قراءة بديعة كتبها بمحبة شاسعة الكاتب والروائي المصري الرائع أحمد الفخراني Ahmad El Fakharany لمجموعتي القصصية" فهرس الملوك" ❤️❤️
في مجموعتها القصصية "فهرس الملوك" لليلى عبد الله، مخاطرة ولعبة ذكية. فمن الاسم يمكن تخمين ما يتحدث عنه الموضوع: السلطة، فهرس للملوك بتنويعاتهم كما خبرناها لقرون في وطننا العربي، ترى في نفسها القطب الوحيد، بينما الشعب مجرد لاحقة تدور في فلكه.
في مجموعتها القصصية "فهرس الملوك" لليلى عبد الله، مخاطرة ولعبة ذكية. فمن الاسم يمكن تخمين ما يتحدث عنه الموضوع: السلطة، فهرس للملوك بتنويعاتهم كما خبرناها لقرون في وطننا العربي، ترى في نفسها القطب الوحيد، بينما الشعب مجرد لاحقة تدور في فلكه.
في مجموعة ليلى عبد الله في مجموعة ليلى عبد الله "فهرس الملوك".. الملك ما زال عارياً
قراءة بديعة، كتبها بمحبة شاسعة الكاتب والروائي المصري أحمد الفخراني Ahmad El Fakharany لمجموعتي القصصية " فهرس الملوك".
في مجموعتها القصصية "فهرس الملوك" للكاتبة ليلى عبد الله، والصادرة عن دار مرايا للنشر، مخاطرة ولعبة ذكية. فمن الاسم يمكن تخمين ما يتحدث عنه الموضوع: السلطة، فهرس للملوك بتنويعاتهم كما خبرناها لقرون في وطننا العربي، كسلطة مركزية قاهرة مستبدة، ترى في نفسها القطب الوحيد، بينما الشعب مجرد لاحقة تدور في فلكه. ولأنها ظاهرة قديمة، فتفكيكها ونقدها أيضاً قديمان، لكن اللعبة الذكية التي تلعبها ليلى هنا، هي الشكل الذي تخيرته، شكل القصص الشعبية، الأمثولة وحواديت الجنيات والجدات، أي حكي يلامس الطفولة، إذ إن الطفولة في جوهرها هي رد الأمور إلى البداهة الأولى، والتي تصير أصعب على الإدراك مع تراكم طبقات ذلك الإدراك، الطفولة هي تعرية الاعتياد وتوليد الدهشة، أليست الأمثولة الأشهر التي تخص الملوك، هي أمثولة الطفل الذي امتلك من الشجاعة أن يقول إن "الملك عار"، في قصة "ملابس الإمبراطور الجديدة" التي كتبها الدنماركي هانز كريستيان أندرسون عام 1837؟
قال الشاعر...
هذا ما تفعله ليلى عبد الله بالضبط، عبر ذلك الشكل، يرتد إلينا سؤال الملك، كسؤال ضروري، مُلح، ما دامت سلطته المستبدة بكل أشكالها وتنويعاتها حاضرة كجرح في خاصرة أوطاننا. فإعادة مساءلة سلطته، والسخرية منها، لتبيان هشاشتها وفضح تناقضاتها، تظل واجباً في عنق كل جيل من الأدباء.
في مجموعتها القصصية "فهرس الملوك" لليلى عبد الله، مخاطرة ولعبة ذكية. فمن الاسم يمكن تخمين ما يتحدث عنه الموضوع: السلطة، فهرس للملوك بتنويعاتهم كما خبرناها لقرون في وطننا العربي، ترى في نفسها القطب الوحيد، بينما الشعب مجرد لاحقة تدور في فلكه.
ومن الافتتاحية التي تسبق القصص، تحدد ليلى، المعركة بين اثنين، ليس بين ملك وشعب، بل بين ملك وفنان، تضعهما الكاتبة كطرفي نقيض، كقطبين متعارضين لا يلتقيان، إذ لا فن حقيقي في حضرة السلطة، من وجهة نظر ليلى، حيث موقع الفنان لا عن يمين الملك أو يساره، ليس حليفاً أو معارضاً ناصحاً، بل عدو.
لذا تفتح المجموعة بأبيات الشاعر الكردي لطيف هملت:
أمَر الملك باعتقال البحر
فصار البحر غيماً
أمر الملك باعتقال المطر
فصار البحر فيضاناً
الملك أمر باعتقال الفيضان
فالتهمه السيل بأسنانه الحادة.
ثم تختار أمثولة يتبارز فيها ملك وشاعر باللغة، التي هي ميدان الشاعر، فتكون له الغلبة ولو في حلبة الكلمات.
داء الملوك
ليست الرواية فهرسا بأسماء الملوك، بل بصفاتهم التي تتخطى الزمان والمكان، وتجمعهم أكثر مما تميز بينهم، لأن السلطة المطلقة واحدة في جوهرها، تكتسب الشيء نفسه مع الزمن: الزيف، القهر، الذي يخبئ رجلاً خائفاً وضعيفاً خلف الأسوار، كلما تعاظم خوفه وضعفه وشكه فيمن حوله، وكلما تعاظم بطشه.
ليست الرواية فهرساً بأسماء الملوك، بل بصفاتهم التي تتخطى الزمان والمكان، وتجمعهم أكثر مما تميز بينهم، لأن السلطة المطلقة واحدة في جوهرها
في القصة الأولى "ذوّاق الملك" يتبادل رجل من عامة الشعب والملك الأدوار، فحين يخشى الملك أكل الطعام بسبب خوفه من أن يُسمّم، تٌعرض التجربة على رجل لديه حلم واحد: أن يموت بداء الملوك، وإذ هو يبدأ بتذوق الأطعمة، ينتهي بأكل كميات ضخمة منها مع ازدياد خشية الملك، حد أنه يتحول هو إلى ذواق، لا يضع من الطعام في جوفه إلا ما يقيم وأده، يجرب الملك معنى طعام الفقر الذي يطعمه لشعبه، بينما الخيرات الفائضة متراكمة ومحجوزة في قصره لا تعرف الطريق خارجه.
الانعكاس في الزيف
في القصتين الثانية والثالثة: عن تمثال الملك ورسّامه، تضع الكاتبة الأساس الثاني للسلطة، إذ هي تستند لصورة زائفة مصنّعة، تكاد أن تعبد، لأنها قائمة على الغموض والمسافة، لكن حقيقتها ضعف ووهن. فكّر في أي مستبد، كستالين على سبيل المثال: لم تكن صورة ستالين المألوفة في التاريخ والعالقة في الأذهان، صورته الحقيقية، بل صورة الممثل ميخائيل غيلوفاني، الذي سمح له بلعب دور واحد طوال مسيرته السينمائية وهو دور ستالين، وكان ستالين نفسه يؤمن عندما يرى ذلك الممثل، أنه يطابق تلك الصورة الموجودة على الشاشة، لكن في الحقيقة هو أقصر منه، ووجهه يحمل آثار إصابة بالجدري.
الفكرة نفسها في القصة الرائعة: "نفايات الشعب" عن الزي الملكي المصنوع من نفايات الشعب، لكنها تحمل معنى أعمق ينكشف، فزي الملك مصنوع مما ليس له من الأساس.
تتقاطع ليلى مع تراث ألف ليلة وليلة في أكثر من موضع، لكن أهمها هي التقاطع مع قصة النائم اليقظان، التي أصبحت ثيمة عالمية في قصتها "الملك المزيف"، وهي الحكاية التي وردت في الليلة الثالثة والخمسين بعد المائة
قراءة بديعة، كتبها بمحبة شاسعة الكاتب والروائي المصري أحمد الفخراني Ahmad El Fakharany لمجموعتي القصصية " فهرس الملوك".
في مجموعتها القصصية "فهرس الملوك" للكاتبة ليلى عبد الله، والصادرة عن دار مرايا للنشر، مخاطرة ولعبة ذكية. فمن الاسم يمكن تخمين ما يتحدث عنه الموضوع: السلطة، فهرس للملوك بتنويعاتهم كما خبرناها لقرون في وطننا العربي، كسلطة مركزية قاهرة مستبدة، ترى في نفسها القطب الوحيد، بينما الشعب مجرد لاحقة تدور في فلكه. ولأنها ظاهرة قديمة، فتفكيكها ونقدها أيضاً قديمان، لكن اللعبة الذكية التي تلعبها ليلى هنا، هي الشكل الذي تخيرته، شكل القصص الشعبية، الأمثولة وحواديت الجنيات والجدات، أي حكي يلامس الطفولة، إذ إن الطفولة في جوهرها هي رد الأمور إلى البداهة الأولى، والتي تصير أصعب على الإدراك مع تراكم طبقات ذلك الإدراك، الطفولة هي تعرية الاعتياد وتوليد الدهشة، أليست الأمثولة الأشهر التي تخص الملوك، هي أمثولة الطفل الذي امتلك من الشجاعة أن يقول إن "الملك عار"، في قصة "ملابس الإمبراطور الجديدة" التي كتبها الدنماركي هانز كريستيان أندرسون عام 1837؟
قال الشاعر...
هذا ما تفعله ليلى عبد الله بالضبط، عبر ذلك الشكل، يرتد إلينا سؤال الملك، كسؤال ضروري، مُلح، ما دامت سلطته المستبدة بكل أشكالها وتنويعاتها حاضرة كجرح في خاصرة أوطاننا. فإعادة مساءلة سلطته، والسخرية منها، لتبيان هشاشتها وفضح تناقضاتها، تظل واجباً في عنق كل جيل من الأدباء.
في مجموعتها القصصية "فهرس الملوك" لليلى عبد الله، مخاطرة ولعبة ذكية. فمن الاسم يمكن تخمين ما يتحدث عنه الموضوع: السلطة، فهرس للملوك بتنويعاتهم كما خبرناها لقرون في وطننا العربي، ترى في نفسها القطب الوحيد، بينما الشعب مجرد لاحقة تدور في فلكه.
ومن الافتتاحية التي تسبق القصص، تحدد ليلى، المعركة بين اثنين، ليس بين ملك وشعب، بل بين ملك وفنان، تضعهما الكاتبة كطرفي نقيض، كقطبين متعارضين لا يلتقيان، إذ لا فن حقيقي في حضرة السلطة، من وجهة نظر ليلى، حيث موقع الفنان لا عن يمين الملك أو يساره، ليس حليفاً أو معارضاً ناصحاً، بل عدو.
لذا تفتح المجموعة بأبيات الشاعر الكردي لطيف هملت:
أمَر الملك باعتقال البحر
فصار البحر غيماً
أمر الملك باعتقال المطر
فصار البحر فيضاناً
الملك أمر باعتقال الفيضان
فالتهمه السيل بأسنانه الحادة.
ثم تختار أمثولة يتبارز فيها ملك وشاعر باللغة، التي هي ميدان الشاعر، فتكون له الغلبة ولو في حلبة الكلمات.
داء الملوك
ليست الرواية فهرسا بأسماء الملوك، بل بصفاتهم التي تتخطى الزمان والمكان، وتجمعهم أكثر مما تميز بينهم، لأن السلطة المطلقة واحدة في جوهرها، تكتسب الشيء نفسه مع الزمن: الزيف، القهر، الذي يخبئ رجلاً خائفاً وضعيفاً خلف الأسوار، كلما تعاظم خوفه وضعفه وشكه فيمن حوله، وكلما تعاظم بطشه.
ليست الرواية فهرساً بأسماء الملوك، بل بصفاتهم التي تتخطى الزمان والمكان، وتجمعهم أكثر مما تميز بينهم، لأن السلطة المطلقة واحدة في جوهرها
في القصة الأولى "ذوّاق الملك" يتبادل رجل من عامة الشعب والملك الأدوار، فحين يخشى الملك أكل الطعام بسبب خوفه من أن يُسمّم، تٌعرض التجربة على رجل لديه حلم واحد: أن يموت بداء الملوك، وإذ هو يبدأ بتذوق الأطعمة، ينتهي بأكل كميات ضخمة منها مع ازدياد خشية الملك، حد أنه يتحول هو إلى ذواق، لا يضع من الطعام في جوفه إلا ما يقيم وأده، يجرب الملك معنى طعام الفقر الذي يطعمه لشعبه، بينما الخيرات الفائضة متراكمة ومحجوزة في قصره لا تعرف الطريق خارجه.
الانعكاس في الزيف
في القصتين الثانية والثالثة: عن تمثال الملك ورسّامه، تضع الكاتبة الأساس الثاني للسلطة، إذ هي تستند لصورة زائفة مصنّعة، تكاد أن تعبد، لأنها قائمة على الغموض والمسافة، لكن حقيقتها ضعف ووهن. فكّر في أي مستبد، كستالين على سبيل المثال: لم تكن صورة ستالين المألوفة في التاريخ والعالقة في الأذهان، صورته الحقيقية، بل صورة الممثل ميخائيل غيلوفاني، الذي سمح له بلعب دور واحد طوال مسيرته السينمائية وهو دور ستالين، وكان ستالين نفسه يؤمن عندما يرى ذلك الممثل، أنه يطابق تلك الصورة الموجودة على الشاشة، لكن في الحقيقة هو أقصر منه، ووجهه يحمل آثار إصابة بالجدري.
الفكرة نفسها في القصة الرائعة: "نفايات الشعب" عن الزي الملكي المصنوع من نفايات الشعب، لكنها تحمل معنى أعمق ينكشف، فزي الملك مصنوع مما ليس له من الأساس.
تتقاطع ليلى مع تراث ألف ليلة وليلة في أكثر من موضع، لكن أهمها هي التقاطع مع قصة النائم اليقظان، التي أصبحت ثيمة عالمية في قصتها "الملك المزيف"، وهي الحكاية التي وردت في الليلة الثالثة والخمسين بعد المائة
كذلك تتقاطع ليلى مع تراث ألف ليلة وليلة في أكثر من موضع، لكن أهمها هي التقاطع مع قصة النائم اليقظان، التي أصبحت ثيمة عالمية في قصتها "الملك المزيف"، وهي الحكاية التي وردت في الليلة الثالثة والخمسين بعد المائة في ألف ليلة وليلة.
تحكي حكاية "النائم اليقظان" عن رجل يدعى أبو الحسن كان يعاني تقلبات الحياة والفقر، ويرى أنه لو كان الخليفة ولو ليوم واحد، فسيحسن الأوضاع، يسمعه هارون الرشيد الخليفة الحقيقي، ويحقق له أمنيته عن طريق إعطائه مخدراً ليفيق منه، وقد وجد نفسه هو الخليفة، بعد الكثير من المفارقات لا ينجح أبو الحسن في تغيير الأوضاع كما ظن، لكنه على الأقل حقق حلمه، ولو ليوم واحد.
تنوّع منطقتنا مُدهش
لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.
للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.
نحو تنوّعٍ مستدام!
ألهمت تلك الثيمة، كشأن أغلب قصص ألف ليلة وليلة، نصوصاً عالمية، لكن أفضل من استخدم تلك الثيمة عربياً، ووسع من حدود معناها هو المسرحي السوري البارز، سعد الله ونوس، في النص المسرحي "الملك هو الملك"، ليأخذ معناها إلى ما هو أبعد، إلا أن الأزمة في كرسي الملك نفسه لا طبيعته الشخصية.
وكذلك تتناص ليلى في قصتها "وريثة العرش" مع قصة الملك لير الذي قرر توزيع ملكه على حياة عينه، لكنه استبعد الاِبنة الأكثر صدقاً، لكن تلك المرة تكون الاِبنة المستبعدة هي الحكاية، لنتذكر ما يربط تلك القصص. الملك والفنان بين طرفي نقيض، وفي تبادل للأدوار، تبادل كاشف للمواقع.
تحكي حكاية "النائم اليقظان" عن رجل يدعى أبو الحسن كان يعاني تقلبات الحياة والفقر، ويرى أنه لو كان الخليفة ولو ليوم واحد، فسيحسن الأوضاع، يسمعه هارون الرشيد الخليفة الحقيقي، ويحقق له أمنيته عن طريق إعطائه مخدراً ليفيق منه، وقد وجد نفسه هو الخليفة، بعد الكثير من المفارقات لا ينجح أبو الحسن في تغيير الأوضاع كما ظن، لكنه على الأقل حقق حلمه، ولو ليوم واحد.
تنوّع منطقتنا مُدهش
لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.
للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.
نحو تنوّعٍ مستدام!
ألهمت تلك الثيمة، كشأن أغلب قصص ألف ليلة وليلة، نصوصاً عالمية، لكن أفضل من استخدم تلك الثيمة عربياً، ووسع من حدود معناها هو المسرحي السوري البارز، سعد الله ونوس، في النص المسرحي "الملك هو الملك"، ليأخذ معناها إلى ما هو أبعد، إلا أن الأزمة في كرسي الملك نفسه لا طبيعته الشخصية.
وكذلك تتناص ليلى في قصتها "وريثة العرش" مع قصة الملك لير الذي قرر توزيع ملكه على حياة عينه، لكنه استبعد الاِبنة الأكثر صدقاً، لكن تلك المرة تكون الاِبنة المستبعدة هي الحكاية، لنتذكر ما يربط تلك القصص. الملك والفنان بين طرفي نقيض، وفي تبادل للأدوار، تبادل كاشف للمواقع.
Forwarded from رصيف22
في مجموعتها القصصية "فهرس الملوك" لليلى عبد الله، مخاطرة ولعبة ذكية. فمن الاسم يمكن تخمين ما يتحدث عنه الموضوع: السلطة، فهرس للملوك بتنويعاتهم كما خبرناها لقرون في وطننا العربي، ترى في نفسها القطب الوحيد، بينما الشعب مجرد لاحقة تدور في فلكه | أحمد الفخراني https://raseef22.net/article/1096533?utm_source=CMS-14&utm_campaign=Post-48892
رصيف22
في مجموعة ليلى عبد الله "فهرس الملوك".. الملك ما زال عارياً
يراجع الفخراني كتاب ''فهرس الملوك'' للكاتبة ليلى عبدالله في هذا المقال
تصرّح الروائية والمفكرة البريطانية " آيريس مردوخ" في حوار لها عن كتابة الفن الروائي بقولها: لا يوجد أسلوب أدبي واحد أو أسلوب أدبي مثالي، على الرغم من أن هناك كتابة جيدة ورديئة بطبيعة الحال".
لكنها هنا بروايتها " البحر البحر" أقل ما يمكن أن يقال بأنها صقلتها بأسلوب أدبي مثالي. تكاد أن تكون هذه الرواية الطويلة التي تربو عن 600 صفحة مكتملة. كل مفردة في محلها تماما.. فردت لكل شخصية من شخصياتها المتعددة أوصافًا في غاية التمايز والتجدد.
كما تجسّ هذه الرواية الجوانب التي أحبّها شخصيًّا في كتابة الروايات. حيث تتلاقى الفنون الإبداعية في بناء الشخصيات مع الفن والفلسفة والاستغراق في تفتيت أشد الهواجس النفسية وأعتاها روحيًّا.
لعل من جمالياتها الألطف هنا بالنسبة لي أيضا هو خيارها للمكان الروائي. فالأحداث هنا تجري في " بيت" يعج بتفاصيل دافئة يفتتح على بحر شديد الزرقة. لبطلها المخرج والناقد المسرحي المعروف الذي عزم التقاعد " تشارلز" قابلية شهية في طبخ وصفاته تستحيله كائنًا بيتوتيًّا بإمتياز. يتماهى في كتابة سيرته الحياتية برؤية شخصية عبر استدعاءه لذكرياته تتداعى شخوص ماضيه وحاضره وتتجسد في صدف غريبة. يتدفقون تباعًا في بيته وتختلج حتى تصل لأعلى تداعياتها في مستقبله.
يبدو أن آيريس مردوخ عبر شخصية روايتها تشارلز تحاول أن تقول بأن: " الدافع الأكبر الذي يدفع الشخص نحو إنتاج الأدب أو الفن من أي نوع كان، ما هو إلا رغبة في هزيمة لا شكلية العالم، وإدخال البهجة على الذات عبر خلق صُور مما قد يبدو خلاف ذلك ترهات لا معنى لها".
اقرؤا هذه التحفة الأدبية، فهي درس كبير في كتابة السيرة الشخصية بأسلوب روائي، وتدوين الذكريات واستدعاء الفن والفلسفة والرؤى الإبداعية بطريقة جمالية.
كما يضج معجم مردوخ الكتابي الغزير بالمفردات المتجددة تثري وتصقل الذائقة الأدبية. بعناية فائقة وجمالية عالية عالية..
*ليلى عبدالله
لكنها هنا بروايتها " البحر البحر" أقل ما يمكن أن يقال بأنها صقلتها بأسلوب أدبي مثالي. تكاد أن تكون هذه الرواية الطويلة التي تربو عن 600 صفحة مكتملة. كل مفردة في محلها تماما.. فردت لكل شخصية من شخصياتها المتعددة أوصافًا في غاية التمايز والتجدد.
كما تجسّ هذه الرواية الجوانب التي أحبّها شخصيًّا في كتابة الروايات. حيث تتلاقى الفنون الإبداعية في بناء الشخصيات مع الفن والفلسفة والاستغراق في تفتيت أشد الهواجس النفسية وأعتاها روحيًّا.
لعل من جمالياتها الألطف هنا بالنسبة لي أيضا هو خيارها للمكان الروائي. فالأحداث هنا تجري في " بيت" يعج بتفاصيل دافئة يفتتح على بحر شديد الزرقة. لبطلها المخرج والناقد المسرحي المعروف الذي عزم التقاعد " تشارلز" قابلية شهية في طبخ وصفاته تستحيله كائنًا بيتوتيًّا بإمتياز. يتماهى في كتابة سيرته الحياتية برؤية شخصية عبر استدعاءه لذكرياته تتداعى شخوص ماضيه وحاضره وتتجسد في صدف غريبة. يتدفقون تباعًا في بيته وتختلج حتى تصل لأعلى تداعياتها في مستقبله.
يبدو أن آيريس مردوخ عبر شخصية روايتها تشارلز تحاول أن تقول بأن: " الدافع الأكبر الذي يدفع الشخص نحو إنتاج الأدب أو الفن من أي نوع كان، ما هو إلا رغبة في هزيمة لا شكلية العالم، وإدخال البهجة على الذات عبر خلق صُور مما قد يبدو خلاف ذلك ترهات لا معنى لها".
اقرؤا هذه التحفة الأدبية، فهي درس كبير في كتابة السيرة الشخصية بأسلوب روائي، وتدوين الذكريات واستدعاء الفن والفلسفة والرؤى الإبداعية بطريقة جمالية.
كما يضج معجم مردوخ الكتابي الغزير بالمفردات المتجددة تثري وتصقل الذائقة الأدبية. بعناية فائقة وجمالية عالية عالية..
*ليلى عبدالله
Forwarded from بؤس الشعر
ــ وديع سعادة
ــ رحيل
لمس باب البيت وخرج
تاركاً على القفل بعض أنفاسه
رآهما ينظران إليه
القفل الذي كان يحبس خلفه
عواء الليل
والباب الذي كان الصباح
يطلع من شقوقه
رآهما يتحللان ويعودان
يباساً على الطريق وكتلةً صدئة
ورأى الحيطان ترجع إلى الجبال
أحجاراً وحيدةً وحزينة
والمحدلة على السطح
تعود صخرةً في غابةٍ بعيدة
والسقف الذي يدمع دمعتين
في الشتاء
يهطل مثل جرفٍ يابس
لمس باب البيت
لمسه ورحل
تاركاً زهرةً في فتحة القفل
وفوق السطح غيمةً من نظراته.
ــ رحيل
لمس باب البيت وخرج
تاركاً على القفل بعض أنفاسه
رآهما ينظران إليه
القفل الذي كان يحبس خلفه
عواء الليل
والباب الذي كان الصباح
يطلع من شقوقه
رآهما يتحللان ويعودان
يباساً على الطريق وكتلةً صدئة
ورأى الحيطان ترجع إلى الجبال
أحجاراً وحيدةً وحزينة
والمحدلة على السطح
تعود صخرةً في غابةٍ بعيدة
والسقف الذي يدمع دمعتين
في الشتاء
يهطل مثل جرفٍ يابس
لمس باب البيت
لمسه ورحل
تاركاً زهرةً في فتحة القفل
وفوق السطح غيمةً من نظراته.
Forwarded from الغائِب عن النص
وقيل، مهما خبا الحلم في العتمة مهما هُزم في الضوء سيصير ذات يوم، فَرَسَنا، أثاثَ بيتنا وكسوةَ جِلْدِنا. سيصير لَحْمَنا نفسه، وعظامَنا.
• وديع سعادة
• وديع سعادة
أخيرا يأتي الغراب وقصص أخرى لإيتالو كالفينو
ليلى عبدالله
إيتالو كالفينو صاحب الحكايات المشطورة والتاريخية الخيالية، قال عنه الكاتب والروائي كارلوس فوينتس: «إن القارئ لا يجد صعوبة في أن يدرك بأن رواية ما غير متوقعة من روايات الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو. إذ يكفي بعد قراءتها أن يشعر بالحسد تجاه هذا الكاتب الذي استطاع أن يهتدي إلى الفكرة قبل أن تهتدي إليها أنت. وهكذا تكون كل روايات إيتالو كالفينو ما ترغب أنت أيضا و بشدة في أن تكتبه».
وهذا ما يشعر به القارئ حين يقرأ كتابه القصصي «مختارات قصصية إيتالو كالفينو» ترجمها سمير القصير ونشرتها دار صحارى/ الطبعة تعود لعام 2000م. ما يميّز هذه المجموعة هي أنها مختارة من عدة مجموعات قصصية كتبها كالفينو في فترات زمنية مختلفة وفي الوقت نفسه تحتوي كل مجموعة على قصص متنوعة من حيث مضمونها وأسلوبها بل وشخصيتها أيضا. من الخصائص الكتابية التي عُرف بها إيتالو كالفينو في كتابة القصة القصيرة تحديدًا هو بناء أحداثه باتخاذ بطل واحد في مجمل عمله السردي، حيث الشخصية نفسها تظهر للقارئ في مواقف وأحداث متقلبة غير أنها تمضي في مجموعة قصصية واحدة، فعادة في كتابة المجموعات القصصية يتكئ الكاتب على شخصيات عديدة من خلالها يطرح أفكاره وتوجهاته غير أن كالفينو يستعرض حزمة أفكاره الغريبة، ولكن عبر شخصية واحدة نظهر في كل مرة في حدث قصصي مغاير، يُلبس البطل نفسه أدوارًا تعبّر عن توجهاته في العالم.
في هذا الكتاب مختاراته القصصية مستقاة من عدة شخصيات، كل شخصية تمثل نفسها ومضامينها في المجموعة، المجموعة الأولى مع شخصية «ماركو فالدو»، و المجموعة الثانية مع شخصية «بالومار»، أما المجموعة الثالثة فهي تتناول عدة شخصيات لكنها تنطوي على الأيقونة نفسها وهي «الحرب» عنونها بـــ«أخيرا يأتي الغراب»، ختمها بحكايتين من كتاباته الأولى. تناول كالفينو شخصية «ماركو فالدو» من خلال ست قصص حملت عناوين كالتالي: أطفال بابو ناتاله، غابة على الأوتوستراد، الصحفة، الحمام البلدي، دخان وريح وفقاعات صابون، حيث النهر أكثر زرقة.
يتقلب ماركو فالدو هنا في عدة أدوار، فهو بابو ناتاله أي بابا نويل للأطفال في إيطاليا، حيث تجبره شركة الدعايات التي يعمل بها أن يتنكر في زي بابا نويل ويقدم الهدايا لأبناء الأثرياء، ويجد نفسه يقدم هدايا غريبة لطفل أحد هؤلاء الأغنياء مثل مطرقة خشبية ذات رأس ضخم ومقلاع حجارة وكبريت، ينبهر الطفل الذي يحصل على هذه الأدوات لأول مرة في حياته وهو الذي اعتاد على هدايا باهظة الثمن، فيقوم باستخدامها، بالمطرقة يكسر كل ألعابه وكل الكريستالات، ثم يتناول الهدية الثانية فيقصف بالمقلاع كل ما يجده هدفًا للتصويب من كرات زجاجية على شجرة الميلاد إلى الثريات الفاخرة، أما الهدية الثالثة وكانت أخطرها. بعود كبريت أضرم النار في كل شيء بينما الطفل يقفز من الفرح. مع ذلك لم يسرّح من العمل بل هنئ على توظيفه للعب المدمرة التي صارت موضة، وصارت للشركة مكسبًا تجاريًّا!
والقصص الأخرى تجري على المنوال نفسه، لكن في عائلة فالدو، الأب مع أطفاله، حيث يسعون إلى تدمير الطبيعة مرة من خلال قطع الأخشاب للحصول على التدفئة، ومرة لصيد حمام بلدي أو أسماك ملوثة بالكيماويات من البحر، كل ذلك لإبراز كيف أن المنع والقمع كانا يسيّران حياة الناس البسطاء في ذلك الوقت؛ فرغم تفشي الفقر والجوع والبرد كان التدمير يجري دون تشف أو رغبة في الانتقام من شيء بل نابع من بساطة شخصيات ماركو فالدو وأطفاله، وتمتعهم بلحظاتهم الآنية بطرافة وخفة ظل في آن، وكانت المسار الوحيد لثورة نحو القمع لكن بأسلوب ناعم دون إقلاق السلطات بذلك، دون لفت أنظارهم بالتذمر بل كانوا يسعون إلى الطبيعة لإيجاد حلول لأحوالهم المعيشية القاهرة. وقد تميزت القصص هنا بأبعادها الاجتماعية المنطلقة من بيئة يغلبها البساطة، والأفق القصصي في تناوله للأفكار غلب عليه المتعة عبر شخصيات طبعت بالطرافة وحس الفكاهة لمعايشة محيطهم الصغير.
أما شخصية «بالومار» فقد تناولها كالفينو في خمس قصص: الثدي العاري، قراءة موجة، سيف الشمس، العالم ينظر إلى العالم، الخف غير المتجانس. في هذه العناوين تنطوي شخصية «بالومار» الرجل الذي يسعى إلى التأمل في الطبيعة وصلتها بالإنسان من خلال التفكر الغريب حول ظواهر يراها الآخرون مسلّمة غير أن بالومار يرى أنها يمكن أن تؤخذ تلك المعتقدات بنحو مختلف لو أن المرء غيّر يقينه حولها. ولعل قصة الثدي العاري تبرز هذه الفكرة، فبالومار يصطدم حين تجواله على الشاطئ بامرأة تتشمس بصدر عار، في البداية يحاول تجنبها غير أنه يرى أنه لو فعل ذلك فكأنه يثبت معتقدات الآخرين حول الجزء العاري من جسد المرأة؛ لذا يختار أن يتأمله بكونه جزءًا من جسد، وحين يدنو من المرأة كي يعزز رؤيته تتأفف المرأة وتتغطى من الفضولي النزق، وهنا يدرك بالومار أن انطباعاته وحده لا تكفي كي يقاوم بها حتى يسّلم بها غيره أيضا.
ليلى عبدالله
إيتالو كالفينو صاحب الحكايات المشطورة والتاريخية الخيالية، قال عنه الكاتب والروائي كارلوس فوينتس: «إن القارئ لا يجد صعوبة في أن يدرك بأن رواية ما غير متوقعة من روايات الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو. إذ يكفي بعد قراءتها أن يشعر بالحسد تجاه هذا الكاتب الذي استطاع أن يهتدي إلى الفكرة قبل أن تهتدي إليها أنت. وهكذا تكون كل روايات إيتالو كالفينو ما ترغب أنت أيضا و بشدة في أن تكتبه».
وهذا ما يشعر به القارئ حين يقرأ كتابه القصصي «مختارات قصصية إيتالو كالفينو» ترجمها سمير القصير ونشرتها دار صحارى/ الطبعة تعود لعام 2000م. ما يميّز هذه المجموعة هي أنها مختارة من عدة مجموعات قصصية كتبها كالفينو في فترات زمنية مختلفة وفي الوقت نفسه تحتوي كل مجموعة على قصص متنوعة من حيث مضمونها وأسلوبها بل وشخصيتها أيضا. من الخصائص الكتابية التي عُرف بها إيتالو كالفينو في كتابة القصة القصيرة تحديدًا هو بناء أحداثه باتخاذ بطل واحد في مجمل عمله السردي، حيث الشخصية نفسها تظهر للقارئ في مواقف وأحداث متقلبة غير أنها تمضي في مجموعة قصصية واحدة، فعادة في كتابة المجموعات القصصية يتكئ الكاتب على شخصيات عديدة من خلالها يطرح أفكاره وتوجهاته غير أن كالفينو يستعرض حزمة أفكاره الغريبة، ولكن عبر شخصية واحدة نظهر في كل مرة في حدث قصصي مغاير، يُلبس البطل نفسه أدوارًا تعبّر عن توجهاته في العالم.
في هذا الكتاب مختاراته القصصية مستقاة من عدة شخصيات، كل شخصية تمثل نفسها ومضامينها في المجموعة، المجموعة الأولى مع شخصية «ماركو فالدو»، و المجموعة الثانية مع شخصية «بالومار»، أما المجموعة الثالثة فهي تتناول عدة شخصيات لكنها تنطوي على الأيقونة نفسها وهي «الحرب» عنونها بـــ«أخيرا يأتي الغراب»، ختمها بحكايتين من كتاباته الأولى. تناول كالفينو شخصية «ماركو فالدو» من خلال ست قصص حملت عناوين كالتالي: أطفال بابو ناتاله، غابة على الأوتوستراد، الصحفة، الحمام البلدي، دخان وريح وفقاعات صابون، حيث النهر أكثر زرقة.
يتقلب ماركو فالدو هنا في عدة أدوار، فهو بابو ناتاله أي بابا نويل للأطفال في إيطاليا، حيث تجبره شركة الدعايات التي يعمل بها أن يتنكر في زي بابا نويل ويقدم الهدايا لأبناء الأثرياء، ويجد نفسه يقدم هدايا غريبة لطفل أحد هؤلاء الأغنياء مثل مطرقة خشبية ذات رأس ضخم ومقلاع حجارة وكبريت، ينبهر الطفل الذي يحصل على هذه الأدوات لأول مرة في حياته وهو الذي اعتاد على هدايا باهظة الثمن، فيقوم باستخدامها، بالمطرقة يكسر كل ألعابه وكل الكريستالات، ثم يتناول الهدية الثانية فيقصف بالمقلاع كل ما يجده هدفًا للتصويب من كرات زجاجية على شجرة الميلاد إلى الثريات الفاخرة، أما الهدية الثالثة وكانت أخطرها. بعود كبريت أضرم النار في كل شيء بينما الطفل يقفز من الفرح. مع ذلك لم يسرّح من العمل بل هنئ على توظيفه للعب المدمرة التي صارت موضة، وصارت للشركة مكسبًا تجاريًّا!
والقصص الأخرى تجري على المنوال نفسه، لكن في عائلة فالدو، الأب مع أطفاله، حيث يسعون إلى تدمير الطبيعة مرة من خلال قطع الأخشاب للحصول على التدفئة، ومرة لصيد حمام بلدي أو أسماك ملوثة بالكيماويات من البحر، كل ذلك لإبراز كيف أن المنع والقمع كانا يسيّران حياة الناس البسطاء في ذلك الوقت؛ فرغم تفشي الفقر والجوع والبرد كان التدمير يجري دون تشف أو رغبة في الانتقام من شيء بل نابع من بساطة شخصيات ماركو فالدو وأطفاله، وتمتعهم بلحظاتهم الآنية بطرافة وخفة ظل في آن، وكانت المسار الوحيد لثورة نحو القمع لكن بأسلوب ناعم دون إقلاق السلطات بذلك، دون لفت أنظارهم بالتذمر بل كانوا يسعون إلى الطبيعة لإيجاد حلول لأحوالهم المعيشية القاهرة. وقد تميزت القصص هنا بأبعادها الاجتماعية المنطلقة من بيئة يغلبها البساطة، والأفق القصصي في تناوله للأفكار غلب عليه المتعة عبر شخصيات طبعت بالطرافة وحس الفكاهة لمعايشة محيطهم الصغير.
أما شخصية «بالومار» فقد تناولها كالفينو في خمس قصص: الثدي العاري، قراءة موجة، سيف الشمس، العالم ينظر إلى العالم، الخف غير المتجانس. في هذه العناوين تنطوي شخصية «بالومار» الرجل الذي يسعى إلى التأمل في الطبيعة وصلتها بالإنسان من خلال التفكر الغريب حول ظواهر يراها الآخرون مسلّمة غير أن بالومار يرى أنها يمكن أن تؤخذ تلك المعتقدات بنحو مختلف لو أن المرء غيّر يقينه حولها. ولعل قصة الثدي العاري تبرز هذه الفكرة، فبالومار يصطدم حين تجواله على الشاطئ بامرأة تتشمس بصدر عار، في البداية يحاول تجنبها غير أنه يرى أنه لو فعل ذلك فكأنه يثبت معتقدات الآخرين حول الجزء العاري من جسد المرأة؛ لذا يختار أن يتأمله بكونه جزءًا من جسد، وحين يدنو من المرأة كي يعزز رؤيته تتأفف المرأة وتتغطى من الفضولي النزق، وهنا يدرك بالومار أن انطباعاته وحده لا تكفي كي يقاوم بها حتى يسّلم بها غيره أيضا.