••

وَظَلامُ اللَّيلِ لَهُ سُرُجٌ •• حَتّي يَغشَاهُ أبُو السُّرُجِ

هذا البيت من القصيدة المنفرجة الشهيرة كنت أمرُّ به عَجِِلًا فلا يظهر لي مقصودُ صاحبه، ثم وقفت على شرحه للشيخ زكريا الأنصاري عَرَضًا، فاتضح لي أتمَّ اتضاح، ومعناه حسنٌ بديع!

قال رحمه الله:

(وَظَلامُ اللَّيلِ لَهُ سُرُجٌ)؛ وهي الكواكب غير الشمس يمتد نورها.
(حَتّي يَغشَاهُ أبُو السُّرُجِ)؛ وهو الشمس، وجُعلت أباها لأنها الأصل؛ إذ بنورها يذهب نورُ تلك، ولأن نور القمر الذي هو أقوى من نور بقية الكواكب الليلية مستفادٌ من نورها؛ على ما قاله أهل الهيئة.

والمراد: أنَّ الكروبَ الشديدة لابدَّ في أثنائها من ألطاف يخفُّ معها الألمُ حتى يتفضَّل الله بالفرج التّام، الذي لا ألمَ معه ولا كرب، كالليل المظلم، جعل الله فيه الكواكب يقلُّ بها ظلامه، ويخفّ بها قبضه حتى يدخلَ النهار، فيذهب به ظلامُه، وتنبسط الشمسُ بضوئه.

••

قال الأصمعي عن ميمية معنٍ هذه: «من أجوَد أشعارِ العرب».*
______

* كذا جاء في كتاب "المنتخب في محاسن أشعار العرب" المنسوب للثعالبي (٢/ ٤٩٤)، وهو من صنعة مؤلف قديم مجهول من أهل القرن الرابع، حسب ما رجح محققه الأستاذ الكبير عادل سليمان جمال أنسأ الله في مدته!

وإنما أعجبت عبد الملك لمكان الحلم فيها
وكان معاوية يعجب بشعره أيضاً لمكان الحلم
وإنما يعجب الإنسان بشعر يوافق ما فيه
أو ما يتمناه

العدد التاسع الخاص بالفراهي رحمه الله تعالى من مجلة الهند

بسم الله الرحمن الرحيم


ان التوكل ما أقامك عاملاً
لا ما أنامك خاملا في الدور

هو ما أراك المستحيل غنيمة
لا ما أراك السهل كالمعسور

هو ما غدوت به بقلبٍ هدهدٍ
وذراع ليث كاسب مأجور

هو ما أقامك في الدروب مشمرا
فإذا هي استعصت على التشمير

فالنصر أقرب ما يكون إذا انقضت
حيل الفتى وخلا عن التدبير

والرزق أهنأ ما يكون إذا أتى
من غير حسبان ولا تقدير

موسى أراد الزاد وهو مسافر
فأتاه تزويج على التخيير

وأتاه وحي الله وهو مؤمل
نارا تنير مسيره في الطور

وتخلف الأسباب فيه بشارة
وأمارة للإذن بالتيسير

فيراد منك خلو قلبك ساعة
والشغل بالتسبيح والتكبير

العلل القاصرة في البلاغة


"وفي عدم تكرار هذه القصة في القرآن ردٌ على من قال : كُرّرت قصص الأنبياء عليهم السلام تمكيناً لفصاحتها بترادف السياق .

وفي تكرير قصصهم رد على من قال ان هذه لم تكرر لئلا تفتر فصاحتها
فكأن عدم تكريرها لأن مقاصد السور لم تقتض ذلك والله أعلم "

البقاعي _ تفسير سورة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام

العرب لا تتحاشى من الكلمة الوضيعة في السياق الشريف بل تجعل السياق مفسراً لها وحاكماً عليها وكأنها اكتسبت به معنىً جديداً ووضعاً مستأنفاً
فتعبر بالغواية عن الشجاعة
يقول شاعرهم :
إذا الليل أدجى واكفهر ظلامه
وصاح من الأفراط بوم جواثم

ومال بأصحاب الكرى غالباته
فإني على أمر الغواية حازم

وتعبر بالظلم عن النجدة والشجاعة
يقول زهير :

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم


ويقول الأعشى في مدح سيد بني حنيفة :

أفي كل عام أنت جاشم غزوة
تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مجدا وفي الحي رفعة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا

ويقول الأخطل :

قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
عن النساء وإن باتت بأطهار

فلم يتحاشوا من ذكر طهر نساء الملوك لما كان السياق ناطقاً بما أرادوا مفصحاً غير مجمجم

فربما سموا النجدة ظلما وسموا الكرم سرفا وسموا الاقتصاد بخلا والبساطة جهلاً ولعبوا بالكلام لعبا إذا فهم المقصد

وقد يكون ذلك على سبيل المبالغة في الوصف أو على سبيل التنزل مع الخصم
أو على سبيل الاستعارة المطلقة أو لبيان أن بعض المعاني الشريفة لا تصفو لك إلا بشيء من الخلل

يقول زهير يفخر بمنعته ويذكر مساكن قومه :
إلى قلهى تكون الدار منا
إلى أكناف دومة والحجون
بأودية أسافلهن روض
وأعلاها إذا خفنا حصون

نظر في هذا المعنى إلى امرئ القيس عندما قال :

تبيت لبوني بالقرية أُمّناً
وأسرحها غبا بأكناف حائل
تلاعب أولاد الوعول رباعها
دوين السماء في رؤوس المجادل
مكللة حمراء ذات أسرة
لها حبك كأنها من وصائل

فلم يخجل امرؤ القيس ولا زهير من ذكر لفظ الخوف ومعناه لما كان السياق في ذكر المنعة والعزة

#تنبيهات_بلاغية

بسم الله الهادي
انتشر مقطع في مناقشة رسالة علمية يوجه فيه المناقش الطالب إلى استعمال العزو بلفظ انظر بدل لفظ ينظر

والأمر في الرسائل العلمية يسير إلا أن البحث في أي الصيغتين أصح أثار شجوناً وهيج أنظاراً والله الموفق

الذي يظهر لي والله أعلم أن ترك المخاطبة بفعل الأمر تحرزاً من سوء الأدب خطأ .

وينبغي التفريق بين ترك الأمر وبين ترك صورة الأمر

فلا يوجد أمر في الحقيقة وكلمة انظر ليست بأمر بل رجاء والتماس لأنها من طالب للأساتذة أو القراء وهذه قرائن صارفة مانعة من إرادة معنى الأمر

والبلاغيون عندما ذكروا هذه المسألة لم يعللوا بترك الأمر بل بترك صورته  ( كقول العبد للمولى إذا حول عنه وجهه : ينظر المولى إلي ) فالقرينة الحالية والمقالية تمنعان إرادة معنى الأمر
ولذلك عللوا بالتحرز من صورة الأمر

وهذا التعليل من البلاغيين يرد في دعاء العبد للرب تعالى فينبغي أن يستحسنوا أن يقول العبد في دعاء ربه يغفر الله لي بدل اللهم اغفر لي وهذا خطر لما فيه من استدراك أدب على أدعية السلف وعجمة لما فيه من تحاشي ما لا تتحاشاه العرب


ومما ينبغي البحث فيه مع البلاغيين أن اللفظ إذا انصرف عن الحقيقة إلى المجاز لم يبق ما يوجب التحرز من صورة الحقيقة وإلا فهو لم ينصرف

وذكر أهل البلاغة في المثال المذكور علة أخرى قالوا فيه الحمل على امتثال المأمور خشية الوقوع في تكذيب المتكلم لأنه أخرج الأمر مخرج الخبر فإذا خالفته فقد نسبته للكذب ولو في الصورة

وهذا فاسد مثل الأول

ثم المسألة قائمة على المجاز فمن نفى المجاز في لسان العرب فقد استراح من هذا البحث وأبطل استعمال (ينظر) لهذه العلة .

والحمد لله .

قال ابن فارس (( وأما الكتاب المنسوب إلى الخليل وما في خاتمته من قوله " هذا آخر كلام العرب " فقد كان أورع وأتقى لله _ جل ثناؤه _ من أن يقول ذلك )) .

ثم ذكر أخباراً تدل على تدين الخليل بن أحمد وعقب عليها : فهذا مكان الخليل من الدين أفتراه يقدم على أن يقول " هذا آخر كلام العرب "  .

الصاحبي لابن فارس



وكما لا يقول الخليل هذا آخر كلام العرب فكذلك لا يقال هذا آخر نحو العرب وبلاغة العرب وأسرار كلام العرب

❁ فائدة:

• «وللصور عملٌ في قلوبهم؛ فإنها أصل دينهم».

[النوادر السلطانية لابن شداد]

قلتُ: وأصل دين الإسلام البيان، والبيان من الله، علّمه الإنسان، وبه أنزل القرآن، وإحياء البيان في الناس عملٌ ربّانيّ.
وأصل دين الشرك الصور، والصور من الشيطان، يجتال بها العباد، منذ أن أضلّ بها قوم نوح عليه السلام، فعبدوا الأصنام، والصور عُجمةٌ، تختم القلب وتعقد اللسان، وتخمد الذكاء وتحجب الفهم، وقد كانت دخيلة على العرب في جاهليتهم.

والبيان في الآية عامٌّ في كلّ لسان، لكنه يتجلّى في لسان العرب، ويتجلّى عمله في قلوب العرب، ولهذا اصطفاهم الله فأنزل القرآن بلسانهم، وجعل خاتم رسله وأنبيائه منهم، وحظّ غيرهم من الأمم من البيان بعد إسلامهم بقدر حظّهم من القرآن ونهلهم منه، فالقرآن يحيي البيان، وإحياء البيان يثوّر من القرآن إيمانًا وعلمًا.

❁ نبع العلوم

مذهب العرب في التكرار 🍃

العرب لا تأنف من التكرار ولا تبحث له عن مسوغ بل تكرر المعاني والألفاظ والأساليب بحسب اقتضاء المقام لأن الأصل في خطب العرب وأشعارها وسائر كلامها النطق بها بحسب قيام الداعي فإن تكرر الداعي تكرر الكلام ولابد
وذلك من نضج البلاغة عند العرب حيث صحت ملاحظتهم للمقامات المقتضية للكلام ودق اختيارهم للكلام فعرفوا أن لا ينفع في هذا المقام إلا هذا المقال فتواطئوا عليه وتتابعوا .

ولو نشأ منهم ناشئ لم يبلغ مبلغهم في العلم وتكلم بالشعر على غير طريقتهم لما التفتوا له بعين إعجاب ولا أصغوا له سمع إقرار .

ومهما ظننت أن في شعر بعض شعرائهم اختلافاً وتفرداً فاتهم اطلاعك فلو قرأت أكثر لوجدت لكل بيت نظائر حتى ربما لا يسلم لك من ديوان أحد الجاهليين الا معنيين أو ثلاثة لم تعرف نظيراً لها وربما لو نُقل لنا كل شعرهم لما بقي حتى معنى واحد

وليس معنى ذلك عدم وجود شخصية لكل شاعر بل شخصية الشاعر الجاهلي أكثر تميزاً من غيره من شعراء العصور اللاحقة ولكن فهمها محتاج إلى تأمل ودربة

فإن قلت إن في ذلك التكرار إملالاً والنفس إن ملّت استثقلت الحسن واستبردت الفصيح
فالجواب أن سرعة الملل وحب التغيير من أمراض النفوس وآفات المدنية التي ينتشر فيها الهوس بالتجديد والشذوذ
ولو راض الإنسان نفسه وساسها بسياسة العلم فسيكتسب صبراً على معاناة المعاني وسينظر بعين المقت لدعوات التجديد والهدم.

ثم إن علة الملل هو نظر الإنسان إلى التكرار من جهة غير الجهة التي ينبغي النظر من خلالها ،

فمن سمع كلاماً واحداً جيء به للتذكير مرة وللاخبار مرة وللتأكيد الدال على عناد المخالفين مرة أخرى ولتعليل ما أصابهم عند مخالفته مرة رابعة ولضرب المثل والمقابلة بين النظائر مرة خامسة وسادسة ثم التمس فروقاً دلالية بينها فقد ظلم نفسه وظلم الكلام الذي حكم عليه والله أعلم.

مما سمعته أن الماضين من أهل التجارة في البحر كانوا يختبرون الطفل إذا أراد السفر معهم بأن يطعموه إحدى وعشرين تمرة فإن أكلها قبلوه معهم

كأنهم رأوا الصبر على اللون الواحد من علامات الرجولة و الصحة والسواء

والملل من كواذب الأخلاق كما قالت العرب .

في خواتم السور

((شأن القرآن أن يختم بالموعظة لأنها أهم أغراض الرسالة ))

ابن عاشور

خاتمة سورة المائدة

(( لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير )) .

قال الواحدي رحمه الله : الآية تشير إلى أن الآمال يجب أن تتعلق بالله تعالى لعظم ملكه وسعة مقدرته .

مما أتعجب منه ولا أجد فيه جوابا مقنعا أن يمضي أكثر من تسعة قرون على تأليف الكشاف للزمخشري، ثم لا يكون لأهل السنة حاشية واحدة عليه، مع عظم الابتلاء به، وشدة الحاجة إليه للمفسر والبلاغي والنحوي!
هذا دين لم يقض إلى الآن، ولعل جهة علمية تقوم بجهد مؤسسي يسد هذا الباب؛ فإن الكتاب ليس مما يستغنى عنه كما كتب بعض الباحثين في علوم القرآن، بل هو أصل في علوم عدة، ولذا كان معتمَدا لمن جاء بعده.

https://www.tg-me.com/abnmzher

اعتذاريات النابغة 🍃

المشهور أن سبب غضب النعمان على النابغة هو ما تناقله الرواة عن وصف النابغة لزوجة النعمان بأمره أو ما زاده الوشاة في هذا الحديث
وإذا كان هذا سبب غضب النعمان فسيلقي بظلاله على كل قصائد النابغة الاعتذارية
المعلقة
والعينية
والبائية
واللامية
والنونية
وهي من أجمل القصائد وأليقها بمخاطبة الملوك وأنسبها للاعتذار
وإن لم يكن هذا السبب صحيحاً فسيكون الشعر في وادٍ وقارئه في وادٍ آخر بل بينهما وديان وأهوال .

وكل عارف بالنعمان يعلم قصة مقتله على يد كسرى لما خطب منه ابنته فرفض تزويجها له وقد علم أن وراءه القتل .
فمن لا يزوج ابنته لكسرى كيف يأمر شاعراً بوصف زوجته ؟
ومن يغضب غيرة على عرضه من شاعر ويتهدده ويوعده كيف يرضيه عنه اعتذار؟
النعمان كان مضرب المثل في العزة والإباء
يقول لبيد رضي الله عنه عن مجلسه :

فانتضلنا وابن سلمى قاعد
كعتيق الطير يغضي ويُجَلّ

والذي يترجح أن سبب غضب النعمان من النابغة هو ما ذكره النابغة نفسه في اعتذاره حيث قال :
ولكنني كنت امرءاً لي جانب
من الأرض فيه مستراد ومذهب

ملوك واخوان إذا ما أتيتهم
أحكم في أموالهم وأقرب

يعتذر النابغة من مدح الغساسنة لكون مراعي قبيلته قريب منهم ولكونهم يكرمونه ويعاملونه كأخٍ وصديق

ولعل الناظر فيما وصل إلينا من شعر النابغة لا يجد قصيدة فخمة قبل قصائده في الغساسنة وأما قصائده في النعمان فهي بعد اعتذاره وهذا من شأنه أن يثير الغيرة عند الملوك والغضب لا سيما وقد نسب إلى النابغة أنه أجاب ملك غسان عندما سأله أنا خير أم النعمان فقال قفاك خير من وجهه وشمالك خير من يمينه وأمك خير من أبيه فلعل هذا هو القول الذي نفاه النابغة وألصقه بالوشاة في قوله :
أتاك بقول لم أكن لأقوله
ولو كبلت في ساعدي الجوامع

أتاك بقول هلهل النسج كاذب
ولم يأت بالحق الذي هو ساطع

ولا يصلح هذا الكلام في نفي تهمة وصف الزوجة أو ما بعدها .

فيشبه أن يكون النعمان حقد على النابغة مدحه لأعدائه بقصيدة عجيبة بديعة :
كليني لهم يا أميمة ناصب
ولم يمدحه بمثل ذلك

والغساسنة كانوا أسعد بالملك من النعمان
وبمدح الشعراء وانظر مدح علقمة وحسان رضي الله عنه لهم فهذا يثير غيرة الملوك

وقد حقد عبد الملك على ابن الرقيات عندما مدحه ببيت رديء ومدح عدوه مصعب بن الزبير ببيت جيد
وحقد الرشيد على أبي نواس عندما مدح الخصيب والي مصر :
إذا لم تزر أرض الخصيب رحالنا
فأي فتى بعد الخصيب تزور
وحقد المأمون على العكوك عندما مدح أبا دلف :
إنما الدنيا أبو دلف   بين باديه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف  ولت الدنيا على أثره

فهذا هو الأنسب في قصة النابغة مع النعمان والأولى أن نفسر على ضوئه أشعاره
فإن أبيت إلا أن تصحح القصة والقصيدة التي فيها فليكن ولكن اجعلها بمعزل عن اعتذارات النابغة فلا دليل يسعفك على هذا بل الأدلة عكسه

ويجوز عندي أن تكون قد حصلت نفرة من النعمان عند النابغة قبل ذهابه للغساسنة سببها قلة العطاء او اختلاف الحلفاء او تقريب الوشاة او غير ذلك ، والله أعلم.

إذا حاجة أعيتك لا تستطيعها
ولا سبب في نيلها يتيسر

فصل على خير الأنام محمد
صلاة بها تكفى الهموم ويُغفر


اللهم صل وسلم على محمد