Telegram Web Link
رَبِّي قدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفسِي نَفْسِي، اذهَبُوا إلَى غَيْرِي، اذهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلاَ ترَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فيَقولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذبْتُ ثلاَثَ كَذَبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ - نَفْسِي نَفسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَضَّلَكَ اللَّهُ برِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أومَرْ بقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ ذنْبًا - نَفْسِي نَفسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَيَقولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنْبكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّة وَبُصْرَى».

في ذلك الموقف العظيم، الذي قال عنه رب العالمين: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18]، يأتي الصيام ليشفع لأهله، ويأتي القرآن ليشفع لأهله.

أخرج الإمام أحمد والحاكم والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقولُ الْقرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» فهنيئا لمن شفع له الصيام؛ فهو من أحب الأعمال إلى الله تعالى. وهنيئا لمن شفع له القرآن؛ فهو كلام الله عز وجل.

• شفاعة الصيام:
الصيام يشفع لصاحبه، فيقول: "رَبّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه". فأنت عندما تصوم تمتنع عن الطعام طاعة لله، وتمتنع عن الشراب طاعة لله، وتمتنع عن الشهوات طاعة لله.. فهاهو الصيام يأتي ليشفع لك عند الله يا من صبرتَ على ألم الجوع والعطش ومنعتَ نفسك مما تشتهيه طاعة لله.
والصيام الذي يشفع لصاحبه هو الصيام الذي لم يَصْحبه صَخَبٌ ولا كذب ولا زور ولا رفث ولا ظلم ولا عدوان..

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «...وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب - ولا يجهل -، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم».

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدَعْ قولَ الزور والعملَ به، فليسَ لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه».

فمن أراد شفاعة الصيام، فليحافظ على صيامه، ولا يُفسِدْه بالمنكرات، ولا يُضيّع أجرَه بالسيئات.
من أراد شفاعة الصيام، فليَحْفظ لسانه، وليغضّ بصره، وليكفّ يديه ورجليه عن كل سوء ومكروه.

يقول جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصُمْ سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعلْ يومَ صومِك ويوم فطرك سواء".

من أراد شفاعة الصيام، فليَحبسْ نفسه عن الشهوات، مما حرّمه الله عز وجل على الصائم في نهار رمضان، أو مما حرمه الله تعالى على العباد على الدوام.

فاترك شهوتك طاعة لله، لتحظى بشفاعة الصيام، واعلم أن كل شهوة أو لذة قضيتها في حرام ستفنى ويبقى إثمها وذنبها.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتَها
من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها
لا خيرَ في لذة من بعدها النار

شفاعة القرآن:
رمضان شهر القرآن، فيه ابتدأ نزوله، وفيه كان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيدارسه القرآن، وفيه يُقبل الناس على القرآن، وفيه يُختم القرآن في صلاة التراويح، وفيه تعقد مجالس القرآن وموائده... ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

رمضان شهر القرآن، والقرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة.
القرآن يشفع لمن يقوم به الليل. فيقول: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه.
فهلْ فِعلا منعك القرآن من النوم يا عبدَ الله؟ ما الذي أسهرك؟ القرآن؟ التدبر؟ القيام؟ الدعاء؟...

أمْ أنّ الذي أطارَ نومك في رمضان هو اللهو واللعب، والمواقع والقنوات، والتجول في الشوارع والمنتزهات، وتعاطي المسكرات والمخدرات، وقضاء الليل في مجالس الغيبة والنميمة والكذب والبهتان؟...

ما الذي أطار نومك وأقضّ مضجعك؟ وجعلك تسهر الليل كله أو جله؟ هل هو القرآن الذي أسهر الصالحين، وأقامهم بين يدي الله راكعين ساجدين؟.. كما قال عنهم رب العالمين: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17، 18].

وقال سبحانه: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 63، 64].

فأين نحن من هؤلاء؟ بعضنا لا يستطيع أن يَحمِلَ نفسه على إتمام صلاة التراويح مع الإمام في رمضان، فكيف سيقوم الليل في غير رمضان؟.

أخرج الإمام أحمد والدارمي وأصحاب السنن عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ».
القرآن يشفع لمن يقرأه ويتلوه بالليل أو بالنهار.

أخرج الإمام أحمد والبيهقي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي شَفِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِصَاحِبِهِ...». فهنيئا لك يا من تواظب على قراءة القرآن.
فمن أراد المنافسة فهذا ميدان المنافسة والسباق، ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، في فعل الخيرات والطاعات.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين، رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملتُ مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل».
القرآن يشفع لمن يتدبره ويعمل به، يتخلق بأخلاقه، ويلتزم بأحكامه وآدابه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرْآنِ، ثَلَاثُونَ آيَةً، شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ سُورَةُ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ». أخرجه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وأصحاب السنن الأربعة والبيهقي بألفاظ متقاربة.

وفي صحيح مسلم ومسند أحمد عَن النَّوَّاس بْن سَمْعَانَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ
وَآلُ عِمْرَانَ». وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا ». الظلة: السحابة التى لها ظل. الشَّرق: الضوء والنور. الفرقان، أو الحزقان: الجماعتان. الصواف: باسطة أجنحتها فى الهواء.

فاتقوا الله عباد الله؛ واجتهدوا في طاعة ربكم، وابتعدوا عن معصيته، واغتنموا شهركم هذا فيما يسعدكم وينجيكم ويشفع لكم عند بارئكم.

واعلموا رحمكم الله أن أيام رمضان معدودة، ولياليه محدودة، ستنقضي، وستنتهي مشقة الطاعة فيه وألمُها، ويبقى أجرُها وثوابها لمن صبرَ واجتهد وعمل صالحا، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 183، 184].

فاللهم ارزقنا شفاعة الصيام، وارزقنا شفاعة القرآن، واحفظ صيامنا من كل معصية وسوء، وحبب إلى قلوبنا كتابك الكريم، يا رب العالمين.
اللهم وفقنا لحُسن الصيام والقيام، وأعنا على طاعتك وعبادتك وذكرك، يا رحمان.
اللهم اجعلنا في هذا الشهر من المرحومين، واجعلنا فيه من الفائزين، واجعلنا فيه ممن قبلت منهم الصيام والقيام وأعتقت رقابهم من النيران، يا رب العالمين.
وصَلّ اللهم وسلمْ وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
🎤
خطبـةجمعــةبعنــــوان.tt
وجـــــوب الـــزكـــاة وفـــوائـــدهــا
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً. بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه. فصلواتُ ربي وتسليماته عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين أما بعد: فانَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ..

اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد الذي لا ند لك وكل شيء هالك إلا وجهك، اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الرضا إلا فيك، ومن الطلب إلا منك، ومن الصبر إلا بك، ومن الذل إلا لك، ومن الرجاء إلا فيك، ومن الرهبة إلا إليك..

أيـــها المسلمــون:
المال من زينة الحياة الدنيا، تسر له النفوس، تفرح إذا أعطيت، وتحزن إذا منعت منه، وليس العطاء دليل الرضا، ولا المنع علامة الغضب، ومن عباد الله من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقره الله ما صلح له ذلك، ومن عباده من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغناه الله ما صلح له ذلك، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع وهو الحكيم الخبير.

إخـــوة الإيـــمان:
المتأمل في النظام الإسلامي الاقتصادي والاجتماعي يتبين له أنه أعدل نظام عرفته البشرية، فالأغنياء الموسرون في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. يؤجرون على البذل، ويبارك لهم في المال مع الصدقة، ويجازون بالإحسان على إحسانهم، يعطيهم الله من رزقه، ويطلب منهم القرض الحسن للمحتاجين من خلقه، تضاعف لهم الأجور في الصدقات، ويحفظ الله أموالهم من الكوارث والنكبات بإخراج الزكاة، وإعطاء الصدقات.

الفقراء يحتاجون فلا يجيبون ، ويصبرون فيؤجرون، تضن بهم الحياة وتلاحقهم هجوم الديون وغلته، وقهر الرجال فيشكون الحاجة الى خالقهم وينزلونها به دون خلقه، فيحصل لهم بعد العسر يسرٌ، ومن الهموم فرج، كم لهم من الأجر حين يصبرون على شظف العيش وكفاف الحياة، كم تصفو نفوس الزهاد في الدنيا حين لا يشغل بالهم التجارة في الأسواق، بل يتفرغون للدراسة والتدريس، والعبادة والتزود للآخرة.

إخوة الإيمان:
الزكوات والصدقات والعطايا والهدايا والهبات كلها إنفاق يؤجر عليه المسلم إذا كانت خالصا، تخفف معاناة الفقر، وتذهب شح النفوس، وتجعل في الحياة فرصا للخير والمودة والرحمة، كيف يكون شعور رجل مدين بأموال قد أثقلته أو عاجز عن النفقة على الأهل والعيال، أو بشاب يريد أن يتزوج ويعف نفسه وأظلمت الحياة في وجهه إذ لا يجد ما يغنيه، لابد أن تمتد يد المحسن لينتعش المدينون، ويتزوج الشاب ولينفق صاحب العيال على عياله، ولن ينسى الفقر المحتاج لهذا الغني ما أنفقت يداه، ولأجر الآخرة أعظم) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة "متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

إن الزكاة لها آثار اجتماعية
ولها أساسيات في الإسلام منها:

• تطهر المال، وتزكي النفس، وتسد حاجة الفقير.

• الزكاة مرة واحدة في العام تؤخذ من:
1- بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم.

2- الخارج من الأرض من حبوب وثمار وما في معناه كالعسل الذي يأتي من النحل.

3- عروض التجارة.

4- الثمار بأنواعه حسب ما قاله الفقهاء.

5- الأثاث إلى غير ذلك كالمعادن والركاز، الموجودة في كتب الفقه ومضانها.

والزكاة الواجبة في الذمة، وهي زكاة الفطر التي تجب على كل مسلم في نهاية شهر رمضان. وصدقة التطوع، وهي ما يخرجه المسلم إحساناً إلى غيره؛ طلباً لزيادة الأجر.

ولا زكاة في شيء حتى يبلغ نصابا، ولا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول ,والخارج من الأرض ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَق
َّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].

إذا منع المسلم ما يجب عليه تضرر، وإذا أخذ ما لا يستحق أكل حراما، وكان رسول الله يعطي الزكاة إذا علم أن هناك من يحتاج، وإذا سأله أحد يقول (لا حظ فيها لغني أو مكتسب)، والجباة الذين يأخذون الزكاة لا بد لهم ان يكونوا عادلين ففي الحديث (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثمار - يخرص يعني: يقدرها لهم ليستخلص ما وجب عليهم دفعه للرسول صل الله عليه و سلم - فأرادوا أن يرشوه!فقال: يا أعداء الله، تطعمونني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليّ، ولأنتم أبغض إليّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على ألا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض...).

ولا بد من العدل، وإخراج الواجب من المال طيبة به النفس، راضية غير منافقة، ولا ومؤذية، وإذا هالك كثير ما تدفع من مالك للمحتاجين، فانظر إلى كثير ما أعطاك الله, كان من هديه صلى الله عليه وسلم الدعاء لمعطي الزكاة، فتارة يقول له (اللهم بارك فيه وفي إبله) وتارة يقول (اللهم صل عليه) ويشجع المزكين ويفرح يدعوه المحتاج.

ولا محاباة في الزكاة، فهي تدفع للأصناف الثمانية التي جددهم القران الكريم قال تعالى ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].

قال ابن القيم: صنفان من الناس:
من يأخذ لحاجته فيأخذ بحسب شدة الحاجة وضعفها وكثرتها وقلتها، وهم الفقراء والمساكين وفي الرقاب وابن السبيل.

والصنف الثاني من يأخذ لمنفعته وهم العاملون والمؤلفة قلوبهم والغارمون، لإصلاح ذات البين، والغزاة في سبيل الله، فإن لم يكن الآخذ محتاجا ولا فيه مصلحة للمسلمين فلا سهم له في الزكاة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، وطوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثيرا، وصلاة على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
أيها المسلمون: حذرنا ربنا سبحانه من منع الزكاة، وبين أن الويل الشديد لمانع الزكاة، والعقوبة قد تعجل في الدنيا بحصول الكوارث والنهب والسلب، ومحق البركة، وفي الآخرة أشد العذاب، جاء في الحديث ما من رجل ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما ردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل‏:‏ يا رسول الله فالإبل، قال‏:‏ ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل‏:‏ يا رسول الله فالبقر والغنم، قال‏:‏ ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار‏.

أيها الكرام:
إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أمواله، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".

وعن أبي هُريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعةُ الله" (رواه مسلم).

وأدِّ زكاة المال واحرص لدفعها
إلى أهلها للعاملين يا صاح تسعدِ 

فلو منعوني - قال صدِّيق أمّتي
عقالَ بعيرٍ جئتهم بالمهند
===========================
دروس.وخـواطــر.رمـضــانيـة.cc
رمــضــــــان تـربــيــــــة للـمــؤمـنـــين
=======================

الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبــعــــد :

فإنّ صيام رمضان يُربِّي النفوس المؤمنة على كل خير، بل ويربِّي المجتمع على طاعة ربِّه، ولذا أيّها المسلم في رمضــان :

1- اهتمّ في حياتك بتربيةِ نفسِك على طاعة الله، واهتمّ بتربية أولادك على العبادات العظيمة التي لها أثرها في القلوب والنفوس، ومن تلك العبادات المثمرة :

أ- الصلاة : فلتكن في شهر رمضان محافظاً عليها أشدّ المحافظة، على الفرائض ثم النوافل كقيام رمضان، بل وربِّ نفسك على المحافظة على الصلاة، لقوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [ المعارج : 34 ] .

واعلم أنّك إن أهملت في الصلاة المفروضة فأنت في الصيام أكثر إهمالاً، مهما ادَّعيت المحافظة عليه، حافظ على الصلاة بطهارتها، وخشوعها، وواجباتها، وأثرها عليك، فإنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر .

ب- ربِّ أولادك المُمَيِّزين على الصلاة في رمضان وغيره، وهذه التربية الواجبة ( بأمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، وبضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين إذا امتنعوا ) وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أحمد وأبو داود (صحيح) .

ج- رَبِّ أولادك التربية المسنونة
على صيام شهر رمضان، وهذه التربية للأولاد المميزين من الذكور والإناث، والاجتهاد في أن ينشأ الولد على طاعة الله، وقد قالت الرُّبيِّع: ( أَرْسَلَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ ) رواه الشيخان .

وهذا في عاشوراء لمَّا كان واجباً
قلت : وكذلك رمضان فإننا يُشرع لنا
أن نربي أولادنا على صيامه.

د- وإذا كنت أيّها المسلم لك أولاد مُميِّزون، ودخل عليكم شهر رمضان، فاجتهد أن يصوموا رمضان، واستعدَّ لهم ببعض اللُّعب التي يتسَلّون بها عن الطعام والشراب ( احذر من اللّعب المحرَّمة كالتماثيل، وأدوات الموسيقى، والغناء، أو الصور ونحو ذلك ) ولْيقُم الأب والأم في البيت بالتعاون على هذه التربية للأولاد، ومنح الجوائز للأولاد من الذكور والإناث في شهر رمضان .

ولتكن الأم عيناً على الأولاد بالمتابعة في البيت حسب الاستطاعة، ولْيكن الأب حريصاً على الذهاب بالأولاد الذكور معه إلى المسجد ( ويذهب بهم إلى المسجد )، وليعلم الوالدان أنّ لتربيتهما أثراً بإذن الله، وعليهما أن يتوكّلا على الله، ويلجأ كلُّ واحدٍ منهما إلى ربه ويدعو لأولاده، وقد قال الله تعالى : ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60] .

هـ- أيها الأب والأم، اعملا برنامجاً
لأولادكما في رمضان، بحيث يكون مُسليّاً، ومُفيداً، ومُتناسباً مع أعمار الأبناء والبنات ومستوياتهم، ومُشوِّقاً لهم، ومُرغباً في طاعة الله، ومُقبِّحاً الذنوب والمعاصي .

واعلما أنّكم مسئولون عن الأولاد يوم القيامة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه الشيخان. وقال عليه الصلاة والسلام : ( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ) رواه الشيخان.

و- أيها الأب والأم، ادعوا لأنفسكما
ولأولادكما وأنتما صائمان، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ دَعْوَةُ الْصَّائِمِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُوم ) رواه البيهقي في الشعب (صحيح). وقال عليه الصلاة والسلام : ( ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر ) رواه البيهقي في السنن الكبرى وحسّنه الألباني رحمه الله .

ربِّيا أنفسكما على دعاء الله في كل
وقت، وعلى اغتنام أوقات الإجـابة .
والــلــــه الــمــوفــق .

==========================
🎤
خطبـةجمعــةبعنــــوان.tt
التــكافــل في وقـت الشـــدائـد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمد لله الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه، وتوحد في صمديته بدوام بقائه، ونور بمعرفته قلوب أوليائه، وطيب أسرار القاصدين بطيب ثنائه، وأسبغ على الكافة جزيل عطائه، وأمن خوف الخائفين بحسن رجائه، الحي العليم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أرضه ولا سمائه، القدير لا شريك له في تدبيره وإنشائه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

يا رب:
أنا من أنا .. أنا في الوجود وديعة
وغدا سأمضى عابرا في رحلتي

أنا ما مدت يدي لغيرك سائل
فارحم بفضلك يا مهيمن ذلتي

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد، عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته، واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

أمـــا بـــعــــــد :
عباد الله: لقد حرص الإسلام على بناء المجتمع المسلم البناء القوي والمنيع الذي يستطيع به أن يواجه الكوارث والأزمات، والفتن والتحديات في هذه الحياة.

ومن تتبع آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحياة المجتمع المسلم في القرون الأولى، يجد الكثير من النصوص الشرعية، والتوجيهات النبوية، والصور الرائعة، والممارسة العملية، التي تبين أهمية ذلك؛ من خلال الدعوة إلى التعاون والتكافل والتراحم والتعاطف، في كل وقت.

وأما عند نزول المصائب، وحلول الكوارث، وحدوث الفتن والشدائد،؛ فإن الأمر يكون أوجب، والأجر يكون أعظم، قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) [النساء 36].

وقال سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].

كما أن الفرد مأمور بإجادة أدائه الاجتماعي، بأن يكون وجوده فعالاً ومؤثراً في المجتمع الذي يعيش فيه، قال الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"[البخاري: 467].

وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- حال أفراد المجتمع في تماسكهم وتكافلهم بصورة تمثيلية رائعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [مسلم:2586].

بل لا بد للمسلم في زمن المصائب والشدائد والفتن: أن يتنازل عن حظوظ نفسه، ومصالحة الشخصية، من أجل مصلحة العامة، فالطمع والجشع، وحب الذات، يظهر في النفوس؛ لأنه لا يثبت على الأخلاق العظيمة في مختلف الظروف إلا العظماء، قال صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا، هم أهل المعروف في الآخرة" [صححه الألباني في صحيح الجامع].

هذا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في عام الرمادة، وقد اشتد بالمسلمين الفقر والجوع، بسبب القحط، جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت، والزبيب، فجاءه تجار المدينة ، وقالوا له: تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لهم: لقد بعتها بأكثر من هذا، فقالوا: نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة، فقالوا له: فمن الذي زادك؟ وليس في المدينة تجار غيرنا؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: لقد بعتها لله ولرسوله، فهي لفقراء المسلمين.

ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن  الحي، لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة، ولو كانت على حساب البطون الجوعى، والأجساد العارية، وآهات المرضى والجرحى والثكالى، وهموم أصحاب الحاجات!.

وقد وصف الله المجتمع المسلم، وهو في أحلك الظروف، وأشد الأوقات، عندما هاجر المسلمون إلى المدينة، وقد تركوا أموالهم وأعمالهم وتجارتهم، بسبب قريش وأعمالها العدائية ضدهم، لكنهم وجدوا الأنصار في المدينة أهل إيمان وتقوى، وحب للخير، فقد قسموا كل ما يمتلكون بينهم وبين إخوانهم المهاجرين، في هذا الوقت العصيب من حياتهم، فخففوا العبء عنهم والشدة، فخلد الله ذكرهم، وشكر لهم ذلك العمل، فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِد
ُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر:9]

أيها المؤمنون -عباد الله-: ما أحوجنا إلى هذه المعاني السامية، وما أشد افتقارنا إلى التخلق بالرحمة والتعاطف والتكافل، وهذه القيم العظيمة التي تضمّد جراح المنكوبين، والتي تواسي المستضعفين المغلوبين، وتدخل السرور على المحزونين، وتعين المشردين والنازحين، بسبب الحروب والصراعات، والمشاكل والفتن، ولا سيما في هذا العصر، الذي تتعرض فيه كثير من بلاد المسلمين للشدائد والمحن، والذي تلاشت فيه الرحمة من أكثر الخلق، وقست فيه القلوب، فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال، ولا لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء، لا يسمع فيه إلا للغة القوة، ومنطق القدرة، ومبدأ المصلحة الشخصية، فأين نحن قول رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته، حتى يثبتها له أثبت الله -تعالى- قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل" [صحيح الجامع: 176].

وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- صورة من صور المجتمع المسلم، وهم في أحلك الظروف، وأشد الأوقات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا -أي: فني زادهم- فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْـمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" [البخاري: 2354].

وأكد صلى الله عليه وسلم على غلاقة المسلم بأخيه المسلم، فقال: "الْـمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [البخاري: 2310].

وقال صلى الله عليه وسلم: "أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله" [صححه الشيخ شاكر في تخريج المسند: 4880].

بل قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- قوم من مضر عراة ليس عليهم إلا كساء من صوف، وعليهم آثار الفاقة والحاجة، فتغير وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى من حالتهم، وكان أرحم بالناس من أنفسهم، فقام فصلى بالناس، ثم خطب بهم، فقال: "تصدق رجل من ديناره ، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة" فجاء، رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة -يشبه الذهب من الفرح-؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" [رواه مسلم].

فالمسلم لا يعيش لنفسه وحسب، بل لابد أن يتعدى نفعه، وخيره للآخرين، وفي وقت الشدائد والمحن والنكبات يكون الأمر أعظم، وفيه تظهر صورة المجتمع المسلم المتماسك والمتراحم والمتعاون، كما أمر الشرع بذلك، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء: 73].

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77].

اللهم ألف بين قلوبنا
وأصلح ما فسد من أحوالنا ...

قلت ما سمعتم
وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
عباد الله: ليقوم كل واحدٍ منا بواجبه تجاه الآخرين من حوله، خاصة مثل هذه الأيام والشدائد والمحن، والحروب والصراعات، تعصف ببلادنا وبالمسلمين عصفاً، حتى رأينا انعدام الكثير من المواد الغذائية، والمشتقات النفطية، والمواصلات، وتوقفت الأعمال، ومصادر دخل الكثير من الأفراد والأسر، وارتفاع الأسعار.

وهناك الكثير من الفقراء والمحتاجين والمساكين، ومن انقطعت بهم السبل والمشردين والنازحين من المدن والقرى، وهناك من لا مأوى لهم، وقد أنعم الله علينا من فضله، فلنجد على الآخرين من حولنا من فضل، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والعمل النافع خير تقدمه بين يدي الله ليوم القيامة، وإدخال السر
ور على الآخرين ليس له جزاء إلا الجنة، ودفع المصائب والفتن والكوارث، ومصارع السوء عن الفرد والأمة، لا يكون إلا بالتكافل والتراحم، والتعاطف والتسامح، وتقدير ظروف بعضنا البعض، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله -عز وجل-: تجوزوا عنه".

وفي رواية عند مسلم: "فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي" [مسلم: 1560].

فأحسنوا العمل، وتراحموا فيما بينكم، وثقوا بالله، وتضرعوا بين يديه.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولها.

اللهم ادفع عنا كل بلاء، وجنبنا كل فتنة، وثبتنا على الحق حتى نلقاك.

اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل عسر يسرا، ومن كل بلاء عافية، واحفظنا من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومن شر طوارق الليل والنهار، يا رب العالمين.

هذا، وصلوا وسلموا على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين برحمتك يا أرحم الراحمين .

============================
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
الـعشــر الأوســـط من رمـضــــان
للشيخ/ عبـدالحميــد الـتركستاني
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملـخص الخطبـة :
1- دعوة لاغتنام فضيلة الزمان (رمضان). 2- تقسيم الشهر بين المحسنين والمقتصدين والمذنبين. 3- شفاعة الصيام القرآن للعبد يوم القيامة. 4- صيام الجوارح.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
ثم أما بعد أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى واجتهدوا في الأعمال الصالحة في بقية شهركم وكم من الناس حتى يومنا هذا لم يستفد من شهر رمضان قد ضيع نهاره في النوم ولياليه في السهر المحرم، حتى متى يعيش الإنسان للذاته وشهواته، وحتى متى يسير في طريق النار ومع ركب إبليس، ألا ينزجر هذا المسكين، ألا يصبحوا من سبات الغفلة وضياع العمر.

تولى العمر في سهر** و في لهو وفي خسر
فيا ضيعة ما أنفقت ** في الأيام من عمري

أما يعلم المفرط في الطاعة أن شهر رمضان شهر مليء بأسباب المغفرة فمن فرّط في هذه الأسباب كان محروما غاية الحرمان .

وفي الحديث ((من أدرك رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله)) .

وقال سعيد عن قاتدة، كان يقال: من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له في ما سواه، وفي أثر آخر: (إذا لم يغفر له من رد في ليلة القدر؟ متى يصلح من لا يصلح في رمضان، فمن فرط في الزرع في وقت البذار لم يحصد يوم الحصاد إلا الندم والخسار).

فيا من تريد العتق من النار ومغفرة الذنوب ورضا الرحمن، ينبغي لك أن تأتي بأسباب توجب لك الرحمة والمغفرة والعتق من النار وهي كما ذكرنا متيسرة في هذا الشهر من الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإطعامهم والصدقة والاستغفار وغير ذلك من الأعمال الصالحة .

وقد ورد في الترمذي وغيره بسند صحيح ((إن لله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة))، ولكن الأغلب على أول الشهر الرحمة وهي للمحسنين المتقين الذين قاموا بالصيام والقيام وقراءة القرآن قال تعالى إن رحمة الله قريب عن المحسنين فيفاض على المتقين في أول الشهر خلع الرحمة والرضوان، ويعامل أهل الإحسان بالفضل والإحسان، وأما وسط الشهر فالأغلب عليه المغفرة، فيغفر للصائمين، وإن ارتكبوا بعض الذنوب الصغائر فلا يمنعهم ذلك من المغفرة إذا ارتكبوا بعض الذنوب كما قال تعالى وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم .

وأما آخر الشهر فيعتق فيه من النار من أوبقته الأوزار، وصار مستوجبا للنار .

ليت شعري من فيه يقبل منا
فيهنـا يا خيبـة المردود

من تولى عنه بغيـر قبول
أرغم الله أنفقه بخزي شديد

ماذا فات من فاته خير رمضان؟ وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان .

أيها الاخوة: اعلموا أن المؤمن يجتمع له في رمضان جهادان لنفسه جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين، ووفى بحقوقهما وصبر عليهما، وفي أجره بغير حساب قال كعب: ينادي يوم القيامة مناد: إن كل حارث يعطي يحرثه ويزاد غير أهل القرآن والصيام، يعطون أجورهم بغير حساب ويشفعان له أيضا عند الله عز وجل، كما في المسند بسند صحيح، عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال : ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، فيقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)) .

فيا من ضيع عمره في غير الطاعة! يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه ويا من بضاعته التسويف والتفريط! وبئست البضاعة، أيا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجوا من خصمك الشفاعة.

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه
والصور في يوم القيامة ينفخ

رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حظه من قيامه والسهر، كل قيام لا ينهى عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلا بعدا، وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به لا يورث صاحبه إلا مقتا وردا.

يا قوم أين آثار الصيام؟ وأين أنوار القيام؟

إن كنت تنوح يا حمام البان
للبين فأين شاهد الأحزان

أيها المسلمون : ها نحن في بداية العشر الأوسط من رمضان وقد انقضت العشر الأوائل منه بما عملناه من طاعات فنسأل الله عز وجل أن يتقبل منا مصالح الأعمال وأن يغفر لنا التفريط والتقصير.

ابن آدم : يا من تكاسلت عن القيام بواجب الطاعة في أول الشهر لا تكن من المحرومين ففي الوقت فسحة وفي الشهر بقية هل لك الآن أن تبادر وتستقبل بقية الشهر أم تزيد أن تكون من المحرومين؟ أيها العبد الفقير إلى ربك لو عرفت قدر نفسك ما أمرضتها بالمعاصي، لأنك أنت المختار من المخلوقات، ولك أعدت الجنة، إن اتقيت وعملت صالحا، فهي إنما أعدت للمتقين، فكيف ترضى أن تكون من أتباع إبليس، وأن تكون معه في النار غدا من جملة أتباعه، وإنما طرد اللعين عن الجنة من أجلك حيث تكبر عن السجود لأبيك، ثم بعد ذلك ترضى لنفسك أن تكون من حربه وإنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون .

أيها المسلمون : هذا شهر رمضان قد انتصف، فمن منكم حاسب في نفسه لله وانتصف؟ من منكم قام في هذا الشهر بحقه الذي عرف؟ من منكم عزم قبل علق أبواب الجنة أن يبني له في
ها غرفا من فوقها غرف ألا إن شهركم قد أخذ في النقص فزيدوا أنتم في العمل، فكأنكم به وقد انصرف، فكل شهر فعسى أن يكون منه خلف وأما شهر رمضان فمن أين لكم منه خلف؟

تنصف الشهر وا لهفـاه و انهمـر
واختص بالفوز بالجنات من حزما

وأصحب الغافل المسكـين منكسرا
مثلي فيا ويحـه يا عظيم ما حرما

من فاته الزرع في وقت النذار فما
تـراه يحصد إلا الـهـم و الندما

طوبى لمن كانت التقوى بضاعته
في شـهره و بحبـل الله معتصما

يا قوم آلا خاطب في هذه الشهر إلى الرحمن؟ ألا راغب فيما أعده الله للطائعين في الجنان؟ ألا طالب لما أخبر به من النعيم المقيم مع أنه ليس الخبر كالعيان ؟
من يرد ملك الجنان
فليدع عنـه التواني

ليقم في ظلمة الليل
إلى نـور القـران

وليصل صوما بصوم
إن هذا العيش فاني

إنما العيش جوار الله
فـي دار الأمـان

معشر المؤمنين : لقد كان سلفنا الصالح يصومون عن كل محرم وعن كل شهوة من شهوات الدنيا ولسان حال الواحد منهم:
وقد صمت عن لذات الدهر كلها
ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي

رؤى بشر الحافي رحمه الله في المنام، فسئل عن حاله، فقال : علم الله قلة رغبتي في الطعام فأباحني النظر إليه. نعم لقد كانت أماني أولئك الصالحين هو دخول الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم وذلك لأن النظر إلى وجه الله من أعظم نعيم الجنة كلها على الإطلاق كما قال تعالى ولدينا مزيد فالمزيد هو النظر إلى وجه الله الكريم .

من كان يرجو لقاء الله، فإن أجل الله لآت وقد قيل للحافظ عبد الغني النابلسي رحمه الله عندما أتته الوفاه ما تشتهي قال : أشتهي النظر إلى وجه الله الكريم، وقيل لبعضهم : أين نطلبك في الآخرة؟ قال : في زمرة الناظرين إلى الله، قيل له : كيف عملت ذلك؟ قال : بغض طرفي له عن كل محرم، واجتنابي فيه كل منكر ومأثم، وقد سألته أن يجعل جنتي النظر إليه. هذه هي أماني الصالحين ولسان حالهم:

قال الشاعر:
هجرت الخلق طرا في هواك
وأيتمت العيال لكي أراكا

فلـو قطعتني في الحب إربا
لما حن الفؤاد إلى سواكا

فالعارفون لا يسليهم عن رؤي مولاهم قصر، ولا يرويهم دون مشاهدته نهر، هممهم كما ذكرنا أجل من ذلك.

عـــباد الله هذا شهر رمضان ..
الذي أنزل فهي القرآن وفي بقيته للعابدين مستمتع، وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى فيه صاحبه أن يشفع، قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، وتراكمت عليها ظلمت الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكمم يتوالى علينا شهر رمضان وما لنا فيه كحال أهل الشهوة، ألا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة وإذا تليت عليهم آياته جلت قلوبهم جلوه، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أما لنا فيهم أسوة، كم بيننا وبين حال أهل الصفّا أبعد مما بيننا وبين الصفاء المروة.
يا نفس فاز الصالحون بالتقى
وأبصروا الحق وقلبي قد تممي

ويحـك يا نفـس ألا تيقـظ
ينفـع قبـل أن تزل قـدمـي

مضى الزمان في توان وهوى
فاستدركي ما قد بقي واغتنمي


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
أيها المسلمون: ما أشبه الليلة بالبارحة‍‍‍‍!! بالأمس كنا نستقبل رمضان وها نحن نودع أسبوعا كاملا مضى العشر الأوائل منه مضت منه بما فيها من طاعات وأعمال صالحة من صيام وقيام وتلاوة قران وهاهي أيامه الجميلة ولياليه الطاهرة تمشي الهويني لكي تطوي علينا هذا الشهر المبارك.
إذا تم أمر بدا نقصه**تأمل زوالا إذا قيل تم

أيــها الاخــوة: إنه والله من العجيب
أن نرى أناسا ليس لهم هم في هذه الدنيا إلا تضييع الأوقات في اللهو والغفلة تمر عليهم المواسم والفرص ولا يحرصون على استغلالها في طاعة الله انظروا مثلا للناس في صلاة العشاء يملؤن المسجد حتى إذا فرغوا من صلاة العشاء خرجوا من المسجد بحيث أنهم لا يفكروا مجرد تفكير يتبعه عمل، في صلاة التراويح ويحرمون أنفسهم أجر مغفرة الذنوب، وكأن الدنيا فائتة وسوف تذهب عليهم فلماذا العجلة إذاً؟

والبعض يفرط أصلا في صلاة الجماعة حتى في رمضان لا ينصلح حاله، ويترك صلاة الجماعة يعرض نفسه للعقوبة ومشابهة المنافقين، والبعض لا يصون صومه عن الكذب والغيبة والنميمة والغش وسماع الأغاني والموسيقى وغير ذلك من الأعمال التي تخدش أجر الصوم.

لولا الذين له ورد يصلونا
وآخرون لهم سرد يصومونا

فاحذروا أيها المسلمون :
من نواقض الصوم ونواقضه، وصونوه عن قول الزور والعمل به فقد ورد في الحديث الصحيح إن النبي قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخاري.

فالصائم الحقيقي هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش والغيبة والنميمة وقول الزور وبطنه عن الأكل والشرب وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه ون فعل لم يفعل
ما يفسد صومه، فيخرج كلامه نافعا صالحا، وكذلك أعماله هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب كما جاء في الحديث ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش)) رواه الإمام أحمد وهو صحيح .

فالصوم الحقيقي إذن هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الطعام والشراب، فكما أن الطعام والشراب يقطعه فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسر ثمرته، فتصيّره بمنزلة من لم يصم.

قال جابر بن عبد الله : (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء).
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
رمضـان تاريـخ أمــة ( بـدر وجـهاد )
للـــشيـــخ/ مـــحـــمـــــد الــجـــــرافـــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الواحد الديان، أنزل في شهر رمضان القرآن، فكان شهر النصر على مر التاريخ والأزمان، وأشهد أن لا إله إلا الله فتح لنا في رمضان نفحات البر والإحسان، وأغلق فيه لفحات الشر والشيطان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الطيب القلب واللسان، أعز الله به أهل الصدق والإيمان، وهزم به أهل الكفر بالذل والهوان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القسط والميزان.

أمـــا بعـــد فيا أيها الاخوة المؤمنون!
أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

ها هو رمضان قد ذهب ما يقارب نصفه الأول، إلا يوم او يومين وكنا في بدايته نقول: أهلا يا رمضان، واليوم يحق لنا أن نقول: مهلا يا رمضان، وهو في الحقيقة مدرسة متعددة التخصصات والشعب؛ مدرسة دينية، وفقهية، واجتماعية، وأخلاقية، وصحية، وعسكرية، وتاريخية أيضا؛ إذ هو عند السلف الصالح شهر الجهاد والكفاح وشهر الدعوة إلى الصلاح والفلاح، لم يكن عندهم أبدا شهر فتور ونوم وكسل، لم يكن أبدا عندهم مدعاة للتراخي عن العمل، لم يكن عندهم أبدا شهر المنوعات أو بالأحرى الممنوعات الغنائية أو الفلمية .

ان رمضان ثورة تاريخية مِن أجْلِ إسْقاطِ نِظَامِ الهَوَى، وَإِقامةِ نِظَام الهُدى، والإنسان مرتبط بتاريخه لا يعيش الحياة الطيبة بدون تاريخه فبالرجوع إلى التاريخ نتفادى الوقوع في الأخطاء مرتين، ومبدأ المسلم يبينه لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «لا يُلْدَغ المؤمن من جحر مرتين» .

فتعالوا بنا اليوم نرفع الستار عن رمضان في تاريخ الأمة حتى نربط فيه الحاضر المؤسف المشهود، بالماضي المشرِّف المحمود، لبناء المستقبل المستشرف المنشود؛ فقد سجل لنا رمضان للتاريخ ذكريات عظيمة لأشخاص عظماء وجب علينا تذكرهم والاقتداء بهم، وتاريخ الإسلام يبدأ بتاريخ آدم عليه السلام، وكل ما ذكره القرآن الكريم من الأحداث قبل النبي صلى الله عليه وسلم فهو من تاريخ الإسلام؛

ففي رمضان توفي سيدنا موسى عليه السلام أخرجه الحاكم في المستدرك عن الحسن بن علي رضي الله عنه؛ وذلك حينما اتجه بجيشه لفتح القدس، وفي رمضان رفع الله تعالى سيدنا عيسى عليه السلام إلى السماء أخرجه الحاكم في المستدرك أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنه؛ وفي رمضان نزل القرآن الكريم، فكان شهر نزوله ومدارسته؛ يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
وفي شهر رمضان توفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وذلك في السنة العاشرة من البعثة وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين على المشهور

وفي رمضان من نفس السنة ماتت رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ببنته الثانية أم كلثوم فسمي بذلك "ذو النورين".

وفي رمضان من السنة الثالثة للهجرة وَلَدت فاطمة بنتُ النبي صلى الله عليه وسلم ابنَها سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهم، فكان سيد شباب أهل الجنة؛ فحق لشباب الدنيا أن يكون قدوتهم وإمامهم.

وفي رمضان من نفس السنة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة، وكانت رضي الله عنها غنية تحب المساكين حتى لقبت بأم المساكين، وما أجمل مجتمعا يحب فيه الأغنياء المساكين فيساعدونهم ويخففون عنهم معاناة الفقر والجوع!.

وفي رمضان من السنة الثانية من الهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى، فكانت أول انتصار للإسلام على المشركين.

وفي رمضان من السنة الرابعة من الهجرية حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة حماية لها من غزوة الأحزاب التي تشكلت من قبائل العرب المشركين للهجوم على المدينة وعددهم عشرة آلاف مقاتل، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في عملية الحفر، وما أجمل مجتمعا يشارك فيه قادته الأعمال مع الرعية جنبا إلى جنب!.

وفي رمضان من السنة الخامسة للهجرة نزلت براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من حديث الإفك الذي اتهمت به زورا وبهتانا وفي رمضان من السنة الثامنة من الهجرة فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، فأسلم أهلها، وكانت مأوى الإسلام إلى اليوم.

وفي رمضان من السنة التاسعة من الهجرة هدم الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد الضرار، الذي أحدثه المنافقون بجوار المسجد الذي أسس على التقوى مسجد قباء، لتفريق جماعة المسلمين، فوجب إزالة كل ما يفرق الأمة ولو كان مسجدا.
وفي رمضان سنة (40 هـ) استشهد سيدنا علي رضي الله عنه وقد خرج لأداء صلاة الفجر بمسجد الكوفة على يد مجرم من الخوارج اسمه عبد الرحمن بن ملجم ألجمه الله بلجام من النار؛ فقد روى الحاكم في المستدرك وصححه أن الحسن بن علي رضي الله عنه خطب وذكر مناقب أبيه بعد مقتله، فقال: «قتل ليلة أنزل الق
رآن، وليلة أسري بعيسى عليه السلام (أي: رفع إلى السماء) وليلة قبض موسى عليه السلام».

وفي رمضان سنة (92 هـ) قطع طارق بن زياد بجيشه البحر من طنجة إلى جبل ما زال يحمل اسمه "جبل طارق" وخطب فيهم خطبته المشهورة: "أنتم والله أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام؛ أين المفر والبحر من ورائكم والعدو أمامكم؟ فليس عليكم –والله- إلا الصدق والصبر"؛ فالتزموا بالصدق والصبر ففتحوا الأندلس ودخل قرطبة منتصرا وما أجمل الصدق والصبر إذا اجتمعا!.

وفي رمضان سنة (223هـ ) انتصر المسلمون بقيادة الخليفة العباسي المعتصم على الدولة البيزنطية في معركة عمورية؛ وذلك استجابة للصرخة الشهيرة لإحدى المسلمات الأسيرات: (وامعتصماه)، فاستجاب لاستغاثها بجيش فتح بها مدينة عمورية ودخلها الإسلام إلى اليوم؛ واليوم يا ما سمعنا عبر وسائل الإعلام آلافا من النساء والأطفال، يستغيثون في أكثر من مكان ولا من مجيب، ولا معتصم في الأمة؟.
وفي رمضان سنة (658هـ) انتصر القائد المسلم سيف الدين قطز في معركة عين جالوت بفلسطين، على جيوش المغول والتتار بقيادة هولاكو بعد أن ران على القلوب أنها جيش لا يقهر، وعين جالوت في فلسطين اليوم تعاني من جرائم تتار العصر الصهاينة ولا سيف دين في الأمة.

عباد الله أتدرون لماذا تحول لدينا رمضان من شهر الانتصارات، إلى شهر الانهزامات من شهر الأفراح والمسرات، إلى شهر المأسات والنكسات؟ لأننا نصومه ولا نصونه، لأنه أصبح لدينا الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب وكفى!
كلا يا عباد الله!

ما هكذا يصان الصيام، ما هكذا يكون رمضان! أي رمضان يصان لأمة تشتت شملها، وذهب ريحها وعطلت أحكام قرآنها؟ أي صيام يصان لأمة فسد إعلامها فأصبح يرفع من وثيرة فساده في رمضان؟
أي صيام يصان لأمة فسد شبابها فأصبح أسير المخدرات والمسكرات؟ أي صيام يصان لأمة أصبحت الفاحشة لا بأس بها إذا كانت برضا الطرفين؟ أي صيام يصان لأمة فسد اقتصادها وساد في أموالها الحرام؟ أي صيام يصان في أمة فقدت هويتها فأصبحت تلهث وراء تقليد غيرها من الأمم مع الأسف في فسادها وليس في تقدمها؟ أي صيام يصان في أمة علماؤها عن المنكر ساكتون، وبالمعروف لا يأمرون؛ والله تعالى يقول:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} ويقول سبحانه وتعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}… ورحم الله من قال:
لا تجعلنْ رمضان شهر فكاهة
يلهيك فيه من القبيـح فنونه

واعلم بأنك لن تنال قبولـــه
حتى تكون تصومُه وتصونُه

و قال آخر :
ولكن لا أصوم صيامَ قـوم
تكاثر في فطــورهم الطعامُ

فإن وضح النهار طووا جياعا
وقد نهموا إذا اختلط الظلامُ

وقالوا يا نهــــار لئن تجعنا
فإن الليــل منــك لنا انتقام


الخطبــة.الثانيــة.cc
أمــا بعــد عباد الله : في مثل هذه الأيام من رمضان في السابع عشر من رمضان الذي يذكرنا بأول انتصار سجله التاريخ للمسلمين في الميدان العسكري؛ تلكم هي غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة؛ التي سماها القرآن الكريم بالفرقان، لأن الله عز وجل فرق فيها بين الحق والباطل.

تلكم الغزوة التي نجح النبي صلى الله عليه وسلم في تسيير إدارتها فانتصر فيها المسلمون رغم قلة عددهم: ثلاثمائة وخمسة عشر مقاتلا، أمام جيش من المشركين رغم كثرة عدده: تسعمائة مقاتل، إنه جيش يفوقهم عدة وعددا مرتين، بينما لا يتجاوز عدد المسلمين ثلث عدوهم، إنه جيش من المشركين مدججين بأحدث الأسلحة آنذاك، بينما من المسلمين من كان سلاحه عصا في يده، ورغم ذلك انتصر المسلمون فحصدوا من المشركين سبعين قتيلا وسبعين أسيرا، جلهم قادة ورؤساء.
وقد تمخَّضَتْ غَزَاةُ بدر عن دروس وعِبَر عظيمة منها :

*-: صدق الصحابة في موالاتهم للمؤمنين، ومعاداتهم للكافرين، وقد ظهر ذلك في غزوة بدر، عندما قتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه، وهَمّ أبو بكر بقتل ابنه عبد الرحمن، وقتل حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث أبناء عمهم عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وذلك في المبارزة

*أن الإيمان والعمل الصالح من أعظم أسباب النصر؛ ولذلك وعد الله المؤمنين الصالحين بالنصر في غير آية من كتاب الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

*ا أن التوكل على الله من أعظم أسباب النصر، قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

* أن الاختلاف والتنازع من أسباب الفشل والهزيمة أمام العدو، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن المشركين قبل بدء ال
قتال حصل بين قادتهم خلاف كان سبباً لضعف العزائم والهمم، وبالتالي إلى الهزيمة، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].

*- الاستفادة من الظروف البيئية المحيطة أثناء قتال العدو: لم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم الاستفادة من الظروف الطبيعية أثناء قتال العدو، فقد كان يستفيد من كل الظروف المحيطة في ميدان المعركة لخدمة صفّه. ومن أمثلة ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل بدء القتال يوم بدر، يقول المقريزي: "وأصبح صلى الله عليه وسلم ببدر قبل أن تنزل قريش، فطلعت الشمس وهو يصفهم فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه فاستقبلوا الشمس"

*- الدعاء أحد الأسلحة الفتّاكة في مواجهة الأعداء: لما نظّم صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه، وأخذ بكل الأسباب المُتَاحة، رجع إلى عريشه الذى بُنى له ومعه صاحبه أبو بكر، وسعد بن معاذ على باب العريش لحراسته وهو شاهر سيفه، واتجه صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء قائلًا: «اللهمَّ أَنجِزْ لي ما وعدتني. اللهمَّ آتِ ما وعدتني، اللهمَّ إن تَهلِك هذه العصابةُ من أهلِ الإسلامِ لا تُعبدُ في الأرض» رواه مسلم.
وكم أقام الدعاء ممالك وأزال ممالك! فلا ينبغي للمسلمين إهمال الدعاء؛ فشأنه عظيم، وأمره جسيم.

* على القائد أن يكون قريباً من جنوده، يحثهم ويشجعهم على القتال، ويكثر من الصلاة والدعاء لهم بالنصر، ويقاتل معهم كأحد الجنود، وهذا هو حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر

* أن النصر بيد الله، يمنحه من يشاء، وهو الذي نصر المؤمنين ببدر، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].وما النصر إلا من عند الله

* فضل بدر، إذ سماها الله في القرآن باسمها، فقال: ﴿ بِبَدْرٍ ﴾.
تلكم هي أحداث تاريخية وقعت في شهر رمضان جعلت منه مدرسة تاريخية عظيمة، نتحرر بها من وعثاء الجهل وغثاء الواقع، هذا هو رمضان في تاريخ الأمة؛ ولكننا في عصرنا هذا قد تحولت المعايير، ونكست الموازين، فأصبح لدينا رمضان شهر الانهزامات، وأصبحت الأمة تسجل للتاريخ في رمضان المأسات والنكسات فلنراجع في رمضان انفسنا وأحوالنا ولنصلح علاقتنا مع الله حتى نستحق رحمة الله وعونه ونصره .
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
العشر الأواخر من رمضان وليل الصالحين
للـــدكـتـــــور/ مــحـــــمـــــــــد ويـــــــــــــلالــــــــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌


نَحمد الله - تبارَك وتعالى -
أن نسأَ لنا في أعمارِنا حتَّى أشْهَدَنَا هذه اللياليَ المُباركة من شهْر رمضان، الَّذي سمَّاه رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - شهرًا مباركًا، حين قال من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((أتاكُم رمضان، شهر مبارك، فرَض الله - عزَّ وجلَّ - عليْكُم صيامَه، تُفَتَّح فيه أبواب السَّماء، وتغلَّق فيه أبواب الجحيم، وتغَلُّ فيه مردة الشَّياطين، لله فيه ليلة خيرٌ من ألْف شهر، مَن حُرِم خيرَها فقد حُرِم))؛ صحيح النسائي.

كَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِمَّنْ صَامَ فِي سَلَفٍ
مِنْ بَيْنِ أَهْلٍ وَجِيرَانٍ وَإِخْوَانِ
أَفْنَاهُمُ المَوْتُ وَاسْتَبْقَاكَ بَعْدَهُمُ
حَيًّا فَمَا أَقْرَبَ القَاصِي مِنَ الدَّانِي

تقول عائشة - رضي الله عنها -: "كان يَجتهِد في العشْر الأواخِر ما لا يَجتهِد في غيرها"؛ كما رواه مسلم.

وتقول - رضِي الله عنْها -: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا دخَل العشْر، شدَّ مِئْزَرَه، وأحْيا ليْلَه - سهِره؛ أي: تعبَّد معظم الليل - وأيْقظ أهله"؛ متَّفق عليه.

وقد حثَّ النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على الاستِعاذةِ من أرْذَل العمر، فقال: ((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجُبْن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرْذل العمر، وأعوذُ بك من فِتْنة الدُّنيا، وأعوذ بكَ من عذاب القبْر))؛ رواه البخاري.

وكان سعْد بن أبي وقَّاص يعلِّم بنيه هؤلاءِ الكلِمات كما يعلِّم المعلِّم الغِلْمان الكِتابة، ويقول: "إنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كان يتعوَّذ منهنَّ دبُر الصَّلاة"؛ البخاري.

ولا شكَّ أنَّها مرحلة عمريَّة استقطبتْ كثيرًا من الاهتِمام، طيلة العصور البشريَّة المختلِفة، ونسجتْ حولَها من التَّعاويذ والخرافات - بغْية التَّخْفيف من أعْراضِها - ما طارتْ شُهْرَتُه في الآفاق.

وتوصَّل الباحثون - في دراسة حديثة - إلى أنَّ مدار تَخفيف آثار مرحلة أرْذل العمر على صاحبِها، يكمن في عنصرَين اثنين هما: القراءة والرياضة؛ لما لهاتين الوسيلتَين من تأثير على خلايا الجسم المختلفة - الدماغيَّة والعضليَّة والعصبيَّة - فتعمل على تنشيطِها وتقْويتها، فتحمي الإنسانَ من الضَّعف والخُمول، على أن تُمارَس في مراحل العمر الأولى بعد التَّمييز والتَّكليف، ويواظب عليْها.

وقد هيَّأ لنا الإسلام هاتَين الوسيلتَين باعتبارِهِما طريقتَين للتقرُّب إلى الله، ونيْل رضاه، وهما: الصَّلاة وقراءة القرآن؛ فقد جعل الله الصَّلاة رُكنًا من أرْكان الإسلام تؤدَّى خَمْس مرَّات في اليوم، مع ما يصْحَبُها من رواتِب تبلُغ في اليوم الواحد اثْنَتَي عشْرة أو أرْبع عشْرة ركعة[2]، فضلاً عن النَّوافل التي لا تُحْصَر بعدد.

فالصَّلاة فيها من الحركات الخفيفة والمتناسِقة، التي تُبقي على خلايا الأجهِزة المختلِفة للجِسْم نشِطة وقويَّة، ومن أفضل الصَّلوات بعد الفريضة صلاة قيام اللَّيل؛ لما لها من تأْثير في صفاء النَّفس وسكونِها وطمأنينَتِها.

وقد أظهرتِ الدِّراسات الحديثة أنَّه من الصِّحِّي جدًّا قطْع النَّوم في اللَّيل، والقيام ببعْض الحركات اليسيرة، ثمَّ الرجوع إلى النَّوم، وليس أفضل من صلاة قيامِ اللَّيل لتحْقيق هذا الهدف.

كما أظهرتِ الدِّراسات أيضًا وجودَ فوائدَ مختلفة لحركات الصَّلاة المختلِفة على صحَّة الجسم وعافيتِه، فمثلاً: وضْع اليد اليمنى على اليُسرى عند المعصم، تُساعِد في معالَجة الاكتِئاب والاضطِراب والقلَق، فتعْطي نوعًا من الاستِرْخاء والسَّكينة، كذلِك فإنَّ وضْع الجبهة على الأرْض في السُّجود، يعمل على تفْريغ الجسم من الشحْنات الكهربائيَّة، ممَّا يخلِّص الجسم من الصداع والقلق والاضطِراب والإرْهاق، إلى غير ذلك من الفوائد.

ولعلَّ رمضان درَّبه على قِيام اللَّيل في سائر الليالي الأُخرى؛ قال النَّوويُّ: "يُستحبُّ أن يُزاد من العبادات في العشْر الأواخر من رمضان، وإحياء لياليه بالعبادات".

وقال الشَّافعيُّ: "أستحبُّ أن يكونَ اجتِهادُه في نهارِها كاجتهادِه في ليلِها".

وكان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يلتزِم ذلك، ويحثُّ أهلَه وأمَّتَه عليه، قال عليُّ بنُ أبِي طالب - رضِي الله عنْه -: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوقِظ أهلَه في العشْر الأواخر من رمضان"؛ صحيح سنن التِّرْمذي.

كيف وفيها ليْلة القدر، التي هي خير من عبادة ألْف شهر؛ أي: 83 سنة وأربعة أشهر، قال بعض أهل العلم: "هِي خيرٌ من الدَّهر كلِّه؛ لأنَّ العرب تذكُر الألف غاية في العدد"، وهي ليلة ﴿ تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ [القدر: 4]، إنَّها اللَّيلة التي تتنزَّل فيها الملائكة حتَّى تكون أكثر في الأرض من عدَد الحصى.

وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ليْلة ا
لقدْر: ليلة سابعةٍ أو تاسعةٍ وعشرين، إنَّ الملائكة تلك الليلة في الأرْض أكثر من عدَد الحصى))؛ صحيح الجامع.

يؤمِّنون على دعاء النَّاس، ويسلِّمون على أنفُسِهم وعلى المؤمنين في المساجِد حتَّى يطلع الفجْر.

وهي ليلة الحُكْم؛ ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، وهي الليلة التي مَن قامها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه.

فوجب الاهتمام بهذِه اللَّيلة وتعْظيم أمرِها، قال الورَّاق: "سمِّيتْ ليلة القدر؛ لأنَّه نزل فيها كِتاب ذو قدْر، على لسان مَلَك ذي قدْر، على رسولٍ ذي قدْر، وأمَّة ذات قدْر".

قال الزهري: "سمِّيتْ ليلة القدر؛ لِعِظَمها وقدْرها وشرَفها، من قولهم: لفلان قدْر؛ أي: منزلة".

فيا مَن أراد الرفعة في الدارَين، وأراد الفوز بالمرتبتَين، استغلَّ فرصة العشر؛ لجبر ما مضى.

تَنَصَّفَ الشَّهْرُ وَالَهْفَاهُ وَانْصَرَمَا
وَاخْتَصَّ بِالفَوْزِ بِالجَنَّاتِ مَنْ خَدَمَا
وَأَصْبَحَ الغَافِلُ المِسْكِينُ مُنْكَسِرًا
مِثْلِي فَيَا وَيْحَهُ يَا عُظْمَ مَا حُرِمَا
مَنْ فَاتَهُ الزَّرْعُ فِي وَقْتِ البِذَارِ فَمَا
تَرَاهُ يَحْصُدُ إِلاَّ الهَمَّ وَالنَّدَمَا
طُوبَى لِمَنْ كَانَتِ التَّقْوَى بِضَاعَتَهُ
فِي شَهْرِهِ وَبِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمَا

وقد أخْفاها ربُّنا - عزَّ وجلَّ - حتَّى لا يُقتصَر في العبادة عليْها، دون سائر العشر.

قال الفخر الرازي - رحِمه الله -: "إنَّ الله أخْفى هذه اللَّيلة لوجوه، أحدها: أنَّه أخفاها كما أخْفى سائر الأشياء، فإنَّه أخفى رضاه في الطَّاعات حتَّى يرْغبوا في الكلِّ، وأخْفى غضبه في المعاصي ليحترِزوا عن الكلِّ، وأخفى الإجابة في الدُّعاء ليبالغوا في كلِّ الدعوات، وأخْفى قبول التوبة ليواظِب المكلَّف على جَميع أقسام التَّوبة".

وفي حديث عبادة بن الصَّامت - رضِي الله عنْه - قال: خرج رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ليخبِر النَّاس بليلة القدْر، فتلاحى - تنازع وتخاصم - رجُلان من المسلِمين، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((خرجتُ لأخبِرَكم، فتلاحى فلان وفلان، وإنَّها رفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمِسوها في التَّاسعة والسَّابعة والخامِسة))؛ البخاري.

وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وقدْ رأيتُ هذه اللَّيلة فأُنسيتُها، فالتمِسوها في العشْر الأواخر في كلِّ وتر))؛ مسلم.

وأرْجح الأقْوال أنَّها في الوِتْر من العشْر الأواخر، وأنَّها تنتقِل.

وأرْجى أوْتار العشر عند الجمهور: ليلة سبْع وعشرين؛ "فتح الباري".

عن زِرِّ بن حُبَيْش قال: سألتُ أُبَيَّ بن كعب - رضِي الله عنْه - فقلتُ: إنَّ أخاك ابن مسعود يقول: "مَن يَقُم الحوْل يُصِبْ ليلةَ القدْر"، فقال - رحِمه الله -: "أراد ألاّ يتَّكل النَّاس، أما إنَّه قد علم أنَّها في رمضان، وأنَّها في العشْر الأواخر، وأنَّها ليلة سبع وعشرين"، ثمَّ حلف - لا يستثني - أنَّها ليلة سبع وعشرين، فقلتُ: بأيِّ شيءٍ تقول ذلك يا أبا المنذِر؟ قال: بالعلامة أو بالآية الَّتي أخبرَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها"؛ مسلم.

ويدلُّ عليْه أيضًا قولُه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((تحرَّوا ليْلة القدْر، فمَن كان متحرِّيَها فليتحرَّها في ليْلة سبعٍ و عشْرين))؛ صحيح الجامع.

وقالتْ عائشة - رضِي الله عنْها -: قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيت إن علمْتُ أي ليلةٍ هيَ ليلة القدر، ما أقولُ فيها؟ قال: ((قولي: اللهمَّ إنَّك عفوٌّ تُحبُّ العفو فاعفُ عنِّي))؛ متَّفق عليْه.

ولقدِ اهتمَّ السَّلف بهذه العشْر، وهذه الليلة أيّما اهتِمام.
يَا رِجَالَ اللَّيْلِ جِدُّوا
رُبَّ صَوْتٍ لا يُرَدُّ
لا يَقُومُ اللَّيْلَ إِلاَّ
مَنْ لَهُ عَزْمٌ وَجِدُّ

ومن فرْط حبِّهم لهذه اللَّيالي المباركة: أنَّهم كانوا يستحبُّون أن يغتسِلوا كلَّ ليلةٍ من لياليها - كما كان يفعل النخعي - وكان أيُّوب السختياني يغتسِل ليلة ثلاث وعشرين، وأربع وعشرين، ويلبَس ثوبَين جديدين، ويتطيَّب.

ورُوي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّه إذا كان ليلة أرْبع وعشرين، اغتسل وتطيَّب، ولبس حلَّة: إزار ورداء، فإذا أصبح طواهُما فلم يلبَسْهما إلى مثلِها من قابل.

وكان ثابتٌ البناني وحميدٌ الطَّويل يلبَسان أحسنَ ثيابِهما، ويتطيَّبان ويطيِّبان المسجد بالنَّضوح في اللَّيلة التي تُرْجَى فيها ليْلة القدر.

وقال ثابتٌ: وكان لتميم الدَّاريِّ حُلَّة اشتراها بألف درهم، وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.

ولَم يكونوا يقتصِرون في إحياء العشر على أنفسهم، بل كانوا يوقظون نساءهم وأبناءهم، تأسِّيًا برسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال ابن رجب: "ولم يكُن النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا بقي من رمضان عشَرة أيَّام، يدَع أحدًا من أهلِه يُطيق القيام إلاَّ أقامه".

وقال سفيان الثَّوري: "أَحب إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يَتهجَّد باللَّيل، وي
َجتهِد فيه، ويُنهِض أهله وولدَه للصَّلاة إن أطاقوا ذلك".

بل كان هذا ديْدن عمر بن الخطَّاب في سائر الأيَّام، فقد كان يصلِّي من اللَّيل ما شاء الله، حتَّى إذا كان نصف اللَّيل، أيْقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم: الصَّلاةَ الصَّلاة، ويتلو: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

وهذا ابن عبَّاس - رضِي الله عنْه - قال: "بتُّ عند خالتِي ميْمونة ليلة، فقام النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فلمَّا كان في بعْض اللَّيل، قام الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فتوضَّأ من شنٍّ معلَّقة وضوءًا خفيفًا ثمَّ قام يصلِّي، فقُمت فتوضَّأت نحوًا ممَّا توضَّأ، ثمَّ جئتُ فقُمت عن يسارِه، فحوَّلني فجعلنِي عن يَمينه، ثمَّ صلَّى ما شاء الله".

قال إبراهيم بن وكيع: "كان أبي يصلِّي، فلا يبقى في دارِنا أحدٌ إلاَّ صلَّى، حتَّى جارية لنا سوداء".

كان طلحة بن مصرف يأمُر نساءَه وخدمه وبناتِه بقيام الليل، ويقول: "صلُّوا ولو ركعَتَين في جوْف اللَّيل، فإنَّ الصَّلاة في جوْف اللَّيل تحطُّ الأوْزار، وهى من أشْرف أعمال الصَّالحين".

قال إبراهيم بن شماس: "كنتُ أعرِف أحمد بن حنْبل وهو غُلام يُحيي اللَّيل".

وكان ابنُ عُمَر يقرأ هذه الآية: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 9]، قال: "ذاك عثمان بن عفان - رضي الله عنه".

وقال ابنُ أبي حاتم: "وإنَّما قال ابنُ عمر ذلك؛ لكثرة صلاةِ أمير المؤمنين عُثمان باللَّيل وقراءته، حتَّى إنَّه ربَّما قرأ القُرآن في ركعة".

وعن علقمة بن قيس قال: "بتُّ مع عبدالله بن مسعود ليلة، فقام أوَّل الليل، ثمَّ قام يصلِّي، فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجِد حيِّه: يرتِّل ولا يراجع، يُسمع مَن حوله ولا يرجع صوته، حتَّى لَم يبْقَ من الغلس - ظلمة آخر الليل - إلاَّ كما بين أذان المغرب إلى الانصِراف منها، ثم أوْتر".

وفي حديث السائب بن زيد قال: "كان القارئ يقْرأ بالمئين – يعني: بمئات الآيات - حتَّى كنَّا نعتمِد على العصيِّ من طول القيام، قال: وما كانوا ينصرِفون إلاَّ عند الفجر".

كيف ورسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((يتنزَّل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلة إلى السَّماء الدنيا، حين يبقى ثلُث الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن يسألُني فأعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟))؛ متَّفق عليه.

وفي لفظٍ عند مُسلم: ((مَن يقرض غير عَديم (فقير) ولا ظلوم)).

وكانوا يهتمُّون مع الصَّلاة بالقُرآن الكريم؛ فقد نقَلَ الذَّهبي عن الأسودِ بن زيْد: "أنَّه كان يَختم القرآن في رمضان في كلِّ ليلتَين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يَختم القُرآن في غير رمضان في كلِّ ستِّ ليال".

وكان قتادة - رحِمه الله - يَختم القُرآن في كلِّ سبع ليالٍ مرَّة، فإذا دخل رمضان ختمَ في كلِّ ثلاث ليال مرَّة، فإذا دخل العشْر ختم في كلِّ ليلة مرَّة.

وهذا من خصائصِ هذا الشَّهر المبارك، الَّذي يبارك الله فيه للمخْلصين في أوقاتِهم وعبادتِهم، فلا عجب.

• بل إنَّ الشَّافعي كان يَختم القُرآن في شهْر رمضان ستِّين ختمة، وفي كل شهرٍ ثلاثين ختمة، يَختمه في صلاة، وليس قراءة، والخبر مشْهور في كتُب السير.
• وكان وكيع بن الجرَّاح "يقرأُ القرآن في رمضان في الليل ختمة وثلثًا، ويصلِّي مع ذلك اثنتي عشرة ركعة من الضِّحى، ويصلِّي من الظهر إلى العصر".
• ويقول عبدالرَّحمن بن هرمز: "كان القرَّاء يقومون بسورة البقَرة في ثَمان ركَعات، فإذا قام بِها القرَّاء في اثنتَي عشرةَ ركعة، رأى النَّاس أنَّه خفّف عنْهم".
• ويقول ابنُ أبي مُليْكة: "كنتُ أقومُ بالنَّاس في شهر رمضان، فأقرأُ في الرَّكعة: "الحمد لله فاطر" (46 آية) ونحوَها، ما يبلُغُني أنَّ أحدًا يستثْقِل ذلك".
• وقام رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بأصحابه مرَّة إلى ثلُث اللَّيل، ومرَّة إلى نصْف اللَّيل، فقالوا: لو نفلْتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: ((إنَّه مَن قام مع الإمام حتَّى ينصرِف، كتب له قيام ليلة))؛ صحيح أبي داود.
• وكانت امرأة أبي محمَّد حبيب الفارسي تقول له بالليل: "قد ذهب اللَّيل، وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصَّالِحين قد سارت قُدَّامَنا، ونحن قد بقينا".

ويدلُّ كلُّ ذلك على شغَفهم الشَّديد بالصَّلاة، وولعِهم بحضور الجماعة، فقد كان الرَّبيع بن خُثيم - رحِمه الله - بعد ما سقط شقه – أي: أصابه الشَّلل النصفي - يهادَى بين الرجُلين في المسجد، وكان أصحابُه يقولون له: يا أبا اليزيد، قد رخَّص الله لك لو صلَّيت في البيت، فيقول: "إنَّه كما تقولون، ولكنِّي سمِعْتُه ينادي: حيَّ على الفلاح، فمَن سمع منكم: حيَّ على الفلاح، فليُجِبْه ولو زحفًا، ولو حبوًا".

وعن ابن المسيب قال: "ما فاتتْني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة، وما فاتتني التَّ
كبيرة الأولى منذ خَمسين سنة، وما نظرتُ في قفا رجُل في الصَّلاة منذ خَمسين سنة".

وعن عبدالله بن الشخير - رضِي الله عنه - قال: "أتيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهو يصلِّي، وفي صدْره أزيز كأزيز المرجل من البكاء"؛ صحيح أبي داود.

وقال وكيع: "كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفُتْه التَّكبيرة الأولى، واختلفتُ إليه قريبًا من ستِّين سنة، فما رأيتُه يقْضي ركعة واحدة".

وقال ابن وهب: رأيتُ سفيان في الحرَم بعد المغرب صلَّى، ثم سجد سجدةً، فلم يرجع حتى نودي للعشاء.

وقال الحسين: "تزوَّج عثمان بن أبي العاص امرأةً من نساء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: "واللهِ، ما نكحتُها حين نكحتُها رغبةً في مال ولا ولد، ولكن أردتُ أن تُخْبِرني عن ليل عمر".

وقد قال الحافِظ ابن كثير عن ليْل عمر: "كان يصلِّي بالنَّاس العشاء، ثم يدخُل بيْتَه فلا يزال يصلِّي إلى الفجْر".

ويقول نافع عن ابن عمر - رضِي الله عنهم أجْمعين -: "إنَّه لمَّا قرأ قولَه تعالى: ﴿ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 284] بكى بكاءً شديدًا، وأخذ يردِّد: والله، إنَّ هذا الإحْصاء لشديد، والله إنَّ هذا الإحصاء لشديد".

وكان ابن مسعود إذا هدأتِ العيون، قام، فيُسمَع له دويٌّ كدويِّ النَّحل حتى الصبح.

وكان علي بن أبي طالب إذا حضر وقْت الصَّلاة، يتزلزل ويتلوَّن وجهُه، فقيل له: "ما لك يا أميرَ المؤمنين؟"، قال: "جاء وقت أمانةٍ عرضَها الله على السَّموات والأرض والجبال، فأبيْن أن يحمِلْنها، وأشفقن منها، وحملتُها".

وقيل للحسن: ما بال المتهجِّدين من أحسن النَّاس وجوها؟ قال: "لأنَّهم خَلَوا بالرَّحمن، فألبسَهم نورًا من نورِه".

وقال أبو النضر إسحاق بن إبراهيم: "كنت أسمع وقْع دموع سعيد بن عبدالعزيز - يقصد إمام أهل الشام التنوخي - على الحصير في الصَّلاة".

وقال أبو عبدالرحمن الأسدي: قلت لسعيد بن عبدالعزيز: ما هذا الَّذي يعرض لك في الصَّلاة؟ فقال:"يا ابن أخي، وما سؤالُك عن ذلك؟" قلتُ: لعلَّ الله أن ينفعني به، قال: "ما قُمتُ إلى الصَّلاة إلا مثلتْ لي جهنَّم".

وقال حاتم الأصم: "فاتتْني صلاة الجماعة، فعزَّاني أبو إسحاق البخاري وحْده، ومات لي ولدٌ، فعزَّاني أكثر من عشَرة آلاف، ولأن مصيبة الدِّين أهْون عند النَّاس من مصيبة الدنيا".
تَزَوَّدْ مِنَ التَّقْوَى فَإِنَّكَ لا تَدْرِي
إِذَا جَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَعِيشُ إِلَى الفَجْرِ
فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ
وَكَمْ مِنْ سَقِيمٍ عَاشَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ
وَكَمْ مِنْ صَبِيٍّ يُرْتَجَى طُولُ عُمْرِهِ
وَقَدْ نُسِجَتْ أَكْفَانُهُ وَهْوَ لا يَدْرِي

فهؤلاء هم الرِّجال الذين يفتخر بهم، ويُذكَرون في المواطن.

عن حذيفة قال: جاء أهل نجْران إلى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقالوا: ابعثْ عليْنا رجُلاً أمينًا، فقال: ((إني أبعثُ إليكم رجلاً أمينًا))، فاستشرف لها أصحابُ رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فبعث أبا عُبيدة بن الجراح؛ رواه البخاري، وقال فيه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لكلِّ أمَّة أمين، وأمين هذه الأمَّة أبو عبيدة بن الجرَّاح))؛ متَّفق عليه.

وقال عمر لجلسائِه: "تمنَّوا"، فتمنَّوا، فقال عُمر: "لكنِّي أتمنَّى بيتًا ممتلئًا رجالاً مثل أبي عُبَيْدة بن الجرَّاح"؛ المستدرك.

هؤلاء فرسان الليل.
كان أبو إسحاق السَّبيعي - رحمه الله - يقول: "يا معشر الشَّباب، جدُّوا واجتهدوا، وبادروا قوَّتكم، واغتنِموا شبيبتَكم قبل أن تعجزوا، فإنَّه قلَّ ما مرَّت عليَّ ليلة إلاَّ قرأت فيها بألف آية".

وكان عبدالواحد بن يزيد - رحِمه الله - يقول لأهله في كل ليلة: "يا أهلَ الدَّار، انتبهوا – أي: من نومكم - فما هذه – أي: الدنيا - دار نوم، عن قريب يأكلُكم الدود".

وقال محمد بن يوسف: كان سفيان الثَّوري - رحِمه الله - يُقيمنا في اللَّيل ويقول: "قوموا يا شباب، صلُّوا ما دمتم شبابًا، إذا لم تصلُّوا اليوم، فمتى؟!".

وكان بعض الصَّالحين يقف على بعض الشَّباب العبَّاد إذا وضع طعامهم، ويقول لهم: لا تأكلوا كثيرًا، فتشربوا كثيرًا، فتناموا كثيرًا، فتخسروا كثيرًا".

وقال أبو جعفر البقال: "دخلتُ على أحمد بن يحيى - رحمه الله - فرأيتُه يبكي بكاء كثيرًا ما يكاد يتمالك نفسه، فقلت له: أخبرني ما حالك؟ فأراد أن يكتُمني فلم أدعْه، فقال لي: فاتني حزبي البارحة، ولا أحسب ذلك إلاَّ لأمر أحدثتُه، فعوقبت بمنْع حزبي، ثم أخذ يبكي".

وقال رجل للحسَن البصري: أعياني قيام الليل، فقال: "قيَّدتْك خطاياك".

وقالت امرأة مسروق بن الأجْدع: "واللهِ، ما كان مسروق يُصْبِح من ليلة من اللَّيالي إلاَّ وساقاه منتفِخَتان من طول القيام"، وكان - رحِمه الله - إذا طال عليه الليل وتعب، صلَّى جالسًا ولا يترك الصَّلاة، وكان إذا فرغ من صلاتِه يزحف – أي: إلى فراشه - كما يزحف البعير!

وكان ثابت البناني قد حبِّبَتْ
إليه الصلاة، فكان يقول: "اللَّهمَّ إن كنتَ أذِنت لأحدٍ أن يصلِّي لك في قبره، فائذن لي أن أصلِّي في قبري".

وقال أبو الدرداء: "لوْلا ثلاث ما أحببتُ العيش يومًا واحدًا: الظَّمأ لله بالهواجر، والسُّجود لله في جوْف الليل، ومجالسة أقْوام ينتقون أطايِبَ الكلام كما ينتقى أطايب الثَّمر".

وقال عبدالله بن داود: "كان أحدهم إذا بلغ أربعين سنة، طوى فراشه"؛ أي: كان لا ينام طول الليل.

وقال أحمد بن حرب: "يا عجبًا لِمن يعرف أنَّ الجنَّة تُزَيَّن فوقه، وأنَّ النَّار تسعَّر تحته، كيف ينام بيْنهما؟!".

قال معْمر: "صلَّى إلى جنبي سليمان التيْمي - رحِمه الله - بعد العشاء الآخرة، فسمعتُه يقرأ في صلاتِه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1] حتَّى أتى على هذه الآية: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الملك: 27]، فجعل يردِّدها حتَّى خفَّ أهل المسجد وانصرفوا، ثمَّ خرجتُ إلى بيْتي، فلمَّا رجعتُ إلى المسجد لأؤذِّن الفجر، فإذا سليمان التيْمي في مكانه كما تركتُه البارحة، وهو واقف يردِّد هذه الآية لم يُجاوزها: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾.

وقال الفُضَيْل بن عياض - رحِمه الله تعالى -: "إذا لم تقْدر على قيام اللَّيل، وصيام النَّهار، فاعلم أنَّك مَحْروم مكبَّل، كبَّلتك خطيئتُك".

وكان أحد الصَّالحين يصلِّي حتَّى تتورَّم قدماه، فيضربُها ويقول: "يا أمَّارة بالسوء، ما خلقتِ إلاَّ للعبادة".

وصلَّى سيِّد التابعين: سعيد بن المسيب - رحِمه الله - الفجْر خمسين سنة بوضوء العِشاء، وكان يسرُد الصَّوم.

وقال يزيد بن أبان الرقاشي - رحِمه الله - : "إذا نِمْتُ فاستيقظْتُ، ثمَّ عُدتُ في النَّوم، فلا أنام اللهُ عيني".

وكان عبدالعزيز بن أبي روَّاد - رحِمه الله - يُفرَش له فراشه لينام عليْه باللَّيل، فكان يضَع يده على الفراش فيتحسَّسه ثمَّ يقول: "ما ألْيَنك! ولكن فِراش الجنَّة ألين منك"، ثمَّ يقوم إلى صلاته.

قال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: "ربَّما أقوم خَمْسَ ليالٍ متوالية بآيةٍ واحدة، أردِّدُها وأطالب نفسي بالعمل بما فيها، ولولا أنَّ الله تعالى يمنُّ عليَّ بالغفلة، لما تعدَّيت تلك الآية طول عمري؛ لأنَّ لي في كلٍّ تدبُّر علمًا جديدًا، والقُرآن لا تنقضي عجائبُه".

قال رجلٌ لإبراهيم بن أدهم - رحِمه الله -: إني لا أقْدِر على قيام اللَّيل، فصف لي دواء، فقال: "لا تعْصِه بالنَّهار، وهو يقيمُك بين يديْه في اللَّيل، فإنَّ وقوفك بين يديْه في اللَّيل من أعْظم الشرف، والعاصي لا يستحقُّ ذلك الشَّرف".

فاللهُمَّ وفِّقْنا إلى ما تُحبُّه وترْضاه، واجعلْنا ممَّنِ اعتنى برمضان، فصام يومَه، وأحيا ليْله، وقضى حقَّه.
والحمد لله ربِّ العالمين.


[1] درس ألقي ليلة السَّابع والعشرين من رمضان (1430 هـ) بمسجد الهدى بمراكش.
[2] وقد أظهر الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم أن الآية: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ ﴾ رقمها في سورة البقرة: 238، وهو حاصل ضرب 17 (عدد ركعات الفرائض) في 14 (عدد ركعات الرواتب)، والله أعلم.

==========================
2024/09/28 07:25:38
Back to Top
HTML Embed Code: