Telegram Web Link
*إشراقة الجمعة*
‏الطير سبَّح ضاحكًا مسرورا
والفجر أهدى للخلائق نورا
فاز الذي بالذّكْر يبدأ يومَهُ
صلّى بوقتٍ فاستزاد حُبورا
صباحكم قربات ودعوات مستجابة💘
☆ *أذكار الصباح*☆
أذكآر الصبآح | نور لِقلبك

سورة الكهف كاملة في صفحة واحدة :
http://t.co/bl1fbzcQVY
☀️☀️
🌹 *تأملات قرءانية*🌹
﴿ وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حَاضِرَا ﴾ ما تعمله اليوم في الدنيا ، سيُعاد بثهُ في الآخرة ، فأحسن الأداء هنا ، ليحسُن العرض هناك.

*إشراقة*
‏الصباح الذي يكتب الله لك أن تحياه
يجب أن لاينقضي إلا باستزادةٍ وارفة🍃
وردك و أذكارك،
ضحاك، وعزائمك على البر،
معونةً لإخوانك، و مُحيًا باسـم.

🔹 *همسة محب*🔹
‏اجعل يوم الجمعة ..
- عيدٌ لقلبك
- رتل آيات الكهف.
- صَل و سلّم على النبي مُحمد.
- اغتنم ساعة الاستجابة بالدعاء ..

‏انهَضُوا وَتَصَدقُوا بِ عَددِ مَفَاصِلكُم ،
بِ رَگعَتيّ *الضّحَى*
صلاة_*الضحى*
تذكير *الضحى* ⛅️

》 *وختااما*《
من أعظم مطالب الدنيا :
( أن يكفينا الله الهم )
ومن أعظم مطالب اﻵخرة أن:
( يغفر الله لنا الذنب )
وهما مضمونان ومكفولان بكثرة
الصلاة والسلام على المصطفى ﷺ
بقولهﷺ‌‌‌‌‌‏:" إذن تُكفَى هَمك ويُغفَر ذَنبك "
اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد و ال محمد .
*صباحكم شهد وورد*🌷
ﮩ•┈••✾•◆❀◆•✾••┈•ﮩ
🎤
خطبـــةجمعــــةبعنـــوان.tt
العشر من ذي الحجة والعمل الصالح
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الْحَمْدُ للهِ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، الَّذِي اخْتَصَّ بَعْضَ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ بِالْفَضَائِلِ الْعِظَامِ، وَجَعَلَ أَفْضَلَهَا عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ الْكرَامِ، الحمد لله الذي أظهر المحجة، وأبان الحجة وفضَّل عشر ذي الحجة
وأشهد أن لا إله إلا الله فرض الحج
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله أفضل من زار البيت وحجه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه قوى إيمانهم بالبرهان والحجة

أمــــا بعــــد
لا شك أن طبيعة ابن آدم قاصرة، مبنية على النقص والضعف، فهو ظلوم جهول، وعمله ناقص مدخول، وقدرته على الاستمرار على الطاعات لفترات طويلة محدودة، ولذا تتناوشه غمرات الجهل، وتتجاذبه فتن الدنيا، وتغريه مطامعها في الاستكثار منها،
ولذلك شاءت إرادة الله تعالى الرحيم الرحمن أن يجعل لعباده مواسم خير وبر وأيامًا فاضلة، يُقبلون فيها على ربهم، يرجون رحمته ويخافون عذابه، فقيّض لهم –سبحانه- مواسم رحمة يربحون فيها في التجارة مع ربهم، وهو الودود الرحيم، الذي لا يريد أن يعذّب خلقه، وإنما يريد أن يرحمهم، ويخلّصهم مما هم فيه من أنكاد المعاصي، وآلام الغفلة، وعذاب ارتكاب المحرمات.
وتأملو قولَ ربنا الجليل -سبحانه-: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: 26- 28]، فلما علم سبحانه –وهو العليم بما خلق- ضعف ابن آدم، وغفلته، والله -سبحانه- يريد أن يتوب عليه ويرشده ويرحمه، أرسل له رسائل عدة تدعوه إلى الهدى، واتباع الحق، والحذر من فتن الدنيا.

وإن من رحمة الله بعباده أن شرع لهم مواسم للطاعات، وحثهم على بذل مزيد من صنوف العبادة فيها، ليعوّض العبد مِن خلالها خسارته، ويجبر كسره، فشرع مواسم في أول العام الهجري وآخره، ليدخل العبد عامًا جديدًا مغفورًا له، ويخرج من العام مغفورًا له، ففي أول العام شرع صيام عاشوراء يغفر الله بصومه للعبد ذنوب سنة، ما اجتنب الكبائر، وخلال العام عظّم الشرع شهر رمضان، وجعل فيه من الغنائم والجوائز الشيء الكثير.

وفي آخر العام نوّه ربنا -سبحانه- بأيام عشر ذي الحجة، ورفع من شأنها، وحثّ فيها على طاعته، ووعد المطيعين فيها ثوابًا عظيمًا.

فقد فضّل الله تعالى العشرَ الأُوَلَ من ذي الحجة على سائر أيام العام فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر . قالوا ولا الجهاد في سبيل الله !! قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء " أخرجه البخاري.

وعنه أيضاً رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى " قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " رواه الدارمي وإسناده حسن.

فهذه النصوص وغيرها تدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها ، حتى العشر الأواخر من رمضان . ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل لاشتمالها على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، وبهذا يجتمع شمل الأدلة، كما نبَّه عليه غيرُ واحدٍ من أهل العلم.

قال ابن رجب -رحمه الله-: "وقد دل حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيء منها"، وقال: "وكل عمل صالح يقع في هذه العشر فهو أفضل في عشرة أيام سواها من أيّ شهر كان".

عباد الله إن أيام العشر هي أيام البر، خير أيام الدنيا، فهي عشر مباركات كثيرة الحسنات، قليلة السيئات، عالية الدرجات، متنوعة الطاعات فيها يتنافس المتنافسون، ويتسابق إليها المتسابقون، حتى عدت هذه الأيام من أفضل أيام الدنيا، لما تضمنته من فضائل، واحتوت عليه من ميزات ومسائل،

يجتمع فيها من الطاعات ما لا يجتمع في غيرها، ففي أثنائها يؤدي المسلمون عبادات عظيمة، كحج البيت الحرام، والوقوف بعرفة، وغيرها من مناسك الحج، ينفقون أموالهم ويُتعبون أجسادهم، يرجون مغفرة ذنوبهم، ورضا ربهم.

وفي هذه الأيام أيضًا يرابط غير الحجيج على أيام العشر، يؤدون فرائض الله –تعالى-؛ إذ الفرائض أحب إلى الله من النوافل، ويُتبعون الفرائض بالإكثار من النوافل، يدفعهم لذلك الشوق لرضا الله ومغفرته، وهم في هذه الأيام عندما يرون الحجيج في مناسكهم يغبطونهم على ما أنعم الله به عليهم، ويشتاقون لأداء الفريضة، ويتمنون الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، ويتحسرون على ما حال بي
نهم وبين البيت من عذر أو مرض أو عدم استطاعة مالية، أو تنظيمات فرضتها جهات إدارية.
وفي أيام العشر، يجدر بالعبد الانتباه من الغفلة، والانضمام إلى الصالحين، ويسابق إلى جنة عرضها السموات والأرض، وأبواب الخير كثيرة واسعة غير محصورة ولا معدودة، فكل عمل صالح يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الخالصة لله -تعالى-، المهتدية بهدي النبي –صلى الله عليه وسلم- وسُنته، هي عمل صالح مقبول في هذه العشر.

في عشْرِ ذي الحجةِ أعمالٌ فاضلة، وطاعاتٌ متعددة، وهي غيرُ منحصرة، فما يُشرَع في سائرِ الأوقات يزدادُ تأكيدًا في تلْكُم الأيام، فإنَّ العملَ يَشرُفُ بشَرفَ الزمانِ والمكان، مع تقوى اللهِ والإحسان، ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

فمن الأعمال الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في عشر ذي الحجة

1- الصيام، فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر ، والصيام من أفضل الأعمال . وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي : " قال الله : كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " أخرجه البخاري
وقد ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعَ ذي الحجة . فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر . أخرجه النسائي وأبو داود وصححه الألباني 

2- التكبير : فيسن التكبيرُ والتحميدُ والتهليلُ والتسبيحُ أيام العشر . والجهرُ بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكلِّ موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى.

وشعارُ هذه الأيام العشر"التكبير"، فعن ابنِ عمر رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ"، رواه أحمد.

قال الإمامُ البخاري رحمه الله: "وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ يخرجانِ إلى السوقِ في أيَّامِ العشرِ، يُكبِّرانِ ويُكبِّرُ النَّاسُ بتكبِيرِهما" رواه البخاري ، "وكان عمرُ رضي الله عنه يُكبِّرُ في قُبَّتِه بمِنًى، فيسمَعُه أهلُ المسجدِ فيُكبِّرُونَ، ويُكبِّرُ أهلُ الأسواقِ، حتى ترْتجَّ مِنًى تكبيرًا" رواه البخاري.

عبد الله كبِّر إذا دخلتَ بيتك حتى يسمعَك أهلُك وأولادُك فيكبِّروا بتكبيرك، وإذا دخلتَ السوق أو قابلتَ الرِّفاقَ فكبِّر؛ لتشهدَ لك البقاعُ، وتُذكرَ في الملأِ الأعلى، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "فإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ"، رواه البخاري ومسلم.

3- الإكثار من الأعمال الصالحة عموما : لأن العمل الصالح محبوب إلى الله تعالى وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله تعالى
وإن صوم التسع، وخاصة يوم عرفة، والإكثار من ذكر الله، والتهليل والتسبيح والتكبير، وقراءة القرآن وتدبره، وقيام الليل، والدعاء، والتوبة على ما فات، والتزام الصدق والأمانة، والإخلاص في الأقوال والأعمال، وحب المسلمين وتوليهم، وكثرة العطاء، والتماس الأعذار للناس وحسن الظن بهم، وصلة ذي الرحم الكاشح، ومواساة الفقير والمسكين، وحسن الجوار، وإطعام الطعام، وذبح الأضحية، وأداء صلاة العيد مع المسلمين، والتزاور مع الأهل والأصدقاء، وتناسي الأحقاد، وحب الخير للناس، ومعاونتهم بما يستطيع، ... لهي من صنوف العمل الصالح الذي ينافس فيه المسلمون في هذه الأيام الفاضلة وغيرها.
إن هذه الأيام الفاضلة تستوجب الجدِّ والاجتهاد، فلنحرص على استغلالها وعمارتها بالأعمال الصالحة، وإنه لمن المؤسف أن تدخل هذه الأيام، والناس في غفلة عنها لاهون، لا في الخيرات يسارعون، ولا عن المعاصي يُقلعون، قد أهمتهم الدنيا، واجتاحتهم الغفلة، واحتواهم الطمع.. حتى إن الإنسان ليحرص على أن ينمِّي ماله، ولا ينمّي عمله، يزيد في غفلته، ولا يزيد في درجته، يسارع في الفاني ويبطئ في الباقي!!

عباد الله :
المبادرةَ المبادرة بالعمل والعجلة العجلة قبل هجوم الأجل قبل أن يندم المفرّط على ما فعل، قبل أن يَسأل الرجعة ليعمل صالحًا فلا يُجاب إلى ما سأل.

ليس للميت في قبره
فِطر ولا أضحى ولا عشر
ناءٍ عن الأهل على قربه
كذاك مَن مسكنه القبر

فما من ميت يموت إلا ندم إن كان محسنًا ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون نزع عن معصيته. 
أَيا مَن لَيسَ لي مِنهُ مُجيرُ
بِعَفوِكَ مِن عَذابِكَ أَستَجيرُ 
أَنا العَبدُ المُقِرُّ بِكُلِّ ذَنبٍ
وَأَنتَ السَيِّدُ المَولى الغَفورُ
أَفِرُّ إِلَيكَ مِنكَ وَأَينَ إِلّا
إِلَيكَ يَفِرُّ مِنكَ المُستَجيرُ


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله والصلاة والسلام
ع

رسول الله

4- ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي واستسمانها واستحسانها وبذل المال في سبيل الله تعالى .

5- ومما يتأكد في هذا العشر التوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب . والتوبةُ هي الرجوع إلى الله تعالى وترك ما يكرهه الله ظاهراً وباطناً ندماً على ما مضى ، وتركا في الحال ، وعزماً على ألا يعود والاستقامة على الحقّ بفعل ما يحبّه الله تعالى .
والواجب على المسلم إذا تلبس بمعصية أن يبادر إلى التوبة حالاً بدون تمهل لأنه : أولاً : لا يدري في أي لحظة يموت .
ثانياً : لأنّ السيئات تجر أخواتها .
عباد الله ان من الحرمان والخسران أن تمر هذه العشر مرور الكرام، وتخرج بسلام فلا عمل ولا اهتمام. [الأعراف: 56].

عباد الله :
في زماننا فتن عظيمة وبلايا كبيرة، ومحن جسيمة، لا يثبت فيها على الدين، إلا من وفقه الله للعمل الصالح والعلم المتين، حتى أصبح القابض على دينه، المتمسك بتعاليم نبيه، كالقابض على الجمر، أو الماشي على لهيب الحر، والأيام العشر فرصة لكسب الحسنات، وعمل الصالحات، وخاصة الدعاء في عرفات، فقد جاء في الحديث أفضل الدعاء دعاء عرفة، فأكثروا فيه من الدعوات الصالحات، لعموم المسلمين ولمن يتعرضون اليوم للأذى والضرر ، والنكبات، ودعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب من الأدعية المستجابات.

يا أخي يا حبيبي، ها قد جاءك الموسم، فكن على حذر من التفريط، جاءك الموسم فكن فيه من أهل السبق لا من أهل الغطيط. فلعل الله أن ينظر لك نظرة رحمة، فيصلِحَ ابنك وزوجَك، ولعل الله أن ينظر لك نظرة رحمة فيفتحَ لك بعملٍ صالحٍ واحد أبوابَ أعمال صالحة لم تكن تطيقها، ولعل الله أن ينظر لك نظرة رحمة فيتقبلَ دعاءَك، ويرفع الكروب والأزمات عن أمتك، ويصلح دينك ودنياك وآخرتك.

عباد الله :
علينا أن نستشعر واجباتنا ومسئولياتنا تجاه ديننا وأمتنا ومجتمعاتنا، وعلينا أن نقوّي أُخوتنا، وأن لا نترك للعداوات والحروب والمشاكل والعصبيات والنعرات الجاهلية أن تفرّق صفنا، وتهدم مجتمعنا، وتؤجج الصراعات والنزاعات فيما بينا، ولنحفظ أيدينا عن الدماء المعصومة والأعراض المصونة، والوطن يتسع للجميع، وعلى الناس جميعًا أن يكونوا شركاء فيه بجميع طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم.

البدار البدار أيها المسلمون الكرام قبل فوات الأوان، وحلول الآجال، وتقلب الأيام والأحوال، ولات حين مندم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، بادروا رحمكم الله إلى استغلال الفرص، وتحين الأوقات الفاضلة، إن ما يقوم به المسلم من أعمال البر والإحسان والصدقة، والمعروف ونوافل العبادة، وخاصة في أيام العشر أثمن عند الله من الذهب الخالص قالَ عليه الصلاة والسلام (العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِلَيَّ (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وقد دعانا الله إلى المسابقة في أمور الآخرة، وتحصيل الثواب في العاجلة فقال ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]
🎤
خطبةجمعة.بعنــوان.cc
فقــه الأولــويـات في الــحـــج ..
وكيــف تحــج وأنــت بــين أهـــلك؟
للــدكتــور/ خــالــد بـديـــر بـــدوي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

عناصر الخطبة:
العنصر الأول: فضل الحج
ومكانته في الإســــــلام
العنصر الثاني: أعمال تعدل
أجـــر الحـــج في الجــــــزاء
العنصر الثالث: مراعاة فقه
الأولويات والتيسير في الحج

أمـــا بعـــد:
العنصر الأول: فضل الحج
ومـــكـانته فـــي الإســـــــــلام

عـــباد اللـــه:
لقد أمر الله عز وجل الخليل إبراهيم عليه السلام ببناء البيت ورفع قواعده ودعوة الناس للحج إليه؛ قال تعالى: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج : 27).
يقول الإمام ابن كثير: " قوله: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } أي: ناد في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه. فَذُكر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل: ناد وعلينا البلاغ. فقام على مقامه، وقيل: على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قُبَيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: "لبيك اللهم لبيك".(تفسير ابن كثير).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلَّا لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا ".( ابن ماجة والترمذي بسند صحيح ).

فانجذاب القلوب والأفئدة إلى هذا البيت كان ببركة دعوة الخليل إبراهيم – عليه السلام- { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } " قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: لو قال: "أفئدة الناس" لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم، ولكن قال: { مِنَ النَّاسِ } فاختص به المسلمون" .(تفسير ابن كثير).

أحبتي في الله: إن الحج من أفضل العبادات على الإطلاق؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ؛ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قال : إيمانٌ باللهِ ورسولِه . قِيلَ: ثم ماذا ؟ قال جهادٌ في سبيلِ اللهِ. قِيلَ: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مَبرورٌ ." (متفق عليه).

ويكفي الحج فضلاً أن الحاج يولد من جديد؛ فكما أن المولود يولد على الفطرة لم يرتكب ذنباً أو خطيئةً ؛ فكذلك الحاج !! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "(متفق عليه).

فالذي أكرمه بحج بيت الله الحرام قد جمع بين ثوابي الدنيا والآخرة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ" (متفق عليه).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ" ( ابن ماجة والنسائي والترمذي وحسنه) ؛ فهو قد جمع بين ثواب الدنيا من الغنى ونفي الفقر والذنوب؛ وبين ثواب الآخرة وهو الجنة؛ وهل هناك أعظم من ذلك في الدنيا والآخرة؟!!

فالحج بذلك يهدم ما كان قبله من المعاصي والذنوب؛ فَعَن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي أتيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ابسُطْ يمينَك لأبايعَك؛ فبسط يدَه فقبضْتُ يدي. فقال: مالك يا عَمرو؟ ! . قال: أردتُ أن أشترطَ . قال : تشترطُ ماذا ؟ قال: أن يُغفَرَ لي . قال : أما علمتَ يا عَمرو ! أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قبلَه ، وأنَّ الهجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَها ، وأنَّ الحجّ يهدِمُ ما كان قبلَه ؟ ! .( مسلم)

وقد عد الرسول صلى الله عليه وسلم الحج لوناً من ألوان الجهاد في سبيل الله؛ فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ" (البخاري).
لذلك كانت عائشة رضي الله عنها لا تتركه منذ أن علمت أنه جهاد؛ فَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا نَغْزُو و
َنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ:" لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ" فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (البخاري).

عـــباد الله: إن للحج فضائل كثيرة؛ وأن من لم يحج بيت الله الحرام مع القدرة عليه فقد حرم خيراً كثيراً ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: " قال اللهُ: إنَّ عبدًا صحَّحْتُ له جسمَه ووسَّعْتُ عليه في المعيشةِ يمضي عليه خمسةُ أعوامٍ لا يفِدُ إليَّ لَمحرومٌ " (البيهقي وابن حبان بسند صحيح).

هذه بعض الأحاديث التي وردت في فضل الحج عامة؛ وهناك أحاديث أخرى كثيرة في فضل مناسك الحج وأعماله لا حصر لها؛ كالأحاديث في فضل التلبية والطواف والذبح والرمي ويوم عرفة والأضحية وغيرها؛ ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق.

أحبتي في الله: كل هذه الفضائل جعلت الحج من أفضل العبادات؛ يقول الإمام أبو حنيفة – رحمه الله-: جعلت أفاضل بين العبادات؛ كلما تتبعت عبادة وجدت لها أفضلية؛ فأقول: هي الأفضل؛ فلما تتبعت الحج وجدته أفضلهم لاشتماله على جميع العبادات كلها.أ.ه
لأنك حينما تتكلم عن فضل الصلاة تتكلم عنها منفردة؛ وكذلك الصيام؛ والزكاة؛ أما الحج فهو موسم تجتمع فيه العبادات كلها؛ وبذلك اجتمعت فيه فضائل العبادات كلها؛ وهذا لا يتأتى في عبادة غير الحج.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:" والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتَّى ذلك في غيرها."

وهذه الفضائل والهبات والعطايا والمنح العظيمة تجعل الإنسان دائم الشوق إلى الحج :
إليك إلهي قد أتيتُ ملبياً
فبارك إلهي حجتي ودعائيا
قصدتك مضطراً وجئتك باكياً
وحاشاك ربي أن ترد بكائيا
كفاني فخراً أنني لك عابد
فيا فرحتي إن صرتُ عبداً مواليا
أتيتُ بلا زاد وجودك مطمعي
وما خاب من يهفو لجودك ساعيا
إليك إلهي قد حضرتُ مُؤمّلاً
خلاصَ فؤادي من ذنوبي ملبياً

أحبتي في الله:
أرى قلوبكم وأفئدتكم تحركت شوقاً وحنيناً تجاه البيت الحرام؛ ولكنكم لا تستطيعون!! وذالك لحسب ظروفنا وغلاأ معيشتنا وتدهور اوظاعنا ..

إنني في هذا المكان ومن فوق هذا المنبر؛ وفي هذه الساعة؛ أبشركم بأعمالٍ تعدل أجر الحج في الثواب؛ إذا فعلت منها عملاً واحداً فقد حججت بيت الله الحرام؛ وهذا ما سنعرفه في الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى.

العنصر الثاني:
أعمال تعدل أجر الحج في الجزاء

أحبتي في الله:
إنني أزف إليكم بشرى لمن تقطع قلبه وذرفت عيناه شوقاً لبيت الله الحرام لكن يعجز عن ذلك .

واعلموا أن من رحمة الله - تبارك وتعالي - بعباده أن جعل من حالت دونه السبل عن الحج لعذر شريكاً لمن ذهب في الأجر، بل شرع الله لنا أعمالاً تعدل أجر الحج والعمرة ، لكن لا تغنيه هذه الأعمال عن حج الفريضة إذا بلغ حد الاستطاعة .

وهذه الأعمال لا تكلفك تأشيرةً ولا مالاً ولا سفراً، وقد جمعتها لكم مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة وتتمثل فيما يلي:-

أولاً: المكث في المسجد بعد صلاة الفجر حتى الشروق ثم صلاة ركعتين.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" ( أخرجه الترمذي بسند صحيح )

ثانياً: حضور صلاة الجماعة والمشي إلى صلاة التطوع:
فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مشي إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهى كحجة، ومن مشي إلى صـلاة تطوع فهي كعمرة نافلة . وفي رواية : ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر "ـ(صحيح الجامع)

ثالثاً: حضور مجالس العلم في المساجد:
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ:"مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ". (أخرجه الطبراني بسند صحيح)، فضلاً عن السكينة والرحمة والمغفرة، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"

رابعاً: الأذكار بعد الصلاة:
فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، ولهم فضول أموالهم يحجون ويعتمرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل
من

كم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤته من يشاء."

خامساً: عمرة في رمضـان:
فقد أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان:"ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: ناضحان كان لأبي فلان - تعنى زوجها - حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، قال صلى الله عليه وسلم : فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معى". والناضح: الجمل .

سادساً: بـرُّ الوالـديـن:
فقد أخرج أبو يعلي بسند جيد: " أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد".

سابعاً: صدق النية مع الله
فعن أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه ويعمل لله فيه بحقه فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية ويقول : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يتخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعمل فيه بحق فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو ونيته فوزرهما سواء"( الترمذي وصححه)،

فنية العبد خيرٌ من عمله ، فقد يحج ولا يقبل منه لسوء نيته، وقد لا يحج ويكتب له أجر حجة وعمرة تامتين تامتين لصدق نيته، لذلك جاء أول حديث في البخاري " إنما الأعمال بالنيات ".

فإذا كان الحج قد فاتك فإن أفعال الخير لا تفوتك فتلحق بركب الحجيج ، وما أجمل مقولة أحد السلف: " من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه ، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى ، ومن لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إليه من حبل الوريد".

العنصر الثالث: مراعاة فقه
الأولويات والتيسير في الحج

عــباد الله: تعالوا لنقف مع حضراتكم في هذا اللقاء مع عرضٍ لصور الأولويات والتيسير في الحج ؛ والتي يجب مراعاتها في هذا الزمان؛ نظرا لظروف وغلاء المعيشة من ناحية ؛ وازدحام الحجيج في موسم الحج من ناحية أخرى؛ ومن هذه الصور :

قضاء الحوائج أولى من حج النافلة:
فلو حج الشخص واعتمر مرارا وتكرارا، ومن عادته الحج والعمرة كل عام، ففي هذه الحالة لو رجعنا إلى فقه الأولويات لوجدنا أن مساعدة الفقراء والمساكين واليتامي والأرامل وذوي الحاجات أولى من الحج والاعتمار كل عام .

وقد حدد بعض العلماء المعاصرين قصر الحج والعمرة كل خمس سنوات، وبذلك تفعل وزارة الداخلية في حج القرعة، وقد بحثت في هذا الأمر فوجدت حديثاً قدسياً يبين أن المدة ينبغي أن لا تزيد عن خمس سنوات، حتى لا يحرم الأجر والثواب والتمتع بزيارة البلد الحرام، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " قَالَ اللَّهُ : إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ " . [ البيهقي في الشعب وابن حبان في صحيحه ].

وحسبنا أن نذكر هنا بما جاء على لسان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما قال: «يكثر الناس فى آخر الزمان من الحج بلا سبب يهون عليهم السفر ويبسط لهم فى الرزق، فيهوى بأحدهم بعيره بين الرمال والقفار، يضرب فى الأرض وجاره إلى جنبه مأسور لا يواسيه».

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فالمسلمون هذه الأيام يعانون ويلات الأزمات والأمراض ما ظهر منها وما بطن، ولا يجدون من يشد أزرهم ويخفف عنهم آلامهم، فهناك طالب العلم الفقير ذو الحاجة الذي لا يجد من يؤازره والنتيجة الحتمية فشل ذريع لمستقبله.

وهناك المساكين والفقراء الذين تعرفهم بسيماهم وهم لا يسألون الناس إلحافاً ولا يجدون من يسد جوعتهم ويستر عورتهم، وتجاهلهم يعنى فتح الطريق أمامهم إلى عالم الجريمة والرذيلة، وهناك من المسلمين مستضعفون قابضون على دينهم مدافعون عن الأرض والعرض والمقدسات، لا يجدون من يمد إليهم يد المعونة والنصرة ولو بالطعام والشراب، وإن كنا مأمورين بالقتال معهم جنباً إلى جنب لا سيما وقد دخل العدو ديار المسلمين، وهناك أرامل الشهداء وأبناؤهم، مات عائلهم ومن كان ينفق عليهم ولم يعد لهم في هذه الحياة يد حانية تمسح عنهم آهات ا
لدهر

وآلامه، فكل هؤلاء أولى عند الله عز وجل من تكرار الحج والعمرة بلا داع، اللهم إلا محاولة إشباع عاطفة لا محيص من وصفها بالأنانية المفرطة، والإغراق في حب الذات.

وها هى تلك الحقيقة يرسيها جلية هذا المتصوف الزاهد «بشر بن الحارث» عندما جاءه رجل وقال له: يا أبا نصر إني أردت الحج وجئتك أستوصيك فأوصنى. فقال له: كم أعددت من نفقة الحج؟ قال: ألفى درهم. فقال له: هل تريد الحج تزهداً أم اشتياقاً إلى البيت أم ابتغاء مرضاة الله؟ قال: والله ابتغاء مرضاة الله. فقال له: هل أدلك على ما تحقق به مرضاة ربك وأنت في بلدك وبين عشيرتك، تعطى هذه الدراهم عشرة أنفس: فقيراً ترمم فقره، ويتيماً تقضى حاجته، ومديناً تقضى عنه دينه، ومعيلا تخفف عنه أعباء عياله، ولو أعطيتها واحدًا لتسد بها حاجته فهو أفضل.

وهل هناك أسمى من أن يطعم المسلم جائعاً أو يداوى مريضاً أو يأوى مشرداً أو يكفل يتيماً أو يقضى حاجة أرملة، خاصة إن كان كل هؤلاء من المدافعين عن المقدسات والأوطان. وصدق الله تعالى حيث يقول: « أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ» «التوبة:19».

إن العمل الأكثر نفعاً مفضلٌ على غيره، وعلى قدر نفعه للآخرين يكون فضله وأجره عند الله - تعالى -.فعَنْ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلاً، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ، وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثَبِّتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ "." الطبراني بسند حسن".

وهناك قصة أخرى ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية يقول:" خرج عبد الله بن المبارك مرة إلى الحج فاجتاز ببعض البلاد فمات طائر معهم فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت ذلك الطائر الميت ثم لفته ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت أنا وأخي هنا ليس لنا شئ إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال فظلم وأخذ ماله وقتل. فأمر ابن المبارك برد الأحمال وقال لوكيله: كم معك من النفقة ؟ قال: ألف دينار. فقال: عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى بلادنا وأعطها الباقي؛ فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع."
ومع ذلك قد كتب الله له أجر الحج كاملاً - وهو في بيته – فالأعمال بالنيات، فكم من أناس في بيوتهم كتب لهم أجر الحج كاملا دون نقصان، وكم من أناس حجوا مرات عديدة رياء وسمعة لا يتقبل الله منهم.

ومنها: جواز تقديم بعض
أعمال يوم النحر على بعض:
فنحن نعلم أن رمي الجمرات يكون في صبيحة يوم العيد وبعد النفرة من المزدلفة؛ وكم نسمع في كل عام عن عدد كبير من الوفيات والشهداء جراء التدافع والتزاحم على رمي الجمرات؛ وخاصة أن الجميع يرمي في وقت واحد!!!
ومن يسر الإسلام ورحمته بالحجاج أنه يجوز لك أن تبدأ بأحد أعمال يوم النحر الخمسة ( الرمي – الذبح – الحلق – الطواف – السعي ) .

ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شئ قدم أو أخر في هذا اليوم إلا قال : " افعل ولا حرج "

ومن هذا المنطلق حينما كنا في بعثة الحج أرشدنا الحجاج أن ينفروا من مزدلفة إلى الحرم فيبدؤوا بالطواف والسعي ثم الذهاب إلى بقية مناسك اليوم ؛ وفعلاً ذهبنا مع الحجيج وقمنا بالطواف والسعي وانتهينا مع طلوع الشمس ثم أخذنا قسطا من الراحة ثم أكملنا المناسك في يسر ورحمة وطمأنينة بدون مشقة .
بينما اعترض البعض على ذلك وقالوا : نحن نقتدي به صلى الله عليه وسلم؛ ونفعل ما فعله ؛ فحدث ما حدث من التدافع والوفيات !!

ومنها: جواز الجمع ..
بين طواف الإفاضة والوداع:
فمَن أخَّر طواف الإفاضة، وطافه قبل رجوعه إلى بلده، ولو سعى بعد الطواف، أجزأه عن طواف الوداع، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد لمَن دخل والإمام يصلي.

ونحن نعلم أنه يجوز تأخير طواف الإفاضة حتى آخر أيام التشريق عند الأئمة الثلاثة؛ ويجوز تأخيره حتى آخر شهر ذي الحجة عند الإمام مالك ؛ لأن شهر ذي الحجة كله عنده من أشهر الحج؛ والله تعالى يقول { الْحَجُّ أَشْه
ُرٌ م

َعْلُومَاتٌ } ( البقرة: 197) ؛ وأقل الجمع ثلاثة؛ وأشهر الحج عنده : شوال وذو القعدة وذو الحجة ؛ وهذا من باب التيسير والرحمة في الحج .

ومنها : جواز النيابة عن
الغير في أداء فريضة الحج :
ولا سيما إذا كان شيخاً كبيراً مريضاً لا يثبت على الراحلة لما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَل يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: " نَعَمْ ".

ومنها: النيابة في الرمي بحصى صغيرٍ:
فمن تيسير الله عز وجل على عباده ورحمته بهم في الحج أن كان رمي الجمرات بحصى صغير، حتى لا يشق على حامله ولا يؤذى إنسانا بطريق الخطأ ، وجواز النيابة في رمى الجمرات تخفيفا على كبار السن وذوى الأعذار وتخفيفا لمشقة الزحام ؛ ولا يخفى علينا خبر وفاة آلاف الحجيج كل عام بسبب التدافع على رمي الجمرات !!

ومنها: سقوطُ طواف الوداع
عن الحـــائض والنفساء:
فيجب على الحاج إذا فرغ من حجِّه أن يطوف طواف الوداع، ثم يرجع إلى أهله؛ لكن خُفِّف عن الحائض والنفساء، فلا يجب عليهما البقاء في مكة حتى تطهرا ثم تودعان، فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: " أُمِر الناسُ أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت؛ إلا أنه خفف عن الحائض " . (البخاري ومسلم).

عـــباد الله: إن الرسول صلى الله عليه أمر صحابته أن يقتدوا به في مناسك الحج فقال: " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " ( مسلم والنسائي).

ولما علم الرسول شدة اقتداء الصحابة به وخاصة في مناسك الحج خشي عليهم الازدحام والتقاتل في أداء المناسك – كما حدث في واقعنا المعاصر - فرفع عنهم الحرج؛ فعن جابر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:” قد نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر، ووقف بعرفة، فقال: قد وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف، ووقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت هاهنا، والمزدلفة كلها موقف” . ( أبوداود ).

تصورت هذا المشهد من ازدحام الناس عند جبل الرحمة في أرض عرفات وقلت: لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقفت ها هنا وهذا هو الموقف!! ونحرت ها هنا وهذا هو المنحر!! لتقاتل الناس وهلك الكثير ؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم كان رحيما بأمته !! وصدق الله حيث يقول { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 7 10 ].

على أنه ينبغي على الحاج أن لا يتتبع الرخص في أداء المناسك؛ حتى لا يفوته الغرض الأسمى من فريضة الحج؛ فالضرورة تقدر بقدرها؛ والأجر على قدر المشقة؛ ولا ضرر ولا ضرر ؛ مع مراعاة فقه الأولويات في الحج أولاً وآخراً !!

نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حج بيته الحرام وأن يجعل ما قلناه وما سمعناه حجة لنا لا علينا يوم القيامة .
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،،
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الفضائل العشر لعشر ذي الحجة
للشيـخ/ الســيــــد مـــــــراد ســـــلامـــة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الأولـــى.cc
الحمد لله الذي دعا عباده المؤمنين إلى حج بيته الحرام؛ ليشهدوا منافع لهم، وليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته، وعمل بسنته، ونصح لأمته، وسلم تسليمًا كثيرًا.
ألا يا باغي الخيرات أقْبِل
إلى ذي الحجَّة الشهر الحرام
به العشر الأوائل حين هلت
أحب الله خيرا للأنام
بها النفحات من فيض ونور
وعرفات فَشَمِّرْ للصيام
بها النحر الذي قد قال فيه
إله العرش ذكرا للأنام
بها الميلاد يبدأ من جديد
إذا ما القلب طُهر من سقام
وبالحسنات فرج كل ذنب
إذا شئت الوصول إلى المرام
ألا يا باغيَ الخيرات أقبل
فإن الشهر شهرٌ للكرام
إذا استهواك شيطانٌ فأدبر
ولا تركنْ إلى الفعل الحرام

اعلم علمني الله وإياك: أن لهذه الأيام المبارك فضائل ليست لغيرها من سائر الأيام حيث فضلها رب الأنام ونبينا الهمام - صلى الله عليه وسلم - وهاك بيانها من محكم القران ومن سنة النبي العدنان - صلى الله عليه وسلم -.

1- أن الله تعالى أقسم بها: إخوة الإسلام: من فضائل تلك الأيام الفاضلة أن الله تعالى أقسم بها وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ [الفجر: 1 - 3].
والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.
عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر". ورواه النسائي.

2- أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره: واعلم بارك الله فيك - أن هذه الأيام أيام ذكر و تسبيح و تهليل قال تعالى: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28] وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.

3- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا:
ولقد كشف لنا النبي - صلى الله عليه وسلم الغطاء عن فضائل تلك الأيام فأخبرنا سيد الأنام-صلى الله عليه وسلم - بأنها أفضل أيام الدنيا وأن العمل فيها أفضل من غيرها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) [رواه البخاري].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكرت له الأعمال فقال: ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر - قالوا: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله؟ فأكبره. فقال: ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه) [رواه أحمد وحسن إسناده الألباني].

4- أن فيها يوم عرفة: أن هذه الأيام تشتمل على يوم هو افضل أيام الدنيا على الإطلاق ألا و هو يوم عرفة يوم العتق من النار يوم المباهاة يوم تقال العثرات و ترفع الدرجات و يتجلى فيه رب الأرض و السماوات عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «يومُ عرفةَ، ويومُ النَّحرِ، وأيامُ التشريق: عيدُنا أهلَ الإِسلام، وهي أيامُ أكل وشُرْب». أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي.

5- أن فيها يوم النحر:
و من فضائل العشر أن فيها يوم النحر و لذلك اليوم فضائل عظيمة، عبد الله بن قرط - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أعْظَمَ الأيَّامِ عند الله: يومُ النَّحر، ثم يومُ القَرِّ، قال ثور: هو اليوم الثاني... الحديث» أخرجه أبو داود.

6- اجتماع أمهات العبادة فيها: وفي هذه العشر تجتمع أمهات الطاعات وأمهات الفرائض فهي إعلان لوحدانية الله تعالى - و هذا هو الركن الأول من أركان الإسلام و فيها تقام الصلوات و تخرج الصدقات و يحج بيت رب الأرض و السماوات قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
7- أنها الأيام العشر التي أتمها الله لموسى عليه السلام:
و من بين تلك الفضائل أنها العشر التي اتمها الله تعالى لكليمه موسى عليه السلام قال تعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا
بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 142].
عن مجاهد في قول الله تعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ﴾ [الأعراف: 142] قال: ذو القعدة (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ من ذي الحجة).

8- أن فيها اليوم المشهود الذي اقسم به الرب المعبود:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج: 3]، قَالَ: " الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ " أخرجه أحمد.

9 - أن فيها اليوم الذي أتم الله فيه النعمة وأكمل فيه الدين:
ومن بركات ذلك اليوم أن الله تعالى أتم فيه النعمة و أكمل فيه الدين فهو يوم من أيام ذلك الدين القيم.
أخرج البخاري عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا قَالَ أَيُّ آيَةٍ قَالَ " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا" قَالَ عُمَرُ قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. [البخاري كتاب الإيمان].

10- أن فيها اليوم الذي اخذ الله الميثاق على بني ادم:
وهو اليوم الميثاق الذي أخذ على كافة بني البشر، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمان - يعني عرفة - وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 172، 173] "رواه أحمد وصححه الألباني".

والآية تدل على أن الله قد ألهم البشرية كلها بأنه هو ربها وإلهها، وأنه ليس لها رب ولا إله غيره، وأنه أخذ عليها ميثاقاً بذلك: ﴿ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ﴾ [الأعراف: 172]، فلم يعد يقبل منهم أن يقولوا يوم القيامة: نسينا وكنا غافلين عن هذا الميثاق! أو يحتجوا بأن آباءهم أشركوا وأنهم اتبعوهم في شركهم لأنهم من ذريتهم! فشرك الآباء لا يبرر للأبناء أن يحيدوا عن ميثاق الفطرة؛ لأنه عهد بينهم وبين الله ولا دخل للآباء فيه! وإن كان الله من رحمته لا يحاسب الناس بميثاق الفطرة وحده، وإنما يحاسبهم بعد تذكرتهم على يد الرسل: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾[النساء: 165].
الدعاء.....
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
فـضـــل عــشـــــر ذي الـحــجـــة
للشيخ/ عبدالعزيز بن محمد القنام
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملخص الخطبة :
1- الله يخلق ما يشاء ويختار.
2- بركة الطاعة.
3- الزمن المبارك.
4- فضائل عشر ذي الحجة.
5- ما يشرع من الأعمال في هذه العشر.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أمـــا بعـــد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله الذي يخلق ما يشاء ويختار، خلق السماوات واختار منها السابعة، وخلق الجنات واختار منها الفردوس، وخلق الملائكة واختار منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وخلق البشر واختار منهم المؤمنين، واختار من المؤمنين الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختار من الرسل أولي العزم، واختار من أولي العزم الخليلين، واختار من الخليلين محمدا صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين، وخلق الأرض واختار منها مكة، وخلق الأيام واختار من أشهرها شهر رمضان، ومن أيامها يوم الجمعة، ومن لياليها ليلة القدر، ومن ساعاتها ساعة الجمعة، ومن عشرها عشر ذي الحجة.

والمسلم يعيش مباركًا في العمل وفي الزمن، وأعظم البركة في العمل الطاعةُ؛ إذ هي بركة على أهلها كما يقول تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[الأنعام:160]، وكما يقول : ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعلمها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن همَّ بسيئة فعملها كتبها الله سيئة واحدة، ولا يهلك على الله إلا هالك)).

وهذا يدل على أن الطاعة بركة في القول؛ إذ الكلمة الواحدة من الطاعة بعشر حسنات يكتب الله بها رضوانه، فيحفظ بها عبده حتى يُدخله الجنة، ويرضى عليه في الجنة فلا يسخط عليه أبدًا.

والطاعة بركة في العمل؛ إذ الصلاة بعشر صلوات كما في الحديث القدسي: ((أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي))، فهي خمس في الفعل وخمسون في الأجر والثواب. وصوم رمضان بعشرة أشهر كما في الحديث: ((رمضان بعشرة أشهر، وست شوال بشهرين))، ((والصدقة بسبعمائة ضعف))، ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).

والطاعة طهرة من الذنوب، فالصلاة طهرة من الذنوب كما في الحديث: ((مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة، هل يبقى عليه من الدرن شيء؟!)). والصوم طهرة من الآثام كما في الحديث: ((جاءني جبريل فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له أبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))، ومن صامه وقامه وقام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. و((الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))، و((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).

والطاعة بركة في التعامل؛ إذ بالتعامل الحسن يدرك الإنسان درجة الصائم القائم، ويجاور الرسول ، ويحظى ببيت في أعلى الجنة، ويدخل الجنة، ويكمل إيمانه، ويثقل ميزانه.

وأعظم الزمن بركة عشر ذي الحجة، والتي تستقبلونها إن شاء الله هذه الأيام؛ إذ لها مكانة عظيمة عند الله تعالى تدل على محبته لها وتعظيمه لها، فهي عشر مباركات كثيرة الحسنات قليلة السيئات عالية الدرجات متنوعة الطاعات.

فمن فضائلها أن الله تعالى أقسم بها فقال: وَلَيالٍ عَشْرٍ [الفجر:2]، ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، ومما يدل على ذلك أن الله لا يقسم إلا بأعظم المخلوقات كالسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح، ولا يقسم إلا بأعظم الأزمان كالفجر والعصر والضحى والليل والنهار والعشر، ولا يقسم إلا بأعظم الأمكنة كالقسم بمكة، وله أن يقسم من خلقه بما يشاء، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به، فالقسم بها يدل على عظمتها ورفعة مكانتها وتعظيم الله لها.
ومن فضائلها أن الله تعالى قرنها بأفضل الأوقات، والقرين بالمقارن يقتدي، فقد قرنها بالفجر وبالشفع والوتر وبالليل.

أما اقترانها بالفجر فلأنه الذي بحلوله تعود الحياة إلى الأبدان بعد الموت، وتعود الأنوار بعد الظلمة، والحركة بعد السكون، والقوة بعد الضعف، وتجتمع فيه الملائكة، وهو أقرب الأوقات إلى النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، وبه يُعرف أهل الإيمان من أهل النفاق. وقرنها بالشفع والوتر لأنهما العددان المكوِّنان للمخلوقات، فما من مخلوق إلا وهو شفع أو وتر، وحتى العشر فيها شفع وهو النحر، وفيها وتر وهو عرفة.

وقرنها بالليل لفضله، فقد قُدّم على النهار، وذكر في القرآن أكثر من النهار، إذ ذكر اثنتين وسبعين مرة، والنهار سبعا وخمسين مرة، وهو أفضل وقت لنفل الصلاة، وهو أقرب إلى الإخلاص لأنه زمن خلوة وانفراد، وهو أقرب إلى مراقبة الرب تعالى إذ لا يراه ولا يسمعه ولا يعلم بحاله إلا الله، وهو أقرب إلى إجابة الدعاء وإلى إعطاء السؤال ومغفرة الذنوب إذ يقول الرب في آخره: هل من داعٍ فأجيبه، وهل من سائل فأعطيه، وهل من مستغفر فأغفر له. مُيِّز به أهل الجنة في قوله تعالى: كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]، وفي قول
ه سبحانه: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ[السجدة:16]

وميِّز به عباد الرحمن في قوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:63، 64]، قال بعض السلف: "لولا الليل ما أحببت العيش أبدا"، وقال آخر: "لم يبق من لـذة الـدنيا إلا قيام اللـيل وصلاة الجماعة وصحبة الصالحين".

ومن فضائلها أن الله تعالى أكمل فيها الدين؛ إذ تجتمع فيها العبادات كلها، وبكمال الدين يكمل أهله، ويكمل عمله، ويكمل أجره، ويعيشون الحياة الكاملة التي يجدون فيها الوقاية من السيئات والتلذذ بالطاعات ومحبة المخلوقات، وبكمال الدين تنتصر السنة وتنهزم البدعة ويقوى الإيمان ويموت النفاق، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء لتكون نفسًا مطمئنة تعبد الله كما أراد، وتقتدي بالأنبياء، وتصاحب الصالحين، وتتخلق بالأخلاق الحسنة، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على شيطانه الذي شطّ ومال به عن الصراط المستقيم، وينتصر على الهوى والشهوات.

وقد كمل الدين حتى تركنا الرسول على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك شقي.

وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال، قال حبر من أحبار اليهود لعمر رضي الله عنه: آية في كتابكم، لو نزلت علينا ـ معشر اليهود ـ اتخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدًا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3]، قال عمر: (إني أعلم متى نزلت، وأين نزلت. نزلت يوم عرفة في يوم جمعة). وكمال الدين يدل على كمال الأمة وخيريتها.

ومن فضائلها أن الله أتم فيها النعمة؛ إذ تنعم الأرواح بشتى أنواع الطاعات القولية والفعلية والتعاملية، ومن تمام النعمة أن الله فتح قلوب العباد للإسلام، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، إذ كان عددهم عند تمام النعمة أكثر من مائة ألف. ومن تمام النعمة أن الله أظهر الإسلام على جميع الأديان؛ إذ كان في الجزيرة أديان متنوعة، منها اليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنية والنفاق، فأبيدت بالإسلام، وظهر عليها الإسلام، قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح:28].

ومن تمام النعمة منع الكفار من دخول الحرم واختصاص المسلمين بذلك، فتوحدت صفوف المسلمين حتى أصبحوا كالجسد الواحد، ووحدوا معبودهم، وتوحد دينهم، وتوحدت كلمتهم، وتوحد طريقهم، ويا لها من نعمة عظيمة أن ترى أهل الإيمان ظاهرين وأهل الكفر مهزومين.
ومن فضائلها أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصدقة لمن حال عليه الحول فيها، وفيها الصوم لمن أراد التطوع، أو لم يجد الهدي، وفيها الحج إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذكر والتلبية والدعاء الذي تدل على التوحيد، واجتماع العبادات فيها شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها ولا يساويها سواها.

ومن فضائلها أنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها، فهي أحب الأيام إلى الله تعالى، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى، فهي موسم للربح، وهي طريق للنجاة، وهي ميدان السبق إلى الخيرات، لقوله : ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام)) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))، وهذا يدل على أن العمل في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس، وأفضل من الجهاد بالمال، وأفضل من الجهاد بهما والعودة بهما أو بأحدهما، لأنه لا يفضل العمل فيها إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع لا بالنفس ولا بالمال، وقد روي عن أنس بن مالك أنه قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم، يعني في الفضل، وروي عن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة.

ومن فضائلها أن فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم معروف بالفضل وكثرة الأجر وغفران الذنب، فهو يوم مجيد، يعرف أهله بالتوحيد، إذ يقولون: لا إله إلا الله، وقد قال : ((وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله))، ويعرف الإنسان ضعف نفسه إذ يكثر من الدعاء ويلح على الله في الدعاء، وفي الحديث: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة))، ويعرف إخوانه المسلمين الذين اجتمعوا من كل مكان في صعيد واحد، ويعرف عدوّه الذي ما رئي أصغر ولا أحقر منه في مثل يوم عرفة، ويعرف كثرة مغفرة الله في هذا اليوم لكثرة أسباب المغفرة من توحيد الله ودعائه وحفظ جوارحه وصيامه لغير ال
حا

ج، وهو يوم الحج الأعظم، قال : ((الحج عرفة))، وصومه تطوعًا يكفر ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة مقبلة، وما علمت هذا الفضل لغيره فكأنه حفظ للماضي والمستقبل.

ومن فضائلها أن فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أفضل الأيام كما في الحديث: ((أفضل الأيام يوم النحر))، وفيه معظم أعمال النسك من رمي الجمرة وحلق الرأس وذبح الهدي والطواف والسعي وصلاة العيد وذبح الأضحية واجتماع المسلمين في صلاة العيد وتهنئة بعضهم بعضًا.

وفضائل العشر كثيرة لا ينبغي للمسلم أن يضيِّعها، بل ينبغي أن يغتنمها، وأن يسابق إلى الخيرات فيها، وأن يشغلها بالعمل الصالح.

ومن الأعمال المشروعة فيها الذكر، يقول تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ [الحج:28]، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)).

وكان أبو هريرة وابن عمر ـ وهما أكثر الصحابة رواية للحديث وأكثر اتباعًا للسنة ـ إذا دخلت عشر ذي الحجة يخرجان إلى السوق يكبران كلّ على حدته، فإذا سمعهم الناس تذكروا التكبير فكبروا كل واحد على حدته، وهذا التكبير المطلق، ويُكثر مع التكبير من التسبيح والتهليل والتحميد والذكر، ويكثر من قراءة القرآن فإنه أفضل الذكر، وفيه الهدى والرحمة والبركة والعظمة والتأثير والشفاء .

وليعلم المسلم بأن الذكر هو أحب الكلام إلى الله تعالى، وهو سبب النجاة في الدنيا والآخرة، وهو سبب الفلاح، وحفظ لصاحبه من الكفر ومن الشيطان ومن النار، به يذكَر العبد عند الله، ويصلي الله وملائكته على الذاكر، وهو أقوى سلاح، وهو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات، وخير من النفقة، به يضاعف الله الأجر، ويغفر الوزر، ويثقل الميزان، ومجالسه هي مجالس الملائكة ومجالس الرسل ومجالس المغفرة والجنة والإيمان والسعادة والرحمة والسكينة .

وفضائله كثيرة، قرنه الله بالصلاة فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103]، وقرنه بالجمعة فقال: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الجمعة:10]، وقرنه بالصوم فقال: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، وقرنه بالحج فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200]، وقرنه بالجهاد فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال:45]، ولا يتقيد بزمن ولا حال، أمر الله بـه على جميع الأحوال فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103].

وينبغي للمسلم أن يسابق في هذه العشر بكل عمل صالح، ويكثر من الدعاء والاستغفار، ويتقرب إلى الله بكل قربة، فدونكم الفضائل فاغتنموها، وإياكم والتواني والكسل، ولنعلم أن لله جل وعلا نفحات في أيامه، فلنهتبل الفرصة ولنستكثر من الحسنات، عل الله جل وعلا أن يعفو عن زلاتنا وسيئاتنا.

اللهم وفقنا لأرشد الأقوال والأفعال لا يوفق لأرشدها إلا أنت، اللهم جنبنا سيئ الأقوال والأفعال والأهواء والأدواء لا يجنبنا سيئها إلا أنت، اللهم اهدنا وسددنا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيَات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيد المرسلين وبقَوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من ذلك ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ مستيقنٍ بها في جنانه، ومقرٍّ بها بلسانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله المبلغُ للوحيين: سنته وقرآنه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

وإن من أفضل الأعمال في هذه الأيام ـ يا عباد الله ـ الإهلال بالحج والتقرب إلى الله جل وعلا به، والتقرب إلى الله بصوم عرفة لمن لم يحج، وفضل الأضاحي، ولعل الله جل وعلا ييسر لنا الكلام عن فضلها في الجمعة القادمة.

ومن الأعمال في هذه العشر الإكثار من نوافل الصلوات بعد الفرائض، كالرواتب التي قبل الفرائض وبعدها، وهي اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. ويواظب على النوافل المقيدة، مثل أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وصلاة الليل،
وهي إحدى عشرة ركعة كما في السنة عن رسول الله ، وكان يواظب عليها ويقضيها وقت الضحى لو نام عنها، وصلاة الضحى ركعتان أو أكثر، فالمحافظة على الن
وافل

سبب من أسباب محبة الله، ومن نال محبة الله حفظه وأجاب دعاءه، وأعاذه ورفع مقامه، لأنها تكمل النقص وتجبر الكسر وتسد الخلل.

ويكثر من الصدقة في العشر، إذ الصدقة فيها أفضل من الصدقة في رمضان، وما أكثر حاجات الناس في العشر من النفقة والاستعداد للحج وللعيد وطلب الأضحية ونحوها، وبالصدقة ينال الإنسان البر ويضاعف له الأجر ويظله الله في ظله يوم القيامة، ويفتح بها أبواب الخير ويغلق بها أبواب الشر، ويفتح فيها بابا من أبواب الجنة، ويحبه الله ويحبه الخلق، ويكون بها رحيمًا رفيقًا، ويزكي ماله ونفسه، ويغفر ذنبـه، ويتحرر من عبـودية الـدرهم والديـنار، ويحفـظه الله في نـفسـه ومـاله وولده ودنياه وآخرته.

ويكثر من الصيام في أيام العشر، ولو صام التسعة الأيام لكان ذلك مشروعًا، لأن الصيام من العمل الصالح، ولأنه ثبت في الحديث أنه كان يصوم يوم عاشوراء، وتسع ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر، وما ورد عن عائشة أنه ما صام العشر فالمراد إخبار عائشة عن حاله عندها، وهو عندها ليلة من تسع، ولربما ترك الشيء خشية أن يُفرض على أمته، ولربما تركه لعذر من مرض أو سفر أو جهاد أو نحوه، وإذا تعارض حديثان أحدهما مُثبت والآخر نافي فإننا نقدم المثبت على النافي، لأن عنده زيادة علم.

وينبغي للمسلم إذا دخلت عليه العشر وهو يريد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئًا، فمن أراد منكم أن يضحي فثبت دخول شهر ذي الحجة فإنه لا يحلّ له أن يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئا، هكذا جاء الحديث عن رسول الله ، إذا دخل العشر وأراد الإنسان أن يضحي فلا يأخذن من هذه الأمور الثلاثة شيئا الشعر والظفر والبشرة يعني الجلد، وأما من يضحّى عنه وهم أهل البيت فلا حرج عليهم أن يأخذوا شيئا من ذلك لأن النبي إنما نهى من أراد أن يضحي وأهل البيت يضحى عنهم ولا يضحّون، ولهذا لا نعلم أن النبي كان ينهى أهله أن يأخذوا شيئا من ذلك مع أنهم كانوا يضحى عنهم، فقد كان رسول الله يضحي بأضحيتين: إحداهما عنه وعن أهل بيته، والثانية عن أمته جميعا، فجزاه الله عنا خيرا، وجعلنا من أتباعه ظاهرا وباطنا، وحشرنا في زمرته، وسقانا من حوضه، وجمعنا به في جنات النعيم، إنه هو الكريم الوهاب.

وأكثروا من الصلاة والسلام علي نبيكم محمد ، أكثروا من الصلاة عليه في كل وقت فإنه أعظم الناس حقا عليكم، أكثروا من الصلاة عليه فإنكم بذلك أمرتم، أكثروا من الصلاة عليه فإنكم تنالون بذلك أجرا عظيما، فإن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشره.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارض عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين.
خطبة عشر ذي الحجة: خصائصها ومزاياها

الحمد لله العليم القدير، دلَّ خلقُه ورزقُه على قدرته، وبرهن تدبيرُه لما خلق على علمه وحكمته؛ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ ﴾ [الحجر: 86]، وقال الملائكة - عليهم السلام -: ﴿ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32]، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، امتَنَّ على عباده، فخلقهم ورزقهم وكفاهم، وإلى دينه ومرضاته هداهم؛ ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [البقرة: 198]. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نصح لأمته، فدَلَّهم على ما ينفعهم، وحذرهم مما يضرُّهم؛ ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، اختارهم الله – تعالى - لصُحبة نبيّه، فكانوا خير هذه الأمة إقامةً لدين الله - تعالى - ونصرة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وقيامًا بحقِّه، ووفاء له، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعدُ: فاتَّقوا الله ربكم، واغتنموا ما بقي من أعماركم، واعتبروا بما ضاع مِن أوقاتكم، واتَّعظوا بمن مضوا قبلكم؛ فإنكم سائرون على دربهم، صائرون إلى مصيرهم، ولا مفرَّ منَ الله - تعالى - إلاَّ إليه، ولا نجاة إلاَّ بصدق التَّوَجُّه إليه - سبحانه - وتعلق القلوب به - عزَّ وجلَّ - وإخلاص العمل له وحده دون سواه، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ﴾ [البيِّنة: 5]. فأوصيكم اخوة الايمان ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ فاتقوه حق التقوى،.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون } {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
اخوة الايمان إنَّ من فضل الله على عباده أنْ جعَلَ لهم فُرَصًا حتى يتقرَّبوا إليه بالطاعات، ومن مَزِيدِ فضله أنْ أعلَمَهم بهذه الفُرَص، ومنها العشر من ذي الحجَّة، والله - سبحانه وتعالى - فضَّل بعضَ الأماكن على بعضٍ؛ ففضَّل مكَّة على سائر البِلاد، وفضَّل بعض المساجد على بعض؛ ففضَّل المسجد الحرام، وأعدَّ الثواب العظيم لِمَن حجَّ بيتَه الحرام، ومن رحمته لم يُكلِّف بهذه الفريضةِ غيرَ المُستَطِيع، ومن مزيد فضله لم يحرم الله غيرَ المستطيع الذي حبَسَه العذرُ من مشاركة حُجَّاج بيته الحرام من الأجر والثَّواب ومشاركتهم في مَناسِكهم، وإذا كان الحجَّاج يَعِيشون كلَّ معاني التقوى والإيمان وينقلونها إلى بقيَّة الأمَّة، فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أراد لِمَن لم يُكتَب له الحجُّ أنْ يعيشَ هذه المعاني التي يعيشها الحاجُّ، وليس هذا عن طريق السَّماع فحسب، بل شرَع الله - عزَّ وجلَّ - لنا وسائل تجعَلُنا نَعِيشُ نفسَ مَشاعِر الحجَّاج، وفي نفس الوقت الذي يؤدُّون فيه مَناسِكهم.
فقد شرَع الله - عزَّ وجلَّ - لنا أعمالَ خيرٍ وبِرٍّ، وطاعةٍ وعبادة، خاصَّة في أيَّام الحجِّ؛ ففي نفس الوقت الذي يكون فيه الحاجُّ في مكَّة يؤدِّي المناسك تكون أنت في بلدك بعيدًا عن مكة بمئات أو آلاف الأميال، ومع هذا تُحصِّل من الأجرِ الكثيرَ والكثيرَ، لدرجةٍ تعلو فيها على المجاهد، إلاَّ أنْ تبذل النفس بكاملها والمال بكامله في سبيل الله، فهذه أعظَمُ عشرة أيَّام في العام كله، وهذه الأيَّام ليست للحجَّاج فقط، بل إنها لعموم الأمَّة؛ حتى يعيش المسلِمون مع إخوانهم الحجاج الجوَّ الإيماني الذي يَعِيشونه.
نعم أيها الاخوة المؤمنون فمع تَعظِيم أماكن الحج عظَّم الله زمانَ الحجِّ؛ ففضَّل أيَّام الحج على غيرها من الأيَّام حتى تتنزَّل الرحمةُ على الحاجِّ المستَطِيع، وكذلك على مَن حبَسَه العذرُ وصدَق في نيَّته فحجَّ بقلبِه.
فكما نهى تبارك وتعالى عن الظُّلم بارتِكاب المحرَّم في المكان فقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )[الحج : 25]. كذلك نهى عن الظُّلم بارتِكاب المحرَّم في زَمان الحجِّ؛ فقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَ
ابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36].

وكما كان مكان الحج مقدَّسًا وهو بلدٌ حَرام؛ أي: حَرام فيه القتال، والذَّنب فيه أشد عقوبَة، كذلك زمان الحج فهو شهر حَرام؛ أي: حَرام فيه القتال، والذَّنب فيه أشد عقوبة، ففي الشهور الحرم تُغلَّظ فيها الآثام كما تُغلَّظ فيها الدِّية عند الإمام الشافعي وغيره. ومعني (حَرام)؛ أي: إنَّ المعصية فيها أشد عقوبة والطاعة فيها أكثر ثَوابًا؛ "تفسير الفخر الرازي" (الشيء بالشيء يُذكَر فقال الرازي: قال أهل العلم: الواجب على المسلمين بحكم هذه الآية أنْ يعتَبِروا في بيوعهم ومُدَد ديونهم وأحوال زَكواتهم وسائر أحكامهم السَّنة العربيَّة بالأهلَّة، ولا يجوز لهم اعتِبار السَّنة العجميَّة والروميَّة).
﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] بفعل المعاصي وترك الطاعات؛ فتركُ الطاعات وفعلُ المعاصِي في هذه الأيَّام ظلمٌ للنَّفس.
اخوة الإسلام لقد اختَصَّ الله -تعالى -بعض الأزمنة بعبادات فُضلت بها على غيرها منَ الزمان، كما اختصَّ ثلث الليل الآخر دون سائر اللَّيل والنهار، بتجلِّيه - سبحانه - للمُستغفرينَ من عباده والسائلين والداعين، واختص يوم الجمعة بهذه الصلاة العظيمة، وبساعة الإجابة فيها، واختص رمضان بوجوب صيامه، ومشروعية الجماعة في قيامه.
واختُصتْ عشرُ ذي الحجة باجتماع أمَّهات العبادات فيها، فكان العمل الصالح فيها أفضلَ منه في غيرها؛ فالصلاة، والدعاء، والصدقة، والجهاد، وقراءة القرآن، وذِكْر الله - تعالى - وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف، والنَّهي عنِ المنكر، وغيرها منَ القُرُبات - هي في عشر ذي الحجة أفضل منها في غيرها؛ لحديث ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ الله - عز وجل - ولا أَعْظَم أَجْرًا من خَيْرٍ يعمله في عَشْرِ الأَضْحَى))، قِيلَ: ولا الجِهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجِهَاد في سبيل الله - عز وجل - إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فلم يَرْجِعْ من ذلك بِشَيْءٍ))؛ رواه البخاري، والدارمي واللفظ له.
احباب النبي محمد صلى الله عليه وسلم إنَّ هذه العَشْر المبارَكات التي ستدركنا بعد ايام قلائل هي أفضل أيام السَّنة، والعمل الصالح فيها - أيًّا كان نوعه - أفضل منه في غيرها، وهي تقع في آخر شهر من السنة، فكأنها تعويض للمفرطين في عامهم؛ ليتداركوا أنفسهم، ويعوضوا فيها ما فاتهم، ويدركوا بها منزلة من سبقهم، ومن فضل الله تعالى أنها كانتْ في آخر العام؛ فإنَّ العبدَ يَتَذَكَّر بنهاية سنته نهاية عمره، ويندم على ما فرط في أيامه الخالية، ويعقد العزم على استثمار ما بقي من حياته، فإذا هو يستقبل هذه العشر المباركة؛ ليفي بوعده لربه، ويصدق مع نفسه.
اخوة الايمان إنَّ الله - تعالى - حين جَعَل هذه العشر المباركات أفضل أيام السنة، فإنَّه - سبحانه - اختَصَّها بخصائص ليستْ في غيرها، وجعلها زمنًا لعبادات لا تكون في سواها، فهي زمن أداء ركن الإسلام الخامس، فأولُ أيام الحج فيها وهو يوم التروية، اليوم الثامن من ذي الحجة وفي اليوم التاسع الركن الأعظمُ للحج، وهو الوقوفُ بعرفة، ويُتَوَّجُ خاتمتُها وهو يوم النحر بأكثر أعمال الحج، وهي: الرمي، والنحر، والحلق، والحل من الإحرام، والطواف بالبيت، والسَّعي بين الصفا والمروة.
لقد اختُصت بهذه الأيام الثلاثة العظيمة، وفيها مناسك الحج وشعائره الكبيرة، ففي اليوم الثامن يبدأ الحجاج مناسكهم، وفي اليوم التاسع يقفون بعرفة، وهو من أعظم الأيام وأفضلها، يعتق الله تعالى فيه منَ النار ما لا يعتق في غيره من سائر الأيام؛ كما في حديث عَائِشَة - رضي الله عنها -: أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من يَوْمٍ أَكْثَر مِن أَنْ يُعْتِقَ الله فيه عَبْدًا من النَّارِ من يوم عرفة، وإنه لَيَدْنُو، ثم يُبَاهِي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))؛ رواه مسلم.
وهو اليوم الذي نزلتْ فيه آية الإخبار بكمال الدِّين، وتمام النِّعمة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعَرَفة؛ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنَّ رجلاً منَ اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا - معشرَ اليهود – نزلتْ، لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيُّ آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمر: قد عَرَفْنَا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلتْ فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائمٌ بعَرَفَة يوم جمعة"؛ رواه الشيخان.
فكان الإخبار عن كمال دين الإسلام، وتمام نعمة الله تعالى به عل
ينا، ورضاه بالإسلام لنا دينًا في اليوم التاسع من هذه العشر المباركة، فاختصتْ بهذا الفضْل العظيم. وفيها ليلة جَمْعٍ، حين يبيت الحجاجُ بمُزدلفة، ويذكرون الله - تعالى - فيها بعد الفجر إلى الإسفار؛ قال الله - تعالى - في فضْل هذا الذِّكر في ذلك المشعر المبارك: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [البقرة: 198]
واختُصت العشر بيوم النحر، وهو العيد الأكبر، وهو أفضل من عيد الفطر؛ لاختصاصه بكثير من الشعائر والعبادات، وفيه تُراق الدماء؛ تعظيمًا لله - تعالى - ولا تذبح الضحايا والهدايا قبله، ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، فكان التَنَسُّك بالدِّماء لله - تعالى - في خاتمة هذه العشر المبارَكة، وكان آخر يوم منها وهو اليوم العاشر عيدًا كبيرًا للمسلمين، يذكرون الله - تعالى - فيه على ما هداهم، ويشكرونه على ما أعطاهم؛ ﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الحج: 36]، وثبت فضله في حديث عبدالله بن قُرْطٍ - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ أعظم الأيام عند الله - تبارك وتعالى - يوم النحر، ثم يوم القر))؛ رواه أبو داود. ومَن أراد أن يضحيَ، فليمسك عن شعره وأظفاره، من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
ومن خصائص هذه العشر المبارَكة: أنَّ الله - تعالى - نصَّ في كتابه العزيز على ذكره فيها؛ فقال - سبحانه -: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج:
فالأيام المعلومات هي العشر في قول أكثر السلف والعلماء، ومن ذكره - سبحانه - فيها ما شرع فيها منَ التكبير؛ تعظيمًا لله - تعالى - وإعلامًا بفضيلة هذه العشر، وإظهارًا لشعائرها.
وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أَيام أَعْظَمُ عِنْدَ الله، وَلاَ أَحَبُّ إليه الْعَمَلُ فِيهِنَّ من هذه الأَيَّامِ العَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، والتحميد))؛ رواه أحمد، قال البخاري - رحمه الله تعالى -: ((وكان ابن عُمَرَ وأبو هريرة يَخْرُجَانِ إلى السُّوقِ في أَيَّامِ العَشْرِ، يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ الناس بتكبيرهما))، وروى الدارمي، عن سَعِيد بن جُبَيْر - رحمه الله تعالى -: أنه كان إذا دخل أَيَّام العَشْرِ اجتهد اجْتِهَادًا شَدِيدًا؛ حتى ما يكاد يقدر عليه)).
فحَرِيٌّ بالمسلم أن يشكرَ الله - تعالى - على فضلها وفضْل العمل الصالح فيها، وهي أيام قلائل، وأن يشكره - عز وجل - على ما شرع فيها من أمهات العبادات، والأعمال الصالحة، وأن يشكرَه - عز وجل - على بُلُوغها، وهو في أمْنٍ وعافية، ولديه قدرة على الاجتهاد فيها بما يرضي الله - تعالى - ومن دلائل الشكر فيها حبس النَّفس على الطاعات، ومجانَبة المحرَّمات.
أعوذ بالله منَ الشيطان الرجيم، ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم:
أسأل الله عز وجل أن يجمعني بكم دائماً أبداً في الدنيا على طاعته وفي الآخرة في جنات النعيم .....بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية الحمد لله الذي خلق الزمان وفضّل بعضه على بعض فخصّ بعض الشّهور والأيام والليالي بمزايا وفضائل يُعظَّمُ فيها الأجر ، ويَكثرُ الفضلُ رحمةً منه بالعباد ليكون ذلك عْوناً لهم على الزيادة في العمل الصالح والرغبة في الطاعة ، وتجديد النشاط ليحظى المسلم بنصيب وافر من الثواب ، فيتأهب للموت قبل قدومه ويتزود ليوم المعاد . وأشهد ألا إله إلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ الله بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا.
أيُّها المسلمون، هذه الدُّنيا التي نعيشها لن نخلَّدَ فيها، وهي لن تبقى إلى الأبد، فلها نهاية كما كان لها بداية، ونحن نعلم أنه في كل يوم يموت خلق كثير ويدفنون، ولا بدَّ أن نكونَ يومًا من الأيام منهم، طال ذلك أم قصر.
والدُّنيا بأفراحها وأتراحها، ومسراتها وأحزانها، ويسرها وعسرها ينساها الناس بمفارقتها؛ بل إن الواحد يصيبه عسر شديد، ومصيبة كبيرة، ثم مع مرور الأيام يزول عسرُه، وينسى مصيبتَه، ويذهب همُّه وغمه، وكذلك الإن
سان تصيبه سراءُ فيفرح بها فرحًا شديدًا، ومع الأيام ينساها ويزول فرحه.
وهكذا ما يلحق أهل الإيمان والتقوى من مشقَّة حبس النَّفس على الطاعات، وكفها عن الشهوات؛ فإنَّهم ينسون ذلك بمجَرَّد انتهاء وقته، وذهاب مشقَّته؛ فالصَّائم الذي جاع وعطش ينسى معاناته مع الجوع والعطش بمُجَرَّد فطره، والحاج الذي لحقه منَ المشقة والزحام وطول الانتظار ما لحقه، ينسى ذلك بِمُجَرَّد إتمام حجه، وانقضاء نسكه. وأهل الشَّهَوات المُحَرَّمَة ينسون لذَّة شهواتهم ومتعتها، بمجرَّد مفارقتها، وتبقى السيئات في صحائفهم، والأوزار تثقلهم، والهموم والأحزان تملأ قلوبهم، وهذا مِن عذاب الدُّنيا قبل عذاب الآخرة...... ونجد هذا المعنى واضحًا كل الوضوح في حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((يُؤْتَى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصبغ في النار صبغة، ثُمَّ يقال: يا ابن آدم، هل رَأَيْتَ خَيْرًا قط؟ هل مر بك نَعِيمٌ قَط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ويؤتى بِأَشَدِّ الناس بؤسًا في الدُّنْيَا من أهل الجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم،هل رَأَيْتَ بُؤْسًا قط؟ هل مَرَّ بك شِدَّةٌ قط؟ فيقول: لا، والله يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رأيت شِدَّةً قَطُّ))؛ رواه مسلم.
فحريٌّ بالمسلم أن يعتبرَ بذلك، وأن يعمر وقته بطاعة الله - عزَّ وجَلَّ - لعلمه أنَّ ما يلحقه من مشقَّة العبادة يزول ويبقى له أجرها، يتنعم به خالدًا مخلدًا في دار النعيم، وأن يجانبَ المحرَّمات؛ ليقينه أنَّ لذَّتها تزول بزوالها، ويبقى وِزرها عليه، وأن يستفيدَ منَ الأزمان الفاضلة، والأوقات المبارَكة التي اختَصَّها الله - تعالى - بشعائره العظيمة، فيعظمها كما عظمها الرَّبُّ - تبارك وتعالى - ويخصها بكثرة النوافل والقُرُبات، وإنَّ الخسران كلَّ الخسران أن يصرفها العبد في اللهْوِ والغفلة، والتمتُّع بما حرم الله - تعالى - عليه، ولربَّما كانتْ هذه العشر آخر موسم مبارك يدركه العبد في حياته، فلعلَّ الموت يبغته في أي لحظة؛ ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) اللهم صلى وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه، وترسموا خطاه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا ارحم الرحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين ، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجمع كلمتهم على الحق والهدى ، وعلى التوحيد والسنة يا أرحم الراحمين اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم .. اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم احفظ كل مسلمٍ ومُسلمة، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم نفِّس كُرُباتهم، اللهم أدخِل السعادةَ والسرورَ على قلوبِهم، والأمنَ والأمانَ على بُلدانهم، اللهم انشر الرخاءَ والسخاءَ في بلاد المُسلمين.... اللهم أبطِل مكرَ الماكرين، اللهم اجعلهم غنيمةً للمُسلمين، اللهم وفِّقنا لما تحبُّه وترضاه يا كريم. اللهم احفَظ بلادَ المُسلمين من كل سوءٍ ومكروهٍ، اللهم حقِّق لنا الأمنَ والإيمانَ، ،،، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار. اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها. ، اللهم يا فارِجَ الهمِّ، يا كاشِفَ الغمِّ فرِّج الهمومَ والغمومَ عن المُسلمين في كل مكانٍ يا حيُّ يا قيُّوم.اللهم وحِّد صفَّهم، اللهم اجمَع كلمتَهم إنك على كل شيءٍ قديرٌ..... اللهم اجعل اليمن آمناً أماناً سخاءاً رخاءاً وجميع بلاد المسلمين اللهم ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا اللهم من ولي من أمر المسلمين شيئاً فرفق بهم فارق به ومن ولي من أمر المسلمين شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه بقوتك يا قوي يا عزيز، اللهم استر نساءنا واحفظ بناتنا وأصلح شبابنا واهدي أولادنا.... اللهم أبرم لهذه الأمة مخرجا تخرج فيه من أزماتها وكبواتها برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهم احفظ اليمن، اللهم احقن
دماء اليمنيين ولم شعثهم ووحد صفهم وألف بين قلوبهم، اللهم امكر بمن يمكر بيمننا وشعبنا وانتقم من المعتدين على شعبنا انك على كل شيء قدير....ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم...ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتهم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
2024/09/25 12:25:18
Back to Top
HTML Embed Code: