Telegram Web Link
‏" هل للمباني ذاكرةٌ حقًّا؟
المباني هي بروتين الذاكرة".
"المباني ليست مجرد أشياء بصرية منقطعة الصلة بالمفاهيم التي نستطيع تحليلها ثم تقييمها. المباني تتكلم_ وهي تتكلم في أمور قابلة لأن نفهمها. تكون المباني ناطقة بالديمقراطية أو الأرستقراطية، بالانفتاح أو الغطرسة، بالترحاب أو بالتهديد، بالاشتياق إلى المستقبل أو بالتعلّق بالماضي".

عمارة السعادة| آلان دو بوتون
أريد أن أرسل لك شيئاً، لكن ما هو ؟ الورود تذبل والقُبل والدموع لا أستطيع إرسالها
وحدها الكلمات،
وخطي سيء جدًا.

- سيمون دي بوفوار
" موهبة أكثر النحّاتين الموهوبين كامنة في القدرة على تعلمينا أن الأفكار العظيمة( أفكار عن الذكاء أو الرقة أو اللطف أو الشباب أو السكينة، على سبيل المثال) قابلة لأن يُعبّر عنها بقِطع من الخشب والخيوط، أو بتراكيب من الجَصّ والمعدن، وذلك مثلما يمكن التعبير عنها بكلمات أو بملامح تشبه البشر أو الحيوان. إن المنحوتات التجريدية العظيمة ناجحة في التحدث إلينا بلغتها الغريبة الفريدة المنقطعة عنها، قادرة على التحدث إلينا بأفكار مهمة عن حياتنا".

عمارة السعادة| آلان دو بوتون
حفريات تأويلية للناقد المغربي البارز لونيس بن علي في مجموعتي فهرس الملوك..

حفريات تأويلية في مجموعة "فهرس الملوك" لليلى عبد الله.
3

قصة لوحة الملك الفحمية

في هذه القصة، سيقع أحد الملوك في مشكلة "قُبحه" الطبيعي. يتحول الوجه إلى مشكلة سياسية أيضا. وقد فشلت جميع محاولاته في العثور على رسّام يرسمه بهي الطلعة.
في هذه الحالة، كيف يتصرف الفن عندما يقع تحت قبضة السلطة؟ هل بإمكانه أن يُكسب القبح جمالاً ونظارة؟ لكن ألا يقع الفن هنا في تناقض مع وظيفته الحقيقية، وهي محاكاة الواقع ونقله بأمانة؟
الفن، بالنسبة لملك البحار، هو طريقة مثالية لتخليد صورته عبر التاريخ. لذا، لا يمكن له أن يحرم نفسه من لوحة فنية تُخلده.
قال السارد: " كان يريد أن يخلّد عبر التاريخ بلوحة، تجسد الصرامة والذكاء في عينيه والشموخ في أنفه والطموح في جبينه، دون إظهار ثآليل وجهه السوداء" (ص15)
يظل القبح عائقا أمام تحقيق أمنيته. يبدو أن مشكلته هي مع الطبيعة التي لم تنصفه، عكس أخيه الصغير الذي وُهب الجمال.
لقد أدرك بأنّ الناس ينفرون من مظهره، وعلى الفن أن يتدخل لترميم هذه الصورة المشوهة عنه، بالتركيز على إظهار جوهره.
نعترف بأنّه يمتلك نظرة خاصة للفن؛ إنّ الفن هو الذي يتجاوز السطوح المليئة بالثآليل السوداء، ويستظهر الخفي والمجرد الذي يسمى جوهراً.
لقد دافع عن المضمون ضد الشكل المشوه.
لكن القصة لا تخبرنا، خارج ما يعتقده الملك عن نفسه، كيف هو جوهره الحقيقي؟ هل كان ملكا عادلاً؟ قد تعوّض الأخلاق حظه السيء في الجمال، بل كانت هذه هي استراتيجيته.
سيضع مكافأة مالية لمن يستطيع رسم وجهه في لوحة ترضيه.
لقد رفع سقف التحدي عاليا. من هو هذا الفنان الذي يستطيع أن يرضيه؟
أكيد، يوجد دائما في مكان ما رسام محتال.
لماذا صفة الاحتيال في نظركم؟ الاحتيال يعني القدرة على إقناع أحدهم بما ليس فيه. لابد من ذكاء غير عادي لفعل ذلك.
سينجح الفنان المحتال الذي اُشتهر بالرسم باستعمال الفحم فقط، في إقناع الملك بأنه سيرسم له لوحة تخلدها الأجيال.
اقرأوا معي:
"وحين طلبوه للقاء الملك، نفخ صدره بجسارة واعدا بنبرة واثقة: إنّ صورة الملك التي سيرسمها ستبقى راسخة في أذهان الناس مدى السنين" (ص16)
هناك عبارة لم ينتبه لها الملك، ولو انتبه لها كان سيشنق الرسام، وهي: " إن الصورة التي سيرسمها ستبقى راسخة". أي أنّ الذي سيخلد في الأخير ليس الملك، بل لوحة الرسام.
أظن أنه حتى السارد لم يعر اهتماما لهذه العبارة، وإلا كان أنهى القصة بإعدام الرسام، وفي نظري، هذه هي النهاية اللائقة به. لكن لا أحد انتبه لهذا التفصيل الصغير. لكن بالنسبة لنا كقراء، ما قرأناه يمثل جوهر الفن.
الفن يُخلّد نفسه ولا يُخلّد أحد.
كيف انتهت القصة؟
سأتركها تكتشفونها لوحدكم.
"‏إنّ المغفرة لأصدقاء المرء أصعب من المغفرة لأعدائه".

نيتشه
"لا أثق في اختيارات الرفقة والصحبة. عندي يقين أن الرفيق / الصديق يفرضه المسير عليكَ. لن تكون عادلاً لو وضعت مسطرة لعلاقاتك. أصدق العلاقات هي التي تبنى مع المختلفين عنك، اجتماعيا وثقافيا ومادياً، وكلما اتسعت الفجوة، عبر المسميات الثلاثة، بينكما كنتما فعلاً أكثر قرباً واتساقاً. فلا رفقة حقيقية معها مصلحة أو تطلُّب. لا صداقة بين اثنين يستنزف أحدهما الآخر، حتى يتركهُ لغيره. لا صداقة بين رجلين يرى أحدهما الآخر أقل منه، وعند أول اختلاف يلجأ لهذا الفارق كحد فاصل. لا رفقة بلا تفهم وتسامح وندية."

الشاعر المصري محمود التايب
‏«حين أعود إلى بيتي كل مساء/ يخرج حزني من غرفته مرتدياً/ معطفه الشتويّ ويسير ورائي/ أمشي يمشي/ أجلس يجلس/ أبكي يبكي لبكائي/ حتى ينتصف الليل ونتعب/ إذّاك أرى حزني يدخل للمطبخ/ يفتح باب الثلاجة/ يخرج قطعة لحم سوداء/ ويعدّ عشائي».

يوسف الصائغ
Forwarded from حَديث الأشجـار (مَريـم)
.
.
«تبدو الحياة وكأنها موجودة فقط لتُراقَب من بعيد».


- إيمان مرسال
🥈 حصلت قراءتي النقدية (حاشية على فهرس الملوك) والتي كَتبتُها عن المجموعة القصصية البَديعة (فهرس الملوك) للكاتبة العُمانية المُبدعة/ليلي عبدالله ليلى عبدالله ، على المركز الثاني في المسابقة التي نظّمتها دار مرايا للنشر والتوزيع مرايا للنشر والتوزيع ، بقيمة جائزة قدرها 20 دينار كويتي عبارة عن مشتريات من موقعهم الإلكتروني ( هذه العشرين دينار قيمة 7 كتب من أحدث اصدرات الدار وأجودها وستقوم الدار بتوصيل الكتب إلى مكان إقامتي فشكراً لهم على مبادرتهم واحترافِيتهم في التّواصل والايفاء بإلتزاماتهم). هذا ليس مُهماً بقدر أهمّية أن تتطّلعوا على القراءة النقدية وتنّتبهوا إلى هذه المجموعة القصصية الجميلة.
_____

حاشية على فهرس الملوك
عثمان الشيخ – كاتب ومدون سوداني

(1)
تبدو المجموعة القصصية ( فهرس الملوك) الصادرة حديثاً عن دار مرايا في العام 2023 م في ظاهرها أنها تحكي عن أزمان قديمة وأماكن خيالية، إلا أنها وللمفارقة العجيبة تصّلح لعصرنا الحالي والعصور القادمة في كل شيء. لغتها وعوالمها وشخوصها والقضايا التي تُعالجها نصوص المجموعة، تعزز هذه الفكرة. فالكتابة عما يدور داخل القصور كانت دائمًا فكرة ثرية تثير شهية الكُتّاب وتفتح المجال أمامهم ليُطلقوا العنان لخيالهم ويتحدثوا عن أماكن لم يقترب منها وتمتلئ الذاكرة الشعبية بحكايات أسطورية عنها. والكتابة عن عوالم الحُكام وحياتهم الخاصة والسرية ظلت فكرة مُلهمة وذات فضاء سردي واسع. فالمحبون للحُكام وعُشاق الموائد المفتوحة وصُرر الدنانير الرنانة والمجالس الغنائية الماجنة وجلسات النفاق المُريبة؛ يجعلون من الحُكام في مرتبة أقل من الآلهة بقليل، يمجدونهم ويصبغون عليهم هالة عظيمة من الإجلال. أما كارهوهم فيصورون القصور التي لم يقفوا ببابهما كأنها جحيم والحكام الذين لم ينالوا منهم شيئاً كشياطين. لكن المبدعين أمثال ليلى عبد الله صاحبة هذه المجموعة ومن زاوية الحكى الماتع والقصة القصيرة الساخرة المحّبوكة والتّلاعب الذّكي بالشخصيات يكتبون عن القصور كأنّها مَنازل عادية والحُكام بشرْ لهم نَزواتهم الخاصة وضعفهم الذي يمكن ان يظهر في أبسط المواقف.

(2)
تكسر ليلى في مجموعتها هذه أفق التوقّع لأيّ قارئ يُطالع عنوانها (فهرس الملوك). هذه التسمية التي تُوحي بأن أبطال حكايات هذه المجموعة هم ملوك، تجعل القارئ يتفاجأ بأن الأبطال الحقيقيين هم شخصيات أخرى أكثر حيوية وحرية من الملوك أنفسهم، والحديث عنهم وعن عوالمهم أكثر متعة. فذوّاق الملك يعيش في افتتاحية إحدى قصص المجموعة إلى نهايتها بصحة جيدة وبطن ممتلئة وذائقة متطوّرة، بينما يموت الملك من الخوف والقلق والجوع. وأيضًا الرسام الذي يُوهم الملك القبيح بأنه أكثر جمالاً من أن يتم رسمه في لوحة عادية فيحوله إلى شخابيط فحمية تُمحى مع اول قطرة مطر تنزل على أرضه التي يحّكمها، وهنا تبرز الإشارة الذكية لهشاشة الحُكام وسُرعة زوالهم دون أثر. وكذلك ذكاء المعالجة في قصة الملك المزيف، حين يأتي أحد من عامة الشعب إلى قصر الحكم لأنه يشبه الملك، ثم تتبدّل الأحوال ويصبح هو الملك ويُقتل الملك الأصلي، في سخرية واضحة من فكرة أشباه الملوك والحكام وسخرية من فكرة الحكم نفسها التي لا تتطلب في كثير من الأحيان كثيرًا من الذكاء. شخصيات أخرى تفوّقت على الملوك، مثل بنت الملك الحَكاء وشبيه شهرزاد التي ينقطع صوتها وتنقذها شخصياتها في استدعاء عظيم لذكرى قصص ألف ليلة وليلة ، والفقير الذي يلبس جلبابًا من نفايات الشعب، وغيرهم من الشخصيات الذكية والمراوغة والحكيمة والظريفة.

(3)
تنتمي هذه المجموعة في اعتقادي إلى فنّ المكان الواحد، حيث يختار فيها الفنان، كاتبًا أو رسامًا أو سينمائيًا، موضوعًا أو مكانًا أو فكرة واحدة يُعبّر من خلالها عن تصوّراته وهواجسه وآراءه وفلسفته في الحياة. كما لدينا أفلام تدور في سيارة أو كابينة هاتف، ومعارض رسومات تركز على فكرة واحدة تَتفكّك إلى عدد من اللوحات، كذلك تفعل ليلى عبد الله، حيث اختارت الملوك وعوالم القصور كموضوع واحد لنصوصها الخمسة عشرة التي تضمها مجموعتها القصصية "فهرس الملوك". بذكاء كتابي ينم عن خبرة واضحة وحِيل سردية ماكرة وسخرية لذيذة تسري في جسد النصوص، حوّلت هذه القصور إلى قطع سردية بديعة وملّهمة تتحرّك بداخلها وخارجها بنهم حكائي ملحوظ. تبدأ الحكاية في مكان ما ثم يتصاعد النص ويتشعب ويتمدد في مساحات أخرى بتناغم سردي يجعلك تلتهم الحكاية تلو الأخرى، فتزول عندك فكرة الملل التي ربما تتوقعها من كتابة المكان الواحد.

(4)

تتميز نصوص المجموعة بجودة السبك السردي وتراص الجمل الموحية التي لا يَشوبها تَرهّل يُحيلها إلى كتابة وصفية، ولا اختزال يُحيلها إلى كتابة مُلغزة. بل سرد سلس وبسيط يناسب الشخوص والقضايا التي من المدهش أنها تصلح لكل زمان ومكان، كما قلت في بداية هذه الكتابة.
يكفي أن تمر عليك أي شخصية من شخصيات المجموعة حتى تستطيع بسهولة أن تجد لها مماثلاً في قصور اليوم ، ودواوين الحكم، أو مجتمعات العامة.
هذه المجموعة تنّتصر للشعوب ورغبتها في التغيير، وتنّتصر للبُسطاء الباحثين عن الحياة والحرية والانعتاق من كل قيد. تحّتفي بالمتذوقين واللصوص والساحرات والممثلين والعشّاق، وتنّتصر للرسّامين والحَكائيين والأذكياء من الشعب الذين يستفيدون من أنصاف الفرص.
هذه القصص لا يمكننا أن نقول إنها فنتازية بشكل مفارق للواقع ولا واقعية بحيث تقع في فخ التقريرية، بل هي دَفق جمالي بديع ينتصر للحياة وللكتابة وللحكاية.
‏"و في لحظةٍ ما أشعُر أني غير مناسب لهذا العالم; فتنتابني رغبةٌ في أن أختبئ، أن أختفي إلى الأبد."
2024/09/30 03:34:13
Back to Top
HTML Embed Code: