Telegram Web Link
كم هو تعيس هذا فلسطيني .. كم هو سعيد!

ليلى عبدالله

في وقت استقر فيه كل من " حنّه " و" ميخائيل " في بيتهم المسلوب من الفلسطينيين في القدس، وأصبحوا فيه مواطنين وملاك أرض بين ليلة وضحاها، وجد كل من " حسن " و" داليا " وغيرهم من الغلابة أنفسهم مطرودين خارج أرضهم، وبيوتهم، وأشجار الزيتون التي غرسوها بدماء قلوبهم محبة وارتواء ليغادروها، ليرحلوا مجبورين، مطرودين كل ما يمت واقعهم بصله وتاريخهم إلى واقع أليم غدوا فيه مهاجرين، منفيين، لاجئين!

في وقت خسرت فيه عائلة " حسن " و" داليا " ابنهما الرضيع " اسماعيل " حين قام بخطفه الإسرائيلي المدعو " موشي " ليقدمه بضمير ميت إلى زوجته " يولانتا " التي حرمت من نعمة الأمومة، ليبدد هذا الطفل الرضيع المخطوف من عائلة فلسطينية الرتابة عن حياتهم البليدة، وليحل الدمار في قلب أم " اسماعيل " والدة الطفل المخطوف.

في وقت عاش فيه والد " ميخائيل " اليهودي بشيخوخة كريمة في ديار سلبها أجداده من مواطنين أصليين في الوقت نفسه يقضي والد " حسن " نحبه برصاصة إسرائيلية؛ لأنه تسلل متخفيًّا إلى بيته، وتحت شجرة الزيتون التي غرسها في شبابه نام نومته الأخيرة مقتولاً .. شهيدًا!

كل ما سبق هي شخصيات روائية متخيّلة، كل ما سبق هي شخصيات مأخوذة من روايتين مختلفتين، فــ" حنّه " و" ميخائيل " ووالدهم من رواية " حنا وميخائيل " للروائي اليهودي " عاموس عوز "، بينما " موشي " و" يولانتا " وكل " من " حسن " و " داليا " و" اسماعيل " باسمه الفلسطيني أو " دافيد " حين خطفته العائلة اليهودية من رواية " بينما ينام العالم " للروائية الفلسطينية " " سوزان أبو الهوى " ..

كم من تنازلات قدمها هذا الفلسطيني!
كم من أحلام خسرها! كم من نكبة مرت عليه؟ نكبة الأرض والوطن والأبناء، نكبة الروح والتشرد والجوع والأسر وخراب الديار، هذا الفلسطيني الذي أصبحت أشياء بسيطة تسعد قلبه المثقل بركام الأوجاع هو نفسه الذي حين يجتاز حاجز يشعر بالسعادة، وحين يعود التيار الكهربائي يشعر بالسعادة، وحين يملأ سيارته بالبنزين يشعر بالسعادة، وحين يشحن هاتفه بالرصيد يشعر بالسعادة، وحين ينزل الراتب يشعر بالسعادة إلى لا آخره ـ. هذا الفلسطيني الذي يشعر بالسعادة لأمور هي حق من حقوقه أولا كإنسان وثانيا كمواطن في بلده، ولكن حين قام الآخرون بسلب وطنه وسط خرس العالم .. هذا الفلسطيني الذي تصالح مع واقعه التعيس؛ كي يتحمل مرارة كل ما خسره .. لذا عزم أن يتجاوز خرس العالم بصناعة سعادته الشخصية، هي ضئيلة في نظر العالم غير أنها عظيمة في تحدّيه!

كقارئة حين قرأت الروايتين، الرواية اليهودية والرواية الفلسطينية شعرت بغصة حارة عميقة في قلبي، غصة إنسان يرى كيف أن هذا العالم غير منصف!
وكم هو بشع حين يلتهم حقوقك ببساطة تامة! وكيف أن نكرانك لمغتصبيك هي حرب خاسرة! هي حرب مكلفة، هي حرب تخرج منها مقتولاً؛ فهذا العالم الكبير على مصالحه والصغير على مصالحك لن يمد يده لك، ولن ينصفك، ولن يأبه بك أو بقضيتك على الرغم من أنه يتحدث باسمك وباسم أهلك وأرضك وقضيتك أمام الحشد!

الصوت نفسه والنبرة نفسها تتغير بمجرد ما يكون أمامك في العتمة بعيدًا عن الحشد والأضواء .. وتلقي بالعروبة التي تغنى بها أجدادك طوال تلك القرون السالفة خلف ظهرك، فالزمن العقرب علمك معنى أن تكون متوحدًا تنافح عن أرضك وعرضك وحدك وبأساليب قد تنبذها، ولكنها الطريقة الوحيدة نحو الخلاص، نحو حرية ما، نحو إنسانية ما، نحو حياة ما في وسط ظلام فجّ كتلك القلوب التي تخلت عنك!

فكم هو تعيس هذا الفلسطيني. كم هو سعيد!
‏" نحن في الأعلى نبني مدينة ثانية".

هبة أبو ندى
"مات أطفال لم يستخدموا أسماءهم بعد"!

هبة أبو ندى
"سوف نمنع تدفق الأموال الأمريكية إلى الصهاينة؛ لأن الناس البيض مثلي أصبحوا اليوم يعرفون الجزء الفلسطيني من القصة:
أخذت وعدًا على نفسي لن أصوّت لأي سياسي يدعم إسرائيل، نعم، أنا فرد واحد، لكن مع تفشي الوعي سنكون أفرادًا".

رجل أمريكي يدعم القضية الفلسطينية
"اسمه يوسف 7 سنين شعره كيرلي وأبيضاني وحلو.. بدي يوسف يابابا"

"كان يصرخ عليّ يا كمال يا كمال!
كان عايش والله.. بدي أبوسه".

" الولاد وين؟ الولاد ماتوا بدون ماياكلوا يشهد عليا الله"

"قوم ارضع حبيبي.. قوم.."

"بدي شعرة منه.. شعرة واحدة بس قبل م تدفنوه"

"كنت نايم!"

"يا عمـــااار.. حاسس فيني؟ مش راح أمشي قبل م تطلع من تحت الر.دم بستنى ليوم ليومين لسنة لحتى تطلع"

"والله بنتي عروسة استـ. شـ8ـدت، عرسها كان الجمعة الـ فاتت والله م رجعنا فستان العرس لصاحبه"!

" والله عروسة حامل شهرين"

"السبعة مع أمهم.. السبعة مع أمهم"

"ثانية بس ثانية واحدة سبت ايدي ليش.. ياريتني مـ. ـت معك.. سبتيني لمين!"

"ياعالم جيبولي بنتي"

"ياجماعة زوجي استـ. شـ. 8ـد.. استـ
ش8ـد أبوكي".

" أربعين سنة بشتغل عشان أبني الدار.. راحت، فدا فلسـ. ـطىن"

"كنت ناوي أعملها عيد ميلاد.."

"ياريتني أنا أروح عند أبوي كمان"

"ماتعيطش يازلمة.. كلنا شـ. ـ8ـداء، كلنا مشاريع شـ. ـ8ـداء"

"فدا الأقصـ. ـى يمّا فدا الأقصـ. ـى"

"ماتخافش يابا أنا كويس يابا.."

"قلبي انقطع عليكي يا أختي.. العـ. ـرب وينهم، المسـ. ـلمين وينهم؟"

"بيكفي ياعالم بيكفي"

"حطي قلبك على قلبي يمّا.. حس فيكي يمّا"

"والله ما احنا منهزين"

"هذه مرح بتحب الرسم كانت، وهذه بيسان الدكتورة.."

"رايح أدفن أبويا بسيارتي.."

"ياعمو وديني ع ماما.. بدي ماما"

"إيش عملتلهم هالبنت الصغيرة؟ عشرين سنة نفسه يخلف.. قعدت شهرين وراحت! "

" عمر أحكي بسم الله، حبيبي سامعني قول ورايا أشهد أن لا إله إلا الله.. علّي صوتك حبيبي"

"أخواتي أخواتي .. ما فيني شي بدي أخواتي"

"دارنا راحت وين بدنا نقعد؟!"

"ماضلش مكان نشـ. ـرد.. وين بدنا نشـ. ـرد؟ ماضلش مكان نسكن فيه".

-" ولا مرة
كان أي منهم رقماً ،
كان
لكلٍّ منهم بيتٌ
وقصة
وعائلة
وحلمٌ
وذاكرة
..وقَلب".
في مقاله"الغرب والبقية"تنبّأ الفيلسوف الإنجليزي رودجر سكروتون بأنه مع نهاية"الحرب الباردة" سينقسم العالم إلى معسكريْن متخاصمين.كان سكروتون يعرض نسخة فلسفية من عبارة روديارد كبلينغ الشهيرة، أو لنقُلْ سيئة السمعة،التي قال فيها إن "الشرق هو الشرق، والغرب هو الغرب، ولن يلتقيا أبداً".
‏حتى الخطاب الهندي بدأ يتغيّر: الحقيقة لها عدة نسخ، هناك نسخة من إسرائيل، وهناك نسخة أخرى قادمة من غزة.
‏"أخبرت أبنائي أنه لا يجب عليهم- تحت أي ظرف- أن يشاركوا في أي مجزرة، أو حتى أن يكونوا جزءا منها، حتى لو كانت تلك المجزرة ضد الأعداء. ولن ينفعهم وقتها الشعور بالأمان أو بالفرح لمجرد أن المجزرة قد وقعت على أعدائهم وليس عليهم".

رواية المسلخ رقم 5| كورت فونيجت
‏" أخبرتهم أيضا ألا يعملوا في الشركات التي تصنع آليات الحروب، وأن يعبّروا عن اشمئزازهم واحتقارهم للناس الذين يعتقدون أننا نحتاج لمصانع وآلات كهذه".

المسلخ رقم 5| كورت فونيجت
تعجز كل سرديات العالم عن وصف ما يحدث في غزة اليوم.ربما لا يكون أكبر وأعمق من كل تلك السرديات التاريخية المؤرشفة في ذاكرة الأجيال السابقة، أقول ربما، لأن ما حصل في مجازر الماضي البعيد لم تكن مرئية ومسموعة بهذه الكثافة والتسجيل اليومي بالصوت والصورة.
ما نشهده مهيب ولا يمكن سرده!

ليلى عبدالله
نعم، سيغضب الصهاينة من هذه الصورة، من تلك اليد الضئيلة التي تمتد لتصافح رجلا ملثّما. كيف لها أن تتواطأ ضد كل سردياتكم مدفوعة الثمن لتشويه صورة المقاومة وشناعة رجالها!
"في فلسطين فقط
ينام الطفلُ الـى الأبد".
2024/09/30 11:36:52
Back to Top
HTML Embed Code: