يسألني:"
لماذا تفزعين هكذا؟
وأنا لا أعرف
لكن أحيانًا
مثل هذه اللحظة
أخاف
أنا خائفة من أن أنهي القصيدة
وأرفع رأسي
لأنظر إلى العالم."
لماذا تفزعين هكذا؟
وأنا لا أعرف
لكن أحيانًا
مثل هذه اللحظة
أخاف
أنا خائفة من أن أنهي القصيدة
وأرفع رأسي
لأنظر إلى العالم."
"أبناء يعبثون بتاريخ الآباء
حلمت بك البارحة
وأنت تشرد في مخيلتك وتبتسم
ثم تنام بين يدي
وتبكي…
كم كانت دافئة دموعك
مثل دفء حليب أمّ
في فم رضيع
لم أكن أعرف أن من السهل
أن أصبح هكذا أما لمن أحب
حتى لو كان أبي.
مازالت دموعك الدافئة بين يدي
تمطر في قلبي
وأحاول كل مرة، دون جدوى،
العودة إلى الحلم
كي أجفف دموعك.
قلبي كان عصفورا يتخبط في قفصه
حين كنت
برقة تنحني
وببراءة الأطفال
تحط بين يدي.
أشعر بعجز
أكبر مني وأقدم
من تاريخي الشخصي.
ورغبةٍ تنخر قلبي
كي أجفف كل دموعك
حتى الدموع التي كانت
في حياتك السابقة
لوجودي.
لكنني لا أستطيع الآن
سوى تذكرك:
كي أخلّص ذاكرتي
من قسوة الأبناء
وأيادي الأطفال العابثة
بتاريخ الآباء.
لوقت طويل
يعتقد الأبناء
أن الآباء ولدوا كبارا،
ويعيشون، من أول الدنيا،
كهولا.
أحاول المشي في ذاكرتك
كي أمحو أثر قسوة الحياة والزمن.
أتذكرك:
نظرتي تصبح يدا
تسافر إليك
وتجفف العرق على جبينك
وأنت تسقي الشجيرات
في الحقل.
توغل يدي في تذكرك
تهدهدك طفلا
قبل أن أوجد، ولو فكرة، في حياتك.
قيل لي إنك كنت الابن البكر
كنت تعيل أسرتك
وكان أبوك يحبك كثيرا،
أو ربما هذا ما أتمناه
أن يكون قد أحبك كثيرا.
لا أتذكر أباك
لكنني سأحمل لك مظلة وأتبعك
كل ليلة خميس
وأنت تزور قبره
كي لا تشعر حين تمطر
في الشتاء القارس
أنك وحيد.
وأتمنى من كل قلبي
أن يكون الله موجودا
لأنك يا أبي صليت
لعقود وعقود
واثقا
أن الله يراك.
وتنقي نظرتي الساهمة في ذاكرتك
كل الطرق التي اخترتها
كي أجعل من حياتك كلها
طرقًا أسهل ولو قليلا،
بدل طريق الشقاء
طريقِك.
لن يكون الطريق إلى الحقول
بعيدا ولن تتشقق ساقاك
سأمنحك عمري
وأمسح كل التجاعيد
من وجهك.
وتذهب نظرتي أبعد
من تلك الحقول
وأُبعدَ عن طريقك كل شخص يغضبك
وأختار لك ابنة أخرى بدلًا منّي
تتمسك بالأرض
تنجب لك أحفادا
ولا ترحل إلى أي مكان."
الشاعرة التونسية كوثر دوزي
حلمت بك البارحة
وأنت تشرد في مخيلتك وتبتسم
ثم تنام بين يدي
وتبكي…
كم كانت دافئة دموعك
مثل دفء حليب أمّ
في فم رضيع
لم أكن أعرف أن من السهل
أن أصبح هكذا أما لمن أحب
حتى لو كان أبي.
مازالت دموعك الدافئة بين يدي
تمطر في قلبي
وأحاول كل مرة، دون جدوى،
العودة إلى الحلم
كي أجفف دموعك.
قلبي كان عصفورا يتخبط في قفصه
حين كنت
برقة تنحني
وببراءة الأطفال
تحط بين يدي.
أشعر بعجز
أكبر مني وأقدم
من تاريخي الشخصي.
ورغبةٍ تنخر قلبي
كي أجفف كل دموعك
حتى الدموع التي كانت
في حياتك السابقة
لوجودي.
لكنني لا أستطيع الآن
سوى تذكرك:
كي أخلّص ذاكرتي
من قسوة الأبناء
وأيادي الأطفال العابثة
بتاريخ الآباء.
لوقت طويل
يعتقد الأبناء
أن الآباء ولدوا كبارا،
ويعيشون، من أول الدنيا،
كهولا.
أحاول المشي في ذاكرتك
كي أمحو أثر قسوة الحياة والزمن.
أتذكرك:
نظرتي تصبح يدا
تسافر إليك
وتجفف العرق على جبينك
وأنت تسقي الشجيرات
في الحقل.
توغل يدي في تذكرك
تهدهدك طفلا
قبل أن أوجد، ولو فكرة، في حياتك.
قيل لي إنك كنت الابن البكر
كنت تعيل أسرتك
وكان أبوك يحبك كثيرا،
أو ربما هذا ما أتمناه
أن يكون قد أحبك كثيرا.
لا أتذكر أباك
لكنني سأحمل لك مظلة وأتبعك
كل ليلة خميس
وأنت تزور قبره
كي لا تشعر حين تمطر
في الشتاء القارس
أنك وحيد.
وأتمنى من كل قلبي
أن يكون الله موجودا
لأنك يا أبي صليت
لعقود وعقود
واثقا
أن الله يراك.
وتنقي نظرتي الساهمة في ذاكرتك
كل الطرق التي اخترتها
كي أجعل من حياتك كلها
طرقًا أسهل ولو قليلا،
بدل طريق الشقاء
طريقِك.
لن يكون الطريق إلى الحقول
بعيدا ولن تتشقق ساقاك
سأمنحك عمري
وأمسح كل التجاعيد
من وجهك.
وتذهب نظرتي أبعد
من تلك الحقول
وأُبعدَ عن طريقك كل شخص يغضبك
وأختار لك ابنة أخرى بدلًا منّي
تتمسك بالأرض
تنجب لك أحفادا
ولا ترحل إلى أي مكان."
الشاعرة التونسية كوثر دوزي
Forwarded from رصيف22 سوريا
يبدو أنّنا، مع هذا اليوم أو من دونه، سنظلّ ننتظر اللحظة التي تتحقّق فيها الحقوق الأساسيّة للمرأة الغزّيّة، وعلى رأسها حقّها بالحياة. نستعرض هنا قصص عشر نساء فلسطينيّات غزّيّات، منهنّ من استشهدن خلال الحرب المستمرّة على غزّة وتركن قصصهنّ وراءهنّ، ومنهنّ من يزلن على قيد الحياة ليروين شهاداتهنّ للتاريخ https://raseef22.net/article/1096716?utm_source=CMS-14&utm_campaign=Post-49068
رصيف22
يوم المرأة في غزة... وعشر نساء لن يغادرن ذاكرتنا
في مثل هذا اليوم من كلّ عام، يحيي العالم يوم المرأة العالميّ. توزع الورود على النساء في أماكن عملهنّ، يُحتفى بهن وبإنجازاتهن، ويسلط الضوء عليهن وعلى قضاياهنّ. لكن كيف هو شكل هذا اليوم في الوقت الذي يشهد هذا العالم إبادة بالبثّ الحيّ بحق أهل غزّة ونسائها
Forwarded from الغائِب عن النص
هؤلاءِ الذينَ غادروني من دونَ أن يطلبوا دمعةً أو كلمةَ وداع. الَّذين انسحبوا بخفَّةٍ من حياتي، كأنَّ ورقةً صغيرةً سقطت في الماء.
• وديع سعادة | بسبب غيمة على الأرجح
• وديع سعادة | بسبب غيمة على الأرجح
Forwarded from الغائِب عن النص
أعتقدُ أنَّ الشجرَ كانَ ينمو ويُثْمِرُ، هناك، بفعلِ نظراتهم، والمطرُ ينزلُ استجابةً لهم. كنتُ أراهم يحدِّقونَ في السماءِ ويعرفونَ نوايا الغيوم. والرياحُ تمرُّ بهم أليفةً وواضحةً كأنَّهُمْ أصدقاؤها. كأنَّهم كانوا ذاتَ يومٍ مع الرياحِ رفاقَ طريق، وتبادلوا على الدربِ أسرارَ حياتهم.
• وديع سعادة | بسبب غيمة على الأرجح
• وديع سعادة | بسبب غيمة على الأرجح
Forwarded from الغائِب عن النص
ناسٌ كثيرون يمشون الآنَ في الخارجِ بأعضاءٍ ناقصةٍ، باحثين ليسَ عن أعضائهم المفقودةِ لأنَّهُم على الأرجحِ نسوها، بل عن لقمةِ خبز. وناسٌ كثيرون لم يعودوا بحاجةٍ إلى تلك الأعضاء لأنَّهُمْ تناثروا معها في أمكنةٍ لا يعرفونَها هُمْ ولا أحِبَّاؤهُم.
انتشروا في أكثرَ من مكانٍ، نثرةً نثرة، مُتَّحِدين بالغبارِ الذي لا يُرى وبإسمنتِ البناياتِ وبالنسيانِ الرهيب…
• وديع سعادة | بسبب غيمة على الأرجح
انتشروا في أكثرَ من مكانٍ، نثرةً نثرة، مُتَّحِدين بالغبارِ الذي لا يُرى وبإسمنتِ البناياتِ وبالنسيانِ الرهيب…
• وديع سعادة | بسبب غيمة على الأرجح
Forwarded from الغائِب عن النص
أخبروني أنَّ موتًا كثيرًا وبكاءً كثيرًا جرى على الطُّرُقاتِ، حتَّى تفتَّحَ الأسفلتُ عن زهورٍ بشريةٍ يستطيعُ كُلُّ العابرينَ أنْ يَرَوْها، لكنَّ المفجوعينَ وحدَهُمْ يشمُّونَ فيها رائحةَ الزهور.
• وديع سعادة | بسبب غيمة على الأرجح
• وديع سعادة | بسبب غيمة على الأرجح
أنتَ في البيت؟
امشِ نحو المطبخ
افتحْ بابَ الثلاجة
لا أريدُ سوى أن تحملَ حبةَ بندورةٍ واحدة
أتراها جيدًا؟
أنا لم أرَها مذ أربع أشهر.
-حيدر الغزالي.
امشِ نحو المطبخ
افتحْ بابَ الثلاجة
لا أريدُ سوى أن تحملَ حبةَ بندورةٍ واحدة
أتراها جيدًا؟
أنا لم أرَها مذ أربع أشهر.
-حيدر الغزالي.
في قصتها" اشتباك متأخر مع العدو" تصف الكاتبة الأمريكية "فلانري أوكونر" بطلها العجوز الجنرال في شيخوخته بعذوبة حزينة: كل عام في يوم الذكرى الكونفدرالي، يُحزم ويُعار إلى متحفِ كابيتول المدينة ليُعرض من الواحدة إلى الرابعة في غرفة عفنةٍ مليئة بالصور القديمة والأزياء القديمة..
آلموت " الحسن بن الصبّاح "...
ليلى عبدالله
*أعيد نشر هذه المراجعة القرائية التي كتبتها عام 2011م عن رواية " آلموت".
" آلموت " رواية لــــــ" فلاديمير بارتول " ماذا أقول عنها ..؟ سأقف على طلل البدء لأعترف بأن صدفة لم تكن عبثية البتة في معرض أبوظبي للكتاب عند منشورات الجمل .. هناك حيث كنت أربض أمام جموع الكتب المتراصة أنحت ضياعي في محاولة التسلل في قاع أفكار المؤلفين الخبيئة .. لم تكن صدفة عبثية البتة في أن أقابل في ضياعي ذاك أحد الأصدقاء الشعراء وبعد تبادل عناق التحايا ساقني إلى " آلموت " التي كانت ترقد بسلام أبدي بعد أن حملته الأسطورة تحت جناحها في واجهة أحد الرفوف وكان الصديق يبجّل الكتاب دون أن يشير إلى محتوى فكره ؛ ساعيا بذلك إلى تأثيث نهم فضولي في حيزي القرائي .. لم يشبعه سوى في لهفة شرائه والانكباب عليه.
" آلموت " هو حصن قديم فوق صخرة عالية وسط الجبال وبنيت بطريقة لا يكون لها سوى طريق واحد يصل إليها كل من يريد الوصول إليها هذا إن وصل ؛ مما يؤهلها لصفة المنع لتغدو منيعة بالفعل ..! ويقال أن من بناها أحد ملوك الديلم القدماء واسماها " ألوه أموت " ومعناه " عش النسر " .. وبقيت هذه القلعة في يد حاكم علوي قام بتجديدها واتخذها له مذ عام 860 إلى أن جاءت طائفة من الإسماعيلية ويدعون بالباطنية مع أميرهم " الحسن بن الصبّاح " في رجب مذ عام 483/ 1090م وطرد منها الحاكم بالخديعة وبقناع التدين واتخذها منبرا ؛ لبث خططه ودسائسه على السلجوقيين والعباسيين حيث امتد الصراع بينهم ردحا من الزمن إلى أن جاء هولاكو واستولى على القلعة.
ومن يعبر " آلموت " سوف يجد كائنا غير الإنسان وسوف يجد الوحش وسوف سيجد العبد وسوف يجد الذكورة الممنوعة وسوف يجد الأنوثة المباحة والأهم من كل تلك النماذج أنه سوف يصدم بوجود رجل دين وزّن نفسه برتبة " نبيّ " يتأّله بالقدرة والتقديس ..! : " كيف يكون لسيدنا الحق بإباحة الخمر في حين أن النبي حرّمه ..؟ له الحق بذلك .. قلت لك إنه هو الأول بعد الله .. إنه نبي جديد .." متجسّد في شخص " الحسن بن الصبّاح " الذي اشتهر بلقب " شيخ الجبل " وهو مؤسس ما يُعرف بالدعوة الجديدة أو الطائفة الإسماعيلية النزارية أو الباطنية أو الحشاشون .. ولد في قم ثم انتقل لريّ حيث معقل الاسماعيليين.
" الحسن بن الصّباح " هو داهية عرف كيف يختفي خلف ستار الدين لبث أفكاره و أوهامه متخذا من حصن " آلموت " قاعدة عزلته .. وقد أفلح من خلال ذكائه الحاد في التخطيط على تحويل " آلموت " إلى عالم متكامل وشامل يحكي تفاصيلها بصبغة تاريخية مغموسة بالواقع التاريخي والخيالي الروائي السلوفيني " فلاديمير بارتول " الذي عكف على كتابتها لمدة عشر سنوات ( 1927م _ 1937 م ) وقد تأثر " بارتول " بعصابات الحرب العالمية الأولى فعّبر عن رؤاه البشعة وسخطه عن ذلك من خلال هذه الكتابة في وقت كانت الفتن والدسائس والتضارب ما بين المذاهب مشتعلا ، فجاء هنا ليصور حجم الضلال وحجم الدسائس التي يخترعها رجال الدين باسم الدين .. وعن تجاوز البعض لبشريتهم ليحفلوا على أنفسهم سمات النبوة .. بل ليتسلقوا على كتف مهامات إلهية ؛ ليوهموا العامة بمدى قدسيتهم فيمنحون صكوك الغفران ويوجبون العقاب في الجحيم لكل من يخالف آراءهم ويوعدون بجزيل العطاء بجنان الفردوس لكل من ينصاع لهم ؛ لتصل زندقتهم حدها إلى امتلاك مفتاح الفردوس و" الحسن بن الصّباح " هو النموذج البشع الذي لم يكف بالنبوة بل فرط إلى حد التّأليه.
وكان من الطبيعي أن تكون هذه الرواية ملعونة وأن لا يعاد نشرها سوى بعد مغادرة الكاتب للحياة .. ومن الإبداع أن " فلاديمير بارتول " جسّد كل تلك اللعنات ونفخها في روح رجل واحد هو " الحسن بن الصبّاح " الذي روّض الحيوانات المتوحشة في جنته ألموت كما روّض الإنسانية تماما في شخص " الفدائيين " : " لم تستطع أن تستوعب كيف بإمكان فهد وغزالة أن يكونا صديقين في هذا العالم .. إذ إن الله وبحسب قول النبي قد ادّخر هذه الأعجوبة إلى قاطني الجنة .." فمن يقرأ " آلموت " سوف يتعرف على عالمين متضادين على عالم أنثوي مغري في جزء الأروع من آلموت حيث كما وصفها المستشرق " ماركو بولو " التي زار آلموت من بعد وفاة " الحسن بن الصبّاح " بقوله : " الحسن بن الصبّاح حول أحد أودية جبال آلموت إلى حديقة من أكبر وأجمل ما يمكن أن تقع عليه عين ناظر مليئة بكل أنواع الفاكهة نصبت فيها خيم وقصور أنيقة فارهة جميعها مفضفضة ومذهبة وسواقي تجري فيها الخمور والألبان والعسل والماء .. " وقد استقى " فلاديمير بارتول " بعض تلك الأوصاف من الرحالة " ماركو بولو " وبثّها بخيال ساحر في روايته ليبرع في رسم عالم أنثوي بجدارة حيث جواري من كل صنف يتعلمن فنون الغناء والرقص والخياطة والتزين والكتابة على يد " مريم " القريبة من قلب " الحسن بن الصباح " فهي من يسكب في حضرتها فحوى أسراره وخططه بينما يتعاطين فنون الحب الجنسي على يد " أباما " الذي سرق الزمن جمالها وقلّص من اغرائها
ليلى عبدالله
*أعيد نشر هذه المراجعة القرائية التي كتبتها عام 2011م عن رواية " آلموت".
" آلموت " رواية لــــــ" فلاديمير بارتول " ماذا أقول عنها ..؟ سأقف على طلل البدء لأعترف بأن صدفة لم تكن عبثية البتة في معرض أبوظبي للكتاب عند منشورات الجمل .. هناك حيث كنت أربض أمام جموع الكتب المتراصة أنحت ضياعي في محاولة التسلل في قاع أفكار المؤلفين الخبيئة .. لم تكن صدفة عبثية البتة في أن أقابل في ضياعي ذاك أحد الأصدقاء الشعراء وبعد تبادل عناق التحايا ساقني إلى " آلموت " التي كانت ترقد بسلام أبدي بعد أن حملته الأسطورة تحت جناحها في واجهة أحد الرفوف وكان الصديق يبجّل الكتاب دون أن يشير إلى محتوى فكره ؛ ساعيا بذلك إلى تأثيث نهم فضولي في حيزي القرائي .. لم يشبعه سوى في لهفة شرائه والانكباب عليه.
" آلموت " هو حصن قديم فوق صخرة عالية وسط الجبال وبنيت بطريقة لا يكون لها سوى طريق واحد يصل إليها كل من يريد الوصول إليها هذا إن وصل ؛ مما يؤهلها لصفة المنع لتغدو منيعة بالفعل ..! ويقال أن من بناها أحد ملوك الديلم القدماء واسماها " ألوه أموت " ومعناه " عش النسر " .. وبقيت هذه القلعة في يد حاكم علوي قام بتجديدها واتخذها له مذ عام 860 إلى أن جاءت طائفة من الإسماعيلية ويدعون بالباطنية مع أميرهم " الحسن بن الصبّاح " في رجب مذ عام 483/ 1090م وطرد منها الحاكم بالخديعة وبقناع التدين واتخذها منبرا ؛ لبث خططه ودسائسه على السلجوقيين والعباسيين حيث امتد الصراع بينهم ردحا من الزمن إلى أن جاء هولاكو واستولى على القلعة.
ومن يعبر " آلموت " سوف يجد كائنا غير الإنسان وسوف يجد الوحش وسوف سيجد العبد وسوف يجد الذكورة الممنوعة وسوف يجد الأنوثة المباحة والأهم من كل تلك النماذج أنه سوف يصدم بوجود رجل دين وزّن نفسه برتبة " نبيّ " يتأّله بالقدرة والتقديس ..! : " كيف يكون لسيدنا الحق بإباحة الخمر في حين أن النبي حرّمه ..؟ له الحق بذلك .. قلت لك إنه هو الأول بعد الله .. إنه نبي جديد .." متجسّد في شخص " الحسن بن الصبّاح " الذي اشتهر بلقب " شيخ الجبل " وهو مؤسس ما يُعرف بالدعوة الجديدة أو الطائفة الإسماعيلية النزارية أو الباطنية أو الحشاشون .. ولد في قم ثم انتقل لريّ حيث معقل الاسماعيليين.
" الحسن بن الصّباح " هو داهية عرف كيف يختفي خلف ستار الدين لبث أفكاره و أوهامه متخذا من حصن " آلموت " قاعدة عزلته .. وقد أفلح من خلال ذكائه الحاد في التخطيط على تحويل " آلموت " إلى عالم متكامل وشامل يحكي تفاصيلها بصبغة تاريخية مغموسة بالواقع التاريخي والخيالي الروائي السلوفيني " فلاديمير بارتول " الذي عكف على كتابتها لمدة عشر سنوات ( 1927م _ 1937 م ) وقد تأثر " بارتول " بعصابات الحرب العالمية الأولى فعّبر عن رؤاه البشعة وسخطه عن ذلك من خلال هذه الكتابة في وقت كانت الفتن والدسائس والتضارب ما بين المذاهب مشتعلا ، فجاء هنا ليصور حجم الضلال وحجم الدسائس التي يخترعها رجال الدين باسم الدين .. وعن تجاوز البعض لبشريتهم ليحفلوا على أنفسهم سمات النبوة .. بل ليتسلقوا على كتف مهامات إلهية ؛ ليوهموا العامة بمدى قدسيتهم فيمنحون صكوك الغفران ويوجبون العقاب في الجحيم لكل من يخالف آراءهم ويوعدون بجزيل العطاء بجنان الفردوس لكل من ينصاع لهم ؛ لتصل زندقتهم حدها إلى امتلاك مفتاح الفردوس و" الحسن بن الصّباح " هو النموذج البشع الذي لم يكف بالنبوة بل فرط إلى حد التّأليه.
وكان من الطبيعي أن تكون هذه الرواية ملعونة وأن لا يعاد نشرها سوى بعد مغادرة الكاتب للحياة .. ومن الإبداع أن " فلاديمير بارتول " جسّد كل تلك اللعنات ونفخها في روح رجل واحد هو " الحسن بن الصبّاح " الذي روّض الحيوانات المتوحشة في جنته ألموت كما روّض الإنسانية تماما في شخص " الفدائيين " : " لم تستطع أن تستوعب كيف بإمكان فهد وغزالة أن يكونا صديقين في هذا العالم .. إذ إن الله وبحسب قول النبي قد ادّخر هذه الأعجوبة إلى قاطني الجنة .." فمن يقرأ " آلموت " سوف يتعرف على عالمين متضادين على عالم أنثوي مغري في جزء الأروع من آلموت حيث كما وصفها المستشرق " ماركو بولو " التي زار آلموت من بعد وفاة " الحسن بن الصبّاح " بقوله : " الحسن بن الصبّاح حول أحد أودية جبال آلموت إلى حديقة من أكبر وأجمل ما يمكن أن تقع عليه عين ناظر مليئة بكل أنواع الفاكهة نصبت فيها خيم وقصور أنيقة فارهة جميعها مفضفضة ومذهبة وسواقي تجري فيها الخمور والألبان والعسل والماء .. " وقد استقى " فلاديمير بارتول " بعض تلك الأوصاف من الرحالة " ماركو بولو " وبثّها بخيال ساحر في روايته ليبرع في رسم عالم أنثوي بجدارة حيث جواري من كل صنف يتعلمن فنون الغناء والرقص والخياطة والتزين والكتابة على يد " مريم " القريبة من قلب " الحسن بن الصباح " فهي من يسكب في حضرتها فحوى أسراره وخططه بينما يتعاطين فنون الحب الجنسي على يد " أباما " الذي سرق الزمن جمالها وقلّص من اغرائها
وانتهت إلى عجوز شمطاء بائسة الحظ لا تملك سوى ذاكرة حكائية مضمّخة بقرنفل الأبطال والعشاق .. مع وجود خصيان مخلصين يقومون بخدمة الجواري ..
ومن هذا المخبأ المنيع الذي يسمح فيه كل شيء حتى التفسخ يكمن في الجانب الآخر من جدران آلموت عالم يكاد يفصله عن الجانب الأول بشكل فاغر ؛ حيث هنا آلموت عبارة عن قلعة أشبه بمدرسة لتأهيل صبية صغار ما بين الثانية عشر والعشرين من أعمارهم يقوم أساتذة من الإسماعيلية بتلقينهم تعاليمهم السرية بأسلوب مجاهر ومكشوف ويتلقون فنون الفلسفة وفنون القتال ناهيك عن فرض قوانين جادة وصارمة حيث يمنع هؤلاء الصبية من شرب الخمر والزواج .. بل إن مجرد إطلاق الفكر في خيالات الاحتلام يعد خطيئة يعاقبون عليها أشد عقاب ..
وهؤلاء الصبية يؤهلون بعد اجتياز الاختبار إلى مسمى " فدائيين " وهم جيش اتخذه " الحسن بن الصّباح " للتنكيل بأعدائه ولبث دسائسه وقد استولى على عقولهم من خلال زرع الأوهام والأباطيل على كونه النبي الذي يجب تقديسه وما يسوغ ذلك هو امتلاكه مفتاح الفردوس.
وسوف يرى القارئ كيف أن بعض هؤلاء الفدائيين يفلح " الصبّاح " في خداعهم بجنات الفردوس من خلال تنويهم بمادة الحشيش ومن هنا جاءت تسمية " الحشاشين " وعبر ذلك يدخلون في عوالم وهمية تتضارب فيها الحقيقة مع الخيال؛ ليجدوا أنفسهم في الفردوس حيث حوريات الجنة والخمر والمتع الحسية بمساعدة الخصيان الذين يقومون بنقلهم وهم منغمسون في ترف نوم مسكر .. وكم يدرك القارئ هنا مدى فداحة خبث " الحسن بن الصّباح "!
وما أثرى شخصية " الحسن بن الصباح " هي هالة الاعتزال أو العزلة فــــــ" شيخ الجبل " تذكرني هنا – شخصيا - برواية " نجيب محفوظ " في رائعته " أولاد حارتنا " وشخصية " الجبلاوي " في مبدأ العزلة والرهبة .. هذا الاعتزال عن الآخرين خاصة فدائييه وعن جواريه عدا " مريم " و" أباما " وبعض الخصية وبعض مقربيه جعل الآخرين يقدسونه كنبي ويؤّلهون كل الأساطير التي كانت تحوم حوله .. : " - لماذا لا يكشف الزعيم لنا عن نفسه للمؤمنين؟ سأل ابن طاهر بإلحاح.
- إنه قديس – قال معترضا – يدرس القرآن طوال النهار يصلي ويسن التعاليم لنا والوصايا ".
كان " فلاديمير بارتول " المحرر من الوهم يعلم أن الخير والشر يتآخيان غالبا في النفس الإنسانية .. يموت غوله عندما يعترف لنا بأن تعصّبه نفسه لم يكن إلا التنّكر لعقل تخلّص من كل وهم .. و"الحسن بن الصّباح " صانع الخزعبلات والأساطير والأوهام قد تشبّع من أوهامه وبددها بإلقام الآخرين لها ؛ ليحيك فراغه في عزلة أسطورية .
فقد كان يعرف حيث لا يعرف الآخرين سر الإسماعيلية وكانت في عبارة صغيرة ملفوفة بورق الوهم : " لا شيء حقيقي وكل شيء مباح ".
و" حيث يبدأ وهم الحياة تنتهي الحقيقة " كما تشير إحدى سطور الرواية.
ومن هذا المخبأ المنيع الذي يسمح فيه كل شيء حتى التفسخ يكمن في الجانب الآخر من جدران آلموت عالم يكاد يفصله عن الجانب الأول بشكل فاغر ؛ حيث هنا آلموت عبارة عن قلعة أشبه بمدرسة لتأهيل صبية صغار ما بين الثانية عشر والعشرين من أعمارهم يقوم أساتذة من الإسماعيلية بتلقينهم تعاليمهم السرية بأسلوب مجاهر ومكشوف ويتلقون فنون الفلسفة وفنون القتال ناهيك عن فرض قوانين جادة وصارمة حيث يمنع هؤلاء الصبية من شرب الخمر والزواج .. بل إن مجرد إطلاق الفكر في خيالات الاحتلام يعد خطيئة يعاقبون عليها أشد عقاب ..
وهؤلاء الصبية يؤهلون بعد اجتياز الاختبار إلى مسمى " فدائيين " وهم جيش اتخذه " الحسن بن الصّباح " للتنكيل بأعدائه ولبث دسائسه وقد استولى على عقولهم من خلال زرع الأوهام والأباطيل على كونه النبي الذي يجب تقديسه وما يسوغ ذلك هو امتلاكه مفتاح الفردوس.
وسوف يرى القارئ كيف أن بعض هؤلاء الفدائيين يفلح " الصبّاح " في خداعهم بجنات الفردوس من خلال تنويهم بمادة الحشيش ومن هنا جاءت تسمية " الحشاشين " وعبر ذلك يدخلون في عوالم وهمية تتضارب فيها الحقيقة مع الخيال؛ ليجدوا أنفسهم في الفردوس حيث حوريات الجنة والخمر والمتع الحسية بمساعدة الخصيان الذين يقومون بنقلهم وهم منغمسون في ترف نوم مسكر .. وكم يدرك القارئ هنا مدى فداحة خبث " الحسن بن الصّباح "!
وما أثرى شخصية " الحسن بن الصباح " هي هالة الاعتزال أو العزلة فــــــ" شيخ الجبل " تذكرني هنا – شخصيا - برواية " نجيب محفوظ " في رائعته " أولاد حارتنا " وشخصية " الجبلاوي " في مبدأ العزلة والرهبة .. هذا الاعتزال عن الآخرين خاصة فدائييه وعن جواريه عدا " مريم " و" أباما " وبعض الخصية وبعض مقربيه جعل الآخرين يقدسونه كنبي ويؤّلهون كل الأساطير التي كانت تحوم حوله .. : " - لماذا لا يكشف الزعيم لنا عن نفسه للمؤمنين؟ سأل ابن طاهر بإلحاح.
- إنه قديس – قال معترضا – يدرس القرآن طوال النهار يصلي ويسن التعاليم لنا والوصايا ".
كان " فلاديمير بارتول " المحرر من الوهم يعلم أن الخير والشر يتآخيان غالبا في النفس الإنسانية .. يموت غوله عندما يعترف لنا بأن تعصّبه نفسه لم يكن إلا التنّكر لعقل تخلّص من كل وهم .. و"الحسن بن الصّباح " صانع الخزعبلات والأساطير والأوهام قد تشبّع من أوهامه وبددها بإلقام الآخرين لها ؛ ليحيك فراغه في عزلة أسطورية .
فقد كان يعرف حيث لا يعرف الآخرين سر الإسماعيلية وكانت في عبارة صغيرة ملفوفة بورق الوهم : " لا شيء حقيقي وكل شيء مباح ".
و" حيث يبدأ وهم الحياة تنتهي الحقيقة " كما تشير إحدى سطور الرواية.