Telegram Web Link
سيدي يا بقية الله.

لو عرفناك كما يجب أن نعرفك، وأدركنا نعمة وجودك كما أنعم الله علينا بها.

لأستكثرنا الدقيقة الواحدة في غيابك.
وأستثقلنا اللحظة في فراقك.
ولصعب علينا كل آن في بعدك.
ولمتنا جزعاً وشوقاً لك.

فكيف وقد حجبك الله عنا لألف من السنين؟
هل أصبح عمر الإمام الحجة مجرد رقم بالنسبة لنا؟

سنوياً في ذكرى ولادته نعد عمره ونقول قد وصل عمر الإمام كذا سنة، وبعد أيام سنقول قد وصل عمره 1189 سنة، وهكذا منذ عدة سنين ونحن في كل عام نقول قد وصل عمر الإمام كذا سنة…!

والى متى؟
هل أصبحنا مجرد متفرجين؟
هل يهون علينا ذلك؟
هل يهون علينا أن يبلغ عمره 1189 سنة وهو غائب عنا مهاجر لنا؟
عجباً، ما أقسى قلوبنا؟؟!!

لو عادت قلوبنا الى رشدها لأستثقلنا وأستصعبنا غيبة يوم واحد، فكيف طقنا وأستسهلنا غيبة زادت عن الألف سنة؟
سيدي يا بقية الله.


كان جدك أمير المؤمنين يتأوه شوقاً لرؤيتك وأنصارك.
وكان جدك الصادق يبكي بكاء الواله الثكلى لغيبتك، متمنياً أن يقضي حياته في خدمتك.

سيدي، وقد رحل أبيك العسكري وجدك الجواد في عشرينيات عمرهم الشريف، مضحين لأجلك، بعد ان أحكم الطغاة ظلمهم لقرب ولادتك.

سيدي، ان كانت هذه تضحيات وأشواق ودموع آبائك المعصومين، فماذا عنا؟
بماذا نضحي لك اذا كان الأئمة المعصومين قد ضحوا بأرواحهم الزكية!
ما قيمة أرواحنا أمام أرواحهم؟
بل، على ماذا نبكي وماذا نتمنى اذا كان صادق العترة يتمنى خدمتك؟

سيدي، لو قضينا أيام وساعات ولحظات عمرنا في خدمتك، والبكاء لغيبتك، والتضحية لأجلك، فهل سنوفي جزء من حقك وحق عترتك؟
في الرواية عن الصادق يتحدث فيها عن المهدي قال "لو أدركته لخدمته أيام حياتي".

مولاي، يا مهدي: إن كان الإمام الصادق يتمنى خدمتك، فمثلي ماذا يتمنى؟
خدمة خدامك؟
أو تنظيف حذائك بجبهتي؟
أو تقبيله والتبرك به؟
ربما هذا أكبر من مقامي،
فهل يناسبني أن أتمنى التبرك بالتراب الذي يطأه أقدامك؟
يا ابن الحسن، إن لم تفدى الأرواح لحضرتك، فما قيمتها؟!
وإن لم تبكي العيون لفراقك، فالعمى أولى بها ؟!
وان لم تتفطر القلوب لغيبتك، فما أوهنها؟
وان لم تهتضم الأرواح لبعدك، فما أبخسها؟
يا يوسف الزهراء.

يوسف قد غاب عن يعقوب 40 سنة.
وأنت غبت عنا 1188 سنة.
يوسف كان حاكماً في الأرض وملكاً.
وأنت وحيداً في سجن الغيبة.
يوسف قد بقي أبيه يعقوب مع أهله.
ونحن بلا امام هدى ولا علم يرى.
يوسف قد بقي يعقوب يلجأ له أهله وقريته.
ونحن نجول جولان النعم، نطلب المرعى فلا نجده.
يعقوب كان نبياً متمسكاً بالله، وفي غنى عن الجميع.
ونحن لا مغيث ولا منجي ولا مفرج ولا مداوي ولا مشافي ولا منقذ لنا غيرك.

كل هذا ويعقوب قد أبيضت عيناه من الشوق ليوسف.
لو كان يعقوب في زمننا لمات جزعاً لفراقك وغيبتك يا يوسف الزهراء.
مولاي يا صاحب الزمان.

اذا أنتهى الكلام، حلت الدموع محله.
لكن، ماذا اذا سالت الدموع حتى جفت لفراقك؟
بل، ماذا اذا سقيت الأرض وأرتوت من الدماء في انتظارك؟
بل، ماذا اذا نضحت الحياة من القرابين الزكية التي قدمت في طريقك؟
لم أجد عبارة تجمع ندبات المنتظرين وأشواقهم ولهفاتهم وحنينهم أكثر من عبارة:

مات التصبر بإنتظارك أيها المحيي الشريعة!

نعم، فقد عجز الصبر، وملّ الصبر في انتظارك!
هل قلوبنا من حديد أو حجر حتى تطيق كل هذا الصبر على فراقك؟
كيف لأرواحنا الهشة أن لا تتصدع لبعدك!

أما آن الأوان يا محيي الشريعة! ؟
فتحيي شريعة جدك، وتحيي قلوبنا المنكسرة لغيبتك!
سيدي يا بقية الله.

اذا كان التعب معك راحة، فكيف بالراحة معك؟
واذا كان الألم معك سعادة، فكيف بالسعادة معك؟
واذا كان الحزن معك خير من الفرح مع غيرك، فكيف بالفرح معك؟

واذا كان الموت معك خير من الحياة مع غيرك، فكيف بالحياة معك؟

عجباً ! فما لنا اخترنا الحياة مع غيرك على الحياة معك!
يا بقية الله..

لئن كان قدري أن لا أجتمع معك في الدنيا، جزاءً لما اقترفت يدي.
فان أملي بك في الحساب أن لا يفرق الله بيني وبينك، فاني غارق في هواي، مسرف في ذنوبي وليس لدي ما أتمسك به، وأتكئ عليه، سوى ولايتكم والبراءة من عدوكم، بها أتقرب الى الله، وأطفئ لهب الجحيم الهاوية.

واني لا أظن قلباً استعر بنار فراقك، أن يعاقبه الله بنار عذابه.
يا بقية الله.

اي أنسان مهما أحسنّا علاقتنا معه، ومهما أحسن لنا، فلا تتعدى علاقتنا معه هذه الحياة الدنيا.
أما بعدها، فحالنا سيكون " لكل إمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه".

الا أنت سيدي، فغداً ستكون في موقف " وعلى الأعراف رجال يعرفون كل بسيماءهم".
فهنيئاً لمن أحسن علاقته معك في الدنيا، لكي تعرفه بسيماءه في الآخرة.
إلهي.

بضلع فاطمة، عجل فرج المنتقم لضلع فاطمة.
بطبرة علي، عجل فرج المنتقم لطبرة علي.
بكبد الحسن، عجل فرج المنتقم لكبد الحسن.
بنحر الحسين، عجل فرج المنتقم لنحر الحسين.
بمظلومية أوليائك، عجل فرج المنتقم لمظلومية أوليائك.
بدينك القويم، عجل فرج المظهر لدينك على كل دين.
سيدي يا بقية الله.

ان لحظة بلقائك تستحق أن ننثر لها الأرواح قبل الورود.
وأن نفرش لها القلوب قبل الزهور.
وأن نضحي لأجلها بالأجساد والرؤوس.

لكن سيدي، بأي حال أطلب لقائك؟
بسمعي أم ببصري أم بفؤادي؟
أليس كلها نعم الله علي وبكلها عصيته؟
ألم أشبعها وألوثها بالمحرمات وأنت النور المطلق؟
فبأي حال وأي لسان لمثلي أن يطلب لقائك؟
سيدي، يا باب الله.

ان من يطمح في منصب، سيسعى لتحسين علاقته مع المسؤولين والتقرب اليهم لأجل المنصب.
ومن يطمح في مال ومادة، سيسعى للتقرب من الأثرياء وأصحاب الأموال.
وهكذا كل من يسعى لشيء، سيبذل كل جهده وشطارته للتقرب من أصحابه، حتى إن أستلزم الإمر بعض الذلة والمهانة، فالمصلحة أولى من ذلك.

لكن سيدي، كم ان هؤلاء مساكين حيث غفلوا عن ان خير الدنيا والآخر وكرامتهما وعزهما، هو بيدك ولا ينال الا بالقرب اليك؟
الهي..

قد تصدع قلب وليك لطول غيبته، وتصدعت قلوبنا.

الهي، قد تقرح قلبه وتقرحت قلوبنا.

الهي، قد سفحت دموعه، وسفحت دموعنا.

الهي، قد ضاق صدره، وضاقت صدورنا.

الهي، قد تألمت روحه، وتألمت أرواحنا.

الهي، قد تعب بدنه، وتعبت أبداننا.

الهي، اغضب، اغضب لوليك.

الهي، انتقم لوليك من أعدائه، وانتقم به من أعدائك.
يا صاحب زماننا.

اننا اذا اشتقنا الى شيء تطلع كل شيء فينا له، وربطنا كل شيء في حياتنا به، وتعلقت كل جوارحنا بذكره، وتغلغل في أحشائنا وأعماقنا وقلوبنا.
بل نحب الكلام عنه أيضاً، نحب من يتكلم عنه، ومن يحبه، ومن يشتاق اليه، ونشتاق الى من يشتاق اليه.
وكلنا استعداد للمجازفة والقيام بامور شاقة وعسيرة لرؤيته ولو للحظة واحدة، لأننا نحبه كثيراً ونشتاق له…

ترى ما حال المشتاقين لك سيدي؟
أيها الوالد الشفيق، والسيد الرؤوف.

أعلم انك تذكرني بدعائك، حينما يخطر نورك على قلبي في وقت الصلاة والدعاء.

وأعلم انك تشتاق لي، حينما يهمين على قلبي الشوق لك.

وأعلم انك تفتقدني لا عن حاجة لي، حينما يشعر قلبي بفقدك والحاجة لك.

واعلم أنك تمر على قلبي رأفة منك، حينما ينتابني الحزن والغم لغيبتك.

فأنت مصدر كل لطف سيدي، فلطفك يعم من يستحق اللطف من الصالحين، ومن لا يستحق اللطف كأمثالي..
يا أمل المستضعفين.

أتدري كم من ضلع مكسور ينتظرك؟
أتدري كم من رأس محزوز يترقبك؟
أتدري كم من صدور وغرة ترتقب قيامك؟
أتدري كم من نفوس شاحبة تترقب طلتك؟
أتدري كم من قلوب ميتة تنتظر احياءك لها؟
أتدري كم من هموم وغموم وكروب ترتقب تنفيسك لها؟
أتدري كم من آلام تنتظر منك أن ترفعها؟
أتدري كم من آمال قد عقدت عليك؟
أتدري كم من دماء قد سفكت في انتظارك؟
أتدري كم من أرواح قد ازهقت ترقباً لك؟
أتدري كم من عيون قد احمرت شوقاً لك؟
أتدري كم من قلوب قد أضناها الشوق للقائك؟
كم نحن مساكين، يا بقية الله!


كم نحن مساكين، حينما نقرأ ان أصحاب الأئمة كانوا يذهبون لأئمتهم ويرونهم متى شاؤوا، ونحن نتحسر على لحظة بلقائك!

كم نحن مساكين، حينما نقرأ ان أصحاب الأئمة يسألون الأئمة عن أبسط الأمور وأصغرها فتطمئن به قلوبهم، ونحن نتصادم يومياً بالشبهات والفتن ولا ملجأ لنا بغيبتك!

كم نحن مساكين، حينما نرى أصحاب الأئمة يلجأون لنور الله في الأرض، ونحن تحيط بنا الظلمات من كل جانب.


فكم نحن مساكين سيدي؟
سيدي يا بقية.

ماذا يصبرنا عن فراقك؟
نور وجهك الذي لم نراه؟
أم صوتك الذي لم نسمعه؟
أم جمال عينك التي ترانا ولا نراها؟
أم ابتسامة شفتيك التي غيبها دمع عينيك؟

فماذا يصبرنا عن غيابك سيدي؟
2024/10/02 02:44:19
Back to Top
HTML Embed Code: