Telegram Web Link
الصلاة وآثارها - ملتقى الخطباء
عناصر الخطبة
1/ قيمة الصلاة وحاجة الإنسان لها 2/ حال الناس إزاء الصلاة وأثر ذلك 3/ الدور الشامل للمسجد في المجتمع 4/ دعوة لمحاسبة أنفسنا بالنظر لأحوالنا في الصلاة 5/ أمور تقلل من أجر الصلاة أو تبطلها 6/ الآثار الطيبة للصلاة الخاشعة على الفرد والمجتمع
اقتباس
إنَّ أُمَّةً لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه وحده، لَعاجزةٌ أنْ تقف ثابتة في مواقف الخيرِ والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده، فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله، أصلح الله -عز وجل- ما بيننا وبين الناس؛ فأثمرت الصلاة -ولا سيما صلاة الجماعة- من معاني الأُخوَّة والمحبة الشيء الكثير، وكم يجسد وقوف المصلين كالبناء المرصوص من معاني الخوف والرهبة في قلوب الأعداء!.

الحمد لله أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر والإثم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الصلاة على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه، جُعلَتْ قرة عينه في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.

أيها المسلمون: الإنسان في خضم معترك الحياة ومكافحة هموم القلق والضجر، والضيق والكدر، يحتاج حاجة ملحة إلى ما ينفس عن مشاعره، ويفرج عن لأوائه ومصائبه، ويبعث في نفسه وقلبه الطمأنية والراحة، فمهما كد وجدَّ فلن يجد ملاذاً غير الله يدعوه، ويأنس به ويرجوه، ويلوذ بحماه، ويعبده، ويلقي بهمومه ويشكو أمره وحوائجه إليه، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وهو وحده الذي يُفر منه إليه.

ألا إن أعظم العبادات التي تحقق هذا كله: الصلاة، وكم نحن بحاجة على الدوام أن نتذاكر قيمة الصلاة وقدرها وبرها، وأثرها وأسباب قبولها، والمعوقات دون إقامتها وإتمامها، ولماذا خف أثرها في حياتنا؟.

عباد الله: الصلاة سيما الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قال جل ثناؤه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ) [الأنبياء:73]، وبها وصى الأنبياء ووصى الحكماء، قال تعالى: (‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم:31]، وقال تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) [لقمان:17]، وقال -سبحانه-: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55].

وهي كذلك قرينة الإيمان، وعلامة المؤمنين قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]، وبها يعرف قدر الرجال، قال -تعالى-: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ..) [النور:37].

إنها عهد وميثاق وفرض في كتاب الله، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة". وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر، قال -عز وجل-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ) [العنكبوت:45]، وبها عون واستعانة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) [البقرة:153].

أيها الناس: والصلاة ميراث للتقى أو الفجور، وكاشفة للإيمان أو النفاق، وهي لوحة كاشفة لتفاوت الإرادات والهمم، إنه لا يتكرر في الإسلام مثلها في الليل والنهارن وفي اليقظة وبعد المنام، في الشتاء والصيف، وفي السفر والحضر، والسلم والحرب، والصحة والمرض، وعلى الغني والفقير، والصغير والكبير، والذكر والأنثىن والحر والعبد؛ ومن هنا كانت ميزاناً للإيمان المستمر، والإرادة المتجددة، والهمة العالية.

إن نفراً من المسلمين علت هِممُهم فكانت الصلاة هَمّهم، وتعلقت في المساجد قلوبهم فلا يفقدون في وقت، ولا يتأخرون عن الجماعة، وإذا ما فقدوا علم إخوانهم أنهم مسافرون أو مرضى، إذا حضرتهم الصلاة كان الخشوع وكانت السكينة، وإذا خرجوا من المسجد كان الصدق وحسن الخلق وكان العفاف والتقى آثاراً خلفتها الصلاة فيهم بسبب صدقهم مع الله، وحسن تعاملهم مع خلق الله، أولئك أصحاب القدح المعلى، وأولئك أهل الصلاة حقاً، وأولئك هم المفلحون، وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ونفر آخرون يصلون حيناً وينقطعون حيناً تراهم يفترون في حال قيامهم ولكن كثيراً ما يتخلفون عن القضاء إذا ناموا، ونقر الغراب سنة تكاد تكون بارزة فيهم يغيب عنهم الخشوع حال الصلاة ويضعف أثر الصلاة في حياتهم وبالتعامل مع إخوانهم خارج الصلاة، أتلك هي الصلاة التي أمر بها المسلمون؟ أفهكذا تؤدى؟ أفهكذا يؤدى الركن الثاني من أركان الإسلام؟ أما علم أولئك أن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته؟ أما يخشى أولئك المفرطون في شأن الصلاة والساهون عنها أن يكونوا ممن قال الله -عز وجل- فيهم: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ
سَاهُونَ). [الماعون:4-5].

أيرضى المسلم أن يخرج من صلاته وما كتب له إلا القليل منها: ربعها أو خمسها أو عشرها؟ أو يرضى أن تلف صلاته بثوب خلق ثم يرمى بها، تقول: ضيعك الله لما ضيعتني؟!.

مَن قال إن الصلاة قالب بدون قلب؟ حركات دون خشوع؟ عادة لا عبادة؟ صورة لا حقيقة؟ كلا! إنها رَوح وراحة؛ "أرحنا بها يا بلال"، وهي عروج بالقلب والروح إلى السماء في اليوم والليلة خمس مرات، فضلاً عن النوافل، إنها تسبيح وتكبير وتهليل وتعظيم وتقديس ودعاء ووقوف بين يدي الله، رغبة ورهبة وتلاوة للقرآن وتعظيم للرحمن وانقطاع عن الحياة والخلق، واتصال بالخالق، وقرب من الآخرة. كم تغيب هذه المعاني عن أعداد من المسلمين المصلين، ويغيب معها أثر الصلاة في حياتهم؟.

أما الذين لا يصلون فأولئك لهم شأن آخر وحديث آخر! لا تستغربوا إن بلغ المسلمون من الذل ما بلغوا وهم بعد لم يذلوا لله حقاً في الصلاة، ولا تستغربوا إن كثرت فينا الفواحش والمنكرات فصلاتنا لم تصل إلى مستوى النهي عن الفحشاء والمنكر.

إنَّ أُمَّةً لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه وحده لعاجزة أن تقف ثابتة في مواقف الخير، والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده، فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله أصلح الله -عز وجل- ما بيننا وبين الناس؛ فأثمرت الصلاة -ولا سيما صلاة الجماعة- من معاني الأخوة والمحبة الشيء الكثير، وكم يجسد وقوف المصلين كالبناء المرصوص من معاني الخوف والرهبة في قلوب الأعداء!.

ففي المسجد يعلم الجاهل، ويطعم الجائع، وينصر المظلوم؛ وفيه يعلم العلم، وتبلغ الدعوة، ويتعارف المسلمون ويتآلفون، ويعلم الصبيان آداب المسجد والصلاة، ويحفظون القرآن؛ وفي المسجد يتشاور المسلمون في أمرهم، ويتفقدون حال إخوانهم المنقطعين عن المسجد لسبب أو لآخر.

إن المساجد خير البقاع، وما أحراها بكثرة الجلوس والتذكرة والتلاوة والخلوة والدعاء! لا الكلام في الدنيا واللهو واللغط حتى تحين الصلاة إلى غير ذلك من مهام وأدوار للمساجد التي تضاءلت في هذا الزمن حتى فقدت عدد من المساجد رسالتها العظمى وآثارها التربوية والاجتماعية وأشياء أخرى، وهي مسؤولية مشتركة بين الإمام والمأمومين والأوقاف والدعاة.

يا عبد الله: قِفْ وسائل نفسك: ما قدر الصلاة عندك؟ قل ما شئت وعبْر ما شئت؛ فإن حظك من الإسلام على قدر حظك من الصلاة.

يا مسلم: كيف تؤدي صلاتك؟ قل ما شئت فليس لك من صلاتك إلا ما عقلت.

أيها المصلون: هل تؤدون الصلاة أم تقيمونها؟ والفرق كبير بين الأداء وإقامة الصلاة كما أمر الله ورسوله، ومَن تأمل آيات القرآن وجد أن الأمر بالصلاة يأتي دائماً بأسلوب الإقامة، (أقيموا الصلاة)؛ فالإقامة تعني الإتمام والعناية لا مجرد الأداء.

أيها الراكعون الساجدون: هل تتثاقلون القيام مع الإمام والركوع والسجود والتلاوة إن أطال؟ فدونكم العلاج: وهو الخشوع في الصلاة، وفي محكم التنزيل يقول المولى -عز وجل-: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:45-46].

والمعنى: أن الصلاة شاقة إلا على الخاشعين فإنها سهلة عليهم؛ لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرح صدره؛ لترقّبه الثواب، وخشيته من العقاب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) [مريم:59-60].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد: إخوة الإسلام: ثمة أمور تقلل من أجر الصلاة أو تبطلها، وثمة أخطاء في أداء الصلاة ينبغي التنبه لها والتنبيه عليها:

فالطهارة مفتاح الصلاة، وهي شرط عظيم للصلاة، وكم بينها وبين بعض المسلمين من تفاوت إما تفريطاً يؤدي إلى الإخلال بالواجبات في الوضوء ومكملات الطهارة، أو إفراطاً يصل إلى حد الوسوسة المنهي عنها.

وستر العورة شرط من شروط الصلاة، يتهاون نفر من المسلمين في ستر عوراتهم من لبس الثياب الشفافة أو الضيقة والسراويل القصيرة حتى يظهر شيء من العورة وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة في الصلاة إلا الوجه والكفين، فينبغي للمرأة تغطية سائر بدنها وخصوصاً بطون القدمين والذراعين، فاحفظوا عوراتكم دائماً، وإياكم والتهاون بها في الصلاة مطلقاً!.

وتسوية الصفوف، تلك التي استهان بها بعض المصلين -هداهم الله-، وقد ورد التشديد في ذلك حتى قال -عليه الصلاة والسلام-: "لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم" متفق عليه.
والإخلال في شيء من أركان الصلاة، ولا سيما الطمأنينة التي تساهل بها عدد من المصلين، تراه ينقر الصلاة نقر الغراب لا يعقل ما يقول ويقرأ، وأنى لهذا من الطمأنينة الواجبة والخشوع، وهو لب الصلاة؟.

لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسيء صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، وأبصر أحد الصحابة رجلاً لا يطمئن ولا يحسن صلاته فقال: منذ كم وأنت تصلي هذه الصلاة؟ فأجاب الرجل: منذ ستين سنة، فقال له الصحابي: منذ ستين سنة وأنت لم تصل.

فاتقوا الله -عباد الله- في صلاتكم، وهي ليست حملاً تضعونه عن رقابكم؛ ولكنها عبادة ترضون بها ربكم.

ومسابقة الإمام وموافقته بلية يبتلى بها بعض المصلين، وهي من نزغ الشيطان، وإلا فلن يسلم المسابق في النهاية قبل الإمام، قال العلماء: المسابقة تبطل الصلاة، وموافقة الإمام في حال القيام والركوع والسجود ينقص من قدر الصلاة، والسنة بالمتابعة للإمام، فإذا انتهى راكعاً فاركعوا، وإذا اعتدل قائماً فانهضوا، وإذا استوى ساجداً فاسجدوا، وهكذا؛ فإنما جعل الإمام ليؤتم به.

وإياكم وتلاعب الشيطان! قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار؟! أو يجعل الله صورته صورة حمار؟!" متفق عليه.

ومما ينبغي التفطن له في المسجد عدم إيذاء المصلين برائحة مستكرهة كالثوم والبصل وشرب الدخان ونحوها.

وعلى المسلم أن يكون نظيف الملبس، حسن الرائحة، آخذاً بالزينة التي أمره الله بها: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31].

كما لا ينبغي إيذاء المصلين بحركة مستفِزَّة، أو سلوكيات غير لائقة.

ألا وإن من بلايا العصر رنين الجوالات، والتي لا تشغل صاحبها وحده؛ بل تشوش على المصلين كلهم، وعلى الرغم من التحذيرات المسموعة والمكتوبة على أبواب المساجد وغيرها إلا أن الظاهرة في المساجد لا تزال مصدر قلق وتشويش على المصلين، فهل تنتهي يا صاحب الجوال إما بالعناية بإغلاقه أو بتركه في البيت حال الصلاة؟!.

ولا بد -يا عباد الله- من العَوْد والتأكيد على رُوْحِ الصلاة ولبها، وهو الخشوع فيها، ألا وإن المؤدين للصلاة كثير! ولكن المقيمين لها قليل بواجباتها وأركانها وسننها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

ألسنا نرى فئاماً من المصلين يصلون أشباحاً بلا أرواح، وقوالب بلا قلوب، وحركات بلا مشاعر، صلاتهم مرتع للوساوس، وفرصة لإعادة الذكريات والهواجس، يدخل الشيطان على أحدهم من حين يكبّر حتى يسلم، فيصول ويجول بفكره في مجالات الدنيا؛ ولذا تراه يتحرك ويتشاغل، ويستطيل ويتثاقل، ويلتفت بقلبه وبصره إلى حيث يريد.

قلوبهم في كل واد تهيم، وعقولهم في كل مكان تسرح، ولو سألته: ماذا قرأ الإمام؟ لم يجب جواباً؛ بل لربما لو سألته: ماذا قرأت وقلت في صلاتك؟ لتردد في الجواب!.

إن صلاة يتلاعب الشيطان بصاحبها إلى هذا الحد خداج غير تمام، فاللهَ اللهَ في مجاهدة نفسك والشيطان!.

أيها المصلي: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت، والشيطان -وإن عجز عن صدك في المجيء للمسجد والصلاة مع المسلمين- فسيحاول إفساد صلاتك عليك، فنعوذ بالله منه، فكن مستحضراً قدر الصلاة، وتذكر أن الرجلين يقفان في الصف الواحد وبين صلاتهما كما بين المشرق والمغرب، فكن -عبد الله- المقيم للصلاة، ولا تكتفي بمجرد أدائها، واعلم أن أول ما يحاسب عنه العبد الصلاة، فأعد للسؤال جواباً.

عباد الله: ومع الحرص على صلاة الجماعة في المسجد فلا بد من التفطن ألَّا نجعل البيوت مقابر، فإن البيوت تحيا بالصلاة، أي بصلاة النوافل، وهي في البيت أفضل بشكل عام، ولا سيما سنة المغرب، قال ابن القيم -رحمه الله-: وكان يصلي عامة السنن والتطوعات التي لا سبب لها في بيته، لا سيما سنة المغرب؛ فإنه لم ينقل عنه أنه فعلها في المسجد البتة.

أيها المسلمون: وخلاصة القول: إننا نستطيع من خلال الصلاة المشروعة أن نطهِّر أنفسنا من الفواحش والمنكرات، وأن نتخفف بالصلاة من أوزار طالما أثقلتنا عن الانطلاق إلى الخير في الحياة.

نستطيع بالصلاة المقامة أن ننجح في معركة الشهوات والشبهات، وأن نغالب الشيطان في وساوسه ونزغاته، وحين ننتصر على نزواتنا وأهوائنا والشيطان يصبح الطريق مفتوحاً للنصر على أعدائنا، وحين نقف في الصلاة بين يدي الله متضرعين سائلين والله قريب مجيب الدعاء، وفي الصلاة فرصة كبرى للدعاء، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فهل نلح على الله بالدعاء في صلاتنا بإصلاح أحوالنا والتمكين في الأرض؟ وبين الصلاة والتمكين صلة وثقى، والله -جل وعلا- يقول: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ) [الحج:41].

ألا أيها المتكاسل عن الصلاة! بادر قبل أن يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون، ألا أيها المقصر في الصلاة مع الجماعة! تدارك نفسك؛ فيد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
أيها المصلون: أطيلوا الركوع والسجود بعد القيام، واخشعوا في صلاتكم، وادعوا ربكم خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين، ولا تنسوا أن تدعوا بدعائي الخليل: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40].

هذا وصلوا على من أمرتم بالصلاة عليه، اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأئمة الخلفاء الأئمة النجباء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى الصحابة والقرابة والتابعين، وعنا معهم بعفوك ومنك وجودك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم حوزة الدين، اللهم وأهلك أعداء الدين، الذين يبغونها عوجاً، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.

اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم اجعل لهم من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.

اللهم وأجِرْهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اهدنا واهد بنا، ويسر الهدى لنا.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرفقات
وآثارها
أهوال يوم القيامة - ملتقى الخطباء
عناصر الخطبة
1 / فناء الدنيا وزوالها 2/ صفة أرض المحشر 3/ من أهوال القيامة 4/ دنو الشمس يوم القيامة 5/ ندم العصاة يوم القيامة 6/ القصاص يوم القيامة 7/ فضل الأعمال الصالحة يوم القيامة 8/ نشر الصحف 9/ الفصل بين العباد 10/ حوض النبي صلى الله عليه وسلم 11/ من المفلس يوم القيامة؟ 12/ خوف السلف من يوم القيامة
اقتباس
والأرض تزلزل وتدك دكة واحدة، وَتُمَدُّ مدَّ الأديم، وتبقى صعيداً واحداً لا اعوجاج فيها ولا روابي، يقبضها الله ويُمسكها بِإصبع، والجبال تُسَيَّرُ وتُنْسَف وتَتَفَتَّتُ، وتتحول إلى كثيب من الرمل مهيل، وكعهن من الصوف منفوش، يُخَيَّلُ...

:الخطبة الأولى

أيها المسلمون: الناس في هذه الحياة في غفلة، وأملهم فيها عريض، ولا بد من إلجام النفس بتذكيرها بمصيرها لِتَعْمُرَ الآخرة بالدنيا، ويُغْتَنَمَ الحاضر للمستقبل، وقد جعل الله عز وجل اليقين باليوم الآخر من أركان الإيمان، وسيأتي اليوم الذي يفنى فيه الخلق مصداقاً لقوله: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) [الرحمن:26]، ثم يأتي يوم يعيد الله سبحانه وتعالى فيه العباد، ويبعثهم من قبورهم، وأول من يُبعث وتَنشقُّ عنه الأرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويحشر العباد حفاة عراة غرلاً غير مختونين: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ)[الأنبياء: 104].

ويُكسى العباد، وأول من يُكسى إبراهيم، ويكسى الصالحون ثياباً كريمة، والطالحون يُسَرْبَلون القَطِران نحاساً مذاباً، ودروعاً من جرب.

ويحشر الخلق على أرضِ محشرٍ غير هذه، قالت عائشة: "فأين يكون الناس يا رسول الله؟ قال: "على الصراط".

وفي لفظ: "هم في الظلمة دون الجسر".

وأرض المحشر أرض بيضاء عفراء ليس فيها معلم لأحد، لم يُسفك عليها دم حرام، ولم يُعمل عليها خطيئة، يَنفُذُهم البصر، ويُسمِعُهُم الداعي، يومٌ عبوسٌ قمطرير، قال عنه الكافرون: (هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) [القمر: 8] لا يُلاقي العباد يوماً مثله، وصفه الله عز وجل بالثِّقل والعُسر، يشيب منه شعر الوليد، فذلك يومئذ يوم عسير، تَذهَلُ المرضعة عن رضيعها، والحاملُ تُسْقِطُ حملها، يوم تَدْهَشُ فيه العقول، وتَغيب فيه الأذهان، يَفِرُّ الإنسان من أحب الناس إليه، من أمه وأبيه، وأخيه وزوجته وأولاده، ويود العاصي أن يدفع بأغلى الناس إليه في النار لينجو: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ) [المعارج: 11-14]

والأرض تزلزل وتدك دكة واحدة، وَتُمَدُّ مدَّ الأديم، وتبقى صعيداً واحداً لا اعوجاج فيها ولا روابي، يقبضها الله ويُمسكها بِإصبع، والجبال تُسَيَّرُ وتُنْسَف وتَتَفَتَّتُ، وتتحول إلى كثيب من الرمل مهيل، وكعهن من الصوف منفوش، يُخَيَّلُ للناظر أنها شيء وهي سرابٌ ليست بشيء: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا)[النبأ: 20].

وتُزال الجبال عن موضعها، وتُسوى الأرض فلا ارتفاع فيها ولا انخفاض: (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طـه: 107].

والبحار تُفَجَّر وتُسَجَّرُ، وتَشْتَعِلُ ناراً، والسماء تَنْشَقُّ، وتَمورُ وتضطرب، فتصبح ضعيفة واهية، وتأخذُ السماءُ في التلون: (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) [الرحمن: 37].

وتُكْشَطُ السماء فلا سِتر حينئذ ولا خفاء، ويطويها ربنا بيمينه كطي السجل للكتاب، ويمسكها على إصبع، والشمس تكور وتجمع ويذهب ضوؤها، والقمر يخسف: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [القيامة: 7-9].

والنجوم الزواهر تنكدر، وينفرط عقدها فتتناثر، وتُظْلِمُ الأرض بخمود سراجها، وزوال أنوارها، والعشار تعطَّل، والوحوش تحشر، ويموج الخلق بعضهم إلى بعض، من رأى الناس فيه ظن أنهم سكارى وماهم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، الأبصار شاخصة، والقلوب لدى الجناجر واجفة، والملائكة آخذة مصافَّها بالخلائق محدقة، أمر عظيم، وطارق مُفْظِعْ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة".

وفي هذا اليوم تعلم كل نفس ما أحضرت، يقف الإنسان نادماً بعد فوات الأوان، وتؤخذ خوافي الصدور أخذاً شديداً، ويُبَعثر ما فيها، فما من شيء أُخْفي فيها إلا ظهر، ولا أُسرَّ إلا أُعلن، صمت مهيب، لا يتخلَّله حديث، ولا يقطعه اعتذار: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)[المرسلات: 35- 36].

وجوه هناك مُبْيضة، مسفرة مستبشرة، ضاحكةٌ ناظرة، ووجوه أخرى مسودة باسرة، عليها غبرة، مرهقة بالقترة، المتقون يحشرون إلى ربهم وفداً، والمجرمون يساقون يومئذ زرقاً.
والشمس تدنو من رؤوس الخلائق، حتى لا يكون بينها وبينهم إلا قَدْرُ ميل، ولا ظل لأحد إلا ظل عرش الرحمن، فمن بين مستظل بظل العرش، وبين مَضْحو بحر الشمس، والأمم تزدحم وتتدافع، فتختلف الأقدام، وتنقطع الأعناق، فيفيض العرق إلى سبعين ذراعاً في الأرض، ويَسْتَنْقِعُ على وجه الأرض، ثم على الأبدان على مراتبهم، منهم من يصل إلى الكعبين، ومنهم من يلجمه إلجاماً، ويطبق الغم، وتضيق النفس، وتجثو الأمم من الهول على الرُّكب، وترى كل أمة جاثية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يبلغ الناسُ من الغمِّ والكربِ ما لا يطيقون"[متفق عليه].

ويندم العصاة ويتحسرون على تفريطهم في الطاعة، ولشدة حسرتهم يَعضّون على أيديهم، يقول عز وجل: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان: 27].

وَيَمْقُت العاصي نفسه وأحبابه وخلانه، وتَنْقَلِبُ كلُّ محبة لم تقم على أساس من الدين إلى عِداء، ويخاصم المرءُ أعضاءَه، والمتكبرون يحشرون أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم احتقاراً لهم، والمسبلُ إزاره لا يكلمه الله في ذلك اليوم، ولا ينظر إليه ولا يزكيه، وله عذاب أليم، وتوضع لكل غادر يوم القيامة راية عند مؤخرته ويقال: "هذه غدرة فلان بن فلان".

ومن أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أراضين، ويتضاعف يوم القيامة ظلم الدنيا: "الظلم ظلمات يوم القيامة".

والحقوق لا تضيع، بل يُقْتَصُّ حق المظلوم من الظالم، حتى يقاد فيما بين البهائم، وشرُّ الناس يومئذ ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.

ومن نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا َنَّفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والعادلون على منابرَ من نور عن يمين الرحمن، ويُبعث كل عبد على ما مات عليه، فمن بات محرماً بعث ملبياً، ومن كُلِمَ في سبيل الله جاء لونه لون الدَّمِ، والريح ريح المسك، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً، ولا يَسمع مدى صوته شيء إلا شهد له يوم القيامة، ومن شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً، وكل امرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس، والصراط دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فناجٍ عليه ومخدوش، ومكدوس في النار، والميزان بالقسط لا اختلال فيه، الحساب فيه بمثاقيل الذر: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7-8].

الحمد لله تملؤه، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ثقيلتان فيه.

ويقول عليه الصلاة السلام: "أثقل شيء في الميزان تقوى الله وحسن الخلق".

والصحف المطوية تُنْشر، كم من بليةٍ نسيتها، وكم من سيئة ٍأخفيتها، والكتاب يُقرأ، والجوارح تنطق، والملائكة حاضرة، والله شهيد على جميع الأعمال، يقول عز وجل: (وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ)[يونس: 61].

وبعد أن يفرغ الله من الفصل بين البهائم يَشرعُ في الفصل بين العباد، وأول الأمم يقضى بينها هذه الأمة، وهم أول من يجوز على الصراط، وأول من يدخل الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة".

وفي رواية: "المقضيِّ لهم قبل الخلائق"[رواه مسلم].

ويكرم الله عبده محمداً صلى الله عليه وسلم في الموقف العظيم بإعطائه حوضاً واسعَ الأرجاء، مسيرتُه شهر، وماؤه أبيضُ من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيبُ من المسك، تُرى فيه أباريق الذهب والفضة كعددِ نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ويَرِدُ عليه أقوام من أمته، ثم يُحال بينهم، فيقول صلى الله عليه وسلم: "إنهم مني"، فيقال: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"، فيقول: "سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي".

إن النجاة من تلك الأهوال إنما تُنال برحمة الله، ثم بعملٍ صالح، والمقصِّرُ نادمة لامحالة.

يوم لا تنفع فيه المعذرة، ولا يرتجى فيه إلا المغفرة، والحياة طالت بك أو قصرت، فمصيرك إما جنة وإما نار.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر: 5].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعتني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:
أيها المسلمون: المفلس يوم القيامة من يأتي بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شَتَمَ هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من سيئاته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقْضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم يقذف في النار.

يقول صالح المري: "دخلت المقابر نصف النهار، فنظرت إلى القبور كأنهم قوم صُمُوت، فقلت سبحان من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى، فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفر: يا صالح: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم: 25]، قال: "فخررت مغشياً علي".

يقول الحسن البصري: "يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن قط، ليلة تبيت مع أهل القبور ولم تبت قبلها مثلها، وليلة صبيحتها تسفر عن يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله، إما بالجنة وإما بالنار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك وإما بشمالك".

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم.
دروس من قصة طالوت في انتصاره على الطاغية جالوت (1)

عناصر الخطبة

1/ الاعتبار بالقرآن والاستهداء بنوره 2/ أهمية تدبر قصص القرآن 3/حاجة الأمة للعودة لدروس القرآن 4/ مشاهد قصة طالوت وانتصاره على جالوت 5/ دروس وعبر من قصة طالوت وجالوت

 اقتباس

إن قصة انتصار طالوت وجنوده على الطاغية جالوت وجنوده قصة فيها الاعتبار والاستبصار للأمة الإسلامية؛ لأن الله قص هذه القصة لعلمه أن الأمة الإسلامية سيصيبها من أعدائها وتقصيرها في دينها ما أصاب بني إسرائيل، فحذر الله هذه الأمة من أسباب المصائب قبل وقوعها، وبيّن لها أن الوقاية خير وأهم من العلاج، وأعطاها الدواء قبل الداء..

 
 
 
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
إن قصة انتصار طالوت وجنوده على الطاغية جالوت وجنوده قصة فيها الاعتبار والاستبصار للأمة الإسلامية؛ لأن الله قص هذه القصة لعلمه أن الأمة الإسلامية سيصيبها من أعدائها وتقصيرها في دينها ما أصاب بني إسرائيل، فحذر الله هذه الأمة من أسباب المصائب قبل وقوعها، وبيّن لها أن الوقاية خير وأهم من العلاج، وأعطاها الدواء قبل الداء.
ولكن الأمة الإسلامية لم يزل الكثير من أفرادها يطلب ويتلقى وينتظر الدواء ممن أصابها بالداء والنفع، ممن فعل بها الضرر والنصر، ممن قاتلها وسحقها ودمرها، وبعضها يتخبط في تجربة النظريات الأرضية بحثًا عن مخرج، وآخر في حلبة العراك لينتصر للآراء البشرية ظنًّا منه أنه سيظفر برأي رشيد منقذ، وثالث يعيش في الاستغراق في الجزئيات على حساب ضياع الكليات، ورابع غرق في الغفلة واتباع الشهوات، وخامس... إلخ.
وقد جرب بنو إسرائيل حياة التيه فلم يجدوا الفلاح والعز والنصر والكرامة إلا في التمسك بالدين وإقامة عَلَم الجهاد، وكان حال بني إسرائيل وما أصابهم من طواغيت زمانهم بسبب ذنوبهم في زمن وقوع هذه القصة مثل حال الأمة الإسلامية اليوم.
أفما آن لهذه الأمة التي أكرمها الله بنور الوحي وهُدَى الكتاب والسنة أن تعود إلى ربها، وتحذر من التيه وتتعلم من علم العليم، وتتجمل بلباس التقوى والطاعة لخالقها، وتستمد خبرتها وبصيرتها من كلام الخبير البصير، وحكمتها من الحكيم، وتتقوى بقوة القوي، وتعتز بعزة العزيز فتعمل بكتابه وتتبعه إمامًا معصومًا على هدي رسوله وفق منهج أصحابه، فهذه القصة قصة تعليمية تربوية عسكرية سياسية إصلاحية من قصص الكتاب العزيز لتدل المسلمين على طريق الفلاح، وترشدهم لسبيل النجاة، وتضعهم على بداية خطوات النصر، وتبين لهم أسباب التمكين، فإلى أول مشاهد هذه القصة، واستخلاص بعض ما فيها من الدروس.
المشد الأول: من مشاهد قصة طالوت وانتصاره على جالوت. قال الله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إسرائيل مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [البقرة: 246].
قد قص الله علينا هذه القصة وكأنها واقع مشاهد أمامنا بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إسرائيل) والملأ هم الوجهاء والأشراف، وكانوا بعد موت موسى بزمن طويل، فطلبوا من نبيهم تعيين مَلِك يقودهم لجهاد عدوهم؛ ليقينهم أن تحرير بلادهم وإقامة دينهم واسترداد حقوقهم واستعادة كرامتهم لا يكون إلا بالجهاد، ولكن هذا النبي أراد أن يختبر قوة عزائمهم ومدى استجابتهم (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا)، عسى أن يفرض عليكم القتال فتتخلفوا عنه! لأنه قد علم من ضعفهم وهوانهم بسبب تمكن عدوهم منهم، وقوة تسلطه عليهم ما جعله يختبرهم بهذا السؤال، فسمع نبيهم حسن إجابتهم ورأى حماسهم (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) ولكن هذا الحماس لم يستمر بل ضعف وذهب عند الكثير حين فرض الجهاد وحضرت ساعة الجد والنفير (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فتخلفوا واختفوا ولم يستجب ويصمد إلا القليل، وأما الكثير الظالم فتولى (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فهذا وعيد أكيد وتهديد شديد لمن تولى عن فريضة الجهاد.
ونستفيد من هذه المشهد الدروس التالية:
1– أن الذي يقرر أمر الجهاد هم الملأ أهل الحل والعقد من كبراء الناس في العلم والخبرة والدراية بالأمور، المتصفين بالأمانة والصدق والإخلاص، وليس هذا الأمر الكبير للعامة.
فحين تولى أهل العلم والخبرة والاختصاص إدارة المعركة بتجرد من الحظوظ الدنيوية والمؤثرات النفسية كانت العاقبة النصر والتمكين، وحين يُترك هذا الأمر لغير أهله فلا تنتظر إلا الفشل والهلاك والزوال بعد التيه في ظلمات المهانة والتخبط في مفترق الطرق واللهث وراء سراب الخداع.
2– ومن فوائد قوله (إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا) أن النبي أو من يقوم بوظيفته من أهل العلم هم من يشرف على تنفيذ الأمور ولا يباشر القيام بها، بل الذي يباشر هو الملك الذي طلبوا تعيينه، فإذا استنار الملك بنور النبوة وجعل العلم قائدًا له وفق للهُدَى والحق والعدل.
3- نصف النصر معرفة الطريق إلى النصر (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). ومعرفة هذا الطريق لا تكفي لوحدها، بل لا بد من بعد اختيار هذا الطريق المضي فيه، ولا يكون ذلك إلا بالتجرد من حظوظ الدنيا كما في قوله (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وليس في أي سبيل غيره، والوصول إلى هذه المرتبة العالية في الدين يكون بإصلاح العقيدة الدائم والمثمر بالعمل الصالح المستمر.
4- يقين الملأ من بني إسرائيل في أن حقهم لا يسترد إلا بالجهاد وأن تحررهم من الطغاة المعتدين لا يكون بغير القتال في سبيل الله (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
5- أن من حسن التعليم وتأصيل التربية اختبار المتعلم والتأكد من عمق رسوخ التربية في أعماق نفسه ومدى تأهله وتمكنه من القيام بمهام دينه وتحمل ما يصيبه من مشاق (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا).
6- إن الكثير تموت عندهم حماسة الرخاء والسعة عند ساعة الجد والشدة، فكانوا يقولون في وقت السعة: (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) فلما فُرِضَ عليهم ما طالبوا به من القتال ماذا فعلوا؟!
(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ) فلم يستجب إلا القليل، أما الكثير فلم تستمر حماستهم بل ذهبت وضعفت قوتهم.
7- إن التقاعس عن نصر الحق أو التولي عن القيام به ظلمٌ للنفس وظلمٌ للحق والرسول الذي جاء به وبذل في وصوله إلينا التضحيات الكبيرة الجليلة، وظلمٌ للناس في التهاون لإيصال الحق إليهم وحمايتهم في حال التمسك به (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وهذا هو الامتحان الأول لهم وهو فرض القتال عليهم ولم يتجاوز هذا الاختبار إلا القليل.
8 – أن أي جهاد في سبيل الله يشترط لنجاحه واستمراره ونفعه أن يُعين له قائد (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ليجمع الكلمة ويوحد الصف (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف: 4] ويمنع التنازع والفشل (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
9 - في هذا المشهد وغيره من مشاهد القصة ما يدل على فساد الدعوات الموجهة لمجلس الأمن أو غيره من المنظمات المرتبطة بعدونا ومطالبتهم بنصرنا ورد حقوقنا وكأننا لا نرى انتهاكهم لكرامتنا في رابعة النهار.
وبنو إسرائيل – في هذه القصة الذين فتح الله عليهم ونصرهم – تولوا هم جميع أمورهم وقاموا بشئونهم وحدهم من دون أي تدخل من عدوهم ووضعوا أيديهم في أيدي بعض ولم يمدوها طلبا للعون والمساعدة إلا لله.
10 – الدفاع عن بلاد المسلمين وحمايتها من الكفر وأهله من الجهاد في سبيل الله (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا).
المشهد الثاني: تعيين طالوت ملكا قائدا لهم. قال الحق سبحانه: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 247].
في هذا المشهد أخبرهم نبيهم أن الله جعل الملك والقائد في الجهاد طالوت، وقد اعترضوا على هذا التعيين؛ لأن طالوت في نظرهم لا يستحق هذه المنزلة؛ لأنه ليس من عائلة الملك ولا النبوة وليس من الاغنياء بل هو فقير من الفقراء يعمل سقاء وعائلته بعيدة عن عائلتي النبوة والملك (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)، فهم يرون أنهم أعلى وأولى منه، ولا يخفى ما في قولهم من كبر واستعلاء على الناس واحتقار لمن دونهم ومن لم يكن من
عائلتهم، ولكن الله رد عليهم هذا الاعتراض المبني على موازينهم الأرضية البشرية بأنه تعيين طالوت وفق ميزان رباني دقيق لا يحابي أحدًا (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ).
وفي هذا المشهد الاختبار الثاني وهو فتنة الناس وإشغالهم بما يضرهم من جدال في الحق بعد وضوحه واشتغال عن المعركة الكبرى بمعارك هامشية تضر ولا تنفع وتهدم ولا تبني، وتقديم للمصلحة الخاصة كما في قوله: (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) على المصالح العامة.
وهذه بعض دروس هذا المشهد:
1 – تواضع النبي وتجرده حين قال لهم (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) فنسب الفعل إلى الله وكذا المربي لا ينسب لنفسه الخير والفضل بل ينسبه إلى الله المتفضل به.
2– خطورة الحظوظ الفردية والمصالح الشخصية على تحقيق المصالح الكبرى أو عرقلة الوصول إليها وإعاقة تنفيذها كما (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)، وأخطر ما في هذا المشهد هو موقف أهل المصالح الشخصية في عرقلة مشروع الجهاد الذي يوصل إلى النصر والتمكين.
3– إن من أسباب الاختلاف والفشل والهزيمة تقديم القائد بناء على نسبه أو ماله أو وجاهته مع إهمال كفاءته وعلمه وقدرته (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)، فالواجب تقديم الأكمل في جميع الصفات ولا يقدم عليه الأقل منه؛ لأن تقديم الأكمل يحقق المصلحة العامة والأقل علما أو أمانة أو قدرة أو عدلا...الخ. لا يحقق مصلحة بقدر ما يحقق من مفاسد.
4 – أن نصر الله للمسلمين وتمكينه لهم في الأرض ونهوضهم وتقدمهم يتوقف على تقديم الأصلح منهم ووضع الرجل المناسب علمًا وأمانة وخبرة وبصيرة وصدقا في المكان المناسب (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ). فلا تتحقق المصالح وتزول المفاسد وتدفع المضار إلا بتقديم من قدمه الله.
5– (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ) يدل على أن الملك لله، وقد أمر الله بتقديم الأصلح فيجب تقديم من قدمه الله وتأخير من أخره حتى يقوم بملكه من يُصلح في أرضه ولا يفسد.
6 – أن المال ليس بركن من أركان السؤدد، بل الغالب أن صاحب المال يكون جبانا رعديدا وفاقدا للرأي السديد وهذا يدل على فساد اعتراضهم (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ).
7 – أن الله اصطفاه عليهم واختاره لقيادتهم؛ لأن الله أعلم بما ينفعهم والأصلح لهم منهم (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ).
8– أهمية قوة البدن وقوة العلم في القائد حتى يقوم بعمله بحكمة وقدرة وكفاءة (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وخطر ضعف قوة الجسم وقلة العلم وما ينتج عنها من ضرر وفساد للبلاد والعباد.
9 – أهمية اقناع المعارض بذكر الأدلة المقنعة وبيان البراهين الساطعة القاطعة لشبهته حتى يقتنع بقبول الحق أو يضل على بينة، ويتضح ذلك في قوله:
أ - (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ).
ب - (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ).
ج - وزاده بسطة في (َالْجِسْمِ).
د - (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ).
هـ - (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
 
 
الخطبة الثانية:
المشهد الثالث: مشاهدة التابوت برهان حسي على صحة ملك طالوت: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 248].
ويظهر في هذا المشهد أنهم لم يقتنعوا بالأدلة السابقة على أن ملك طالوت حق، فذكر لهم نبيهم أن علامة ملكه (أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) وهو شيء كالصندوق يحملونه معهم في غزوتهم وتطمئن وتسكن به نفوسهم، وقد أخذه أعداؤهم منهم فجيء به و(فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) من العلم والحكمة، وبعد هذه العلامة الحسية الظاهرة لا يسعهم إلا التسليم والإيمان وقبول الحق لمن يريده (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وفي هذا المشهد من الدروس:
1 – أهمية طمأنينة النفس للحق وقبوله حتى تعمل به وتحمله وتتحمل تبعاته بصدق.
2 – أهمية ذكر السلف الذين مضوا في هذا الطريق، وإبراز القدوات العاملين الصادقين.
3 – أهمية الربط التربوي بين الواقع والماضي من ذكر سيرة الرسل.
4 – أن الكثير من الناس لا يقبل الحق ولا يسلم له ولو جئته بكل آية (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) وإنما المؤمن هو الذي يسلم وينقاد ويعمل.
5 – أهمية ربط الحقائق العلمية المعنوية بالأشياء الحسية الواقعية التي تقرب فهم وتصور هذه الحقائق العلمية المعنوية وتقوي اليقين بها والتسليم لها والصبر على حملها والتضحية في سبيل نشرها ونصرها.
6 – على المربي التركيز على المعاني الجليلة المؤثرة في نفوس المتلقين! فتأمل معاني هذه الكلمات ودلالاتها ومدى تأثيرها عند المخاطبين بها في هذا المشهد الذي ظهر فيه الاضطراب! (سكينة، آل موسى، آل هارون، الملائكة..الخ).
7 - دور الملائكة في معركة أهل الإيمان مع أولياء الشيطان (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلا?ئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال: 12].
8 - في هذا المشهد يظهر ضعف إيمان بني إسرائيل الذي أحوجهم إلى معجزة التابوت لتقوية إيمانهم، وعندما نقارن ذلك مع سرعة استجابة الصحابة لله ورسوله وتصديقهم للرسول بدون تردد وقوة ثباتهم وصبرهم (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) وكذلك هذه حال الصادقين من المجاهدين (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 22 - 23]. وهذا من أدلة فضل هذه الأمة على بني إسرائيل.
إلى هنا ونلقاكم في الجمعة القادمة بإذن الله لإكمال قصة طالوت.
 
 
 
البخل في الحياة الزوجية


ليعلم الجميع أنَّ البخل صفة ذميمة تجر إلى التقاطع وتنافر القلوب وتسبب البغضاء جاء في الحديث الصحيح : " : " إيَّاكم والشُّحَّ فإنَّما هلَكَ من كانَ قبلَكم بالشُّحِّ أمرَهم بالبُخلِ فبخِلوا وأمرَهم بالقطيعةِ فقَطعوا وأمرَهم بالفُجورِ ففجروا "أخرجه أبو داود وصححه الألباني
ومن الفلاح ترك البخل والشح كما قال سبحانه : "وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " .
البخل عند العرب من أقبح الصفات ، وأسوأ الأخلاق ومن شعرهم :

أرى الناس إخوان الكريم وما أرى •• بخيلاً له في العالمين خليلُ


وأشد شناعة وأكثر نفرة عندما يكون الزوج بخيلا على زوجته وأولاده ، فيجعل حياتهم في نكد وهمّ وغمّ ، ترى أسرته الناس من حولهم يتمتعون بما أنعم الله عليهم ، وهو يشح عليهم وقد وسع الله عليه ، فيجعلهم في جحيم .

أيها الزوج / زوجتك لم تخرج من بيت أهلها لتعيش عندك في شح وبخل وقد كانت معززة مكرّمة عند والديها .

يا أيها الزوج/ هذا المال تجمعه لمن ؟! وتكنزه لمن ؟! فإذا لم تتمتع به و تسعد به أسرتك ؛ فإنه سعود إليهم بعد وفاتك وقد فرحوا به بعد أن حرمتهم منه ، فأكرمهم يُكرمك الله من فضله وجوده ، ويجعلك في أسرتك سعيدا محبوبا يأنس الأولاد بوجودك ، وتفرح الزوجة بقدومك ، المال يأتي ويذهب وسمعتك إذا ذهبت من الصعوبة ترجع إليك .

تذكر أيها الزوج بما يأتي :

1 ـ النفقة على أسرتك واجبة عليك بالمعروف والمعقول، وليس فضلا منك وتكرما يقول تعالى : " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا " .
2 ـ ما تنفقه على أهلك و ولدك احتسب أجره عند الله تعالى ، فالأجر والثواب أعظم من المال الزائل ؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ " متفق عليه ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا : " " مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فهو لك صدقة" أخرجه أحمد وصححه الألباني .

وكما يحذر الأزواج من البخل بالمال فعليهم أن يحذروا أيضا من البخل من الكلام وعبارات الحب والثناء ، فالأسرة تكون سعيدة والبيت مطمئن عندما يكون رب الأسرة كريما بماله ولسانه .
وفقكم الله وجعلكم في سعادة .

📕📕رسائل_زوجية

🌷•┈┈• ❀ 🍃🌸🍃 ❀ •┈┈•🌷
*من أسباب الإعجاب بالنفس*

الصدارة للعمل قبل النضج وكمال التربية : ذلك أن ظروف العمل الإسلامي قد تفرض أن يتصدر بعض العاملين للعمل قبل أن يستوي عودهم وقبل أن تكتمل شخصيتهم وحينئذ يأتي الشيطان فيلقى في روعهم أنهم ما تصدروا للعمل وما وضعوا في الموقع الذي هم فيه الآن إلا لما يحملون من مؤهلات ما لديهم من مواهب وإمكانات وقد ينطلي عليهم لجهلهم بمكائد الشيطان وحيله مثل هذا الإلقاء فيصورونه حقيقة ويرفعون من قدر نفوسهم فوق ما تستحق حتى يكون الإعجاب بها والعياذ بالله........ ولعل هذا هو السر حرص الإسلام على الفقه فقه وعلى أن يكون هذا الفقه قبل الصدارة أو القيادة إذ يقول الله تعالى :{ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }. { يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا }. وإذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم -: (( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )) . وإذ يقول عمر رضى الله تعالى عنه -:(( تفقهوا قبيل تسودوا )) يعنى : تعلموا العلم قبل أن تصيروا سادة أو أصحاب مسئولية لتدركوا ما في السيادة أو ما في المسئولية من آفات فتتقوها
*✒️ خطبة مكتوبة بعنوان

*[ #واتق_دعوة_المظلوم]*

🎙للشيخ الداعية #أبي_مسلم
#عبدالعزيز_المحويتي حفظه الله

*🕌 ألقيت في #دار_الحديث_ومركز_السلام_العلمي_للعلوم_الشرعية حرسها الله لعام ١٤٤٢ *

التصنيف #خطب_المواعظ.


*الخطبة الأولى*
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله العظيم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

*﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾* [آل عمران:102]

*﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾* [النساء:1]

*﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا()يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾* [الأحزاب:70-71].

▪️أيها المسلمون عباد الله. يقول الله عز وجل في كتابه الكريم. *﴿وَلا تَحسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ﴾* [ابراهيم 14:42] وقال الله سبحانه وتعالى *﴿وَسَيَعلَمُ الَّذينَ ظَلَموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبونَ﴾* [الشعراء 26:227]
وجاء في الصحيحين. من حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. إن الظلم ظلمات يوم القيامة.
في هذه الأدلة وغيرها يحذرنا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أمر عظيم. وأمر جليل. خطره جسيم. وخطره كبير. ألا وهو الظلم. ألا وهو الظلم فإن عاقبته وخيمة وعاقبته مشؤومة
ألا والله إن الظلم شؤمٌ
ولا زال المسيءُ هو الظلومُ
ستعلم يا ظلوم إذا التقينا
غداً عند المليك من الملومُ ،

▪️أيها الناس إن هذا الموضوع طويل ولكن حسبي أن أقف في هذه الوقفة اليسيرة. أتكلم مع هذه الوجوه الطيبة. عن فقرة من فقراته. وجزئية من جزئياته. ألا وهي دعوة المظلوم. ألا وهي دعوة المظلوم. حينما يقتل الأبرياء. ويتجبر الأقوياء. ويقهر الضعفاء. فلا أسى فهناك دعوة. وهناك مدعو. عندما تكثر دموع المظلومين. ويشتد أنين المكلومين. لفشو ظلم ظالمين وجور الجائرين فلا حزن فهناك دعوة وهناك مدعو . عندما يبلغ الضيق منتهاه والضيق مداه فلا حزن فهناك دعوة وهناك مدعو. يجد المظلوم مدعواً عليماً محيطا بكل شيء يعلم من ظلمه *﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ فِي الأَرضِ وَلا فِي السَّماءِ﴾* [آل عمران3:5]
يجد المظلوم مدعوا قهارا قويا جبارا عزيزا حكيما سبحانه جل في علاه يجد المظلوم مدعوا سميعاً قريبا *﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَني فَإِني قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾* [البقرة 2:186] -

▪️معاشر المسلمين. إن دعوة المظلوم سلاح فتاك. وسلاح عظيم. وسلاح نافد إلى الظالمين. استخدمه نوح عليه الصلاة والسلام. قال الله مخبراً عن نوح. *﴿رَبِّ اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِيَ مُؤمِنًا وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَلا تَزِدِ الظّالِمينَ إِلّا تَبارًا﴾* [نوح 71:28] اي إلا خسارا وهلاكاً ودمارا. وقال الله *﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنّي مَغلوبٌ فَانتَصِر﴾* [القمر54:10] دعا نوح ربه. اني مغلوب فانتصر. قال الله *﴿فَفَتَحنا أَبوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنهَمِرٍ()وَفَجَّرنَا الأَرضَ عُيونًا فَالتَقَى الماءُ عَلى أَمرٍ قَد قُدِرَ﴾* [القمر54:12]
التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله سبحانه وتعالى وشائه وقضىاه *﴿فَالتَقَى الماءُ عَلى أَمرٍ قَد قُدِرَ()وَحَمَلناهُ عَلى ذاتِ أَلواحٍ وَدُسُر﴾*
اي حملناه على السفينة. حملنا نوحاً ومن معه من المؤمنين. على السفينة المكونة. من الواح ومسامير. تشدٌ بها الألواح. هذا السلاح استخدمه موسى عليه الصلاة والسلام. قال الله عز وجل *﴿وَقالَ موسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيتَ فِرعَونَ وَمَلَأَهُ زينَةً وَأَموالًا فِي الحَياةِ الدُّنيا رَبَّنا لِيُضِلّوا عَن سَبيلِكَ رَبَّنَا اطمِس عَلى أَموالِهِم وَاشدُد عَلى قُلوبِهِم فَلا يُؤمِنوا حَتّى يَرَوُا العَذابَ الأَليمَ﴾* [يونس10:88] قال الله بعد ذالك *﴿قالَ قَد أُجيبَت دَعوَتُكُما فَاستَقيما وَلا تَتَّبِعانِ سَبيلَ الَّذينَ لا يَعلَمونَ﴾* [يونس10:89]
واستخدمه نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم. عندما وضعت قريش سلى الجزور على كتفه الشريف ب أبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام. فلما فرغ من صلاته قال اللهم عليك بقريش. اللهم عليك بقريش. اللهم عليك بقريش. اللهم عليك بعقبة بن ربيعة. اللهم عليك بشيبة ابن ربيعة وعقبة ابن ابي معيط وعمرو بن هشام وأبي جهل قال عبدالله بن مسعود كما في الصحيحين والله لقد رأيتهم صرعا في يوم بدر ثم سحبوا إلى القريب. قريب بدر.

▪️معاشر المسلمين إن دعوة المظلوم لهب حارق. ونار مضرمة. ترمي الظالمين بشرر كالقصر. جاء عند الحاكم من حديث عبد الله ابن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. واتقوا دعوة المظلوم اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة. صححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى.
إنها سخنت بنار الغضب. بغضب المظلوم. وانطلقت إلى السماء. انطلقت إلى السماء فنفذت من بنائها واخترقت طبقاتها حتى وصلت إلى ربها فتقبلها برداً وسلاماً على المظلوم. ونارا جحيماً على من ظلمه. إن هذه الدعوة دعوة منصورة بنصر الله بنصر الله بل اقسم الله عز وجل على نصرها. ومن يقف أمام الله ومن يقف أمام الله عز وجل. إذا اراد ان يقول لشيء كن فيكون. جاء عند الطبراني من حديث خزيمة ابن ثابت. الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين. رضي الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام أي على السحاب. ويقول الله وعزتي وجلالي. الله يقسم العظيم لا يقسم إلا على عظيم. وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين. لأنها تحمل بكاء المظلومين. ودعاء المقهورين. وأهات المتأوهين. لأن هذا المظلوم المسكين لم يجد من ينصره من المخلوقين فآوى إلى ركن شديد. آوى إلى الله الذي إذا قال لشيء كن فيكون.
لعظم هذه الدعوة. ولجلالة قدرها. كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منها. الرسول صاحب الأخلاق العالية. الذي زكاه الله عز وجل. بقوله *﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾* [القلم68:4] وهي تزكية. لقوله وفعله وقلبه وكله. عليه الصلاة والسلام. جاء في مسلم. من حديث عبد الله ابن سرجس. رضي الله عنه قال كان الرسول صلى الله عليه وسلم. إذا سافر يقول اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب. والحور بعد الكور. ودعوة المظلوم. وسوء المنظر في الأهل والمال.
هكذا كان يستعيذ بالله من دعوة المظلوم. لعظمها وجلالة قدرها. عنده وعند خالقه. عليه الصلاة والسلام. إن دعوة المظلوم مستجابة. لا تقفوا أمامها الأبواب. ولا يسدها الشرط ولا الحجاب. جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس. ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ابن جبل عندما أرسله إلى اليمن. كان من نصائحه ومن توجيهاته. واتق دعوة المظلوم. واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. وجاء عند أحمد بسند صحيح. من حديث أبي هريره أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ثلاث دعوات لا ترد. أي محققة الإجابة. دعوة المظلوم. ودعوة المسافر. ودعوة الوالد على ولده.
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ. إن هذه الدعوة خرجت من قلب المظلوم بلسان الإضطرار. والإفتقار. ولسان الضعف إلى الكريم إلى القوي إلى الغني إلى المعبود سبحانه وتعالى وهو القائل *﴿أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكشِفُ السّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفاءَ الأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾* [النمل27:62].
ذكر الإمام ابن كثير تحت هذه الآية عن الإمام ابن عساكر أنه ذكر في تاريخه عن أبي بكر الدينوني إن رجلاً كان يكري على بغل له من دمشق إلى الزبداني قال هذا الرجل اركبت معي رجلاً فقال لي خذ بنا هذه الطريق فقلت له لا خبرة لي بها قال فإنها قريبة فسلكتها. قال فبينما نحن كذلك إذ اتينا على واد عميق. وفيه قتلى كثيرة. فقال لي امسك البغل فمسكته فنزل من عليه. وجمع عليه ثيابه. واخذ سكينا. وتجه نحوي فخوفته بالله. فلم يخف. فقلت له خذ البغل وحمله. فقال إني أريد أن أقتلك. فقلت له دعني أصلي ركعتين. دعني أصلي ركعتين. فقال لك ذلك. فقال بينما أنا أصلي. وهو يقول لي هيا أفرغ. يعني انتهي من الصلاة. قال فقمت أصلي. فارتج علي القرآن. ولم أعرف إلا حرفاً واحد وهي قول الله *﴿أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكشِفُ السّوءَ﴾* [النمل27:62] قال فبينما أنا كذلك إذ بفارس يأتي من فم الوادي. ومعه حربة فرمى بها فرمى بها هذا الرجل فماأخطأت فؤاده. فتعلقت بالفارس وقلت له من أنت، قال أنا رسولُ *﴿أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكشِفُ السّوءَ﴾* [النمل27:62] قال فاخذت بغلي واخذت الحمل ثم رجعت سالما.
▪️انظروا معاشر المسلمين. إذا غابت قوة المظلوم. فإن قوة الله حاضرة. فان قوة الله حاضرة. فدعوة المظلوم مستجابة. محققة الإجابة. حتى ولو كان المظلوم كافرا. أو فاجرا. جاء عند أحمد بسند صحيح من حديث أنس بن ما لك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال اتقوا دعوة المظلوم. وإن كان كافرا. فإنه ليس دونها حجاب. حسنه العلامة الألباني.
وهكذا جاء عند أحمد من حديث أبي هريرة. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوة المظلوم مستجابة. وإن كان فاجرا. فجوره على نفسه. فجوره على نفسه حسنه العلامة الألباني رحمه الله تعالى.

نعم معاشر المسلمين فإذا كان الله سيستجيب للكافر وللفاجر. فما بالك بالمسلم ، فما بالك بالمطيع ، فما بالك بالعالم ، فدعوته أعظم وأجل أقول ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب.

ــ *الخطبة الثانية* ــ

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم.

▪️أما بعد. ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية. أن يحيى البرمكي أحد وزراء بني العباس. أدخل السجن. وقيد بالقيود. فبينما هو كذلك. إذ قال له ولده. قال له ولده. يا أبتاه. كان لنا الأمر وكان لنا النهي وكنا في نعمة ورغد. فلما صرنا إلى ما ترى. لم صرنا إلى ما ترى ، قال يا بني دعوة مظلوم سرت بليلٍ غفلنا عنها. ولم يغفل الله عنها. غفلنا عنها. ولم يغفل الله عنها. ثم أنشد قائلا
ربّ قوم قد غدوا في نعمة
زمناً والدهر ريان غدق
سكت الدهر زماناً عن همُ
ثم أبكاهم دماً حين نطق.
واتق دعوة المظلوم. فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. في الصحيحين عن سعيد ابن زيد. رضي الله عنه وأرضاه أن أروى بنت أويس خاصمته في أرض فقال لهم دعوها فإني سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول من أخذ قيد شبر من الأرض بغير حق. طوقه يوم القيامة من سبع أراضين. ثم قال اللهم إن كانت كاذبة فأعمي بصرها واقتلها في دارها. فبينما هي كذلك فقال الراوي فعمي بصرها ورأيتها تلتمس الجدر وتقول أصابتني دعوة سعيد أصابتني دعوة سعيد. وبينما هي تمشي في دارها هي تمشي في دارها. إذ بها تسقط في بئر. فكان قبرها فكان هذا القبر هو قبرها. واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب في صحيح البخاري عن جابر ابن سمرة رضي الله عنه وأرضاه. أن أهل الكوفة شكوا سعد بن ابي وقاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. فعزله. وولى عليهم عمارا. رضي الله عنه وأرضاه. وشكوا حتى قالوا إنه لا يحسن أن يصلي. فاستدعاه وأتى إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه. فقال له وأخبره بالخبر. فقال أما أنا فوالله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أرسل معه رجلاً أو رجالاً فسالوا مساجد الكوفة. عن سعد ابن ابي وقاص عن ابي إسحاق الصحابي الجليل رضي الله عنه وارضاه. فكانوا ماذا دخلوا مسجدا إلا واثنوا عليه خيرا. وذكروه بالمعروف حتى دخلوا مسجدا لبني عبس. فقام رجل يقال له أسامة ابن قتادة ويكنى بابي سعدة. قال أما إذ انشدتنا إن سعد لا يسري بالسرية ولا يعدل في القضية. ولا يحكم بالسوية. فقال سعد الله عنه وأرضاه. اللهم إن كان هذا قام رياء وسمعة. اللهم إن كان هذا قام اليام سمعة. فاطل فقره. وأطل عمره. وعرضه للفتن. فكان إذا سئل بعد يقول أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك أحد رواة الحديث فلقد رأيته سقط حاجباه. وهو يمشي في الطرقات. يتعرض للجواري يغمزهن. واتق دعوة المظلوم. فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. العاقبة وخيمة. والعاقبة مشؤومة. في الدنيا والأخرة. فلا يغتر لا يغتر الظالم بحلم الله عليه. وستر الله عليه. فإن الله يمهل ولا يهمل. وإذا أخذ فإن أخذه أليم شديد. إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. فلنحذر جميعا.

▪️معاشر المسلمين ذاك الذي ظلم أباه أو ظلم أمه أو ظلم زوجته أو ظلم أخته أو ظلم ولده أو ظلم أقاربه أو ظلم جاره أو ظلم أقاربه. يتقي الله ليتقي الله ولينأ عن هذا العمل الخبيث. وهذا العمل الخططير. الذي زور الاوراق على الضعفاء والمساكين ليتقي الله. ذاك الذي أكل أموال اليتامى ظلما *﴿إِن الذينَ يَأكُلونَ أَموالَ اليَتامى ظُلمًا إِنما يَأكُلونَ في بُطونِهِم نارًا وَسَيَصلَونَ سَعِيرا﴾*
وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم في أوساط الصحابة كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه من كانت عنده لأخيه مظلمة من كانت عنده لاخيه مظلمة. فليتحلل منها الآن. ليتحلل منها الآن. قبل الا يكون. دينار أو درهم. إنما هي الحسنات. والسيئات.

▪️معاشر المسلمين. فالأمر يحتاج إلى انتباه. وإلى ارعواء. وإلى رجوع إلى الله سبحانه وتعالى. وفي الأخير الفت النظر إلى أمر مهم. وهو أن ندعو الله سبحانه وتعالى. ونتضرع إليه. ندعو الله عز وجل. لهذا الشعب المسكين. لهذا الشعب المظلوم. لهذا الشعب الجريح. لهذا الشعب الذي ظلم. ندعو الله عز وجل. على من ظلمه. ندعو الله سبحانه. ونتخير أوقات الإجابه لأنه ليس لها من دون الله كاشفة.
ليس لها من دون الله كاشفة. الرجال والنساء والصغار والكبار. ارفعوا كف الضراعة. إلى الله عز وجل. لندعو الله عز وجل. على من ظلم هذا الشعب وبالأخص ندعو على أمريكا التي هي رأس التخريب ورأس البلاء ورأس المنكرات ورأس التخريب في أصقاع الأرض الإسلامية ما من فتنة حصلت في البلاد الإسلامية إلا ومن ورائها أمريكا. كم من اطفال قتلوا، كم من نساء رملوا، كم من بيوت خربت، كم من أناس شردوا، ن عم أيها المسلمون فالأمر خطير جد خطير. لكن الله عز وجل قد قال لنام. ادعوني أستجب لكم.

▪️أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير. وأن يجنبنا وإياكم كل شر وضير. كما نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعز الإسلام والمسلمين. وأن يذل الشرك والمشركين. وان يدمر أعداء الدين. من اليهود والنصارى المعتدين. وأخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين.
ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا
​••أســـــــــأل الله أن ينفع بها الجميع ••​
​​🚫لاَ.يــَـسْمَحُ.بتعــــــديل.المنشَـور.tt🚫​​
​ِ🔖√ منْ آحٍـبْ آلُآ يَنْقَطًع عملُہ بْعدِ مۆتٌہ فَلُيَنْشُر آلُعلُم√📚[آبْنْ آلُجٍۆڒٍيَ].​
•••━════
*🖊خطبة مكتوبة بعنوان:*

*( #فضل_الذكر )*

*🎙للشيخ الداعية أبي سالم*
*[ #جمال_بن_سالم_المعزبي ]*
حفظه الله تعالى

*🕌ألقيت في #دار_الحديث_ومركز_السلام_العلمي_للعلوم_الشرعية بمدينة الحديدة_اليمن لعام ١٤٤١هـ*

🗂التصنيف: #خطب_فضائل_الأعمال
🇾🇪 #علماء_اليمن

. 🗯️الخطبة الأولى🗯️

الْحَـمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وسلم .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:7071].

أما بعد عباد الله اعلموا إن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار.

*﴿ رَبَّنَا افتَح بَينَنا وَبَينَ قَومِنا بِالحَقِّ وَأَنتَ خَيرُ الفاتِحينَ ﴾ [7:89] - الأعراف {َ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) [20] - طه*

باقٍ فلا يفنى ولا يبيدٌ، ولا يكون الا ما يريدُ،
منفردٌ بالخلق والارادة، وحاكمٌ جل بما اراده،
فمن يشأ وفقه بفضله، ومن يشأ أضله بعدله.
فمنهم الشقيُّ والسعيدُّ وذا مقربٌ وذا طريدُ.
ٌ لحكمةٍ بالغةٍ قضاها، يستوجب الحمد على اقتضاها.

أيها المسلمون أيها الفضلاء والصالحون ، أيها الاخيار والابرار، ايها الشعب الصابر الشعب المثابر الشعب العظيم،

سنين الجهد إن طالت ستطوى.
لها أمدٌ وللامد انقضاءُ.
لنا بالله أمالٌ وسلوى، وعند الله ما خاب الرجاءُ،
اذا اشتدت رياح اليأس فينا سيعقب ضيق شدتها الرخاءُ.
فبعد العتمة الظلماء نورٌ وطول الليل يعقبها الضياءُ.
أمانينا لها ربٌ كريمٌ اذا اعطى سيدهشنا العطاءُ.

أيها الاخوة المؤمنون أيها الفضلاء والصالحون، نظراً للاحداث. وكثرة الفتن والمشاكل والقلاقل، وعدم السكينة في قلوب كثيرٍ من المسلمين،أحببت أن أذكر نفسي الغافلة، واياكم بذكر الله بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير.

أُذكر نفسي واياكم بذكر الله لتطمئن القلوب ولترتاح الضمائر
*﴿ الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّهِ أَلا بِذِكرِ اللَّهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ ﴾ [13:28] - الرعد*
فبذكر الله تطمئن القلوب. بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير. تطمئن القلوب، والله لا تطمئن القلوب بذكر الوزارات ولا بذكر الرئاسات ولا بذكر القصور ولا بذكر الدور لان هذه كلها منقصات وليست هي افراح انما الراحة في ذكر الله عز وجل

خرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر. فاذا وجدوا قوماً يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا الى حاجتكم فيحفونهم باجنحتهم الى السماء الدنيا. فيسألهم ربهم وهو اعلم ما يقول عبادي. قال يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك.
فيقول هل رأوني، فيقولون لا والله يا ربي ما رأوك. فيقول كيف لو رأوني، قال يقولون لو أنهم رأوك كانوا اشد لك عبادة واشد لك تمجيداً واكثر لك تسبيحا.
قال فيقول فماذا يسألون، قال يقولون يسألونك الجنة. فيقول هل رأوها، فيقولون لا والله ما رأوها فيقول كيف لو رأوها، قال يقولون لو انهم رأوها كانوا اشد عليها حرصا. واشد لها طلبا واعظم فيها رغبة. قال فمما يتعوذون، قال يتعوذون من النار. فيقول هل رأوها، فيقولون لا والله يا ربي ما رأوها فيقول كيف لو رأوها، قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة.
قال فيقول فاشهدكم أني قد غفرت لهم فيقول ملكٌ من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. وعند مسلم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.
وروى البيهقي في شعب الايمان. وابو نُعيمٍ في الحلية من حديث عائشة رضي الله عنها قالت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ساعةٍ تمر بابن ادم لا يذكر الله تعالى فيها الا تحسر عليها يوم القيامة. يقول الاوزاعي رحمه الله وليس ساعةٌ من ساعة الدنيا الا وهي معروضةٌ على العبد يوم القيامة يوماً فيوم وساعةٌ فساعة ولا تمر ساعة لم يذكر الله تعالى فيها الا تقطعت نفسه عليها حسرات يوم القيامة فكيف بمن مرت به ساعةٌ مع ساعة وليلةُّ مع ليلة ويوم مع يوم وهو لم يذكر ربه.

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الذكر للقلب مثل الماء للسمك. فكيف يكون حال السمك اذا فارق الماء، وهكذا كيف تكون القلوب، اذا فارقت ذكر الله عز وجل،كيف يكون حال القلوب، اذا ابتعدت عن الله، كيف يكون حال القلوب اذا ابتعدت عن القران. وكيف يكون حال القلب، اذا ابتعد عن التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير كيف يكون حال القلب، اذا ابتعد عن القرآن وعن الذكر ولذلك قال ابن القيم رحمه الله ذكر في كتابه العظيم الوابل الصيب من الكلم الطيب، قال: وفي الذكر اكثر من مئة فائدة. ثم اخذ يعدد فوائد الذكر فعد اكثر من سبعين فائدة.

وهكذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى اشد عقوبةً في الدنيا ان يمسك الله لسانك عن ذكره، اشد عقوبةً في الدنيا. ان يمسك الله لسانك عن ذكره فلا تشتغل بالاية ولا بالصوره ولا بالتسبيح ولا بالتهليل ولا بالتحميد ولا بالتكبير فيمسك الله لسانك عن ذكره فتستمر في الغيبة والنميمة والطعن والهمز واللمز والغمز لاترضى بصاحب ولا ترضى بجار ولا ترضى بأخ ولا ترضى بقبيلة ولا ترضى ببلاد نفسك التي بين جنبيك لن ترضى عنها لانك سلطت لسانك على المسلمين فتكلمت في اعراضهم وهتكت اعراضهم وتكلمت على الناس فلن ترضى عن احد اشد عقوبةً في الدنيا ان يمسك الله لسانك عن ذكره.

وخرج ابو نُعيمٍ في الحلية والبغوي في شرح السنة من حديث عبدالله ابن بشرٍ المازني رضي الله عنه قال جاء اعرابيان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احدهما اي الناس خير، اي الناس خير، قال طوبى لمن طال عمره، طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله. طول عمر مع حسن عمل. طول عمر مع جلوسك في مسجدك. طول عمر مع جلوسك في سجادتك. طول عمر مع عملٍ صالح تلقى به ربك. اعذر الله إمرٍ بلغ الستين والسبعين فلم يغفر له، الم تسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم اعمار امتي ما بين الستين إلى السبعين، وقليلٌ من يتجاوز ذلك.

هذان الاعرابيان لم يأتيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويسألانه عن المناصب ولا عن الجاه ولا عن الفقر ولا عن الدنيا وانما سألاه اي الناس خير، قال طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله، ثم جاء الاخر وقال اي العمل خير، قال ان تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله.
لا اله الا الله. ان تفارق الدنيا ولسانك رطبٌ من ذكر الله. من ذكر الله وبذكر الله.

وخرج أحمد من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال سبق المفردون قالوا يا رسول الله ومن المفردون، قال الذين يفترون في ذكر الله عز وجل اي مولعون بذكر الله لا يتحدثون بغيره ولا يفعلون غيره

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى من ادام التسبيح انفرجت اساريره، ومن ادام الحمد تتابعت عليه الخيرات ،ومن ادام الاستغفار فتحت له المغاليق، من ادام التسبيح انفرجت اساريره،
وكلنا ذات الرجل يشكو الهم ويشكو الغم ويشكو المشاكل ويشكو الضيق ويشكو الكروب ويشكو الهموم ويشكو الديون ويشكو الغموم.

فيا من ادم التسبيح ستنفرد باذن الله عما قريب، ان مع العسر يسرا. ان مع العسر يسرا. فاذا فرغت فانصب، والى ربك فارغب.

فاذكروا الله عز وجل أيها الاخوة، اكثروا من ذكره. اكثروا من تسبيحه. اكثروا من تهليله اكثروا من تحميده اكثروا من تكبيره سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر

جاء في الحديث من حديث ابي سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول لخمسٍ ما اثقلهن في الميزان. سبحان الله. والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه.
كلمات عظيمات لخمسٍ ما اثقلهن في الميزان. كلنا في ذالك اليوم يتمنى حسنة واحدة يفر منك القريب ويفر منك البعيد ويفر منك الحبيب ويفر منك أبيك وأمك وأخيك وزوجتك وبنيك لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه، لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه
. وهذه الكلمات تأتي تدافع عنك وتثقل ميزانك، اثقلهن في الميزان، سبحان الله،والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه.

وخرج البخاري ومسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم إن سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر أحب الكلمات إلى الله
روى مسلم من حديث سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى عليه وسلم قال احب الكلمات الى الله اربع احب الكلمات الى الله في الشاشات والقنوات والفضائيات والجرائد والمجلات سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما طلعت عليه الشمس
كما روى مسلم من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : احب الكلمات الى رسول الله سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر خير مما طلعت عليه فطلعت الشمس على القصور وعلى القارات وعلى الجبال وطلعت الشمس على الانهار والاشجار والحدايق لكن هذه الكلمات هي احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلماذا لماذا تركنا، ما يحب رسول وما يحبه الدين واتجهنا الى الباطل واتجهنا الى تويتر والى فيسبوك والى ما ضيعنا به اعمارنا والله المستعان، هكذا يريد اعداؤنا هكذا يريد اليهود ويريد النصارى *﴿ وَاللَّهُ يُريدُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا ﴾ [4:27] - النساء*
يريدوننا أن نتبعهم في لباسهم وفي أخلاقهم وفي معاملاتهم لا والله وبالله وتالله إننا لانتبع اليهود ولا نتبع النصار قبلتنا نحن أهل الاسلام واحدة وديننا واحد وإسلامنا واحد وربنا واحد نحن ضد أعدائنا ضد اليهود وضد النصارى لا للتطبيع لا لتطبيع ترامب ولا لتطبيع نتنياهو هذا ما لا شك فيه نحن مسلمون أمة واحدة لابد أن نعلم هذا علما يقينا
ليس هناك أحد يرضى أن تدنس قبلة المسلمين الاولى وهي القدس والله المستعان اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا واياكم لكل خير.

*الخطبة الثانية*

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله الا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه. صلى الله عليه وعلى أله واصحابه واخوانه.

روى الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لقيت ابراهيم ليلة اسري بي فقال يا محمد اخبر امتك مني السلام اخبر امتك مني السلام واخبرهم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غِراسها سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر

وجاء أيضا ما رواه ابن ماجه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال مر عليَ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يغرس غرسا فقال يا ابا هريرة ما الذي تغرس، قلت غراسا قال الا أدلك على غراس خير من هذا يا ابا هريرة ما الذي تغرس ما الذي تغرس في هذه الدنيا قلت غراس قال لا ادلك على غراس خير من هذا، سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر تَغرس لك بكل واحد شجرة في الجنة.
فأكثر من سبحان الله قل سبحان الله مئة وقل الحمدلله مئة وقلها ألف وقلها مليون يامن يجلس في بيته أو يجلس في دكانه أو يجلس في صيدليته أو المرآة تجلس في بيتها أو في مطبخها أو في عملها اغرسي واعلمي انها كنز مفقود افتقده كثير من الناس

خرج أحمد من حديث أم هاني بنت ابي طالب أخت أمير المؤمنين علي ابن طالب رضي الله عنه وابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم قالت : مر بي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وانا جالسة فقلت يا رسول الله يا حبيب الله يا خليل الله قد كبرت وضعفت فمرني بعمل أعمله وانا جالسة همة عالية لهذه المرأة العظيمة أنها أخت أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب وابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله كبرت وسمنت وضعفت فمرني بعمل اعمله وانا جالسه قال : قولي سبحان الله مئة مرة فانها تعدل لك مئة رقبة تعتقينها من ولد اسماعيل اي قولي سبحان الله سبحان الله سبحان الله مئة مرة كانكِ اعتقتي مئة رقبة كانوا عبيدا ثم اعتقتيهم وجعلتيهم احرارا في سبيل الله واحمدي الله مئة تحميدة فانها تعدل لكِ مئة فرس ملجمة تحملين عليها في سبيل الله اي قلولي الحمد لله مئة مرة كانكِ جهزت مئة فرس بعتادها وعددها وجيشها وحبوبها وجعلتيها في سبيل الله وكبري الله مائة تكبيرة فانها تعدل لكِ مئة بدنة مقلدة متقبلة اي قولي الله اكبر الله اكبر الله اكبر مئة مرة كانكِ جهزتي مئة بدنه كانكِ جهزت مئة ناقة وجعلتيها هدياً للحج في سبيل الله واهللي الله مئة تهليلة قال أحسبه قال تملأ ما بين السماء والارض ولا يرفع يومئذٍ لأحد عمل إلا أن يأتي بما أتيتي
مر النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء ذلك من حديث أنس مر النبي صلى الله عليه وسلم على شجرة فنفضها فلم تنتفض ثم نفضها فلم تنتفض ثم نفضها فانتفضت فقال إن سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر تنقض الخطايا كما تنقض هذه الشجرة اوراقها.

الله اكبر انها تدافع عنك يوم القيامة
كما روى النسائي من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما على اصحابه فقال خذوا جنتكم اي خذوا ما يستركم ويقيكم قالوا يا رسول الله أمن عدوٍ حظر ايقظوا ما يستركم ويقيكم قالوا يا رسول الله امن عدو حظر، قال لا ولكن جنتكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فانهن
2024/09/23 01:31:08
Back to Top
HTML Embed Code: