Telegram Web Link
يقول بول أوستر: إن وحدة الإنشاء في الشعر هي البيت الشعري، أما في النثر فهي بالنسبة لي الفقرة".
ويطلق على عملية إعادة الكتابة ب( الجَرف)، لأنها تشبه طريقة جرف أوراق الشجر المتساقطة على المرج، لصبح أجمل.
يتحدث بول أوستر عن طقوسه:" أترك مقعدي وأقف كثيرًا خلال اليوم. أظل أذرع الغرفة جيئة وذهابًا،وبشكل ما، أجد أنّ ذلك يساعد في توليد الأفكار والكلمات، لأن هناك دائمًا ذلك النوع من الموسيقى داخل الجسد، وأعني هنا موسيقى اللغة. وأثناء هذا التجوال تولد أفكار جديدة قد لا تُخلق أثناء جلوسي"
بول أوستر متحدّثًا عن فترات اشتغاله برواية 1234. كان في السادسة والستين أثناء كتابته للرواية، في السن نفسها خسر والده، لدرجة كان يعتريه ذلك الشعور الغريب بأنه في طريقه ليبلغ عددًا من السنين أكثر من العمر الذي بلغه والده: وكأنك تمر عبر ستارة لا مرئية إلى الجانب الآخر من حياة أبيك!
‏" إن لم يُسمح لطفل بدخول المخيّلة، فسوف يقع في قبضة العالم الحقيقي ".

اختراع العزلة| بول أوستر
«محظوظ بما يكفي للعيش في قصَّة»
پول أوستر (1947-2024)
مقتطف ترجمته قبل سنوات من «حماقات بروكلن»

ليكن إذًا، القصَّة، قصَّة الدُّمية... إنه العام الأخير في حياة كافكا، وقد وقعَ في حُبِّ دورا ديامانت، الفتاة البالغة من العمر تسعة عشر أو عشرين عامًا، التي فرَّت من عائلتها الحسيديَّة في پولندا وتعيش الآن في برلين. إنها في نصف سنِّه، لكنها هي من يبثُّ فيه الشجاعة ليترك پراج -وهو الشيء الذي يرغب في فعله منذ سنوات- كما أنها المرأة الأولى والوحيدة التي عاشت معه. يصل كافكا إلى برلين في خريف 1923 ثم يموت في الربيع التالي، ولكن لعلَّ تلك الشهور القليلة الأخيرة كانت الأسعد في حياته على الإطلاق، على الرغم من حالته الصحيَّة المتدهورة، وعلى الرغم من الظروف الاجتماعيَّة في برلين (نقص الأطعمة والشَّغب السياسي وأسوأ تضخُّم مالي في تاريخ ألمانيا)، وعلى الرغم من معرفته المؤكَّدة بأنه على عتبة القبر.
كلَّ يومٍ بعد الظُّهر يذهب كافكا إلى المنتزه، وفي أغلب الأحيان تُصاحبه دورا، ثم يأتي يوم يُصادفان فيه فتاةً صغيرةً تبكي بحرقةٍ شديدة. يسألها كافكا عن سبب بكائها، فتجيب بأنها فقدت دُميتها، فيبدأ في الحال في اختراع قصَّة يفسِّر لها بها ما حدث، ويقول: «دُميتك ذهبت في رحلة»، فتسأله الفتاة: «وكيف تعرف هذا؟»، ويجيبها كافكا: «لأنها كتبت لي رسالة». يلوح الشَّك على ملامح الفتاة، وتسأله: «هل الرسالة معك؟»، فيقول: «لا، آسف، تركتها في البيت دون قصد، لكنني سأحضرها غدًا». إنه مقنعٌ للغاية، إلى درجة أن الفتاة لم تعد تدري ماذا تحسب. أيُمكن أن هذا الرجل الغامض يقول الحقيقة؟
ثم يعود كافكا إلى البيت مباشرةً ليكتب الرسالة. يجلس إلى مكتبه، وفيما تُراقِبه دورا وهو يكتب، تلحظ الجديَّة والشَّد نفسيهما اللذين يتبدَّيان على ملامحه حينما يكتب أعماله هو. إنه لا ينوي أن يغشَّ الفتاة الصغيرة، وما يفعله مخاضٌ أدبي حقيقي، وهو مصرٌّ أن يكون ما يكتبه مضبوطًا. إذا استطاع التوصُّل إلى كذبةٍ جميلة مقنِعة فسيحلُّ واقع آخر محلَّ عالم الفتاة، واقع زائف ربما، لكنه حقيقي ويُمكن تصديقه طبقًا لقوانين الخيال.
يهرع كافكا في اليوم التالي إلى المنتزه ومعه الرسالة ليجد الفتاة في انتظاره، ولأنها لم تتعلَّم القراءة بعد، يقرأ كافكا عليها الرسالة. الدُّمية آسفةٌ للغاية، لكنها سئمت العيش مع الناس أنفسهم طول الوقت. إنها في حاجةٍ إلى الخروج ورؤية العالم، إلى تكوين صداقاتٍ جديدة. ليست المسألة أنها لا تحبُّ الفتاة الصغيرة، لكنها تتوق إلى تغيير المناظر المحيطة بها، ولذا يجب أن تنفصل الاثنتان فترةً من الوقت. ثم تعد الدُّمية الفتاة بأن تكتب لها كلَّ يومٍ وتُطلِعها باستمرارٍ على أنشطتها.
تلك هي النقطة التي تبدأ فيها القصَّة تكسر قلبي. من المدهش كفايةً أن كافكا أخذ على عاتقه عناء كتابة الرسالة الأولى أصلًا، فإذا به الآن يُلزِم نفسه بمشروع كتابة رسالةٍ جديدة يوميًّا، ليس لأيِّ سببٍ غير مواساة الفتاة الصغيرة الغريبة عنه تمامًا، مجرَّد طفلةٍ التقاها مصادفةً في المنتزه ذات يومٍ بعد الظُّهر. أيُّ نوعٍ من الرجال يفعل شيئًا كهذا؟ ثم إنه يُواظِب على كتابة الرسائل على مرِّ ثلاثة أسابيع يا نيثَن، ثلاثة أسابيع. ها هو ذا واحد من أعظم الكتَّاب الذين عرفهم هذا العالم يُضحِّي بوقته -وقته الثَّمين الذي يوشك على النفاد- ليكتب رسائل خياليَّة من دُمية. تقول دورا إنه كتب كلَّ عبارةٍ بأقصى درجةٍ من الانتباه للتفاصيل، إن النَّص كان دقيقًا وطريفًا وآسرًا. بمعنى آخر، كان نصًّا لكافكا، وطيلة ثلاثة أسابيع ذهب إلى المنتزه كلَّ يومٍ ليقرأ على الفتاة رسالةً جديدةً. تكبر الدُّمية وتذهب إلى المدرسة وتتعرَّف أناسًا جُددًا، ولو أنها تلمِّح إلى تعقيداتٍ معيَّنة في حياتها تجعل عودتها إلى البيت مستحيلةً. شيئًا فشيئًا يُهيِّئ كافكا الفتاة للحظة التي ستختفي فيها الدُّمية من حياتها إلى الأبد، يُكافِح للتوصُّل إلى نهايةٍ مُرضِية وقد شعر بالقلق من زوال أثر التعويذة السحريَّة إذا لم ينجح. بعد اختبار عدة احتمالات، يُقرّر أخيرًا أن يُزوِّج الدُّمية، ويصف الشاب التي وقعت في غرامه، وحفلة الخطبة، والزفاف الذي أقيم في الريف، وحتى البيت الذي تعيش فيه الدُّمية مع زوجها. ثم، في السطر الأخير، تُودِّع الدُّمية صديقتها القديمة الحبيبة.
في هذه المرحلة لم تعد الفتاة تفتقد الدُّمية طبعًا. لقد أعطاها كافكا شيئًا آخر بدلًا منها، ومع انتهاء تلك الأسابيع الثلاثة كانت الرسائل قد شفَتها من تعاستها. إن لديها قصَّة، وحين يكون المرء محظوظًا بما يكفي للعيش في قصَّة، أن يعيش في عالمٍ خيالي، فعندئذٍ تختفي آلام عالم الواقع، وكلما استمرَّت أحداث القصَّة لا يعود للواقع وجود.

*المترجم المصري هشام فهمي
رحيل بول أوستر.. الحياة نوع من انواع الخيال
علي حسين

توفي مساء امس الثلاثاء الروائي الامريكي الشهير بول أوستر بسبب مضاعفات سرطان الرئة ، وكانت زوجته الكاتبة " سيري هاستفيت " قد اعلنت في آذار من العام الماضي عن اصابته بمرض السرطان، وانه يخضع للعلاج في احدى مستشفيات نيويورك قائلة :" إنّني أعيش في مكان صرت أسمّيه بلاد السرطان" ، كان قد اصدر في كانون الثاني من هذا العام كتاب بمئة صفحة بعنوان " الشعب الدموي " – ترجمه الى العربية سعد البازعي - وفيه يتساءل عن السبب الذي جعل امريكا البلاد الاكثر عنفا في العالم ..يقول ان فكرة الكتاب خطرت له عندما جاءه زوج ابنته المصور" سبنسر أوستراندر "، ذات يوم منزعجا جدا من عنف السلاح الذي كان يراه من حوله ، قال له إنه قرر السفر في جميع أنحاء البلاد ، وتصوير مواقع جميع عمليات إطلاق النار الجماعية . وفي تشرين من العام الماضي صدرت روايته " بومغارتنر " – صدرت ترجمة عربية قام بها المترجم والباحث سعد البازعي - .. الرواية الثامنة عشر للكاتب الشهير وصفها الناشر بانها " رواية غنية بالحنان والذكاء، وعين أوستر الحريصة على الجمال فى أصغر اللحظات العابرة من الحياة العادية، يتساءل بومغارتنر: لماذا نتذكر لحظات معينة وننسى أخرى؟". ويضيف ان بول أوستر يقدم للقراء تحفة فنية ، تتألم مع اهتزازات الحب الدائم".
يقدم اوستر في " الشعب الدموي " وجهة نظره عما حل بامريكا في العقود الاخيرة من عنف بسبب استخدام السلاح ، سيقوم زوج ابنته بسلسلة من الرحلات على مدار عامين ونصف التقط خلالها عشرات الصور التي ما ان راها الروائي الشهير حتى قال له :" أعتقد أن هذه صور مقنعة للغاية ، وربما إذا جمعتها معا كنوع من الكتب ، يمكنني كتابة نص يتوافق معها." . قال لصحيفة الغارديان انه منذ منذ بداية حياته كان يعرف أن جده مات عندما كان والده صبيا صغيرا .. يقول ان كتابه " امة الدم هو محاولة لتأمل دور السلاح في التاريخ والمجتمع الأميركيين، وفي حياته هو الخاصة أيضاً، إذ ينبئنا عن تعرفه التدريجي على الأسلحة منذ ألعاب الطفولة إلى المسدسات التي جربها في المخيم الصيفي والبندقية ذات الفوهتين التي جربها في مزرعة صديق له، وينبئنا عن انضمامه إلى البحرية التجارية والتقائه بأشخاص من الجنوب الأميركي وعجبه من علاقتهم بالأسلحة النارية.
بعد ما يقرب اكثر من ثلاثين عاما وثمانية عشر رواية وكتب سيرة وقصص ومقالات ، من الصعب التفكير في كاتب أمريكي معاصر يثير مزيداً من النقاش مع كل عمل جديد مثل بول أوستر. يقول: «كل هذا غريب لدرجة أني لا أستطيع أن أتفهم كل هذا الاهتمام»، يرفض التحليلات النقدية المفرطة في المديح: " الكثير من النقاد لديهم وجهة نظر، ويحاولون التعبير عن هذا الموقف من خلال استخدامي كمثال. لكني أنا نفسي، أعيش في داخلي، لا أحاول أبداً وضع تسميات على ما أفعله. أنا فقط أتبع أنفي، فانا فنان الجوع الذي يحبّ رائحة الطعام" ، يجد أن ما يكتبه هو تمثيل للواقع الذي نعيشه كل يوم: " أحاول فقط تمثيل العالم كما مررت به. هذا ما تحتويه معظم كتبي" . ينتقد النقّاد الذين ينسون أنه بدأ حياته الأدبية شاعراً: " ما زلت أشعر أنني شاعر. لا أشعر أنني أكتب الروايات بالطريقة التي يكتب بها الآخرون الروايات. أعتقد أني شاعر رواية أكثر من روائي" .
يعترف بول أوستر أنه متأثر جداً بـ (صامويل بيكيت) الذي شاهده ذات يوم بوجهه المتجهم يجلس في إحدى مقاهي باريس، وحين قرر الاقتراب منه للسلام عليه، منعته ملامحة التي تشي بعدم الاهتمام بالآخرين، يشعر " بقرب غير عادي" من (إدغار ألن بو) و(ناثانيال هاوثورن) الكتّاب الأكثر رومانسية بالنسبة له لأنهم " كانوا أول من كتب بصوت أميركي أصيل" . يعترف بأن أعماله تحبط الأمريكيين وتغيظهم.
بول أوستر المولود في الثالث من فبراير عام 1947، يُعد من أشهر كتاب أمريكا في العقود الاهيرة ، يعترف أنه لا يطمح بالحصول على جائزة نوبل، يجد صعوبة في كتابة رواياته على الآلة الكاتبة، ويخشى استخدام الكومبيوتر، يكتب بقلم حبر، يعترف أن الكتابة باليد تتيح للكاتب الانغماس في السرد والشعور بأهمية عمله، يصرّ على تسمية هذه الطريقة بـ " القراءة بأصابعي"، ويعلّق قائلاً: " من المدهش أن عدد الأخطاء التي ستعثر عليها أصابعك لم تلاحظها عيناك قط، ولهذا كتبتُ دائماً باليد. في الغالب مع قلم حبر، ولكن في بعض الأحيان مع قلم رصاص، وخاصة بالنسبة للتصحيحات. إذا تمكّنتُ من الكتابة مباشرة على آلة كاتبة أو حاسوب، فسأفعل ذلك. لكن لوحات المفاتيح لطالما أرهبتني. لم أكن قادراً على التفكير بوضوح مع أصابعي في هذا الموقف. القلم يُشعرك أن الكلمات تخرج من جسدك ثم تحفر في الصفحة. الكتابة كانت دائما أشبه بملامسة شيء جيد. إنها تجربة مادية». يعترف أنه في بداياته كان شغوفاً بالآلة الكاتبة، ينظر إلى صورة هيمنغواي كيف يجلس أمام الآلة الكاتبة، فيقرر أن يقلده، فيشترى آلة كاتبة.
كان ذلك عام 1974،وبمبلغ كان كبيراً آنذاك؛ 40 دولاراً. هذه الآلة التي أراد أن يخلّدها بقصة قصيرة، كان قد كتب عليها (ثلاثية نيويورك) و(قصر القمر) و(في بلاد الأشياء الأخيرة). نصحته زوجته باستخدام الكومبيوتر، لكنه شعر بالغربة: «بدأت أبدو كعدّو للتقدم، وإنسان وثني يتشبث بالعادات القديمة في عالم من الرقميين. سخر مني أصدقائي، قالوا إنني رجعي" .
في السادسة عشرة من عمره قرر أن يصبح كاتباً بعد أن جرب العديد من المهن: بائع لبطاقات في ملاعب البيسبول، مترجم على ظهر ناقلة نفط عملاقة: «كنت أريد أن أكون كاتباً، لأنني لم أعتقد أنني يمكن أن أفعل أي شيء آخر، لذلك قرأت وقرأت، وكتبت قصصاً قصيرة وحلمت بالفرار من الواقع».
سيعثر في ذلك الوقت على روايات (فرجينيا وولف): «كانت واحدة من أجمل الروايات التي قرأتها على الإطلاق. اخترقتني وجعلتني أرتعش، وكنت على وشك البكاء. كانت الموسيقى المنبعثة من جُملها الطويلة المزمنة، وعمق شعورها البسيط، والإيقاعات الخفية لبُنيتها تتحرك أمامي إلى درجة أنني كنت أقرأها ببطء قدر المستطاع، حيث أتناول الفقرات ثلاث وأربع مرات». يتوفى والده ويترك له ما يكفي من المال للتفرغ لمهنة الكتابة. الكتاب الأول سيضع له عنوان (اختراع العزلة)( )، وهو أشبه بلحظة تأمل يتذكر فيها والده الذي كان يمثل بالنسبة له روحاً انفرادية ترفض الخضوع للآخرين، يصف والده بالرجل غير المرئي، وسيكتب في ما بعد عن صفات هذا الأب في روايته (غير مرئي)، عن الرجل الذي لم يكن غريب الأطوار فقط على أسرته، بل حتى على الأصدقاء والجيران وزملاء العمل، وكل من عرفه في حياته، حيث أصر حتى اللحظة الأخيرة من حياته أن يعيش بعيداً عن الناس، معزولاً في عالم اخترعه لنفسه.
رُفضت روايته الأولى (مدينة الزجاج) من معظم دور النشر الأمريكية، لكنها ستصدر بعد عامين لتشكل الجزء الأول من ثلاثية (نيويورك)، والتي سينشر بعد عام الجزء الثاني منها بعنوان (الأشباح) ثم الثالث (الحجرة المقفلة)، وستشكل هذه الثلاثية بدايته الأدبية الحقيقية.
كثيراً ما يصرح بول أوستر أنه يكتب روايات تنتمي إلى نمط روايات التحري. وهو يعترف أنه جاء إلى عالم الرواية بعد إلمامه العميق بأكثر من ثقافة، فقد عمل مترجماً عن الفرنسية، واشتهر بترجماته لأشعار بودلير، وبكتابة قصائد تقترب من أجواء الشاعر الفرنسي الشهير، يقول إن رواياته تستعين بألغاز من كافكا وبالصمت الذي يهيمن على شخصيات صموئيل بيكيت. تحقق ثلاثية نيويورك بعد أن صدرت بطبعة كاملة عام 1987 نجاحاً كبيراً تلفت إليه أصحاب دور النشر.
تنتقل شخصياته في معظم رواياته من صدفة ربما لا يصدقها القارئ إلى صدف أُخرى تصنعها الظروف، وتبقى الصدفة ملازمة لأبطال رواياته: " الصدفة تحكم العالم، والعشوائية تلاحقنا كل يوم من حياتنا التي قد تؤخذ منا في أي لحظة بلا سبب" . في كل كتاب يثير سؤال النقاد حول الطريقة التي يكتب بها رواياته: " مع كل كتاب جديد أبدأه، أشعر بحاجتي إلى أن أتعلم طريقة كتابته أثناء العمل عليه. لا أكون متأكداً تماماً إلى أين سيصل، أو ما الذي سيحدث فصلاً تلو الآخر. فقط تكون البداية في رأسي. لكن عندما أبدأ الكتابة تتولد لديّ المزيد من الأفكار حول كيفية إكمال العمل" .
تختلف رواية (1234) عن جميع الروايات الأخرى التي كتبتها بول أوستر بأنها رواية الزمان والمكان، أمريكا في الخمسينات والستينات من القرن العشرين بالإضافة إلى سرد قصة حياة الشخصيات الرئيسية. وسنجد الأحداث التاريخية تقف في الصدارة: " لقد حاولت دائماً تحدي نفسي لأتخذ مقاربات جديدة للعمل في سرد القصص، وشعرت طوال الوقت أن هذا الكتاب الكبير كان بداخلي" .
يتأمل بول أوستر في مصير العالم ويتذكر ما كتبه في روايته (في بلاد الأشياء الأخيرة): " لست أتوقع منك أن تفهم. أنت لم ترَ شيئاً من هذا، وحتى لو حاولت فإنك لن تتمكّن من تخيله. هذه هي الأشياء الأخيرة. ترى منزلاً في اليوم الأول، وفي اليوم التالي يضمحل، شارعاً كنت اجتزته البارحة ما عاد موجوداً اليوم، حتى الطقس في تحول متواصل، نهار مشمس يليه نهار ماطر، نهار مثلج يليه نهار ضبابي، حرّ ثم برودة، ريح ثم سكون، فترة صقيع مرير، وبعدها شتاء حار.. لا شيء يدوم، هل تفهمني، ولا حتى الأفكار في داخلك.. حين يتوارى شيء ما فهذا يعني نهاية الأمر" . يصف لنا أن العالم أصبح فارغاً من الحياة.
في روايته الاخيرة يروي لنا بول اوستر حكاية بومغارتنر البالغ من العمر 71 عامًا ، والذي يكافح من أجل العيش في غياب زوجته آنا ، التي قُتلت قبل تسع سنوات. قال الناشريعلق الناشر لكتب اوستر :" انا سعيد لأنه في هذه المرحلة من مسيرة بول أوستر الطويلة ، أنتج هذه المنمنمة الدافئة والرائعة "
كتبت صحيفة نييورك تايمز في خبر رحيله :" "يبدو أنه ظل ينظر إلى الحياة نفسها على أنها خيال"

*الكاتب العراقي علي حسين.
Forwarded from النقد الأدبي
في كل مرة أقرأ لكيليطو ينتابني شعور أنه يتحدث عن كتب أخرى غير التي نقرأ، فكل كتاب له روايتان رواية نقرأها ورواية يقرأها. ورواية كيليطو هي ظل الرواية الحقيقة، ولا تحدث إلا في عقله، لذلك تبدو كتابته ساحرة لأننا نقرأ شيئا جديدا عن كتاب نحسب أننا قرأناه من قبل وعرفناه. وغالبا ما تنحو كتاباته نحو كتابة القراءة الإبداعية. فكتاباته النقدية هي نصوص إبداعية تعيد كتابة نصوص غيره وتقدمها في قالب جديد، حتى إنها تزاحم الأصل في اتحاد ما بين الحقيقي والمتخيّل، وما كان وما يجب أن يكون.
ترتبط قراءتي لكيليطو بألف ليلة وليلة أكثر من سواه، وهنا مجموعة من كتبه التي تناول فيها ألف ليلة وليلة.
Forwarded from بؤس الشعر (محمد سلمان)
الشاعرة الفيتنامية: في هوآنغ 1954-
عاشور الطويبي
عودة


أدعوكم أصدقائي، إلى قراءة هذه القصيدة الشجيّة، لشاعرة فيتنامية، فقدت والديها واخوتها في الحرب الفيتنامية، ثم عانت شظف العيش، حتى صارت معلمة مَدرسة، ثمّ اصيبت بمرض التهاب المفاصل الرثّي، ما جعلها غير قادرة على القيام بشؤونها. رغم ذلك، ها هي تعطينا شعراً بهيّا عظيماً.


دعني أُعيدُ
ضوء الشمس إلى السماء،
الغيمة إلى الجبل،
هذه الحياة إلى العدم.
دعني أعيدُ
هذا العشق إلى الأبدية:
عارياً، بارداً، خاوياً، كمسار القمر الصامت.
كُرهاً، أشاهدُ القدر يتلاشى،
دعني أُعيدُ الأحمال إلى كومة الوقت.
أنا أتبعُ الريح، في طريقها إلى السماء،
أنا أتبع الماء، في طريقها إلى الشلالات.
أعود، مشرعة القلب
موجة في محيط شاسع،
مصدّ أمواجٍ على الساحل.
الآن، كلّ ما تبقّى –نصف هذه المقطوعة-
أعيدُها جميعها، الصخب واللجب على ضفة النهر.
أجلسُ
أزيحُ ألمي
Tathātā
بلا لون
لون الوضوح.
في أعيادِ الأُمِّ، أكونُ الوحيدَ الذي يشتري زهرَ الأقحوانِ، وغالباً ما كنتُ أبحثُ عن أُمَّهاتٍ في الليلةِ التي تسبقُ العاصفةَ. علِّي ولو خطأً أتعثّرُ بجلبابٍ أو جنَّةٍ، لكنّ العالمَ قاسٍ والأُمَّهاتِ قِلَّةٌ كما الصواب. يراقِبُني من أمامِ محلِّ الزُّهُورِ، وأنا أُمثِّلُ أنّ لي أُمَّاً، وآدمُ ليسَ اسمي، ودمعي مطرُ الحياةِ، لم يسقطْ، وكأنّ الغيمةَ لا تزالُ في القلبِ.
خارجاً من عذابي، أرمقُهُ - العالمَ المقيتَ -ولسنواتٍ، يتكرّرُ المشهدُ ذاتُهُ، أكبُرُ،ومحاولاتي عابثةٌ، وهو في السِّنِّ نفسِها،بالعينَيْن الحمراوَيْن، والوجِهِ التافِهِ، يضحكُ:أُمُّكَ تتعفَّنُ في وحشتِها. وكالسنواتِ الماضيةِ، أرمي الباقةَ، تتطايرُ في وجهِ العالمِ،في قبرِها الكبيرِ.
‏ماراثون اليأسِ

حين كنتُ شوكةً صغيرة في الرحمِ، فكرت فيما بعد العبورِ، فيما سيحدث عند إطلاقي، حاملًا حبل أسراري، وقدري الذي سيصطدم بالموت… وينكسرا،
لأتعلم مبكرًا مضغ الشظايا.
ومرةً بلا سببٍ صرتُ مراهقًا، ربطوني بترانيم ثقيلة، علموني العويل، وغسل الجنابة، قراءة الأحجارِ، وتفتيت الحزن.
كرجلٍ مخمورٍ كانت ابتسامتي تتمايل لليمين، وبلا سببٍ، اقتلعت الحياةُ سنَّ المراهقةِ، ودفعتني إلى ماراثون اليأسِ، تطاردُني السلاسلُ، وجرائم أسلافي، قفصي الصدريُّ بدا وكأني كنتُ سيجارة في قصيدةٍ سابقة، ومخاوفي عند كل انعطافٍ في مساري تجلجلني. وكنت أعرف أني أخسر الزمن، وما لا أريدُ يصل إليَّ قبلي، أتجاهلهُ، لكنه يصيرُني، وأركض باحثًا عن أنة أخرى، لكننا مُكرهون على أنفسنا، على بعضِ جيناتٍ قديمة، فالغمازةُ، التي لديّ ملكٌ لهيكلٍ عظميّ من القرنِ الثالث عشر، ولون عينيّ يتبع الجد المليارَ: ديناصور أسلافي. إذًا قطعٌ من الآباءِ، ونفخة من شبحٍ، وأربعة أرقامٍ، وأشياء أجهلها، أكون.


*الشاعر الإماراتي علي المازمي
"سيري" ليست فقط كاتبة جيدة، وإنما عبقرية.
أعتقد أنها أكثر الأشخاص الذين قابلتهم ذكاء وألمعية، لديها موهبة لا تُصدّق في التفكير وامتصاص المعلومات الجيدة، تتبنى موضوعات جيدة للكتابة، وقادرة على الدخول في مساحات واسعة من المعرفة، كما أن لديها عقلًا أكولًا.
كم مثير أن أراها تفعل كل ما فعلته على امتداد تلك السنوات التي عشناها معًا، ما يقرب من 36 عامًا.
أكبرها بثماني سنوات، ما يجعلنا معاصرين لبعضنا، لكن ليس على نحو تام؛ نحن غير متنافسين، ولم نتنافس أبدًا، وإنما نعشق ما يفعله كل منا، ويدعم كل منا ما يفعله الآخر، ودائمًا ما يكون كل منا القارئ الأول للآخر".

بول أوستر عن زوجته سيري

*من حوار مع المخرج: فيم فيندرز
كتاب "قبل انهيار العالم"
منشورات الربيع
Forwarded from حَديث الأشجـار (مَريـم)
«كان كافكا يرى أنّ الإنسان يوجد في موقفٍ يُشبه الوقوف وسط نفقٍ طويل، لا ضوء في بدايته ولا في نهايته، لأنّ ما نُسمّيه الواقع الفعليّ يتخفّى دائماً وراء قناع لا يسمح لنا برؤية ما يقع وراءه، مما يسلبنا القدرة على امتلاك إدراك حقيقيٍّ لما نعيشه، شظايا الواقع وحدها، شظايا الزمان والمكان، عبثيّة أن نكون هكذا، تتجلّى لنا من بعيد، لكن من دون قدرةٍ على فهمها. ما يبقى لنا هو الحسّ بها فقط.

هذا الموقف هو الذي جعل ريلكه ينظر إلى كل بحثٍ كبحث عن ملجأ، ذلك السعي المدمّر للذات للوصول إلى الله:

"أطوفُ حول الله،
حول البُرجِ القديم،
أطوفُ حوله آلافاً من السنين"

هكذا يقولُ ريلكه في (كتاب الساعات) ثم يُعلن في مكانٍ آخر: "الطريقُ إليكَ بعيدةٌ بطريقةٍ مخيفة، ولأنّ أحداً لم يَسْلُكها منذ زمنٍ طويل، صارت قاحلة"…»




فاضل العزّاوي - الرائي في العتمة
Forwarded from Hamsa in wonder land
كيف تجيء النهايات؟
كيف ينتهي الصباح؟
كيف تنتهي الموسيقى؟
كيف أصنعُ رأسًا من تلكَ الصخرة
الّتي تعتلي منكبّي؟
كيف أروي تلكَ المساحات
الشاسعة من الرمال،
وأنا لا أملكُ إلّا قطرة دمّ واحدة
منحني إيّاها جمعٌ غفيرٌ من الأجداد
وأخبروني أنها سرّي.
فانتابني نوع من الحيرة:
كيف أدخلها جسدي؟
لا لضيق المكان وقلّة الشرايين
بل لأنني لَمْ أعتد على الوجود بعد!

-سنية صالح
2024/09/29 01:28:53
Back to Top
HTML Embed Code: