Telegram Web Link
مصباح الهداية
Photo
النسويةّ، "قيادةٌ" إلى الجحيم!

فتاة عُمانيّة تُعرف في (تويتر) باسم (ريما)، بدأ فسادُ أمرها بالميل إلى أفكار النسويّة، ثمّ الإلحاد، ثم الذّهاب إلى الغرب، حيث تظنّ أنّ الغرب لديه خزائن لا تنفد، وأنّه مستعدٌ للإنفاق على كل من ينبح بوجه الإسلام، وأن نبذ الدين كافٍ لإغداق وسائل الرفاهية والراحة عليها، عانت ظروفاً صعبةً، فاضطرت للعمل في الدّعارة، فعملت في موقع إلكتروني يتيح للنّساء عرض أنفسهنّ عبر الكاميرا مقابل مبالغ ماديّة، ومع ذلك لم ترتفع أزمتها المعيشيّة، فذهبت إلى الخيار الطبيعيّ لأيّ ملحدٍ وهو (الانتحار)، لتلحق بزميلتها في الإلحاد (سارة حجازيّ) - الملحدة الشّاذة المصريّة- والتي سبقتها إلى الانتحار منذ سنوات.
انتشر الخبر في بعض وسائل الإعلام العُمانيّة، وأخذت هذه القصّة حيّزاً من التفاعل في (تويتر)، ولئلا تكبر الفضيحة قاموا بإغلاق صفحتها الشخصيّة لمنع فهم ما كان يقع معها وكانت تعبّر عنه في تغريداتها تصريحاً أو تلميحاً.
والعبرة من هذه الحادثة تكمن فيما يجب أن يعرف كلّ إنسان من قيمة الأُسرة وقيمنا الأخلاقية في الشرق، فالنسوية -بسبب حوادث متفرقة- تحرّض ضد الأب بعنوان (السلطة الذكوريّة) في حين أنّ الفتاة لو ذهبت شرقاً وغرباً لن تجد لها ملاذاً آمناً رحيماً عطوفاً كالأب، والأم، والأخ، والأخت.. الأسرة هي المحيط الدّافئ الذي يحمي كلّ فتاةٍ من الوحوش البشريّة التي تريد الاستفراد بها، وبمجرد خروجها من هذا الحصن الآمن فإنّها ستتعرّض للاستغلال والتسخير في أيّ مجالٍ بما في ذلك الدّعارة وتجارة الجنس.
الحياة ملأى بالصعوبات والمشقّات، ويمكن أن تواجه بمعيّة الله واليقين بحكمته وعلمه ورحمته، أما الإلحاد فهو ليس إلا مقولة سخيفة تُفقِد الحياة معناها، ولذلك يكون خيار الانتحار سهلاً عند المخدوعين به.
نقد الزيديّة (1) || لماذا الإماميّة دون الزيديّة؟

سأل أحد الإخوة الأعزّاء سؤالاً مفاده: أنّ الباحث السنيّ أو غيره بعد علمه بضرورة اتّباع الثّقلين تبعاً للحديث الصّحيح المرويّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، لماذا يختار أكثر المستبصرين مذهب الإماميّة دون الزيديّة، مع أنّ الزيديّة ترفع راية إمامة أهل البيت عليهم السّلام، وترى أئمّتها مصداقاً للحديث النبويّ؟
والكلام في هذه المسألة طويلٌ جدّاً، ويحتاج إلى دراسة تاريخيّة وعقائديّة لمذهب الزيديّة، وسوف أشير إليها إجمالاً في منشورات لاحقة، إلّا أنني أطرح -من باب المقدّمة- النّظرة العامّة إلى مذهب الزيديّة، وجملةً من وجوه الخلل في الطرح العقائديّ لديهم، والتي سنفصّل الكلام فيها لاحقاً.
والذي يظهر من خلال مطالعة كتب التاريخ والكلام أنّ الزّيديّة في بدو أمرها كانت حركةً سياسيّةً، وسرعان ما تحوّلت إلى قالب دينيّ للحفاظ على وجودها؛ إذ كان الدّين هو مدار حياة الجماعات في القرون الأولى، وهو الذي يمكن أن يُسبغ صفة الشّرعيّة على مسيرتها، فكان لا بدّ من "مذهبة" هذه الحركة السياسيّة الثوريّة، ولذا اضّطرت -كغيرها من المذاهب كالعبّاسيّين وأمثالهم- إلى التّنظير والتقعيد الكلاميّ لادّعاءاتها، فضلاً عن اختلاق الأحاديث السّخيفة التي تفوح منها رائحة الوضع، ومع ذلك لم يخلُ أمرهم من معضلاتٍ وعقباتٍ تتعلّق بمسألة إمامة أهل البيت (عليهم السّلام) ومدى مصداقيّة كون أئمّتهم مصداقاً لحديث الثقلين وما ورد في الأحاديث من ذكر صفات الأئمّة، ومدى انطباقها عليهم. والأمر الآخر وهو الكلام في ميراث النبيّ والوصيّ -صلوات الله عليهما- ومدى صدق تحقّق دعوى الوراثة.
هذا ما سأتكلّم عنه تحديداً -وله فروع كثيرة-، ثم إن سنحت الفرصة نشير إلى ذكر مسائل متفرّقة تتعلق ببحث الجهاد والتقيّة وسيرة الأئمّة وغيرها إن شاء الله تعالى.

يُتبع..
نقد الزيدية (2) || أحاديث الإمامة وصفات الإمام من أهل البيت (عليهم السّلام) في حديث الزيديّة.

الأصل الأوّل الذي يقوم عليه التشيّع هو مرجعيّة أهل البيت (عليهم السّلام) بمقتضى حديث الثّقلين، والذي ينصّ على أنّ التمسّك بالقرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السّلام) عاصمٌ من الضّلال، ومن هُنا يُبنى على أنّ العصمة فيهم لازمةٌ؛ لأنّ غير المعصوم ليس مأموناً من الدّخول في مقولات الضّلال أو الانجرار خلف الأباطيل في أمر الدّين والحُكم. وقد نُصّ في بعض أخبار الزيديّة على عصمة أصحاب الكساء الخمسة، فقد روى الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الجرجانيّ الشجريّ في أماليه بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله في تفسير آية التطهير: (فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب..)، انظر: الأمالي الخميسية، ج1، ص198، رقم الحديث 733. ولا أدري هل انقضتِ الحاجةُ إلى العصمة، فلم يشترطوها فيمن بعده؟ أم كانت تلك العصمة فيهم على نحو الفضل والزيادة؟
وعلى أيّ حالٍ: فالمتّفق عليه بيننا وبينهم إمامة أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السّلام)، وفيما بعد جعلوا الإمامة تنطبق على من انطبقت عليه شرائط الإمامة المذكورة في كتبهم. وقد اعتمدوا ضوابط ركيكة لا ترفعُ اختلافاً ولا توجب وِفاقاً، مع أنّ الإمامة أُوجِبَتْ لرفع لبس أمور الدين عن الخلق كما نصّ عليه بعض أئمتهم.
ومع ذلك نرى الزيديّة لم يشترطوا في الإمام أن يكون معصوماً ولا أن يكون ذا خصوصيّة إلهيّة في علمه، بل هو بمنزلة الفقيه المجتهد حاله حال الشّافعي وأبي حنيفة، ولذا جوّزوا الاجتهاد ومخالفة الأئمّة السّابقين في الجملة.
والإشكال الذي نطرحه هنا أنّنا إذا نظرنا إلى بعض الرّوايات عند الزيديّة في صفة الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام نعلم أنّها لا تنطبق على أكثرهم، وفي هذا المقام، سنورد الأخبار الواردة في هذا الباب، ومن ثمّ نذكر طرفاً من أحوال أئمّتهم في العلم بالدّين.
صفات الأئمّة من آل محمّد في مرويّات الزيديّة:
الأوّل: روى الشّريف الرضيّ عن أمير المؤمنين عليه السّلام: (هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه)، انظر: نهج البلاغة، ص545، المختار من خطب أمير المؤمنين عليه السّلام وأوامره، رقم الخطبة 237.
الثّاني: روى الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الجرجانيّ الشجريّ بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله: («من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن التي غرسها ربي عز وجل بيده، فليتول علي بن أبي طالب وأوصياءه، فهم الأولياء والأئمة من بعدي، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم عترتي من لحمي ودمي، إلى الله عز وجل أشكو من ظالمهم من أمتي، والله لتقتلهم أمتي لا أنالهم الله عز وجل شفاعتي»)، انظر: الأمالي الخميسية، ج1، ص179، رقم الحديث 667. واحتجّ به الإمام المهديّ لدين الله محمّد بن القاسم الحوثيّ في كتابه (الموعظة الحسنة، ص46).
الثّالث: روى الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الجرجانيّ الشجريّ بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله: (لا تعلِّمُوا أهل بيتي فهم أعلمُ منكم، ولا تشتموهم فتضلوا)، انظر: الأمالي الخميسية، ج1، ص205، رقم الحديث 763.
الرّابع: قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة: (فلو لم يكن في ذلك إلّا ما رويناه بالإسناد الموثوق إلى أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أنّه قال: أيّها النّاس، اعلموا أنّ العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيئكم، فأين يُتاه بكم عن أمرٍ تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة، هؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السّلم كافّةً، وهم باب حطّة من دخله غُفِرَ له..)، انظر: شرح الرّسالة النّاصحة بالأدلّة الواضحة، ص551.
الخامس: قال أيضاً: (قوله: (نصّ بذاك جدُّهم خير البشر): لما رُوي عن النبيء -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنّه قال: تعلّموا منهم ولا تعلّموهم، فإنّهم أعلمُ منكم صغاراً، وأحكم منكم كباراً)، انظر: شرح الرسالة الناصحة بالأدلّة الواضحة، ص551.
فهذه نبذةٌ يسيرةٌ من أخبار الزيديّة في صفة أهل البيت عليهم السّلام، وهي تبيّن أنّهم ممتازون عن الأمّة علمائها وغيرهم بعدّة صفات:
1- الأعلميّة، وعدم تفوّق أحدٍ عليهم علمياً.
2- أنّ علمهم وفهمهم هو علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفهمه.
3- لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه.
4- أنّهم ورثة العلوم التي أنزلها الله على الأنبياء (عليهم السّلام).
وهذا لا ينطبق على غير أئمّتنا الاثني عشر (عليهم السّلام)؛ فلم يدّعِ أحدٌ ذلك سواهم، ولم يُدَّعَ ذلك لأحد غيرهم، إلّا ما أُثِر من مقولاتٍ شاذةٍ أتت بها فرقٌ مندثرة، فمن استقرّت عليه الحالُ من فرق أهل الإسلام اليوم لا يدّعون ذلك لأئمّتهم سوانا، فهم المصداق الوحيد لهذه الروايات.
وبالنسبة للزيديّة، فلا ينطبق على أئمّتهم شيء من هذه الشروط:
أمّا الأعلميّة: فما ظهر لنا دليلٌ على أعلميّة أئمّتهم -بل ظهر خلاف ذلك-، بل بعضهم أقرّ بعدم تفوّقه على الباقر والصّادق صلوات الله عليهما كما في رواية الصحيفة السجّادية من قول يحيى بن زيد رحمه الله حينما سأله المتوكّل بن هارون: (يا ابن رسول الله، أنتم أعلم أم هم؟)، فقال: (كلّنا له علمٌ، غير أنّهم يعلمون كلَّ ما نعلم، ولا نعلمُ كُلَّ ما يعلمون)، وهو صريحٌ في اختصاصهما بعلمٍ لا يُظفَر به عند أحدٍ من الأمّة الإسلاميّة سواهم.
وأمّا دعوى أنّ علمهم وفهمهم هو علم وفهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فهذه خصلة فريدة عالية لم نر أحداً تطاول لادّعائها من أئمّتهم، ومن يدّعيها فعليه بالبرهان.
وأمّا عدم مخالفتهم للحقّ وعدم اختلافهم فيه: فهذه أبعدُ ما تكون عن سيرة أئمّة الزيديّة، فقد اختلفوا فيما بينهم، ويرون جواز مخالفة اجتهادات الأئمّة السّابقين، وهذه كتبهم تشهد باختلاف الأقوال فيما بينهم، وفيها ما لو حُقّق فيه لعُلم أنّه خلاف الحقّ وشريعة سيّد المرسلين، ومن ذلك ما هو منثورٌ في مسائل التوحيد والإمامة، وجملة من مسائل الفقه في أبواب مختلفة.
وأمّا وراثة علوم الأنبياء: فما رأيناهم يدّعون وراثة صحف إبراهيم وموسى وغيرها من مواريث الأنبياء، ولا حتى من علومهم، بل أكثر حديث أئمّتهم وعلمهم له جذورٌ في حديث أهل السنة وكلام المعتزلة، فهم ورثة أهل الحديث والمعتزلة، وما عَلِمْنا أنّ في أولئك أنبياء؛ بل إن جملةً من أئمّة الزيدية -الذين يُدّعى أنّهم مفترضو الطّاعة- وأنّهم مصداق لهذه الروايات أخذوا أخبار النبيّ -صلّى الله عليه وآله- ورواياته عن محدّثي أهل السنّة والإماميّة، ولو مُحِّصت أمالي أبي طالب الهارونيّ وأخيه أحمد والإمام يحيى بن الحسين الجرجانيّ الشجريّ صاحب الأمالي الخميسيّة والاثنينيّة لبان لنا أنّ نسبةً وافرةً منها مأخوذةً من مصنّفات أهل السنّة والإماميّة، ولو أقيمت دراسات حديثيّة دقيقة وخُرِّجت هذه الرّوايات وتمّ تتبع أصولها لكان سهم أهل السنة فيها وافراً، وللإمامية نصيبٌ أيضاً، ومن الطّريف أن جملةً من هذه الأحاديث التي نقلوها في كتبهم هي موضوعاتٌ مكذوبةٌ باعتراف العامّة قبل غيرهم، بل بما يشهدُ به التّحقيق، ودونك ما في الأمالي الخميسية والاثنينية من العجائب والغرائب المسلسلة بالمجاهيل والكذّابين. هذا مع وجود النصوص على تلقي العترة بالقبول للأمالي الخميسيّة.
والحاصل: إنّ أئمّة الزيديّة عيالٌ في الحديث على المحدّثين عند العامّة والإماميّة، وعيالٌ في الكلام على المعتزلة وما تجود به أذهانهم من مخترعاتٍ لا أصل لها في الشّريعة، ولا يقرّ بها عاقل، وقد أخذوا جملةً وافرةً منها عمّن ذكرنا، وبذلك تكون المعادلة الزيديّة: تعلّم الحديث والكلام من غيرك، ثم انتصب للإمامة بالسّيف، فتكون إماماً مفترض الطّاعة، وبمعجزةٍ زيديةٍ تصبح مصداقاً لـ(لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم) و(لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه).
وأيّ عاقلٍ مثلاً يقبل أنّ أبا طالب الهارونيّ أو أخاه أو المرشد بالله الجرجانيّ وأمثالهم ممّن ركض خلف الخاصّة والعامّة لجمع حديث رسول الله في القرن الرابع والخامس هو مصداقٌ لتلك الأحاديث الواردة في صفات آل محمّد؟
على أنّ هذا الأمر لا يخلو من طرافة وظرافة؛ فليتهم جمعوا الأحاديث جمع الخبير البصير، بل كانوا كحطّاب ليلٍ لا يميّزون المكذوب من الصّحيح، وهذا ما سنشير إليه قريباً.
نقد الزيدية (3) || الواقع العلميّ لأئمّة الزيديّة

اتّضح ممّا قدّمنا أنّ أهل البيت عليهم السلام الذين أُمرت الأمّة باتّباعهم فيهم شرط الأعلميّة ووراثة العلوم الإلهيّة وأن علمهم وفهمهم علم رسول الله وفهمه، وأنّهم لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وأشرنا إلى أنّ أئمّة الزيديّة لم تنطبق عليهم هذه الشّروط، فأكثرهم عيالٌ على أهل الحديث والمعتزلة في الحديث والكلام، فكيف يكونون مصداقاً لقوله -صلى الله عليه وآله: (لا تعلّموهم؛ فإنّهم أعلمُ منكم)؟ وإذا لم يثبت تقدّمهم على علماء الأمّة وآحادها بالعلم والفضل ووراثة العلوم الإلهيّة، فبأيّ شيء تقدّموا عليهم؟ فقط لأنّهم من النسل الفاطميّ؟ أم للقيام بالسيف؟ وهل الدّين الإسلاميّ مبنيٌّ على الثقافة العشائريّة، فيسلّم رسول الله -صلى الله عليه وآله- أمر أمّته إلى فئةٍ من قبيلته وهم لا يمتلكون مؤهّلات الإمامة التي نصّ عليها بنفسه؟
وهذا الإشكال كان حاضراً في أذهان بعض الشّيعة؛ إذ إنّهم ما كانوا يرتضون الانقياد لمن يأخذ علمه عن تلك الفرق، ومن اللّطائف في هذا الباب ما رواه أبو الفرج الأصفهانيّ الزيديّ في (مقاتل الطّالبيين، ص473)، في ترك عبّاد بن يعقوب الرّواجني نُصرة الإمام محمّد بن القاسم بن علي بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب المُلقّب بـ(الصوفيّ) والمعروف بـ(صاحب الطّالقان)؛ وذلك لأنّه كان يرى رأي المعتزلة.
قال أبو الفرج: (حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني عبيد بن حمدون، قال: سمعت عباد بن يعقوب، يقول: كنتُ أنا ويحيى بن الحسن بن الفرات [القزّاز]، مع محمد بن القاسم في زورق نريد الرّقة، ومعنا جماعة من أهل هذه الطبقة، فظهرنا من مذهبه إلى أنه يقول ‌بالاعتزال، فخرجنا وتركناه، فجعل ‌يبكي ويسألنا الرجوع، فلم نفعل)، فاعجب لمثل هذا الإمام، الذي تجب طاعته لأنّه فاطميٌّ قام بالسيف ودعا إلى نفسه، ثم يُدَّعى له أنّ وارث رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلمه وفهمه كعلم رسول الله وفهمه، وهذا الذي لا ينبغي أن نُعلِّمَهُ فإنّه أعلم منا، ثم هو في عقيدته يمشي مشي المعتزلة الذين يخلطون الحقّ بالباطل.
وإذا قمنا بدراسةٍ لتراث القاسم الرسيّ وأبي طالب الهارونيّ وأخيه والمرشد بالله الجرجاني وأبيه المؤيّد بالله وأضرابهم ممن سبق ولحق، سنجد أنّهم عيالٌ على غيرهم في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وروايته، هذا غير ما كانوا عليه في الفقه والكلام.
وعلى سبيل المثال: الأمالي الخميسيّة.
فإنّ جمعاً من علماء الزيديّة قد نصّوا على أنّها تتضمن محاسن أخبار رسول الله المروية بالأسانيد الصحيحة عند علماء هذا الشأن -ولا أدري من هؤلاء العلماء؛ فالزيدية ليس لديهم كتب في الرجال والجرح والتعديل، وأما على الجرح والتعديل عند علماء أهل السنة فهذا الكتاب كثيرٌ منه ضعيف بل فيه أكاذيب كثيرة، فما عرفنا "علماء هذا الشأن"-.
قال العلّامة الزيديّ محيي الدّين محمّد بن أحمد القرشيّ -الذي قام بترتيب أمالي المرشد بالله-: (ولقد جمع في هذه الأمالي محاسن أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيونها، ورواها بأسانيد صحيحة عند علماء هذا الشأن، وقيد المواضع المشتبهة بتقييدات لا تكاد توجد في موضع، وزينها بالغرر والدرر من الأحاديث المروية، عن أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، انظر: الأمالي الخميسية، ج1، ص340.
وقال الإمام أحمد بن هاشم في دفاعه عن روايةٍ رواها المرشد بالله: (أنّ الحديث قد رواه الإمام المرشد بالله عليه السّلام في أماليه الكبرى الذي قال فيها الشيخ العلّامة التقيّ الجامع لها محيي الدين القرشي في آخر الحديث الحادي عشر من ذلك الكتاب ما لفظه: ولقد جمع -يعني الإمام- في هذه الأمالي محاسن أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيونها، ورواها بأسانيد صحيحة عند علماء هذا الشأن، وقيّد المواضع المشتبهة بتقييدات لا تكاد توجد في موضعٍ. وذكر الحكمَ عليها بالصحّة في مقدّمتها. ويكفي ذلك الكتاب شرفاً تلقّي العترة له بالقبول، وأيضاً: فهو من أعظم معتمداتهم ومرجوعاتهم، ومن بحث وأخذ عرف، ومن جهل شيئاً عاداه)، انظر: السّفينة المنجية في مستخلص المرفوع من الأدعية، ص120.
ونقل هذا المطلب صاحب الجداول الصّغرى في ترجمة المرشد بالله أيضاً عن كتاب (السّفينة).
وإذا نظرنا في كتاب (الأمالي الخميسية) فسنجد أنّ وارث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد تلقّى الأحاديث عن مشايخ الحديث من أهل السنّة وغيرهم، وضمّن كتابه أكاذيب عظيمة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أفليس من شؤون الإمام أن يذبّ عن سنة رسول الله ويدفع الأكاذيب عنها؟ فإذا هو يروي الغثّ والسمين حاله حال أيّ محدّث عند سائر الفرق الإسلاميّة. فما فضلُه عليّ وعلى هذه الأمّة؟!
ومن الأكاذيب الفظيعة التي أدرجها في كتابه:
1- ما رواه بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله: (من وسَّع على عياله يوم عاشوراء لم يزل في سَعَةٍ سائر سَنَته)، انظر: الأمالي الخميسية، ج1، ص231، رقم الحديث 815.
ولا يخفى على بصيرٍ بالحديث أنّ أحاديث التّوسعة على العيال يوم عاشوراء من أكاذيب بني أميّة، وقد أقرّ بذلك علماء الحديث عند أهل السنة قاطبةً، ولم يصححوا شيئاً في فضل عاشوراء خلا رواية الصّوم، وأمّا أحاديث التوسعة والاكتحال والاغتسال فكلّها من موضوعات بني أميّة بإقرارهم.
2- ما رواه بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله: (وفي رجب حمل الله نوحاً في السّفينة فصام رجباً وأمر من معه أن يصوموا، فجرت به السّفينة ستة أشهر، آخر ذلك يوم عاشوراء أهبط على الجوديّ، فصام نوح ومن معه والوحش شكر الله عز وجل. وفي يوم عاشوراء أغلق الله البحر لبني إسرائيل، وفي يوم عاشوراء تاب الله عز وجل على آدم وعلى مدينة تونس [كذا!]، وفيه وُلِدَ إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم)، انظر: الأمالي الخميسية، ج2، ص127-128، رقم الحديث 1839. وهذا أيضاً من الأكاذيب الأموية التي اخترعت لبيان فضل وعظمة يوم عاشوراء لحثّ الناس على الاحتفال به وتبجيله وتعظيمه.
ولو أنّ باحثاً يتصدّى للقيام بدراسة تفصيلية لهذا الكتاب لعثر على نماذج كثيرة من الأحاديث الضّعيفة والمكذوبة، والتي يُعلم أنّ لبني أميّة وغيرهم يداً في اختلاقها، فأيّ فرقٍ بين هذا الإمام المتطفّل على حديث غيره بلا درايةٍ وبين سائر المحدّثين من الأمة الإسلاميّة؟ بل إنّ المنصف لو رأى مستوى الدراية بالحديث عند صاحب الأمالي (الجرجانيّ) وعند علماء المذهب الذي تطفّل عليه أمثال أبي حاتم الرازيّ أو ابن حبّان أو ابن خزيمة لعلم أنّهم أعلم منه وأكثر حذاقة ومهارة في المعرفة بالرّواة وعلل الحديث، فكيف يكون هذا الرّجل وأمثاله مصداقاً لأحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله التي حدّدت صفات الإمام من أهل البيت عليهم السّلام؟!

[خاتمة]
بعض الزيديّة غصّ بهذه الأحاديث فادّعى أنّه بهذا الفهم لا مصداق لها؛ مع أنّ الأحاديث التي ذكرناها نصٌّ على المطلوب، وليست من قبيل (اختلفَ فهمي وفهمُك)؛ فما معنى (لا تعلّموهم؛ فإنّهم أعلم منكم)، وما معنى (أعطاهم الله فهمي وعلمي)؟ إنّ لسان هذه الأحاديث لسانُ تمييزٍ وتفضيلٍ، وإذا تساوى حالُ أئمّتكم مع سائر علماء الفرق الإسلاميّة، فهذا لا يعني أنّه ليس لهذه الأحاديث مصداق، وإنّما يعني أنّه ليس أئمّتكم مصداقاً لها. أمّا كون الأئمّة الاثني عشر مصداقاً لها، فهذا لسنا بصدد شرحه الآن، وإن كان سيأتي بيانه مفصّلاً في الحلقات القادمة. والذي يهمّنا في البداية بيان عنكبوتية البناء الزيديّ في العقيدة والحديث.

أقول: إنّ الأحاديث الواردة في فضل أهل البيت (عليهم السّلام) تعطي لهم امتيازاً وتفضيلاً في الجانب العلميّ على سائر الأمّة، وبهذا استحقُّوا قيادتها، وأن يكونوا مصداقاً للهداية وعدم الإضلال -كما في حديث الثقلين-، وإذا كان العلماء من أهل البيت (عليهم السّلام) حالُهم كحال سائر علماء الأمّة، فلن يكون لهم أيّ امتيازٍ أو جهة تقدّم سوى بالنّسب، والتقديم للقيادة لمحض النّسب من سِمات العشائريّة الجاهليّة، فالنبيّ -صلى الله عليه وآله- لم يقدّم أهل بيته -صلوات الله عليهم- لمجرد القرابة، بل لأنّهم صفوة الله وخِيَرته وخزّان علمه، ولذلك لا بدّ من جهة تقدّمٍ للإمام على مأمومه، وإلّا فلو ساواه فما فضله عليه؟!

يتبع..
صدر حديثاً || كتاب «دور الزّمان والمكان في استنباط الأحكام الشّرعيّة»

صدر حديثاً عن مؤسسة بصائر للتّحقيق والدراسات الإسلاميّة كتاب «دور الزّمان والمكان في استنباط الأحكام الشّرعيّة» لسماحة الشّيخ حسن فوزي فوّاز، وتدور مباحث الكتاب حول مدى دخالة الزّمان والمكان في استنباط الأحكام الشرعيّة وتأثيرهما في مجال فهم النصّ الدينيّ، كما تعرّض لذكر جملة من أهم التطبيقات الفقهيّة لهذا الموضوع.
تتألّف الرّسالة من أربعة أبواب:
الباب الأوّل: وقد بحث فيه المبادئ التصوّرية المتعلّقة بموضوع الدراسة.
الباب الثاني: ارتباط الزمان والمكان بفهم النصوص وتأثيرهما عليه، مع ملاحظة أهمّ النكات الكليّة التي يجب ملاحظتها في هذا البحث.
الباب الثالث: في مدى ارتباط الزمان والمكان بنفس الحكم وموضوعه ومتعلّقه وتأثيرهما عليه.
الباب الرّابع: في ذكر نماذج تطبيقيّة ترتبط بالبابين الثاني والثّالث.

سيتوفّر قريباً في مجتمع ناشران - قم المقدّسة.

فهرس الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

نشر صاحب قناة مذكرة علم الكلام شيئاً لا أدري ما وصفه الحقيقيّ لكنّه سمّاه (إشكالاً خطيراً)، وحاصله: أنّ أبا سهل النوبختيّ أحد كبار متكلّمي الشيعة الإماميّة كان يقول بموت صاحب الزّمان (عليه السّلام) وأنّه خلفه ابنه وهكذا تجري الإمامةُ في نسله، وهذا نقضٌ لاعتقاد الإماميّة بأنّ الأئمّة اثنا عشر.

ومن الواضح لمن تأمّل كلامه أنّ صاحب المنشور – لشدّة ثقته بجهله – لم يميِّز بين الحسن بن موسى النوبختيّ صاحب كتاب (فِرق الشّيعة) وأبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ المتكلّم الشيعيّ المعروف، فخلط بين الشخصيّتين جهلاً، فالنوبختيّ الذي ألَّف في الفرق والمذاهب هو (الحسن بن موسى)، وقد ذكر النجاشيّ كتابه في ترجمته حيث قال: (الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي، شيخنا المتكلّم المبرَّز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها. له على الأوائل كتب كثيرة، منها: كتاب الآراء والديانات كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة، قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله رحمه الله. وله كتاب فرق الشّيعة..)، انظر: رجال النجاشي، ص63، رقم الترجمة 148.
فاتّضح أوّلاً لم يفرّق بين شخصيّتين من آل النوبختيّ، وخلط بينهما خلطاً سخيفاً. ويبقى الكلام في الفقرتين المنقولتين عنهما، المنسوبتين إلى أبي سهل النوبختيّ، والحقّ -كما عرفت- أن كلّ عبارةٍ تعود إلى شخص مختلف.

مناقشة الكلام المنسوب إلى أبي سهل النوبختي
قال ابن النّديم في فهرسته عند حديثه عن أبي سهل النوبختيّ: (وله رأيٌ في القائم من آل محمّد -عليه السّلام- لم يُسبَق إليه، وهو أنّه كان يقول: أنا أقول إنّ الإمام محمّد بن الحسن ولكنّه مات في الغيبة، وقام بالأمر في الغيبة ابنُه، وكذلك فيما بعد من ولده إلى أن يُنْفِذَ اللهُ حكمَه في إظهاره..)، انظر: الفهرست، ج1، ص634-635.
وفي نسبة هذه المقالة إلى أبي سهل النوبختيّ نظرٌ من عدّة جهات:
الجهة الأولى: إنَّ هذه الرّواية مرسلة؛ ولا يُعرَفُ لابن النّديم لقاءٌ بأبي سهل أو سماع منه، بل إنّ إدراكه له محلّ تأمُّلٍ، وعلى أيّة حال: فما هو مصدر هذا النقل؟ وعمّن أخذه؟ يتّضح بالبحث أنّها مجرد مقولة مرسلة لا يمكن التحقّق من ثبوتها عمّن نُسبت إليه. ولو فُرِضَ أنّ هذه العبارة من تتمّة ما نقله عن أبي الحسن الناشئ؛ فإنّه لا يُعلم كذلك كيف أخذها ابن النّديم عنه.

الجهة الثّانية: نقل الشّيخ الصّدوق في كتابه (كمال الدّين وتمام النّعمة، ج1، ص118-124) مطلباً طويلاً من كتاب (التّنبيه) لأبي سهل النوبختيّ، وفيها عدّة عبارات تبيّن اعتقاده بأنّ الإمام الغائب هو الحجّة ابن الحسن العسكريّ (عليه السّلام)، ولم يذكر تفصيلاً آخر حول امتداد الإمامة في ذريته، ومن هذه العبارات:
1- قوله: (بل أخبار الشّيع أوكد؛ لأنه ليس معهم دولةٌ ولا سيفٌ ولا رهبة ولا رغبة، وإنّما تُنقل الأخبار الكاذبة لرغبةٍ أو رهبةٍ أو حملٍ عليها بالدّول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك، وإذا صحّ بنقل الشيعة النصّ من النبي صلى الله عليه وآله على عليّ عليه السلام صحّ بمثل ذلك نقلها النصّ من عليّ على الحسن، ومن الحسن على الحسين، ثمّ على إمامٍ إمامٍ إلى الحسن بن عليّ، ثم على الغائب الإمام بعده عليه السّلام؛ لأنّ رجال أبيه الحسن عليه السّلام الثّقات كلهم قد شهدوا له بالإمامة، وغاب عليه السّلام لأنّ السّلطان طلبه طلباً ظاهراً ووكّل بمنازله وحرمه سنتين)، انظر: كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص120.
فترى في هذه العبارة كلامه عن تسلسل النصّ في الأئمّة واحداً بعد آخر، ولم يتعرّض لنعت غير الاثني عشر بالإمامة، ولم يستمرّ في ذكر تسلسل الإمامة في نسل الثاني عشر.
2- قوله في جواب شبهة أخرى: (وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهوراً تامّاً للخاصّة والعامّة، فمن أين علمتم وجوده في العالَم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة قد تواترت أخبارها أنّها شاهدته وعاينته؟)، ثم أخذ في ذكر الأجوبة على ذلك، وفي ضمن أدلّته قال: (ولهُ إلى هذا الوقت من يدّعي من شيعته الثّقات المستورين أنّه بابٌ إليه وسببٌ يؤدّي عنه إلى شيعته أمره ونهيه، ولم تطل المُدّة في الغيبة طولاً يخرج من عاداتِ مَنْ غابَ)، وهنا ينبغي الالتفات إلى أنّ موضوع الشبهة وجوابها هو (ابن الحسن) كما حُدّد بالنصّ، وقد أجاب بأنّ الإمام لا زال يُخرج الأوامر والنّواهي عبر الثقات من شيعته، وهو ما يدلّ بصراحةٍ على التزامه بحياته وبقائه.
واللّطيف في العبارة قوله أنّ غيبة الإمام لم تطل طولاً فاحشاً بعدُ ولم تخرج عن عادات من غابَ، وأبو سهل النوبختي قد وُلِدَ سنة 237 هجريّة ومات سنة 311 هجريّة عن عمرٍ يناهز 74 عاماً، فكلامه هنا -في مقام النقض- بأنّ الإمام لم يغب غيبة خارجةً عن العادة يتناسب مع ذهابه إلى هذا الجواب دون فرضيّة الالتزام بموته من دون داعٍ لذلك، وهذا هو مقتضى الحال، بيان ذلك: إنّ ولادة الإمام المهديّ (عليه السّلام) كانت في سنة 255 هجريّة، وإنّ أبا سهل توفي سنة 311 هجريّة، فهذا يعني أنّ عمر الإمام آنذاك 56 عاماً، وهذا يتناسبُ مع جوابه بأنّه لا زال حياً ويخرج الأوامر والنواهي عبر ثقات شيعته، وأنّه لم يغب غيبةً خارجة عن العادة، وما من داعٍ يضطرّه إلى اللجوء للقول بوفاته وهو غائبٌ في سلامةٍ من شرّ أعدائه ويدهم المبسوطة. فنسبة القول بموته إلى أبي سهل بعيدةٌ في هذه الحالة، ولا يمكن التصديق بها من دون ذكر قرائن وافية.
3- قوله: (فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن عليه السّلام على ما شرحتُ وأنّه قد غابَ كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنّها جاءت مشهورةً متواترةً، وكانت الشيعة تتوقّعها وتترجاها كما ترجون بعد هذا من قيام القائم عليه السّلام بالحقّ وإظهار العدل).
وأخبار الشيعة المشهورة تنصّ على غيبة ابن الحسن عليه السّلام وأنّه هو بعينه يظهرُ بعد غيبته، وليس فيها أنّ الإمامة تستمرُّ في أنّ الثاني عشر يموت ويخلفه أولاده، ولا يظهرُ من هذا الكلام حول إمامة ابن الحسن وأخبار الغيبة عند الشيعة أنّه يعتقدُ بابنٍ له، ولم يأتِ على ذكره لا في أوّل الكلام ولا آخره.

الجهة الثّالثة: إنّ أبا سهل النوبختيّ من كبار المتكلّمين في عصره، وقد اعتنى علماؤنا بآراء كبار علماء الطّائفة من المتكلّمين ولا سيّما بني نوبخت؛ فإنّهم من وجوه الطّائفة وممّن يُعتنى برأيهم في مسائل الكلام، ولذا نجدُ أنّ الشيخ المفيد في كتابه (أوائل المقالات) يعتني بذكر آراء بني نوبخت، بل صرّح في مقدّمة كتابه بالتزامه بذكر آرائهم، قال: (فإنّي بتوفيق الله ومشيّته مثبِتٌ في هذا الكتاب ما آثر إثباته من فرق ما بين الشّيعة والمعتزلة، وفصل ما بين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من المعتزلة والفرق ما بينهم من بعد، وبين الإمامية فيما اتّفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول، وذاكرٌ في أصل ذلك ما اجتبيته أنا من المذاهب المتفرّعة عن أصول التوحيد والعدل والقول في اللطيف من الكلام، وما كان وفاقاً منه لبني نوبخت رحمهم الله وما هو خلاف لآرائهم في المقال..).
وأبو سهل النوبختيّ من أكبر المتكلّمين وأعظمهم في آل نوبخت، ومع ذلك لم يذكر عنه شيئاً من هذا القبيل في المواضع التي تعرّض فيها لمسألة الإمامة واعتقاد الشيعة فيها، فقد ذكر اتّفاق الإمامية على اثني عشر إماماً، ولم يذكر خلافاً لأحدٍ من بني نوبخت أو غيرهم.

مناقشة العبارة المنقولة عن الحسن بن موسى النوبختي

احتجّ الكاتب بسطرٍ من كلام الحسن النوبختيّ وفيه يقول: (ولا ينقطع من عقب الحسن بن علي عليه السلام ما اتصلت أمور الله عز وجل)، وجعلها شاهداً مؤيّداً لما نقله ابن النّديم عن أبي سهل النوبختيّ وأنّ الإمامة لن تنقطع من عقب الحسن العسكريّ، وفيه:
أوّلاً: إنّك قد عرفت أنّ هذه العبارة من كلام الحسن بن موسى النوبختيّ، وليست لأبي سهل، فلا يصحّ جعل عبارة الحسن شاهداً على صحّة ما نُسب إلى غيره من دون وجود أيّ صلةٍ توجب الربط بينهما، فمثلاً لم يعبّر الحسن بأنّ ما يقوله هو عين كلام أبي سهل. ولذا لا تصحّ شاهداً لما ورد في كلام ابن النديم.
ثانياً: إنّ الكاتب قد أخذ سطراً من آخر كلام النوبختيّ، وأهمل صدره، فصارت العبارة مبهمةً بعد قطعها عن سياقها، وإلّا فمن يراجع كلام النوبختي من أوّله يعلمُ أنّ موضوع الكلام عن ابن الحسن العسكريّ عليه السّلام. قال: (بل لله عزّ وجلّ في الأرض حُجّةٌ من ولد الحسن بن عليّ -وأمرُ الله بالغٌ- وهو وصيٌّ لأبيه..)، والضّمير -في "لأبيه"- يعودُ إلى الحجة ابن الحسن عليه السّلام، وهو المراد في هذا الموضع، ولو أريد به بعض أحفاد العسكريّ عليه السّلام لما صحّ التعبير بالقول أنّه: (وصيٌّ لأبيه..)؛ فإنّ هذا التعبير في تراث الإماميّة مستعملٌ بحقّ الإمام وابنه المباشر الذي يوصى إليه، ولذا لا نراهم يعبّرون عن الهادي عليه السّلام بأنّه وصيّ جعفر بن محمّد عليه السّلام مثلاً، وإنّما يذكرون الوصيّة من أبيه المباشر.
وأبلغ من ذلك قوله: (فنحن مستسلمون بالماضي وإمامته -أي الحسن العسكري-، مُقِرُّون بوفاته، معترِفون بأنّ له خلفاً قائماً من صلبه، وأنّ خَلَفَهُ هو الإمام من بعدُ حتّى يظهر ويعلن أمره كما ظهر وعلن أمرُ من مضى قبله من آبائه)، وهذه العبارة صريحةٌ في أنّ القائم من ولد الماضي -وهو العسكريّ- يبقى إماماً إلى أن يظهر ويُعلن أمره، وهو ما يتنافى مع دعوى موته في زمن الغيبة قبل ظهور أمره.

والحمد لله ربّ العالمين.
• الثلاثاء ١٧ أكتوبر ٢٠٢٣ - مجزرة مستشفى المعمداني في مدينة غزة.


التظاهرات والشجب حيلة العاجز.
في بعض دولكم، يتواجد سيّاح ومقيمون يحملون الجنسية الإسرائيلية، فليعبّر الشارع العربي والإسلامي عن غضبه كما ينبغي.
مجزرة جديدة بحق النساء والأطفال في قصف منزل مأهول في خان يونس جنوب قطاع غزة.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الغارات الجويّة على غزة هذه الليلة.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
مشاهد المجازر الصهيونيّة تسلبنا القدرة عن أيّ نطقٍ.. لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
غارة على منزل مأهول في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة.
هذه شهادة حية على طبيعة الغارات الجوية التي تستهدف جميع المدنيين بمن فيهم من الأطفال والنساء.
إنا لله وإنّا إليه راجعون.
ارتقاء ثلة من عائلة الإيمان والولاية والجهاد آل الحسنيّ.

١- الأخ الحبيب محمد فايز الحسني (أبو محمود).
٢- زوجته: زهراء حازم العبادلة.
٣- بنته: بتول محمد فايز الحسني.
٤- بنته: يارا محمد فايز الحسني.
٥- أخته: رند فايز الحسني.
٦- أخته: روند فايز الحسني.
٧- ابن أخته روند: همام محمد العطل.
٨- ابن أخته روند: أوس محمد العطل.
٩- بنت أخته روند: ورد محمد العطل.
١٠- زوج أخته روند: محمد العطل.

رضوان الله عليهم أجمعين، وحشرهم مع محمد وآل محمد.
قبل اثني عشر يوماً قُصف بيت الشهيد محمد الحسنيّ، وأصيبت ابنته بتول، ونجت من الموت آنذاك، فذهب جنوباً إلى منزل والد زوجته لينالوا فخر الشّهادة جميعاً، والتحق الشهيدُ بأخيه رماح وعمّه إياد وسائر رفاق الدرب الذين مضوا على الحقّ.

بعين الله ما نزل بكم، وإنّا لله وإنا إليه راجعون.
غزّة تحت القصف!

لا ألفينّك بعد الموت تندبني
وفي حياتي ما زوّدتني زادي
2024/10/01 22:11:34
Back to Top
HTML Embed Code: