Telegram Web Link
كيف نقرأ الأدب؟
تمارين في فك غوامض الكتابات الأدبية

ليلى عبدالله

عديدة هي الكتب التي تعنى بكشف غوامض النصوص الأدبية، وعلى كثرتها فإن قليلاً منها تضع القارئ في مختبرها لقراءة النصوص الأدبية بأسلوب مغاير.
يعد الكاتب والناقد البريطاني المعاصر " تيري ايغلتون" من النقاد الذين أتاحوا عبر مؤلفاتهم النقدية المنوعة في القبض على اهتمام القارئ لقراءة النصوص بجدّية عبر كتابه الصادر بالعربية " كيف نقرأ الأدب"؟ ترجمة د. محمد درويش، الدار العربية للعلوم ناشرون.
عنوان الكتاب الذي جاء بصيغة استفهام تدفع القارئ دفعًا لاكتشاف ما يريد ايغلتون قوله، حيث قسم الكتاب إلى عدة فصول وكل فصل يحمل عنصرًا من عناصر الكتابة الأدبية. يطلّ علينا في الفصل الأول متحدثًا عن أهمية الافتتاحات الأدبية للنصوص، ويستعرض أمثلة كثيرة في هذا الشأن، على سبيل المثال الجملة الاستهلالية المقتضبة في رواية "موبي ديك" للروائي ملفيل التي تبدأ بعبارة :" call me.Ismael"هو خطاب موجه إلى القارئ ومثلها هي كل الخطابات، إنه يفضح اللعبة القصصية، وإن الاعتراف بوجود قارئ يعني الإقرار بأن هذه الرواية واقعية وهو ما تريد الروايات الواقعية الإقدام عليه، إذ تسعى عموما إلى التظاهرة أنها ليست روايات أبدا، بل تقارير مطابقة للواقع؛ لأن إدراك وجود قارئ يعني المغامرة بتدمير مسحتها الواقعية".
غير أن هذه الواقعية لها أهميتها في العصر الفيكتوري، ففي القرن التاسع عشر كانت الطبقات العاملة تنصح بقراءة الأدب ليعايشوا الحياة التي تستحيل لهم عبر الخيال كركوب الخيل للصيد أو الزواج بفيكونت مادامت غير قادرة على ممارسة هذه الأشياء في الواقع المر!
ينتقل ايغلتون إلى الفصل الثاني في حديث عن الشخصيات في الرواية، ويبدأ الفصل بقوله:" إن إحدى أكثر الوسائل شيوعًا لفحص الطابع الأدبي لمسرحية أو رواية هي معاملة شخصياتها وكأنهم أناس اعتياديون".
لكن تلك الاعتيادية لا تعني أن تكون الشخصية مطابقة للواقع كليًّا، بل يرى أن الشخصية في الحكاية يجب أن تتمايز بخواص معينة يجعلها مختلفة عن غيرها من شخوص الواقع حتى يكون الأدب مبتكرًا، إذ إن ما يجعل شخصية توم سوير مميزة في الصفات التي لا يتشارك فيها مع هاك فين . كما أن الليدي ماكبث تأتي أهميتها في كونها امرأة عنيدة وذات إرادة صلبة وليس في كونها امرأة عادية تتألم وتضحك وتحزن وتعطس، وهنا يكمن أهمية خلق الشخصيات في الأعمال الأدبية.
غير أنه يعود ويطرح تساؤلاً مخيفًا في الفصل نفسه، عن تلك الشخصيات التي تبقى مصيرها مجهولاً " عندما يختفي هيثكليف من منطقة مرتفعات ويذرنغ مدة من الزمان مكتنفة بالأسرار، فإن الرواية لا تخبرنا عن الوجهة التي يفرّ إليها" بمعنى أن الشخصيات ينتهي دورها بمجرد وقوف السرد ويضمحلون نحو عالم اللاوجود، بمعنى ليس لديها تاريخ قبلي، وليس لها مستقبل!
منتقلاً بذلك ايغلتون لطرح وجهات نظره في الفصل الثالث، متحدثًا عن السرد، وعن كيفية اختيار الشخصيات السرد، متمثلاً في رواية وليم غولدنغ المعروفة سيد الذباب، التي تدور عن مجموعة من تلاميذ المدرسة على جزيرة صحراوية ينقلبون رويدًا رويدًا إلى متوحشين.
يرى ايغلتون إن اختيار الأطفال ليكونوا شخصيات في عمل أدبي يساعد في جعل القضية مقنعة أكثر مما ينبغي، فالأطفال غير اجتماعيين، وتتسم عوالمهم بالبراءة والصدق.
متحدثًا أيضا عن الراوي الذي يتدخل في مصائر شخصياته، موغلاً في الحديث عن شخصيات لم ينصفها كتابها كما يرى، كشخصية آنا كارنينا مثلا للروائي توليستوي، فهو وضع حدًا لاندفاعاتها العاطفية بالموت أمام قطار، هذا المصير البشع لمخلوقة رائعة ككارنينا كان تدخلاً فظًّا من الكاتب لإنهاء مصير شخصية من شخصياتهم يعد تشويها لمعنى الحياة، وكما يقول ايغلتون مفسرًا :" إن هذا المؤلف الذي يتصرف تصرف " يهوذا" أصابه الهلع عندما شاهد الحياة المزدهرة التي جسدتها بطلته فتخلص منها على نحو جبان بأن دفعها تحت القطار" لاسيما في العصر الفيكتوري الذين آمنوا بأن إحدى وظائف الفن هي رفع معنويات القارئ!
مسهبًا الحديث بعد ذلك عن سمات الأعمال الحداثوية وما بعد الحداثوية التي جاءت لا تعنى بتقديم حلول قدر ما تعنى بتقديم مشكلاتها عبر شخصيات مختلفة، وهي لا تنتهي عادة بالنصابين وقد علقوا من أرجلهم فوق أعمدة الكهرباء أو بمجموعة من الزيجات السعيدة، بل تصنع الشخصية بكامل أعطابها الاجتماعية والأخلاقية تعايش مجتمعًا تختلف وجهات نظره في محاكمتها؛ فالكتابات الواقعية تنظر إلى العالم بكونه منفتحًا بينما الكتابات الحداثوية تميل إلى النظر بوصفها نصًا، وكلمة " النص " هنا تعني مادة ما محبوكة بخيوط معقدة .
1
أما في الفصل الرابع الذي عني فيه بالتفسير يطل على القارئ بعبارته:" إن العمل الأدبي لا يمكن أن يعني شيئا ما لي أنا وحدي فأنا قد أرى فيه شيئا ما لا يراه غيري، لكن ما أراه ينبغي من حيث المبدأ أن يكون قابلاً لمشاركة الآخرين معه كي نسميه معنى" .
منطلقًا إلى اختلاف تفسيرات النصوص الأدبية وفقا لقارئه، فلكل قارئ موقفه وأفكاره بل موقفه التاريخي تجاه ما يقرأ، ومن هنا يضع أحكامه ورؤاه تجاه نص ما، دون أن يسقط أهمية الشخصيات ودورها في التأثير على القارئ، كما ذهب سابقا أن الشخصيات الطفولية في نص من النصوص من شأنها أن تصنع تأثيرًا مقنعًا إذا ما اختيرت في حكاية ما، الأمر نفسه حين يختار الكاتب لحكايته شخصيات يتيمة الأبوين، فالأيتام شخصيات شاذة وغير سوية، وبلا جذور، وحين يتناولها كاتب ما فإنه سيكون متحررًا مسؤولية من يحيطون بهم، فما من تاريخ يملكونه ليعوق تقدمهم في نص ما، ولا تنتمي لشبكة معقدة من الأقرباء بل بوسعها أن تتقدم وحيدة، وهذا الانقطاع هو ما يدفع السرد إلى الحركة، ويجعله انسيابيًّا، لهذا اليتامى تعد شخصيات نموذجية في الأعمال الأدبية، ووسائل مفيدة لسرد القصص لاسيما في الروايات الحداثوية التي تنتهي غالبا بشخص ما يخرج وحيدًا وحزينًا، تكون مشكلاته عالقة بلا حلول، ولكنه في الوقت نفسه هو شخص متحرر من الالتزامات الاجتماعية والمنزلية كذلك. على نقيض الروايات الواقعية التي تتكئ على شخوص لها تاريخ واضح، لها مسؤوليات وسلسلة من الأمور التي ترتبط بها ولا يمكن أن تتجاوزها ببساطة، كما أن الكاتب هنا مطالب أن يقدم نهايات توفيقية تلائم القارئ الذي يرى أن الفن جاء ليقدم له درسًا عن الحياة التي يعيشها، الحكاية التي تعكس حياته في واقع هي امتداد لواقعه الشخصي، لذا يجد الكاتب نفسه مرتبط بهذا الواقع، ولا يكاد ينفك عنه، وأن على حكايته أن تراعي إبراز هذا الجانب في الحكاية.
أما في الفصل الخامس، وهو الفصل الأخير في الكتاب يتحدث فيه ايغلتون عن ثيمة القيمة طارحًا استفهامًا : "ما هو الذي يجعل من العمل الأدبي عملا جيّدًا أو رديئًا أو وسطًا ليس بالجيد ولا بالرديء؟" كأنه امتداد محتصر لسؤاله الكبير لكتابه كيف نقرأ الأدب ؟
لاشك أن هناك عديد من العناصر يضعها القارئ بباله حين يفسر نصًا من النصوص ليحاكمها وفق ذلك، كعمق البصيرة والواقعية، والوحدة الشكلية ونيل الاعجاب الشامل، التعقيد الأخلاقي والابتكار اللفظي، والرؤية التخيلية وغيرها.
منطلقًا من عدة أفكار عن الخيال والابتكار واللغة، فهو يذهب إلى أن الخيال الإبداعي يعيد صياغة هذا العالم على وفق رغباتنا، لاسيما حين يكون الخيال خلاصًا من ثقل الواقع المحيط بالإنسان، ويكمن قوة هذا الخيال حين يكون منفذًا لخوض عوالم تسحب القارئ إلى وجه أقل اضطرابًا، وأكثر راحة.
بينما اللغة تعد أحد أهم وسائل الابتكار في النص الأدبي، وهو بمثابة تحدٍّ لقدرات الكاتب في التعبير، فكل كلمة نستعملها تبلى ويبهت لمعانها وتستهلك وتفقد ملامحها بسبب بلايين الاستعمالات السابقة، فايغلتون يرى أن فضيلة الأدب الحقيقية تكمن في أنه يعيد كلام البشر بمنحه فيضًا ورونقًا، وبهذا نستعيد قدرًا من انسانيتنا المكبوتة لاسيما إن مقدارًا هائلاً من اللغة الأدبية مستنسخ وغزير.
وفي النهاية يرى أن الخلود في الأعمال الأدبية لها وجهة نظر، لأن الأعمال الأدبية كلها نتاج ظروف تاريخية معينة، "وإن وصفت بعض الأعمال على أنها خالدة إنما هو أسلوب للتعبير عن ميلها للبقاء مدة أطول من بطاقات الهوية أو قوائم المشتريات ولكن حتى في هذه الحالة لا يدوم ذلك إلى الأبد".
مختتمًا كتابه الشيّق بطرح نماذج من كتابات أدبية في مجالات مختلفة تكون بمثابة تمارين تدّرب القارئ على خوض غمار تحليل النصوص الأدبية أو مقاربة ذلك، منطلقًا من العناصر التي طرحها في كل فصل من فصول الكتاب.
1
"لكن الكتّاب سيفهمون الشعور المضطرب الذي يأتي بشكل محتوم، وجع الكآبة عندما تبتعد عن العمل لوقت طويل، وقد توجب عليّ أن أعود."

شارلوت وود
Forwarded from سُكُون ♡ (Fatima♡)
"ماذا لو تحدثت الجمادات؟

‏الطريق: هذا التيه لايخصني إنها خطواتك.
‏الأشجار: لقد تعبت من هذا الوقوف.
‏الفزاعة: لاتخف مني أنا لست إنسان.
‏السقف: هذا التحديق يقلقني.
‏الوسادة: توقف عن سكب الدموع علي هذا لن يجدي نفعاً."
المروحة: أنا دائخة مثلك، وأشعر بالتيه والرغبة في التوقف عن الدوران حول نفسي!

😎😅
"فرغم خيالي الجامح وعنادي الكبير، لم تكن حصتي من العالم كله في النهاية أكثر من طريق مئة متر أقطعه كل يوم جيئة وذهاباً".
وخبر جديد عن "فهرس الملوك"..

شكرًا كبيرة للكاتب الصحافي بلال رمضان Belal Ramadan

"اخترع الصغار لغة التلويح بالأيدى وتعابير الوجوه في أحاديثهم مع ابن الملك ومع أنفسهم ومع والديهم أيضا، أصبحت البلاد تسير على هوى أطفالها، استغل الرجال لغة الإشارة حتى ينجوا من ثرثرات النساء البليدات اللاتي كن يرهقنهم بطلباتهن ووقصصهن الفارغة، وصاروا يدعون بدورهم أنهم لا يسمعون ويلوحون بأيديهم.
كذلك وجدت بعض الأمهات في لغة الأطفال الجديدة خير وسيلة للتهرب من صياح أزواجهن، المتسكعين السكارى، الذين يطالبون بالطعام وإشباع غرائزهم، فادعين أنهن لا يسمعن أيضا، وكففن عن تلقين مواليدهن لغة الكلام، فما عادات الكلمات تستخدم فى الجزيرة ولا تجدى نفعا بين أفراد شعب اعتاد لغة الإشارة، وفسُر الملك وزوجته مراعاة الشعب لوضع ابنهما الملك".



ليلى عبد الله، كاتبة وناقدة عمانية، وتقيم فى دولة الإمارات العربية المتحدة، لها عدة مشاركات في مجال القصة القصيرة، كما صدر لها كتاب "رسائل حب مفترضة بين هنري ميللر وأناييس نن"، و"أريكة وكتاب وكوب من القهوة" في سيرة الكتب والقراءة، وفي المقالات صدر لها "هواجس غرفة العالم" ولها دراسة بعنوان "أدب الطفل في دولة الإمارات"، وفى الرواية صدر لها "دفاتر فارهو"، وقد وصفت هذه الرواية بكونها "جريئة" عن أطفال الحروب والمنافي، عن تشردهم في أوطان غريبة وعن غربتهم في أوطانهم، تستعرضها الكاتبة من خلال حياة فارهو.

ويشار إلى أن "فهرس الملوك" هي المجموعة القصصية الرابعة للكاتبة، بعد مجاميعها القصصية الصادرة "أبجدية الصمت" و"كائناتي السردية" و"قلبها التاسع". وهو إصدارها التاسع بعد عديد من الكتب والتجارب الأدبية المتنوعة في القصة والرواية ونقد أدب الطفل والمقال وكتاب الرسائل الأدبية المفترضة.
"‏يقول الروائي بول اوستر في حوار معه حول أوهام البعض عن تأثير الأدب:
ككاتب لا يقتضي عملي أن أتحدّث باستمرار في المشاكل السياسية أو الاجتماعية في وسائل الإعلام، بل أن أكتب قصصاً. مهمتي التحدث عن الحياة الداخلية للبشر. المهم فعلاً في نظري ككاتب أن أبقى هنا جالساً خلف طاولتي للكتابة".

*منقولة.
"‏أحب البيت، وأحب كلمة بيت، وأحب طريق البيت، وأجمل فعل للإنسان هوالعودة إلى البيت، أتذكر أول أمنية حقيقة تمنيتها يصير عدنه بيت، لما صار عدنه بيت ما نمت من الفرحة، وبقيت سهران لثاني يوم، أني كائن بيتوتي بس واصل مرحلة حتى وأني بالبيت أتمنى أكون بالبيت. أكتب عن البيت لأن الأمنية تجددت..".

*ضياء
*لمن سألوا : كتاب #أريكة_وكتاب_وكوب_من_القهوة متوفر في متجر مكتبة جرير للنشر والتوزيع.

نبذة عن الكتاب

"في هذا الكتاب . تجد الكتب . لكنك لن تجد المؤلف فهو أيضا قارئ متوجس يراوح بين نواياه الجيّدة وأخرى ممسوسة بالسوء تجاه الكتب.
هو أيضا عن قارئة نهمة في يدها عدسة مكبرة تلاحق كتابها المنعزلين كروحها وتحاول أن تندس في طيّات حكاياتهم وأبطالهم الحزانى. الضالين والتائهين. تتخبط بهم و معهم كي تبقى فارة أبدًا عن كرة أرضية تضاريسها مشوّهة!
قارئة تحلم أن تتحدث باللغة العربية مع هاروكي موراكامي. أورهان باموق. آذر نفيسي. ساراماغو . تشيماماندا نجوزي . جومبا لاهيري . مادور جافري . داي سيجي . سفيتلانا ألكسيفيتش . يانيك هاينيل . كيم إكلين. والمرأة المجهولة التي فضحت وجه الحرب في برلين. ابن سينا وهو طريقه إلى أصفهان .النساء الأرامل في ضيعة ماريكيتا . الحكاءة الأيقونة ماريا مرغريتا التي صار صوتها مطفيًّا في زمن التلفاز. فيرمن متشرد طرقات خوليان كاراكاس. القارئ الذي يعزز الابتكار لدى كارلوس ليسكانو. مكتبات زوران جيفكوفيتش و المكتبة التي استوطنتها الأحذية. صيّاد الروائع جوليان بارنز . الطفلة ليزيل التي قوّضت بحنجرتها خرائب العالم حين سرقت كتابًا محظورًا .. وذاك البائع الذي صار يبيع كتبًا في زمن الحرب!
2025/07/14 02:38:38
Back to Top
HTML Embed Code: