Telegram Web Link
إنّ المغزى الأكبر لمجاهدة النبيّ وآله (عليهم السّلام) هو انتهاء الخليقة إلى الإقرار بالتوحيد والعبوديّة لله تبارك وتعالى، وفي ضمن ذلك يتمُّ رفع الظلم والعدوان وبسط العدل، وخيرُ دليل على هذا ما تواتر في وصف الإمام الحجّة -صلوات الله عليه- أنّه: «يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً»، ولكن نشر العدل ومحاربة الظلم لا تكون إلّا من المنطلقات القرآنيّة والمعرفة الإلهيّة والإقرار بالوحدانيّة، وإنّ منتهى ذلك المسير يجب أن يكون إلى معرفة الله وعبادته، وقد ورد في دعاء أهل الثغور للإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللهم وقَوِّ بذلك محالَّ أهل الإسلام، وحصِّنْ به ديارهم، وثمِّر به أموالهم، وفرِّغهم عن محاربتهم لعبادتك، وعن مُنابذتهم للخلوة بك، حتَّى لا يُعبَدَ في بقاع الأرض غيرك، ولا تُعفَّر لأحدٍ منهم جبهةً دونك، اللهم اغزُ بكلِّ ناحيةٍ من المسلمين على مَنْ بإزائهم من المشركين..إلخ»، إذن: فهيمنة التوحيد تمثّل مقصداً أساسيّاً من مقاصد الجهاد في سبيل الله، وليس الأمر مجرّد مواجهة للظّالمين فقط، بل يتضمّنُ الجهادُ تطبيقاً للمشروع الإلهي بترسيخ الإقرار بالوحدانيّة والإذعان بالعبودية، وفي هذا الإطار يتمّ العمل على رفع الظلم والجور وبسط العدل والأمن، ولا أظنُّ أنّ اعتبار هذا المقصد وأخذه قيداً في النهضة الحسينية وكلّ نهضة إسلاميّة تتأسّى بها يتلاءم مع ذوق بعض المدعوّين إلى سفينة الحسين (عليه السلام)، لا سيما مع ضبابية الرؤية عند أولئك بسبب شعارات المجاملة. ومن دون وضوح هذه الصورة سوف نبقى دائرين في المجاملات الشكليّة التي لا تُثمر، وكثيرٌ من أولئك المُجامِلين يحملُ على الدّين انتصاراً لعلمانيّته أو مسلكه الذي يجافي أصول الإسلام، وفي الوقت نفسه لا تكون مجاملته إلّا مصانعةً لا أثر لها.

"هَا أنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ ولَا يُحِبُّونَكُمْ وتُؤْمِنُونَ بالكِتَابِ كُلِّهِ وإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ".
سورة آل عمران، الآية 119.
"وإنَّ الله سبحانه لم يَعِظْ أحداً بمثل هذا القُرآن، فإنَّه حبلُ الله المتين، وسببُه الأمين، وفيه ربيعُ القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاءٌ غيره..".

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
📚 نهج البلاغة، ص٣٩٣، رقم الخطبة ١٧٦.
بسندٍ صحيحٍ: مطرت السّماء دماً يوم قتل الحسين عليه السلام

رابط الوثائق: (اضغط هنا).
سيّد الشهداء مغيث الملهوفين وملاذ المظلومين

قال السيّد محمّد بن أبي طالب الحائريّ الكركيّ (من علماء القرن العاشر الهجريّ):
«وأمّا كرامته -صلوات الله عليه- وما يظهرُ على تعاقب الزّمان من العجائب والغرائب لدى ضريحه الشريف إلى يوم النّاس هذا ما هو مشهور بتجدّد الأعوام والأيّام، ويظهرُ للخاصّ والعام، من إجابة الدّعاء، وشفاء المرضى والزَّمْنَى قد بلغ حدَّ التواتر وطار في الآفاق ذكره، وشاع على الإطلاق أمرُه، وسأذكر من ذلك نازلةً نزلت بي وعظم لواقعتها خطبي، وتزلزل لقارعتها خَطْبي، وذلك أنّ الله سبحانه كان قد منَّ عليَّ سنة تسعمائة من الهجرة بكتاب (تذكرة الفقهاء) في فقه الخاصّة من مصنّفات الشيخ الكامل العالم العامل أبي منصور الحسن جمال الدين بن يوسف بن المطهَّر الحليّ -أفاض الله على ضريحه شآبيب رحمته وحشره في زُمرة نبيِّه وعترته- وُكنتُ كَلِفاً به، ملازماً له، مثابراً على حصر فوائده، أستأنسُ به في خلوتي، وأستكشف بمطالعته غمّتي، إلى أن تقلَّبت الأمور وتغيَّرت الدّهور، واستبدل اللهُ بقومٍ قوماً، وبرجالٍ رجالاً، وقضى الله لي -وأحسنَ القضاء- بجوار سيّد الشهداء، إمام الثقلين، وسبط سيّد الكونين، أبي عبد الله الحسين وملازمة حضرته الشريفة ليلاً ونهاراً إلى أن دخلت سنة ثماني عشرة وتسعمائة حضر في المشهد الشريف رجلٌ من بلدة شيراز يُدعى بـ(السيّد شريف) وكان له قربٌ من السّلطان، ثم نقم عليه وعزله.
وكان المذكور يُظهر التشيّع، ويدّعي الإحاطة بأكثر العلوم، وفي الباطن زنديقاً يتديّن بمذهب الحكيم، وإنّما أظهر التشيُّع تقرُّباً إلى السُّلطان رياءً وسُمعةً، فلمّا حضر في المشهد الشريف وكان قد أُنهِيَ إليه أمر الكتاب فطلب من الفقيرِ شراءَه وبذل له عنه ثمناً، فأبى الفقيرُ عليه، فأغلظَ للفقير في الكلام؛ لأنّه كان من السّفاهة والوقاحة والكبر والغلظة على جانبٍ عظيمٍ، فأجابه الفقير بأعظم من جوابه وأعان الله عليه.
فمضى المذكور ثانياً إلى باب السُّلطان، فوثب صدر الدّولة وفوَّض إليه أمر الحضرات والأوقاف والأمور الشرعيّة في سائر البلاد، فأظهر من الظُّلم والعسف والعدوان ما لا مزيد عليه، وولَّى على الحضرات الشريفة في بلاد العراق نائباً من قِبَله، مُشابهاً له في الكِبْر والغِلظة والظُّلم، وفوَّض إليه أمر بلدة الحلّة وغيرها من البلاد المتعلّقة بالحضرات الشريفة -حضرات الأئمة عليهم السلام-، وأمره أن لا يجعل له بعد وصوله دأباً ولا هِمَّةً إلّا أخذ الكتاب قَهْراً، وكتب على يده رسالةً تتضمَّنُ التهديد والإغلاظَ في الكلام.
فحين وصل إلى المشهد الشريف أوصل الرسالة إلى العَبْدِ، وأمره بإحضار الكتاب بسرعةٍ من غير تعلُّلٍ، فرأى الفقيرُ أنَّ الامتناع لا يُجدي نفعاً، فسلَّم الكتاب جميعه وعدّته سبع مجلّدات إلى النّائب المذكور، وفوَّض الأمر إلى الله سبحانه، ورأى أن ليس لكربته وغمّته وظلامته كاشفاً إلّا الله والتوسّل إليه بوليِّه أبي عبد الله الحسين عليه السلام وآبائه الطّاهرين وذريّته الأكرمين.
وألقى اللهُ على لسان الفقير كلماتٍ -نثراً وشعراً- سمّاها بـ(استغاثة المظلوم اللَّهيف على الظَّلوم المُسمَّى بـ«شريف») فكتبها الفقيرُ وحفظها، ثم صلَّى صلاة الحاجة عند رأس الضريح المقدَّس، ثُمَّ دعا بالاستغاثة المذكورة على الضّريح وتوسَّل إلى الله بأبي عبد الله الحسين - بعد تلاوتها - وبأبيه وجدّه وأخيه وبالأئمّة التسعة من بنيه.
فرأى في تلك الليلة إبراهيمُ بنُ سليمانَ الخطيّ القطيفيّ المُجاور بمشهد سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين -صلوات الله وسلامه عليه- كأنَّ الفقيرَ قد حضر تحت القبّة الشريفة ووضع أوراقه على الضريح المقدّس، وألحَّ في المسألة والتضرّع إلى الله وإلى أبي عبد الله عليه السلام، فبينا هو يتوسّل إذا بيدٍ قد خرجت من الضريح الشّريف مشيرةً إلى الفقير بثلاث أصابع وإذا بقائلٍ يقولُ: لا تجزع، قد بقي من عُمر ظالمِكَ ثلاثة.
فأخبرَ الشيخُ المذكورُ حَفَدتَهُ صبيحةَ ذلك اليوم بذلك.
فبعد مدّة اجتمعتُ بالمذكور، فسألتُه عن ذلك فأخبرني بصحّته، فقلتُ: يمكن أن الثلاثة ثلاثة أعوام، أو ثلاثة أشهر. وفوَّضت الأمر إلى الله، واستشعرتُ لباس الصّبر، وتأسّيتُ بالنبيّ والوصيّ وأهل بيتهما.
فما مضت مدّة يسيرة إلا أقبلت عساكر الرّوم كالجراد المُنتشر، فكان المذكور زعيم الرّاية العُظمى، فحين التقى الجمعان وولَّى المذكور دبره لا متحرّفاً لقتالٍ ولا متحيّزاً إلى فئة، بل فراراً وجُبناً، واقتدى بالتيميّ وابن صهاك في الهزيمة يوم خيبر، فلم يُغْنِ عنه الفرارُ من الله شيئاً، وأتاه الموت من كل مكان، فصار قتيلاً بدار غُربةٍ، طريحاً في منزل وحشةٍ، مخضَّباً بدمِ الوريد، قُوتاً لكل خامِعَةٍ وسِيْدٍ، وكان بين الدّعاء وقتله ثلاثة أشهر لا ينقص ولا يزيد.
وكان النائبُ المذكور قد تأخّر في إرسال الكتاب إليه رجاء أن يمضي هو بنفسه مستصحباً للكتاب لينال الزُّلْفى عنده بذلك، وكان مقيماً ببلدة بغداد منتظراً للأخبار، فأتاهُ خبر سيِّده فصار بعد العِزِّ ذليلاً، وبعد الإمارة مأموراً، فمضى ولدي طاهر إلى الغاصب المذكور وأخذ الكتاب منه قهراً وأتى به، فالحمد لله الذي جبر كسري، واستجاب دعائي، ولم يُشْمِت بي أعدائي، وإنَّما أوردتُ هذه الاستغاثة في كتابي هذا تيمُّناً وتبرُّكاً بها وإظهار الفضيلة للإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين مضافةً إلى مناقبه السّالفة في حياته وبعد موته -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المعصومين صلاةً زاكيةً ناميةً إلى يوم الدّين».

📚 تسلية المُجالِس وزينة المَجالِس، ج٢، ص٥٣٦-٥٤٠.
غفلة الإنسان عن بعض الحقائق المتعلّقة بالرزق الحلال من أهمّ أسباب حالة الهلع والخوف المسبّبة لارتكاب المآثم كالاحتكار والسّرقة والرّبا وغيرها، ولو أنّنا تدبّرنا في دلائل الحقّ الصّادرة عن مشكاة الوحي وعملنا بها لزال الخوف واطمأنّت النفس واقتنعت بعدم جدوى السّعي نحو الحرام، وهنا ينبغي الإشارة إلى عدّة أمور:

الأمر الأوّل: أنّ الرزقَ مقسومٌ للعبد عند الله تعالى، ووصوله إليه محتومٌ حتى لو فرّ منه، فإنّه يأتيه كما يأتيه الموت، ولو احتال للوصول إلى الرّزق بسُبل الحرام، فلن يزيد في رزقه شيئاً، فمثلاً: لو قدّر الله أنّ لفلان 100 درهم من الرّزق هذا الشّهر، ولكنّه ذهب وسرق 60 درهماً، فإنّ هذا المقدار سوف يُنقص من الرزق المقدّر، وما سيصله من الحلال الذي قسمه الله له هو 40 درهماً فقط، غاية ما في الأمر أنّه لوّث لقمته بالحرام.
رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال في حجّة الوداع: «ولا يَحْمِلَنَّـكُمُ استِبطَاءُ شَيْ‏ءٍ مِنَ الرِّزْقِ أن تَطْلُبُوهُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَعْصِيَةِ الله، فإنَّ اللهَ لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إلّا بِطَاعَتِه، قَدْ قَسَمَ الأرزَاقَ بينَ خَلْقِه حَلَالاً ولم يَقْسِمْهَا حَرَاماً، فَمَنِ اتَّقى اللهَ عَزَّ وجَلَّ وصَبرَ أتاهُ اللهُ برِزْقِه مِنْ‏ حِلِّهِ، ومَنْ هَتكَ حِجَابَ السِّتْرِ وعَجَّلَ فأخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ قُصَّ بهِ مِنْ رِزْقِه الحَلالِ وحُوسِبَ عَليْهِ يَوْمَ القيَامَةِ».

الأمر الثّاني:
أنّ الرزق بيد الله تعالى، لا يُنال بحيلةٍ ولا عقلٍ، بل أمره بيده الله وحده، وقد ورد عن الصّادق عليه السّلام: «إنَّ اللهَ وَسَّعَ في أرزَاقِ الحمْقَى؛ ليعتَبِرَ العُقَلاءُ ويَعلَمُوا أنَّ الدُّنيا ليسَ يُنَالُ مَا فِيهَا بِعَمَلٍ ولا حِيلَةٍ»، ولذلك قد تجدُ عالماً بصيراً ذا حيلةٍ في غاية الفقر، وقد تجد جاهلاً مبتلىً بالحُمق قد بُسِط له في رزقه.

الأمر الثالث: قد أكّد أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) على الاقتصاد في طلب الرّزق؛ وهو المُعبّر عنه في لسان الروايات بـ(الإجمال في الطّلب)، ومعناه أن يبذل الإنسان في طلب الرزق جهداً بالنحو العادي والمتعارف بحيث يعرّض نفسه للرزق في مظانّه، مع عدم إنهاك نفسه وإشغالها ليلاً ونهاراً بذلك، ففيه مفاسد عدّة، منها:
1. أنّه ينصرف بذلك عن الاهتمام بسائر شؤونه كالاعتناء بدينه وعبادته، ويضعف عنايته بأسرته وأولاده وسائر علاقاته الاجتماعيّة.
2. أنّ ذلك قد يزيد في حرصه على المال، وهذا الحرص قد يقوده إلى استعمال سبل الحرام.
3. أنّ وصول الرزق المقسوم عند الله منوطٌ بالطّلب المتعارف، فالاجتهاد المفرط والمبالغة في السّعي قد لا يكون لها أثر كبير في زيادة الرّزق سوى إضاعة الوقت وإجهاد النّفس.
وقد رُوي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): «يَا هَذَا، لَا تُجاهِدِ الطَّلَبَ جِهَادَ العَدُوِّ، ولا تَتَّكِلْ على القَدَرِ اتِّـكالَ المسْتَسلِمِ؛ فإِنَّ ابْتِغاءَ الفَضْلِ مِنَ السُّنَّـةِ، والإِجْمَالَ في الطَّلَبِ مِنَ العِفَّةِ، ولَيْسَتِ العِفَّةُ بدَافِعَةٍ رِزْقاً، ولا الحِرْصُ بجَالِبٍ فَضْلاً، فإنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ، واستِعمالَ الحِرصِ استِعمالُ المآثمِ‏».

الأمر الرّابع:
أنّ الدّعاء من أهمّ الأمور المؤثّرة في زيادة الرّزق، وكثيرٌ منّا يشكو ضيق الحال وهو غافل عن كنوز الأدعية العظيمة في باب الرّزق، ومع ذلك فإنّه لا يُكتفى به بحيث يكون موجباً لترك الطّلب والعمل، فقد ورد النّهي عن ترك الطلب، ومن ذلك ما رواه الكليني بإسناده عن أسباط بن سالم، قال: دَخَلْتُ عَلى‏ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلَامُ، فسَألَنَا عَنْ عُمَرَ بنِ مُسْلِمٍ: «مَا فَعَلَ؟» فَقُلْتُ‏: صَالِحٌ، ولكِنَّهُ قَدْ تَرَكَ التِّجَارَةَ. فقَالَ أبُو عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَمَلُ‏ الشَّيْطَانِ‏- ثَلَاثاً- أمَا عَلِمَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه اشْتَرى‏ عِيْراً أتَتْ مِنَ الشَّامِ، فاسْتَفْضَلَ فِيهَا مَا قَضى‏ دَيْنَهُ وقَسَمَ فِي قَرَابَتِهِ؟ يَقُولُ اللهُ‏ عَزَّ وجَلَّ: «رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ» إِلى‏ آخِرِ الآيَةِ، يَقُولُ القُصَّاصُ: (إنَّ القَوْمَ لَمْ يَكُونُوا يَتَّجِرُونَ). كَذَبُوا، ولكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَدَعُونَ الصَّلَاةَ فِي مِيقَاتِهَا، وهُوَ أفْضَلُ مِمَّنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ ولَمْ يَتَّجِرْ».
كما ورد الحثّ على التعرّض للرزق، ومنه ما جاء في رواية الكليني عن أبي عمارة الطيّار، قال: قُلْتُ لأبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّهُ‏ قَدْ ذَهَبَ مَالِي، وتَفَرَّقَ مَا فِي يَدِي وعِيَالِي كَثِيرٌ. فقَالَ لَهُ أبُو عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا قَدِمْتَ الكُوفَةَ فافتَحْ بَابَ‏ حَانُوتِكَ‏، وابْسُطْ بِسَاطَكَ، وَضَعْ مِيزَانَكَ، وتَعَرَّضْ لرِزْقِ رَبِّكَ ..إلخ‏».
والحاصل: إنّ الدّعاء مؤثّر، والطّلب -في إجمالٍ- مؤثّر، ولا ينبغي الاقتصار على أحدهما إلى درجة إلغاء الآخر، ولكلّ أثره ومقداره في زيادة الرزق، وأمّا المغالاة في أحدهما على حساب سائر الأمور فلا يُجدي نفعاً، وهو من العمل على غير فقهٍ.
عظمة كربلاء وجمالها

سرّ العظمة والجمال في واقعة كربلاء كامنٌ في الاستضعاف لا القوّة الظاهريّة. جمال هذه الملحمة الإلهيّة ليس منوطاً بكثرة العدد، ولا بعدد القتلى في معسكر أهل الضلال، وإنّما جمالُها في الاستضعاف. ماذا يعني ذلك؟ لنقرّب الصورة بمثال: عندما تقارن بين غنيّ يتصدّق بعشرة دراهم، وفقيرٍ يتصدّق بخمسة دراهم، أي الفعلين أكثر وقعاً في النّفس؟ بلا شكّ صدقة الفقير أكثر وقعاً في النفس؛ لأنّه قدّم كثيراً مما يملك في أوج فقره وضعفه، هنا تظهر قيمة التضحية والفداء والإيثار والتجافي عن دار الغرور. وهكذا كانت كربلاء. عطاءٌ في أوج الفقر والاستضعاف.
بل إنّ قيمة كل تضحية تتضاعف كثيراً بسبب حالة الاستضعاف هذه، فخذ على سبيل المثال توبة الحرّ بن يزيد الرياحي، فلو كان عدد أنصار الحسين مائة ألف لن يكون لتوبته ذلك الجمال والعظمة كما هو الحال في توبته وعدد أنصاره أقلّ من مائة؛ لأنّ في الفرض الأوّل احتمال نجاته من القتل كبيرٌ جداً، فقد ينجو من الموت لكثرة الناصر، وبذلك يكون قد كسب توبةً في ظرف أقرب إلى الأمان، ولكنّ حالة الاستضعاف أعطت توبته رونقاً جمالياً وعظمةً لا نظير لها في التاريخ، لماذا؟ لأنّها توبةٌ قد ضُمن الموت معها ولا نجاة فيها، وهي توبة أصدق وأرسخ، إذ إنها تتضمن الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، وهذا يكشف عن لوازم عظيمة كرسوخ الإيمان واليقين بصدق النبوّة والقرآن، فأيّ التوبتين أجلّ قدراً؟!
وهكذا يبدو لي جمال كربلاء وعظمتها: إنّ هؤلاء الأبرار -صلوات الله عليهم- في أوج استضعافهم وقلّة الناصر وكثرة الخذلان قدّموا كلّ ما لديهم لأجل الله ورفع راية الإسلام وإعلاء كلمة التوحيد. فهذه العظمة لم تكتسب من عدد قتلى الجيش الآخر، فهم ليسوا بحاجة إلى ذلك لنعرف شجاعتهم وإقدامهم، بل إنّ شجاعتهم ظهرت بوضوح عندما رسخت الأقدام في نصرة سبط النبيّ صلى الله عليه وآله مع اليقين بالموت. هنا تظهر ثمرة الإيمان واليقين والشجاعة والبطولة التي لا نظير لها في التّاريخ!
من يدقّق في حديث أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) حول واقعة كربلاء يجدُ أنّ الأئمة -صلوات الله عليهم- في حديثهم عن المعركة قد ركّزوا -عادةً- على ما يتعلّق بذكر مصائب الحسين وآله عليهم السلام، فبعضها تتحدث عن حرق الخيام وسلبها، وعدد الطعنات وضربات السيوف والرماح، وذبح الحسين، وعطشه، وما تلقّاه من العناء والجهد، وهذا الأمر ليس اعتباطياً، وإنما كانوا يريدون إفهامنا أنّ الحسين وأهل بيته وأصحابه -صلوات الله عليهم- في أوج فقرهم وحاجتهم وضعفهم وقلّة ناصرهم وكثرة خاذلهم لم يبخلوا لأجل هذا الدين بمقدار ذرّة، فلقد ضحّوا في سبيل بقاء الإسلام بأموالهم وأنفسهم، وبذلوا الرؤوس والأيدي والأشلاء المقطّعة.. وقدّموا الخيمة والرضيع والمرأة والشاب والشيخ وكلّ ما كان لديهم ليُفنى في سبيل الحقّ.
هذا هو جمال كربلاء. أن تقدّم كل ما لديك رغم فقرك واستضعافك وقلّة حيلتك، فتجود بمالك ونفسك وأعزّ ما تملك من الأهل والولد.
"فالقرآن آمرٌ وزاجرٌ، وصامتٌ ناطقٌ، حجة الله على خلقه، أخذ عليهم ميثاقه، وارتهن عليه أنفسهم، أتمّ به نوره، وأكرم به دينه، وقبض نبيّه - صلى الله عليه وآله - وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه؛ فإنّه لم يُخفِ عنكم سبباً من دينه، ولم يترك شيئاً رضيه أو كرهه إلا وجعل له عَلَماً بادياً وآية محكمةً تزجر عنه أو تدعو إليه، فرضاه فيما بقي واحد، وسخطه فيما بقي واحد".

📚 أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
نهج البلاغة، ص٤١٠، رقم الخطبة ١٨٣.
أحد أسباب جفاء الأمّة لسيّد الشهداء (عليه السلام) هو غيابُها عن حقائق القرآن، ولذلك أصابتها أمراضٌ عظيمةٌ في الجانب المعرفيّ والأخلاقيّ، فكان الخذلان الأكبر في كربلاء، ومن هنا أدركَ أهل البصائر ضرورة إعادة الأمّة وتذكيرها بأهميّة القرآن ودوره في تصحيح المفاهيم وتقويم الانحراف.

"مَا مَضَتْ عَلَيَّ لَيْلَتَانِ مُنْذُ قُتِلَ الحُسَيْنُ إلّا أَقْرَأُ فِيْهِمَا القُرْآنَ، إلّا مَرِيْضاً أَوْ مُسَافِراً".
العالم الجليل، التابعيّ الشهيد، شيخ القرّاء سعيد بن جبير - رحمه الله -
إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أوجع القلوب خبرُ رحيل العالِم الفقيه سماحة السيّد محمّد سعيد الحكيم، وبموته ثلم الإسلام ثلمة لا يسدها شيء.
نسأل الله أن يلحقه بالصالحين، ويحشره مع أئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين.

الفاتحة لروحه الطيّبة.
إنّا لله وإنّا إليه راجعون
انتقل إلى رحمة الله الأستاذ المحقق محسن بيدارفر، أحد تلامذة الميرزا حسن المصطفويّ -وهو خاله-، والشيخ حسن زاده آملي، والشيخ جوادي آملي.
من تعامل مع هذا الرّجل -ولو بمقدارٍ يسيرٍ- علم ما ينطوي عليه من الخلق الرفيع والأدب الجمّ.
لقد ظهرت آثار العلم الحقيقيّ فيه، فلقد كان زاهداً خلوقاً متواضعاً في كل مظاهر حياته، ليس فيه سيماء المغترّين بأنفسهم، ولا سلوك المستأكلين بعلمهم. نسأل الله تبارك وتعالى أن يحشره مع أئمة الهدى ويلحقه بالصّالحين.

السبت، 4 صفر 1443هـ
قيمة العالِم في جوهره لا مظهره

من الأمور المعروفة عن الأستاذ المحقّق محسن بيدارفر أنّه لم يكن متكلّفاً في اللّباس، بل كان بسيطاً في لباسه، حتّى أنّ من يراه يخاله من عامّة الخلق وليس أستاذاً محقّقاً بارعاً في تخصّصه، ومن القضايا التي اتّفقت له بسبب بساطة معيشته أنّ أحد كتبه المحقّقة فاز بجائزة الكتاب السنويّ في إيران، فدُعي إلى حفل التكريم، ولمّا وصل إلى محلّ الاحتفال وأراد الدخول منعه الحرّاس، فقال لهم: أنا مدعوّ إلى الحفل. فلم يصدّقوه، فقفل راجعاً، وفي تلك اللحظة اتّفق دخول جماعة من الطلاب القميّين الذين يعرفونه فالتفّوا حوله وسلّموا عليه وسألوه عن سبب رجوعه، فقال لهم: قالوا لي ارجع فرجعت. فذهب الطلاب إلى حراس المبنى وعرّفوهم به، فسُمح له بالدّخول.
لقد كان التواضع والبساطة في الظّاهر والباطن سمةً من سماته، لم يتكلّفها، بل كانت فيه سجيّة وطبعاً، ولذلك لم يبحث عن لقبٍ، ولم ينازِع على مالٍ، ولا عُرِف طيلة عمره بالركض خلف الشّأنية والتبجيل.
كان مصداقاً لقول الإمام الصّادق (عليه السّلام) في وصف شيعة عليّ (عليه السلام): "إذا شهدوا لم يُعرَفوا، وإذا غابوا لم يُفتَقدوا، وإن مرضوا لم يُعادُوا".
افتقدنا اليوم رجلاً يعدّ مثالاً حيّاً على إمكانيّة التخلّق بأخلاق آل محمّد وسيرتهم في التواضع والزّهد، وهو نعم القدوة لطلبة العلم، أسأل الله أن يعلي في الجنّة درجاته بحقّ محمد وآل محمد صلوات الله عليهم.
إنا لله وإنا إليه راجعون، انتقل إلى رحمة الله تعالى شقيقي الحبيب محمد (أبو علي).
برجاء إهداء الصدقة وثواب القرآن لروحه الطيبة.
رُوي عن الإمام الصّادق (عليه السّلام): "مَنِ اسْتَوى يَوْمَاهُ فهُوَ مَغْبُونٌ، ومَنْ كَانَ آخِرُ يَوْمَيهِ خَيْرَهُمَا فهُوَ مغْبُوطٌ، ومَنْ كَانَ آخِرُ يَوْمَيهِ شَرَّهُمَا فهُوَ مَلْعُونٌ، ومَنْ لَمْ يرَ الزِّيَادَةَ فِي نَفْسِه فهُوَ إلى النُّقْصَانِ، ومَنْ كَانَ إلى النُّقْصَانِ فالمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الحَيَاةِ".
ينبغي لكل عاقلٍ أن يحاسب نفسه وينظر فيم ينفق وقته، وكيف يصنع بعمره. المُلهيات التي تمحق الوقت كثيرة، وقد تكون أحياناً متستّرة بلباس الدّين، فيُخدع المرء حينئذٍ ويضيّع عمره فيما لا نفع فيه. لتستثمر عمرك فيما لا يضيع، ابذل وقتك ما استطعتَ في الارتباط بالله تبارك وتعالى، كن دائماً على صلةٍ بالقرآن الكريم وحديث أهل البيت (عليهم السّلام) تلاوةً وتدبّراً وعملاً.
تحريف الشّريعة الإسلاميّة || النّهي عن متعة الحجّ.

من الأبحاث المهمّة في دراسة التاريخ الإسلاميّ ونشوء المذاهب والاتجاهات العقائديّة والفقهيّة بحثُ تحريف التشريعات الإسلاميّة على يد الخلفاء الأوائل، حيث بدأت عملية التحريف والتغيير بعد وفاة النبيّ الأكرم -صلى الله عليه وآله- مباشرةً، ومن نماذج هذه التحريفات، إصرار الخلفاء الثلاثة على منع متعة الحجّ مع ثبوتها في شريعة الإسلام بنصّ النبي -صلى الله عليه وآله-.

1. نهي أبي بكر وعمر عن متعة الحجّ.
2. نهي عمر بن الخطاب عن متعة الحجّ.
3. نهي عثمان بن عفّان عن متعة الحجّ.
"هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالكَ بن الحارث الأشتر في عهده إليه... أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحدٌ إلّا باتّباعها، ولا يشقى إلّا مع جحودها وإضاعتها".

📚 نهج البلاغة، ص٦٤١.
2024/11/20 04:43:23
Back to Top
HTML Embed Code: