزمان أن تمر بك مسألة مُشكلة فتقرأ فيها في كلام الفقهاء والعلماء، تسأل فيها، تقرأ فيها بحوثا، ثم يأتيك المستقي معلوماته من المقاطع اليوتيوبية والقصاصات العلمية من هنا وهناك وفتاوى المعاصرين ذات المشرب المعيّن دون توسيع نظر، فيُسفّه قولك ويجزم بقوله مشنّعاً عليك بكل صفاقة.

ولكن يرحم الله المتنبي إذ قال:
"وكم مِن عائبٍ قولاً صحيحاً
‏وآفَتُهُ مِن الفَهمِ السقيمِ"

ويرحم الله الغزّالي إذ قال في "المنقذ من الضلال":
‏"عَلِمتُ أنَّ رَدَّ المذهبِ قبل فهمهِ والاطلاعِ على كنههِ؛ رَميٌ في عماية".

نصيحة /

إذا اختلط عليك أمر ، ولا تدري أهو سنّة أم بدعة ، خطأ أم صواب ، حق أم باطل ، فلا تبني حكماً من مقطع يوتيوبي من دقيقة أو دقيقتين ومن ثُمّ تبدأ بالزام الناس بهذا الرأي الذي سمعته للتو من ذلك الشيخ المتحدث ، فقد تكون هناك أقوال أخرى معتبرة بل ربما يكون هو الذي عليه جمهور العلماء ، لذلك حاول أن تعرف ما هو قول أصحاب المذاهب الأربعة المتبوعة في مثل هذا ، وما منزلته عندهم .

كسر الخواطر وما أدراك ما كسر الخواطر؛ كم من كلمة تفوّه بها صاحبها غير مكترثٍ بها، كانت سهماً نافذا في قلب مسلم، آلمته وأحزنته.
وفي البخاري: "وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم".