Forwarded from تراث الإماميّة في الحديث وعلومه
مصباح الهداية
ضعف رواية دعاء «اللهمّ إني أسألك بالمولودَيْنِ في رجب» قال الشيخ الطوسيّ في كتابه (مصباح المتهجّد): (قال ابن عيّاش: وخرج إلى أهلي على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضي الله عنه في مقامه عندهم هذا الدّعاء في أيام رجب: اللهمّ إني أسألك بالمولودَيْنِ في رجب محمّد…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح المتهجّد، ص804-805.
(2) رجال النجاشيّ، 85-86، رقم الترجمة 207.
(3) الرّجال، ص413، رقم الترجمة 5983.
(4) الكافي، ج2، ص582، كتاب الحجّة، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني.
(5) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص273.
(6) تهذيب الأحكام، ج6، ص102.
(7) روضة الواعظين، ج1، ص547-548.
(8) مناقب آل أبي طالب، ج4، ص411.
(9) إعلام الورى بأعلام الهدى، ج2، ص91.
(10) الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، ص703.
(11) الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ج2، ص1037.
(12) دلائل الإمامة، ص383.
(13) عيون المعجزات، ص233، رقم الحديث 134.
(1) مصباح المتهجّد، ص804-805.
(2) رجال النجاشيّ، 85-86، رقم الترجمة 207.
(3) الرّجال، ص413، رقم الترجمة 5983.
(4) الكافي، ج2، ص582، كتاب الحجّة، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني.
(5) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص273.
(6) تهذيب الأحكام، ج6، ص102.
(7) روضة الواعظين، ج1، ص547-548.
(8) مناقب آل أبي طالب، ج4، ص411.
(9) إعلام الورى بأعلام الهدى، ج2، ص91.
(10) الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، ص703.
(11) الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ج2، ص1037.
(12) دلائل الإمامة، ص383.
(13) عيون المعجزات، ص233، رقم الحديث 134.
مصباح الهداية
Photo
الفن والتاريخ لا يفترقان
هذا النّمط من الرسوم الدينيّة والتاريخية بهذا المستوى من الجودة جميل جداً، وله جاذبيّة، ويمكنه أن يساهم في إيصال رسالتنا وهويّتنا، فهو استعراض لطيف لرموز ثقافتنا وميراثنا الديني والحضاري.
ومن الأمور المهمة في هذا الجانب أن تكون أعمالنا ملتصقة بالواقع التاريخي، لا أن تصنع صورة تاريخيّة موازيةً ثم يتم تنشئة الأذهان عليها، وربما تسبب مشاكل لاحقاً، ولذلك ينبغي أن تكون الأعمال الفنية أقرب إلى وقائع التاريخ لا ما نشأت عليه أذهاننا.
فعلى سبيل المثال: اعتادت الأذهان على استملاح ذوي البشرة البيضاء والعيون الملونة، وانعكس ذلك في رسم ما نتخيله من صور للأئمة في أذهاننا، مع أن أهل البيت عليهم السلام حجازيون، وبشرتهم لا تختلف كثيراً عن أهل الحجاز، فضلاً عن دخول السمرة عليهم من جهة بعض أمهاتهم (سلام الله عليهن)، وهي سمرة وليست سواداً كسواد أهل بلاد الحبشة، ومع ذلك رُسمت رسمات كثيرة للإمام الرضا عليه السلام وكأنه أشبه بأهل بلاد القوقاز أو ما وراء النهر، مع وجود نقولات تاريخية تنافي ذلك، وتبين غلبة السمرة على لونه.
هذه الصورة أيضاً هي لوحة تاريخية للتعبير عن مكانة الإمام محمد الباقر (عليه السلام) من الجهة العلمية في المدينة المنورة، ولكنها لا تنسجم مع الواقع التاريخيّ لأمرين أساسيين:
الأمر الأول: أن الطريقة السائدة للدرس والتدريس في القرن الأول الهجري هي الجلوس بشكل حلقات دائرية، حيث يجلس الشيخ على الأرض مستنداً إلى أسطوانة عمودية في المسجد، ويلتف الطلاب من حوله فيشكلون بذلك حلقة دائرية.
وقد كانت بعض الأسطوانات لكثرة ملازمة الصحابي أو التابعي لها تُعرف باسمه لاحقاً؛ لكثرة جلوسه إليها، قال الحاكم النيسابوري في كتابه (معرفة علوم الحديث): "قد كنت دخلت الكوفة أول ما دخلتها سنة إحدى وأربعين، وكان أبو الحسن بن عقبة الشيباني، يدلني على مساجد الصحابة فذهبت إلى مساجد كثيرة منها، وهي إذ ذاك عامرة، وكنا نأوي إلى مسجد جرير بن عبد الله في بجيلة، ثم دخلتها سنة خمس وأربعين، ومسجد ابن عقبة قد خرب، فكان أبو القاسم السكوني يأخذ بيدي في الجامع فيدور معي على الأسطوانات فيقول: هذه أسطوانة جرير، وهذه أسطوانة عبد الله، وهذه أسطوانة البراء، وقد عرفت منها ما عرّفنيه ذلك الشيخ رحمه الله".
فهذه هي صورة الدرس والتدريس عندهم في القرن الأول الهجري، أمّا تصّور صورة الدرس على طريقة المنبر والجلوس حوله بشكل متراصّ أو متناثر فهذه أقرب إلى الهيئة المتعارفة في الحوزة العلمية، وهي لها سابقة تاريخية قديمة، لكنها لا تصل إلى القرن الأول، والله العالم.
الأمر الثاني: لم يُعهد في سيرة الباقر والصادق عليه السلام التصدي للتعليم في المسجد النبوي، وإنّما كانت الشيعة تأتيهم في بيوتهم، وأما الجلوس لطلاب الحديث في المسجد فلم نرَ له شاهداً، كما أنه لا ينسجم مع ظروفهم الشديدة في تلك الحقبة.
هذا النّمط من الرسوم الدينيّة والتاريخية بهذا المستوى من الجودة جميل جداً، وله جاذبيّة، ويمكنه أن يساهم في إيصال رسالتنا وهويّتنا، فهو استعراض لطيف لرموز ثقافتنا وميراثنا الديني والحضاري.
ومن الأمور المهمة في هذا الجانب أن تكون أعمالنا ملتصقة بالواقع التاريخي، لا أن تصنع صورة تاريخيّة موازيةً ثم يتم تنشئة الأذهان عليها، وربما تسبب مشاكل لاحقاً، ولذلك ينبغي أن تكون الأعمال الفنية أقرب إلى وقائع التاريخ لا ما نشأت عليه أذهاننا.
فعلى سبيل المثال: اعتادت الأذهان على استملاح ذوي البشرة البيضاء والعيون الملونة، وانعكس ذلك في رسم ما نتخيله من صور للأئمة في أذهاننا، مع أن أهل البيت عليهم السلام حجازيون، وبشرتهم لا تختلف كثيراً عن أهل الحجاز، فضلاً عن دخول السمرة عليهم من جهة بعض أمهاتهم (سلام الله عليهن)، وهي سمرة وليست سواداً كسواد أهل بلاد الحبشة، ومع ذلك رُسمت رسمات كثيرة للإمام الرضا عليه السلام وكأنه أشبه بأهل بلاد القوقاز أو ما وراء النهر، مع وجود نقولات تاريخية تنافي ذلك، وتبين غلبة السمرة على لونه.
هذه الصورة أيضاً هي لوحة تاريخية للتعبير عن مكانة الإمام محمد الباقر (عليه السلام) من الجهة العلمية في المدينة المنورة، ولكنها لا تنسجم مع الواقع التاريخيّ لأمرين أساسيين:
الأمر الأول: أن الطريقة السائدة للدرس والتدريس في القرن الأول الهجري هي الجلوس بشكل حلقات دائرية، حيث يجلس الشيخ على الأرض مستنداً إلى أسطوانة عمودية في المسجد، ويلتف الطلاب من حوله فيشكلون بذلك حلقة دائرية.
وقد كانت بعض الأسطوانات لكثرة ملازمة الصحابي أو التابعي لها تُعرف باسمه لاحقاً؛ لكثرة جلوسه إليها، قال الحاكم النيسابوري في كتابه (معرفة علوم الحديث): "قد كنت دخلت الكوفة أول ما دخلتها سنة إحدى وأربعين، وكان أبو الحسن بن عقبة الشيباني، يدلني على مساجد الصحابة فذهبت إلى مساجد كثيرة منها، وهي إذ ذاك عامرة، وكنا نأوي إلى مسجد جرير بن عبد الله في بجيلة، ثم دخلتها سنة خمس وأربعين، ومسجد ابن عقبة قد خرب، فكان أبو القاسم السكوني يأخذ بيدي في الجامع فيدور معي على الأسطوانات فيقول: هذه أسطوانة جرير، وهذه أسطوانة عبد الله، وهذه أسطوانة البراء، وقد عرفت منها ما عرّفنيه ذلك الشيخ رحمه الله".
فهذه هي صورة الدرس والتدريس عندهم في القرن الأول الهجري، أمّا تصّور صورة الدرس على طريقة المنبر والجلوس حوله بشكل متراصّ أو متناثر فهذه أقرب إلى الهيئة المتعارفة في الحوزة العلمية، وهي لها سابقة تاريخية قديمة، لكنها لا تصل إلى القرن الأول، والله العالم.
الأمر الثاني: لم يُعهد في سيرة الباقر والصادق عليه السلام التصدي للتعليم في المسجد النبوي، وإنّما كانت الشيعة تأتيهم في بيوتهم، وأما الجلوس لطلاب الحديث في المسجد فلم نرَ له شاهداً، كما أنه لا ينسجم مع ظروفهم الشديدة في تلك الحقبة.
حاجة الطّواغيت إلى معاوية بن أبي سفيان
يقول محمّد رشيد رضا في بحثٍ له حول نظام الخلافة الإسلاميّة: (وقد قال عالمٌ ألمانيٌّ لشريفٍ حجازيٍّ في الآستانة: إنّه كان ينبغي لنا أن نضع لمعاوية تمثالاً من الذّهب في عواصمنا؛ لأنّه لو لم يحوِّل سلطة الخلافة عمَّا وضعها عليه الشّرع، وجرى عليه الرّاشدون، لمَلَكَ العربُ بلادنا كلها وصيّروها إسلاميّة عربيّة)، انظر: مجلّة المنار، المجلد 24، ص35-36.
وقال في موضعٍ آخر من المقالة بعد أن ذكر كلام الحسن البصريّ في إفساد معاوية والمغيرة أمرَ النّاس بترسيخ المَلَكيّة الاستبداديّة: (وهذا الذي قاله الحسن البصري - من أئمة التابعين - موافق لما قاله ذلك السياسي الألماني لأحد شرفاء الحجاز من أنه لولا معاوية لظلت حكومة الإسلام على أصلها، ولساد الإسلام أوروبا كلها، وقد تقدم).
مع غضّ النّظر عن توقّعات رشيد رضا أو ذلك السياسيّ الألمانيّ حول مستقبل الإسلام من دون معاوية فقط، حيث إنّ معاوية ثمرة من ثمرات خطايا كبرى سابقة، ولكن مع تجاوز ذلك وغضّ النّظر عنه، كيف لسياسيّ غربيّ أن يبصر بحقيقة الفجوة الحقيقيّة في نظام الحكم في تاريخ الإسلام، والآثار المدمّرة التي نتجت عن تطويره لمنظومة الاستبداد التي ورثها، ولا يراها العرب أنفسهم؟ وما الشيء الذي أحدثه معاوية بحيث استحقّ هذا "الامتياز"؟
القراءة المنصفة للتّاريخ تبيّن مدى النّقلة النوعية لدور معاوية في تحريف الدّين وإطلاق يد الرواة للكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله-، بالإضافة إلى ترسيخ حالة الاستبداد في الحكم، ولأجل هذا استحقّ بنظر بعض الغربيين تماثيل من ذهب؛ لأنّه أفقد هذه الأمّة نقاط قوّتها، حيث أفسد عليها علمَها -بالكذب والتحريف- وأفسد عليها دنياها وآخرتها بإفساد نظام الحكم وتكريس الاستبداد السياسيّ الذي يمثّل معاوية أحد أركانه في تاريخ الإسلام.
ولذلك؛ يحتاج الطواغيت إلى تقديم معاوية بصورة السياسيّ القويّ والحاكم الدّاهية الذي يحسن تدبير الأمور، فهو قدوتهم ومثلهم الأعلى، وهم مستعدون لتبييض صورته حتى لو أنفقوا ملايين الدّولارات، فإنّ الأمّة لو أبغضت معاوية واستبداده، فلن تقبل بأمثاله في العصر الحاضر.
كان بعض علماء السّلفيّة يردد قائلاً: "معاوية سِتر أصحاب رسول الله؛ فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه"، وذلك أنّ نقد معاوية يفتح أبواباً لانتقاد سلوك الصّحابة في القرن الهجريّ الأوّل، ويبدو أنّه تم استنساخ قاعدة مماثلة لها في عالم السياسة؛ فأصبح معاوية سِتر الطّواغيت، فمن أبغضه واجترأ عليه فلن يقبل بأمثاله من طواغيت العصر.
يقول محمّد رشيد رضا في بحثٍ له حول نظام الخلافة الإسلاميّة: (وقد قال عالمٌ ألمانيٌّ لشريفٍ حجازيٍّ في الآستانة: إنّه كان ينبغي لنا أن نضع لمعاوية تمثالاً من الذّهب في عواصمنا؛ لأنّه لو لم يحوِّل سلطة الخلافة عمَّا وضعها عليه الشّرع، وجرى عليه الرّاشدون، لمَلَكَ العربُ بلادنا كلها وصيّروها إسلاميّة عربيّة)، انظر: مجلّة المنار، المجلد 24، ص35-36.
وقال في موضعٍ آخر من المقالة بعد أن ذكر كلام الحسن البصريّ في إفساد معاوية والمغيرة أمرَ النّاس بترسيخ المَلَكيّة الاستبداديّة: (وهذا الذي قاله الحسن البصري - من أئمة التابعين - موافق لما قاله ذلك السياسي الألماني لأحد شرفاء الحجاز من أنه لولا معاوية لظلت حكومة الإسلام على أصلها، ولساد الإسلام أوروبا كلها، وقد تقدم).
مع غضّ النّظر عن توقّعات رشيد رضا أو ذلك السياسيّ الألمانيّ حول مستقبل الإسلام من دون معاوية فقط، حيث إنّ معاوية ثمرة من ثمرات خطايا كبرى سابقة، ولكن مع تجاوز ذلك وغضّ النّظر عنه، كيف لسياسيّ غربيّ أن يبصر بحقيقة الفجوة الحقيقيّة في نظام الحكم في تاريخ الإسلام، والآثار المدمّرة التي نتجت عن تطويره لمنظومة الاستبداد التي ورثها، ولا يراها العرب أنفسهم؟ وما الشيء الذي أحدثه معاوية بحيث استحقّ هذا "الامتياز"؟
القراءة المنصفة للتّاريخ تبيّن مدى النّقلة النوعية لدور معاوية في تحريف الدّين وإطلاق يد الرواة للكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله-، بالإضافة إلى ترسيخ حالة الاستبداد في الحكم، ولأجل هذا استحقّ بنظر بعض الغربيين تماثيل من ذهب؛ لأنّه أفقد هذه الأمّة نقاط قوّتها، حيث أفسد عليها علمَها -بالكذب والتحريف- وأفسد عليها دنياها وآخرتها بإفساد نظام الحكم وتكريس الاستبداد السياسيّ الذي يمثّل معاوية أحد أركانه في تاريخ الإسلام.
ولذلك؛ يحتاج الطواغيت إلى تقديم معاوية بصورة السياسيّ القويّ والحاكم الدّاهية الذي يحسن تدبير الأمور، فهو قدوتهم ومثلهم الأعلى، وهم مستعدون لتبييض صورته حتى لو أنفقوا ملايين الدّولارات، فإنّ الأمّة لو أبغضت معاوية واستبداده، فلن تقبل بأمثاله في العصر الحاضر.
كان بعض علماء السّلفيّة يردد قائلاً: "معاوية سِتر أصحاب رسول الله؛ فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه"، وذلك أنّ نقد معاوية يفتح أبواباً لانتقاد سلوك الصّحابة في القرن الهجريّ الأوّل، ويبدو أنّه تم استنساخ قاعدة مماثلة لها في عالم السياسة؛ فأصبح معاوية سِتر الطّواغيت، فمن أبغضه واجترأ عليه فلن يقبل بأمثاله من طواغيت العصر.
"ادعُ ولا تقل إنّ الأمر قد فُرِغ منه"
من الأمور المهمّة في حياة المؤمن أن يواظب على الدّعاء في أيّامه كلّها؛ فإنّه مفاتيح الخير والعافية ودفع البلاء، وقد ورد الحثّ على "التقدّم في الدّعاء" قبل حلول البلاء، فمن الخطأ أن يُهمَل أمر الدّعاء في سائر الأيّام حتّى إذا أصابنا البلاء فزعنا إلى الدّعاء، بل ينبغي الدّعاء في كافّة الأوقات ولا سيّما أوقات الرّخاء؛ فإنّ للتقدّم في الدّعاء آثاراً عظيمةً تؤثّر في رفع البلاء أو تسريع دفعه.
روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن الصّادق (عليه السّلام): "من تقدّم في الدُّعاء استُجِيب له إذا نزل به البلاء، وقيل: صوتٌ معروفٌ. ولم يُحجَب عن السَّماء، ومن لم يتقدّم في الدّعاء لم يُستَجَبْ لهُ إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: إنّ ذا الصّوت لا نعرفه".
وروى بإسنادٍ موثّق: "من سرَّهُ أن يُستَجاب له في الشدّة فليكثر الدّعاء في الرّخاء".
من الأمور المهمّة في حياة المؤمن أن يواظب على الدّعاء في أيّامه كلّها؛ فإنّه مفاتيح الخير والعافية ودفع البلاء، وقد ورد الحثّ على "التقدّم في الدّعاء" قبل حلول البلاء، فمن الخطأ أن يُهمَل أمر الدّعاء في سائر الأيّام حتّى إذا أصابنا البلاء فزعنا إلى الدّعاء، بل ينبغي الدّعاء في كافّة الأوقات ولا سيّما أوقات الرّخاء؛ فإنّ للتقدّم في الدّعاء آثاراً عظيمةً تؤثّر في رفع البلاء أو تسريع دفعه.
روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن الصّادق (عليه السّلام): "من تقدّم في الدُّعاء استُجِيب له إذا نزل به البلاء، وقيل: صوتٌ معروفٌ. ولم يُحجَب عن السَّماء، ومن لم يتقدّم في الدّعاء لم يُستَجَبْ لهُ إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: إنّ ذا الصّوت لا نعرفه".
وروى بإسنادٍ موثّق: "من سرَّهُ أن يُستَجاب له في الشدّة فليكثر الدّعاء في الرّخاء".
📚 أعمال ليلة النّصف من شعبان
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
روى الشّيخ الصّدوق بإسنادٍ صحيحٍ عن حريز السجستانيّ عن زرارة بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في ليلة النِّصف من شعبان؟ قال: «يغفر الله عزَّ وجلَّ فيها من خلقه لأكثر من عدد شعر معزى كلْبٍ، ويُنْزِلُ اللهُ عز وجل ملائكتَه إلى السّماء الدُّنيا وإلى الأرض بمكَّة».
وروى بإسنادٍ معتبرٍ عن الحسن بن فضال، قال: سألت عليَّ بن موسى الرضا عليه السّلام عن ليلة النِّصف من شعبان، قال: «هي ليلة يَعتِقُ الله فيها الرِّقاب من النَّار، ويغفر فيها الذُّنوب الكبائر»، وفي روايته ذكر عنه أنّه قال: «الدُّعاء فيها مستجابٌ».
ورُوي عن الباقر عليه السّلام: «هي أفضل ليلةٍ بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنِّه، فاجتهدوا في القُربة إلى الله فيها، فإنَّها ليلةٌ آلى الله على نفسه أنْ لا يردَّ سائلاً له فيها ما لم يسأل معصيةً، وإنها اللَّيلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيِّنا -صلى الله عليه وآله-، فاجتهدوا في الدُّعاء والثَّناء على الله..».
ليلة النّصف من شعبان من أهمِّ اللّيالي العظيمة في السّنة، فينبغي للمؤمن أن يترقّبها ويتعاهدها باهتمامٍ؛ إحياءً للسنّة وامتثالاً لما أمر به الأئمّة (عليهم السّلام) شيعتهم من الاجتهاد في الطّاعة، واغتناماً للفرصة الجليلة المتمثّلة بما في هذه اللّيلة من عطايا إلهيّة، فهي ليلة استجابة الدّعاء، ومغفرة الذّنوب، وعتق الرّقاب من النّار.
رسالةٌ في أعمال ليلة النّصف من شعبان: Download
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
روى الشّيخ الصّدوق بإسنادٍ صحيحٍ عن حريز السجستانيّ عن زرارة بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في ليلة النِّصف من شعبان؟ قال: «يغفر الله عزَّ وجلَّ فيها من خلقه لأكثر من عدد شعر معزى كلْبٍ، ويُنْزِلُ اللهُ عز وجل ملائكتَه إلى السّماء الدُّنيا وإلى الأرض بمكَّة».
وروى بإسنادٍ معتبرٍ عن الحسن بن فضال، قال: سألت عليَّ بن موسى الرضا عليه السّلام عن ليلة النِّصف من شعبان، قال: «هي ليلة يَعتِقُ الله فيها الرِّقاب من النَّار، ويغفر فيها الذُّنوب الكبائر»، وفي روايته ذكر عنه أنّه قال: «الدُّعاء فيها مستجابٌ».
ورُوي عن الباقر عليه السّلام: «هي أفضل ليلةٍ بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنِّه، فاجتهدوا في القُربة إلى الله فيها، فإنَّها ليلةٌ آلى الله على نفسه أنْ لا يردَّ سائلاً له فيها ما لم يسأل معصيةً، وإنها اللَّيلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيِّنا -صلى الله عليه وآله-، فاجتهدوا في الدُّعاء والثَّناء على الله..».
ليلة النّصف من شعبان من أهمِّ اللّيالي العظيمة في السّنة، فينبغي للمؤمن أن يترقّبها ويتعاهدها باهتمامٍ؛ إحياءً للسنّة وامتثالاً لما أمر به الأئمّة (عليهم السّلام) شيعتهم من الاجتهاد في الطّاعة، واغتناماً للفرصة الجليلة المتمثّلة بما في هذه اللّيلة من عطايا إلهيّة، فهي ليلة استجابة الدّعاء، ومغفرة الذّنوب، وعتق الرّقاب من النّار.
رسالةٌ في أعمال ليلة النّصف من شعبان: Download
Telegram
مصباح الهداية
مصباح الهداية
Photo
ورد في بعض أدعية ليلة النّصف من شعبان: "اللهمّ بحقّ ليلتنا ومولودها، وحُجَّتِكَ وموعودها، التي قرنتَ إلى فضلها فضلاً، فتمّتْ كلمتُك صدقاً وعدلاً، لا مبدّل لكلماتك..إلخ".
ويظهرُ منه ثبوت فضيلة ليلة النّصف من شعبان قبل ولادة الحُجّة -صلوات الله عليه-، وهذا ظاهرٌ من بعض أخبارنا المرويّة عن الأئمّة -عليهم السّلام- كما في صحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام: «يغفر الله عزَّ وجلَّ فيها من خلقه لأكثر من عدد شعر معزى كلْبٍ، ويُنْزِلُ اللهُ عز وجل ملائكتَه إلى السّماء الدُّنيا وإلى الأرض بمكَّة».
ويؤيّده ما رواه بعض علماء العامّة من ثبوت فضيلة لها واعتناء النبيّ -صلّى الله عليه وآله- بإحياء هذه اللّيلة، ومن ذلك:
- ما رواه ابن أبي عاصم بإسناده عن النبيِّ صلى الله عليه وآله: «ينزل الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لكل نفسٍ إلا إنسان في قلبه شحناء، أو مشرك بالله عز وجل» (السنّة، ج1، ص354، رقم الحديث 521).
قال المحقق باسم بن فيصل الجوابرة: (حديث صحيح).
- ما رواه ابن حبّان في صحيحه بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مُشاحنٍ» (صحيح ابن حبان، ج1، ص521، رقم الحديث 791/التعليقات الحِسان، ج8، ص193، رقم الحديث 5636).
ففضلها ثابتٌ بلا إشكال، وقد أُضيف إلى فضلها الأوّل فضلٌ آخر عظيمٌ وهو التشرّف بكونها ميقاتاً لولادة حجّة الله ووليّه، وموعداً لإشراق نور الله في ظلمات الأرض، فازدادت هذه اللّيلة شرفاً، وتعاظم قدرها رفعةً، وليس هذا إلّا ببركة وليّ الأمر -صلوات الله عليه-.
ومقتضى زيادة الفضل أن تكثر النّعم والألطاف الإلهيّة في هذه اللّيلة، فيزداد عدد المرحومين والمغفور لهم فيها بشفاعة مولودها وبركة وجوده الشّريف، وهذا مما يوجب زيادة الاهتمام بشأنها؛ فإنّ السّعي لتحصيل غفران الذّنوب والقُربة من الله تعالى من أهمّ أولويّات المؤمن، والله الموفّق.
ويظهرُ منه ثبوت فضيلة ليلة النّصف من شعبان قبل ولادة الحُجّة -صلوات الله عليه-، وهذا ظاهرٌ من بعض أخبارنا المرويّة عن الأئمّة -عليهم السّلام- كما في صحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام: «يغفر الله عزَّ وجلَّ فيها من خلقه لأكثر من عدد شعر معزى كلْبٍ، ويُنْزِلُ اللهُ عز وجل ملائكتَه إلى السّماء الدُّنيا وإلى الأرض بمكَّة».
ويؤيّده ما رواه بعض علماء العامّة من ثبوت فضيلة لها واعتناء النبيّ -صلّى الله عليه وآله- بإحياء هذه اللّيلة، ومن ذلك:
- ما رواه ابن أبي عاصم بإسناده عن النبيِّ صلى الله عليه وآله: «ينزل الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لكل نفسٍ إلا إنسان في قلبه شحناء، أو مشرك بالله عز وجل» (السنّة، ج1، ص354، رقم الحديث 521).
قال المحقق باسم بن فيصل الجوابرة: (حديث صحيح).
- ما رواه ابن حبّان في صحيحه بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مُشاحنٍ» (صحيح ابن حبان، ج1، ص521، رقم الحديث 791/التعليقات الحِسان، ج8، ص193، رقم الحديث 5636).
ففضلها ثابتٌ بلا إشكال، وقد أُضيف إلى فضلها الأوّل فضلٌ آخر عظيمٌ وهو التشرّف بكونها ميقاتاً لولادة حجّة الله ووليّه، وموعداً لإشراق نور الله في ظلمات الأرض، فازدادت هذه اللّيلة شرفاً، وتعاظم قدرها رفعةً، وليس هذا إلّا ببركة وليّ الأمر -صلوات الله عليه-.
ومقتضى زيادة الفضل أن تكثر النّعم والألطاف الإلهيّة في هذه اللّيلة، فيزداد عدد المرحومين والمغفور لهم فيها بشفاعة مولودها وبركة وجوده الشّريف، وهذا مما يوجب زيادة الاهتمام بشأنها؛ فإنّ السّعي لتحصيل غفران الذّنوب والقُربة من الله تعالى من أهمّ أولويّات المؤمن، والله الموفّق.
230317_0236
My Recording
🎙دراسة نقديّة حول حديث الخيط
محاور البحث:
• ضرورة تبليغ المعارف الدينيّة -بما في ذلك ما يشمل معرفة الإمام- بالاعتماد على الكتب المعتبرة.
• حديث الخيط نموذجٌ رديء لعرض العقائد من خلاله.
• نقد حديث الخيط: مصادره، أسانيده، مشكلات متنه.
الأمر الأوّل: مصادر حديث الخيط
الأمر الثّاني: نظرة في تقييم مصادر الحديث
الأمر الثّالث: دراسة الأسانيد
الأمر الرّابع: قراءة نقديّة في متن الحديث
1- الإشكال الأوّل: التنافي مع التّاريخ القطعيّ.
2- الإشكال الثاني: الانفراد بذكر حادثة تاريخية لم تُذكر في كتب التاريخ، وفيها اقتضاء الشّهرة والشياع.
3- الإشكال الثالث: مخالفة الحديث لعقائد الإمامية في باب المعرفة، وموافقته في ذلك لعقائد الغلاة.
4- الإشكال الرّابع: التعارض مع القرآن الكريم والضّرورات الفقهيّة.
5- الإشكال الخامس: وجود مصطلحات عقائديّة خاصّة من استعمالات الغلاة في كتبهم الباطنيّة.
• خلاصة البحث
محاور البحث:
• ضرورة تبليغ المعارف الدينيّة -بما في ذلك ما يشمل معرفة الإمام- بالاعتماد على الكتب المعتبرة.
• حديث الخيط نموذجٌ رديء لعرض العقائد من خلاله.
• نقد حديث الخيط: مصادره، أسانيده، مشكلات متنه.
الأمر الأوّل: مصادر حديث الخيط
الأمر الثّاني: نظرة في تقييم مصادر الحديث
الأمر الثّالث: دراسة الأسانيد
الأمر الرّابع: قراءة نقديّة في متن الحديث
1- الإشكال الأوّل: التنافي مع التّاريخ القطعيّ.
2- الإشكال الثاني: الانفراد بذكر حادثة تاريخية لم تُذكر في كتب التاريخ، وفيها اقتضاء الشّهرة والشياع.
3- الإشكال الثالث: مخالفة الحديث لعقائد الإمامية في باب المعرفة، وموافقته في ذلك لعقائد الغلاة.
4- الإشكال الرّابع: التعارض مع القرآن الكريم والضّرورات الفقهيّة.
5- الإشكال الخامس: وجود مصطلحات عقائديّة خاصّة من استعمالات الغلاة في كتبهم الباطنيّة.
• خلاصة البحث
مصباح الهداية
Video
أهميّة العلوم الآليّة في الاستنباط المعرفيّ
تعدّ العلوم الآليّة في الحواضر العلميّة الدّعامة الأساسيّة التي تقوم عليها المعارف الدينيّة، ولذلك يشرع طالب العلم في بداية تحصيله بدراسة علم النّحو والصّرف والبلاغة والمنطق والأصول والدّراية والرّجال وغيرها، وهذه العلوم فيها المطالب المهمّة التي تعين الطّالب على فهم النّصوص الدينيّة وتفسيرها، وهي مع ما تمتاز به من الأهميّة لا نعني أنّ كل مطالبها صحيحة تماماً، فجملةٌ منها مسلّمة لا ريب فيها، وجملة منها هي محلّ بحثٍ ونظرٍ بين أهل العلم أنفسهم.
ومن أهمّ فوائد هذه العلوم أنّها تثبّت طالب العلم على الاستدلال المنهجيّ، وأن يكون منضبطاً في دعاواه ومقولاته، ومن دونها لا تقوم للعلوم قائمة، بل تصبح ذوقيّة استحسانيّة، خاضعةً للآراء الشخصيّة.
ولذلك إذا قمنا باستقراء جملة من التّيارات الفكريّة المنحرفة نجدُ أنّ لها عداوةً شديدةً مع هذه العلوم، فالغلاة مثلاً كانوا معروفين ببغضهم الشّديد للفقهاء؛ لأنّ مسالكهم منضبطة، بينما مسلك الغلاة قائم على التأويلات التابعة للآراء الشخصيّة، والحشويّة يبغضون المحدّثين النقّاد؛ لأنّهم لا يقبلون كلّ ما هبّ ودبّ من الأخبار، فإنّ هذه المعرفة دينٌ يُدان به، ولا يجوز أن يتديّن المرء بكلّ ما يلقاه أينما كان، وإنّما عليه التثبّت في دينه.
وإذا لاحظنا التيارات المنحرفة المعاصرة لا نجدها قد خرجت عن هذا الإطار، فلذلك نراها تقدح في العلماء وفي هذه العلوم الأساسيّة؛ لأنّها تقفُ حائلاً يحول دون تبرير مقولاتهم المنحرفة، وهذا ما رأيناه من جماعاتٍ شتّى مثل الجماعات التي تّدعي السّفارة أو المهدويّة أو التي تنتحل السّير والسّلوك باسم (العرفان)، وهلمّ جرّاً.
ومن الجماعات التي بتّ أتابع مقولات أفرادها جماعةٌ في البحرين تُعرف بعنوان (جمعيّة التجديد)، وفي بادئ الأمر، وللوهلة الأولى قد يُظنّ أنّ هذا (التّجديد) قائمٌ على أصولٍ معرفيّةٍ منضبطةٍ يمكن من خلالها استنباط العقائد الإسلاميّة من القرآن والسنّة، وإذا بنا نرى المشكلة نفسها، فلا تأصيل علميّ لتأويل القرآن أو أصول المعرفة الدّينيّة.
وقد ترى نفسك في عام 2023م، فتظنّ أنّ ما بلغت إليه التحقيقات في العلوم الأساسيّة يتكفّل برفع الجهل عن كثيرٍ من الخلق، إلّا أنّ البعض يصرّ على التوغّل في الجهالة وتحويل المعرفة الدّينية من ميدان الاستدلال العلميّ إلى ميدان التأويلات الشخصيّة والأذواق والأهواء والاستحسانات، فيصبح من السّائغ عند هؤلاء -مثلاً- أن يُفسّر كلام الله بنحوٍ لا يتلاءم مع لسان العرب، فيصبح (حوت يونس) هو (دوّامة مائيّة) وليس حوتاً حقيقيّاً، ويصبح تفسير (السّكين) في سورة يوسف بمعنى (الوِسادة المُسكِّنة)، وتفسير (الهدهد) في قصّة سليمان بـ(رجلٍ) اسمه هَدد، وتفسير (أربعة من الطّير) في قصّة إبراهيم بمعنى (رسل في الجهات الأربع لهداية النّاس)، وهكذا في قصّة خلق عيسى لهيئة الطّير وإبراء الأكمه والأبرص -كما في الفيديو المرفق- وعلى هذا النّسق تكون التّفاسير القرآنية خاضعةً للذّوق والاستنساب، ولا توجد لهذا الأمر قواعد منضبطة في الاستدلال، فتصبح بذلك المعرفة الدينيّة أمراً ذوقيّاً لا ضابطة له.
وهذا هو الفرق بين الحوزة العلميّة -بتاريخها العريق- وبين هؤلاء؛ فإنّ العلماء مع مرور القرون لم ينقطعوا عن البحث لتأصيل المعارف والاستنباط الفقهيّ، وهؤلاء بتجاربهم الضّحلة يريدون إلغاء العلوم كلّها ونصب أنفسهم أعياناً للدّين، بحيث يكون الدّين تابعاً لهم لا أنّهم تابعون له.
هذا الطّريق العبثيّ هو طريق القضاء على العلم والمعرفة، وفتح باب الجهل والخرافة، وشرّ ما في ذلك أنّه بابٌ واسعٌ للافتراء على الله والكذب عليه -نعوذ بالله من الخذلان-.
"قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى" سورة طه: 61.
"حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ"، سورة الأعراف: 105.
تعدّ العلوم الآليّة في الحواضر العلميّة الدّعامة الأساسيّة التي تقوم عليها المعارف الدينيّة، ولذلك يشرع طالب العلم في بداية تحصيله بدراسة علم النّحو والصّرف والبلاغة والمنطق والأصول والدّراية والرّجال وغيرها، وهذه العلوم فيها المطالب المهمّة التي تعين الطّالب على فهم النّصوص الدينيّة وتفسيرها، وهي مع ما تمتاز به من الأهميّة لا نعني أنّ كل مطالبها صحيحة تماماً، فجملةٌ منها مسلّمة لا ريب فيها، وجملة منها هي محلّ بحثٍ ونظرٍ بين أهل العلم أنفسهم.
ومن أهمّ فوائد هذه العلوم أنّها تثبّت طالب العلم على الاستدلال المنهجيّ، وأن يكون منضبطاً في دعاواه ومقولاته، ومن دونها لا تقوم للعلوم قائمة، بل تصبح ذوقيّة استحسانيّة، خاضعةً للآراء الشخصيّة.
ولذلك إذا قمنا باستقراء جملة من التّيارات الفكريّة المنحرفة نجدُ أنّ لها عداوةً شديدةً مع هذه العلوم، فالغلاة مثلاً كانوا معروفين ببغضهم الشّديد للفقهاء؛ لأنّ مسالكهم منضبطة، بينما مسلك الغلاة قائم على التأويلات التابعة للآراء الشخصيّة، والحشويّة يبغضون المحدّثين النقّاد؛ لأنّهم لا يقبلون كلّ ما هبّ ودبّ من الأخبار، فإنّ هذه المعرفة دينٌ يُدان به، ولا يجوز أن يتديّن المرء بكلّ ما يلقاه أينما كان، وإنّما عليه التثبّت في دينه.
وإذا لاحظنا التيارات المنحرفة المعاصرة لا نجدها قد خرجت عن هذا الإطار، فلذلك نراها تقدح في العلماء وفي هذه العلوم الأساسيّة؛ لأنّها تقفُ حائلاً يحول دون تبرير مقولاتهم المنحرفة، وهذا ما رأيناه من جماعاتٍ شتّى مثل الجماعات التي تّدعي السّفارة أو المهدويّة أو التي تنتحل السّير والسّلوك باسم (العرفان)، وهلمّ جرّاً.
ومن الجماعات التي بتّ أتابع مقولات أفرادها جماعةٌ في البحرين تُعرف بعنوان (جمعيّة التجديد)، وفي بادئ الأمر، وللوهلة الأولى قد يُظنّ أنّ هذا (التّجديد) قائمٌ على أصولٍ معرفيّةٍ منضبطةٍ يمكن من خلالها استنباط العقائد الإسلاميّة من القرآن والسنّة، وإذا بنا نرى المشكلة نفسها، فلا تأصيل علميّ لتأويل القرآن أو أصول المعرفة الدّينيّة.
وقد ترى نفسك في عام 2023م، فتظنّ أنّ ما بلغت إليه التحقيقات في العلوم الأساسيّة يتكفّل برفع الجهل عن كثيرٍ من الخلق، إلّا أنّ البعض يصرّ على التوغّل في الجهالة وتحويل المعرفة الدّينية من ميدان الاستدلال العلميّ إلى ميدان التأويلات الشخصيّة والأذواق والأهواء والاستحسانات، فيصبح من السّائغ عند هؤلاء -مثلاً- أن يُفسّر كلام الله بنحوٍ لا يتلاءم مع لسان العرب، فيصبح (حوت يونس) هو (دوّامة مائيّة) وليس حوتاً حقيقيّاً، ويصبح تفسير (السّكين) في سورة يوسف بمعنى (الوِسادة المُسكِّنة)، وتفسير (الهدهد) في قصّة سليمان بـ(رجلٍ) اسمه هَدد، وتفسير (أربعة من الطّير) في قصّة إبراهيم بمعنى (رسل في الجهات الأربع لهداية النّاس)، وهكذا في قصّة خلق عيسى لهيئة الطّير وإبراء الأكمه والأبرص -كما في الفيديو المرفق- وعلى هذا النّسق تكون التّفاسير القرآنية خاضعةً للذّوق والاستنساب، ولا توجد لهذا الأمر قواعد منضبطة في الاستدلال، فتصبح بذلك المعرفة الدينيّة أمراً ذوقيّاً لا ضابطة له.
وهذا هو الفرق بين الحوزة العلميّة -بتاريخها العريق- وبين هؤلاء؛ فإنّ العلماء مع مرور القرون لم ينقطعوا عن البحث لتأصيل المعارف والاستنباط الفقهيّ، وهؤلاء بتجاربهم الضّحلة يريدون إلغاء العلوم كلّها ونصب أنفسهم أعياناً للدّين، بحيث يكون الدّين تابعاً لهم لا أنّهم تابعون له.
هذا الطّريق العبثيّ هو طريق القضاء على العلم والمعرفة، وفتح باب الجهل والخرافة، وشرّ ما في ذلك أنّه بابٌ واسعٌ للافتراء على الله والكذب عليه -نعوذ بالله من الخذلان-.
"قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى" سورة طه: 61.
"حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ"، سورة الأعراف: 105.
مصباح الهداية
Video
عظمة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) وإعجازُ النبوّة والقرآن
من الدلائل المهمّة التي تدلّ على الإعجاز العظيم الذي انطوت عليه بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله) المقارنةُ بين ما أُثر عن النبيّ من معارف عظيمةٍ جمعت بين الدقّة والمتانة، وبين ما كان رائجاً في زمانه من أفكار أهل الكتاب أو الوثنيّين في جزيرة العرب، وأنّ ما نطق به النبيّ في المعارف والفقه والحكمة وتدبير السّياسة لا يمكن أن يجتمع لرجل يعيش في هذا المجتمع خلال وقت قصير، بل يستحيل أن تكون معارفه في هذه الأبواب كلّها حصيلة عشرين عاماً -تقريباً- من النّظر والبحث!
فهذه البيئة التي خرج في أوساطها بيئةٌ أميّة ليس لها حظّ من النّظر العميق في مباحث الإلهيّات وغيرها، وهي أمّة وثنيّة ليس لها كتابٌ، ولا علماء، ولا هم أهل نظر واستدلال، وإنّما كانوا غارقين في الجهل وظلمات الجاهليّة.
وأمّا أهل الكتاب فإنّ ما عندهم أقربُ إلى الأساطير القديمة التي دوّنت، وفضلاً عن مضادتها للعقل، هي تعبّر عن طفوليّة العقل الوثنيّ القديم وتصوّراته عن مفاهيم كثيرة كالإله والنبوّات وعالم الخلق وغير ذلك.
وقد كان لحضور الأئمّة -عليهم السّلام- في ميدان الذبّ عن الدين أثرٌ عظيمٌ، فقد أثروا المعارف الإسلاميّة بحديثهم وأقوالهم التي حلّت كثيراً من الإشكاليّات المعقدة، حيث بيّنوا الصّواب، وفصّلوا الكلام في أدقّ المطالب وأكثرها خطراً، فهم الذين فتقوا بطون العلم في مباحث كثيرة كالأمر بين الأمرين، البداء، مسألة الشرّ، القضاء والقدر، العدل، وغير ذلك مما عجز عنه كثيرٌ من المسلمين، فكان حضور أئمّة أهل البيت عليهم السّلام مؤثّراً في هذا الجانب، وقد ساهم في ارتقاء علم الكلام كثيراً. ومع مرور القرون، بقي هذا التراث العظيم المأثور عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأوصياء من ولده آبياً عن النقد أو أن تطاله خدشةٌ، بل كان أصلاً ينهل منه كبار أهل العلم.
إنّ السّقف المعرفيّ الذي كان مخيّماً على جزيرة العرب لا يتلاءم مطلقاً مع مستوى دقّة الآيات القرآنيّة وبراهينها في مسائل معرفة الله وتوحيده وما يرتبط بالإلهيات عموماً، بالإضافة إلى ما صدر عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب -عليه السّلام- من خطبٍ في التوحيد، لا نظير لها في فضاء المعارف الدينيّة عند البشريّة كلّها، وهذا يوجب الإذعان بأنّ للنبيّ صلى الله عليه وآله جنبةً استثنائيّةً لا علاقة لها بالبشر، وإنّما مبدؤها الوحي الإلهيّ، وأنّ أهل بيته هم ورثة القرآن وخزّان العلم.
وإذا تصوّرت الظرف الزمانيّ والمكانيّ الذي خرج فيه النبيّ وعاش فيه خلفاؤه الأوصياء -عليهم السّلام- وتأمّلت مستوى الاستدلالات المعرفيّة المتقنة في أبواب الإلهيّات وغيرها، علمت بأنّ أمرهم لم يكن بشريّاً قطّ.
ثم انظر إلى نموذجٍ من نماذج العقل اللّاهوتيّ عند أكبر النّصارى العرب في القرن العشرين، واسمع استدلاله المضحك عن ولادة الإله لابنٍ هو إلهٌ أيضاً!
مبدأ البعثة النبويّة يُقدّر بكونه في سنة (610) ميلاديّة، وكلام البابا شنودة الثالث سنة 1989 ميلاديّة، أيّ أنّ الفارق هو 1380 عاماً تقريباً، يُدّعى فيها أنّ العقل البشريّ قد تطوّر، وأنّ نظرته النّقدية في باب المعرفة قد ازدادت دقّةً، وخُيّل للبعض أنّه قد يقدر على تجاوز القرآن الكريم بما فيه من معرفةٍ إعجازيّةٍ لا يقدر بعض البشر على اللّحوق بها بعد مئات السّنين!!
﴿قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌاللَّهُ الصَّمَدُلَم يَلِد وَلَم يولَدوَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
من الدلائل المهمّة التي تدلّ على الإعجاز العظيم الذي انطوت عليه بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله) المقارنةُ بين ما أُثر عن النبيّ من معارف عظيمةٍ جمعت بين الدقّة والمتانة، وبين ما كان رائجاً في زمانه من أفكار أهل الكتاب أو الوثنيّين في جزيرة العرب، وأنّ ما نطق به النبيّ في المعارف والفقه والحكمة وتدبير السّياسة لا يمكن أن يجتمع لرجل يعيش في هذا المجتمع خلال وقت قصير، بل يستحيل أن تكون معارفه في هذه الأبواب كلّها حصيلة عشرين عاماً -تقريباً- من النّظر والبحث!
فهذه البيئة التي خرج في أوساطها بيئةٌ أميّة ليس لها حظّ من النّظر العميق في مباحث الإلهيّات وغيرها، وهي أمّة وثنيّة ليس لها كتابٌ، ولا علماء، ولا هم أهل نظر واستدلال، وإنّما كانوا غارقين في الجهل وظلمات الجاهليّة.
وأمّا أهل الكتاب فإنّ ما عندهم أقربُ إلى الأساطير القديمة التي دوّنت، وفضلاً عن مضادتها للعقل، هي تعبّر عن طفوليّة العقل الوثنيّ القديم وتصوّراته عن مفاهيم كثيرة كالإله والنبوّات وعالم الخلق وغير ذلك.
وقد كان لحضور الأئمّة -عليهم السّلام- في ميدان الذبّ عن الدين أثرٌ عظيمٌ، فقد أثروا المعارف الإسلاميّة بحديثهم وأقوالهم التي حلّت كثيراً من الإشكاليّات المعقدة، حيث بيّنوا الصّواب، وفصّلوا الكلام في أدقّ المطالب وأكثرها خطراً، فهم الذين فتقوا بطون العلم في مباحث كثيرة كالأمر بين الأمرين، البداء، مسألة الشرّ، القضاء والقدر، العدل، وغير ذلك مما عجز عنه كثيرٌ من المسلمين، فكان حضور أئمّة أهل البيت عليهم السّلام مؤثّراً في هذا الجانب، وقد ساهم في ارتقاء علم الكلام كثيراً. ومع مرور القرون، بقي هذا التراث العظيم المأثور عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأوصياء من ولده آبياً عن النقد أو أن تطاله خدشةٌ، بل كان أصلاً ينهل منه كبار أهل العلم.
إنّ السّقف المعرفيّ الذي كان مخيّماً على جزيرة العرب لا يتلاءم مطلقاً مع مستوى دقّة الآيات القرآنيّة وبراهينها في مسائل معرفة الله وتوحيده وما يرتبط بالإلهيات عموماً، بالإضافة إلى ما صدر عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب -عليه السّلام- من خطبٍ في التوحيد، لا نظير لها في فضاء المعارف الدينيّة عند البشريّة كلّها، وهذا يوجب الإذعان بأنّ للنبيّ صلى الله عليه وآله جنبةً استثنائيّةً لا علاقة لها بالبشر، وإنّما مبدؤها الوحي الإلهيّ، وأنّ أهل بيته هم ورثة القرآن وخزّان العلم.
وإذا تصوّرت الظرف الزمانيّ والمكانيّ الذي خرج فيه النبيّ وعاش فيه خلفاؤه الأوصياء -عليهم السّلام- وتأمّلت مستوى الاستدلالات المعرفيّة المتقنة في أبواب الإلهيّات وغيرها، علمت بأنّ أمرهم لم يكن بشريّاً قطّ.
ثم انظر إلى نموذجٍ من نماذج العقل اللّاهوتيّ عند أكبر النّصارى العرب في القرن العشرين، واسمع استدلاله المضحك عن ولادة الإله لابنٍ هو إلهٌ أيضاً!
مبدأ البعثة النبويّة يُقدّر بكونه في سنة (610) ميلاديّة، وكلام البابا شنودة الثالث سنة 1989 ميلاديّة، أيّ أنّ الفارق هو 1380 عاماً تقريباً، يُدّعى فيها أنّ العقل البشريّ قد تطوّر، وأنّ نظرته النّقدية في باب المعرفة قد ازدادت دقّةً، وخُيّل للبعض أنّه قد يقدر على تجاوز القرآن الكريم بما فيه من معرفةٍ إعجازيّةٍ لا يقدر بعض البشر على اللّحوق بها بعد مئات السّنين!!
﴿قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌاللَّهُ الصَّمَدُلَم يَلِد وَلَم يولَدوَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
📝نقد متون الأحاديث؛ منهج العلّامة المجلسيّ أنموذجاً.
يعدّ نقد المتن الحديثيّ من أهمّ الأدوات المعرفيّة عند المحدّثين لاكتشاف علل الحديث؛ حيث إنّ مخالفة الحديث لثوابت العقائد الحقّة وموافقته لحديث الغلاة أو المتصوّفة، أو مخالفته للأخبار التّاريخيّة أو عدم انسجامه مع السّياق التّاريخيّ يعدّ نقطة ضعفٍ في الحديث تصل إلى ورود شبهة الوضع عليه، ومن هنا نرى أنّ بعض المحدّثين يتأمّلون في سلامة بعض المضامين لمخالفتها لما ذكرناه.
وقد جرى العلّامة المجلسيّ على هذا المنهج، فأشكل على جملةٍ من الأخبار بالتأمّل فيها لمخالفتها للتّاريخ، فمن ذلك: قوله معلّقاً على روايةٍ في كتاب إرشاد القلوب -للديلميّ- عن جابر الجعفيّ مرسلةً: (ولم نبالغ في تفسير هذا الحديث وشرحه لعدم اعتمادنا عليه؛ لما فيه ممّا يخالفُ السِّيَر والأخبار)، انظر: بحار الأنوار، ج29، ص22.
ومن طعنه في المضامين الموافقة لأحاديث الغلاة:
1- ما علّق به على روايةٍ في رجال الكشيّ، حيث قال: (قوله: «هذا حديث موضوع» كلام الكشي أو الشيخ؛ لأنه موجود في اختياره، ولا ريب في كونه موضوعاً، وهو مشتمل على القول بالتناسخ والتشويش في ألفاظه ومعانيه، فلهذا لم نتعرّض لشرحه)، انظر: بحار الأنوار، ج66، ص280.
2- ما طعن به على الخطبة المنسوبة إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) المعروفة بـ«خطبة البيان»: (وما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها فلم يوجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم)، انظر: بحار الأنوار، ج25، ص348.
ومن نقده للأحاديث لاشتمالها على ألفاظ المتصوّفة:
ما علّق به على رواية الفيض الكاشانيّ في كتاب (الحقائق في محاسن الأخلاق، ص363)، ولفظها: (وعن كميل بن زياد، قال: سألت مولانا علياً أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: أريد أن تعرّفني نفسي، فقال: يا كميل، وأيّ الأنفس تريد أن أعرّفك؟ قلت: يا مولاي، هل هي إلا نفس واحدة؟ قال: يا كميل، إنّما هي أربعة: النامية النباتية، والحسيّة الحيوانية ، والناطقة القدسيّة، والكليّة الإلهية، ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان، فالنامية النباتية لها خمس قوى: ماسكة، وجاذبة، وهاضمة، ودافعة، ومربية، ولها خاصيتان: الزيادة والنقصان، وانبعاثها من الكبد. والحسية الحيوانية لها خمس قوى: سمع وبصر وشم وذوق ولمس، ولها خاصيتان: الشّهوة والغضب، وانبعاثها من القلب. والناطقة القدسية لها خمس قوى: فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة، وليس لها انبعاث، وهي أشبه الأشياء بالنفوس الملكيّة، ولها خاصيتان: النزاهة والحكمة. والكلية الإلهية لها خمس قوى: بهاء في فناء، ونعيم في شقاء، وعز في ذل، وفقر في غناء، وصبر في بلاء، ولها خاصيتان: الرضا والتسليم، وهذه التي مبدؤها من الله وإليه تعود، وقال الله تعالى "ونفخت فيه من روحي" وقال تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية"، والعقل في وسط الكل).
وقد علّق العلامة المجلسيّ عليها بقوله: (أقول: هذه الاصطلاحات لم تكد توجد في الأخبار المعتبرة المتداولة، وهي شبيهة بأضغاث أحلام الصوفية)، انظر: بحار الأنوار، ج58، ص85.
هذه نماذج يسيرة من كلمات العلّامة المجلسيّ رحمه الله يعرض بتطبيقها منهجاً حديثيّاً نقّاداً يرفض به جملةً من الأخبار الشاذّة والمنكرة التي لا تستقيم مع عقائد الإماميّة وألفاظ أحاديث الأئمّة وما لا ينسجم مع كتب السّير والتواريخ، وهذا المنهج فنٌّ عظيمٌ في دراسة الأحاديث وتمحيصها، وهو من الدّراية التي يُمدَح بها المشتغل بالحديث، وأمّا قبول كلّ ما هبّ ودبّ من الأخبار فهو من ديدن الحشويّة الذين ابتلوا بالرقّة في دينهم، فلا يحتاطون للدّين والمعرفة، ولا يعرفون سبيلاً إلى العلم الصّحيح.
يعدّ نقد المتن الحديثيّ من أهمّ الأدوات المعرفيّة عند المحدّثين لاكتشاف علل الحديث؛ حيث إنّ مخالفة الحديث لثوابت العقائد الحقّة وموافقته لحديث الغلاة أو المتصوّفة، أو مخالفته للأخبار التّاريخيّة أو عدم انسجامه مع السّياق التّاريخيّ يعدّ نقطة ضعفٍ في الحديث تصل إلى ورود شبهة الوضع عليه، ومن هنا نرى أنّ بعض المحدّثين يتأمّلون في سلامة بعض المضامين لمخالفتها لما ذكرناه.
وقد جرى العلّامة المجلسيّ على هذا المنهج، فأشكل على جملةٍ من الأخبار بالتأمّل فيها لمخالفتها للتّاريخ، فمن ذلك: قوله معلّقاً على روايةٍ في كتاب إرشاد القلوب -للديلميّ- عن جابر الجعفيّ مرسلةً: (ولم نبالغ في تفسير هذا الحديث وشرحه لعدم اعتمادنا عليه؛ لما فيه ممّا يخالفُ السِّيَر والأخبار)، انظر: بحار الأنوار، ج29، ص22.
ومن طعنه في المضامين الموافقة لأحاديث الغلاة:
1- ما علّق به على روايةٍ في رجال الكشيّ، حيث قال: (قوله: «هذا حديث موضوع» كلام الكشي أو الشيخ؛ لأنه موجود في اختياره، ولا ريب في كونه موضوعاً، وهو مشتمل على القول بالتناسخ والتشويش في ألفاظه ومعانيه، فلهذا لم نتعرّض لشرحه)، انظر: بحار الأنوار، ج66، ص280.
2- ما طعن به على الخطبة المنسوبة إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) المعروفة بـ«خطبة البيان»: (وما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها فلم يوجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم)، انظر: بحار الأنوار، ج25، ص348.
ومن نقده للأحاديث لاشتمالها على ألفاظ المتصوّفة:
ما علّق به على رواية الفيض الكاشانيّ في كتاب (الحقائق في محاسن الأخلاق، ص363)، ولفظها: (وعن كميل بن زياد، قال: سألت مولانا علياً أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: أريد أن تعرّفني نفسي، فقال: يا كميل، وأيّ الأنفس تريد أن أعرّفك؟ قلت: يا مولاي، هل هي إلا نفس واحدة؟ قال: يا كميل، إنّما هي أربعة: النامية النباتية، والحسيّة الحيوانية ، والناطقة القدسيّة، والكليّة الإلهية، ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان، فالنامية النباتية لها خمس قوى: ماسكة، وجاذبة، وهاضمة، ودافعة، ومربية، ولها خاصيتان: الزيادة والنقصان، وانبعاثها من الكبد. والحسية الحيوانية لها خمس قوى: سمع وبصر وشم وذوق ولمس، ولها خاصيتان: الشّهوة والغضب، وانبعاثها من القلب. والناطقة القدسية لها خمس قوى: فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة، وليس لها انبعاث، وهي أشبه الأشياء بالنفوس الملكيّة، ولها خاصيتان: النزاهة والحكمة. والكلية الإلهية لها خمس قوى: بهاء في فناء، ونعيم في شقاء، وعز في ذل، وفقر في غناء، وصبر في بلاء، ولها خاصيتان: الرضا والتسليم، وهذه التي مبدؤها من الله وإليه تعود، وقال الله تعالى "ونفخت فيه من روحي" وقال تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية"، والعقل في وسط الكل).
وقد علّق العلامة المجلسيّ عليها بقوله: (أقول: هذه الاصطلاحات لم تكد توجد في الأخبار المعتبرة المتداولة، وهي شبيهة بأضغاث أحلام الصوفية)، انظر: بحار الأنوار، ج58، ص85.
هذه نماذج يسيرة من كلمات العلّامة المجلسيّ رحمه الله يعرض بتطبيقها منهجاً حديثيّاً نقّاداً يرفض به جملةً من الأخبار الشاذّة والمنكرة التي لا تستقيم مع عقائد الإماميّة وألفاظ أحاديث الأئمّة وما لا ينسجم مع كتب السّير والتواريخ، وهذا المنهج فنٌّ عظيمٌ في دراسة الأحاديث وتمحيصها، وهو من الدّراية التي يُمدَح بها المشتغل بالحديث، وأمّا قبول كلّ ما هبّ ودبّ من الأخبار فهو من ديدن الحشويّة الذين ابتلوا بالرقّة في دينهم، فلا يحتاطون للدّين والمعرفة، ولا يعرفون سبيلاً إلى العلم الصّحيح.
📄غلوّ الشّلمغاني وآثاره في «كتاب الأوصياء»
🖋 إبراهيم جواد
رابط المقال:
http://mhedaiat.blogspot.com/2023/04/blog-post_17.html
..
🖋 إبراهيم جواد
رابط المقال:
http://mhedaiat.blogspot.com/2023/04/blog-post_17.html
..
كيف تسيطر علينا التكنولوجيا؟
كثيراً ما نكون في مواقف مبهجة أو محزنة، لا تسمح لنا ”عاداتنا التكنولوجية“ بالعيش معها وأن نبسط شعورنا الإنساني لنتفاعل معها كما يجب، بل أوّل ما نفعله هو أننا نستلّ هواتفنا ونبدأ بالتصوير، مع العلم أن بعض المواقف:
١- لا يحسن تصويرها، كما يتفق ذلك للبعض من تصوير المرضى والموتى، مع أنه لا يليق نشرها، فيصح أن تطلب الدعاء للمريض من دون وضع صورته وهو على فراش المرض، فحاله في تلك الفترة لا يكون سائغاً للعرض أمام محبيه، وقد يكون كذلك بالنسبة له شخصياً.
٢- لا يحسن التصوير فيها، كما هو الحال في الزيارة، فالانشغال بالتصوير يسلب التوجّه القلبي، ولا أقول إنه رياء، ولكن لما يسببه من تشتت البال والتوجه نحو العبادة.
وغير ذلك مما يكون تصويره قليل الفائدة أو تكرارياً، أو لوجود جهات إعلامية توفر مادة مصورة للحدث الذي تريد تصويره، وقد يكون التصوير أحياناً فيه إيذاء للآخرين كما لو أن شخصاً لا يريد التصوير في فعالية ذات نطاق ضيّق (جلسة خاصة، لقاء اجتماعي) وإذا بك تضعه في وسائل التواصل أمام مرأى الجميع.
من الراجح جداً أن نعيد تنظيم علاقتنا بكاميرا الهاتف، فليس كل شخص يرغب بالتصوير، كما أن الانشغال بهذه العادة الأوتوماتيكية يذهب عنك التفاعل الحقيقي الذي تبتغيه من حضورك في المكان سواء كان للترويح أم للعبادة أم غير ذلك.
كثيراً ما نكون في مواقف مبهجة أو محزنة، لا تسمح لنا ”عاداتنا التكنولوجية“ بالعيش معها وأن نبسط شعورنا الإنساني لنتفاعل معها كما يجب، بل أوّل ما نفعله هو أننا نستلّ هواتفنا ونبدأ بالتصوير، مع العلم أن بعض المواقف:
١- لا يحسن تصويرها، كما يتفق ذلك للبعض من تصوير المرضى والموتى، مع أنه لا يليق نشرها، فيصح أن تطلب الدعاء للمريض من دون وضع صورته وهو على فراش المرض، فحاله في تلك الفترة لا يكون سائغاً للعرض أمام محبيه، وقد يكون كذلك بالنسبة له شخصياً.
٢- لا يحسن التصوير فيها، كما هو الحال في الزيارة، فالانشغال بالتصوير يسلب التوجّه القلبي، ولا أقول إنه رياء، ولكن لما يسببه من تشتت البال والتوجه نحو العبادة.
وغير ذلك مما يكون تصويره قليل الفائدة أو تكرارياً، أو لوجود جهات إعلامية توفر مادة مصورة للحدث الذي تريد تصويره، وقد يكون التصوير أحياناً فيه إيذاء للآخرين كما لو أن شخصاً لا يريد التصوير في فعالية ذات نطاق ضيّق (جلسة خاصة، لقاء اجتماعي) وإذا بك تضعه في وسائل التواصل أمام مرأى الجميع.
من الراجح جداً أن نعيد تنظيم علاقتنا بكاميرا الهاتف، فليس كل شخص يرغب بالتصوير، كما أن الانشغال بهذه العادة الأوتوماتيكية يذهب عنك التفاعل الحقيقي الذي تبتغيه من حضورك في المكان سواء كان للترويح أم للعبادة أم غير ذلك.