اتَّق الله حيثما كنت، في السر والعلانية، في الشدة والرخاء، في الخلوة والجلوة.
والتقوى هي أجمل لباس يتزيَّن به العبد؛ قال تعالى: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التُقى*** تقلَّب عُريانًا وإن كان كاسيَا
والتقوى هي أفضل زاد يتزود به العبد؛ قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
وبها الطريق إلى الجنة فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: «تقوى الله وحُسن الخلق»؛ [رواه أحمد].
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله التقوى في دعائه، فيقول: «اللهم إني أسألك الهدى والتُقى والعفاف والغنى»؛ [رواه مسلم].
وفي دعاء السفر كان يقول صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنَّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى». فالتقوى في السفر بالذات لها طعم خاص، فالمسافر يغيِّر مكانه وحاله، وقد يكون في بلاد الغربة لا يخشى مما يخشى منه في بلده وموطنه، ولا يَخشى فضيحة لو عُرف، لكن في بلده يخاف الفضيحة، لذلك كانت ملازمة التقوى في السفر مهمة جدًّا.
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقُل
خلوت ولكن قُل عليَّ رقيبُ
ولا تَحسبنَّ الله يغفلُ ساعةً
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
عباد الله، إن تقوى الله إذا استقرَّت في القلوب، وارتسمت بها الأقوال والأعمال والأحوال، أثمرت من الفضائل والفوائد والثمار ما تصلح به الدنيا والآخرة، وما يشحذ هممَ أولي الأبصار إلى صراط العزيز الغفار.
أيها المؤمنون، إن من فوائد التقوى وثمارها أنها سببٌ لتيسير العسير؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
وتقوى الله سببٌ لتفريج الكروب وإيجاد المخارج والحلول عند نزول الخطوب، وهي سبب لفتح سبُل الرزق؛ قال تعالى: ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3].
تقوى الله سبب لنجاة العبد من الهلاك والعذاب والسوء؛ قال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61].
وهي سببٌ لتكفير السيئات ورفع الدرجات والفوز بالغرف والجنات؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].
فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله هي أكرم ما أسررتم، وأعظم ما ادَّخرتم، وأزين ما أظهرتم، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15].
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُّقى
ولاقيت يوم الحشر من قد تزوَّدا
ندمت على أن لا تكون كمثله
وأنك لم تُرصد كما كان أرصدا
وكل من أراد العز في الدين والدنيا، والبركة في الرزق والوقت والعمل؛ فعليه بتقوى الله، فإنها من أعظم ما استُنزلت به الخيرات، واستُدفعت المكروهات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
إن تقوى الله أعظم جُنة يحتمي بها العبد يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61].
اللهم اجعَل لنا وللمسلمين من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍ فرجًا، اللهم فرِّج همَّ المهمومين، واقضِ الدين عن المدينين، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وللمسلمين.
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، أما بعد:
فعباد الله، اعلموا أن التقوى سببٌ في توفيق العبد في الفصل بين الحق والباطل، ومعرفة كل منهما؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].
والتقوى هي أجمل لباس يتزيَّن به العبد؛ قال تعالى: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التُقى*** تقلَّب عُريانًا وإن كان كاسيَا
والتقوى هي أفضل زاد يتزود به العبد؛ قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
وبها الطريق إلى الجنة فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: «تقوى الله وحُسن الخلق»؛ [رواه أحمد].
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله التقوى في دعائه، فيقول: «اللهم إني أسألك الهدى والتُقى والعفاف والغنى»؛ [رواه مسلم].
وفي دعاء السفر كان يقول صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنَّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى». فالتقوى في السفر بالذات لها طعم خاص، فالمسافر يغيِّر مكانه وحاله، وقد يكون في بلاد الغربة لا يخشى مما يخشى منه في بلده وموطنه، ولا يَخشى فضيحة لو عُرف، لكن في بلده يخاف الفضيحة، لذلك كانت ملازمة التقوى في السفر مهمة جدًّا.
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقُل
خلوت ولكن قُل عليَّ رقيبُ
ولا تَحسبنَّ الله يغفلُ ساعةً
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
عباد الله، إن تقوى الله إذا استقرَّت في القلوب، وارتسمت بها الأقوال والأعمال والأحوال، أثمرت من الفضائل والفوائد والثمار ما تصلح به الدنيا والآخرة، وما يشحذ هممَ أولي الأبصار إلى صراط العزيز الغفار.
أيها المؤمنون، إن من فوائد التقوى وثمارها أنها سببٌ لتيسير العسير؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
وتقوى الله سببٌ لتفريج الكروب وإيجاد المخارج والحلول عند نزول الخطوب، وهي سبب لفتح سبُل الرزق؛ قال تعالى: ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3].
تقوى الله سبب لنجاة العبد من الهلاك والعذاب والسوء؛ قال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61].
وهي سببٌ لتكفير السيئات ورفع الدرجات والفوز بالغرف والجنات؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].
فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله هي أكرم ما أسررتم، وأعظم ما ادَّخرتم، وأزين ما أظهرتم، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15].
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُّقى
ولاقيت يوم الحشر من قد تزوَّدا
ندمت على أن لا تكون كمثله
وأنك لم تُرصد كما كان أرصدا
وكل من أراد العز في الدين والدنيا، والبركة في الرزق والوقت والعمل؛ فعليه بتقوى الله، فإنها من أعظم ما استُنزلت به الخيرات، واستُدفعت المكروهات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
إن تقوى الله أعظم جُنة يحتمي بها العبد يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61].
اللهم اجعَل لنا وللمسلمين من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍ فرجًا، اللهم فرِّج همَّ المهمومين، واقضِ الدين عن المدينين، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وللمسلمين.
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، أما بعد:
فعباد الله، اعلموا أن التقوى سببٌ في توفيق العبد في الفصل بين الحق والباطل، ومعرفة كل منهما؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].
التقوى سببٌ لعدم الخوف من ضرر وكيد الكافرين؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120].
التقوى سبب لتعظيم شعائر الله؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
التقوى سببٌ لنيْل رحمة الله، وهذه الرحمة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].
التقوى سببٌ للإكرام عند الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].
فأكرم الناس وأفضل الناس، وخير الناس عند الله أتقاهم: التقي النقي.
التقوى سبب للفوز والفلاح؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].
إنها سببٌ للنجاة يوم القيامة من عذاب الله؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]، وقال تعالى: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ﴾ [الليل: 17].
إنها سببٌ لقَبول الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].
التقوى طريق لميراث الجنة؛ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63].
إنها سببٌ في دخولهم الجنة؛ وذلك لأن الجنة أُعدَّت لهم؛ قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
إن التقوى سببٌ لعدم الخوف والحزن وعدم المساس بالسوء يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].
إنهم يُحشرون يوم القيامة وفدًا إليه، والوفد هم القادمون رُكبانًا، وهو خير موفود؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم: 85].
إن الجنة تُقرَّب لهم؛ قال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق: 31].
قال ابن المعتمر:
لا تحقرنّ صغيرةً
إن الجبال من الحصى
عبد الله كيف تكون تقيًّا؟
أولًا: أن تحب الله أكثر من أي شيء.
ثانيًا: أن تستشعر مراقبة الله دائمًا.
ثالثًا: البعد عن المعاصي والأوزار.
تفنى اللذاذة ممن نال لذتها
من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبَّتها
لا خير في لذة من بعدها النار
رابعًا: أن تتعلم كيف تقاوم هواك وتتغلب عليه.
خامسًا: أن تُدرك مكائد الشيطان ووساوسه.
أسال الله العلي القدير أن يجعلنا من عباده المتقين.
هذا وصلوا - رحمكم الله - على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك، فقال في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
التقوى سببٌ لعدم الخوف من ضرر وكيد الكافرين؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120].
التقوى سبب لتعظيم شعائر الله؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
التقوى سببٌ لنيْل رحمة الله، وهذه الرحمة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].
التقوى سببٌ للإكرام عند الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].
فأكرم الناس وأفضل الناس، وخير الناس عند الله أتقاهم: التقي النقي.
التقوى سبب للفوز والفلاح؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].
إنها سببٌ للنجاة يوم القيامة من عذاب الله؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]، وقال تعالى: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ﴾ [الليل: 17].
إنها سببٌ لقَبول الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].
التقوى طريق لميراث الجنة؛ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63].
إنها سببٌ في دخولهم الجنة؛ وذلك لأن الجنة أُعدَّت لهم؛ قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
إن التقوى سببٌ لعدم الخوف والحزن وعدم المساس بالسوء يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].
إنهم يُحشرون يوم القيامة وفدًا إليه، والوفد هم القادمون رُكبانًا، وهو خير موفود؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم: 85].
إن الجنة تُقرَّب لهم؛ قال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق: 31].
قال ابن المعتمر:
لا تحقرنّ صغيرةً
إن الجبال من الحصى
عبد الله كيف تكون تقيًّا؟
أولًا: أن تحب الله أكثر من أي شيء.
ثانيًا: أن تستشعر مراقبة الله دائمًا.
ثالثًا: البعد عن المعاصي والأوزار.
تفنى اللذاذة ممن نال لذتها
من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبَّتها
لا خير في لذة من بعدها النار
رابعًا: أن تتعلم كيف تقاوم هواك وتتغلب عليه.
خامسًا: أن تُدرك مكائد الشيطان ووساوسه.
أسال الله العلي القدير أن يجعلنا من عباده المتقين.
هذا وصلوا - رحمكم الله - على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك، فقال في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
الإيمان باليوم الآخر - ملتقى الخطباء
عناصر الخطبة
1/للإيمان باليوم الآخر شأن عظيم 2/بعض مشاهد ومواقف يوم القيامة 3/الحقوق مصونة في يوم القيامة 4/إكرام الله للمؤمنين المتقين في اليوم الآخر 5/من مات على شيء بعث عليه 6/جزاء المكذبين المعاندين
اقتباس
ويقدُم الناس على الله -تعالى- في أرض المحشر على الحال التي فارقوا عليها الدنيا، فمن مات على شيء بعثه الله عليه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فمن الناس من يُبعَث ملبِيًّا؛ لأنه مات مُحرِمًا، ويأتي الشهيد وجُرْحُه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه، (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 20]، (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[لُقْمَانَ: 28]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد معاشر المؤمنين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أمة الإسلام: إن الإيمان باليوم الآخِر، من أعظم القضايا التي جاءت بها الرسل، ونزلت بشأنها الكتب، فما من نبي إلا ذكَّر أمته به، فهو أحد أركان الإيمان الستة، ففي حديث جبريل -عليه السلام- قال: "فأَخْبِرْني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(رواه مسلم).
ولعِظَم هذا اليوم أكثَر سبحانه من ذِكْره في القرآن العظيم، وبيَّن أحوالَه وأهوالَه، وحذَّر من نسيانه والغفلة عنه، وأمَر عبادَه بالاستعداد له، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الْحَجِّ: 1-2]، وسمَّاه في القرآن بأسماء كثيرة؛ فهو يوم الحاقة، والقارعة، والقيامة، وهو يوم الدين، ويوم الفصل، ويوم التغابن، وهو يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ويلتقي فيه أهل السماوات والأرضين، (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ)[هُودٍ: 103-105].
أيها المؤمنون بالله ورسوله: إذا جاء يوم القيامة أمر الله -تعالى- إسرافيل -عليه السلام- بأن ينفخ في الصور فتمور السماء مورا، وتسير الجبال سيرا، ويصعق كل من في السماوات والأرض، ولا يبقى إلا الله -جل جلاله-، الواحد الأحد، الملك الصمد، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرَّحْمَنِ: 26-27]، ثم يأمر سبحانه وتعالى بأن تُمطِر السماء، فيَنبُت الناسُ في قبورهم كما ينبت البقل، وينفخ إسرافيل -عليه السلام- في الصور، نفخة البعث والنشور، فتعاد الأرواح إلى أجسادها، وتتشقَّق القبور عن أهلها، (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)[الزُّمَرِ: 68]، فيخرج الناس من قبورهم كأنهم جراد منتشر، يُساقون إلى أرض المحشر؛ أرض بيضاء عفراء؛ أي: تميل إلى الحمرة، (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا)[طه: 107]، وليس فيها معلَم لأحد، يُحشَر الناس فيها حفاة عراة غرلا، قالت عائشة -رضي الله عنها-: قلتُ: يا رسول الله، النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشةُ، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض"(رواه البخاري، ومسلم).
معاشر المؤمنين: في أرض المحشر يجتمع الخلق كلهم، فتدنو الشمس حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق، فمنهم من يكون إلى كَعْبَيْهِ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيْهِ، ومنهم مَنْ يُلجِمُهم العرقُ إلجاما، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فيفزع بعض الناس إلى الرسل والأنبياء ليشفعوا لهم عند خالق الأرض والسماء حتى يأذن بالحساب، وفصل القضاء، وكلما أتَوْا نبيًّا من أُولي العزم اعتذر، وأحالهم إلى نبي آخر، حتى يأتوا إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: "أنا لها"، قال عليه الصلاة والسلام -كما في (صحيح البخاري)-: "فأستأذِنُ على ربي فيؤَذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها،
عناصر الخطبة
1/للإيمان باليوم الآخر شأن عظيم 2/بعض مشاهد ومواقف يوم القيامة 3/الحقوق مصونة في يوم القيامة 4/إكرام الله للمؤمنين المتقين في اليوم الآخر 5/من مات على شيء بعث عليه 6/جزاء المكذبين المعاندين
اقتباس
ويقدُم الناس على الله -تعالى- في أرض المحشر على الحال التي فارقوا عليها الدنيا، فمن مات على شيء بعثه الله عليه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فمن الناس من يُبعَث ملبِيًّا؛ لأنه مات مُحرِمًا، ويأتي الشهيد وجُرْحُه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه، (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 20]، (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[لُقْمَانَ: 28]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد معاشر المؤمنين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أمة الإسلام: إن الإيمان باليوم الآخِر، من أعظم القضايا التي جاءت بها الرسل، ونزلت بشأنها الكتب، فما من نبي إلا ذكَّر أمته به، فهو أحد أركان الإيمان الستة، ففي حديث جبريل -عليه السلام- قال: "فأَخْبِرْني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(رواه مسلم).
ولعِظَم هذا اليوم أكثَر سبحانه من ذِكْره في القرآن العظيم، وبيَّن أحوالَه وأهوالَه، وحذَّر من نسيانه والغفلة عنه، وأمَر عبادَه بالاستعداد له، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الْحَجِّ: 1-2]، وسمَّاه في القرآن بأسماء كثيرة؛ فهو يوم الحاقة، والقارعة، والقيامة، وهو يوم الدين، ويوم الفصل، ويوم التغابن، وهو يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ويلتقي فيه أهل السماوات والأرضين، (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ)[هُودٍ: 103-105].
أيها المؤمنون بالله ورسوله: إذا جاء يوم القيامة أمر الله -تعالى- إسرافيل -عليه السلام- بأن ينفخ في الصور فتمور السماء مورا، وتسير الجبال سيرا، ويصعق كل من في السماوات والأرض، ولا يبقى إلا الله -جل جلاله-، الواحد الأحد، الملك الصمد، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرَّحْمَنِ: 26-27]، ثم يأمر سبحانه وتعالى بأن تُمطِر السماء، فيَنبُت الناسُ في قبورهم كما ينبت البقل، وينفخ إسرافيل -عليه السلام- في الصور، نفخة البعث والنشور، فتعاد الأرواح إلى أجسادها، وتتشقَّق القبور عن أهلها، (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)[الزُّمَرِ: 68]، فيخرج الناس من قبورهم كأنهم جراد منتشر، يُساقون إلى أرض المحشر؛ أرض بيضاء عفراء؛ أي: تميل إلى الحمرة، (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا)[طه: 107]، وليس فيها معلَم لأحد، يُحشَر الناس فيها حفاة عراة غرلا، قالت عائشة -رضي الله عنها-: قلتُ: يا رسول الله، النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشةُ، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض"(رواه البخاري، ومسلم).
معاشر المؤمنين: في أرض المحشر يجتمع الخلق كلهم، فتدنو الشمس حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق، فمنهم من يكون إلى كَعْبَيْهِ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيْهِ، ومنهم مَنْ يُلجِمُهم العرقُ إلجاما، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فيفزع بعض الناس إلى الرسل والأنبياء ليشفعوا لهم عند خالق الأرض والسماء حتى يأذن بالحساب، وفصل القضاء، وكلما أتَوْا نبيًّا من أُولي العزم اعتذر، وأحالهم إلى نبي آخر، حتى يأتوا إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: "أنا لها"، قال عليه الصلاة والسلام -كما في (صحيح البخاري)-: "فأستأذِنُ على ربي فيؤَذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها،
لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأَخِرُّ له ساجدا، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يُسمع لكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشفع تشفَّع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي"، فحينئذ يأذن الرب -جل جلاله- بفصل القضاء، فيجيء مجيئا يليق بجلاله في ظُلَل من الغمام، وتجيء الملائكة الكرام، صفًّا صفًّا، صفوفَ ذُلٍّ وخضوع للملك العلام، ويؤتى بجهنم في أرض المحشر لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرونها، (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[الْفَجْرِ: 21]، فإذا جاء الرب -جل جلاله- (خَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا)[طه: 108]، (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ)[الزُّمَرِ: 69-70].
فالحقوق -يا عباد الله- في ذلك اليوم محفوظة مصونة، (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[غَافِرٍ: 17]، فأول ما يقضى بين الناس في الدماء، وكل مَنْ كانت عليه مظالم للعباد فإنهم يأخذون من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم تكن له حسنات يؤخَذ من سيئاتهم فتُطرح عليه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له مظلمة لأخيه مِنْ عِرْضه أو شيء، فليتحلله منه اليومَ، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخِذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخِذَ من سيئات صاحبه فحُمِلَ عليه"(رواه البخاري).
أمةَ الإسلامِ: يُعرَض العبادُ على ربهم في أرض المحشر لا تخفى عليه منهم خافية، فينادى بكل إنسان: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الْإِسْرَاءِ: 14]، فيقوم منفردا يجادل عن نفسه بكل ضَعْفه، أمام الملك -جل جلاله- وتقدَّست أسماؤه، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[النَّحْلِ: 111]، و(في الصحيحين): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أَيْمَنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة". فأما العبد المؤمن فإن الله -تعالى- يُعَرِّفه ببعض ذنوبه، ويتجاوز عما يشاء من هفواته حتى يعرف العبدُ فضلَ الله ومِنَّتَه عليه؛ بستره عليه في الدنيا، وعفوه عنها في الآخرة، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يُدنِي المؤمنَ فيضع عليه كنَفَه ويستره، فيقول: "أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نَعَمْ أَيْ ربِّ، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتُها عليكَ في الدنيا وأنا أغفرها لكَ اليومَ، فيُعطى كتابَ حسناته"(رواه البخاري، ومسلم).
ويُنكِر فئام من الناس ما حفظه عليهم الملائكة الكاتبون، ولا يرضون إلا بشاهد من أنفسهم، فيختِم اللهُ على أفواههم، وتستنطق جوارحهم، ففي (صحيح مسلم)، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك، فقال: هل تدرون مِمَّ أضحك؟ قالوا: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربَّه، يقول: يا ربِّ ألم تُجِرْني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفي بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيُختَم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعْدًا لكن وسُحْقًا، فعنكن كنتُ أناضل، فعنكن كنت أناضل" (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ)[فُصِّلَتْ: 20-22]، فأَعِدُّوا -يا عباد الله- للسؤال جوابا، ولذلك الموقف عملا صالحا، ففي الحديث القدسي يقول الله -عز وجل-: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجَد خيرًا فليحمد الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا
فالحقوق -يا عباد الله- في ذلك اليوم محفوظة مصونة، (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[غَافِرٍ: 17]، فأول ما يقضى بين الناس في الدماء، وكل مَنْ كانت عليه مظالم للعباد فإنهم يأخذون من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم تكن له حسنات يؤخَذ من سيئاتهم فتُطرح عليه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له مظلمة لأخيه مِنْ عِرْضه أو شيء، فليتحلله منه اليومَ، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخِذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخِذَ من سيئات صاحبه فحُمِلَ عليه"(رواه البخاري).
أمةَ الإسلامِ: يُعرَض العبادُ على ربهم في أرض المحشر لا تخفى عليه منهم خافية، فينادى بكل إنسان: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الْإِسْرَاءِ: 14]، فيقوم منفردا يجادل عن نفسه بكل ضَعْفه، أمام الملك -جل جلاله- وتقدَّست أسماؤه، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[النَّحْلِ: 111]، و(في الصحيحين): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أَيْمَنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة". فأما العبد المؤمن فإن الله -تعالى- يُعَرِّفه ببعض ذنوبه، ويتجاوز عما يشاء من هفواته حتى يعرف العبدُ فضلَ الله ومِنَّتَه عليه؛ بستره عليه في الدنيا، وعفوه عنها في الآخرة، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يُدنِي المؤمنَ فيضع عليه كنَفَه ويستره، فيقول: "أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نَعَمْ أَيْ ربِّ، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتُها عليكَ في الدنيا وأنا أغفرها لكَ اليومَ، فيُعطى كتابَ حسناته"(رواه البخاري، ومسلم).
ويُنكِر فئام من الناس ما حفظه عليهم الملائكة الكاتبون، ولا يرضون إلا بشاهد من أنفسهم، فيختِم اللهُ على أفواههم، وتستنطق جوارحهم، ففي (صحيح مسلم)، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك، فقال: هل تدرون مِمَّ أضحك؟ قالوا: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربَّه، يقول: يا ربِّ ألم تُجِرْني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفي بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيُختَم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعْدًا لكن وسُحْقًا، فعنكن كنتُ أناضل، فعنكن كنت أناضل" (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ)[فُصِّلَتْ: 20-22]، فأَعِدُّوا -يا عباد الله- للسؤال جوابا، ولذلك الموقف عملا صالحا، ففي الحديث القدسي يقول الله -عز وجل-: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجَد خيرًا فليحمد الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا
نفسَه".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[الْكَهْفِ: 110]، بارَك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه كان غفورا رحيما.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد معاشر المؤمنين: فإن أعظم ما يقدِّمه العبدُ للقاء الله -جل جلاله-، هو توحيده وإفراده بالعبادة، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الْأَنْعَامِ: 82]، وفي الحديث القدسي يقول الرب -جل جلاله-: "ومَنْ لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرةً"(رواه مسلم).
ويقدُم الناس على الله -تعالى- في أرض المحشر على الحال التي فارقوا عليها الدنيا، فمن مات على شيء بعثه الله عليه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فمن الناس من يُبعَث ملبِيًّا؛ لأنه مات مُحرِمًا، ويأتي الشهيد وجُرْحُه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُفصَل بين الناس، وسبعة يظلهم الله -تعالى- في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إن أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شِمالُه ما تُنفِق يمينُه، ورجل ذكَر الله خاليًا ففاضت عيناه".
وللمتاحبِّين بعظمة الله وطاعته منزلة رفيعة يوم القيامة، حيث ينادي بهم الرحمن فيقول: "أين المتاحبون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"(رواه مسلم). قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فقوله: أين المتحابون بجلال الله، تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله وتعظيمه، مع التحاب فيه، وبذلك يكونون حافظين لحدوده، دون الذين لا يحفظون حدوده لضَعْف الإيمان في قلوبهم".
وفي تلك العرصات يُكرِم اللهُ رسولَه -صلى الله عليه وسلم- بحوض عظيم، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من المسك، ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء، مَنْ شَرِبَ منه شربةً لم يظمأ بعدها أبدا، وفي ذلك اليوم العظيم يأتي القرآن الكريم شفيعا لأصحابه، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تظللان صاحبهما وتدافعان عنه، ففي (صحيح مسلم)، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، ويقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنتَ ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".
وأما من أعرض عن ذكر الله فإنه يحشر يوم القيامة أعمى، (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)[طه: 125-126]، وثلاثة في ذلك اليوم لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: "المسبِل والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"، وأما المتكبرون فإنهم يُحشَرون أمثال الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم احتقارا لهم، ولكل غادر لواء يوم القيامة يُعرَف به، يقال: هذه غدرة فلان، وآكِل الربا يخرج إلى أرض المحشر كالمجنون، (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[الْبَقَرَةِ: 275]، وأما الكافرون الجاحدون: فإنهم يُحشَرون على وجوههم عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا، ففي الصحيحين أن رجلا قال: "يا رسول الله، كيف يُحشَر الكافرُ على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟!".
فاتقوا الله يا عباد الله، (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لُقْمَانَ: 33].
اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليتَ على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[الْكَهْفِ: 110]، بارَك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه كان غفورا رحيما.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد معاشر المؤمنين: فإن أعظم ما يقدِّمه العبدُ للقاء الله -جل جلاله-، هو توحيده وإفراده بالعبادة، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الْأَنْعَامِ: 82]، وفي الحديث القدسي يقول الرب -جل جلاله-: "ومَنْ لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرةً"(رواه مسلم).
ويقدُم الناس على الله -تعالى- في أرض المحشر على الحال التي فارقوا عليها الدنيا، فمن مات على شيء بعثه الله عليه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فمن الناس من يُبعَث ملبِيًّا؛ لأنه مات مُحرِمًا، ويأتي الشهيد وجُرْحُه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُفصَل بين الناس، وسبعة يظلهم الله -تعالى- في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إن أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شِمالُه ما تُنفِق يمينُه، ورجل ذكَر الله خاليًا ففاضت عيناه".
وللمتاحبِّين بعظمة الله وطاعته منزلة رفيعة يوم القيامة، حيث ينادي بهم الرحمن فيقول: "أين المتاحبون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"(رواه مسلم). قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فقوله: أين المتحابون بجلال الله، تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله وتعظيمه، مع التحاب فيه، وبذلك يكونون حافظين لحدوده، دون الذين لا يحفظون حدوده لضَعْف الإيمان في قلوبهم".
وفي تلك العرصات يُكرِم اللهُ رسولَه -صلى الله عليه وسلم- بحوض عظيم، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من المسك، ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء، مَنْ شَرِبَ منه شربةً لم يظمأ بعدها أبدا، وفي ذلك اليوم العظيم يأتي القرآن الكريم شفيعا لأصحابه، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تظللان صاحبهما وتدافعان عنه، ففي (صحيح مسلم)، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، ويقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنتَ ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".
وأما من أعرض عن ذكر الله فإنه يحشر يوم القيامة أعمى، (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)[طه: 125-126]، وثلاثة في ذلك اليوم لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: "المسبِل والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"، وأما المتكبرون فإنهم يُحشَرون أمثال الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم احتقارا لهم، ولكل غادر لواء يوم القيامة يُعرَف به، يقال: هذه غدرة فلان، وآكِل الربا يخرج إلى أرض المحشر كالمجنون، (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[الْبَقَرَةِ: 275]، وأما الكافرون الجاحدون: فإنهم يُحشَرون على وجوههم عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا، ففي الصحيحين أن رجلا قال: "يا رسول الله، كيف يُحشَر الكافرُ على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟!".
فاتقوا الله يا عباد الله، (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لُقْمَانَ: 33].
اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليتَ على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حمى الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بفضلك ومنتك وجودك وكرمك أن تحفظ بلاد المسلمين من كل مكروه وسوء، اللهم احفظ بلاد الحرمين، اللهم احفظها بحفظك، واكلأها برعايتك وعنايتك، اللهم أدم أمنها ورخاءها، واستقرارها برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق خادم الحرمين لما تحب وترضى، واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم وفقه ووليَّ عهده الأمين لما فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين بفضلك وكرمكم ومنتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم أيدهم بتأييدك، واحفظهم بحفظك، برحمتك يا رب العالمين، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
المرفقات
اللهم وفِّق خادم الحرمين لما تحب وترضى، واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم وفقه ووليَّ عهده الأمين لما فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين بفضلك وكرمكم ومنتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم أيدهم بتأييدك، واحفظهم بحفظك، برحمتك يا رب العالمين، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
المرفقات
داء الحسد ودواؤه - ملتقى الخطباء
عناصر الخطبة
1/الحسد داء خطير مهلِك 2/تعريف الحسد 3/الحسد باعث المعصية الأولى في الأرض والسماء 4/تأملات في سورة يوسف ومواقف إخوته 5/لا تجتمع سعادة وحسد في قلب 6/الحسد الممدوح
اقتباس
ومحصِّلةُ الحسدِ -عباد الله- أنه ما من حاسد إلا سيجني خمسَ عقوبات قبل وصول حسده إلى المحسود؛ هي: سَخَط ربِّه، وغَمّ يكوي قلبَه، ومصيبة لا يؤجَر عليها، ومذمَّة يعيَّر بها، وانغلاق باب السعادة في وجهه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الكريم الوهَّاب، مُنزِل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، وفَّق عبادَه المتقين وأَلَانَ لهم الشدائدَ الصِّلابَ، وتوعَّد الكافرين به بالخسران وسوء العذاب، لا إله إلا هو، إليه الملجأ وإليه المتاب، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، خير من عبَد ربَّه وأناب، دعا أمَّتَه إلى الهدى والرحمة والصواب، وردَّ اللهُ عنه كيد الكائدين، وجعَل كيدَهم في تباب، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آل بيته وأزواجه والأصحاب، وعلى من سار على طريقهم، واقتفى أثرَهم إلى يوم المآب، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي المقصِّرة بتقوى الله، والاعتصام بكتابه، وبهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن التقوى طَوْق نجاة من الغرق في بحور الضلالة، ومهامِه التِّيه، (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يُونُسَ: 62-63].
عباد الله: يتفق العقلاء جميعا أن للأخلاق أدواء كما أن للأجساد أدواء، ويتفقون أيضا أن بعض أدواء الأخلاق أشد خطرًا وأسوأ أثرًا من أدواء الأجساد، وإنه ما بلي امرؤ قطُّ بداء خُلُقِيّ يفتك بقلبه فتكا، ويؤزُّه على الغل أزًّا، ويضرم نارَ فؤاده، وينقص من مقامه، كمثل بلائه بداء الحسد، فإنه داء مُرْذِل، يوهن إيمانَ صاحبه، ويجعله يعيش معيشة ضنكًا؛ لِمَا يجده في نفسه على مَنْ أولاه اللهُ نعمة من نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، ومَنْ كانت هذه حاله ضاع وقته، وهو يمد عينيه إلى ما متَّع اللهُ به أزواجًا من الناس زهرة الحياة الدنيا، فيُرهق بصرَه في التلفُّت والمراقَبة، ويشغل قلبه بتمني زوال متاع أولئك، وإذا شَغَلَ القلبَ والبصرَ في غير طاعة الله، صار مُنْبَتًّا، لا أرضًا قطَع، ولا ظهرًا أبقى، وذلك -لَعَمْرُ اللهِ- هو الخسران المبين.
عباد الله: إن من أجمع ما عرَّف به أهلُ الاختصاص الحسدَ بأنه إحساس نفسانيّ مركَّب من استحسان نعمة في الغير مع تمنِّي زواله عنه؛ لأجل غَيرة على اختصاص ذلك الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد فيما وُهِبَ إياه، وغالبا ما يكون حسد المرء للأقربين، والمحيطين به؛ لأنه مخصوص بنية أن يكونوا أقلَّ منه على الدوام، دون تفوُّق، وكل حاسدٍ الحسدَ المذمومَ فإن أسوته في ذلك قبل عِمارة الأرض إبليس -عليه لعائن الله- فإنه ما ردَّه عن السجود إلا الحسد، وما أنزل آدم وحواء من الجنة إلا الحسد، وإن أسوة الحاسد بعد عمارة الأرض أحد ابنَيْ آدمَ؛ (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[الْمَائِدَةِ: 27].
فالحسد -عباد الله- هو الداعي الأول لمعصية الله في السماء، وهو الداعي الأول لمعصية الله في الأرض، ثم إن من طبيعة البشر قلة سلامتهم من الحسد؛ لكن الرَّضِيَّ يُخفِيه، ويستعين بالله على الخلاص منه، والساخط يُبْدِيه حتى يتمنَّى الضرر بالمحسود، والناس بين مُقِلّ من ذلك ومُكْثِر، وقد صدَق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "دَبَّ إليكم داءُ الأمم: الحسدُ والبغضاءُ"(رواه الترمذي)؛ لذلكم نهى الله -جل شأنه- عن الحسد كما في قوله: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)[النِّسَاءِ: 32]، وقد فسَّرها بعضُ السلف بالحسد، وهي تمنِّي الرجل نفسَ ما أعطى الله أخاه من نعمة، بحيث تَنْتَقِل تلك النعمةُ إليه، وهذا اعتراض على إرادة الله وحكمته وعدله، وهو القائل -سبحانه-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[النِّسَاءِ: 54].
وصورة الحاسد -عباد الله- أن قلبه يغتاظ على عبد من عباد الله، لا ذنبَ له في نظر الحاسد سوى أن الله وهبَه نعمةً من نعمه التي لا تُحصى؛ لذلك يجد اللبيبُ أن ثمة شَبَهًا بين الحسد والنار، فالحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ، والحاسدُ يأكل بعضَه؛ لِمَا يجده في نفسه تجاه المحسود، ومحصِّلة الأمر -عباد الله- أن النار تأكل بعضَها إن لم تجد ما تأكله، ولا عجبَ -عباد الله- فبالحسد استكبَر إبليسُ عن أمره الله، جعل أخًا يقتل أخاه، وإخوةً يُلقُون أخاهم في غيابة الجُبّ، وهو الذي ردَّ أبا جهل عن الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في القصة المشهورة التي أوردها المفسرون أن الأخنس بن شريق دخَل بيتَ أبي جهل
عناصر الخطبة
1/الحسد داء خطير مهلِك 2/تعريف الحسد 3/الحسد باعث المعصية الأولى في الأرض والسماء 4/تأملات في سورة يوسف ومواقف إخوته 5/لا تجتمع سعادة وحسد في قلب 6/الحسد الممدوح
اقتباس
ومحصِّلةُ الحسدِ -عباد الله- أنه ما من حاسد إلا سيجني خمسَ عقوبات قبل وصول حسده إلى المحسود؛ هي: سَخَط ربِّه، وغَمّ يكوي قلبَه، ومصيبة لا يؤجَر عليها، ومذمَّة يعيَّر بها، وانغلاق باب السعادة في وجهه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الكريم الوهَّاب، مُنزِل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، وفَّق عبادَه المتقين وأَلَانَ لهم الشدائدَ الصِّلابَ، وتوعَّد الكافرين به بالخسران وسوء العذاب، لا إله إلا هو، إليه الملجأ وإليه المتاب، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، خير من عبَد ربَّه وأناب، دعا أمَّتَه إلى الهدى والرحمة والصواب، وردَّ اللهُ عنه كيد الكائدين، وجعَل كيدَهم في تباب، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آل بيته وأزواجه والأصحاب، وعلى من سار على طريقهم، واقتفى أثرَهم إلى يوم المآب، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي المقصِّرة بتقوى الله، والاعتصام بكتابه، وبهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن التقوى طَوْق نجاة من الغرق في بحور الضلالة، ومهامِه التِّيه، (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يُونُسَ: 62-63].
عباد الله: يتفق العقلاء جميعا أن للأخلاق أدواء كما أن للأجساد أدواء، ويتفقون أيضا أن بعض أدواء الأخلاق أشد خطرًا وأسوأ أثرًا من أدواء الأجساد، وإنه ما بلي امرؤ قطُّ بداء خُلُقِيّ يفتك بقلبه فتكا، ويؤزُّه على الغل أزًّا، ويضرم نارَ فؤاده، وينقص من مقامه، كمثل بلائه بداء الحسد، فإنه داء مُرْذِل، يوهن إيمانَ صاحبه، ويجعله يعيش معيشة ضنكًا؛ لِمَا يجده في نفسه على مَنْ أولاه اللهُ نعمة من نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، ومَنْ كانت هذه حاله ضاع وقته، وهو يمد عينيه إلى ما متَّع اللهُ به أزواجًا من الناس زهرة الحياة الدنيا، فيُرهق بصرَه في التلفُّت والمراقَبة، ويشغل قلبه بتمني زوال متاع أولئك، وإذا شَغَلَ القلبَ والبصرَ في غير طاعة الله، صار مُنْبَتًّا، لا أرضًا قطَع، ولا ظهرًا أبقى، وذلك -لَعَمْرُ اللهِ- هو الخسران المبين.
عباد الله: إن من أجمع ما عرَّف به أهلُ الاختصاص الحسدَ بأنه إحساس نفسانيّ مركَّب من استحسان نعمة في الغير مع تمنِّي زواله عنه؛ لأجل غَيرة على اختصاص ذلك الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد فيما وُهِبَ إياه، وغالبا ما يكون حسد المرء للأقربين، والمحيطين به؛ لأنه مخصوص بنية أن يكونوا أقلَّ منه على الدوام، دون تفوُّق، وكل حاسدٍ الحسدَ المذمومَ فإن أسوته في ذلك قبل عِمارة الأرض إبليس -عليه لعائن الله- فإنه ما ردَّه عن السجود إلا الحسد، وما أنزل آدم وحواء من الجنة إلا الحسد، وإن أسوة الحاسد بعد عمارة الأرض أحد ابنَيْ آدمَ؛ (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[الْمَائِدَةِ: 27].
فالحسد -عباد الله- هو الداعي الأول لمعصية الله في السماء، وهو الداعي الأول لمعصية الله في الأرض، ثم إن من طبيعة البشر قلة سلامتهم من الحسد؛ لكن الرَّضِيَّ يُخفِيه، ويستعين بالله على الخلاص منه، والساخط يُبْدِيه حتى يتمنَّى الضرر بالمحسود، والناس بين مُقِلّ من ذلك ومُكْثِر، وقد صدَق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "دَبَّ إليكم داءُ الأمم: الحسدُ والبغضاءُ"(رواه الترمذي)؛ لذلكم نهى الله -جل شأنه- عن الحسد كما في قوله: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)[النِّسَاءِ: 32]، وقد فسَّرها بعضُ السلف بالحسد، وهي تمنِّي الرجل نفسَ ما أعطى الله أخاه من نعمة، بحيث تَنْتَقِل تلك النعمةُ إليه، وهذا اعتراض على إرادة الله وحكمته وعدله، وهو القائل -سبحانه-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[النِّسَاءِ: 54].
وصورة الحاسد -عباد الله- أن قلبه يغتاظ على عبد من عباد الله، لا ذنبَ له في نظر الحاسد سوى أن الله وهبَه نعمةً من نعمه التي لا تُحصى؛ لذلك يجد اللبيبُ أن ثمة شَبَهًا بين الحسد والنار، فالحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ، والحاسدُ يأكل بعضَه؛ لِمَا يجده في نفسه تجاه المحسود، ومحصِّلة الأمر -عباد الله- أن النار تأكل بعضَها إن لم تجد ما تأكله، ولا عجبَ -عباد الله- فبالحسد استكبَر إبليسُ عن أمره الله، جعل أخًا يقتل أخاه، وإخوةً يُلقُون أخاهم في غيابة الجُبّ، وهو الذي ردَّ أبا جهل عن الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في القصة المشهورة التي أوردها المفسرون أن الأخنس بن شريق دخَل بيتَ أبي جهل
فقال: "يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعتُ من محمد؟ قال: ماذا سمعتَ؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرفَ؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطَوْا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الرُّكَب وكنا كفرسَيْ رهانٍ قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء. فمتى نُدرِك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه، فقام عنه الأخنس وتركه".
ولكم أن تتأملوا -عباد الله- سورة يوسف، تلك السورة العظيمة التي تأخذ بأفئدة المتدبِّرين، وتطير بهم في جو التأمل والعاطفة، تجاه أحسن القصص عبر مراحل من التآمُر والكيد والتفريق بين والد وولده، حتى إن العيون لَتذرف الدموعَ، والحلوق تشرَق من الخشوع تعاطفًا مع مَنْ كان ضحية الحسد القاتل، ومَنْ تأمَّل تلك السورةَ حقَّ التأمل فسيرى أن الحسد يُعمي ويُصم؛ حتى إن الحاسدين لا يقتصرون بحسدهم على ما في واقع يقظة المرء وحسب، بل يتجاوزونه، فيحسدونه على رُؤَاهُ الجميلةِ التي يراها في منامه، فالحُسَّاد ليس لحسدهم حدٌّ يقفون عنده، كيف لا وقد قال يعقوب لابنه يوسف -عليهما السلام-: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا)[يُوسُفَ: 5].
فعجبًا للحاسد لا يحسُد إلا على دنيا، حتى إنه إذا حسد عالِمًا، أو صالِحًا فإنما يحسدهما لصيتهما لا لعلم العالِم ولا لعملِ الصالحِ، فهو لا يجني بحسده إلا قَلْبًا بَطِرًا، وعينًا شانئةً، ولسانًا ساطِيًا، يخوض حرب الحسد وما درى أنها حربه الخاسرة؛ لأنه في واقع الأمر لم يعترض على الموهوب ذاته، وإنما اعترض على الواهب -سبحانه-، ومَنْ تأمل تلك السورة -عباد الله- حقَّ التأمل، فسيرى أن الحسد في قلب المرء يحجب عنه بشاعةَ أيِّ جُرم يرتكبه لتحقيق غايته ولو مع أقرب قريب له، بل إنه يلبِّس عليه جرمَه فيراه عملًا محمودًا، لا عيب فيه بوجه من الوجوه؛ فإخوة يوسف لَمَّا حسدوه همُّوا بقتله أو نفيه؛ ليخلوا لهم وجهُ أبيهم وحسبُ، دون أخيهم؛ ليكونوا هم الصلحاء والبررة: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)[يُوسُفَ: 9].
ومن تأمل تلك السورة حقَّ التأمل فسيرى أن الحسد يجعل الحاسد مستنكِفًا أن يعطي المحسود وصفَه اللائقَ به؛ ففي قصة إخوة يوسف كان كل حديثهم عنه تصريحًا باسمه، مجرَّدًا من وصفه بأنه أخ لهم، فكانوا يقولون: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا)[يُوسُفَ: 9]، وكانوا يقولون: (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا)[يُوسُفَ: 8]، وكانوا يقولون: (يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ)[يُوسُفَ: 11]، ولما كانت الحال مع أخيهم الآخَر الذي لم يحسدوه كحسدهم يوسف أطلقوا عليه لفظ الأُخُوَّة، ولم يستنكِفوا فقالوا: (يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[يُوسُفَ: 63].
إنه الحسد القاتل بلا سِكِّين، والحارق بلا وقود، والمغرِق بلا ماء، عافانا الله وإياكم من غوائله، وأعاذنا من شر كل ذي شِرٍّ، بسم الله الرحمن الرحيم: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[الْفَلَقِ: 1-5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إن ربي كان غفورا رحيما.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله المصطفى، وبعدُ:
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنه لا تجتمع سعادةٌ وحسدٌ في قلب امرئ قطُّ؛ لأن سبب السعادة الرضا بالله، والحسد عدو الرضا، فلا غرو أن المحسود كالشمس، لا يتمنَّى زوالَها إلا الأرمدُ، ولو يملك الحاسدُ منعَ الهواء عن المحسود لَمَنَعَهُ، لكن الحسد داء منصِف، يفعل بالحاسد فعلَه بالمحسود، ويكفيه من ذلكم أنه يغتَمُّ وقتَ سرور الآخرين، فعلى المحسود -عبادَ اللهِ- أن يهيِّئ نفَسه لتلقِّي وَكَزَاتِ الحاسدينَ؛ لأن عظمة عقله ستخلق له الحُسَّادَ، وعظمة قلبه ستخلق له الأصدقاءَ.
ومحصِّلة الحسد -عباد الله- أنه ما من حاسد إلا سيجني خمسَ عقوبات قبل وصول حسده إلى المحسود؛ هي: سَخَط ربِّه، وغَمّ يكوي قلبَه، ومصيبة لا يؤجَر عليها، ومذمَّة يعيَّر بها، وانغلاق باب السعادة في وجهه.
وبما أن الحسد المذموم ممات، فإن الحسد المحمود حياة؛ لأن الهمة لا تُثمر بالحسد المذموم، وإنما تؤتي أُكُلَها بحسد محمود يتمثَّل في الإعجاب بالنعمة تصيب الآخرينَ، ويتمنَّى مثلَها أو أحسنَ منها لا زوالَها عنهم، فهو يتمنَّى أن يرقى إلى مقام المحسود لا أن ينزل المحسودُ إلى مقامه، وهنا يكمن الفرق بين المحمود من الحسد، وبين المذموم منه، ولا يوفَّق لمثل ذلكم
ولكم أن تتأملوا -عباد الله- سورة يوسف، تلك السورة العظيمة التي تأخذ بأفئدة المتدبِّرين، وتطير بهم في جو التأمل والعاطفة، تجاه أحسن القصص عبر مراحل من التآمُر والكيد والتفريق بين والد وولده، حتى إن العيون لَتذرف الدموعَ، والحلوق تشرَق من الخشوع تعاطفًا مع مَنْ كان ضحية الحسد القاتل، ومَنْ تأمَّل تلك السورةَ حقَّ التأمل فسيرى أن الحسد يُعمي ويُصم؛ حتى إن الحاسدين لا يقتصرون بحسدهم على ما في واقع يقظة المرء وحسب، بل يتجاوزونه، فيحسدونه على رُؤَاهُ الجميلةِ التي يراها في منامه، فالحُسَّاد ليس لحسدهم حدٌّ يقفون عنده، كيف لا وقد قال يعقوب لابنه يوسف -عليهما السلام-: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا)[يُوسُفَ: 5].
فعجبًا للحاسد لا يحسُد إلا على دنيا، حتى إنه إذا حسد عالِمًا، أو صالِحًا فإنما يحسدهما لصيتهما لا لعلم العالِم ولا لعملِ الصالحِ، فهو لا يجني بحسده إلا قَلْبًا بَطِرًا، وعينًا شانئةً، ولسانًا ساطِيًا، يخوض حرب الحسد وما درى أنها حربه الخاسرة؛ لأنه في واقع الأمر لم يعترض على الموهوب ذاته، وإنما اعترض على الواهب -سبحانه-، ومَنْ تأمل تلك السورة -عباد الله- حقَّ التأمل، فسيرى أن الحسد في قلب المرء يحجب عنه بشاعةَ أيِّ جُرم يرتكبه لتحقيق غايته ولو مع أقرب قريب له، بل إنه يلبِّس عليه جرمَه فيراه عملًا محمودًا، لا عيب فيه بوجه من الوجوه؛ فإخوة يوسف لَمَّا حسدوه همُّوا بقتله أو نفيه؛ ليخلوا لهم وجهُ أبيهم وحسبُ، دون أخيهم؛ ليكونوا هم الصلحاء والبررة: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)[يُوسُفَ: 9].
ومن تأمل تلك السورة حقَّ التأمل فسيرى أن الحسد يجعل الحاسد مستنكِفًا أن يعطي المحسود وصفَه اللائقَ به؛ ففي قصة إخوة يوسف كان كل حديثهم عنه تصريحًا باسمه، مجرَّدًا من وصفه بأنه أخ لهم، فكانوا يقولون: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا)[يُوسُفَ: 9]، وكانوا يقولون: (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا)[يُوسُفَ: 8]، وكانوا يقولون: (يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ)[يُوسُفَ: 11]، ولما كانت الحال مع أخيهم الآخَر الذي لم يحسدوه كحسدهم يوسف أطلقوا عليه لفظ الأُخُوَّة، ولم يستنكِفوا فقالوا: (يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[يُوسُفَ: 63].
إنه الحسد القاتل بلا سِكِّين، والحارق بلا وقود، والمغرِق بلا ماء، عافانا الله وإياكم من غوائله، وأعاذنا من شر كل ذي شِرٍّ، بسم الله الرحمن الرحيم: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[الْفَلَقِ: 1-5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إن ربي كان غفورا رحيما.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله المصطفى، وبعدُ:
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنه لا تجتمع سعادةٌ وحسدٌ في قلب امرئ قطُّ؛ لأن سبب السعادة الرضا بالله، والحسد عدو الرضا، فلا غرو أن المحسود كالشمس، لا يتمنَّى زوالَها إلا الأرمدُ، ولو يملك الحاسدُ منعَ الهواء عن المحسود لَمَنَعَهُ، لكن الحسد داء منصِف، يفعل بالحاسد فعلَه بالمحسود، ويكفيه من ذلكم أنه يغتَمُّ وقتَ سرور الآخرين، فعلى المحسود -عبادَ اللهِ- أن يهيِّئ نفَسه لتلقِّي وَكَزَاتِ الحاسدينَ؛ لأن عظمة عقله ستخلق له الحُسَّادَ، وعظمة قلبه ستخلق له الأصدقاءَ.
ومحصِّلة الحسد -عباد الله- أنه ما من حاسد إلا سيجني خمسَ عقوبات قبل وصول حسده إلى المحسود؛ هي: سَخَط ربِّه، وغَمّ يكوي قلبَه، ومصيبة لا يؤجَر عليها، ومذمَّة يعيَّر بها، وانغلاق باب السعادة في وجهه.
وبما أن الحسد المذموم ممات، فإن الحسد المحمود حياة؛ لأن الهمة لا تُثمر بالحسد المذموم، وإنما تؤتي أُكُلَها بحسد محمود يتمثَّل في الإعجاب بالنعمة تصيب الآخرينَ، ويتمنَّى مثلَها أو أحسنَ منها لا زوالَها عنهم، فهو يتمنَّى أن يرقى إلى مقام المحسود لا أن ينزل المحسودُ إلى مقامه، وهنا يكمن الفرق بين المحمود من الحسد، وبين المذموم منه، ولا يوفَّق لمثل ذلكم
إلا صاحب قلب مخموم، لا غلَّ فيه ولا حسدَ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا حسدَ إلا في اثنتينِ: رجلٍ علَّمَه اللهُ القرآنَ، فهو يتلوه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، فسَمِعَه جارٌ له فقال: ليتَنِي أُوتِيتُ مثلَما أُوتِيَ فلانٌ فعَمِلْتُ مثلَما يعمل، ورجل آتاه اللهُ مالًا فهو يُهلِكه في الحق، فقال رجلٌ: ليتَني أُوتِيتُ مثلَما أُوتِيَ فلانٌ فعملتُ مثلَما يعمل" (رواه البخاري).
هذا وَصَلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبِّحة بِقُدْسِه، وَأَيَّهَ بكم أيها المؤمنون، فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب : 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، صاحبِ الوجهِ الأنور، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه، من الأقوال والأعمال، يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم أصلِح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في دينهم في سائر الأوطان، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء، أَنْزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطينَ، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تحرمنا خيرَ ما عندك بشرِّ ما عندنا، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
سبحان ربِّنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
هذا وَصَلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبِّحة بِقُدْسِه، وَأَيَّهَ بكم أيها المؤمنون، فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب : 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، صاحبِ الوجهِ الأنور، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه، من الأقوال والأعمال، يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم أصلِح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في دينهم في سائر الأوطان، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء، أَنْزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطينَ، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تحرمنا خيرَ ما عندك بشرِّ ما عندنا، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
سبحان ربِّنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
خطبة عن الصدقة وفضلها - ملتقى الخطباء
اقتباس
فهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ فابتغوا بأموالكم الضعفاء والمساكين والمحتاجين، فارزقوهم ترزقوا، وارحموهم تُرحموا، وتاجروا مع ربكم ببرهم والإحسان إليهم؛ فإنها تجارة لن تبور، فقد ذهب أهل الدثور -أي الأموال- من المؤمنين بالأجور والدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون ويصومون ويتصدقون بفضول أموالهم ..
الحمد لله الذي يجزي المتصدقين، ويخلف على المنفقين، ويحب المحسنين، ولا يضيع أجر المؤمنين، أحمده سبحانه على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وصفاته الكريمة، وأسأله أن يجعل عملنا في الخير ديمة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الرب العظيم، والإله الرحيم، الجواد المحسن الكريم، خزائنه ملأى، ويداه سحاء الليل والنهار لا تغيظها نفقة، أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم ينقص مما عنده شيئاً، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، فاسألوه من فضله، فإنه يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويزحزح عن النار، ويورث الجنة، ويحل الرضوان، وما كان عطاء ربك محظوراً.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، والرسول الكريم، كان أجود الناس، وأكرم الناس، فكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وما سُئِلَ شيئاً قط فقال لا؛ بل كان يقول: "أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً".
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يسارعون في الخيرات، ويتنافسون في المبرات، فكانوا ينفقون مما يحبون، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
أما بعد:
فيا أيها الناس: توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية، تُرزقوا وتُنصروا وتجبروا؛ فهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ فابتغوا بأموالكم الضعفاء والمساكين والمحتاجين، فارزقوهم ترزقوا، وارحموهم تُرحموا، وتاجروا مع ربكم ببرهم والإحسان إليهم؛ فإنها تجارة لن تبور، فقد ذهب أهل الدثور -أي الأموال- من المؤمنين بالأجور والدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون ويصومون ويتصدقون بفضول أموالهم، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:4]. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى والرضوان والفردوس الأعلى.
أيها المسلمون: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى" العليا: هي المنفقة، والسفلى: هي السائلة، وقال صلى الله عليه وسلم: "الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك" وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه -أي مهره- حتى تكون مثل الجبل".
وعند الإمام الشافعي بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً، ولا يصعد إلى السماء إلا طيب- إلا كأنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى أن اللقمة لتأتي يوم القيامة وإنها لمثل الجبل العظيم". ثم قرأ: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:104].
أيها المؤمنون: أنفقوا من مال الله الذي آتاكم وجعلكم مستخلفين فيه؛ لينظر كيف تعملون، فأنفقوا من طيبات ما كسبتم، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:274]، (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].
اقتباس
فهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ فابتغوا بأموالكم الضعفاء والمساكين والمحتاجين، فارزقوهم ترزقوا، وارحموهم تُرحموا، وتاجروا مع ربكم ببرهم والإحسان إليهم؛ فإنها تجارة لن تبور، فقد ذهب أهل الدثور -أي الأموال- من المؤمنين بالأجور والدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون ويصومون ويتصدقون بفضول أموالهم ..
الحمد لله الذي يجزي المتصدقين، ويخلف على المنفقين، ويحب المحسنين، ولا يضيع أجر المؤمنين، أحمده سبحانه على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وصفاته الكريمة، وأسأله أن يجعل عملنا في الخير ديمة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الرب العظيم، والإله الرحيم، الجواد المحسن الكريم، خزائنه ملأى، ويداه سحاء الليل والنهار لا تغيظها نفقة، أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم ينقص مما عنده شيئاً، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، فاسألوه من فضله، فإنه يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويزحزح عن النار، ويورث الجنة، ويحل الرضوان، وما كان عطاء ربك محظوراً.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، والرسول الكريم، كان أجود الناس، وأكرم الناس، فكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وما سُئِلَ شيئاً قط فقال لا؛ بل كان يقول: "أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً".
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يسارعون في الخيرات، ويتنافسون في المبرات، فكانوا ينفقون مما يحبون، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
أما بعد:
فيا أيها الناس: توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية، تُرزقوا وتُنصروا وتجبروا؛ فهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ فابتغوا بأموالكم الضعفاء والمساكين والمحتاجين، فارزقوهم ترزقوا، وارحموهم تُرحموا، وتاجروا مع ربكم ببرهم والإحسان إليهم؛ فإنها تجارة لن تبور، فقد ذهب أهل الدثور -أي الأموال- من المؤمنين بالأجور والدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون ويصومون ويتصدقون بفضول أموالهم، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:4]. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى والرضوان والفردوس الأعلى.
أيها المسلمون: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى" العليا: هي المنفقة، والسفلى: هي السائلة، وقال صلى الله عليه وسلم: "الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك" وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه -أي مهره- حتى تكون مثل الجبل".
وعند الإمام الشافعي بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً، ولا يصعد إلى السماء إلا طيب- إلا كأنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى أن اللقمة لتأتي يوم القيامة وإنها لمثل الجبل العظيم". ثم قرأ: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:104].
أيها المؤمنون: أنفقوا من مال الله الذي آتاكم وجعلكم مستخلفين فيه؛ لينظر كيف تعملون، فأنفقوا من طيبات ما كسبتم، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:274]، (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].
وفي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة". وفيه أيضاً عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن آدم! إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف". وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: أَنْفِق يا ابن آدم أُنفق عليك".
عباد الله: ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه ثلاث مرات، ثم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة". ففي هذا الحديث أن الصدقة تقي من النار ولو كانت تمرة واحدة أو بعض تمرة، أو كلمة طيبة إذا لم يجد الرجل أكثر منها.
وقد رويت آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصدقة، منها: "أنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وتسد سبعين باباً من السوء، وأن البلاء لا يتخطى الصدقة، وأنها تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء، وأنها لتطفئ عن أهلها حرَّ القبور".
وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس". فكان أبو الخير راوي الحديث لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيءٍ ولو كعكة أو بصلة، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب". وقال: إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله عز وجل، وقال: "تصدقوا فإن الصدقة فكاك من النار".
فتصدقوا -أيها المؤمنون- بما تجدون؛ فإن خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى نفسٍ من المتصدق، ولو كان جهد مقلّ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة" وقال لامرأة من الأنصار سألته عن المسكين يقف ببابها لا تجد ما تعطيه: "إن لم تجدي إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده". وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "يا نساء المسلمين! لا تحقرنَّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة". وفيهما أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه". فبادروا بالصدقة قبل أن يحال بينكم وبينها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:10-11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبيُّ الأمين، والنذير المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، وكونوا ممن يؤتي ماله يتزكى، وكونوا سباقين إلى الخيرات وأفضل الصدقات، فإنه: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء" فمن سبق إلى الصدقة إذا دعي إليها، أو رأى السائل، كان له مثل أجر كل من تصدق بعده.
واعلموا أن أعظم الصدقة أجراً أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان؛ واعلموا أن الله ليدخل بلقمة الخبز وقبضة التمر ومثلهما مما ينتفع به المسكين -ثلاثة الجنة- رب البيت الآمر به، والزوجة تصلحه، والخادم الذي يناوله المسكين، فمن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، فإن للسائل حقًّا ولو جاء على فرس، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله.
واعلموا أن أحق من تصدقتم عليهم أقاربكم الذين لا تلزمكم نفقاتهم؛ فإن الصدقة على ذي القرابة يضاعف أجرها مرتين؛ فإنها على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة، وهكذا النفقات يبدأ الإنسان أولاً بنفسه، ثم بمن يعول، قال صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك". ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
868
عباد الله: ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه ثلاث مرات، ثم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة". ففي هذا الحديث أن الصدقة تقي من النار ولو كانت تمرة واحدة أو بعض تمرة، أو كلمة طيبة إذا لم يجد الرجل أكثر منها.
وقد رويت آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصدقة، منها: "أنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وتسد سبعين باباً من السوء، وأن البلاء لا يتخطى الصدقة، وأنها تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء، وأنها لتطفئ عن أهلها حرَّ القبور".
وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس". فكان أبو الخير راوي الحديث لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيءٍ ولو كعكة أو بصلة، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب". وقال: إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله عز وجل، وقال: "تصدقوا فإن الصدقة فكاك من النار".
فتصدقوا -أيها المؤمنون- بما تجدون؛ فإن خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى نفسٍ من المتصدق، ولو كان جهد مقلّ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة" وقال لامرأة من الأنصار سألته عن المسكين يقف ببابها لا تجد ما تعطيه: "إن لم تجدي إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده". وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "يا نساء المسلمين! لا تحقرنَّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة". وفيهما أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه". فبادروا بالصدقة قبل أن يحال بينكم وبينها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:10-11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبيُّ الأمين، والنذير المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، وكونوا ممن يؤتي ماله يتزكى، وكونوا سباقين إلى الخيرات وأفضل الصدقات، فإنه: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء" فمن سبق إلى الصدقة إذا دعي إليها، أو رأى السائل، كان له مثل أجر كل من تصدق بعده.
واعلموا أن أعظم الصدقة أجراً أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان؛ واعلموا أن الله ليدخل بلقمة الخبز وقبضة التمر ومثلهما مما ينتفع به المسكين -ثلاثة الجنة- رب البيت الآمر به، والزوجة تصلحه، والخادم الذي يناوله المسكين، فمن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، فإن للسائل حقًّا ولو جاء على فرس، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله.
واعلموا أن أحق من تصدقتم عليهم أقاربكم الذين لا تلزمكم نفقاتهم؛ فإن الصدقة على ذي القرابة يضاعف أجرها مرتين؛ فإنها على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة، وهكذا النفقات يبدأ الإنسان أولاً بنفسه، ثم بمن يعول، قال صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك". ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
868
خطبة الاستسقاء - ملتقى الخطباء
عناصر الخطبة
1/ نعمة الأمطار 2/ الاستسقاء سنة الأنبياء 3/ استسقاء النبي الكريم 4/ استجابة المولى لأهل الإيمان 5/ آثار المعاصي ودورها في تسبيب الجدب 6/ محو الذنوب بالتوبة 7/ الهدي النبوي في الاستسقاء
اقتباس
وها أنتم قد حضرتم إلى هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم، تشكون جدب دياركم، وتبوحون إليه بحاجاتكم، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتُقبلوا عليه بالتوبة والإنابة، وتتقربوا بصالح العمل لديه؛ فاستكينوا لربكم، وارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ..
الحمد لله حمداً طيباً كما أمر، أحمدُه تعالى وأشكره وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وبالخسارة لمن كفر، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إرضاءً له وإرغاماً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ سيدُ البشر، والشافعُ المشفَّعُ في المحشر، -صلى الله عليه وسلم- عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر، ومن تبع سبيلهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
عباد الله: الماء نعمةٌ من نعم الله تعالى، وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء:30]، وفي نزول الأمطار حكمةٌ بالغةٌ، حين يتقاطر على الأرض لِيَعُمَّ بسقْيِهِ وِهَادَها وتُلُولَها، وظِرابها وآكامَها، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ) [الشورى:28].
وإذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد، وسقِمتْ المواشي، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار، قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك:30]، وقال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) [الفرقان:77].
الجدْبُ والقحطُ بلاءٌ من الله؛ ليعلمَ مَنْ يطيعُ ومَنْ يعصيِ، ومَن يشكرُ ومَن يكفرُ، وفي هذه الحال شرعَ لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- صلاةَ الاستسقاء، والاستسقاء هو طلب السُّقْيَا، وسؤال الغيث من المغِيث -جل وعلا-، فالنفوس البشرية مجبولةٌ على طلب الغيث ممن يُغِيثُها، وإقالةِ العثرة ممن يقيلها ولا يغيث ولا يرحم ولا يقيل العثراتِ ولا يجبر الكسر إلا اللهُ وحده -سبحانه وتعالى-.
والاستسقاءُ من سنن الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، قال تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ) [الأنبياء:60]، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لأمته مراتٍ متعددة، وعلى كيفيات متنوعة، فإذا أجدبت الأرض وقحطت، وقلت الأمطار وانحبست، فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- لطلب الرحمة والغيث.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: خَرَجَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً. رواه الترمذي.
وعن أنسِ بنِ مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والرسول -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا؛ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثُمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا! اللَّهُمَّ أَغِثْنَا! اللَّهُمَّ أَغِثْنَا".
قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلا وَاللهِ! مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا.
قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظَّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ" قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَاَ نَمْشِي فِي الشَّمْسِ" رواه البخاري ومسلم.
عناصر الخطبة
1/ نعمة الأمطار 2/ الاستسقاء سنة الأنبياء 3/ استسقاء النبي الكريم 4/ استجابة المولى لأهل الإيمان 5/ آثار المعاصي ودورها في تسبيب الجدب 6/ محو الذنوب بالتوبة 7/ الهدي النبوي في الاستسقاء
اقتباس
وها أنتم قد حضرتم إلى هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم، تشكون جدب دياركم، وتبوحون إليه بحاجاتكم، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتُقبلوا عليه بالتوبة والإنابة، وتتقربوا بصالح العمل لديه؛ فاستكينوا لربكم، وارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ..
الحمد لله حمداً طيباً كما أمر، أحمدُه تعالى وأشكره وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وبالخسارة لمن كفر، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إرضاءً له وإرغاماً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ سيدُ البشر، والشافعُ المشفَّعُ في المحشر، -صلى الله عليه وسلم- عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر، ومن تبع سبيلهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
عباد الله: الماء نعمةٌ من نعم الله تعالى، وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء:30]، وفي نزول الأمطار حكمةٌ بالغةٌ، حين يتقاطر على الأرض لِيَعُمَّ بسقْيِهِ وِهَادَها وتُلُولَها، وظِرابها وآكامَها، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ) [الشورى:28].
وإذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد، وسقِمتْ المواشي، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار، قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك:30]، وقال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) [الفرقان:77].
الجدْبُ والقحطُ بلاءٌ من الله؛ ليعلمَ مَنْ يطيعُ ومَنْ يعصيِ، ومَن يشكرُ ومَن يكفرُ، وفي هذه الحال شرعَ لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- صلاةَ الاستسقاء، والاستسقاء هو طلب السُّقْيَا، وسؤال الغيث من المغِيث -جل وعلا-، فالنفوس البشرية مجبولةٌ على طلب الغيث ممن يُغِيثُها، وإقالةِ العثرة ممن يقيلها ولا يغيث ولا يرحم ولا يقيل العثراتِ ولا يجبر الكسر إلا اللهُ وحده -سبحانه وتعالى-.
والاستسقاءُ من سنن الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، قال تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ) [الأنبياء:60]، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لأمته مراتٍ متعددة، وعلى كيفيات متنوعة، فإذا أجدبت الأرض وقحطت، وقلت الأمطار وانحبست، فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- لطلب الرحمة والغيث.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: خَرَجَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً. رواه الترمذي.
وعن أنسِ بنِ مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والرسول -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا؛ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثُمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا! اللَّهُمَّ أَغِثْنَا! اللَّهُمَّ أَغِثْنَا".
قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلا وَاللهِ! مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا.
قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظَّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ" قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَاَ نَمْشِي فِي الشَّمْسِ" رواه البخاري ومسلم.
تأملوا -عباد الله- لِتَرَوا كيف يُحدِثُ الإيمانُ الصادقُ، والقلوبُ الطاهرةُ، والألسنُ المستغفرةُ، استجابةَ المولى العاجلة! إنهم أقوام أغاثوا قلوبهم بالتوبة والاستغفار والتطهرِ من الذنوب والمعاصي فأغاث الله أرضهم، واستجاب دعاءهم، تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله وحافظوا على الجُمَع والجماعات، وأدوا ما عليهم من الأمانات والمسؤوليات؛ فرفع الله تعالى ذكرهم، وبسط سلطانهم، وأمد رزقهم.
لقد كانوا يحذَرون مواطن العطب، وأسبابَ الخلل، وموانعَ إجابة الدعاء، قال -عليه الصلاة والسلام- لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: " أطِبْ مطعمك تكنْ مستجابَ الدعوة"، إنهم قوم طهّروا أموالهم من أكل الحرام والربا والرشوة والغش في المعاملات، وأكل أموال الناس بالباطل وأنواع الحِيل، وطهروا ألسنتهم من شهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل.
جديرٌ بنا -عباد الله- أن نغيث قلوبنا بالإيمان والطاعة؛ ليَحِلَّ الغيث بأرضنا وبلدنا، ذلكم -وربي!- هو مفتاحُ القطر من السماء، وسببُ دفعِ البلاء، ووعدُ الله لا يُخلَفُ، حيث قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ) [الأعراف:96]، فحريٌّ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا قال تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16].
وإذا استسقى العباد فلم يُسقوا، وسألوا فلم يُعطوا، أسفرَ ذلك على هبوطِ مستوى الإيمان، وخللٍ في الأعمال، وإصابتهِمِ بموانعِ إجابة الدعاء، وعلينا أن نتساءل: هل رَويت قلوبنا من هذا الغيث أَم هي ظامئة؟ وأَن ننظر إلى صحائفنا، هل هي ربيعٌ بهذا الوحي أم هي مجدبة؟.
يجب علينا أن نصلح ما فسد وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، علينا أن نقوم بأداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإصلاح الأهل والبنين والبنات؛ فلا قيمة للاستغفار إذا كان مجرَّد لفظ يُرَدَّدُ على اللسان، ولا أثر لصلاة الاستسقاء إذا كانت مُجَرَّدَ عادَةٍ تفعل.
علينا أن نخلع عنا أردية الخطايا، ونتجرد من الذنوب والمظالم؛ ليُرفعَ ما بنا، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن -وأعوذ بالله أن تدركوهُنَّ-: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذُوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أَيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أَنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" أخرجه ابنُ ماجه وهو صحيح.
وهل في الدنيا والآخرة شرور وداءُ إلا بسبب الذنوب والمعاصي؟! نعم، عباد الله، الذنوب والمعاصي لها شؤمها وآثارها، فكم أهلكت من أمَّةٍ، وكم قصمت من قرية: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) [الأنبياء:11]، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59].
فبالمعاصي تزول النِّعَم، ويحلُ الفقرْ، وتتوالى المحنُ والإحن، وتتداعى الفِتَن، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، ويقول سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذَّر من المعصية؛ لما لها من آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات، فقد روى الإمام أحمدُ -رحمه الله- عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشر كلماتٍ، وذكر منها: "إياكَ والمعصيةَ! فإن بالمعصية حلّ سخط الله -عز وجل-"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وإنَّ العبد لَيُحْرم الرزق بالذنب يصيبه" أخرجه أحمد وابن ماجة.
بسبب المعاصي تنتشر الأمراض الفتاكة، والآفات القاتلة، والحوادث المروعة، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].
المعاصي تُحيل النعمةَ نقمةً، والرحمةَ عذاباً، ألا ترون الأمطار تهجم أحياناً بفيضانات مهلكةٍ، وسيولٍ عارمةٍ، تدمّر القرى والمدن؛ فتذهب بكثير من الأرواح والمساكن، وتغير معالم الأرض، وتحدث شراً مستطيراً؟!.
لقد كانوا يحذَرون مواطن العطب، وأسبابَ الخلل، وموانعَ إجابة الدعاء، قال -عليه الصلاة والسلام- لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: " أطِبْ مطعمك تكنْ مستجابَ الدعوة"، إنهم قوم طهّروا أموالهم من أكل الحرام والربا والرشوة والغش في المعاملات، وأكل أموال الناس بالباطل وأنواع الحِيل، وطهروا ألسنتهم من شهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل.
جديرٌ بنا -عباد الله- أن نغيث قلوبنا بالإيمان والطاعة؛ ليَحِلَّ الغيث بأرضنا وبلدنا، ذلكم -وربي!- هو مفتاحُ القطر من السماء، وسببُ دفعِ البلاء، ووعدُ الله لا يُخلَفُ، حيث قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ) [الأعراف:96]، فحريٌّ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا قال تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16].
وإذا استسقى العباد فلم يُسقوا، وسألوا فلم يُعطوا، أسفرَ ذلك على هبوطِ مستوى الإيمان، وخللٍ في الأعمال، وإصابتهِمِ بموانعِ إجابة الدعاء، وعلينا أن نتساءل: هل رَويت قلوبنا من هذا الغيث أَم هي ظامئة؟ وأَن ننظر إلى صحائفنا، هل هي ربيعٌ بهذا الوحي أم هي مجدبة؟.
يجب علينا أن نصلح ما فسد وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، علينا أن نقوم بأداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإصلاح الأهل والبنين والبنات؛ فلا قيمة للاستغفار إذا كان مجرَّد لفظ يُرَدَّدُ على اللسان، ولا أثر لصلاة الاستسقاء إذا كانت مُجَرَّدَ عادَةٍ تفعل.
علينا أن نخلع عنا أردية الخطايا، ونتجرد من الذنوب والمظالم؛ ليُرفعَ ما بنا، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن -وأعوذ بالله أن تدركوهُنَّ-: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذُوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أَيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أَنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" أخرجه ابنُ ماجه وهو صحيح.
وهل في الدنيا والآخرة شرور وداءُ إلا بسبب الذنوب والمعاصي؟! نعم، عباد الله، الذنوب والمعاصي لها شؤمها وآثارها، فكم أهلكت من أمَّةٍ، وكم قصمت من قرية: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) [الأنبياء:11]، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59].
فبالمعاصي تزول النِّعَم، ويحلُ الفقرْ، وتتوالى المحنُ والإحن، وتتداعى الفِتَن، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، ويقول سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذَّر من المعصية؛ لما لها من آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات، فقد روى الإمام أحمدُ -رحمه الله- عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشر كلماتٍ، وذكر منها: "إياكَ والمعصيةَ! فإن بالمعصية حلّ سخط الله -عز وجل-"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وإنَّ العبد لَيُحْرم الرزق بالذنب يصيبه" أخرجه أحمد وابن ماجة.
بسبب المعاصي تنتشر الأمراض الفتاكة، والآفات القاتلة، والحوادث المروعة، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].
المعاصي تُحيل النعمةَ نقمةً، والرحمةَ عذاباً، ألا ترون الأمطار تهجم أحياناً بفيضانات مهلكةٍ، وسيولٍ عارمةٍ، تدمّر القرى والمدن؛ فتذهب بكثير من الأرواح والمساكن، وتغير معالم الأرض، وتحدث شراً مستطيراً؟!.
حتى البهائم تئن من ويلات المعاصي ويدركها شؤمها، قال الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه-: إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم. وقال عكرمةُ -رضي الله عنه-: دوابُّ الأرضي وهوامها، حتى الخنافس والعقارب، يقولون: مُنِعْنَا القطر بذنوب بني آدم. وقال مجاهد -رحمه الله-: إن البهائم لَتلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدت السنة، وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية بني آدم.
إخوة الإسلام: مَنْ الذي لا يقع في المعصية والخطيئة؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ لَمْ تذنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ" أخرجه مسلم. وروى الترمذي وابن ماجه وأحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُل ابْنِ آَدَمَ خَطَاءٌ، وَخَيَرُ الخَطَائيِنْ التَوابُونْ".
وأَي نفس غيرَ نفوس الأنبياء -صلواتُ الله وسلامه عليهم- ترقى لمنزلةٍ لا تدركها كبوة، ولا تغلبها شهوة؟ إلا أنّ المذنبَ مع ذنبه ينبغي أن يكون ذليلاً خائفاً مشفقاً، يخشى على نفسه من شؤمِها، ويلتهب فؤاده ندماً وحسرةً، ويرفع يديه لمولاه تائباً مستغفراً، فهو ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135].
التوبةُ الصادقةُ تمحو الذنوب مهما عظمت، ومن ظن أن ذنباً لا يسعه عفو الله، فقد ظن بربه ظن السوء، نعم -إخوتي في الله-، باب التوبة مفتوح، مهما تعاظمت الذنوب، وتكاثرت المعاصي واستحكمت الغفلات، فلا قنوط من رحمة الله، ولا بعد عن الله، فالله -سبحانه- يبسط يده باللَّيل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمسُ من مغربها.
فهلمَّ – أخي المسلم – إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته، هلمَّ إلى التوبة قبل أن فوات الأوان، واذكر نداء ربك -جل في علاه-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].
وها أنتم -عباد الله- قد حضرتم إلى هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم، تشكون جدب دياركم، وتبوحون إليه بحاجاتكم، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتُقبلوا عليه بالتوبة والإنابة، وتتقربوا بصالح العمل لديه؛ فاستكينوا لربكم، وارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].
أريقوا ماء الأسف على أدران الذنوب تغسلها، أخْلِصُوا التوبة لله يقبلها، وأصلحوا الأعمال لله يضاعفها، وأَتْبِعُوا الحسنة السيئة تمحها، توجهوا إلى رحمة ارحم الراحمين، والجؤوا إلى فارج الكربات، ومجيب الدعوات، تضرعوا إليه، وارغبوا فيما عنده، وألِحُّوا في الطلب، واعزموا القصد، فإن ربنا جواد كريم، رؤوف رحيم، خزائنه ملآى، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمنِ الرحيم، ملِك يوم الدّين، لا إله إلاّ الله يفعل ما يرِيد، لا إلهَ إلا الله الوليّ الحميد، لا إله إلا الله غِياثُ المستغيثين، وراحِم المستضعفين، نستغفِر الله، نستغفِرُ الله، نستغفِر الله الذي لا إلهَ إلاّ هو الحيّ القيوم ونتوب إليه.
(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:286]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
إخوة الإسلام: مَنْ الذي لا يقع في المعصية والخطيئة؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ لَمْ تذنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ" أخرجه مسلم. وروى الترمذي وابن ماجه وأحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُل ابْنِ آَدَمَ خَطَاءٌ، وَخَيَرُ الخَطَائيِنْ التَوابُونْ".
وأَي نفس غيرَ نفوس الأنبياء -صلواتُ الله وسلامه عليهم- ترقى لمنزلةٍ لا تدركها كبوة، ولا تغلبها شهوة؟ إلا أنّ المذنبَ مع ذنبه ينبغي أن يكون ذليلاً خائفاً مشفقاً، يخشى على نفسه من شؤمِها، ويلتهب فؤاده ندماً وحسرةً، ويرفع يديه لمولاه تائباً مستغفراً، فهو ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135].
التوبةُ الصادقةُ تمحو الذنوب مهما عظمت، ومن ظن أن ذنباً لا يسعه عفو الله، فقد ظن بربه ظن السوء، نعم -إخوتي في الله-، باب التوبة مفتوح، مهما تعاظمت الذنوب، وتكاثرت المعاصي واستحكمت الغفلات، فلا قنوط من رحمة الله، ولا بعد عن الله، فالله -سبحانه- يبسط يده باللَّيل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمسُ من مغربها.
فهلمَّ – أخي المسلم – إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته، هلمَّ إلى التوبة قبل أن فوات الأوان، واذكر نداء ربك -جل في علاه-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].
وها أنتم -عباد الله- قد حضرتم إلى هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم، تشكون جدب دياركم، وتبوحون إليه بحاجاتكم، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتُقبلوا عليه بالتوبة والإنابة، وتتقربوا بصالح العمل لديه؛ فاستكينوا لربكم، وارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].
أريقوا ماء الأسف على أدران الذنوب تغسلها، أخْلِصُوا التوبة لله يقبلها، وأصلحوا الأعمال لله يضاعفها، وأَتْبِعُوا الحسنة السيئة تمحها، توجهوا إلى رحمة ارحم الراحمين، والجؤوا إلى فارج الكربات، ومجيب الدعوات، تضرعوا إليه، وارغبوا فيما عنده، وألِحُّوا في الطلب، واعزموا القصد، فإن ربنا جواد كريم، رؤوف رحيم، خزائنه ملآى، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمنِ الرحيم، ملِك يوم الدّين، لا إله إلاّ الله يفعل ما يرِيد، لا إلهَ إلا الله الوليّ الحميد، لا إله إلا الله غِياثُ المستغيثين، وراحِم المستضعفين، نستغفِر الله، نستغفِرُ الله، نستغفِر الله الذي لا إلهَ إلاّ هو الحيّ القيوم ونتوب إليه.
(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:286]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
[الأنبياء:87].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا!.
اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم لتحيي به البلاد، وتغيثَ به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد .
اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ.
اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت؛ اللهم وأدِرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم إناَ خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
اللهم اكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم ارحم الأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرتع، والشيوخ الركع، وارحم الخلائق أجمعين.
اللهم أرسل لنا سحاباً ثقالاً، وأنزل لنا مطراً مدراراً، وأخرج لنا حباً ونباتاً، وجناتٍ ألفافاً.
اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
هذا وصلّوا وسلِّموا على الرحمةِ المهداة، والنعمة المسداة، محمّدِ بن عبد الله، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال -جلّ من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد وعلى آلِه وصحبه أجمعين.
عبادَ الله: اقتَدوا بسنّةِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يقلِب رداءه حين يستسقي، وتفاؤلاً بقَلب حالِ الشّدّةِ إلى الرخاء، والقحط إلى الغيث، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابةِ، وألحوا في المسألة، وأكثروا من الاستغفار، عسى ربكم أن يرحمكم، فيغيثَ القلوب بالرجوع إليه، والبلدَ بإنزال الغيث عليه.
ربَّنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
المرفقات
الاستسقاء3
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا!.
اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم لتحيي به البلاد، وتغيثَ به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد .
اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ.
اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت؛ اللهم وأدِرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم إناَ خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
اللهم اكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم ارحم الأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرتع، والشيوخ الركع، وارحم الخلائق أجمعين.
اللهم أرسل لنا سحاباً ثقالاً، وأنزل لنا مطراً مدراراً، وأخرج لنا حباً ونباتاً، وجناتٍ ألفافاً.
اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
هذا وصلّوا وسلِّموا على الرحمةِ المهداة، والنعمة المسداة، محمّدِ بن عبد الله، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال -جلّ من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد وعلى آلِه وصحبه أجمعين.
عبادَ الله: اقتَدوا بسنّةِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يقلِب رداءه حين يستسقي، وتفاؤلاً بقَلب حالِ الشّدّةِ إلى الرخاء، والقحط إلى الغيث، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابةِ، وألحوا في المسألة، وأكثروا من الاستغفار، عسى ربكم أن يرحمكم، فيغيثَ القلوب بالرجوع إليه، والبلدَ بإنزال الغيث عليه.
ربَّنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
المرفقات
الاستسقاء3
خطبة عن الخوف من الله تعالى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
عباد الله، سنعيش وإياكم اليوم مع الخوف والخائفين من الله تعالى.
الخوف من الله من المقامات العليَّة، وهو من لوازم الإيمان؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، ﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ﴾ [البقرة: 150] ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، وقال صلى الله عليه وسلم: « أنا أعلمُكُم باللَّهِ وأخشاكم له ».
وكلما كان العبد أقرب إلى ربه، كان أشد له خشية ممن دونه، وقد وصف الله الملائكة بقوله: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل: 50]، والأنبياء بقوله: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].
الخوف من الله هو سمة المؤمنين، وآية المتقين، الخوف من الله طريقٌ للأمن في الآخرة، وسببٌ للسعادة في الدارين، الخوف من الله دليل على كمال الإيمان، وحُسْن الإسلام وصفاء القلب وطهارة النفس، إذا سكن الخوف من الله في القلب أحرق مواضع الشهوات فيه وطرد بهرج الدنيا عنه.
الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا والآخرة، وكل قلب ليس فيه خوف من الله، فهو قلبٌ خرب.
سنقف مع الخوف والخائفين لماذا؟ لأنَّ البيوت اتْخِمَت بالمعاصي وامتلأت العقول بالشبهات والنفوس بالشهوات.
تُسمع المعصية وقلَّ مَن ينكرها ويُؤكل الحرام وكأنه حلال، يجالس صاحب المعصية ويؤاكل ويشارب مرتكب الكبيرة دون إنكار.
نتكلم عن الخوف يوم أجدبت قلوب بعضنا منه واسودَّت، وأظلمت وقست وتحجَّرت، فهي كالحجارة أو أشد قسوة لم تَعد تهزها الموعظة أو تنفعها الذكرى إلا من رحم ربك، فالخوف من الله هو الوسيلة الأكيدة لاتِّعاظ الراقدين وتنبيه الغافلين، استخدمها الرسل أجمعون والدعاة الصادقون، ففتح الله على أيديهم قلوبًا غلفًا وأعينًا عميًا وآذانًا صُمًّا.
الخوف من الله هو الذي منع ابن آدم أن يقتل أخاه؛ قال تعالى: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28].
والله جل وعلا أمرنا بخوفه ومدح الخائفين في كتابه، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: «في هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله»؛ روى الإمام أحمد والترمذي رحمهما الله عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق وهو يخاف الله تعالى؟ قال: «لا يا بنة الصديق، ولكنه الذي يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يتقبل الله منه».
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله تعالى، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفُرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله»؛ [رواه أحمد والترمذي].
فأين القلوب الممتلئة بخوف الله وخشيته؟ أين القلوب التي ذلَّت لعزت الجبروت وخشعت لصاحب الملكوت؟
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
عباد الله، سنعيش وإياكم اليوم مع الخوف والخائفين من الله تعالى.
الخوف من الله من المقامات العليَّة، وهو من لوازم الإيمان؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، ﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ﴾ [البقرة: 150] ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، وقال صلى الله عليه وسلم: « أنا أعلمُكُم باللَّهِ وأخشاكم له ».
وكلما كان العبد أقرب إلى ربه، كان أشد له خشية ممن دونه، وقد وصف الله الملائكة بقوله: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل: 50]، والأنبياء بقوله: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].
الخوف من الله هو سمة المؤمنين، وآية المتقين، الخوف من الله طريقٌ للأمن في الآخرة، وسببٌ للسعادة في الدارين، الخوف من الله دليل على كمال الإيمان، وحُسْن الإسلام وصفاء القلب وطهارة النفس، إذا سكن الخوف من الله في القلب أحرق مواضع الشهوات فيه وطرد بهرج الدنيا عنه.
الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا والآخرة، وكل قلب ليس فيه خوف من الله، فهو قلبٌ خرب.
سنقف مع الخوف والخائفين لماذا؟ لأنَّ البيوت اتْخِمَت بالمعاصي وامتلأت العقول بالشبهات والنفوس بالشهوات.
تُسمع المعصية وقلَّ مَن ينكرها ويُؤكل الحرام وكأنه حلال، يجالس صاحب المعصية ويؤاكل ويشارب مرتكب الكبيرة دون إنكار.
نتكلم عن الخوف يوم أجدبت قلوب بعضنا منه واسودَّت، وأظلمت وقست وتحجَّرت، فهي كالحجارة أو أشد قسوة لم تَعد تهزها الموعظة أو تنفعها الذكرى إلا من رحم ربك، فالخوف من الله هو الوسيلة الأكيدة لاتِّعاظ الراقدين وتنبيه الغافلين، استخدمها الرسل أجمعون والدعاة الصادقون، ففتح الله على أيديهم قلوبًا غلفًا وأعينًا عميًا وآذانًا صُمًّا.
الخوف من الله هو الذي منع ابن آدم أن يقتل أخاه؛ قال تعالى: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28].
والله جل وعلا أمرنا بخوفه ومدح الخائفين في كتابه، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: «في هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله»؛ روى الإمام أحمد والترمذي رحمهما الله عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق وهو يخاف الله تعالى؟ قال: «لا يا بنة الصديق، ولكنه الذي يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يتقبل الله منه».
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله تعالى، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفُرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله»؛ [رواه أحمد والترمذي].
فأين القلوب الممتلئة بخوف الله وخشيته؟ أين القلوب التي ذلَّت لعزت الجبروت وخشعت لصاحب الملكوت؟
عباد الله، إن الله يريد لعباده أن يعرفوه ويخشوه ويخافوه، ولذلك نجد في القران الكريم كثيرًا من الآيات التي تصف لنا شدة عذاب الله، وقوة بطشه وسرعة أخذه، وأليم عقابه، وما أعد من العذاب والنكال للكفار، وذكر لنا النار وأحوالها وما فيها من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال، وهذه المواعظ لا يتعظ بها إلا الخائفون من ربهم والمشفقون من عقابه؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51].
وقال: ﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 16].
وبيَّن سبحانه أن ما يرسله من الآيات لتصديق الأنبياء كناقة صالح إنما يرسله من أجل التخويف: ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].
كذلك الآيات الكونية كالخسوف والكسوف وغيرها.
قال الله تعالى في البرق والرعد: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ﴾ [الرعد: 12].
عباد الله، الخوف من الله شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب، امتدت فروعها إلى الجوارح، فآتت أكلها بإذن ربها، وأثمرت عملًا صالحًا وقولًا حسنًا وسلوكًا قويمًا وفعلًا كريمًا، فتخشع الجوارح وينكسر الفؤاد، ويرق القلب وتزكو النفس وتجود العين.
إن للخوف من الله ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فالخوف من الله أولًا من أسباب التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة؛ لأنك إذا حصل لك الموعود وثقت أكثر؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم: 13، 14]، إذاً الخوف من الله يؤدي إلى التمكين في الأرض والانتصار على الأعداء.
والخوف من الله ثانيًا: يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه، وعدم طلب المقابل في الدنيا، فلا ينقص الأجر في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 9، 10].
وقال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36 - 37 ].
أي تضطرب وتتقلَّب، وهذا هو الذي دفعهم للعمل، يريدون النجاة ويحذرون الهلاك ويخافون أن يستلموا كُتُبهم بشمائلهم.
وأما في الآخرة، فأولًا: الخوف من الله يجعل الإنسان في ظل العرش يوم القيامة:
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة: «ورجلٌ طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه»، الخشية الموجبة لدمع العين تؤدي إلى أن النار لا تمس العين يوم القيامة.
ثانيًا: الخوف من الله من أسباب المغفرة:
جاء في البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنَّ رَجُلًا كانَ قَبْلَكُمْ، رَغَسَهُ اللَّهُ مالًا، فقالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أيَّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قالوا: خَيْرَ أبٍ، قالَ: فإنِّي لَمْ أعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فإذا مُتُّ فأحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي في يَومٍ عاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمعهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ، فقالَ: ما حَمَلَكَ؟ قالَ: مَخافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ برَحْمَتِهِ»، فعذره الله بجهله، وشفع له خوفه من ربه.
ثالثًا: الخوف من الله طريقًا إلى الجنة:
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة»؛ [رواه الترمذي وقال حديث حسن].
أي: الذي يخاف من إغارة العدو وقت السحر يسير من أول الليل، «أدلج» فبلغ المنزل والمأمن والمطلب، وهذا مثل ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة، فإن الشيطان على طريقه والنفس الأمارة بالسوء والأماني الكاذبة، وأعوان إبليس، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله، أمن من الشيطان وكيده، ومن قطع الطريق عليه، ومن فعل ذلك دخل الجنة، وهي سلعة الله الغالية التي من دخلها كان من الآمنين.
رابعًا: الخوف من الله يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة:
وقال: ﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 16].
وبيَّن سبحانه أن ما يرسله من الآيات لتصديق الأنبياء كناقة صالح إنما يرسله من أجل التخويف: ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].
كذلك الآيات الكونية كالخسوف والكسوف وغيرها.
قال الله تعالى في البرق والرعد: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ﴾ [الرعد: 12].
عباد الله، الخوف من الله شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب، امتدت فروعها إلى الجوارح، فآتت أكلها بإذن ربها، وأثمرت عملًا صالحًا وقولًا حسنًا وسلوكًا قويمًا وفعلًا كريمًا، فتخشع الجوارح وينكسر الفؤاد، ويرق القلب وتزكو النفس وتجود العين.
إن للخوف من الله ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فالخوف من الله أولًا من أسباب التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة؛ لأنك إذا حصل لك الموعود وثقت أكثر؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم: 13، 14]، إذاً الخوف من الله يؤدي إلى التمكين في الأرض والانتصار على الأعداء.
والخوف من الله ثانيًا: يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه، وعدم طلب المقابل في الدنيا، فلا ينقص الأجر في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 9، 10].
وقال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36 - 37 ].
أي تضطرب وتتقلَّب، وهذا هو الذي دفعهم للعمل، يريدون النجاة ويحذرون الهلاك ويخافون أن يستلموا كُتُبهم بشمائلهم.
وأما في الآخرة، فأولًا: الخوف من الله يجعل الإنسان في ظل العرش يوم القيامة:
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة: «ورجلٌ طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه»، الخشية الموجبة لدمع العين تؤدي إلى أن النار لا تمس العين يوم القيامة.
ثانيًا: الخوف من الله من أسباب المغفرة:
جاء في البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنَّ رَجُلًا كانَ قَبْلَكُمْ، رَغَسَهُ اللَّهُ مالًا، فقالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أيَّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قالوا: خَيْرَ أبٍ، قالَ: فإنِّي لَمْ أعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فإذا مُتُّ فأحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي في يَومٍ عاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمعهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ، فقالَ: ما حَمَلَكَ؟ قالَ: مَخافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ برَحْمَتِهِ»، فعذره الله بجهله، وشفع له خوفه من ربه.
ثالثًا: الخوف من الله طريقًا إلى الجنة:
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة»؛ [رواه الترمذي وقال حديث حسن].
أي: الذي يخاف من إغارة العدو وقت السحر يسير من أول الليل، «أدلج» فبلغ المنزل والمأمن والمطلب، وهذا مثل ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة، فإن الشيطان على طريقه والنفس الأمارة بالسوء والأماني الكاذبة، وأعوان إبليس، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله، أمن من الشيطان وكيده، ومن قطع الطريق عليه، ومن فعل ذلك دخل الجنة، وهي سلعة الله الغالية التي من دخلها كان من الآمنين.
رابعًا: الخوف من الله يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة:
قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: «وعزتي وجلالي، وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة»؛ [رواه ابن حبان في صحيحه].
خامسًا: الخوف سبب للنجاة من كل سوء:
قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ منجيات: منها خشية الله تعالى في السر والعلانية»؛ [صحيح الترغيب عن أنس].
فهذه الخشية هي التي تحفظ العبد وتنجيه من كل سوء.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيءٍ عليم، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعدُ:
فيا أيها المسلمون، اسمعوا إلى أحوال الخائفين:
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبــــه بالكـرام فــلاح
سيد الخائفين من الله هو محمد صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وعلى ذلك مشى كبار الصحابة في خوفهم من الله تعالى، وكذلك من جاء بعدهم من السلف الصالح، فهذا منصور بن المعتمر كان كثير الخوف والوجل كثير البكاء من خشية الله؛ قال عنه زائدة بن قدامة: إذا رأيته قلت: هذا رجل أُصيب بمصيبة، ولقد قالت له أمُّه: ما هذا الذي تصنع بنفسك تبكي عامة الليل، لا تكاد أن تسكت لعلك يا بني أصبت نفسًا، أو قتلت قتيلًا؟ فقال: يا أمه، أنا أعلم بما صنعت نفسي.
أيها الإخوة، هل من مُشمر؟ هل من خائف؟ هل من سائر إلى الله؟ بعد هذا الذي سمعناه أرجو أن نكون مثل سلفنا علمًا وعملًا خوفًا ورجاءً ومحبةً، فإن فعلنا ذلك كنا صادقين وكنا نحن المشمرين إن شاء الله.
عباد الله، أخبر الحق سبحانه عن حال الخائفين وقد أصبحوا في الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا: ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 25 - 27].
الخائفون هم أهل القلوب الوجلة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].
الخائفون هم أهل الخشية؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ ﴾ [الزمر: 23].
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله، تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجرة ورقها»؛ [رواه الطبراني].
الخائفون هم أهل البكاء: قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: ما النجاة يا رسول الله؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك».
وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن من بكى من خشية الله، فإن الله يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فقال: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»، بل حرم الله النار على من بكى من خشيته؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع»؛ رواه الترمذي، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله»؛ [كلا الحديثين صحيح].
فيا من تخاف الله تعالى، تذكَّر قبل أن تعصي الله أن الله سبحانه يراك ويعلم ما تخفي وما تعلن، فانه «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور».
تذكر قبل أن تعصي الله أن الملائكة تحصي عليك جميع أقوالك وأعمالك وتكتبها في صحيفتك، ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
تذكر قبل أن تعصي الله لحظة الموت وخروج روحك، وهي تُجذب جذبًا شديدًا حينها تتمنى أن تتوب إلى الله وتصلي وتقرأ القرآن: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة: 26 - 30].
تذكر قبل أن تعصي القبر وعذابه وظُلمته، فهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فهناك لا أبٌ شفيق ولا أمٌّ ترحم.
تذكر قبل أن تعصي الله يوم يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، تذكر قبل أن تعصي الله يوم تتطاير الصحف، فآخذٌ كتابه بيمينه وآخذٌ كتابه بشماله.
تذكر قبل أن تعصي الله يوم تدنو الشمس من الرؤوس قدر ميل، ويعرق الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا، والعياذ بالله.
تذكر قبل أن تعصي الله وقوفك بين يدي الله تعالى وليس بينك وبينه حجاب أو ترجمان، فيُذكِّرك بكل ذنب عملته.
خامسًا: الخوف سبب للنجاة من كل سوء:
قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ منجيات: منها خشية الله تعالى في السر والعلانية»؛ [صحيح الترغيب عن أنس].
فهذه الخشية هي التي تحفظ العبد وتنجيه من كل سوء.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيءٍ عليم، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعدُ:
فيا أيها المسلمون، اسمعوا إلى أحوال الخائفين:
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبــــه بالكـرام فــلاح
سيد الخائفين من الله هو محمد صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وعلى ذلك مشى كبار الصحابة في خوفهم من الله تعالى، وكذلك من جاء بعدهم من السلف الصالح، فهذا منصور بن المعتمر كان كثير الخوف والوجل كثير البكاء من خشية الله؛ قال عنه زائدة بن قدامة: إذا رأيته قلت: هذا رجل أُصيب بمصيبة، ولقد قالت له أمُّه: ما هذا الذي تصنع بنفسك تبكي عامة الليل، لا تكاد أن تسكت لعلك يا بني أصبت نفسًا، أو قتلت قتيلًا؟ فقال: يا أمه، أنا أعلم بما صنعت نفسي.
أيها الإخوة، هل من مُشمر؟ هل من خائف؟ هل من سائر إلى الله؟ بعد هذا الذي سمعناه أرجو أن نكون مثل سلفنا علمًا وعملًا خوفًا ورجاءً ومحبةً، فإن فعلنا ذلك كنا صادقين وكنا نحن المشمرين إن شاء الله.
عباد الله، أخبر الحق سبحانه عن حال الخائفين وقد أصبحوا في الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا: ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 25 - 27].
الخائفون هم أهل القلوب الوجلة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].
الخائفون هم أهل الخشية؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ ﴾ [الزمر: 23].
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله، تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجرة ورقها»؛ [رواه الطبراني].
الخائفون هم أهل البكاء: قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: ما النجاة يا رسول الله؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك».
وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن من بكى من خشية الله، فإن الله يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فقال: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»، بل حرم الله النار على من بكى من خشيته؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع»؛ رواه الترمذي، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله»؛ [كلا الحديثين صحيح].
فيا من تخاف الله تعالى، تذكَّر قبل أن تعصي الله أن الله سبحانه يراك ويعلم ما تخفي وما تعلن، فانه «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور».
تذكر قبل أن تعصي الله أن الملائكة تحصي عليك جميع أقوالك وأعمالك وتكتبها في صحيفتك، ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
تذكر قبل أن تعصي الله لحظة الموت وخروج روحك، وهي تُجذب جذبًا شديدًا حينها تتمنى أن تتوب إلى الله وتصلي وتقرأ القرآن: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة: 26 - 30].
تذكر قبل أن تعصي القبر وعذابه وظُلمته، فهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فهناك لا أبٌ شفيق ولا أمٌّ ترحم.
تذكر قبل أن تعصي الله يوم يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، تذكر قبل أن تعصي الله يوم تتطاير الصحف، فآخذٌ كتابه بيمينه وآخذٌ كتابه بشماله.
تذكر قبل أن تعصي الله يوم تدنو الشمس من الرؤوس قدر ميل، ويعرق الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا، والعياذ بالله.
تذكر قبل أن تعصي الله وقوفك بين يدي الله تعالى وليس بينك وبينه حجاب أو ترجمان، فيُذكِّرك بكل ذنب عملته.
تذكر قبل أن تعصي الله أن الذنوب تؤدي إلى قلة التوفيق وحرمان العلم والرزق، وضيق الصدر وقصر العمر، وموت الفجأة، وذهاب الحياء والغيرة، وأعظم عقوباتها أنها تورث القطيعة بين العبد وربه، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير، واتصلت به أسباب الشر.
أسأل الله جل وعلا أن يقوي إيماننا، وأن يرفع درجاتنا، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، هذا وصلوا وسلموا على المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله، فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرًا.
أسأل الله جل وعلا أن يقوي إيماننا، وأن يرفع درجاتنا، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، هذا وصلوا وسلموا على المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله، فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرًا.
الصلاة وآثارها - ملتقى الخطباء
عناصر الخطبة
1/ قيمة الصلاة وحاجة الإنسان لها 2/ حال الناس إزاء الصلاة وأثر ذلك 3/ الدور الشامل للمسجد في المجتمع 4/ دعوة لمحاسبة أنفسنا بالنظر لأحوالنا في الصلاة 5/ أمور تقلل من أجر الصلاة أو تبطلها 6/ الآثار الطيبة للصلاة الخاشعة على الفرد والمجتمع
اقتباس
إنَّ أُمَّةً لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه وحده، لَعاجزةٌ أنْ تقف ثابتة في مواقف الخيرِ والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده، فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله، أصلح الله -عز وجل- ما بيننا وبين الناس؛ فأثمرت الصلاة -ولا سيما صلاة الجماعة- من معاني الأُخوَّة والمحبة الشيء الكثير، وكم يجسد وقوف المصلين كالبناء المرصوص من معاني الخوف والرهبة في قلوب الأعداء!.
الحمد لله أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر والإثم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الصلاة على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه، جُعلَتْ قرة عينه في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أيها المسلمون: الإنسان في خضم معترك الحياة ومكافحة هموم القلق والضجر، والضيق والكدر، يحتاج حاجة ملحة إلى ما ينفس عن مشاعره، ويفرج عن لأوائه ومصائبه، ويبعث في نفسه وقلبه الطمأنية والراحة، فمهما كد وجدَّ فلن يجد ملاذاً غير الله يدعوه، ويأنس به ويرجوه، ويلوذ بحماه، ويعبده، ويلقي بهمومه ويشكو أمره وحوائجه إليه، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وهو وحده الذي يُفر منه إليه.
ألا إن أعظم العبادات التي تحقق هذا كله: الصلاة، وكم نحن بحاجة على الدوام أن نتذاكر قيمة الصلاة وقدرها وبرها، وأثرها وأسباب قبولها، والمعوقات دون إقامتها وإتمامها، ولماذا خف أثرها في حياتنا؟.
عباد الله: الصلاة سيما الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قال جل ثناؤه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ) [الأنبياء:73]، وبها وصى الأنبياء ووصى الحكماء، قال تعالى: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم:31]، وقال تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) [لقمان:17]، وقال -سبحانه-: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55].
وهي كذلك قرينة الإيمان، وعلامة المؤمنين قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]، وبها يعرف قدر الرجال، قال -تعالى-: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ..) [النور:37].
إنها عهد وميثاق وفرض في كتاب الله، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة". وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر، قال -عز وجل-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ) [العنكبوت:45]، وبها عون واستعانة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) [البقرة:153].
أيها الناس: والصلاة ميراث للتقى أو الفجور، وكاشفة للإيمان أو النفاق، وهي لوحة كاشفة لتفاوت الإرادات والهمم، إنه لا يتكرر في الإسلام مثلها في الليل والنهارن وفي اليقظة وبعد المنام، في الشتاء والصيف، وفي السفر والحضر، والسلم والحرب، والصحة والمرض، وعلى الغني والفقير، والصغير والكبير، والذكر والأنثىن والحر والعبد؛ ومن هنا كانت ميزاناً للإيمان المستمر، والإرادة المتجددة، والهمة العالية.
إن نفراً من المسلمين علت هِممُهم فكانت الصلاة هَمّهم، وتعلقت في المساجد قلوبهم فلا يفقدون في وقت، ولا يتأخرون عن الجماعة، وإذا ما فقدوا علم إخوانهم أنهم مسافرون أو مرضى، إذا حضرتهم الصلاة كان الخشوع وكانت السكينة، وإذا خرجوا من المسجد كان الصدق وحسن الخلق وكان العفاف والتقى آثاراً خلفتها الصلاة فيهم بسبب صدقهم مع الله، وحسن تعاملهم مع خلق الله، أولئك أصحاب القدح المعلى، وأولئك أهل الصلاة حقاً، وأولئك هم المفلحون، وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ونفر آخرون يصلون حيناً وينقطعون حيناً تراهم يفترون في حال قيامهم ولكن كثيراً ما يتخلفون عن القضاء إذا ناموا، ونقر الغراب سنة تكاد تكون بارزة فيهم يغيب عنهم الخشوع حال الصلاة ويضعف أثر الصلاة في حياتهم وبالتعامل مع إخوانهم خارج الصلاة، أتلك هي الصلاة التي أمر بها المسلمون؟ أفهكذا تؤدى؟ أفهكذا يؤدى الركن الثاني من أركان الإسلام؟ أما علم أولئك أن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته؟ أما يخشى أولئك المفرطون في شأن الصلاة والساهون عنها أن يكونوا ممن قال الله -عز وجل- فيهم: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ
عناصر الخطبة
1/ قيمة الصلاة وحاجة الإنسان لها 2/ حال الناس إزاء الصلاة وأثر ذلك 3/ الدور الشامل للمسجد في المجتمع 4/ دعوة لمحاسبة أنفسنا بالنظر لأحوالنا في الصلاة 5/ أمور تقلل من أجر الصلاة أو تبطلها 6/ الآثار الطيبة للصلاة الخاشعة على الفرد والمجتمع
اقتباس
إنَّ أُمَّةً لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه وحده، لَعاجزةٌ أنْ تقف ثابتة في مواقف الخيرِ والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده، فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله، أصلح الله -عز وجل- ما بيننا وبين الناس؛ فأثمرت الصلاة -ولا سيما صلاة الجماعة- من معاني الأُخوَّة والمحبة الشيء الكثير، وكم يجسد وقوف المصلين كالبناء المرصوص من معاني الخوف والرهبة في قلوب الأعداء!.
الحمد لله أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر والإثم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الصلاة على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه، جُعلَتْ قرة عينه في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أيها المسلمون: الإنسان في خضم معترك الحياة ومكافحة هموم القلق والضجر، والضيق والكدر، يحتاج حاجة ملحة إلى ما ينفس عن مشاعره، ويفرج عن لأوائه ومصائبه، ويبعث في نفسه وقلبه الطمأنية والراحة، فمهما كد وجدَّ فلن يجد ملاذاً غير الله يدعوه، ويأنس به ويرجوه، ويلوذ بحماه، ويعبده، ويلقي بهمومه ويشكو أمره وحوائجه إليه، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وهو وحده الذي يُفر منه إليه.
ألا إن أعظم العبادات التي تحقق هذا كله: الصلاة، وكم نحن بحاجة على الدوام أن نتذاكر قيمة الصلاة وقدرها وبرها، وأثرها وأسباب قبولها، والمعوقات دون إقامتها وإتمامها، ولماذا خف أثرها في حياتنا؟.
عباد الله: الصلاة سيما الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قال جل ثناؤه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ) [الأنبياء:73]، وبها وصى الأنبياء ووصى الحكماء، قال تعالى: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم:31]، وقال تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) [لقمان:17]، وقال -سبحانه-: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55].
وهي كذلك قرينة الإيمان، وعلامة المؤمنين قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]، وبها يعرف قدر الرجال، قال -تعالى-: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ..) [النور:37].
إنها عهد وميثاق وفرض في كتاب الله، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة". وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر، قال -عز وجل-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ) [العنكبوت:45]، وبها عون واستعانة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) [البقرة:153].
أيها الناس: والصلاة ميراث للتقى أو الفجور، وكاشفة للإيمان أو النفاق، وهي لوحة كاشفة لتفاوت الإرادات والهمم، إنه لا يتكرر في الإسلام مثلها في الليل والنهارن وفي اليقظة وبعد المنام، في الشتاء والصيف، وفي السفر والحضر، والسلم والحرب، والصحة والمرض، وعلى الغني والفقير، والصغير والكبير، والذكر والأنثىن والحر والعبد؛ ومن هنا كانت ميزاناً للإيمان المستمر، والإرادة المتجددة، والهمة العالية.
إن نفراً من المسلمين علت هِممُهم فكانت الصلاة هَمّهم، وتعلقت في المساجد قلوبهم فلا يفقدون في وقت، ولا يتأخرون عن الجماعة، وإذا ما فقدوا علم إخوانهم أنهم مسافرون أو مرضى، إذا حضرتهم الصلاة كان الخشوع وكانت السكينة، وإذا خرجوا من المسجد كان الصدق وحسن الخلق وكان العفاف والتقى آثاراً خلفتها الصلاة فيهم بسبب صدقهم مع الله، وحسن تعاملهم مع خلق الله، أولئك أصحاب القدح المعلى، وأولئك أهل الصلاة حقاً، وأولئك هم المفلحون، وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ونفر آخرون يصلون حيناً وينقطعون حيناً تراهم يفترون في حال قيامهم ولكن كثيراً ما يتخلفون عن القضاء إذا ناموا، ونقر الغراب سنة تكاد تكون بارزة فيهم يغيب عنهم الخشوع حال الصلاة ويضعف أثر الصلاة في حياتهم وبالتعامل مع إخوانهم خارج الصلاة، أتلك هي الصلاة التي أمر بها المسلمون؟ أفهكذا تؤدى؟ أفهكذا يؤدى الركن الثاني من أركان الإسلام؟ أما علم أولئك أن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته؟ أما يخشى أولئك المفرطون في شأن الصلاة والساهون عنها أن يكونوا ممن قال الله -عز وجل- فيهم: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ