Forwarded from تراث الإماميّة في الحديث وعلومه
وصية_أمير_المؤمنين_عليّ_عليه_السلام_إلى_ابنه_محمد_ابن_الحنفية_برواية.pdf
802.5 KB
📄يُنْشَرُ لأوَّلِ مرّةٍ
وصيَّةُ أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السّلام) إلى ابنه محمّد ابن الحنفيّة، برواية الأصبغ بن نباتة.
تحقيق الشّيخ إبراهيم جواد.
نُشِرَت في العدد (3) - مجلّة أطراف الأقلام الصَّادرة عن مجمع الإمام الصّادق (عليه السّلام) بقمّ المقدّسة.
وصيَّةُ أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السّلام) إلى ابنه محمّد ابن الحنفيّة، برواية الأصبغ بن نباتة.
تحقيق الشّيخ إبراهيم جواد.
نُشِرَت في العدد (3) - مجلّة أطراف الأقلام الصَّادرة عن مجمع الإمام الصّادق (عليه السّلام) بقمّ المقدّسة.
مصباح الهداية
Video
الموقف من الحاكم الجائر: نظرة في إزاحة المفاهيم وتحريفها
في الوسط السنيّ، كانت فكرة عدم الخروج على الحاكم الجائر من منافذ عزل سلطة الفقيه عن مجال عمل السلطان؛ ليبقى سلاطين بني أميّة وبني العباس مطلقي اليد فيما يفعلون، واستلم سلفيّة وليّ الأمر المعاصرون هذه الفكرة، وغالوا فيها، فتطورت هذه الفكرة من انعزال الفقيه عن السلطان إلى انضواء الفقيه تحت راية السلطان، وبذل الجهد في تكلّف الوجوه والأعذار والتبريرات، فبلغ مشايخ السلفية بذلك مبلغاً خطيراً في الصّلافة وقلّة الحياء، إلى درجة ترجيح الاهتمام بالتنزّه عن البول على الاهتمام بدماء المسلمين، في تجاهل صريح لكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وثوابت الفقه الإسلاميّ، كلّ ذلك داسوا عليه خدمة للسلطان وغلوّاً في طاعته.
وفي الوسط الشيعي، كانت فكرة عدم الخروج على الحاكم والتقيّة انتظاراً لأمر أهل البيت (عليهم السلام) حفظاً للمجتمع الشيعيّ الذي يمثل الأقليّة من التآكل في الحرب وهدر الجهود فيما لا تُرجى منه ثمرة، وقد آتت سياسة الأئمة لشيعتهم بهذا النحو أكلها، فحُفظت هذه الأقلية من الاندراس في وسط الأكثرية الساحقة والمتوحشة، وهذا الأمر أجنبيٌّ عن فكرة الجهاد الدفاعي عن أعراض المؤمنين وأموالهم ومصالحهم في مقابل الهجمة الاستئصالية لعدوّ قرّر أن لا يُبقي أو يذر، وهو الجهاد الذي لا يحتاج إلى إذن من الفقيه الجامع للشرائط، ولا أدلة التقية تشمله؛ فصار البعض يُلبس ما تقوم به المقاومة لباساً آخر، ثم يدّعي منافاته لأخبار التقية، والحال أن مسألة الخروج على الحاكم شيء، ومسألة الجهاد الدفاعي شيء آخر، ومن هنا يقع الخلط وإزاحة المفاهيم عن وجهها.
عندما تغلب (الأيدلوجيا) الفقهَ ومنطقَ الأدلّة، من الطبيعي أن نقف أمام حفلة تهريج قبيحة تُصدّر لنا الغرائب باسم الإسلام!
في الوسط السنيّ، كانت فكرة عدم الخروج على الحاكم الجائر من منافذ عزل سلطة الفقيه عن مجال عمل السلطان؛ ليبقى سلاطين بني أميّة وبني العباس مطلقي اليد فيما يفعلون، واستلم سلفيّة وليّ الأمر المعاصرون هذه الفكرة، وغالوا فيها، فتطورت هذه الفكرة من انعزال الفقيه عن السلطان إلى انضواء الفقيه تحت راية السلطان، وبذل الجهد في تكلّف الوجوه والأعذار والتبريرات، فبلغ مشايخ السلفية بذلك مبلغاً خطيراً في الصّلافة وقلّة الحياء، إلى درجة ترجيح الاهتمام بالتنزّه عن البول على الاهتمام بدماء المسلمين، في تجاهل صريح لكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وثوابت الفقه الإسلاميّ، كلّ ذلك داسوا عليه خدمة للسلطان وغلوّاً في طاعته.
وفي الوسط الشيعي، كانت فكرة عدم الخروج على الحاكم والتقيّة انتظاراً لأمر أهل البيت (عليهم السلام) حفظاً للمجتمع الشيعيّ الذي يمثل الأقليّة من التآكل في الحرب وهدر الجهود فيما لا تُرجى منه ثمرة، وقد آتت سياسة الأئمة لشيعتهم بهذا النحو أكلها، فحُفظت هذه الأقلية من الاندراس في وسط الأكثرية الساحقة والمتوحشة، وهذا الأمر أجنبيٌّ عن فكرة الجهاد الدفاعي عن أعراض المؤمنين وأموالهم ومصالحهم في مقابل الهجمة الاستئصالية لعدوّ قرّر أن لا يُبقي أو يذر، وهو الجهاد الذي لا يحتاج إلى إذن من الفقيه الجامع للشرائط، ولا أدلة التقية تشمله؛ فصار البعض يُلبس ما تقوم به المقاومة لباساً آخر، ثم يدّعي منافاته لأخبار التقية، والحال أن مسألة الخروج على الحاكم شيء، ومسألة الجهاد الدفاعي شيء آخر، ومن هنا يقع الخلط وإزاحة المفاهيم عن وجهها.
عندما تغلب (الأيدلوجيا) الفقهَ ومنطقَ الأدلّة، من الطبيعي أن نقف أمام حفلة تهريج قبيحة تُصدّر لنا الغرائب باسم الإسلام!
ابتلاع مرارة الواقع وإن كانت كالعلقم، ثم السكوت والصمت، أفضل من الكذب وإدمان سياسة التبرير واختراع عالم موازٍ تنسج فيه خيالاتك. انتبه! بعض التبريرات آيلة للسقوط مع مرور الوقت، فلا تبرر أياً كان كيفما كان!
Forwarded from تراث الإماميّة في الحديث وعلومه
استنباط الأقوال بين المنهج البرهانيّ والمنهج الذّوقيّ الغرائبيّ
التزام طالب العلم بمنهج الاستدلال والابتعاد عن الذّوقيّات والاستئناس بالغرائب يوجب تقوية الطّرح العلميّ، أمّا إطلاق العنان للخيال نحو الأفكار الذوقيّة وانتهاج السّبل غير البرهانيّة فهذا يوجب خمول الذّهن واعتياد القول بغير علمٍ، فمن نماذج هذه العِلّة والآفة مما نراهُ في عصرنا الحاضر: التّساهل في نسبة العلماء إلى مذهبٍ معيّنٍ إثباتاً ونفياً؛ فعلى سبيل المثال: رغم وفرة الواصل إلينا من كتب الحافظ محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبيّ (ت: 748هـ)، وصراحة مواقفه في الالتزام بمذهب العامّة، وشدّة مقولاته بحقّ الشّيعة وردّه دعاواهم، نرى من يحاول التّشكيك في كونه من علماء العامّة، باستدلالٍ هزيلٍ جدّاً، وحاصله أنّ الذهبيَّ أورد في كتابه «ميزان الاعتدال» رواياتٍ وحكاياتٍ تؤيّد كلام الشّيعة في بعض القضايا التّاريخيّة، وقراءة مقدّمة ذلك الكتاب كافيةٌ لمعرفة بطلان هذا "الاستدلال"؛ فإنّ الذّهبي صنّفَ كتابَه لذكر من تُكُلِّم في ثقته بأدنى لين وأقلّ تجريح -سواءً كان يقبلُ الذّهبي هذا الجرح أم لا-؛ تبعاً لصنيع مؤلِّفي كتب الجرح في ذكر من جُرح -ولو بوجهٍ باطل-، ثمّ من عادة الذّهبيّ أن يذكرَ في تراجم جملة وفيرة من الرّواة شيئاً من روايات الرّاوي التي ضُعِّفت وأُنْكِرتْ عليه، ولم يكن بصدد «حفظ التّراث» كما قِيل، فهذا التّفسير لصنيع الذهبيّ تحليلٌ ذوقيّ من كيس صاحبه، لم ينطق به الذهبيّ أصلاً.
ينبغيّ حقّاً لطالب العلم أن يكون برهانيّاً لا ذوقيّاً، وإلّا فإنّ التّعامل بمناهج غير منضبطة يوجب انفلات الموازين وتضييع المعايير والقطع بأيِّ شيء لأيِّ شيء، والله المستعان!
#الفوائد_العلمية
التزام طالب العلم بمنهج الاستدلال والابتعاد عن الذّوقيّات والاستئناس بالغرائب يوجب تقوية الطّرح العلميّ، أمّا إطلاق العنان للخيال نحو الأفكار الذوقيّة وانتهاج السّبل غير البرهانيّة فهذا يوجب خمول الذّهن واعتياد القول بغير علمٍ، فمن نماذج هذه العِلّة والآفة مما نراهُ في عصرنا الحاضر: التّساهل في نسبة العلماء إلى مذهبٍ معيّنٍ إثباتاً ونفياً؛ فعلى سبيل المثال: رغم وفرة الواصل إلينا من كتب الحافظ محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبيّ (ت: 748هـ)، وصراحة مواقفه في الالتزام بمذهب العامّة، وشدّة مقولاته بحقّ الشّيعة وردّه دعاواهم، نرى من يحاول التّشكيك في كونه من علماء العامّة، باستدلالٍ هزيلٍ جدّاً، وحاصله أنّ الذهبيَّ أورد في كتابه «ميزان الاعتدال» رواياتٍ وحكاياتٍ تؤيّد كلام الشّيعة في بعض القضايا التّاريخيّة، وقراءة مقدّمة ذلك الكتاب كافيةٌ لمعرفة بطلان هذا "الاستدلال"؛ فإنّ الذّهبي صنّفَ كتابَه لذكر من تُكُلِّم في ثقته بأدنى لين وأقلّ تجريح -سواءً كان يقبلُ الذّهبي هذا الجرح أم لا-؛ تبعاً لصنيع مؤلِّفي كتب الجرح في ذكر من جُرح -ولو بوجهٍ باطل-، ثمّ من عادة الذّهبيّ أن يذكرَ في تراجم جملة وفيرة من الرّواة شيئاً من روايات الرّاوي التي ضُعِّفت وأُنْكِرتْ عليه، ولم يكن بصدد «حفظ التّراث» كما قِيل، فهذا التّفسير لصنيع الذهبيّ تحليلٌ ذوقيّ من كيس صاحبه، لم ينطق به الذهبيّ أصلاً.
ينبغيّ حقّاً لطالب العلم أن يكون برهانيّاً لا ذوقيّاً، وإلّا فإنّ التّعامل بمناهج غير منضبطة يوجب انفلات الموازين وتضييع المعايير والقطع بأيِّ شيء لأيِّ شيء، والله المستعان!
#الفوائد_العلمية
"فمَكَثَ غَيْرَ بَعِيْدٍ..".
إعادة تعريف المفاهيم، أو محاولة الالتفاف على المعايير، لا يغيّر من الحقائق شيئاً. ادّعاء برودة الجمرة أو سخونة الثلج لا يصيّر الجمر بارداً ولا الثلج ساخناً، بل يكفي أن تمسك بهما لتعرف الحقيقة. كذلك الحقائق في الخارج، ستسري كوامنها وتتجلى آثارها في المستقبل القريب، فإذا سرت الحرارة من الجمر فإن ذلك سيكون محسوساً. وعلى هذا فقِسْ؛ ما كان جوهره قائماً على الضّعف لن تفوح منه رائحة القوّة. امكث وترقّب تُحِطْ بما لم تُحِط به.
إعادة تعريف المفاهيم، أو محاولة الالتفاف على المعايير، لا يغيّر من الحقائق شيئاً. ادّعاء برودة الجمرة أو سخونة الثلج لا يصيّر الجمر بارداً ولا الثلج ساخناً، بل يكفي أن تمسك بهما لتعرف الحقيقة. كذلك الحقائق في الخارج، ستسري كوامنها وتتجلى آثارها في المستقبل القريب، فإذا سرت الحرارة من الجمر فإن ذلك سيكون محسوساً. وعلى هذا فقِسْ؛ ما كان جوهره قائماً على الضّعف لن تفوح منه رائحة القوّة. امكث وترقّب تُحِطْ بما لم تُحِط به.
حول أحداث سقوط النّظام السّوريّ
١- لا شكّ في أنّ النّظام السّوريّ من الأنظمة القليلة التي عملت على دعم المقاومة في لبنان وفلسطين بسخاء وإخلاص منقطع النظير، حيث ساهم في التّسليح وتوفير الأرضية للتدريب والتمويل وغير ذلك، وهذه هي النّقطة البيضاء في تاريخه. أمّا بالنسبة إلى تقييمه كنظامٍ حاكمٍ فلا شكّ أيضاً في أنّه -وفقاً لمعايير الإسلام- مصداق للطّاغوت، فهو نظامٌ قمعيٌّ مفسد في الأرض، أهلك الحرث والنّسل، وأسّس لدولة ذات قبضة أمنيّة حديديّة، تعامل الناس بأسلوب الطّواغيت ومنهاجهم. هذا الأمر كان واضحاً لكلّ من يرى أفعاله القمعيّة بحق معارضيه.
على الصّعيد الشخصيّ، كنت أدرك ذلك على مستوى الاعتقاد، ثم اتفق أني لمستُه بنفسيّ قبل عدّة سنوات، حيث استدعاني الأمن السوري -خلال زيارتي الثانية- إلى (فرع فلسطين) لإجراء تحقيق روتينيّ، ذهبتُ وليس في قلبي شيء من الخوف خلافاً لمن عَلِمَ بذهابي، استغرق مكوثي هناك ٤-٥ ساعات، ثم خرجتُ فكنت أجدُ من يقول لي بسرور: (الحمد لله على السّلامة)، وكأنّني كنت ذاهباً إلى مقتلٍ، حينها عرفتُ أنّ عدم خوفي من الذهاب كان منشؤه الجهل بحقيقة ما يعرفه الآخرون عن هذا الفرع وحقيقته، الذي يحكي سياسة نظامٍ بأكمله. لقد ذاق السّوريّون مرارات القمع، وأحياناً لأتفه الأسباب، من قبيل: منشور فيسبوك، تقرير كاذب..إلخ. وإلى ما قبل سقوط النّظام بأشهر، كنت أسعى بين شخصٍ وآخر بحثاً عن شخصٍ يهمُّني أمره، اختفى في بعض فروع الأمن بلا موجبٍ، وبحثتُ عنه كمن يبحث عن إبرة في كومة قشّ، ثم عثرنا عليه بشقّ الأنفس إلى أن تلطّف الله فخرج وقد ناله ما ناله منهم. إنّ مقتضى الإنصاف كما أنّنا اعترضنا على حزب البعث العراقيّ وجرائمه بحقّ العراقيّين، كذلك لا ينبغي إمضاء جنايات النّظام السوريّ أو الاستخفاف بها.
٢- مع ما تقدّم من ذكر حال النّظام، ينبغي التّأكيد على أنّ دخول حزب الله للقتال في سوريا كان دخولاً شرعيّاً ومنطقيّاً؛ فحزب الله لم يكن في يوم من الأيّام متعهّداً بالدفاع عن آل الأسد، وإنّما كان الدّافع لذلك هو مواجهة الجماعات التكفيرية التي أرادت اجتياح سوريا متبنيةً سياسة قطع الرؤوس من شتى الطوائف، بالإضافة إلى توعّدها لحزب الله بالقدوم إليه قبل أن يتحرّك الحزب بأيّ خطوة، وهو ما يتضمّن بالتّبع محاصرة المقاومة وإضعافها، وهذا ما لم يكن محلّ قبولٍ عند أيّ عاقل. وبالتالي فلم يكن ذنب حزب الله أنّه ذهب وبادر لقتال تلك الجماعات المسلّحة، وإنّما كان هذا من آثام معارضي النظام الذين سمحوا لثورتهم بالتحوّل إلى مارثوان مصاصي دماء، حيث أصبحوا ألعوبة بأيدي جهاتٍ دوليّةٍ ذات مقاصد خبيثة. ومن هنا: ينبغي لمن يتبنّى سرديّة القتل والمجازر حول حزب الله أن يتخلّى عنها؛ فليس لكَ أن تثير مخاوف من حولك، حتّى إذا بطشوا بكَ بكيت وندبت نفسك.
وفي هذا المقام أيضاً: تُسجَّل ملاحظةٌ على بعض الإخوة الذين يقولون إنّ الانسحاب من سوريا مساوق لتضييع دماء الشهداء الذين سقطوا في حلب وحمص ودمشق وغيرها، وليس الأمر كما يقولون.
على أيّ حالٍ، بعد وقوع حزب الله في هذه المعادلة المعقّدة مكرَهاً، يمكن القول الآن بأنّ سقوط النّظام السّوري بهذه الصّورة -المغايرة لسيناريو إسقاطه سنة ٢٠١١- أزاح عبئاً أخلاقيّاً كبيراً عن كاهله؛ فليس من المُستمرَأ أن يتحمّل حزب الله -وهو حزبٌ إسلاميّ متشرّع تحكمه القوانين الإسلاميّة والقِيَم- أعباء وتبعات أفعال غيره، رغم ما لهذه الحادثة من آثارٍ سلبية في نواحٍ أُخرى، ولكن (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
٣- النّظام السوري قبل أن يقع ضحيّة الأحداث الإقليمية وارتداداتها، قد وقع ضحيّة سياساته الممتلئة بالصّلف والتكبّر، فمع ما جرى منذ عام ٢٠١١ لم يبادر إلى ممارسة إصلاحات واضحة رغم دعوة حلفائه إيّاه إلى ذلك، ولم يسعَ إلى محاولة استيعاب طبقات مختلفة من الشعب السوري، بل استمرّ في الفساد والاضطهاد، وما يُعرَض الآن من مناظر مقزّزة للسجون السوريّة خير شاهدٍ ودليلٍ. لقد خسر كثيراً من تأييد النّاس إلى درجة أنّ مؤيّديه في كلّ صغيرة وكبيرة ينقلبون عليه الآن بطريقة مثيرة للشفقة، وكفى بهذا الدّرس عبرةً.
وأمّا الكلام في جميع علل سقوط النظام وأسباب ذلك، فهذا قد لا يتّسع له الوقت، وربّما لا تتّسع له الصّدور.. فلعلّه يكون في وقتٍ آخر.
٤- رغم السلوك المقنن نوعاً ما للجماعات المسلحة التي سيطرت على سوريا، إلّا أنّه لا ضمانات حقيقيّة من جهتها، ولذلك ينبغي البقاء على حذرٍ؛ ومع ذلك لا ينبغي إثارة الهلع في أوساط النّاس. على أية حال، مستقبل سوريا لا زال مظلماً، وقد نشهد صراعاً بين أطراف سُنيّة متفرّقة الولاءات تبعاً لصراعات دول المنطقة، فنسأل الله أن يلطف بالمظلومين، ويكفّ بأس الظالمين، والحمد لله رب العالمين.
١- لا شكّ في أنّ النّظام السّوريّ من الأنظمة القليلة التي عملت على دعم المقاومة في لبنان وفلسطين بسخاء وإخلاص منقطع النظير، حيث ساهم في التّسليح وتوفير الأرضية للتدريب والتمويل وغير ذلك، وهذه هي النّقطة البيضاء في تاريخه. أمّا بالنسبة إلى تقييمه كنظامٍ حاكمٍ فلا شكّ أيضاً في أنّه -وفقاً لمعايير الإسلام- مصداق للطّاغوت، فهو نظامٌ قمعيٌّ مفسد في الأرض، أهلك الحرث والنّسل، وأسّس لدولة ذات قبضة أمنيّة حديديّة، تعامل الناس بأسلوب الطّواغيت ومنهاجهم. هذا الأمر كان واضحاً لكلّ من يرى أفعاله القمعيّة بحق معارضيه.
على الصّعيد الشخصيّ، كنت أدرك ذلك على مستوى الاعتقاد، ثم اتفق أني لمستُه بنفسيّ قبل عدّة سنوات، حيث استدعاني الأمن السوري -خلال زيارتي الثانية- إلى (فرع فلسطين) لإجراء تحقيق روتينيّ، ذهبتُ وليس في قلبي شيء من الخوف خلافاً لمن عَلِمَ بذهابي، استغرق مكوثي هناك ٤-٥ ساعات، ثم خرجتُ فكنت أجدُ من يقول لي بسرور: (الحمد لله على السّلامة)، وكأنّني كنت ذاهباً إلى مقتلٍ، حينها عرفتُ أنّ عدم خوفي من الذهاب كان منشؤه الجهل بحقيقة ما يعرفه الآخرون عن هذا الفرع وحقيقته، الذي يحكي سياسة نظامٍ بأكمله. لقد ذاق السّوريّون مرارات القمع، وأحياناً لأتفه الأسباب، من قبيل: منشور فيسبوك، تقرير كاذب..إلخ. وإلى ما قبل سقوط النّظام بأشهر، كنت أسعى بين شخصٍ وآخر بحثاً عن شخصٍ يهمُّني أمره، اختفى في بعض فروع الأمن بلا موجبٍ، وبحثتُ عنه كمن يبحث عن إبرة في كومة قشّ، ثم عثرنا عليه بشقّ الأنفس إلى أن تلطّف الله فخرج وقد ناله ما ناله منهم. إنّ مقتضى الإنصاف كما أنّنا اعترضنا على حزب البعث العراقيّ وجرائمه بحقّ العراقيّين، كذلك لا ينبغي إمضاء جنايات النّظام السوريّ أو الاستخفاف بها.
٢- مع ما تقدّم من ذكر حال النّظام، ينبغي التّأكيد على أنّ دخول حزب الله للقتال في سوريا كان دخولاً شرعيّاً ومنطقيّاً؛ فحزب الله لم يكن في يوم من الأيّام متعهّداً بالدفاع عن آل الأسد، وإنّما كان الدّافع لذلك هو مواجهة الجماعات التكفيرية التي أرادت اجتياح سوريا متبنيةً سياسة قطع الرؤوس من شتى الطوائف، بالإضافة إلى توعّدها لحزب الله بالقدوم إليه قبل أن يتحرّك الحزب بأيّ خطوة، وهو ما يتضمّن بالتّبع محاصرة المقاومة وإضعافها، وهذا ما لم يكن محلّ قبولٍ عند أيّ عاقل. وبالتالي فلم يكن ذنب حزب الله أنّه ذهب وبادر لقتال تلك الجماعات المسلّحة، وإنّما كان هذا من آثام معارضي النظام الذين سمحوا لثورتهم بالتحوّل إلى مارثوان مصاصي دماء، حيث أصبحوا ألعوبة بأيدي جهاتٍ دوليّةٍ ذات مقاصد خبيثة. ومن هنا: ينبغي لمن يتبنّى سرديّة القتل والمجازر حول حزب الله أن يتخلّى عنها؛ فليس لكَ أن تثير مخاوف من حولك، حتّى إذا بطشوا بكَ بكيت وندبت نفسك.
وفي هذا المقام أيضاً: تُسجَّل ملاحظةٌ على بعض الإخوة الذين يقولون إنّ الانسحاب من سوريا مساوق لتضييع دماء الشهداء الذين سقطوا في حلب وحمص ودمشق وغيرها، وليس الأمر كما يقولون.
على أيّ حالٍ، بعد وقوع حزب الله في هذه المعادلة المعقّدة مكرَهاً، يمكن القول الآن بأنّ سقوط النّظام السّوري بهذه الصّورة -المغايرة لسيناريو إسقاطه سنة ٢٠١١- أزاح عبئاً أخلاقيّاً كبيراً عن كاهله؛ فليس من المُستمرَأ أن يتحمّل حزب الله -وهو حزبٌ إسلاميّ متشرّع تحكمه القوانين الإسلاميّة والقِيَم- أعباء وتبعات أفعال غيره، رغم ما لهذه الحادثة من آثارٍ سلبية في نواحٍ أُخرى، ولكن (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
٣- النّظام السوري قبل أن يقع ضحيّة الأحداث الإقليمية وارتداداتها، قد وقع ضحيّة سياساته الممتلئة بالصّلف والتكبّر، فمع ما جرى منذ عام ٢٠١١ لم يبادر إلى ممارسة إصلاحات واضحة رغم دعوة حلفائه إيّاه إلى ذلك، ولم يسعَ إلى محاولة استيعاب طبقات مختلفة من الشعب السوري، بل استمرّ في الفساد والاضطهاد، وما يُعرَض الآن من مناظر مقزّزة للسجون السوريّة خير شاهدٍ ودليلٍ. لقد خسر كثيراً من تأييد النّاس إلى درجة أنّ مؤيّديه في كلّ صغيرة وكبيرة ينقلبون عليه الآن بطريقة مثيرة للشفقة، وكفى بهذا الدّرس عبرةً.
وأمّا الكلام في جميع علل سقوط النظام وأسباب ذلك، فهذا قد لا يتّسع له الوقت، وربّما لا تتّسع له الصّدور.. فلعلّه يكون في وقتٍ آخر.
٤- رغم السلوك المقنن نوعاً ما للجماعات المسلحة التي سيطرت على سوريا، إلّا أنّه لا ضمانات حقيقيّة من جهتها، ولذلك ينبغي البقاء على حذرٍ؛ ومع ذلك لا ينبغي إثارة الهلع في أوساط النّاس. على أية حال، مستقبل سوريا لا زال مظلماً، وقد نشهد صراعاً بين أطراف سُنيّة متفرّقة الولاءات تبعاً لصراعات دول المنطقة، فنسأل الله أن يلطف بالمظلومين، ويكفّ بأس الظالمين، والحمد لله رب العالمين.
حينما تنشغل بقطع الرؤوس عن التفقه في دينك التكفيريّ؛)
يقول شيخ السّلفية الوهابية عبد العزيز بن باز: (قول الإنسان: "من سخرية القدر" أو: "من سذاجة القدر" منكر من القول، بل كفر وضلال واستهزاء بقدر الله عزّ وجلّ).
الحكم: يستتاب الجولاني لمدة ثلاثة أيام، وإلا ضُربت عنقه.
يقول شيخ السّلفية الوهابية عبد العزيز بن باز: (قول الإنسان: "من سخرية القدر" أو: "من سذاجة القدر" منكر من القول، بل كفر وضلال واستهزاء بقدر الله عزّ وجلّ).
الحكم: يستتاب الجولاني لمدة ثلاثة أيام، وإلا ضُربت عنقه.
لا يمكن لشيء أن يمحو تاريخ الجولاني وجرائمه بحق الشيعة في العراق وسوريا، ولكن المرحلة القادمة في سوريا لن تتمركز حول الجولانيّ بشخصه، وإنّما بالرؤية التركيّة لإدارة الدولة الجديدة في سوريا، والتي لم تتضح معالمها بعد، أو إن كانت ستستقر أم لا. المهم في هذا الجانب، أن نتعامل بمرونة مع الواقع الجديد. هناك واقع فُرِض في سوريا، ولا بد من التعامل معه، والمثالية الزائدة والتصلّب في المواقف لن ينفع الأقليات في سوريا، ولذلك فخطوة وليد جنبلاط في فتح نوافذ الاتصال لا ينبغي أن تكون محلاً للتندّر على الرجل، فهو أدرك أنه أمام واقع جديد، وهو بما هو طرف في المكوّن الدرزي، يحتاج إلى فتح أبواب التواصل، ولا سيما مع ما يقدّمه الطرف الآخر من ضمانات للدّروز. كذلك، الشيعة بما هم أقليّة، بحاجة إلى التواصل مع الحكومة الجديدة لضمان حقوقهم، وللتفاهم لحل الإشكاليات الناجمة عن الحرب، من قبيل ملف المهجّرين ومسلوبي البيوت والأملاك، وغير هذا من ملفات الأمن ودور العبادة والمراكز الدينية (المشاهد المشرّفة والحوزة العلمية) ، كل هذا لن يمكن العمل على حلّه في ظلّ المثالية الزائدة التي ترى في التعامل مع الواقع الجديد خسارةً أو تنازلاً.
بطبيعة الحال، كما قلنا في السابق، لا ضمانات مطلقة من الإدارة الجديدة، لكن التفاوض والتفاهم يمكنه أن يحلّ مشكلات كثيرة، ولا حاجة للمثالية الزائدة في غير محلها. الجمهورية الإسلامية بنفسها لديها قنوات تواصل وتفاوض وحوار مع خصومها في قطر وتركيا والولايات المتحدة. عالم السياسة عالم يحتاج إلى الصلابة والمرونة، أما أن تكون متصلباً دائماً فهذا يؤدي إلى الانكسار.
بطبيعة الحال، كما قلنا في السابق، لا ضمانات مطلقة من الإدارة الجديدة، لكن التفاوض والتفاهم يمكنه أن يحلّ مشكلات كثيرة، ولا حاجة للمثالية الزائدة في غير محلها. الجمهورية الإسلامية بنفسها لديها قنوات تواصل وتفاوض وحوار مع خصومها في قطر وتركيا والولايات المتحدة. عالم السياسة عالم يحتاج إلى الصلابة والمرونة، أما أن تكون متصلباً دائماً فهذا يؤدي إلى الانكسار.
حديث حول الطوفان (2)
النتيجة الأصعب: ضرورة إنهاء المأساة.
بتاريخ 21-8-2024 كتبتُ المنشور الأوّل حول مستقبل المعركة بمستواها المطروح آنذاك، وذلك بعد مرور 360 يوماً على القتال في غزّة، وضمّنتُه نصّاً سابقاً كتبته في اليوم 140 للحرب، وكلا النّصيّن كانا يركّزان على مآلات المعركة ومستقبلها، وخلاصتهما: أنّ كلّ ما كان يجري آنذاك لا يُغيِّرُ من واقع غزّة شيئاً، وأنّنا ذاهبون إلى نكسةٍ جديدةٍ بشكل مأساويّ لا سابقة له.
كتبتُ ذلك المنشور في شهر أغسطس -ولمّا تقع تلك الأحداث الدّامية بعدُ-، وكانت النيّة قائمةً لإكمال تبيين الوقائع بالاستناد إلى الشّواهد والتّحليل المنطقيّ، إلّا أنّ عوامل منعت من ذلك، أهمُّهما عندي طبيعة ردود فعل الإخوة الذين كانوا مفعمين بالآمال ومشحونين بالتّفاؤل إلى درجةٍ استعصى فهمُها على قدراتي العقليّة. جرت بعد ذلك وقائع مريرة، ونحنُ بحاجةٍ إلى دراستها وتحليلها واستخلاص العِبَر والنّتائج منها، إلّا أنّ الحالة المستعصية التي واجهناها بالأمس لا زالت حاضرةً. هناك حالة شديدة من الإباء والمكابرة والرّفض للتوجّه نحو الدّراسة والنّقد والتّحليل واستخلاص النتائج، وإصرار على تبنّي الرّأي الوحيد الأوحد الذي إمّا أن يكون وإلّا فلا، بالإضافة إلى الإصرار على استصحاب معضلات الماضي وإعادة تكرارها في الخطاب. في حالة الاستعصام والإباء هذه لا يبقى مجال للكلام عمّا سبق؛ إذ لا فائدة في المقام، وإنّما ينبغي الحديث عمّا هو مقتضى العقلانيّة بلحاظ المستقبل.
بالنسبة للمستقبل، باختصار شديد: إن مقتضى العقلانيّة هو أن تعمل حركة حماس على إيقاف الحرب بأيّ ثمن. أقول: بأيّ ثمن. أكرّر: بأيّ ثمن. من لديه اعتراض أو رأي آخر فليكتبه في غرفته الدافئة الآمنة وليحتفظ به لنفسه.
طوفان الأقصى -كالعادة أقول: بغضِّ النّظر عن الموقف الشرعيّ- كان تجربةً بطوليّةً لم تجد لها بطولةً توازيها، ثمّ كانت حربُ إبادةٍ ضروسٌ لا يجدي معها أنصاف الحلول. كان الطّوفان تجربةً يرجى لها النجاح لكنّها فشلت فشلاً ذريعاً.
إذا كانت جماهير المسلمين تستنفر للقتال في سوريا لإسقاط نظامها المنحطّ، وفي الوقت نفسه يُذبح أمامهم أكثر من 50 ألف إنسان، وتدمر منطقة مأهولة بحجم 360 كيلو متر فقط بإلقاء مئات آلاف الأطنان من المتفجرات، ثم تسكت جماهير الأنعام، ثم تسير في مسارات التطبيع والمداهنة، فأيّ وجهٍ عقلانيّ لتحميل أهل غزة وحدهم أعباء مواجهة العالم كلّه؟!
جماهير المسلمين صامتون إزاء الذبح والتطبيع، وهم متقبّلون لوجود إسرائيل بينهم، وليس بمقدور أهل غزة أن يخدموا جنابكم بأكثر من هذا. ولذا فلنذهب إلى إيقاف الحرب بأيّ ثمنٍ لوقف هذه المجزرة الدّائمة. من يظنُّ أنَّ صاروخاً يمنيّاً كلّ ليلةٍ يمكنه أن يحلّ المشكلة فهنيئاً له. نحن لا نرى حلّاً في الأفق. ولا نرى إرادة إسلامية وعربية للقتال، ماذا تريدون بعد؟! غزة أعذرت إلى الله، أفلا تعذر إليكم؟!
على مرّ التاريخ، خسر المسلمون ومُنوا بهزائم فظيعة، فأيّ ضيرٍ في أُخرى؟! وفي هذا المقام: إيقاف الحرب ليس بضررٍ بالغٍ في مقابل أن نرحم إنسانية مليوني بهيمة تعيش في قطاع غزة، ومتى توفرت إرادة القتال عند العرب والمسلمين حينها نعيد النظر في البطولة التي سوف تستيقظ بين جنبي هذه الأمّة الخائرة.
لقد كان بالإمكان ردع إسرائيل منذ الشّهر الأوّل، وحقن دماء عشرات الآلاف الذين ذهبت دماؤهم هدراً، وذلك بوقفة جادّة نُمارسُ فيها مقداراً من التوحُّش الذي مارسته إسرائيل ضدّنا، وبأن نجعل العويل في تل أبيب موازياً للعويل في شمال قطاع غزّة، وبأن نبرز إقداماً على القتال، أن نُخِيف أمريكا ونُرِيَها أنّنا قادرون على إنهاكها بل حرقها في الشّرق الأوسط، وأنّنا مستعدّون للذهاب إلى خطواتٍ واسعةٍ لتحقيق الرّدع؛ لأنّ الأمر كان يتعلّق بمصير المنطقة كلّها وليس قطاع غزّة وحده. لقد كانت حرباً من طرفٍ واحدٍ نتلقّى فيها الضّربات القاسية دون أن يكون بإزائها ما يحفظ ماء الوجه على الأقل، ولقد كان التوحّش مطلوباً لتحقيق الرّدع، ولكن ما الذي حصل؟ لم نفعل ذلك. مارسنا مخططاتنا بتوانٍ إلى أن نزلت بنا النّازلة. الآن، وبسبب انعدام الرّدع، لم نخسر الحرب فقط، بل أُصبنا بمعضلة مزمنة، وهي أنّنا علّمنا إسرائيل وعرّفناها أنّ أسلوبها الذي مارسته في غزّة يمكن أن يأتي بأفضل النّتائج، وأنّنا يمكننا الانصياع إن فعلت ما فعلت في أي وقت وأي مكان، ولذلك فهي قد حفظت الدّرس وعرفت الطّريقة، ومن الآن فصاعداً ستمارس وحشيّتها وعدوانيّتها في المنطقة وإنْ رغمت أنوفٌ، ومن يأبى التّصديق فليس بينه وبين أن يرى الواقع إلّا القليل من الوقت، وإنْ كان الصبحُ قد أسفرَ لذي عينين.
النتيجة الأصعب: ضرورة إنهاء المأساة.
بتاريخ 21-8-2024 كتبتُ المنشور الأوّل حول مستقبل المعركة بمستواها المطروح آنذاك، وذلك بعد مرور 360 يوماً على القتال في غزّة، وضمّنتُه نصّاً سابقاً كتبته في اليوم 140 للحرب، وكلا النّصيّن كانا يركّزان على مآلات المعركة ومستقبلها، وخلاصتهما: أنّ كلّ ما كان يجري آنذاك لا يُغيِّرُ من واقع غزّة شيئاً، وأنّنا ذاهبون إلى نكسةٍ جديدةٍ بشكل مأساويّ لا سابقة له.
كتبتُ ذلك المنشور في شهر أغسطس -ولمّا تقع تلك الأحداث الدّامية بعدُ-، وكانت النيّة قائمةً لإكمال تبيين الوقائع بالاستناد إلى الشّواهد والتّحليل المنطقيّ، إلّا أنّ عوامل منعت من ذلك، أهمُّهما عندي طبيعة ردود فعل الإخوة الذين كانوا مفعمين بالآمال ومشحونين بالتّفاؤل إلى درجةٍ استعصى فهمُها على قدراتي العقليّة. جرت بعد ذلك وقائع مريرة، ونحنُ بحاجةٍ إلى دراستها وتحليلها واستخلاص العِبَر والنّتائج منها، إلّا أنّ الحالة المستعصية التي واجهناها بالأمس لا زالت حاضرةً. هناك حالة شديدة من الإباء والمكابرة والرّفض للتوجّه نحو الدّراسة والنّقد والتّحليل واستخلاص النتائج، وإصرار على تبنّي الرّأي الوحيد الأوحد الذي إمّا أن يكون وإلّا فلا، بالإضافة إلى الإصرار على استصحاب معضلات الماضي وإعادة تكرارها في الخطاب. في حالة الاستعصام والإباء هذه لا يبقى مجال للكلام عمّا سبق؛ إذ لا فائدة في المقام، وإنّما ينبغي الحديث عمّا هو مقتضى العقلانيّة بلحاظ المستقبل.
بالنسبة للمستقبل، باختصار شديد: إن مقتضى العقلانيّة هو أن تعمل حركة حماس على إيقاف الحرب بأيّ ثمن. أقول: بأيّ ثمن. أكرّر: بأيّ ثمن. من لديه اعتراض أو رأي آخر فليكتبه في غرفته الدافئة الآمنة وليحتفظ به لنفسه.
طوفان الأقصى -كالعادة أقول: بغضِّ النّظر عن الموقف الشرعيّ- كان تجربةً بطوليّةً لم تجد لها بطولةً توازيها، ثمّ كانت حربُ إبادةٍ ضروسٌ لا يجدي معها أنصاف الحلول. كان الطّوفان تجربةً يرجى لها النجاح لكنّها فشلت فشلاً ذريعاً.
إذا كانت جماهير المسلمين تستنفر للقتال في سوريا لإسقاط نظامها المنحطّ، وفي الوقت نفسه يُذبح أمامهم أكثر من 50 ألف إنسان، وتدمر منطقة مأهولة بحجم 360 كيلو متر فقط بإلقاء مئات آلاف الأطنان من المتفجرات، ثم تسكت جماهير الأنعام، ثم تسير في مسارات التطبيع والمداهنة، فأيّ وجهٍ عقلانيّ لتحميل أهل غزة وحدهم أعباء مواجهة العالم كلّه؟!
جماهير المسلمين صامتون إزاء الذبح والتطبيع، وهم متقبّلون لوجود إسرائيل بينهم، وليس بمقدور أهل غزة أن يخدموا جنابكم بأكثر من هذا. ولذا فلنذهب إلى إيقاف الحرب بأيّ ثمنٍ لوقف هذه المجزرة الدّائمة. من يظنُّ أنَّ صاروخاً يمنيّاً كلّ ليلةٍ يمكنه أن يحلّ المشكلة فهنيئاً له. نحن لا نرى حلّاً في الأفق. ولا نرى إرادة إسلامية وعربية للقتال، ماذا تريدون بعد؟! غزة أعذرت إلى الله، أفلا تعذر إليكم؟!
على مرّ التاريخ، خسر المسلمون ومُنوا بهزائم فظيعة، فأيّ ضيرٍ في أُخرى؟! وفي هذا المقام: إيقاف الحرب ليس بضررٍ بالغٍ في مقابل أن نرحم إنسانية مليوني بهيمة تعيش في قطاع غزة، ومتى توفرت إرادة القتال عند العرب والمسلمين حينها نعيد النظر في البطولة التي سوف تستيقظ بين جنبي هذه الأمّة الخائرة.
لقد كان بالإمكان ردع إسرائيل منذ الشّهر الأوّل، وحقن دماء عشرات الآلاف الذين ذهبت دماؤهم هدراً، وذلك بوقفة جادّة نُمارسُ فيها مقداراً من التوحُّش الذي مارسته إسرائيل ضدّنا، وبأن نجعل العويل في تل أبيب موازياً للعويل في شمال قطاع غزّة، وبأن نبرز إقداماً على القتال، أن نُخِيف أمريكا ونُرِيَها أنّنا قادرون على إنهاكها بل حرقها في الشّرق الأوسط، وأنّنا مستعدّون للذهاب إلى خطواتٍ واسعةٍ لتحقيق الرّدع؛ لأنّ الأمر كان يتعلّق بمصير المنطقة كلّها وليس قطاع غزّة وحده. لقد كانت حرباً من طرفٍ واحدٍ نتلقّى فيها الضّربات القاسية دون أن يكون بإزائها ما يحفظ ماء الوجه على الأقل، ولقد كان التوحّش مطلوباً لتحقيق الرّدع، ولكن ما الذي حصل؟ لم نفعل ذلك. مارسنا مخططاتنا بتوانٍ إلى أن نزلت بنا النّازلة. الآن، وبسبب انعدام الرّدع، لم نخسر الحرب فقط، بل أُصبنا بمعضلة مزمنة، وهي أنّنا علّمنا إسرائيل وعرّفناها أنّ أسلوبها الذي مارسته في غزّة يمكن أن يأتي بأفضل النّتائج، وأنّنا يمكننا الانصياع إن فعلت ما فعلت في أي وقت وأي مكان، ولذلك فهي قد حفظت الدّرس وعرفت الطّريقة، ومن الآن فصاعداً ستمارس وحشيّتها وعدوانيّتها في المنطقة وإنْ رغمت أنوفٌ، ومن يأبى التّصديق فليس بينه وبين أن يرى الواقع إلّا القليل من الوقت، وإنْ كان الصبحُ قد أسفرَ لذي عينين.
Facebook
إبراهيم جواد
حديث حول الطّوفان (1)
المعادلة المعقّدة: حرب غزّة وسيناريو السّور الواقي (2002)
منذ بداية الحرب، كان الميل إلى تقليل الحديث عن مجريات الحرب من الجهة السياسيّة والعسكرية، واقتصر الكلام على بيان وحشية...
المعادلة المعقّدة: حرب غزّة وسيناريو السّور الواقي (2002)
منذ بداية الحرب، كان الميل إلى تقليل الحديث عن مجريات الحرب من الجهة السياسيّة والعسكرية، واقتصر الكلام على بيان وحشية...
ختاماً، كما قلتُ في شهر أغسطس أنّ جبهات الإسناد ليس من شأنها أن تُغيّر واقع غزّة شيئاً، والآن بعد إغلاق الجبهة اللبنانيّة والجبهة العراقيّة وبقاء الجبهة اليمنيّة وحيدةً فالأمر بقياس الأولويّة أكثر وضوحاً، ونُضيف إليه: إنّ استمرار الحرب في غزّة لا أفق له، لا توجد ورقة ضغط واحدة يمكن أن تُوقف هذه المجزرة، فإلى متى تستمرّ؟! وكم يجب أن يموت من أهل غزّة لكي يقتنع الآخرون أنّ الأفق الإيجابيّ منعدمٌ؟! لقد سُوِّي ثلث شمال غزة بالأرض تماماً، وقُتل الآلاف، وهُجّر مئات الآلاف مشرّدين ينهشهم الجوع والبرد، وعمليات النّسف مستمرّة يومياً، وسوف تنتقل العمليّات بتوسّع في قلب مدينة غزّة، ما هي الحلول عند منظّري الصّمود إن استمرّت الحرب لسنةٍ أخرى بهذه الوحشيّة؟ ولماذا يتحمّل أهل غزّة تكلفة القتال الباهظة في ظلّ تباني المسلمين على التطبيع أو الخذلان أو الخوف من القتال؟! أسئلة بحاجة إلى إجابات واقعيّة.
أهل غزة الآن يُقاتلون وحدهم، وهم محاصرون من الجهات الأربع، والسّلاح آخذٌ بالنفاد، والقدرة على احتمال المزيد من المآسي تتضاءل، فمن كان يرى أفقاً إيجابيّاً فليرِنا إيّاه بشرط أن يكون من سكّان كوكبنا، لا في كوكبٍ موازٍ، والحمد لله رب العالمين.
ولنتذكر دائماً: لقد كان الشعب الفلسطيني معطاء طيلة عقود طويلة، ولكن الاستمرار بالبذل من دون مكتسبات يعني الاستهانة بالدماء والاستخفاف بآلام الجماهير المضحّية.
-----------------------
حديث حول الطوفان (1)
المعادلة المعقّدة: حرب غزّة وسيناريو السور الواقي (2002).
https://www.facebook.com/ibrahim.alhashim.925/posts/1546657762603372
...
أهل غزة الآن يُقاتلون وحدهم، وهم محاصرون من الجهات الأربع، والسّلاح آخذٌ بالنفاد، والقدرة على احتمال المزيد من المآسي تتضاءل، فمن كان يرى أفقاً إيجابيّاً فليرِنا إيّاه بشرط أن يكون من سكّان كوكبنا، لا في كوكبٍ موازٍ، والحمد لله رب العالمين.
ولنتذكر دائماً: لقد كان الشعب الفلسطيني معطاء طيلة عقود طويلة، ولكن الاستمرار بالبذل من دون مكتسبات يعني الاستهانة بالدماء والاستخفاف بآلام الجماهير المضحّية.
-----------------------
حديث حول الطوفان (1)
المعادلة المعقّدة: حرب غزّة وسيناريو السور الواقي (2002).
https://www.facebook.com/ibrahim.alhashim.925/posts/1546657762603372
...
Facebook
إبراهيم جواد
حديث حول الطّوفان (1)
المعادلة المعقّدة: حرب غزّة وسيناريو السّور الواقي (2002)
منذ بداية الحرب، كان الميل إلى تقليل الحديث عن مجريات الحرب من الجهة السياسيّة والعسكرية، واقتصر الكلام على بيان وحشية...
المعادلة المعقّدة: حرب غزّة وسيناريو السّور الواقي (2002)
منذ بداية الحرب، كان الميل إلى تقليل الحديث عن مجريات الحرب من الجهة السياسيّة والعسكرية، واقتصر الكلام على بيان وحشية...
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
مجزرة جديدة في مستشفى الوفاء بمدينة غزّة.