ليْس الحبُّ ضمَّة ولا شمَّة ولاَ قبْلة.. الحبّ أن يَرى المحْبوبَة فيحسَّ في نفسهِ جوعًا سماويًّا إليهَا، رغبَة جامِحة في أن يفتحَ قلبهُ ويضُمَّه عليهَا.. الحبُّ أن تفنَى هيَ فِيه، وأن يفْنَى هوَ فيها، ألاَّ يفَرِّق بَين الحبيبَين الزَّمان ولا المكَان ولا المُيول ولا الأهْواء، فيكُون أبدًا معهَا، هوَاه هَواهَا ومُيولهُ ميُولهَا، ويكُون فِي رأسِه صُداعُها وفِي معدتِه جوعُها وفِي قلبِه مسَرّتها وأحزَانُها. وأنْ تكُون لهُ ويكون لهَا، وأن يدخُلا معًا مصنع القدرَة الإلهِية مرَّة ثانِية ويخرجَا وقَد صارا إنسانًا واحِدًا في جسْمينِ اثنيْن. فأينَ تروِي جُرعَات اللَّذائذ الحسيّة هذا الظمأَ الرّوحي؟
- علي الطنطاوي
- علي الطنطاوي
فظل يُصلي على محمد ﷺ؛ حتى تلاشى حزنه، وطابت نفسه، ثم دعى ربّه فأجابه
اعلَم أنّ النُضج عزيز، لا يُهدِيك ذاته إلّا بعد أن يُذِيقك مرارة المواقف، ويُجرّعك من كؤوس التجارب، ويأخذ ضريبته من نفسك، لكنك ستشكر فيما بعد كل ذلك، عندما تصل إلى مرحلة تقرأ فيها ملامح الدروب قبل أن تمضي فيها، وتُقَدِّر بحَقٍّ خطوتك، وتعرف معاني وجهتك.
من النُضج أن تتريّث، أن تتمعّن في خطواتك وقراراتك، أن لا تُصَدِّق كل ما يُنقَل إليك، وكل ما يصل إلى أذنيك، وأن لا تأخذ كل أمر على محمل الحقيقة والجدّ، دون تمريره على مصفاة التدقيق والنقد، أن تنظر للبعيد وتتجاوز مدار رؤيتك القريبة، وأن تكون الحكمة هدفك ومُبتغاك.
سبحان الله كيف دائمًا قلبك يحذّرك من أشخاص ما يرتاح لهم ومواقف قبل تحصل أو تتفاقم، سبحان الله الذي أودع فيه هذه البصيرة. عبارة "قلبك دليلك" ليست عبارة مستهلكة نرددها فقط، بل اتبع قلبك لأنه دائمًا صادق معك.
لكَ كُل المساحاتْ الشاسِعة بداخليَّ لكَ بي سُكناً و وطناً و بِلاد لكَ عالماً يَخلو من كلِ شيءٍ عداكَ .
منذ أن إلتقينا وأنا اسأل نفسي أي عمل صالح ذلك الذي كان ثوابه أنتَ ؟
ما قد يغيب عن الكثير، هو أنّ للكلمة قيمتها، ووَزنها، وتأثيرها، الذي قد يفوق التصوُّر البسيط، فرُبّ كلمة أحيَت نفسًا، وأبهجَت قلبًا، وأوقدَت فكرة، وأشعلَت هِمّة، وغيّرت موقفًا، ورُبّ كلمة أطفأت أملاً، وأحبطَت روحًا، وأحدثَت شرخًا، وحطّمَت بِناءً؛ لأجل ذلك يكون العاقل يقظًا لكلمته.
وأن تختار لي مايُرضيك أنتَ فأرضى أنا وأن تكتب على قلبي السكينة والهنا وتحفظ عيوني من ابتلاء تفتيش العيوب ولساني من بلاء هتك الستر والمحجوب وآذاني من سماع النَمم وموجبات الذنوب وروحي من اليأس حين الغمم والكروب وتسوقنا للخير وتصرفنا عن الشر وتغمر النفس المثقوبة بالستر ياواسع الستر.
يأسرني "الرِضا" معنىً، وشكلاً، وأثرًا، فتجدهُ عندما يحلّ على النفس يغمرها بشعورٍ عَذب، وارتياحٍ صادِق، وطمأنينة تمتدّ إلى الأعماق، ينظر معهُ الإنسان إلى المواقف والأحداث من منظور آخر يتلمّس فيه مواطن الخير والحكمة والرحمة، كما أنهُ يعود على صاحبه بالعطايا: "فمن رضيَ فلهُ الرِضا"
الإنسان اللبيب لا يكتفِ من النَهل من دروس وعِبَر الحياة مهما بلَغ به العُمر ومهما ظَنّ أنه وصَلَ إلى مرحلة من الاكتفاء، فهو يؤمن بأن الحياة مُتسارعة، مُتجدّدة، مُتغيّرة، ولا ثبات لها على حال، لذا هو يتعلّم من كل خطوة، ويتحرّى الحكمة والسداد والرشاد في كل أمر.