Telegram Web Link
💢 مُلَخَّص أحكام صلاة العيدين في زمن كورونا 💢

💢 س1: حُكم صلاة العيدين (الفِطر والأضحى)؟
ج1: اختلف العلماء في حكمها، فمنهم من قال: سنة مؤكدة، أو فرض كفاية، أو واجبة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني رحمهما الله .

💢 س2: هل تجوز صلاة العيد في البيت بسبب فيروس كورونا؟
ج2: نعم تجوز صلاة العيد إذا تعذَّرت إقامتُها لمانعٍ، كما في هذه الأيام، فحكمُها هو حكمُ مَن فاتته هذه الصَّلاة.

💢 س3: كم عدد الركعات لصلاة العيد في البيت؟
ج3: ركعتان فقط.

💢 س4: هل يوجد خطبة للصلاة؟
ج4: لا يوجد خطبة لصلاة العيد بالبيت.

💢 س5: كم عدد التكبيرات لصلاة العيد؟
ج5: إذا صلى المسلم صلاة العيد منفردًا أو جماعة بأهله في بيته، فإنه يصليها ركعتين وبالتكبيرات الزوائد، عدد التكبيرات في الركعة الأولى يكون سبعاً مع تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام.

💢 س6: حكم رفع اليدين في التكبير؟
ج6: فيهِ خلافٌ بين أهلِ العلمِ؛ فمنهم مَن يرى عدم رفعِ يديه، ومنهم من يرى رفعَ اليدين مع كُلّ تكبيرة، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، ورواية عن الإمام مالك، وقال بذلك من المُعاصرين: ابن باز، وابن عثيمين.

💢 س7: ما هو وقت صلاة العيد؟
ج7: وقت صلاة العيد يبدأ من بعد شروق الشمس بـــــ 20 دقيقة ويمتد إلى قبيل أذان الظهر 20 دقيقة، فإن دخل وقت الظهر فلا تصلى.

💢 س8: حكم رفع صوت المأمومين خلف الإمام بالتكبيرات؟
ج8: رفعُ الصَّوتِ للمأمومين خلف الإمام بالتَّكبيراتِ لا دليل عليه، فالسنَّةُ الإسرارُ بالتَّكبيرِ، سواءٌ المأمومُ والمنفرد، وأدنى الإسرارِ أنْ يُسمِعَ نفسَه .

💢 س9: ما آداب يوم العيد إذا صلينا في البيت بسبب فيروس كورونا؟
ج9 : 1- التجمل [ لبس أحسن الثياب – الاغتسال والتطيب ].
2- أكل تمرات قبل الصلاة.

💢 س10: ماذا نقرأ في صلاة العيدين؟
ج10: نقرأ في العيدين بـ: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، وتكون القراءة جهراً.
ومن لم يحفظهما وصلى بغيرهما جاز.

💢 س11: هل يوجد صلاة قبل صلاة العيد وبعده
ج11: لا، عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: "خرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيدٍ فصلَّى ركعتين - أي: ركعتي العيد -، لَم يصَلِّ قبلهما ولا بعدهما".

💢 س12: متى يبدأ التكبير في العيدين؟ ومتى ينتهي؟
ج12: من غروبِ شمسِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضانَ، أو مِنْ فجرِ يوم العيدِ، الأمر فيه سعة، وينتهي التكبير في عيد الفطر مع خروج الإمام للصلاة، أما في حالة الصلاة في البيت فينتهي التكبير مع بداية الصلاة، وأمَّا بالنِّسبةِ لعيد الأضحى يكون التكبير مِن صُبْحِ يوم عرفةَ إلى آخِرِ أيَّامِ مِنًى، يعني من بعد صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر ثالث أيام التشريق. (يعني إلى رابع أيام عيد الأضحى).
وفي عيد الأضحى هناك تكبيران: (مطلق) في أي وقت خلال المدة المذكورة، و(مقيد) خلف الصلوات الخمس.

💢 س13: ما صيغ التكبير ؟
ج13: "الله أكبَرُ، الله أكبَر، لا إله إلا اللهُ، والله أكبَرُ الله أكبرُ، ولله الحمدُ، والأمر فيه سعة.


💢 نسأل الله أن نكون في عيد الأضحى بصحة وعافية ونصلي في مساجدنا 💢
*هاااااااااااام جداً*

*القول الصحيح في مقتل الحسين رضي الله عنه والموقف الشرعي منه*.

يكتبها: عارف بن أحمد الصبري.
عضو هيئة علماء اليمن.

تنويهٌ لا بد منه:
_إن بيان الحق في مقتل الحسين رضي الله عنه، والموقف الشرعي منه من الواجبات التي لا يجوز تأخيرها بسبب ما تلبس بمقتله من عقائد ضالة، وانحرافات وخرافات، وشركيات، وتشويه للإسلام، وفتنٍ واقتتال واستحلالٍ للدماء والأعراض والأموال.
وقياماً بالواجب الشرعي كتبت هذا المقال معتمداً على نقل الثقات من أهل العلم والورع، وقد سألت ربي أن يهديني لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأن يكتب لهذا العمل القبول، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.

_راجياً من الجميع التعاون في نشر هذه الرسالة بقدر الإمكان، براءةً للذمة، وقياماً بالواجب الشرعي، وبياناً للحق، وصيانةً لدين المسلمين وعقيدتهم.
وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا جميعاً.

مسألة:
_الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم. السبط: أي ابن البنت
_أبوهما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم.
_أمهما فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
_سيدا شباب أهل الجنة.
_صحابيان جليلان من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مسألة:
ولد الحسن بن علي في المدينة المنورة في 15 رمضان سنة 3 للهجرة.
ومات في المدينة المنورة سنة إحدى وخمسين للهجرة، ودفن في البقيع.

_ولد الحسين في المدينة المنورة، في 3 شعبان سنة 4 للهجرة
وقتل يوم الجمعة في العاشر من محرم سنة إحدى وستين للهجرة، في كربلاء بالعراق ودفن جسده فيها واختلف في الموضع الذي دفن فيه رأسه.

مسألة:
قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم الجمعة، وهو خارج لصلاة الفجر ، قتله الخارجي الخبيث عبد الرحمن بن ملجم، سنة أربعين للهجرة.

مسألة:
تولى الحسن بن علي بن أبي طالب الخلافة بعد مقتل أبيه، لمدة ستة أشهر.

مسألة:
حصل الصلح بين المسلمين عام الجماعة، وعقد هذا الصلح أمير المؤمنين الحسن بن علي، وتنازل عن الإمامة طواعية لأمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان.
واعتبر الصحابة هذا الصلح من فضائل أمير المؤمنين الحسن رضي الله عنه، وقد بشّر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (إن ابني هذا سيّد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وفرح المسلمون بذلك وسموا ذلك العام (بعام الجماعة) واجتمعت كلمة المسلمين على معاوية وحقنت الدماء وزالت الفتنة.

مسألة:
كان الحسين بن علي من شهود هذا الصلح، ورضي به فبايع بالإمامة لمعاوية كما بايعه المسلمون، واجتمع المسلمون جميعاً على بيعة معاوية بن أبي سفيان.
بعد الصلح خرج الحسن والحسين من الكوفة ورجعا مع أهلهما إلى المدينة المنورة واستقرا فيها.

مسألة:
مكث معاوية بن أبي سفيان عشرين سنة خليفةً للمسلمين حتى عام ستين للهجرة.
كان معاوية من أمناء الوحي وكتّابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أصحابه الذين غزوا معه، وشهدوا غزواته، ومن الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الحلماء الكرماء الذين يضرب بهم المثل، ومن الذين نفع الله بهم هذه الأمة.

مسألة:
قد كان بعض الناس زينوا لمعاوية مبايعة ابنه يزيد، ولكن يزيداً لم يكن على مستوى معاوية ولا قريباً من ذلك، ولم يكن من أهل الحلم والورع والسيادة في المسلمين.

مسألة:
لما بويع ليزيد بعد وفاة أبيه استنكر عدد من الصحابة بيعته، ولم يرضوا بها: منهم الحسين بن علي، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، والمسور بن مخرمة، وخلائق من الصحابة.
_امتنع الحسين عن بيعة يزيد وخرج من المدينة وذهب إلى مكة، ومكث فيها أشهراً.

مسألة:
بعد مبايعة يزيد سارع زعماء الكوفة من أنصار الحسين بالكتابة إليه يدعونه للقدوم عليهم ليبايعوه، فجاءت العدد من الكتب من العراق إلى الحسين أنهم يبايعونه، ويناشدونه أن يأتي إليهم، فلما كثر عليه ذلك أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة، فاجتمع أهل الكوفة فبايع لمسلم ثمانية عشر ألفاً ببيعة الحسين، ثم أرسل مسلم إلى الحسين يطلب منه القدوم إلى الكوفة.

مسألة:
كان أمير الكوفة الصحابي الجليل النعمان بن بشير بن سعيد الأنصاري رضي الله عنه، فعلم ببيعة أهل الكوفة للحسين، فقال النعمان إني لا أرفع سيفاً على مسلمٍ حتى يبدأني بالقتال.

مسألة:
علم أنصار يزيد بموقف النعمان والي يزيد على الكوفة فوشوا به إلى يزيد، فعزله يزيد وولى عليها عبيد الله بن زياد، وكان واليه على البصرة، وطلب منه أن يمنع الحسين من ولاية العراق،
فجاء ابن زياد إلى الكوفة فوجد الناس قد بايعوا لمسلم بن عقيل ببيعة الحسين.

مسألة:
كتب مسلم بن عقيل إلى الحسين يستقدمه إلى الكوفة، فلما أراد الحسين الذهاب إلى الكوفة اعترضه عبد الله بن عباس فناشده ألا يذهب، فلم يسمع له الحسين، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فوافق ابن عباس في الرأي، ثم دعا عبد الله بن عمر فوافقهما في الرأ
ي، فقال للحسين: أنشدك الله لا تذهب إليهم فقد خانوا أباك وأخاك وأنهم أهل غدرٍ، ولا يصدقون فيما يقولون، ثم جاء محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب وهو أخو الحسين، فناشده ألا يذهب إلى أهل العراق، فلما رأى منه الجدّ وأنه ذاهب لا محالة سأله أن يترك أهل بيته ونساءه عنده في مكة فإنه يخاف عليهم غدرهم.
ثم جاء عبد الله بن الزبير فقال للحسين: (أين تذهب إلى قومٍ قتلوا أباك وطعنوا أخاك... استودعتك الله من قتيل، فوالله إني أرى أهل العراق سيغدرون بك)، فلم يسمع الحسين منهم، فكان ذلك قدراً قدّره الله سبحانه، وكان قدر الله مفعولاً.

مسألة:
ذهب عبيد الله بن زياد إلى الكوفة بعد أن ولاه يزيد عليها، وكلفه بمنع ولاية الحسين على العراق، وسأل أهل الكوفة أن يأتوه بمسلم بن عقيل حيّاً أو ميتاً ورصد لمن أتاه به مالاً جزيلاً، وهدد وتوعد الذين بايعوا للحسين.
فنكث أهل الكوفة وتفرق الناس عن مسلم بن عقيل فبقي وحده، واختفى في بيت امرأة، حتى حوصر فيه حتى قتل.

مسألة:
خرج الحسين رضي الله عنه إلى العراق فلما كان في الطريق وصل إليه خبر مقتل مسلم بن عقيل، ففكر بالرجوع، لكن كثيراً ممن كانوا معه تحمسوا للأخد بثأر مسلم بن عقيل.
وقد لقي الفرزدق الشاعر المعروف الحسين فقال له: (إن أهل الكوفة لا يؤتمنون، وإن قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية).
تريث الحسين في مكان فسأل عنه فقالوا: كربلاء، فلم يعجبه هذا الاسم فقال: كربٌ وبلاء.
وهناك في كربلاء وصل جيش الكوفة ومنهم الذين بايعوا للحسين بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، فحاصروا الحسين، وأرادوا أخذ الحسين أسيراً ومن معه والذهاب به إلى عبيد الله بن زياد والي الكوفة، فرفض الحسين ذلك.
ثم قال الحسين لعمر بن سعد أمير الجيش خذ مني ثلاث خصال:
إما تتركني أرجع إلى مكة، وإما أن تتركني أذهب إلى يزيد بن معاوية فيرى أمره فيّ، أو تتركني أذهب إلى الثغور أجاهد حتى يأتيني الموت.
لم يقبل أمير الجيش عمر بن سعد من الحسين، وأصرّ على أخذه أسيراً إلى عبيد الله بن زياد، فحاصروه، وقاتلوه، وقتلوه، وقتلوا عدداً من أهل بيته الذي كانوا معه.
_وقد كان الحسين يقاتل أهل الكوفة ويقول: (هؤلاء زعموا أنهم شيعتنا ولكنهم قد خانونا).

مسألة:
قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: (قد صحّ إسلام يزيد بن معاوية، وما صحّ قتله الحسين ولا أمر به ولا رضيه، ولا كان حاضراً حين قتل، ولا يصح ذلك منه، ولا يجوز ذلك به، فإن إساءة الظن بالمسلم حرام).
_وقال ابن الصلاح: (لم يصح عندنا أن يزيد أمر بقتل الحسين رضي الله عنه، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك).
_ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره... ولم يَسْبِ لهم حريماً، بل أكرم أهل بيته وأجارهم حتى ردهم إلى بلادهم).

مسألة:
قال ابن تيمية: (يزيد عند علماء المسلمين ملك من الملوك لا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله ولا يسبونه).
_ويقول ابن كثير: (وقد أورد ابن عساكر أحاديث في ذم يزيد بن معاوية كلها موضوعة لا يصح منها شيء).
_طعن الرافضة في يزيد غير مستغرب فقد سبّوا من أجمعت الأمة على فضلهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضوان الله عليهم.

مسألة:
كانت هذه الكارثة لها أثر بالغ على نفوس المسلمين
_فأهل السنة وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا هذه الواقعة، ولم يكونوا يرضون أن يذهب الحسين إلى العراق، وأسفوا عليه وحزنوا حزناً شديداً.
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بعد مقتل الحسين يقول: (غلبنا الحسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرةً، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير).
_وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له إتقِ الله في نفسك والزم بيتك ولا تخرج على إمامك).
_وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (كلمت حسيناً فقلت له: إتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فوالله ما حمدتم ما صنعتم، فعصاني).
_وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحسين رضي الله عنه قائلاً له: (أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفق عليك).
_نقل سعيد بن المسيب عن الذهبي أنه قال: لو أن الحسين لم يخرج لكان خيراً له).
_المسور بن مخرمة رضي الله عنه كتب إلى الحسين بأن لا يغتر بكتب أهل العراق ونصحه بأن لا يبرح الحرم).
_أما مسلم بن عقيل مبعوث الحسين إلى أهل الكوفة لمّا تفرق عنه أهل الكوفة وخذلوه بعث برسالة إلى الحسين فيها: (ارجع بأهلك، ولا يغرنك أهل الكوفة، فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي).

مسألة:
ما ترتب على موقف الحسين رضي الله عنه من مآسٍ يدل على صواب موقف ا
لصحابة الذين عارضوا ذهاب الحسين إلى العراق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن خروج الحسين: (ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين، ولا مصلحة دنيا، بل تمكّن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتلوه مظلوماً شهيداً، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سبباً لشر عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن، كما كان قتل عثمان مما أوجب الفتن).

مسألة:
الحسين قتل مظلوماً شهيداً؛ يقول ابن تيمية: (لما بلغ الحسين مقتل مسلم بن عقيل، فأراد الرجوع، فوافته سرية عمر بن سعد وطلبوا منه أن يستأسر لهم فأبى، وطلب أن يردوه إلى يزيد ابن عمه حتى يضع يده في يده، أو يرجع من حيث جاء، أو يلحق ببعض الثغور، فامتنعوا من إجابته إلى ذلك بغياً وظلماً وعدواناً).
ويقول ابن تيمية في موضع آخر: (الحسين لم يقتل حتى أقام الحجة على من قتله، وطلب أن يذهب إلى الثغر وهذا لو طلبه آحاد الناس لوجب إجابته، فكيف لا يجب إجابة الحسين إلى ذلك وهو يطلب الكف والإمساك..... وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بقتال المفارق للجماعة لم تتناول الحسين، فإنه رضي الله عنه لم يفرق الجماعة ولم يُقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده، أو إلى الثغر، أو إلى يزيد داخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة، ولو كان طالباً ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك، فكيف لا تجب إجابة الحسين إلى ذلك؟ ولو كان الطالب لهذه الأمور من هو دون الحسين، لم يجز حبسه ولا إمساكه فضلاً عن أسره وقتله).

مسألة:
قتل الحسين من كبائر الذنوب:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (قتل الحسين من أعظم الذنوب، وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله، لكن قتله ليس بأعظم من قتل من هو أفضل منه من النبيين والسابقين الأولين، ومن قُتل في حرب مسيلمة، وكشهداء أحد، والذين قتلوا ببئر معونة، وكقتل عثمان وقتل علي).

مسألة:
بعد كل الذي حصل جاء أهل الكوفة الذين شاركوا في قتل الحسين فقاتلوه وقتلوه يزعمون _زوراً وكذباً_ أن أهل السنة هم الذين قتلوه، وجعلوها مظلمة مستمرة إلى الأبد، وجعلوها مناسبة سنوية لسب الصحابة والطعن في المسلمين والتحريض على قتل أهل السنة بحجة الإنتقام لدم الحسين.

مسألة:
ما يحصل اليوم من الحروب الطائفية والقتل والتنكيل بأهل السنة مما يشيب له الولدان ناتج عمّا يروج له الرافضة الطائفيون الذين خان أسلافهم الحسين وقتلوه، ثم ادّعوا كذباً أنهم أنصار الحسين وشيعته، وما قالوه إنما هو افتراء.
إن دم الحسين إنما هو في أعناق آباء الرافضة وأجدادهم الذين خانوه وقتلوه قاتلهم الله.
قتل الله من قاتل الحسين، ولعن من لعنه، ورضي الله عن الحسين وأرضاه وعن الذين قتلوا معه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).

مسألة:
يمارس الرافضة في ذكرى مقتل الحسين مجموعة من الطقوس المخالفة للإسلام بل والمناقضة لدين الله، لا تخرج عن كونها خرافات، وأكاذيب، كالنياحة ولطم الخدود وشق الجيوب وضرب أنفسهم بالسياط والسلاسل والسكاكين وتداول الروايات المختلقة المكذوبة وسب الصحابة والتحريض على أهل الإسلام بالقتل بدعوى الانتقام لدم الحسين، وكذلك تأليه الحسين والاستغاثة به ودعائه من دون الله، ونحو ذلك من المنكرات التي لم تعد تخفى على أحد.
وهذه الأفعال التي يفعلها الشيعة في عاشوراء متفقة مع عقيدتهم التي تكفر الصحابة وجميع المسلمين، وتحرض على فتح باب الفتنة واستحلال دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، بزعم أنهم قتلة الحسين.

مسألة:
الحسن والحسين كغيرهما من الصحابة بشرٌ غير معصومين، يصيبون ويخطئون، وحسبهم من الفضل صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصحابة كلهم عدول مرضيٌ عنهم، وعدهم الله جميعاً الجنة، ولا يخلف الله وعدَه.

مسألة:
انعقد إجماع أهل السنة على وجوب السكوت عمّا شجر بين الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الآثار المروية فيما وقع بين الصحابة على ثلاثة أقسام:
١_منها ما هو كذب.
٢_ومنها ما قد زيد فيه ونقص وتم تغييره عن وجهته.
٣_والصحيح منها هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم في ذلك يدورون بين الأجر والأجرين.
ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم.
قيل لعمر بن عبد العزيز: ما تقول في أهل صفين؟
فقال: (تلك دماء طهّر الله يدي منها فلا أحب أن أخضب لساني بها).
وقيل للإمام أحمد بن حنبل: (ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية؟
قال: ما أقول فيها إلا الحسنى.... وقال: إقرأ قوله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا تسبوا أصحاب محمدٍ؛ فإن الله أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون).
_واعلموا
أن الله تعالى مدح الصحابة وأنثى عليهم ورضي عنهم، ووعدهم جميعاً بأن يدخلهم الجنة، والذي يسبهم يرد على الله سبحانه، فإننا لا نتصور مسلماً يسب ويبغض قوماً يحبهم الله.
_يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه).
_حق الصحابة على المسلمين الاستغفار لهم والترحم عليهم، امتثالاً لقوله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم).
_من يسب الصحابة مفترٍ كذاب، قادح في الشريعة؛ لأن الصحابة هم العدول الثقات حملة الشريعة إلينا، بل سب الصحابة أذيةٌ لله تعالى وقدحٌ في حكمته لأنه سبحانه اصطفاهم واختارهم لصحبة نبيه.
وسبّ الصحابة أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

وفقنا الله وإياكم لكل خير وحفظ علينا ديننا وجعلنا من عباده الصالحين.
(بسم الله الرحمن الرحيم)

خطبة جمعه بعنوان

فضل الصبر

الخطبة الأولى


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1]
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]
أما بعد :
فان خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة و كل بدعه ضلالة و كل ضلالة في النار أجارنا الله وإياكم وجميع المسلمين من البدع والضلالات والنار
أما بعد :
أيها الناس عباد الله يقول الله تعالى في كتابه الكريم :( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)
ويقول سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]
ويقول عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]
ويقول سبحانه : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) } [البقرة: 153]
ويقول سبحانه : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) } [الزمر: 10]
ويقول عز وجل : {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } [الشورى: 43، 44]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له»
رواه مسلم(2999) عن أبي يحيى صهيب الرومي رضي الله عنه
وقال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري:( والصبر ضياء )
فالصبر ضياء والصبر قوة والصبر درجة رفيعة يوفى صاحبها أجره بغير حساب أيها المسلمون إن منزلة الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد فلا يقوم دين المسلم إلا بالصبر والذي لا يصبر على تحمل الأوامر واجتناب النواهي ولا يصبر على طاعة الله وعلى أقدار الله لا يقوم دينه والصبر في اللغة هو الحبس والمراد به في الشرع حبس النفس على أمور ثلاث
الأول: على طاعه الله سبحانه وتعالى .
والثاني : عن محارم الله .
الثالث : على أقدار الله المؤلمة هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم كما ذكر ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين .
وسيد الصابرين وقدوتهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ضرب أروع أنواع الأمثلة في الصبر فقد صبر على الفقر وصبر على تحمل الوحي
قال الله سبحانه و تعالى : {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا } [المزمل: 5]
تحمل صلى الله عليه و سلم هذا القول الثقيل صابرا محتسبا وبلغ دين الله عز وجل أفضل وأكمل تبليغ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وصبر على أذية قومه وأذية أقرب الناس إليه وهم أهله وعشيرته وصبر على فراق متوطنه وبلده مكة
قال صلى الله عليه وسلم لما فارقها بأبي هو وأمي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - : «والله إنك، لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلي، والله لولا أني أخرجت منك، ما خرجت»
رواه ابن ماجه في سننه (3108) والترمذي قس سننه (3925)وغيرهما
عن عبد الله بن عدي بن حمراء رضي الله عنه وصححه العلامة الألباني رحمه الله .
فخرج مهاجرا إلى المدينة وقبلها خرج إلى الطائف وأراد من أهل الطائف أن ينصروه ويأووه ليبلغ دين ربه سبحانه وتعالى فقالوا لو كان في دعوتك خير ما خرج قومك من مكة ولما رجع من الطائف محزونا خيره ربه سبحانه وتعالى أن يطبق على قومه الأخشبين أي الجبلين
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا "
رواه البخاري (3231)ومسلم (1795) عن عائشة رضي الله عنها
وكان ذلك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأراد الله تسليته سبحانه وتعالى فصرف إليه نفرا من الجنّ يستمعون القرآن قال الله عز وجل : {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف: 29 - 32]
وقال سبحانه {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } [الجن: 1، 2]
أراد الله سبحانه وتعالى بذلك تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وأنه إذا كذبك قومك يا محمد فهناك من يؤمن برسالتك من خلق الله سبحانه وتعالى ثم صبر صلى الله عليه وسلم على الأذى في أصحابه كانوا يعذبوا وكذلك الأذية من أول الوحي فقد أذاه المشركون وضعوا سلا الجزور على ظهره الشريف صلى الله عليه وسلم وأذن الله له بالهجرة فهيا صلى الله عليه وسلم نفسه على تحمل مشاق السفر هو وأبو بكر رضي الله عنه ثاني اثنين اذ هما في الغار تخفيا من المشركين في غار ثور ثم هاجر وتحمل مسافة السفر الطويل وما فيه من مشاق من أجل هذا الدين ثم وصل إلى المدينة صلى الله عليه وسلم فلم يتركه قومه بل تبعوه إلى المدينة وكانت معركة بدر الكبرى سماها الله سبحانه و تعالى يوم الفرقان قال سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الأنفال: 41 - 44]
فكانت الفاصلة وكان فيها عز الإسلام وصار الكفار الذين تسول لهم أنفسهم بغزوا المدينة يخافون ويخشون المسلمين وقتل في هذه المعركة سبعون من كفار قريش منهم صناديد قريش وأُسر سبعون وأذاه المنافقون لما استقر في المدينة وصبر صلى الله عليه وسلم على أذى المنافقين فقد أذوه في عرضة وحاولوا قتله عده مرات في المدينة وفي رجوعه من غزوة تبوك وظاهروا عليه اليهود وأذوه في أصحابه وصبر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على أذية اليهود ونقضهم للعهود وصبر حتى لقي الله عز وجل هو صابرا محتسبا ربط الحجر على بطنه من الجوع ومات ودرعه مرهون عندي يهودي فينبغي للمسلمين أن يتخذوا سيرته صلى الله عليه وسلم نبراسا لهم
قال الله عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد : عباد الله سمعتم ما تحمل نبيكم من الصبر لأجل تبليغ هذا الدين وكان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يحث أمته على الصبر وعلى تحمل هذا الدين من أول وهله
فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» رواه البخاري (6943)
هكذا يعلم أصحابه الصبر على تحمل الأذى والصبر على تبليغ هذا الدين صلى الله عليه وسلم ويربي أصحابه على الصبر على المصائب
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله واصبري» قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»
وفي رواية لمسلم" امرأة تبكي على صبي لها.
رواه البخاري (1283)و مسلم (926) "
رباهم صلى الله عليه وسلم على الصبر عند المصائب
فقد جاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابنا لي قبض، فأتنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر، ولتحتسب»، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تتقعقع - قال: حسبته أنه قال كأنها شن - ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء»
رواه البخاري (1284)ومسلم (923)
معنى تقعقع تتحرك وتظطرب٠
الشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم " فلتصبر" كان يأمر كل الناس صلى الله عليه وسلم بالصبر وأخبرهم وبشرهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بثواب الصابرين وما أعد الله تعالى لهم من الأجر
فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه، إلا الجنة "
رواه البخاري (6424)

وعن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها
قال عطاء: «أنه رأى أم زفر تلك امرأة طويلة سوداء، على ستر الكعبة»
رواه البخاري (5652)ومسلم (2576)
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالصبر على الفقر يأمرهم بالتعفف من الحاجة إلى الناس
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر»
رواه البخاري (1469)ومسلم (1053)
الله أكبر هذا الحديث فيه فضيلة عظيمة على الصبر على الفقر والتعفف وباب الصبر باب واسع .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم
والحمد لله رب العالمين
*فقه دعاء القنوت*
*الشيخ د. محمود أحمد الدوسري*

*الخطبة الأولى*

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بعد:

عن الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما؛ قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ [أي: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ]: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» صحيح - رواه أبو داود والترمذي.

هذا دعاءٌ عظيم، جامِعٌ لأبواب الخير كلِّها، وأصولِ السعادة في الدنيا والآخرة، اشتمل على مطالِبَ جليلة، ومقاصِدَ عظيمة؛ ففيه سؤالُ اللهِ الهدايةَ والعافيةَ، والتَّوَلِّي والبركةَ والوِقاية، مع الإقرار بأنَّ الأُمورَ كلَّها بيده، وتحت تدبيره، فما شاء كان، وما لَمْ يشأْ لَم يكن، وتفصيلُه فيما يلي:

1- قوله: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»: أي: اجعلني من جُملة مَنْ هديتَ من عبادك المَهدِيِّين، وحَسُنَ أولئك رفيقاً، فأنتَ تتوسَّلُ إلى الله بإحسانه وإنعامِه الذي هَدى غيرَك أنْ يهديَكَ في جُملتِهم. وأنَّ ما حصل لأولئك من الهُدى لَمْ يَكُنْ منهم ولا بأنفسهم، وإنما كان مِنكَ فأنتَ الذي هديتَهم.
والهدايةُ النافعةُ هي التوفيقُ للعلم النافع، والعمل الصالح، فليست الهدايةُ أنْ يعلمَ المرءُ الحقَّ بِلا عَملٍ به، وليست كذلك أنْ يعمل بلا عِلمٍ نافعٍ يهتدي به.

2- قوله: «وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ»: أي: اجعلني من جُملة مَنْ عافيتَ من أهل طاعتك، ففيه سؤالُ اللهِ العافيةَ المُطلَقة، وهي العافيةُ من الكفر والفُسوقِ والعِصيان، والغَفلةِ والأمراضِ والأسقامِ والفِتن. عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه – قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ قَالَ: «سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ». فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ؛ فَقَالَ لِي: «يَا عَبَّاسُ! يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ! سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» صحيح – رواه أحمد والترمذي. قال النووي رحمه الله: (وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الْأَمْرِ بِسُؤَالِ الْعَافِيَةِ، وَهِيَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ الْمُتَنَاوِلَةِ لِدَفْعِ جَمِيعِ الْمَكْرُوهَاتِ فِي الْبَدَنِ وَالْبَاطِنِ، فِي الدِّينِ، وَالدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ). فالعافيةٌ كلمةٌ جامِعةٌ لِلتَّخَلُّص من الشرِّ كلِّه وأسبابِه.

3- قوله: «وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ»: أي: كُنْ لِي ولِيًّا ومُعِيناً وناصِراً، ففيه سؤالُ اللهِ التَّوَلِّي الكامِل، الذي يقتضي التَّوفيقَ والإعانةَ، والنَّصرَ والتَّسديدَ، والإبعادَ عن كلِّ ما يُغضِبُ الله، ومنه قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 257]؛ وقوله: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 19]. وهي ولايةٌ خاصَّةٌ بهم، تقتضي حِفظَهم ونَصرَهم، وتأييدَهم ومعونتَهم، ووقايتَهم من الشرور.
ويدل على هذا؛ قولُه في هذا الدعاء: «إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ» أي: إنه منصورٌ عزيزٌ غالِبٌ بسبب تولِّيكَ له، وفي هذا تنبيهٌ على أنَّ مَنْ حَصَل له ذُلٌّ في الناس؛ فهو بِنُقصان ما فاته من تولِّي الله، وإلاَّ فمَعَ الوَلايةِ الكاملة ينتفي الذُّلُّ كلُّه، ولو سُلِّطَ عليه مَن في أقطار الأرض فهو العزيز، غير الذَّليل.

4- قوله: «وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ»: أي: ارزقني البَرَكةَ في كلِّ ما أنعمتَ عَليَّ. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (أي: أنْزِل البركةَ لِي فيما أعطيتني مِنَ المال، والعِلْمِ، والجاه، والولد، ومِنْ كُلِّ ما أعطيتني ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]. إذاً؛ بارِكْ لِي في جميع ما أنعمتَ به عليَّ، وإذا أنْزَلَ اللهُ البركةَ لشخصٍ فِيما أعطاه صار القليلُ منه كثيراً، وإذا نُزِعَتِ البَرَكَةُ صار الكثيرُ قليلاً، وكم مِن إنسانٍ يَجعلُ اللهُ على يديه مِنَ الخير في أيامٍ قليلة، ما لا يجعلُ على يدِ غيرِه في أيَّام كثيرةٍ، وكم مِن إنسانٍ يكون المالُ عنده قليلاً، لكنه مُتَنَعِّمٌ في بيته قد بارَكَ اللهُ له في مالِهِ، ولا تكونُ البركةُ عند شخصٍ آخرَ أكثرَ منه مالاً، وأحياناً تُحِسُّ
بأنَّ اللهَ باركَ لَكَ في هذا الشيءِ، بحيث يبقى عندك مُدَّةً طويلةً).

5- «وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ»: أي: شَرَّ الذي قضيتَه؛ فإنَّ الله تعالى قد يقضي بالشَّرِّ لِحِكمةٍ بالِغة، والشَّرُّ واقعٌ في بعض مخلوقاته، لا في خَلْقِه وفِعْلِه، وفي الحديث: «وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» رواه مسلم. فإنَّ فِعْلَه وخَلْقَه خيرٌ كلُّه، وهذا الدعاء يتضمَّن سُؤالَ اللهِ الوقايةَ من الشُّرور، والسلامةَ من الآفات، والحِفظَ عن البلايا والفِتن.

6- «إِنَّكَ تَقْضِيَ»: أي: تَحْكُمُ ما تشاء، وتفعل ما تُريد، ولا تُسأل عن ذلك ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]. ففيه التَّوسُّل إلى الله سبحانه بأنه يقضي على كلِّ شيءٍ؛ لأنَّ له الحُكْمَ التَّام، والمَشِيئةَ النَّافذة، والقُدرةَ الشَّاملة، فهو سبحانه يقضي في عبادِه بما شاء، ويَحكم فيهم بما يُرِيد، لا رادَّ لِحُكمه، ولا مُعقِّب لِقضائه.
«وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ»: أي: لا يُوجِبُ عليك أحدٌ من خَلْقِكَ شيء، فَهُمْ مربوبون لك مقهورون بِعِزَّتِكَ، والعَجْزُ لازِمٌ لهم. فأنتَ تُوجِبُ على نفسِك ما شئتَ، قال اللهُ تعالى: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 12]؛ وفي الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا» رواه مسلم. فلا أحدَ من العِباد يقضي على اللهِ تعالى، واللهُ تعالى هو الذي يحكم عليهم بما يشاء، ويقضي فيهم بما يُريد.

7- «إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ»: لأنَّ مَنْ كان ولِيًّا لله فقد تكفَّل اللهُ بِنَصْرِه؛ كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 173]، والذُّلُّ: هو الضَّعْفُ والهَوان. فمَنْ كان اللهُ عز وجل وَلِيَّه؛ لا يحصل له ذِلَّةٌ في نفسِه، ولا يُذِلُّهُ أحدٌ، وهذا كأنه تعليلٌ لسؤال الولاية: «وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ»؛ فإنَّ الله سبحانه إذا تولَّى العبدَ فإنه لا يَذِلُّ ولا يُذَلُّ.

8- «وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ»: أي: لا يَغلِبُ مَنْ عاديتَه، بل هو ذليلٌ؛ لأَنَّ مَنْ والاه الله فهو منصورٌ، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (فإنْ قال قائلٌ: هل هذا على عُمُومِهِ، لا يَذِلُّ مَنْ وَالاه الله، ولا يَعِزُّ مَنْ عاداه؟ فالجواب: ليس هذا على عُمُومه؛ فإنَّ الذُّلَّ قد يَعْرِضُ لبعض المؤمنين، والعِزَّ قد يَعْرِضُ لبعض المشركين، ولكنَّه ليس على سبيل الإِدالة المُطلقة، الدَّائمةِ المستمرَّة، فالذي وقع في أُحُدٍ للنَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابِهِ لا شَكَّ أنَّ فيه عِزًّا للمشركين، ولهذا افتخروا به فقالوا: «يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ» رواه البخاري. ولكن هذا شيءٌ عارِضٌ ليس عِزًّا دائماً مُطَّرِداً للمشركين، وليس ذُلًّا للمؤمنين على وجه الدَّوام والاستمرار، وفيه مصالحُ عظيمةٌ كثيرةٌ حصَلتْ للنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابِه رضي الله عنهم) بتصرف يسير.

-----

*الخطبة الثانية*

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أيها المسلمون.. ثم خَتَمَ الدعاءَ بالثناءِ على الله تبارك وتعالى؛ فقال:
9- «تَبَارَكْتَ رَبَّنَا»: أي: تعاظَمْتَ يا الله، وعمَّت بركتُك جميعَ خلقك من أهل السموات والأرض، وما بينهما. فَلَكَ العظمةُ الكاملة، والكِبرياءُ التَّام، وعظُمَتْ أوصافُك، وكَثُرتْ خيراتُك، وعمَّ إحسانُك.

10- «وَتَعَالَيْتَ»: أي: لك العُلوُّ المُطلقُ ذاتاً وقَدْراً وقَهْراً؛ فهو سبحانه العَليُّ بذاته، قد استوى على عرشِه استِواءً يَلِيقُ بجلاله وكماله. والعلِيُّ بِقَدْره، وهو علوُّ صِفاتِه وعظَمَتُها. والعَلِيُّ بِقَهْرِه حيث قَهَرَ كلَّ شيءٍ، ودانتْ له الكائناتُ بأسْرِها، فجميعُ الخَلْقِ نواصيهم بيده، فلا يتحرَّك منهم مُتحرِّكٌ، ولا يسكن ساكِنٌ إلاَّ بإذنه.

عباد الله.. إنَّ السُّنَّةَ في قُنوتِ الوِتر؛ أنْ يفعله أحياناً ويتركه أحياناً؛ وهو مذهب جمهور العلماء. ويُشرع القنوتُ قبل الركوع وبعده؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وَأَمَّا فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كأحمد وَغَيْرِهِ؛ فَيُجَوِّزُونَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ – أي القنوت قبل الركوع وبعده - لِمَجِيءِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ بِهِمَا، وَإِنِ اخْتَارُوا الْقُنُوتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وَأَقْيَسُ؛ فَإِنَّ سَمَاعَ الدُّعَاءِ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِ الْعَبْدِ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" فَإِنَّهُ يُشْرَعُ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ دُعَائِهِ).

فعلى المُسلم أنْ يعتني بهذا الدعاء في قُنوت الوتر، ولا بأس لو زاد على ذلك الدعاء؛ لعموم المسلمين بما استطاع من خيرٍ، والاستغفار لهم.
الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ....

الدعاء ...
*الزكاة وأحكامها*
*الشيخ عبدالله اليابس*

*الخطبة الأولى:*

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: قَبْلَ الإِسْلَامِ كَانَتْ مَعِيشَةُ البَشَرِ كَالحَيَوَانَاتِ فِي الغَابَةِ، القَوِيُّ يَأْكُلُ الضَّعِيفَ، وَالغَنِيُّ يَزْدَرِي الفَقِيرَ، لَا تَرَاحُمَ وَلَا تَعَاطُفَ، إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ بَعْضِ مَا لَدَى العَرَبِ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ.

ثُمَّ جَاءَ الِإسْلَامُ، وَآخَى بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّكَافُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات:10]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "المسلم أخو المسلم".

وَلَمَّا أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مُعَاذًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى اليَمَنِ أَوْصَاهُ بِوَصَايَا أَخْرَجَهَا الإِمَامُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الوَصَايَا أَنْ قَالَ لَهُ: "أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ"؛ أَمْوَالُهُمْ، تُأْخَذُ مِنَ الأَغْنِيَاءِ وَتُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ، يُؤْجَرُ بِهَا الغَنِيُّ وَيَتَزَكَى، وَيَسْتَغْنِي بِهَا الفَقِيرُ وَيَتَعَفَّفَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ الزَكَاةَ ثَالِثُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، فَهِيَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ جَلِيلَةٌ، جُعِلَتْ فِي مَصَافِّ التَّوْحِيدِ وَالصَّلَاةِ وَالحَجِّ. مَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ اِبْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ -تَعَالَى- كَانَتْ لَهُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً فِي الثَّوَابِ: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ)[سبأ:39].

إِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ، فَتَجِبُ فِي مَالِ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ. وَيُشْتَرَطُ فِي المَالِ المُزَكَّى أَنْ يَبْلُغَ النِّصَابَ وَيَحُولَ عَلَيهِ الحَولُ، بِمَعْنَى أَنْ تَمُرَّ عَلَى مِلْكِيَّةِ المُسْلِمِ لِلْمَالِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ.

وَيَبْلُغُ نِصَابُ النَّقْدِ اليَومَ 1719.55 ريال، فَمَنِ اِمْتَلَكَ هَذَا المَبْلَغَ وَمَضَتْ عَلَيهِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ، وَجَبَتْ عَلَيهِ الزَّكَاةُ.

وَيَجِبُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ لِصِنْفٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الأَصْنَافِ الثَمَانِيَةِ الوَارِدَةِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة:60]، وَمَنْ أَخْرَجَهَا لِغَيرِ هَذِهِ الأَصْنَافِ لَمْ تَصِحَ مِنْهُ، كَمَنْ صَلَّى فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ.

وَتَجِبُ المُبَادَرَةُ إِلَى إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ حَالَ وُجُوبِهَا، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَنْ وَقْتِهَا عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ زَكَاةَ عَمِّهِ العَبَّاسِ عَنْ عَامَينِ.

وَالأَصْلُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِي بَلَدِ المُزَكِّي الذِي يَسْكُنُ فِيهِ، لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ"، لَكِنْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ حَاجَةٌ مَاسَّةٌ خَارِجَ البِلَادِ، أَوْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ فُقَرَاءُ خَارِجَ البِلَادِ، فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَيهِمْ؛ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ سَمَاحَةُ الشَّيخِ عَبْدُالعَزِيزِ بنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.
وَصَرْفُ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ إِلَى الأَقَارِبِ جَائِزٌ، بَلْ لَهُ أَجْرَانِ: كَمَا رَوَى اِبْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بِنِ عَامِرٍ الضَّبِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اِثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ".

لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنَ الأَقَارِبِ الذِينَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ لَهُمْ: الزَوْجَاتُ وَالآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ وَالأَجْدَادُ وَالجَدَّاتُ، إِضَافَةً إِلَى الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ وَأَبْنَائِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ لَهُمْ، وَإِنَّمَا يُنفِقُ عَلَيهِمْ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ.

وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي المُرَتَّبِ الشَهْرِيِّ إِذَا حَالَ عَلَيهِ الحَولُ، فَإِنْ خَشِيَ مِنْ عَدَمِ ضَبْطِهِ لِمَوَاعِيدِ إِخْرَاجِ زَكَاةِ كِلِّ شَهْرٍ عَلَى حِدَة؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَدِّدَ لَهُ يَوْمًا فِي السَّنَةِ يُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِهِ فِيهِ.

وَيَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ المَالِ لِلْمُسْتَحِقِّ نَقْدًا، وَلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهَا كَمَوَادٍ غَذِائِيَّةٍ أَوْ أَثَاثٍ أَوْ تَسْدِيدِ إِيْجَارٍ أَوْ فَوَاتِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَكِنْ إِنْ كَانَ هُنَاكَ فَقِيرٌ مُعَيَّنٌ، يَحْتَاجِ إِمَّا إِلَى دَوَاءٍ أَوْ غِذَاءٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ اِحْتِيَاجَاتِهِ، وَكَانَ المُزَكِّي يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَتَرَتَّبُ عَلَى صَرْفِ الزَّكَاةِ لَهُ نَقْدًا مَفْسَدَةٌ وَاضِحَةٌ، أَوْ كَانَتِ المَصْلَحَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ إِعْطَاءِ ذَلِكَ الفَقِيرِ النُّقُودَ، فَفِي هَذِهِ الحَالِ أَجَازَ بَعْضُ العُلَمَاءِ وَمِنْهُمُ اِبْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ صَرْفَهَا لَهُ مَوَادًا عَيْنِيَّةً بَدَلاً مِنَ النُّقُودِ.

وَاِخْتَارَ الشَّيخُ اِبْنُ عُثَيمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أَنْ يَطْلُبَ المُزَكِّي مِنَ الفَقِيرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي شِرَاءِ مَا يَحْتَاجُهُ خُرُوجًا مِنَ الخِلَافِ فِي المَسْأَلَةِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ المُسْلِمُ زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، فَلَا يُخْرِجُهَا بِتَثَاقُلٍ أَوْ تَكَاسُلٍ، بَلْ يَعْلَمَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لَهُ وَلِمَالِهِ، وَأَنَّ المَالَ حَقٌّ للهِ اِمْتَنَّ بِهِ وَتَفَضَّلَ عَلَيهِ، فَمِنْ شُكْرِهِ أَنْ يُؤَدِيَ حَقَّ اللهِ -تَعَالَى- فِيهِ، وَلْيَحْرِصْ عَلَى إِخْرَاجِهَا وَتَوْزِيعِهَا عَلَى المُسْتَحِقِّينَ بِنَفْسِهِ قَدْرَ الإِمْكَانِ، فَإِنَّ لِذَلِكَ أَثَرًا فِي القَلْبِ لَا يَخْفَى.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

-----

*الخطبة الثانية:*

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ بَرَكَةٌ عَلَى المَالِ، يَزِيدُ فِي بَرَكَةِ المَالِ وَيُنَمِّيهِ، (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ:39].

وَمَنْ أَمْسَكَ المَالَ رَغْبَةً فِي حِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ حَلَّتْ عَلَيهِ دَعْوَةُ المَلَكَينِ كَمَا فِي الصَّحِيحَينِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ يَومٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَان يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: الَّلهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: الَّلهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"، وَأَيُّ إِمْسَاكٍ لِلْمَالِ أَعْظَمُ مِنْ إِمْسَاكِ الزَّكَاةِ الوَاجِبَةِ؟

وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ -تَعَالَى- تَارِكَ الزَّكَاةِ بِالوَعِيدِ العَظِيمِ، وَجَعَلَ -سُبْحَانَهُ- مَنْعَ الزَّكَاةِ مِنْ صِفَاتِ الكَافِرِينَ: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[فصلت:6-7].
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قَالَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي فِيهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيْدَتْ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ".

إِنَّنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَا نَصْبِرُ عَلَى البَقَاءِ فِي حَرِّ الظَهِيرَةِ، فَكَيْفَ بِحَرِّ جَهَنَّم؟!

فَبَادِرُوا بِزَكَاةِ المَالِ إِنَّ بِهَا * لِلْنَّفْسِ وَالمَالِ تَطْهِيرًا وَتَحْصِينًا
أَلَمْ تَرَوا أَنَّ أَهْلَ المَالِ فِي وَجَلٍ *
يَخْشَونَ مَصْرَعَهُمْ إِلَّا المُزَكِّينَا
فَهَلْ تَظُنُّونَ أَنَّ اللهَ أَوْرَثَكُمْ * مَالًا لِتَشْقَوا بِهِ جَمْعًا وَتَخْزِينًا
أَوْ تَقصُرُوهُ عَلَى مَرْضَاةِ أَنْفُسِكُمْ *
وَتَحْرِمُوا مِنْهُ مَنْكُوبًا وَمِسْكِينًا
مَا أَنْتُمُ غَيرُ أَقْوَامٍ سَيَسْأَلُكُم * إِلَهُكُمْ عَنْ حِسَابِ المُسْتَحِقِّينَا
وَلَنْ تَنَالُوا نَصِيبًا مِنْ خِلَافَتِهِ *
إِلَّا بِأَنْ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَا

(إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)[التغابن:17].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
زكاة الفطر من رمضان (فقهها وحكمتها وفضلها) - الشيخ عدنان خطاطبة

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً)
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: زكاة الفطر، صدقة واجبة معروفة المقدار، يقدمها المسلم لِفِطْرِه من رمضان. وأضيفت الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان هو سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به. ويقال لها: "زكاة الفطر"، ويقال لها كذلك: "صدقة الفطر".

عباد الله: الحكم الشرعي لزكاة الفطر، هو الوجوب. والدليل على ذلك حديث ابن عمر كما في الصحيحين: "فَرَضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض".

عباد الله: زكاة الفطر لها خصوصية فيمن تجب عليه من المسلمين، فهي لا تجب على المكلف فقط، بل تجب زكاة الفطر على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجل أو امرأة، صغيرٍ أو كبيرٍ. والدليل على ذلك، حديث ابن عمر في الصحيحين، وفيه: "فَرَضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ".

قال ابن قدامة: "وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم، مع الصغر والكبر، والذكورية والأنوثية, في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم, ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق".

يا عباد الله: ومن خصوصية أحكام زكاة الفطر، أنها لا تجب فقط على المسلم في نفسه، بل تجب عليه في نفسه، وعن كل من يعول ممن تلزمه نفقتهم. قال الخرقي: "ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله".

فظهر أن الفطرة تلزم الإنسان القادر عن نفسه، وعن من يعوله، أي يمونه، والدليل حديث ابن عمر الذي حسنه الألباني في الإرواء، وفيه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى مِمَّنْ تَمُونُونَ".

وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه، وعن كلِّ من تجب عليه نفقته، ومنهم الزوجة؛ لوجوب نفقتها عليه".

عباد الله: هل لزكاة الفطر نصاب؟ وهل نصابها مثل نصاب الزكاة؟

أيها المسلمون: لزكاة الفطر نصاب، ولكنه ليس مثل نصاب الزكاة. فلزكاة الفطر خصوصية في النصاب. إذ يقدر نصابها بأن يملك المسلم قوتاً زائداً عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته.

فمن ملك ما مقداره صاعًا من الطعام زائدًا عن حاجته يوم العيد، فقد ملك النصاب. ولذلك لا تتعلق زكاة الفطر بالأغنياء، بل قد تجب على متوسطي الحال والفقراء والمساكين طالما أنهم يملكون النصاب.

والدليل، حديث ابن عمر في صحيح مسلم، قال: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ".

عباد الله: إذا أراد المسلم أن يخرج زكاة الفطر، فكم يخرج؟ ما مقدارها؟ وماذا له أن يخرج من أنواعها؟

أيها المسلمون: مقدار زكاة الفطر هو صاع من قوت البلد الذي يأكله الناس. والدليل على ذلك حديث ابن عمر في صحيح مسلم، قال: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ".

وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري أنه كان يقول: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ".

والصاع المعتبر هو صاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو أربعة أمداد، والمد ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدّ يديه بهما، وبه سمي مدّاً، ووزنه فيما قدرة العلماء بالكيلو هو ما بين اثنتين كيلو ونصف إلى ثلاثة كيلو تقريبًا.
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "المقدار الواجب في زكاة الفطر عن كل فرد صاع واحد بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومقداره بالكيلو ثلاثة كيلو تقريباً".

عباد الله: متى تجب زكاة الفطر؟
تجب زكاة الفطر بدخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر؛ والدليل على ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان"، وذلك يكون بغروب الشمس، من آخر يوم من أيام شهر رمضان، فزكاة الفطر لا تجب إلا بغروب شمس آخر يوم من رمضان: فمن أسلم بعد الغروب، أو تزوج، أو وُلِد له وَلدٌ، أو مات قبل الغروب لم تلزم فطرتهم.

عباد الله: يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لحديث ابن عمر كما في صحيح البخاري، وفيه: "وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ"، وفي لفظ للإمام مالك: "أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة".

ويستحب إخراج زكاة الفطر يوم الفطر قبل صلاة العيد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمر في صحيح مسلم، وفيه: "وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ".

واعلم أيها المسلم، أنه لا يجوز تأخير أداء زكاة الفطر بعد صلاة العيد على القول الصحيح، فمن أخَّرها بعد الصلاة بدون عذر، فعليه التوبة، وعليه أن يخرجها على الفور، والدليل على ذلك، حديث ابن عباس الصحيح كما في سنن أبي داود، وفيه: "مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِىَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ".

عباد الله: ما مصارف زكاة الفطر؟ إلى من ندفع زكاة الفطر؟ هل مصارف زكاة الفطر هي نفسها صارف الزكاة؟

أيها المسلمون: لزكاة الفطر خصوصيتها في مصارفها، فهي لها مصرفان فقط لا ثمانية كما هو للزكاة. ومصارف زكاة الفطر وأهلها الذين تدفع لهم، هم الفقراء والمساكين.

وهذا هو الصواب والأرجح من أقوال أهل العلم. والدليل على هذا حديث ابن عباس الصحيح كما في سنن أبي داود، وفيه: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ..، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ".

قال الشوكاني: "وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة".

وقال ابن تيمية: "ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة".

وقال الإمام ابن القيم: "وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تخصيص المساكين بهذه الصدقة, ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم"، ويجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص.

عباد الله: هل يخرج المسلم زكاة الفطر طعامًا من قوت بلده أم يخرجها نقدًا؟

أيها الإخوة: اتفق الفقهاء على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأنواع المنصوص عليها، كما في حديث ابن عمر: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ".

وفي حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ".

واتفق العلماء على أنه يجوز إخراج زكاة الفطر من الطعام الذي يعد قوتًا للناس، أيْ ما يقتاته الناس، ولا تقتصر على ما نص عليه من الشعير والتمر والزبيب، بل نخرج من الأرز والذرة والعدس وغيرهم مما يعتبر قوتاً.

قال الشافعي: "يجب في زكاة الفطر صاع من غالبًا قوت البلد في السنة"، وقال ابن تيمية: "أوجبها الله -تعالى- طعامًا كما أوجب الكفارة طعامًا".

أيها الإخوة: وأما إخراج زكاة الفطر قيمة نقدية بدلاً عن الطعام، فللعلماء قولان: القول الأول: عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. وقال النووي كما في المجموع: "لا تجزئه القيمة في الفطرة عندنا وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر".

والقول الثّاني: جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقًا، وهو مذهب الحنفية. فذهبوا إِلَى أَنَّهُ "يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، بَل هُوَ أَوْلَى لِيَتَيَسَّرَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ لاَ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحُبُوبِ بَل هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَلاَبِسَ، أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ".

أيها الإخوة: يقول العلماء: "والسنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي، ولا بأس بنقلها، ويجزئ -إن شاء الله- في أصح قولي العلماء، لكن إخراجها في محلك الذي تقيم فيه أفضل وأحوط، وإذا بعثتها لأهلك؛ ليخرجوها على الفقراء في بلدك فلا بأس".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

------

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أيها المؤمنون: زكاة الفطر، هي شرعة مباركة من شرعة الإسلام العظيم، شرعها الله الحكيم سبحانه، وكل شرائع الله فيها الحِكْمة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.

وزكاة الفطر فيها حِكَمٌ ظاهرة جلية نص عليها الشارع، كما في الحديث الصحيح في سنن أبي داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ".

أيها المؤمنون: زكاة الفطر فيها حِكْمتان عظيمتان.

الحِكْمة الأولى: ويعود خيرها على الصائم نفسه. فهي تطهير لصيام المؤمن، مما يكون قد اعتراه من خلل ونقص وتقصير، فتجبره زكاة الفطر، وتنقيه، وتزكيه، حتى يعود أكمل ما يكون، فلله الحمد والمنة.

والحِكْمة الثانية: يعود خيرها على غير الصائم، على الفقراء والمساكين من عباد الله المؤمنين، فتسدّ حاجتهم يوم العيد، وتدخل عليهم السرور، وتحفظ لهم مكانتهم في فرحة المجتمع، ومشاركة الناس عيدهم، وتغنيهم عن السؤال والشعور بالمذلة في يوم جعله الله فرحة للمسلمين.

فلله الحمد والفضل والمنة على ما يشرعه لعباده من شرائع ينتفع بها جميع عباده.

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ...

الدعاء ...
2024/09/23 13:19:05
Back to Top
HTML Embed Code: