قريبا في برنامج مطالعات في التلفزيون العربي @AlarabyTV إعداد و تقديم الكاتبة اللبنانية العذبة نجوى بركات بمشاركة صديق المسافات الطويلة والمشاوير الحلوة والضحكة من القلب الروائي المصري طارق إمام @tareqimam1 ...
" ومع أنّه بلا عملٍ على ما يبدو
إلا أنّه يقضي الليل كلّه
في " توظيف الكلمات".
" توظيف الكلمات" يا لهُ من عملٍ يُصدّع الرأس!".
خطة بديله| سُكينة حبيب الله
إلا أنّه يقضي الليل كلّه
في " توظيف الكلمات".
" توظيف الكلمات" يا لهُ من عملٍ يُصدّع الرأس!".
خطة بديله| سُكينة حبيب الله
" كانوا يعرفون أنّ فمي..
مُجرّد باب ثلاّجة
سيُقفلُ من تلقاء نفسهِ
بعد أن يُفرغوه من الضحك والكلمات والقُبَل.
مانحًا الضّوءَ لهم فورَ أن يفتح
مُحتفِظًا- كلما انغلقَ- بالعتمة
والبردُ لي وحدي.".
خطة بديلة| سُكينة حبيب الله
مُجرّد باب ثلاّجة
سيُقفلُ من تلقاء نفسهِ
بعد أن يُفرغوه من الضحك والكلمات والقُبَل.
مانحًا الضّوءَ لهم فورَ أن يفتح
مُحتفِظًا- كلما انغلقَ- بالعتمة
والبردُ لي وحدي.".
خطة بديلة| سُكينة حبيب الله
" ثمّة وحدةٌ هائلةٌ تتّسعُ لي ولك
لستِ مذنبةً في أيّ شيء،
فالقلبُ الذي رخص
ربّما كان رخيصًا منذ البداية.".
خطة بديلة| سُكينة حبيب الله
لستِ مذنبةً في أيّ شيء،
فالقلبُ الذي رخص
ربّما كان رخيصًا منذ البداية.".
خطة بديلة| سُكينة حبيب الله
" كان طفلاً لمّا انشطر العالمُ، وصارتِ النساء نُجُوماً"...
علي المازمي
علي المازمي
Forwarded from 𝙳𝙸𝚂𝙾𝚁𝙳𝙴𝚁" (Ghadeer)
ما دام الماء حياة
فلماذا لا يتحوَّلُ المطر
إلى بشر وبيوت وبلاد؟
- سوزان عليوان
فلماذا لا يتحوَّلُ المطر
إلى بشر وبيوت وبلاد؟
- سوزان عليوان
Forwarded from Hamsa in wonder land
"مشينا كثيرًا، باحثين عن حُبّ قليل.."
-وديع سعادة.
-وديع سعادة.
Forwarded from Hamsa in wonder land
ولكن كيف يمكنك العيش وليس لديك قصة لترويها؟
-فيودور دوستويفسكي
-فيودور دوستويفسكي
هكذا ظهرت أمام الصحافة؛ الكاتبة اليابانية أوتا ستيفاني كانتو في حفل استلامها جائزة يوكيو ميشما، واحدة من أعرق الجوائز الادبية في اليابان، والتي فازت بها عن روايتها إيدوري ميسكي، ومما قالته؛ إنها تشارك في الاحتجاجات ضد الإبادة الجماعية في غزة لأنها تؤمن بتلك القضية بكل جوارحها..
" اللغة عنصر مشترك دائمًا. لا يمكن الحصول على لغة خاصة بشكل كامل".
المدينة الوحيدة: مغامرات في فن البقاء وحيدًا| أوليفيا لاينغ
المدينة الوحيدة: مغامرات في فن البقاء وحيدًا| أوليفيا لاينغ
صناعة الهولوكوست في الشرق الأوسط
غزة أنموذجًا..
ليلى عبدالله
*نشرت في مجلة " ثقافة".
تجلب الحروب مفرداتها كما تجلب مآسيها، لكن الأمر يبدو ملتبسًا حين تتعلق بأطراف بينهم تاريخ مديد من صراعات وقتلى ومهجرين ومجازر وإبادات كالذي يحدث في الأرض المحتلة في غزة تحديدًا على يد الكيان الصهيوني، فهي لم تكتف باحتلال الأراضي الفلسطينية فحسب وتهجير أهلها، بل سعت إلى ضخ مفردات واستبدال أصولها الدالة على معانيها الحقيقية إلى أخرى منزوعة المعنى، شطبت " فلسطين" من الخارطة العربية لتكون إسرائيل، وليستحيل "احتلالها" للأرض إلى مجرد " صراع" بسيط بين طرفين، ولتكون " الإبادة" التي تشنها على شعبها مجرد " حرب" بين أخيار وأشرار لا محتل وأصحاب الحق، بينما صار سعي أبنائها في الدفاع عن نفسها وأرضها وعرضها " إرهابًا " لا " مقاومة" وجهاد.
غريبٌ هو هذا الكيان، مريبٌ سعيه المستفزّ إلى كنس البلاد من معانيها ومفرداتها الأصيلة، وقد هي عرفت بتقديس مصطلحاتها لدرجة تحنيطها في مستودع التاريخ؛ لتبقى مخلدة، كأشهر مصطلحاتها " الهولوكوست"؛ لقد ظلوا لسنوات يغالون ويحذرون من اللصوص الذين يتآمرون لسرقة الهولوكوست منهم وتذويب طبيعتها اليهودية الفريدة كما يؤمنون بوضعها في سياق معاناة " إنسانية" مبهمة!
لماذا هذا السعي من قبل الكيان الصهيوني إلى تقفيص الهولوكوست واستدعائها من ماضيها لتكون عنوان مرحلتها في حربها في الأرض المحتلة، في حاضرها ومستقبلها؟!
يذهب البريطاني إف. إتش. كار في تناوله لمصطلح التاريخ بأنه: "حوار دائم بين الماضي والحاضر والمستقبل " لهذا منذ عملية " طوفان الأقصى" هناك استدعاء ملّح لتاريخ الحروب في الشرق الأوسط، تحديدًا لتاريخ وجود الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة لما يربو عن 75 عاما، تم استدعاء هذا التاريخ من خلال نبش أرشيفات مضى عليها دهور، من خلال تسجيلات مرئية وصوتية، من خلال الكتب ومئات الدراسات والمقالات والمراجع، فالتاريخ هو كل ذلك وأكثر، وجلها تشهد لا على الظلم المرير الذي عاشه الفلسطيني في أرضه المحتلة فصار لاجئًّا ومبعدًا عنها وغريبًا فحسب بل لتذكير العالم مرة بعد مرة عن فرار الإسرائيليين من العقاب؛ هذه الانتهاكات المنفلتة من عقوبات القانون الدولي رغم سجلها التاريخي الممض، فهي وراء تمادي الكيان الصهيوني في ارتكاب مجازره التي استهدفت مستشفيات وكنائس ومبان عامرة بسكان مدنيين في غلاف غزة أدت إلى مشاهد غاية في الدموية عبأت بقيحها حسابات وسائل التواصل الاجتماعية تفاعل معها القاصي والداني في الشرق والغرب في آن. وما يجعلها الأبشع على مرّ التاريخ هي كونها تحدث في اللحظة الراهنة، في حاضر مكشوف ومرئي وعلى الهواء مباشرة وما يضاعف من هول المشهد أنها تحظى بدعم صريح من الدول الإمبريالية وعلى رأسها أمريكا.
هذا الموت الهائل الذي وضع العالم أمام الواجهة الأخلاقية لما يحدث في غزة من مجازر همجية، وضعنا أمام تساؤلات تحتاج إلى إجابات شافية: كيف يمكن أن يبرروا أخلاقيًّا هذا التقتيل اليومي على مرأى من العالم المتحضر؟
يَفضح هذا الموت السردية الصهيونية في الأرض المحتلة، الموت الذي جعل شعوب العالم الغربي يتدفّقون في مظاهرات حاشدة لمناصرة القضية الفلسطينية مذ نكبة 48. بريطانيا التي زرعت الكيان الصهيوني في الأرض الفلسطينية اندفع شعبها في حشود هائلة، الشعب الذي عُرف على مدى العقدين الأخيرين بأن أقل الأشياء جذبًّا لاهتمامهم وفق استطلاع سابق - للصحافة في الشأن العام- هي الأمور السياسية، فالذهاب إلى اجتماع سياسي عند أغلبية الشعب البريطاني تساوي في المرتبة مع الذهاب إلى السيرك: لكن قضية غزة اكتسحت شوارعهم في امتداد مكثّف عبر أصوات تزاحمت بغضب مطالبة بوقف نزيف الدموي في غزة ولحرية فلسطين وتجريم إسرائيل. وفي هذا نسف للحداثة الصلبة البيروقراطية!
فكيف يمكن قراءة هذا التمزق الإنساني لكيان صهيوني تعرض لـأشهر هولوكوست في العالم ليعيد صناعتها بأسلوب أبشع في زمن الذكاء الاصطناعي وسط تواطؤ الحضارة الغربية بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟!
ولرصد الوضع الراهن، وللوقوف على بعض التفسيرات لاستفهامات التي تم طرحها آنفا، كان لابد من اللجوء إلى من كانوا شهودًا وعاصروا كما عاصر أجدادهم تمدد الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة وسكبوا معينا من تجاربهم في مصادر توثيقية متعددة، هي أشبه بشهادات من كتّاب ومفكرين وقراء لمصير كيان استعماري، لعل من أشهرهم " إيلان بابه" صاحب الكتاب " التطهير العرقي في فلسطين" الذي فضح خطط الصهيونية في الأرض المحتلة. إيلان هو ابن حيفا، والذي خدم بكل تفان عسكر بلاده، لكن جل قناعات هذا الشاب الطموح في ذلك الوقت سقطت حين عثر على وثائق مهمة وسرية تدين وجود الصهيوني، وثائق عن مجازر ارتكبت في حق الفلسطينيين وأخرى لتهجيرهم من أراضيهم وبيتوهم ومزارعهم، وحين عزم على نشر هذه التدوينات طرد من منصبه وتلقى مئات التهديدات بالتصفية، لم يجد سبيلاً أمامه سوى الفرار إلى
غزة أنموذجًا..
ليلى عبدالله
*نشرت في مجلة " ثقافة".
تجلب الحروب مفرداتها كما تجلب مآسيها، لكن الأمر يبدو ملتبسًا حين تتعلق بأطراف بينهم تاريخ مديد من صراعات وقتلى ومهجرين ومجازر وإبادات كالذي يحدث في الأرض المحتلة في غزة تحديدًا على يد الكيان الصهيوني، فهي لم تكتف باحتلال الأراضي الفلسطينية فحسب وتهجير أهلها، بل سعت إلى ضخ مفردات واستبدال أصولها الدالة على معانيها الحقيقية إلى أخرى منزوعة المعنى، شطبت " فلسطين" من الخارطة العربية لتكون إسرائيل، وليستحيل "احتلالها" للأرض إلى مجرد " صراع" بسيط بين طرفين، ولتكون " الإبادة" التي تشنها على شعبها مجرد " حرب" بين أخيار وأشرار لا محتل وأصحاب الحق، بينما صار سعي أبنائها في الدفاع عن نفسها وأرضها وعرضها " إرهابًا " لا " مقاومة" وجهاد.
غريبٌ هو هذا الكيان، مريبٌ سعيه المستفزّ إلى كنس البلاد من معانيها ومفرداتها الأصيلة، وقد هي عرفت بتقديس مصطلحاتها لدرجة تحنيطها في مستودع التاريخ؛ لتبقى مخلدة، كأشهر مصطلحاتها " الهولوكوست"؛ لقد ظلوا لسنوات يغالون ويحذرون من اللصوص الذين يتآمرون لسرقة الهولوكوست منهم وتذويب طبيعتها اليهودية الفريدة كما يؤمنون بوضعها في سياق معاناة " إنسانية" مبهمة!
لماذا هذا السعي من قبل الكيان الصهيوني إلى تقفيص الهولوكوست واستدعائها من ماضيها لتكون عنوان مرحلتها في حربها في الأرض المحتلة، في حاضرها ومستقبلها؟!
يذهب البريطاني إف. إتش. كار في تناوله لمصطلح التاريخ بأنه: "حوار دائم بين الماضي والحاضر والمستقبل " لهذا منذ عملية " طوفان الأقصى" هناك استدعاء ملّح لتاريخ الحروب في الشرق الأوسط، تحديدًا لتاريخ وجود الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة لما يربو عن 75 عاما، تم استدعاء هذا التاريخ من خلال نبش أرشيفات مضى عليها دهور، من خلال تسجيلات مرئية وصوتية، من خلال الكتب ومئات الدراسات والمقالات والمراجع، فالتاريخ هو كل ذلك وأكثر، وجلها تشهد لا على الظلم المرير الذي عاشه الفلسطيني في أرضه المحتلة فصار لاجئًّا ومبعدًا عنها وغريبًا فحسب بل لتذكير العالم مرة بعد مرة عن فرار الإسرائيليين من العقاب؛ هذه الانتهاكات المنفلتة من عقوبات القانون الدولي رغم سجلها التاريخي الممض، فهي وراء تمادي الكيان الصهيوني في ارتكاب مجازره التي استهدفت مستشفيات وكنائس ومبان عامرة بسكان مدنيين في غلاف غزة أدت إلى مشاهد غاية في الدموية عبأت بقيحها حسابات وسائل التواصل الاجتماعية تفاعل معها القاصي والداني في الشرق والغرب في آن. وما يجعلها الأبشع على مرّ التاريخ هي كونها تحدث في اللحظة الراهنة، في حاضر مكشوف ومرئي وعلى الهواء مباشرة وما يضاعف من هول المشهد أنها تحظى بدعم صريح من الدول الإمبريالية وعلى رأسها أمريكا.
هذا الموت الهائل الذي وضع العالم أمام الواجهة الأخلاقية لما يحدث في غزة من مجازر همجية، وضعنا أمام تساؤلات تحتاج إلى إجابات شافية: كيف يمكن أن يبرروا أخلاقيًّا هذا التقتيل اليومي على مرأى من العالم المتحضر؟
يَفضح هذا الموت السردية الصهيونية في الأرض المحتلة، الموت الذي جعل شعوب العالم الغربي يتدفّقون في مظاهرات حاشدة لمناصرة القضية الفلسطينية مذ نكبة 48. بريطانيا التي زرعت الكيان الصهيوني في الأرض الفلسطينية اندفع شعبها في حشود هائلة، الشعب الذي عُرف على مدى العقدين الأخيرين بأن أقل الأشياء جذبًّا لاهتمامهم وفق استطلاع سابق - للصحافة في الشأن العام- هي الأمور السياسية، فالذهاب إلى اجتماع سياسي عند أغلبية الشعب البريطاني تساوي في المرتبة مع الذهاب إلى السيرك: لكن قضية غزة اكتسحت شوارعهم في امتداد مكثّف عبر أصوات تزاحمت بغضب مطالبة بوقف نزيف الدموي في غزة ولحرية فلسطين وتجريم إسرائيل. وفي هذا نسف للحداثة الصلبة البيروقراطية!
فكيف يمكن قراءة هذا التمزق الإنساني لكيان صهيوني تعرض لـأشهر هولوكوست في العالم ليعيد صناعتها بأسلوب أبشع في زمن الذكاء الاصطناعي وسط تواطؤ الحضارة الغربية بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟!
ولرصد الوضع الراهن، وللوقوف على بعض التفسيرات لاستفهامات التي تم طرحها آنفا، كان لابد من اللجوء إلى من كانوا شهودًا وعاصروا كما عاصر أجدادهم تمدد الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة وسكبوا معينا من تجاربهم في مصادر توثيقية متعددة، هي أشبه بشهادات من كتّاب ومفكرين وقراء لمصير كيان استعماري، لعل من أشهرهم " إيلان بابه" صاحب الكتاب " التطهير العرقي في فلسطين" الذي فضح خطط الصهيونية في الأرض المحتلة. إيلان هو ابن حيفا، والذي خدم بكل تفان عسكر بلاده، لكن جل قناعات هذا الشاب الطموح في ذلك الوقت سقطت حين عثر على وثائق مهمة وسرية تدين وجود الصهيوني، وثائق عن مجازر ارتكبت في حق الفلسطينيين وأخرى لتهجيرهم من أراضيهم وبيتوهم ومزارعهم، وحين عزم على نشر هذه التدوينات طرد من منصبه وتلقى مئات التهديدات بالتصفية، لم يجد سبيلاً أمامه سوى الفرار إلى
بريطانيا وشرع بنشره كتبه هناك.
ولا تكاد تختلف تفاصيل حياة المفكر اليهودي البولندي " ريجمونت باومان" عن مواطنه بابيه، فباومان وقع ضحية نزعة قومية عنصرية، فهو يهودي بولندي، تشكّل وعيه السياسي والفكري بعد الحرب العالمية الثانية، غير أنه لمواقفه حرم من الجنسية البولندية ومن حقه في التدريس بجامعة وارسو، وانتهى الأمر بطرده من بولندا عام 1968م؛ فاضطر للرحيل إلى إسرائيل، والتدريس في عدد من جامعاتها، لكنه لم يستطع المكوث لأكثر من ثلاثة أعوام؛ لأنه بعد أن كان ضحية دولة قومية عنصرية " بولندا" لم يرد أن يقترف جرم القوميين في دولة قومية عنصرية أخرى" إسرائيل"، فرحل منها ليستقر في بريطانيا 1971م، مُنكبًّا على تأليف كتب متنوعة في السيولة الثقافية والأخلاقية في زمن الحداثة. وكان أكثر مواقفه وضوحًا عندما وقعّ مع جماعة من رفاقه على عريضة للضغط على الوزير البريطاني "ديفيد ميلباند" بعنوان "يهود من أجل العدالة للفلسطينيين" يطالبونه بوقف العقوبات الإسرائيلية على غزة، وتطبيق سياسة العقاب الجماعيّ للفلسطينيين. ولطالما انتقد باومان إسرائيل والمجتمع الدولي بسبب معاناة ملايين اللاجئين الفلسطينيين، كما فضح الساسة الإسرائيليين باستغلال الهولوكوست لتبرير القوة الوحشية لاسيما في كتابيه " الحداثة والهولوكوست" و" الأخلاق في عصر الحداثة السائلة".
ففي كتابه " الأخلاق في عصر الحداثة السائلة" تحديدًا يقف باومان وقفة أخلاقية تجاه الهولوكوست بطرحه تساؤلاً في غاية الأهمية: أيّ فرصة للأخلاق في عالم استهلاكي معولم؟
هذا السؤال محرض أساسي دفع المفكر إلى استبدال " الحداثة الصلبة" التي دشنها عصر التنوير في القرن الثامن عشر تأسيسا على تحولات وإرهاصات تنامت منذ انتهاء العصور الوسطى و" تصلبت" في عصر العقلانية الذي مضى يتجاذب لمفاهيم كبرى من تبعات الحداثة كالدولة الحديثة والمجتمع والثقافة، لكن هذه المفاهيم جلها تبلورت لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، فصلابة تلك المرحلة السابقة تمخضت عن سيولة في الرؤى والمفاهيم لتداخل الحدود والسمات وذوبانها في التعاطي بين الشعوب الأصلية واللاجئين مما خلف سيولة في هويات الفرد وبدت أبرز مظاهر الخصائص الثقافية في سيولة البشر بتدفقهم من مكان إلى آخر، وسيولة المال بإلغائه للحدود التقليدية التي أقامتها الحداثة الصلبة، وسيولة الهويات وسيولة القيم الأخلاقية من خلال النزعة الاستهلاكية.
يرى باومان أن ما قبل عهد الحداثة السائلة كان أكبر تهديد جابه البشرية قديمًا هي الطبيعة التي تعاظمت مخاطرها على الجنس البشري بهيئة فيضانات وموجات جفاف ومجاعات وأمراض معدية وغيرها، ولدت عن كوارث خلفت الكثير من المخاطر التي راح ضحيتها الإنسان الذي ظلت أوضاعه متقلّبة بفعل هذا النذير، لم يكن يبددها مؤقتا سوى الآثار السلبية بتأثير بعض الأحقاد والنوايا السيئة والسلوكيات العدائية بينهم كبشر كالجيران أو جماعة ما في الشارع المجاور وما وراء النهر، غير أن عداوتها لم تكن بتأثير الكوارث الطبيعية، لكونها أبعد ما تكون عن صناعة بشرية.
لكن البشرية لم تكن تعي تمام الوعي وهي تشق طريقها بتحفّز نحو الحداثة الغربية التي همّشت دور الطبيعة وتبعاتها أن بالحداثة نفسها يمكن أن تصنع دمارًا بشريًّا نوعيًّا وأن تبيد أعدادًا مهولة من البشر دون أي نوازع أخلاقية تحت ما يسمى بالإبادات الجماعية " وهي شكل من أشكال القتل الجماعي من جانب واحد تنوي فيه دولة أو سلطة أخرى أن تدمر جماعة، حسب تعريف مرتكبي القتل لتلك الجماعة والعضوية فيها" ولعل من أبرز الإبادات وأشهرها على مدى التاريخ الحديث حيث ساهمت الحركة الصهيونية لتبقى كذلك، والتي ورطّت الشرق الأوسط لاسيما فلسطين رغم براءة ذمتها ودمها هي "الهولوكوست" فهي وليدة حضارة غربية حدثت في أربعينيات القرن العشرين واستهدفت اليهود في الأراضي الأوروبية التي يحتلها النازيون وذلك من خلال حرقهم في أفران الغاز ورميهم بالرصاص. هذا الحدث لم يكن له سابقة في ذلك الوقت لدرجة كما يقول باومان عجزت المعاجم العبرية عن إيجاد لفظة تصف " القتل الباتر" الذي مورس ضد فئة من البشر بحلول خمسينات القرن الماضي وبعد ورود كلمات شبيهة معبرة كالدمار أو فناء حتى اهتدوا للفظة " هولوكوست" التي وجدت قبولاً واسعا، لكن مع مرور الزمن حملت اللفظة نفسها دلالات أشمل تعبر عن أنواع عديدة من القتل الجماعي الموجه ضد جماعات إثنية وعرقية ودينية وتعذيب وطرد وغيرها من الانتهاكات ضد البشرية لتكون حالة أخرى من حالات " الهولوكوست" .
فلفظة " الهولوكوست" يمكن استبدالها بسهولة في عصرنا الحالي بمفردة " جينو سايد" أي الإبادة الجماعية، هذا المصطلح الذي جاء معبرًا تماما عن المذابح الجماعية التي تعرض لها أفراد وشعوب ما بين عامي 1960م و1979م . شملت الأكراد في العراق والجنوبيين في السودان والتوستي في رواندا والهوتو في بوروندي، الصينيين وغيرهم.
ولا تكاد تختلف تفاصيل حياة المفكر اليهودي البولندي " ريجمونت باومان" عن مواطنه بابيه، فباومان وقع ضحية نزعة قومية عنصرية، فهو يهودي بولندي، تشكّل وعيه السياسي والفكري بعد الحرب العالمية الثانية، غير أنه لمواقفه حرم من الجنسية البولندية ومن حقه في التدريس بجامعة وارسو، وانتهى الأمر بطرده من بولندا عام 1968م؛ فاضطر للرحيل إلى إسرائيل، والتدريس في عدد من جامعاتها، لكنه لم يستطع المكوث لأكثر من ثلاثة أعوام؛ لأنه بعد أن كان ضحية دولة قومية عنصرية " بولندا" لم يرد أن يقترف جرم القوميين في دولة قومية عنصرية أخرى" إسرائيل"، فرحل منها ليستقر في بريطانيا 1971م، مُنكبًّا على تأليف كتب متنوعة في السيولة الثقافية والأخلاقية في زمن الحداثة. وكان أكثر مواقفه وضوحًا عندما وقعّ مع جماعة من رفاقه على عريضة للضغط على الوزير البريطاني "ديفيد ميلباند" بعنوان "يهود من أجل العدالة للفلسطينيين" يطالبونه بوقف العقوبات الإسرائيلية على غزة، وتطبيق سياسة العقاب الجماعيّ للفلسطينيين. ولطالما انتقد باومان إسرائيل والمجتمع الدولي بسبب معاناة ملايين اللاجئين الفلسطينيين، كما فضح الساسة الإسرائيليين باستغلال الهولوكوست لتبرير القوة الوحشية لاسيما في كتابيه " الحداثة والهولوكوست" و" الأخلاق في عصر الحداثة السائلة".
ففي كتابه " الأخلاق في عصر الحداثة السائلة" تحديدًا يقف باومان وقفة أخلاقية تجاه الهولوكوست بطرحه تساؤلاً في غاية الأهمية: أيّ فرصة للأخلاق في عالم استهلاكي معولم؟
هذا السؤال محرض أساسي دفع المفكر إلى استبدال " الحداثة الصلبة" التي دشنها عصر التنوير في القرن الثامن عشر تأسيسا على تحولات وإرهاصات تنامت منذ انتهاء العصور الوسطى و" تصلبت" في عصر العقلانية الذي مضى يتجاذب لمفاهيم كبرى من تبعات الحداثة كالدولة الحديثة والمجتمع والثقافة، لكن هذه المفاهيم جلها تبلورت لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، فصلابة تلك المرحلة السابقة تمخضت عن سيولة في الرؤى والمفاهيم لتداخل الحدود والسمات وذوبانها في التعاطي بين الشعوب الأصلية واللاجئين مما خلف سيولة في هويات الفرد وبدت أبرز مظاهر الخصائص الثقافية في سيولة البشر بتدفقهم من مكان إلى آخر، وسيولة المال بإلغائه للحدود التقليدية التي أقامتها الحداثة الصلبة، وسيولة الهويات وسيولة القيم الأخلاقية من خلال النزعة الاستهلاكية.
يرى باومان أن ما قبل عهد الحداثة السائلة كان أكبر تهديد جابه البشرية قديمًا هي الطبيعة التي تعاظمت مخاطرها على الجنس البشري بهيئة فيضانات وموجات جفاف ومجاعات وأمراض معدية وغيرها، ولدت عن كوارث خلفت الكثير من المخاطر التي راح ضحيتها الإنسان الذي ظلت أوضاعه متقلّبة بفعل هذا النذير، لم يكن يبددها مؤقتا سوى الآثار السلبية بتأثير بعض الأحقاد والنوايا السيئة والسلوكيات العدائية بينهم كبشر كالجيران أو جماعة ما في الشارع المجاور وما وراء النهر، غير أن عداوتها لم تكن بتأثير الكوارث الطبيعية، لكونها أبعد ما تكون عن صناعة بشرية.
لكن البشرية لم تكن تعي تمام الوعي وهي تشق طريقها بتحفّز نحو الحداثة الغربية التي همّشت دور الطبيعة وتبعاتها أن بالحداثة نفسها يمكن أن تصنع دمارًا بشريًّا نوعيًّا وأن تبيد أعدادًا مهولة من البشر دون أي نوازع أخلاقية تحت ما يسمى بالإبادات الجماعية " وهي شكل من أشكال القتل الجماعي من جانب واحد تنوي فيه دولة أو سلطة أخرى أن تدمر جماعة، حسب تعريف مرتكبي القتل لتلك الجماعة والعضوية فيها" ولعل من أبرز الإبادات وأشهرها على مدى التاريخ الحديث حيث ساهمت الحركة الصهيونية لتبقى كذلك، والتي ورطّت الشرق الأوسط لاسيما فلسطين رغم براءة ذمتها ودمها هي "الهولوكوست" فهي وليدة حضارة غربية حدثت في أربعينيات القرن العشرين واستهدفت اليهود في الأراضي الأوروبية التي يحتلها النازيون وذلك من خلال حرقهم في أفران الغاز ورميهم بالرصاص. هذا الحدث لم يكن له سابقة في ذلك الوقت لدرجة كما يقول باومان عجزت المعاجم العبرية عن إيجاد لفظة تصف " القتل الباتر" الذي مورس ضد فئة من البشر بحلول خمسينات القرن الماضي وبعد ورود كلمات شبيهة معبرة كالدمار أو فناء حتى اهتدوا للفظة " هولوكوست" التي وجدت قبولاً واسعا، لكن مع مرور الزمن حملت اللفظة نفسها دلالات أشمل تعبر عن أنواع عديدة من القتل الجماعي الموجه ضد جماعات إثنية وعرقية ودينية وتعذيب وطرد وغيرها من الانتهاكات ضد البشرية لتكون حالة أخرى من حالات " الهولوكوست" .
فلفظة " الهولوكوست" يمكن استبدالها بسهولة في عصرنا الحالي بمفردة " جينو سايد" أي الإبادة الجماعية، هذا المصطلح الذي جاء معبرًا تماما عن المذابح الجماعية التي تعرض لها أفراد وشعوب ما بين عامي 1960م و1979م . شملت الأكراد في العراق والجنوبيين في السودان والتوستي في رواندا والهوتو في بوروندي، الصينيين وغيرهم.
لكن ما يجعل لفظة " هولوكوست" هي الأقوى والأشمل ليس لأنها تحتمل دلالات تدميرية هائلة فحسب بل وفق تعبير باومان بكونها لا تعبر عن مفهوم " التضحية" الدارج بمعنى جماعة تقدم تضحيات لغاية ما كأي حرب من الحروب العادلة، ولكن هذه اللفظة بعيدة عن ذلك، فضحايا الهولوكوست أكثر عمومية من كل ضحايا الإبادات الجماعية، فهم يعدمون؛ لأنهم مجردين من أي قيمة بتعبير جورجيو أغامبن هم مجرد " هومو ساكر" :" حيث يوضع الإنسان خارج القانون الإنساني من دون أن يسمح له بدخول مملكة القانون الإلهي" بمعنى أدق مصطلح " الهومو ساكر" هم أفراد حياتهم مفرغة، فيتم قتلهم بلا أي مغزى أخلاقي دون أن يقتضي عقابا مثل حياة اليهود في زمن النازية وحياة الغجر والمثليين والمرضى العقليين في الزمن الماضي، وهو ما تفعله الصهاينة في الأرض المحتلة مذ نكبة 48 وفي غلاف غزة منذ طوفان الأقصى.
ولتبرر الحداثة الغربية هذه النكسة تجاه موقفها البارد من " هولوكوست" روجوا أسطورة عنها، كما يسرد باومان في كتابه " الحداثة والهولوكوست" فالغربيين ذهبوا بأن الهولوكوست التي وقعت داخل البناء الحضاري كانت مجرد حادثة استثنائية أو نكوص عارض أو انحراف تاريخي مؤقت عن مسار الحداثة الغربية العقلانية والتقدم الحضاري الغربي، لكن باومان يدحض هذه الكذبة بل يرى أن ما يجعل الهولوكوست أكثر الإبادات الجماعية تطرفا؛ لأنه لم يكن من الممكن تصورها خارج إطار المجتمع الغربي العقلاني الحديث، ولم يكن حدثًا عابرًا وخليق الصدفة، بل تطلب حدوثه القتل المنظم بدون تحييد القناعات الشخصية لاسيما الأخلاقية. لقد جعلت الحداثة الهولوكوست ممكنًا، وهذا ما يجعلها بوصفها مجزرة شنيعة وفق باومان :"هي أنها ارتكبت في قلب أوروبا التي نظرت إلى نفسها في ذلك الوقت بأنها في قمة التقدم التاريخي والضوء الذي يهتدي به بقية البشر الأقل تحضرا والأقل استعدادا للتحضر؛ ولأنه نفذ بتصميم غير عادي وبمنهجية وثبات على مدى زمني طويل ولأنه حشد الدعم والتوجيه طوال العملية من أفضل ما في العلم والتقنية الذي تفخر الحضارة الحديثة".
بينما كان الحكم الشمولي أي السيادة الكاملة والمطلقة هو الذي نقل تلك الإمكانية إلى حيز التنفيذ لبناء النظام الجديد وفقا لحلم " هتلر" المطلق بتطهير الجنس الآري لبلوغ الكمال. وذلك ما كان ليحدث دون غربلة المجتمع من الغرباء والهمجيين البربريين الذين هم أشبه بالحشائش السامة والحشرات والفيروسات من خلال التطهير العرقي الذي راح ضحيته ستة ملايين يهودي، بمعدل 100 يهودي كل يوم. فقد أرادوا افناء الشعب اليهودي بأكثر السبل سرعة وفعالية مع تحقيق نتائج مرضية على أرض الواقع؛ لذا إلى جانب إعدامهم كبار السن، حرصوا أيضا على قتل آلاف الأطفال الذين يمثلون أجيالاً كاملة، وعلى حد تعبير باومان :" لتمحو جنسًا بشريًّا من الوجود من الضروري قتل الأطفال".
يرى باومان أن الذين اضطهدوا أو وقفوا في طريق كمالية الجنس الآري هم ضحايا "القتل الباتر" حيث جرى افناء رجال ونساء وأطفال؛ لأنهم صنفوا على أنهم كائنات ينبغي افناؤها، فوفق منطق القتل الباتر لم يكن مهمًّا إذا ما كان الضحايا كبارًا أم صغارًا، أقوياء أم ضعفاء، سيئين حقيقة أم لم يكونوا. حيث يتم تجريد القائمين على الإبادة من مشاعرهم الإنسانية ليكونوا وحوشا على وفق المصطلح الذي طرحه الكاتب ممدوح عدوان في كتابه" حيونة الإنسان" حيث استعار مقولة للبروفيسور " رالف روزنتال " في " المجلة الأمريكية لعلم الإجتماع " ذهب فيه بأن الإبادة كي تنجح لابد من توفر أربعة عناصر على رأسها أن يكون منفذوا الإبادة على اقتناع تام بصحة عملهم وبأنهم يتصفون بالامتياز العنصري والإنساني من غيرهم، وثانيها أن يكون أمام المنفذين مجموعة تستحق الإبادة – من وجهة نظرهم – وثالثها أن توفر الأسلحة القادرة على التنفيذ بالسرعة المطلوبة أما رابعها أن تتم العملية وسط جو سياسي ومعنوي خاص لا يكترث لعملية الإبادة وإنما يقابل هذه العملية بالتفرج عليها.
هنا يمكن أن نطرح سؤال الذي جعلنا طوال سنوات نفكر: لماذا هيمنت الإبادة اليهودية " الهولوكوست" وصارت بمثابة أيقونة وحظيت بدعم عالمي؟
وفق باومان السبب يعود إلى أنه انتج رقمًا كبيرًا من الجثث وكمًّا ضخمًا من الشواهد المكتوبة والمسجلة في ظل حضارة غربية في أعلى مستوياتها من الحداثة رغم ذلك بقوا شهود صامتين فشكّل صدمة أخلاقية غير مسبوقة، فاليهود كانوا أقلية منعزلة لها طقوسها في ممارسة حياتها، وكان المرء يستدل عليهم بسهولة من أرديتهم التي عبرت عن خلفياتهم كيهود، ونتيجة لذلك عوملوا معاملة الغرباء والدخلاء في المجتمعات الأوروبية لاسيما في ألمانيا التي كانت تخطط لتصفية وطنها من الأعراق الأقلية المهمشة التي لا وطن لها كاليهود، فقد رأى هتلر كما يذهب باومان في كتابه " الحداثة والهولوكوست" بأن اليهود شعب بلا أرض لذا ليس بإمكانهم أن يلعبوا دورًا في الصراع العالمي للقوة في إطار الحرب التقليدية القائمة على غزو الأراضي، بل إنهم يلجؤون
ولتبرر الحداثة الغربية هذه النكسة تجاه موقفها البارد من " هولوكوست" روجوا أسطورة عنها، كما يسرد باومان في كتابه " الحداثة والهولوكوست" فالغربيين ذهبوا بأن الهولوكوست التي وقعت داخل البناء الحضاري كانت مجرد حادثة استثنائية أو نكوص عارض أو انحراف تاريخي مؤقت عن مسار الحداثة الغربية العقلانية والتقدم الحضاري الغربي، لكن باومان يدحض هذه الكذبة بل يرى أن ما يجعل الهولوكوست أكثر الإبادات الجماعية تطرفا؛ لأنه لم يكن من الممكن تصورها خارج إطار المجتمع الغربي العقلاني الحديث، ولم يكن حدثًا عابرًا وخليق الصدفة، بل تطلب حدوثه القتل المنظم بدون تحييد القناعات الشخصية لاسيما الأخلاقية. لقد جعلت الحداثة الهولوكوست ممكنًا، وهذا ما يجعلها بوصفها مجزرة شنيعة وفق باومان :"هي أنها ارتكبت في قلب أوروبا التي نظرت إلى نفسها في ذلك الوقت بأنها في قمة التقدم التاريخي والضوء الذي يهتدي به بقية البشر الأقل تحضرا والأقل استعدادا للتحضر؛ ولأنه نفذ بتصميم غير عادي وبمنهجية وثبات على مدى زمني طويل ولأنه حشد الدعم والتوجيه طوال العملية من أفضل ما في العلم والتقنية الذي تفخر الحضارة الحديثة".
بينما كان الحكم الشمولي أي السيادة الكاملة والمطلقة هو الذي نقل تلك الإمكانية إلى حيز التنفيذ لبناء النظام الجديد وفقا لحلم " هتلر" المطلق بتطهير الجنس الآري لبلوغ الكمال. وذلك ما كان ليحدث دون غربلة المجتمع من الغرباء والهمجيين البربريين الذين هم أشبه بالحشائش السامة والحشرات والفيروسات من خلال التطهير العرقي الذي راح ضحيته ستة ملايين يهودي، بمعدل 100 يهودي كل يوم. فقد أرادوا افناء الشعب اليهودي بأكثر السبل سرعة وفعالية مع تحقيق نتائج مرضية على أرض الواقع؛ لذا إلى جانب إعدامهم كبار السن، حرصوا أيضا على قتل آلاف الأطفال الذين يمثلون أجيالاً كاملة، وعلى حد تعبير باومان :" لتمحو جنسًا بشريًّا من الوجود من الضروري قتل الأطفال".
يرى باومان أن الذين اضطهدوا أو وقفوا في طريق كمالية الجنس الآري هم ضحايا "القتل الباتر" حيث جرى افناء رجال ونساء وأطفال؛ لأنهم صنفوا على أنهم كائنات ينبغي افناؤها، فوفق منطق القتل الباتر لم يكن مهمًّا إذا ما كان الضحايا كبارًا أم صغارًا، أقوياء أم ضعفاء، سيئين حقيقة أم لم يكونوا. حيث يتم تجريد القائمين على الإبادة من مشاعرهم الإنسانية ليكونوا وحوشا على وفق المصطلح الذي طرحه الكاتب ممدوح عدوان في كتابه" حيونة الإنسان" حيث استعار مقولة للبروفيسور " رالف روزنتال " في " المجلة الأمريكية لعلم الإجتماع " ذهب فيه بأن الإبادة كي تنجح لابد من توفر أربعة عناصر على رأسها أن يكون منفذوا الإبادة على اقتناع تام بصحة عملهم وبأنهم يتصفون بالامتياز العنصري والإنساني من غيرهم، وثانيها أن يكون أمام المنفذين مجموعة تستحق الإبادة – من وجهة نظرهم – وثالثها أن توفر الأسلحة القادرة على التنفيذ بالسرعة المطلوبة أما رابعها أن تتم العملية وسط جو سياسي ومعنوي خاص لا يكترث لعملية الإبادة وإنما يقابل هذه العملية بالتفرج عليها.
هنا يمكن أن نطرح سؤال الذي جعلنا طوال سنوات نفكر: لماذا هيمنت الإبادة اليهودية " الهولوكوست" وصارت بمثابة أيقونة وحظيت بدعم عالمي؟
وفق باومان السبب يعود إلى أنه انتج رقمًا كبيرًا من الجثث وكمًّا ضخمًا من الشواهد المكتوبة والمسجلة في ظل حضارة غربية في أعلى مستوياتها من الحداثة رغم ذلك بقوا شهود صامتين فشكّل صدمة أخلاقية غير مسبوقة، فاليهود كانوا أقلية منعزلة لها طقوسها في ممارسة حياتها، وكان المرء يستدل عليهم بسهولة من أرديتهم التي عبرت عن خلفياتهم كيهود، ونتيجة لذلك عوملوا معاملة الغرباء والدخلاء في المجتمعات الأوروبية لاسيما في ألمانيا التي كانت تخطط لتصفية وطنها من الأعراق الأقلية المهمشة التي لا وطن لها كاليهود، فقد رأى هتلر كما يذهب باومان في كتابه " الحداثة والهولوكوست" بأن اليهود شعب بلا أرض لذا ليس بإمكانهم أن يلعبوا دورًا في الصراع العالمي للقوة في إطار الحرب التقليدية القائمة على غزو الأراضي، بل إنهم يلجؤون
إلى المكر والخديعة ودسائس الظلام التي جعلتهم عدوًّا لدودًا مخيفًا لا يمكن إشباع رغبته أو ترويضه، بل لا بد من تدميره حتى يختفي ضرره. النازيون وبتواطؤ من الأوروبيين كانوا يسعون إلى التخلص من اليهود كليًّا، فقد كان بإمكانهم لو رغبوا بهم جزءا في منظومة العالم الجديد أن يخضعوهم لاعتناق الدين المسيحي ويتم دمجهم كأي أقلية عبر التاريخ، كهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا الذين تم دمجهم في المجتمع الأمريكي بعد إبادة الكثيرين. لكن النازيين فضلوا تصفيتهم بينما سخر الأوروبيون لاسيما فرنسا وانجلترا وروسيا جهودهم منذ القرن التاسع عشر من أجل الحد من ازدياد أعداد اليهود المهاجرين الذين أصابهم الفقر والجهل والتخلف والذين لم يكن لهم سوى خيارين إما الاشتراكية أو الصهيونية بالتخلص منهم ومن أعبائهم من خلال دفعهم دفعا إلى الشرق الأوسط، إلى فلسطين تحديدًا.
لكن من أكثر الأسباب التي جعلت الهولوكوست اليهودي في الوعي العالمي موقعا أيقونيًّا خاصا به هم "اليهود" الذين نجوا، فالحركة الصهيونية وظفت كافة مواردها لضخ الدعم لمظلوميتها، كان توظيف مفردة " هولوكوست" بحد ذاتها أثره الديني في شرعنة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وكجواز مرور وحصانة رسمية لسياستها في الماضي والمستقبل، بشهادة المفكر " إيلان بابيه" في كتابه " التطهير العرقي في فلسطين:" بعد أن اتُخذ القرار استغرق تنفيذ العملية الستة أشهر، ومع اكتمال التنفيذ كان أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين أي ما يقارب 800.000 نسمة قد اقتلوا من أماكن عيشهم و531 قرية دُمرت و11 حيًّا مدنيًّا أخلي من سكانه، وهي تعتبر اليوم في نظر القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية".
ولكن يبدو أن خيبة الأمل الكبيرة التي خلفها الهولوكوست عبر التاريخ ليس الموقف الأوروبي المحايد والموافق للنازية فحسب بل اليهود أنفسهم، الذين كما يدعون كانوا ضحايا الهولوكوست وكان يمكن أن لهؤلاء الناجين أن يمنعوا تلك المجازر التي اقترفتها سلطاتهم في الأرض المحتلة، كان يمكن أن يكونوا مثالاً براقًا من أجل بسط السلام لحماية الأقليات والشعوب المضطهدة من الطغاة، وأن يكونوا سببا في بدء عصر أكثر تحضّرًا وإنسانية في تاريخ البشرية رغم كل الأهوال والرعب والاشمئزاز الذي مروا به، لكن ما حدث نقيض ذلك تماما.
لعل السؤال الذي يظهر نفسه بلا مواربة وبخيبة أمل كبيرة: ماذا فعلت الهولوكوست باليهود؟
يبدو جليًّا أنها جردتهم من إنسانيتهم، فاليهود الضحايا ترقبوا أول فرصة للانتقام من مضطهديهم كما يفسر مؤلف " الحداثة والهولوكوست:" إذا وجدوا صعوبة أو استحالة في الانتقام من مضطهديهم في الماضي؛ فإنهم يهرعون إلى غسل عار الماضي الشاهد على ضعفهم، ويُظهرون أنهم يعرفون كيف يبرزون قوتهم ومهاراتهم بحزم وشدة: فماذا يكون الجدار العازل حول الأراضي الفلسطينية المحتلة إن لم يكن محاولة للتفوق على من بنوا الجدار المحيط بجيتو وارسو؟".
كان ثمة أمل قبل خمسين أو ستين عاما أن تسبب المعرفة البشعة بالهولوكوست صدمة توقظ البشرية من نعاسها الأخلاقي وتجعل المزيد من الإبادات الجماعية مستحيلا؛ كم يبدو هذا الأمل مدعاة للسخرية والخيبة في آن!
ليس في حجم المجازر التي تجاوزت بها القانون الدولي في فلسطين فحسب بل لسعيهم الحثيث إلى طمس الحقائق وتشويهها، كما يوضح " إيلان بابه" في كتابه" التطهير العرقي في فلسطين" منذ ثلاثين عاما تقريبا، بدأ ضحايا التطهير العرقي إعادة تجميع مكونات الصورة التاريخية التي بذلت الرواية الإسرائيلية الرسمية لأحداث سنة 1948م كل ما في وسعها لإخفائها وتشويهها. لقد تحدثت القصة الإسرائيلية التاريخية التي جرى تلقيفها عن " انتقال طوعي" جماعي أقدم عليه مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين قرروا أن يهجروا بيوتهم وقراهم مؤقتا من أجل أن يفسحوا الطريق أمام الجيوش العربية الآتية لتدمير الدولة اليهودية الوليدة".
لكن السردية الصهيونية التي عكفت لأعوام طويلة على ضخها من خلال أساليب ووسائل متعددة أشهرها في الأفلام والمسلسلات حتى استوطنت في الذهنية الغربية وبدت وحدها الحقيقة الكاملة، الحقيقة التي لا يناقضها شيء وكل ما دونها من روايات فلسطينية هي مجرد أوهام حتى جاء السابع من أكتوبر لتسقط تلك الحقيقة المدّعية، ولتشرع العقول الغربية على احتمالية صدق الرواية الفلسطينية، على النظر في الجانب الآخر من القضية، فإن كان ثمة قصة إسرائيلية فمن الطبيعي أن تكون هناك قصة فلسطينية أيضا. والمبعث الآخر الذي جعل "غزة " أيقونة تجابه به أيقونة الصهاينة المسمى بــ" الهولوكوست" هي وضعها المكاني بحد ذاته؛ فهي تحت الحصار منذ 2007م وهو أطول حصار في التاريخ، وظفت إسرائيل كل وحشيتها لتدمير قطاعاتها الحيوية كالمطار والمرفأ، رفعت الأسوار ومنعت فتح مرفأ رفح أو أي مدخل آخر يمكن أن يهّرب قليلاً من الحياة إلى العزيين، تمنع المواد التي تحتمل صفة " الاستخدام المزدوج" بشهادة أهلها من دخول غزة، القوائم نفسها تخضع لرقابة صارمة وتعدّل كل
لكن من أكثر الأسباب التي جعلت الهولوكوست اليهودي في الوعي العالمي موقعا أيقونيًّا خاصا به هم "اليهود" الذين نجوا، فالحركة الصهيونية وظفت كافة مواردها لضخ الدعم لمظلوميتها، كان توظيف مفردة " هولوكوست" بحد ذاتها أثره الديني في شرعنة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وكجواز مرور وحصانة رسمية لسياستها في الماضي والمستقبل، بشهادة المفكر " إيلان بابيه" في كتابه " التطهير العرقي في فلسطين:" بعد أن اتُخذ القرار استغرق تنفيذ العملية الستة أشهر، ومع اكتمال التنفيذ كان أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين أي ما يقارب 800.000 نسمة قد اقتلوا من أماكن عيشهم و531 قرية دُمرت و11 حيًّا مدنيًّا أخلي من سكانه، وهي تعتبر اليوم في نظر القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية".
ولكن يبدو أن خيبة الأمل الكبيرة التي خلفها الهولوكوست عبر التاريخ ليس الموقف الأوروبي المحايد والموافق للنازية فحسب بل اليهود أنفسهم، الذين كما يدعون كانوا ضحايا الهولوكوست وكان يمكن أن لهؤلاء الناجين أن يمنعوا تلك المجازر التي اقترفتها سلطاتهم في الأرض المحتلة، كان يمكن أن يكونوا مثالاً براقًا من أجل بسط السلام لحماية الأقليات والشعوب المضطهدة من الطغاة، وأن يكونوا سببا في بدء عصر أكثر تحضّرًا وإنسانية في تاريخ البشرية رغم كل الأهوال والرعب والاشمئزاز الذي مروا به، لكن ما حدث نقيض ذلك تماما.
لعل السؤال الذي يظهر نفسه بلا مواربة وبخيبة أمل كبيرة: ماذا فعلت الهولوكوست باليهود؟
يبدو جليًّا أنها جردتهم من إنسانيتهم، فاليهود الضحايا ترقبوا أول فرصة للانتقام من مضطهديهم كما يفسر مؤلف " الحداثة والهولوكوست:" إذا وجدوا صعوبة أو استحالة في الانتقام من مضطهديهم في الماضي؛ فإنهم يهرعون إلى غسل عار الماضي الشاهد على ضعفهم، ويُظهرون أنهم يعرفون كيف يبرزون قوتهم ومهاراتهم بحزم وشدة: فماذا يكون الجدار العازل حول الأراضي الفلسطينية المحتلة إن لم يكن محاولة للتفوق على من بنوا الجدار المحيط بجيتو وارسو؟".
كان ثمة أمل قبل خمسين أو ستين عاما أن تسبب المعرفة البشعة بالهولوكوست صدمة توقظ البشرية من نعاسها الأخلاقي وتجعل المزيد من الإبادات الجماعية مستحيلا؛ كم يبدو هذا الأمل مدعاة للسخرية والخيبة في آن!
ليس في حجم المجازر التي تجاوزت بها القانون الدولي في فلسطين فحسب بل لسعيهم الحثيث إلى طمس الحقائق وتشويهها، كما يوضح " إيلان بابه" في كتابه" التطهير العرقي في فلسطين" منذ ثلاثين عاما تقريبا، بدأ ضحايا التطهير العرقي إعادة تجميع مكونات الصورة التاريخية التي بذلت الرواية الإسرائيلية الرسمية لأحداث سنة 1948م كل ما في وسعها لإخفائها وتشويهها. لقد تحدثت القصة الإسرائيلية التاريخية التي جرى تلقيفها عن " انتقال طوعي" جماعي أقدم عليه مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين قرروا أن يهجروا بيوتهم وقراهم مؤقتا من أجل أن يفسحوا الطريق أمام الجيوش العربية الآتية لتدمير الدولة اليهودية الوليدة".
لكن السردية الصهيونية التي عكفت لأعوام طويلة على ضخها من خلال أساليب ووسائل متعددة أشهرها في الأفلام والمسلسلات حتى استوطنت في الذهنية الغربية وبدت وحدها الحقيقة الكاملة، الحقيقة التي لا يناقضها شيء وكل ما دونها من روايات فلسطينية هي مجرد أوهام حتى جاء السابع من أكتوبر لتسقط تلك الحقيقة المدّعية، ولتشرع العقول الغربية على احتمالية صدق الرواية الفلسطينية، على النظر في الجانب الآخر من القضية، فإن كان ثمة قصة إسرائيلية فمن الطبيعي أن تكون هناك قصة فلسطينية أيضا. والمبعث الآخر الذي جعل "غزة " أيقونة تجابه به أيقونة الصهاينة المسمى بــ" الهولوكوست" هي وضعها المكاني بحد ذاته؛ فهي تحت الحصار منذ 2007م وهو أطول حصار في التاريخ، وظفت إسرائيل كل وحشيتها لتدمير قطاعاتها الحيوية كالمطار والمرفأ، رفعت الأسوار ومنعت فتح مرفأ رفح أو أي مدخل آخر يمكن أن يهّرب قليلاً من الحياة إلى العزيين، تمنع المواد التي تحتمل صفة " الاستخدام المزدوج" بشهادة أهلها من دخول غزة، القوائم نفسها تخضع لرقابة صارمة وتعدّل كل